مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض

المسائل الطبية
جلد
1
المسائل الطبية
جلد
1
سؤال:إذا تبين بعد إجراء الفحوصات الدقيقة إن الجنين الذي في داخل رحم المرأة سيولد مشوها فهل يجوز إجهاضه؟
الجواب:بسمهتعالى .لا يجوز إجهاضه،و اللّه العالم.
سؤال:هل يجب شرعا على الطبيب بعد التخرج من الكلية الطبية أن يواصل الإطلاع و القراءة في كتب الطب الحديثة حتى يكون على إطلاع و معرفة بآخر تطورات الوسائل العلاجية و التشخيصية و بالتالي يقوم بتقديم أفضل الخدمات للمرضى المسلمين و الحفاظ على حياتهم؟
الجواب:إذا أراد ممارسة عمل الطب و القيام بها وجب عليه ذلك حتى لا يكون مقصرا في أداء وظيفته و معاقبا شرعا.
سؤال:هل من حق الطبيب تغذية الإنسان المضرب عن الطعام بصورة قسرية؟و ذلك لإنقاذ حياته من الموت أم لا؟
الجواب:نعم يجب عليه تغذيته بصورة قسرية إذا توقف إنقاذ حياته على ذلك،على أساس أن إنقاذ المسلم من التهلكة و الموت واجب شرعا على كل من يكون قادرا عليه.
سؤال:هل يجب أخذ إذن المضرب عن الطعام أو إذن وليه قبل تغذيته بصورة قسرية و إنهاء إضرابه،أم لا يجب؟علما أنه لو استمر في إضرابه عن الطعام سوف يموت بصورة مؤكدة؟أم أنه لا يحق لنا أصلا تغذيته و إنهاء إضرابه؟
الجواب:لا يجب الإستئذان منه في ذلك،و لا من وليه،فإن كان الإضراب خطرا على حياته وجب إستنقاذها بأيّة وسيلة ممكنة و لو بصورة قسرية.
سؤال:بعض الأطباء و خصوصا غير المسلمين و المسلمين غير المتورعين ينصح المريض بتناول الخمر كعلاج لبعض الحالات المرضية،فما حكم مثل هذه النصائح؟جائزة شرعا أم لا؟
الجواب:إذا كان علاجه منحصرا بتناول الخمر على أثر تشخيص الأطباء جاز له هذه النصائح كما جاز للمريض شربها،و إلا فلا و اللّه العالم.
سؤال:بعض الأدوية كالشرابات تدخل في صناعتها مادة الكحول ما هو حكم المريض الذي يتناولها و حكم الطبيب؟
1-في حالة علمهم بوجود الكحول فيها؟
الجواب:لا بأس بتناول الأدوية التي فيها الكحول حيث لا يصدق على تناولها تناول تلك المادة بإعتبار أنها مستهلكة فيها و لا تناول النّجس فان الكحول بتمام أنواعه المستعملة في الأدوية و غيرها محكوم بالطهارة عندنا و عليه فلا فرق بين حالة العلم به و الجهل.
سؤال:بعض العلماء الباحثين في علم الأدوية يقوم بتجربة بعض العقاقير على الحيوانات،علما إن هذه التجارب قد تؤدي إلى قتل الحيوان أو إصابته بأمراض تؤدي إلى إلحاق الأذى به.ما هو حكم مثل هذه التجارب على الحيوان،علما إن الهدف من هذه التجارب إكتشاف أدوية جديدة لخدمة الإنسان و تقليل معاناته من الأمراض؟
الجواب:لا بأس بذلك،و اللّه العالم.
سؤال:ما هو حكم إجراء تجارب الأدوية على الإنسان الكافر في حالة:
أ-يعلم بهذه التجارب؟
الجواب:ينبغي أن تكون مثل هذه التجارب على الحيوان دون الإنسان،و اللّه العالم.
ب-لا يعلم بهذه التجارب؟علما إن الهدف من هذه التجارب إكتشاف عقاقير جديدة لخدمة الإنسان و تخفيف معاناته من الأمراض الكثيرة؟
الجواب:يظهر مما سبق.
سؤال:مكونات الدم لوحدها خالصة ككريات الدم البيض خالصة أو كريات الدم الحمر خالصة أو البلازما هل تعتبر نجسة أم طاهرة؟و هل تعتبر عملية فصل الدم إلى هذه المكونات عملية إستحالة أم لا؟علما أنه بعد فصل هذه المكونات تعطي للمريض بواسطة أكياس خاصة و حسب حاجة المريض؟
الجواب:إذا كانت تلك المكونات من أجزاء الدم فهي نجسة،و اللّه العالم.
سؤال:شخص أخذ من أحد المستشفيات بعض المستلزمات الطبية جاهلا بحرمة أخذها و ارتفع جهله بعد أن استهلك جميع ما أخذ،ما حكمه؟
الجواب:إذا كان غنيا يتصدق بثمنه إلى الفقراء،و اللّه العالم.
سؤال:بعض الأشخاص يرتادون المستشفيات يوميا لأخذ الدواء( شراء الدواء عن طريق البطاقة الصحية الأصولية)و بإزاء مبلغ زهيد و بيعه خارج المستشفى بأسعار باهظة علما أن هذا التصرف قد يؤدي إلى حرمان المريض داخل المستشفى من فرصة الحصول على دوائه.
أ-ما هو حكم الأخذ(الأشخاص)؟
ب-ما هو حكم الطبيب الذي يعلم بذلك و يصرف لهم الدواء؟
ج-ما هو حكم البيع؟
د-ما هو حكم الأموال المأخوذة من هذا البيع؟
الجواب:لا يجوز ذلك كله،لأنه يؤدي إلى إختلال النظام و الهرج و المرج و تضييع حقوق الآخرين،و بذلك يظهر حكم الأموال المأخوذة من ذلك.
سؤال:إذا طلب المريض أو أي شخص من طالب الطب نصيحة طبية فهل يجوز إعطاؤه النصيحة الطبية،و إذا تضرر الشخص من جراء هذه النصيحة فهل يكون الطالب ضامنا؟
الجواب:لا يجوز للطالب إعطاء النصيحة إذا لم يعلم بالحال و إنها مفيدة أو مضرة و ضررها قليل أو كثير.نعم،لو علم بأنها لو كانت مضرة كان ضررها قليلا أو لا ضرر فيها،جاز.
تشكل بحوث الخلايا الجذعية اليوم ثورة نوعية في الدراسات الطبية في الدول المتقدمة،و يعول المختصون كثيرا على هذه البحوث في علاج الكثير من الأمراض المستعصية كمرض السكري و السرطان و الألزهايمر(فقدان الذاكرة)و الباركنسون(الشلل الرعاشي) و اللوكيميا(سرطان الدم)و أمراض القلب و ذلك من خلال إصلاح و بناء البنكرياس و الكبد و المعدة و العظام و العضلات و الجهاز العصبي إلخ…و ذلك باستغلال الطبيعة الهيولانية لما يسمى بالخلايا الجذعية غير المتخصصة و قابليتها للتشكل بأي صورة نسيجية مطلوبة.
و لما كان تقدم الجنين في عمره يضيق مجال الاستفادة من خلاياه الجذعية لاندراجها في مسالك تخصصية تكسبها الممانعة عن التشكل بالمراتب التكوينية للمسالك الأخرى،حتى صنفت عندهم-بملاحظة العلاقة بين سعة قابلية التشكيل و بين تقدم عمر الجنين-إلى أربعة أصناف:كاملة القدرة،وافرة القدرة،متعددة القدرة،و أحادية القدرة،لذا فقد فضّل المختصون إنتزاع هذه الخلايا الأولية في مراحل مبكرة لحياة هذا الكائن في عمر(6-12 يوما)-و هي المختصة باصطلاح الخلايا الجذعية الجنينية-و إن أدى ذلك إلى موت هذا
الكائن فضّلوه على إنتزاعها من دم الحبل السري للسقط أو للجنين الحي-و هي التي يصطلح عليها بالخلايا الجذعية للبالغين-بما لا يؤثر على حياته،لذا نرجو من سماحتكم التفضل ببيان الموقف الشرعي من الحالات التي تعرضها الأسئلة التالية:
بسمهتعالى قبل ان نجيب عن هذه الأسئلة ينبغي تقديم نقطتين أساسيتين:
أن الإسلام دين عالمي أبدي،لا يختص بزمان دون زمان، و بعصر دون عصر،و بطائفة دون أخرى،ثم إن الدين الإسلامي يمثل جانبين من حياة الإنسان:
الأول:جانب العقيدة و هو الإيمان باللّه وحده لا شريك له.
الثاني:جانب العمل و السلوك الخارجي.
أما الجانب الأول،فهو الإيمان باللّه القادر المطلق الذي قدمته شريعة السماء إلى الإنسان في الأرض و ترسيخ هذا الإيمان في نفوسهم ،لأن يعالج به الجانب السلبي من مشكلة الإنسان الكبرى،حيث إن هذا الإيمان بالمطلق يرفض الضياع و الإلحاد و يضع الإنسان موضع المسؤولية أمام القادر المطلق في مسيرته و حركته و سلوكه الخارجي في هذا الكون بالطريق المهذب و المعتدل و المستقيم و يبعده عن السلوكيات المنحرفة و التصرفات اللامسؤولية،فالإنسان الضايع الذي لا إيمان له بالمطلق هو الذي يكون تحركه و سيره و سلوكه في الكون عشوائيا، و ينفعل بالعوامل من حولها يمنة و يسره،و أما الإنسان المؤمن فهو يستمد حركته و مسيرته في الكون الفردية و الأسرية و الاجتماعية من
شريعة السماء و يطلب العون من القادر المطلق في كل شيء،لأن دور الإيمان باللّه دور الإرتباط بالمطلق دور الإستقرار و الهداية و الطمئنينة في النفوس و دور الهداية و عدم الضياع،و دور إعتماد الإنسان المؤمن في كل مرحلة من مراحل مسيرته الطويلة الشاقة،و يتبلور هذا الدور عند يأس المؤمن عن كافة العلاقات مع الناس و مع الطبيعة فإنه في هذه الحالة يائس عن كل شيء إلا عن رحمة اللّه القادر المطلق المنان، و يطلب العون منه تعالى في حل مشاكله،لأنّه الوسيلة الوحيدة في هذه الحالات العصيبة هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى إن الإسلام كما يرفض الإلحاد و الضياع كذلك يرفض الوثنية و الشرك و الإنتماء إلى المحدود كالصنم و نحوه، لأن الإسلام في الصراع و النضال الدائم مع هذين القطبين هما الإلحاد و الوثنية و إنه سيف ذو حدين بأحدهما يقطع دابر الإلحاد و بالآخر دابر الوثنية و تمام الكلام في محله.
و أما الجانب العملي،فهو يمثل العمل الخارجي،و هو على نوعين:
النوع الأول-يمثل العبادات في الإسلام و المحرمات فيه.
النوع الثاني-يمثل الأعمال الإجتهادية و دراستها حول شريعة السماء،و هي متمثلة في الكتاب و السنة.
أما النوع الأول،فلأن دور العبادات في الإسلام دور هام و كبير في تربية الإنسان و تهذيب سلوكه و اعتداله على أساس إن نظام العبادات نظام ثابت أبدي لا يتأثر بتأثر الحياة العامة،و لا يتطور بتطورها وقتا بعد وقت،و قرنا بعد آخر.فإن الإنسان كما يصلي في
القرون الأولى و يصوم و يحج و هكذا،كذلك يصلي في عصر الفضاء و عصر العلم و التطور و يصوم و يحج و هكذا،لأن العبادات في القرن المتحضر،و هو عصر الذرة و عصر الإنترنيت،نفس العبادات في القرن البدائي،و لا تتأثر بتأثر الحياة الطبيعية العامة و تطورها و اختلاف أسلوبها،حيث إن الإنسان الذي يقود الأشياء بقوة الذرة و يزاول عملية السير في الفضاء يصلي و يصوم و يحج،و كذلك الإنسان الذي يقود الأشياء بقوة اليد،فنظام العبادات نظام ثابت و أبدي لا يتغير بتغير الزمان،و لا يتأثر بتأثر الحياة العامة الطبيعية،و لا يتطور بتطورها،و السبب فيه أن العبادات علاقة بين الإنسان و ربه،و هي علاقة روحية معنوية و لا تتأثر بمرور الزمان و تطوره،و لا تختلف باختلاف أسلوب الحياة و تطورها وقتا بعد وقت،و أما علاقة الإنسان بالطبيعة فهي علاقة مادية تتأثر بتأثر الطبيعة و تطورها قرنا بعد قرن و عصرا بعد عصر.
و أما دور الإجتناب عن المحرمات فهو دور النزاهة و تهذيب السلوك و الإعتدال و الاستقامة و الإنسانية،لأن المحرمات الإلهية جميعها من الأعمال الرذيلة و الدنيئة،كالكذب و الغيبة و أكل مال الناس و إيذاء الناس و الظلم و التعدي على الغير و على عرضه و ماله و الزنا و اللواط و غيرها من الفحشاء و المنكر،و لا شبهة في إن ممارسة هذه الأعمال التي تمثل الرذائل و الفواحش تؤدي بالإنسان إلى حضيض الحيوانية بينما الإنسان من أحسن مخلوقات اللّه تعالى و تقدس ،و قد وهب نعمة لا تقدر بثمن و هي نعمة العقل و به يدرك الإنسان حسن الأعمال و قبحها و يدرك إن الظلم و التعدي و التجاوز على
نفوس الناس و أعراضهم و أموالهم و حقوقهم قبيح،و لا شبهة في إن من يقوم بهتك فرد و إيذائه باللسان و الكلام فهو يرتكب قبيحا عقلا، لان حرية التعبير لا تتطلب التجاوز على حقوق الآخرين و هتك مقدساتهم،لأنها إنما تكون في حدود معقولة و هي الحدود الإنسانية و العقلائية،و إلاّ فهي حرية تناسب حرية الحيوان لا الإنسان لان حرية الانسان في التعبير و غيره لا بد ان تكون في حدود معقولة و هي حدود الانسانية التي هي منعمة بنعمة العقل و ادراك الحسن و القبح.
و أما النوع الثاني،فلأن علماء الشيعة يقومون بدراسة الشريعة التي تمثل الكتاب و السنة بتمام نصوصهما بدراسة معمقة موسعة متطورة لتكوين القواعد العامة التي هي ذات طابع إسلامي،و هذه القواعد العامة تحل المشاكل التي توجد في كل عصر على أساس أن الحياة العامة الطبيعية قد تطورت في كل عصر بحدوث مشاكل و مسائل جديدة،و تعطي لها حلولا ملائمة من الشرع فلا يمكن فرض وجود مشكلة في كل عصر في الاسلام يستخدمون هذه القواعد العامة في حل المسائل المستحدثة و المشاكل المتجددة في كل عصر،و هذا معنى أن الدين الإسلامي دين أبدي قابل للتطبيق في كل عصر إلى يوم القيامة.
الثانية:إن دور الإسلام في هذا العالم دور متحضر يمثل القيم الأخلاقية و الإنسانية و السبب في ذلك إن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي أوجب طلب العلم على كل من الرجل و المرأة على أساس إن للعلم دورا هاما و أساسيا في تثقيف الناس،و تحقيق العدالة الإجتماعية و التكافل الإجتماعي و التساوي في الحقوق و استقرار البلد
و أمنه،كما إن له دورا كبيرا في تطور البلد إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و تقنيا و أخلاقيا و صحيا و هكذا…
و من الواضح إن تطور البلد كذلك بحاجة إلى إنشاء الجامعات الراقية و المعاهد الاختصاصية و الكليات و إتاحة الفرصة للمفكرين و المبدعين و المثقفين بإعطاء الحرية لهم في الوصول إلى التقنيات العالية بكل الوسائل الممكنة و المتاحة و إرسال جماعة منهم إلى الخارج و تهيئة كافة الوسائل و الأسباب في فترة دراستهم و وصولهم إلى الدرجات العالية في الطب و الإقتصاد و الهندسة و سائر التقنيات الراقية ثم إرجاعهم إلى البلد لكي يخدموا بلدهم.
و أما تخلف الحكومات الإسلامية عن هذه العلوم و التقنيات العالية و التطور فلا يكون سببه الإسلام لأمرين:
الأول:ما مر في مستهل البحث من أن الإسلام دين فرض العلم على الإنسان ككل و شدد و أكد على خروج المجتمع من الجهل إلى العلم و من الظلمات إلى النور و من التخلف إلى التطور على أساس إن الإسلام قد أكد على العدالة الإجتماعية و اهتم بها و على التساوي في الحقوق بين أفراد المجتمع و النزاهة و الأمانة و الصدق و العمل الجاد و استنكر الكسالة و عدم العمل الصحيح و حرم الغش و شدد على إزالة الفقر عن المجتمع و هكذا،و لا يمكن تحقيق كل ذلك إلا بالعلم.
الثاني:إن هذه الحكومات التي تسمى بالحكومات الإسلامية إنما هي بالإسم فقط باعتبار أن شعبها مسلم و أما بحسب الواقع
و المسمى فهي ليست من الحكومات الإسلامية لأن نظامها ليس نظاما إسلاميا،بل هو إما غربي أو شرقي أو مختلط.
و أما الحكومات الإسلامية بالمعنى الصحيح فهي قائمة على أساس مبدأ الدين و نظامها نظام إسلامي في كافة مفاصل الدولة.
و هي حكومة عدل و حق،و هي حكومة ضد العنصرية و اللون و الجنس،و تؤكد على تساوي الجميع في الحقوق بدون إمتياز بالجنس و اللون و العنصر لأن الإسلام جعل ميزانا واحدا للقيم الإنسانية و كرامتها بمقتضى نص قوله تعالى: (إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ)، فإن الآية الكريمة تنادي بأعلى صوتها إن ميزان كرامة الإنسان إنما هو بالتقوى،و هو الإستقامة في الدين و الإعتدال و التهذيب في السلوك و النزاهة و الكفاءة و الصدق و الصفاء و الأمانة و هكذا.فإن كل من يكون متلبسا بهذا الصفات فهو واجد للقيم و المثل الإنسانية،و يمتاز عن غيره ممن لا يكون واجدا لها سواء أ كان أسودا أم أبيضا رجلا أم امرأة عربيا كان أم أعجميا أمريكيا كان أم أوربيا و هكذا،لأن قيمة الإنسان من منظور الإسلام إنما هو بتلبسه بهذه الصفات التي هي صفات الإنسان لا باللون و الجنس و العنصر هذا من جانب.
و من جانب آخر،إن الإسلام دين عدل و حق و سلم،و قد اهتم إهتماما كبيرا بالعدالة و التساوي في الحقوق بين أفراد المجتمع و بالتكافل الاجتماعي و قد استنكر بشدة التجاوزات و التعديات على حقوق الآخرين و الظلم و العدوان،كما استنكر بشدة الأعمال الرذيلة و الخبيثة و اللاإنسانية كالكذب و الغيبة و البهتان و التجاوز على أرواح
الناس،و أعراضهم و أموالهم،و ممارسة الفواحش بشتى ألوانها حتى يمتاز الإنسان عن الحيوان.و قد اهتم الإسلام أشد الإهتمام بحياة الإنسان و الحفاظ عليها كما أنه استنكر أشد الاستنكار قتل النفس البريئة و إليك نص الآية الكريمة و هي قوله عزّ و جل: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً،وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) أنظر إلى الآية الكريمة و تعرف حقيقة الدين الإسلامي و اهتمامه بالإنسان و الحفاظ على حياته و جعل إحياء نفس واحدة كإحياء الناس جميعا،و هو أكبر خدمة في عالم البشرية كما فقد جعل قتل نفس واحدة بريئة كقتل الناس جميعا،و هو أكبر جريمة في عالم الإنسانية.هذا هو الدين الإسلامي و اهتمامه بالإنسان بل أكثر من ذلك فإن الإسلام قد حرم إنتهاك حرمة الإنسان الميت،و من هنا تكون المثلة محرّمة في الدين الإسلامي حتى في ساحة الحرب،فإذا قتل المسلم عدوه في الساحة فلا يجوز له التمثيل به كقطع رأسه أو قلع عينه أو قطع أذنه أو يديه.و من هنا بريء الإسلام من هؤلاء الذين يقومون بالقتل البشع و الخطف و تفجير السيارات المفخخة و الملغمة، و العمليات الإنتحارية لقتل أكثر الناس في الشوارع و المساجد و الحسينيات بأبشع صورة باسم الإسلام،لأنهم أساؤا للإسلام كثيرا و غيروا وجه الإسلام في الغرب و الشرق،لأنهم لا يعرفون من الإسلام إلا إسلام القاعدة،مع أنه ليس بإسلام و في طرف النقيض مع الإسلام و أغلبهم كانوا يعتقدون بأن الإسلام دين عنف و قتل و إرهاب،و قسموا الإسلام إلى قسمين:إسلام أصولي،و هو إسلام القاعدة و إسلام معتدل،و هذا التقسيم ناشئ من عدم معرفتهم
بالإسلام،لأن الإسلام دين واحد،و هو الإسلام المعتدل و الإسلام الأصولي ليس من الإسلام في شيء.
و من جانب ثالث إن الإسلام قد اهتم بعلم الطب اهتماما بالغا و جعله قرينا مع علم الأديان السماوية،و لهذا ورد في الرواية العلم علمان:علم الأديان،و علم الأبدان.حيث إن العقل السليم إنما هو في البدن السالم،و من هنا قال عز و جل في كتابه الكريم: (وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) و هذا غاية الإهتمام بحياة الإنسان و لا يوجد دين و لا مؤسسات مدنية قد اهتم بحياة الإنسان و سلامته هذا الإهتمام و من هنا قد اهتم الإسلام بعلم الطب كعلم الدين،لأن أي مجتمع في العالم إذا كان خاليا عن الطب و التطور،فهو مجتمع مريض و متخلف فلا قيمة له،و الدين الإسلامي في كل عصر من جهة اهتمامه بالعلم و جعله فريضة على الكل،و لا سيما الطب يريد أن يكون المجتمع الإسلامي أرقى مجتمع على سطح الكرة الأرضية و التقصير إنما هو من الحكومات الإسلامية.و أسباب التقصير معلومة منها،إهتمام القادة السياسيين بالكرسي أكثر من إهتمامها بخدمة البلد و تطوره،و منها تخوفهم من شعوبهم على أساس أنهم يرون أنفسهم مقصرون أمامهم من جهة عدم إعطاء الحرية لهم و عدم توفير الخدمات الأساسية للبلد كإنشاء الجامعات و المعاهد و الكليات و لهذا و ذاك استخدموا النظام القمعي و الاستبدادي على شعوبهم من أجل بقائهم على الكرسي و منها غير ذلك.
و من هذا و ذاك،فالمصلحة العليا العامة للإسلام تتطلب من المسلمين عامة و من قادة البلد خاصة بذل أقصى الجهد المستمر
و المتواصل في طريق الوصول إلى التقنيات المتقدمة و المتطورة،منها علم الطب بكافة تخصصاته و أنواعه حسب حاجة المجتمع في الوقت الحاضر.
و بكلمة،إن أي مجتمع في العالم المعاصر لا يمكن أن يكون في غنى عن علم الطب المناسب لعصره و إلا فهو مجتمع مريض متخلف و ملحق بالمجتمع في القرون الأولى و لا قيمة له في الوقت الحاضر.
و من هنا تكون نسبة الموت و الهلاك و الإبتلاء بالأمراض المستعصية بين أفراد طبقات هذا المجتمع أكثر بكثير من نسبة الموت و الهلاك و الإبتلاء بتلك الأمراض بين أفراد طبقات المجتمعات المعاصرة و الراقية المتحضرة،و لهذا يكون المطلوب من المجتمع الإسلامي ككل الإهتمام الجاد و السعي الحثيث المتواصل في سبيل الوصول إلى العلوم المعاصرة المتقدمة و التكنولوجيا المتطورة،منها علم الطب بكافة أنواعه و أقسامه و تخصصاته،لأن قوة كل مجتمع إقتصاديا و سياسيا و إجتماعيا و ثقافيا و ماديا و معنويا إنما هي بقوة العلم و التقنيات المتقدمة.و من الطبيعي إن الوصول إلى الطب المتطور بحاجة ماسة إلى الدراسات الطبية المتقدمة و بحوثها المتطورة منها بحوث الخلايا الجذعية فإن طرح هذه البحوث في الجامعات المتقدمة في الدول المتطورة و الراقية إنما هو بهدف إنقاذ المجتمع من الأمراض المستعصية، كمرض السرطان و السكر،و فقدان الذاكرة و الشلل الرعاشي و أمراض القلب و غيرها،و استخدامها في علاج هذه الأمراض.
ثم إنه لا شبهة في جواز هذه البحوث المعمقة المتطورة و هي، بحوث الخلايا الجذعية،من وجهة النظر الإسلامية،لأن الإسلام قد
اهتم بمثل هذه البحوث التي تستخدم في سبيل علاج تلك الأمراض المستعصية،و إنقاذ الإنسان من الموت و الهلاك الحتمي.و قد مّر إهتمام الإسلام بإنقاذ حياة الإنسان حتى جعل إنقاذ حياة فرد واحد منه بمثابة إنقاذ حياة الناس جميعا.
تشكل بحوث الخلايا الجذعية اليوم ثورة نوعية في الدراسات الطبية في الدول المتقدمة،و يعول المختصون كثيرا على هذه البحوث في علاج الكثير من الأمراض المستعصية كمرض السكري و السرطان و الألزهايمر(فقدان الذاكرة)و الباركنسون(الشلل الرعاشي) و اللوكيميا(سرطان الدم)و أمراض القلب و ذلك من خلال إصلاح و بناء البنكرياس و الكبد و المعدة و العظام و العضلات و الجهاز العصبي إلخ…..و ذلك باستغلال الطبيعة الهيولانية لما يسمى بالخلايا الجذعية غير المتخصصة و قابليتها للتشكل بأي صورة نسيجية مطلوبة.
و لما كان تقدم الجنين في عمره يضيق مجال الاستفادة من خلاياه الجذعية لاندراجها في مسالك تخصصية تكسبها الممانعة عن التشكل بالمراتب التكوينية للمسالك الأخرى،حتى صنفت عندهم-بملاحظة العلاقة بين سعة قابلية التشكيل و بين تقدم عمر الجنين-إلى أربعة أصناف:كاملة القدرة،وافرة القدرة،متعددة القدرة،و أحادية القدرة،لذا فقد فضّل المختصون إنتزاع هذه الخلايا الأولية في مراحل مبكرة لحياة هذا الكائن في عمر(6-12 يوما)-و هي المختصة
باصطلاح الخلايا الجذعية الجنينية-و إن أدى ذلك إلى موت هذا الكائن فضّلوه على إنتزاعها من دم الحبل السري للسقط أو للجنين الحي-و هي التي يصطلح عليها بالخلايا الجذعية للبالغين-بما لا يؤثر على حياته،لذا نرجو من سماحتكم التفضل ببيان الموقف الشرعي من الحالات التي تعرضها الأسئلة التالية:
بسمهتعالى قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة ينبغي تقديم نقطتين أساسيتين:
الأولى:أن الإسلام دين عالمي أبدي،لا يختص بزمان دون زمان،و بعصر دون عصر،و بطائفة دون أخرى،ثم إن الدين الإسلامي يمثل جانبين من حياة الإنسان:
الأول:جانب العقيدة و هو الإيمان باللّه وحده لا شريك له.
الثاني:جانب العمل و السلوك الخارجي.
أما الجانب الأول،فهو الإيمان باللّه القادر المطلق الذي قدمته شريعة السماء إلى الإنسان في الأرض و ترسيخ هذا الإيمان في نفوسهم ،لأن يعالج به الجانب السلبي من مشكلة الإنسان الكبرى،حيث إن هذا الإيمان بالمطلق يرفض الضياع و الإلحاد و يضع الإنسان موضع المسؤولية أمام القادر المطلق في مسيرته و حركته و سلوكه الخارجي في هذا الكون بالطريق المهذب و المعتدل و المستقيم و يبعده عن السلوكيات المنحرفة و التصرفات اللامسؤولية،فالإنسان الضايع الذي لا إيمان له بالمطلق هو الذي يكون تحركه و سيره و سلوكه في الكون عشوائيا، و ينفعل بالعوامل من حولها يمنة و يسرة،و أما الإنسان المؤمن فهو
يستمد حركته و مسيرته في الكون الفردية و الأسرية و الاجتماعية من شريعة السماء و يطلب العون من القادر المطلق في كل شيء،لأن دور الإيمان باللّه دور الإرتباط بالمطلق دور الإستقرار و الهداية و الطمئنينة في النفوس و دور الهداية و عدم الضياع،و دور إعتماد الإنسان المؤمن في كل مرحلة من مراحل مسيرته الطويلة الشاقة،و يتبلور هذا الدور عند يأس المؤمن عن كافة العلاقات مع الناس و مع الطبيعة فإنه في هذه الحالة يائس عن كل شيء إلا عن رحمة اللّه القادر المطلق المنان، و يطلب العون منه تعالى في حل مشاكله،لأنّه الوسيلة الوحيدة في هذه الحالات العصيبة هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى إن الإسلام كما يرفض الإلحاد و الضياع كذلك يرفض الوثنية و الشرك و الإنتماء إلى المحدود كالصنم و نحوه، لأن الإسلام في الصراع و النضال الدائم مع هذين القطبين هما الإلحاد و الوثنية و إنه سيف ذو حدين بأحدهما يقطع دابر الإلحاد و بالآخر دابر الوثنية و تمام الكلام في محله.
و أما الجانب العملي،فهو يمثل العمل الخارجي،و هو على نوعين:
النوع الأول-يمثل العبادات في الإسلام و المحرمات فيه.
النوع الثاني-يمثل الأعمال الإجتهادية و دراستها حول شريعة السماء،و هي متمثلة في الكتاب و السنة.
أما النوع الأول،فلأن دور العبادات في الإسلام دور هام و كبير في تربية الإنسان و تهذيب سلوكه و اعتداله على أساس إن نظام العبادات نظام ثابت أبدي لا يتأثر بتأثر الحياة العامة،و لا يتطور
بتطورها وقتا بعد وقت،و قرنا بعد آخر.فإن الإنسان كما يصلي في القرون الأولى و يصوم و يحج و هكذا،كذلك يصلي في عصر الفضاء و عصر العلم و التطور و يصوم و يحج و هكذا،لأن العبادات في القرن المتحضر،و هو عصر الذرة و عصر الإنترنيت،نفس العبادات في القرن البدائي،و لا تتأثر بتأثر الحياة الطبيعية العامة و تطورها و اختلاف أسلوبها،حيث إن الإنسان الذي يقود الأشياء بقوة الذرة و يزاول عملية السير في الفضاء يصلي و يصوم و يحج،و كذلك الإنسان الذي يقود الأشياء بقوة اليد،فنظام العبادات نظام ثابت و أبدي لا يتغير بتغير الزمان،و لا يتأثر بتأثر الحياة العامة الطبيعية،و لا يتطور بتطورها،و السبب فيه أن العبادات علاقة بين الإنسان و ربه،و هي علاقة روحية معنوية و لا تتأثر بمرور الزمان و تطوره،و لا تختلف باختلاف أسلوب الحياة و تطورها وقتا بعد وقت،و أما علاقة الإنسان بالطبيعة فهي علاقة مادية تتأثر بتأثر الطبيعة و تطورها قرنا بعد قرن و عصرا بعد عصر.
و أما دور الإجتناب عن المحرمات فهو دور النزاهة و تهذيب السلوك و الإعتدال و الاستقامة و الإنسانية،لأن المحرمات الإلهية جميعها من الأعمال الرذيلة و الدنيئة،كالكذب و الغيبة و أكل مال الناس و إيذاء الناس و الظلم و التعدي على الغير و على عرضه و ماله و الزنا و اللواط و غيرها من الفحشاء و المنكر،و لا شبهة في إن ممارسة هذه الأعمال التي تمثل الرذائل و الفواحش تؤدي بالإنسان إلى حضيض الحيوانية بينما الإنسان من أحسن مخلوقات اللّه تعالى و تقدس ،و قد وهبه نعمة لا تقدر بثمن و هي نعمة العقل و به يدرك الإنسان
حسن الأعمال و قبحها و يدرك إن الظلم و التعدي و التجاوز على نفوس الناس و أعراضهم و أموالهم و حقوقهم قبيح،و لا شبهة في إن من يقوم بهتك فرد و إيذائه باللسان و الكلام و غيره فهو مرتكب للقبيح عقلا،فإن حرية التعبير لا تتطلب التجاوز على حقوق الآخرين و هتك مقدساتهم،لأنها إنما تكون في حدود معقولة و هي الحدود الإنسانية و العقلائية،و إلاّ فهي حرية تناسب حرية الحيوان لا الإنسان لان حرية الإنسان في التعبير و غيره إنما هي في حدود معقولة و هي حدود الانسانية التي هي منعمة بنعمة العقل و إدراك الحسن و القبيح.
و أما النوع الثاني،فلأن علماء الشيعة يقومون بدراسة الشريعة التي تمثل الكتاب و السنة بتمام نصوصهما بدراسة معمقة موسعة متطورة لتكوين القواعد العامة التي هي ذات طابع إسلامي،و هذه القواعد العامة تحل المشاكل التي توجد في كل عصر على أساس أن الحياة العامة الطبيعية قد تطورت في كل عصر بحدوث مشاكل و مسائل جديدة و تعطي لها حلولا ملائمة من الشرع فلا يمكن فرض وجود مشكلة في كل عصر،لأن لها حلولا ملائمة في الإسلام على ضوء تطبيق هذه القواعد العامة عليها:منها:قاعدة الإباحة في الأشياء المشكوكة و قاعدة الطهارة و قاعدة البراءة و قاعدة الإستصحاب و قاعدة تقديم الأهم على المهم في موارد التزاحم،و قاعدة تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة و منها غيرها و هذه القواعد قواعد شرعية ذات طابع إسلامي و علماء الشيعة يستخدمون هذه القواعد في حل المسائل المستحدثة و المشاكل المتجددة في كل عصر،و هذا معنى أن الدين الإسلامي دين أبدي قابل للتطبيق في كل عصر إلى يوم القيامة.
الثانية:إن دور الإسلام في هذا العالم دور متحضر يمثل القيم الأخلاقية و الإنسانية و السبب في ذلك إن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي أوجب طلب العلم على كل من الرجل و المرأة على أساس إن للعلم دورا هاما و أساسيا في تثقيف الناس،و تحقيق العدالة الإجتماعية و التكافل الإجتماعي و التساوي في الحقوق و استقرار البلد و أمنه،كما إن له دورا كبيرا في تطور البلد إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا و تقنيا و أخلاقيا و صحيا و هكذا…
و من الواضح إن تطور البلد كذلك بحاجة إلى إنشاء الجامعات الراقية و المعاهد الاختصاصية و الكليات و إتاحة الفرصة للمفكرين و المبدعين و المثقفين و إعطاء الحرية لهم في الوصول إلى التقنيات العالية بكل الوسائل الممكنة و المتاحة و إرسال جماعة منهم إلى الخارج و تهيئة كافة الوسائل و الأسباب في فترة دراستهم و وصولهم إلى الدرجات العالية في الطب و الإقتصاد و الهندسة و سائر التقنيات الراقية ثم إرجاعهم إلى البلد لكي يخدموا بلدهم.
و أما تخلف الحكومات الإسلامية عن هذه العلوم و التقنيات العالية و التطور فلا يكون سببه الإسلام لأمرين:
الأول:ما مر في مستهل البحث من أن الإسلام دين فرض العلم على الإنسان ككل و شدد و أكد على خروج المجتمع من الجهل إلى العلم و من الظلمات إلى النور و من التخلف إلى التطور على أساس إن الإسلام قد أكد على العدالة الإجتماعية و اهتم بها و على التساوي في الحقوق بين أفراد المجتمع و النزاهة و الأمانة و الصدق و العمل الجاد و استنكر الكسالة و عدم العمل الصحيح و حرم الغش
و شدد على إزالة الفقر عن المجتمع و هكذا،و لا يمكن تحقيق كل ذلك إلا بالعلم.
الثاني:إن هذه الحكومات التي تسمى بالحكومات الإسلامية إنما هي بالإسم فقط باعتبار أن شعبها مسلم و أما بحسب الواقع و المسمى فهي ليست من الحكومات الإسلامية لأن نظامها ليس نظاما إسلاميا،بل هو إما غربي أو شرقي أو مختلط.
و أما الحكومات الإسلامية بالمعنى الصحيح فهي قائمة على أساس مبدأ الدين و نظامها نظام إسلامي في كافة مفاصل الدولة.
و هي حكومة عدل و حق،و هي حكومة ضد العنصرية و اللون و الجنس،و تؤكد على تساوي الجميع في الحقوق بدون إمتياز بالجنس و اللون و العنصر لأن الإسلام جعل ميزانا واحدا للقيم الإنسانية و كرامتها بمقتضى نص قوله تعالى: (إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ)، فإن الآية الكريمة تنادي بأعلى صوتها إن ميزان كرامة الإنسان إنما هو بالتقوى،و هو الإستقامة في الدين و الإعتدال و التهذيب في السلوك و النزاهة و الكفاءة و الصدق و الصفاء و الأمانة و هكذا.فإن كل من يكون متلبسا بهذا الصفات فهو واجد للقيم و المثل الإنسانية،و يمتاز عن غيره ممن لا يكون واجدا لها سواء أ كان أسودا أم أبيضا رجلا أم امرأة عربيا كان أم أعجميا أمريكيا كان أم أروبيا و هكذا،لأن قيمة الإنسان من منظور الإسلام إنما هو بتلبسه بهذه الصفات التي هي صفات الإنسان لا باللون و الجنس و العنصر هذا من جانب.
و من جانب آخر،إن الإسلام دين عدل و حق و سلم،و قد اهتم إهتماما كبيرا بالعدالة و التساوي في الحقوق بين أفراد المجتمع و بالتكافل الاجتماعي و قد استنكر بشدة التجاوزات و التعديات على حقوق الآخرين و الظلم و العدوان،كما استنكر بشدة الأعمال الرذيلة و الخبيثة و اللاإنسانية كالكذب و الغيبة و البهتان و التجاوز على أرواح الناس،و أعراضهم و أموالهم،و ممارسة الفواحش بشتى ألوانها حتى يمتاز الإنسان عن الحيوان.و قد اهتم الإسلام أشد الإهتمام بحياة الإنسان و الحفاظ عليها كما أنه استنكر أشد الاستنكار قتل النفس البريئة و إليك نص الآية الكريمة و هي قوله عزّ و جلّ: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً،وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) أنظر إلى الآية الكريمة و تعرف حقيقة الدين الإسلامي و اهتمامه بالإنسان و الحفاظ على حياته و جعل إحياء نفس واحدة كإحياء الناس جميعا،و هو أكبر خدمة في عالم البشرية كما فقد جعل قتل نفس واحدة بريئة كقتل الناس جميعا،و هو أكبر جريمة في عالم الإنسانية.هذا هو الدين الإسلامي و اهتمامه بالإنسان بل أكثر من ذلك فإن الإسلام قد حرّم إنتهاك حرمة الإنسان الميت،و من هنا تكون المثلة محرمة في الدين الإسلامي حتى في ساحة الحرب،فإذا قتل المسلم عدوه في الساحة فلا يجوز له التمثيل به كقطع رأسه أو قلع عينه أو قطع أذنه أو يديه.و من هنا بريء الإسلام من هؤلاء الذين يقومون بالقتل البشع و الخطف و تفجير السيارات المفخخة و الملغمة، و العمليات الإنتحارية لقتل أكثر الناس في الشوارع و المساجد و الحسينيات بأبشع صورة باسم الإسلام،لأنهم أساؤا للإسلام كثيرا
و غيروا وجه الإسلام في الغرب و الشرق،لأنهم لا يعرفون من الإسلام إلا إسلام القاعدة،مع أنه ليس بإسلام و في طرف النقيض مع الإسلام و أغلبهم كانوا يعتقدون بأن الإسلام دين عنف و قتل و إرهاب،و قسموا الإسلام إلى قسمين:إسلام أصولي،و هو إسلام القاعدة و إسلام معتدل،و هذا التقسيم ناشئ من عدم معرفتهم بالإسلام،لأن الإسلام دين واحد،و هو الإسلام المعتدل و الإسلام الأصولي ليس من الإسلام في شيء.
و من جانب ثالث إن الإسلام قد اهتم بعلم الطب اهتماما بالغا و جعله قرينا مع علم الأديان السماوية،و لهذا ورد في الرواية العلم علمان:علم الأديان،و علم الأبدان.حيث إن العقل السليم إنما هو في البدن السالم،و من هنا قال عز و جل في كتابه الكريم: (وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) و هذا غاية الإهتمام بحياة الإنسان و لا يوجد دين و لا مؤسسات مدنية قد اهتم بحياة الإنسان و سلامته هذا الإهتمام و من هنا قد اهتم الإسلام بعلم الطب كعلم الدين،لأن أي مجتمع في العالم إذا كان خاليا عن الطب و التطور،فهو مجتمع مريض و متخلف فلا قيمة له،و الدين الإسلامي في كل عصر من جهة اهتمامه بالعلم و جعله فريضة على الكل،و لا سيما الطب يريد أن يكون المجتمع الإسلامي أرقى مجتمع على سطح الكرة الأرضية و التقصير إنما هو من الحكومات الإسلامية.و أسباب التقصير معلومة منها،إهتمام القادة السياسيين بالكرسي أكثر من إهتمامها بخدمة البلد و تطوره،و منها تخوفهم من شعوبهم على أساس أنهم يرون أنفسهم مقصرون أمامهم من جهة عدم إعطاء الحرية لهم و عدم توفير
الخدمات الأساسية للبلد كإنشاء الجامعات و المعاهد و الكليات و لهذا و ذاك استخدموا النظام القمعي و الاستبدادي على شعوبهم من أجل بقائهم على الكرسي و منها غير ذلك.
و من هذا و ذاك،فالمصلحة العليا العامة للإسلام تتطلب من المسلمين عامة و من قادة البلد خاصة بذل أقصى الجهد المستمر و المتواصل في طريق الوصول إلى التقنيات المتقدمة و المتطورة،منها علم الطب بكافة تخصصاته و أنواعه حسب حاجة المجتمع في الوقت الحاضر.
و بكلمة،إن أي مجتمع في العالم المعاصر لا يمكن أن يكون في غنى عن علم الطب المناسب لعصره و إلا فهو مجتمع مريض متخلف و ملحق بالمجتمع في القرون الأولى و لا قيمة له في الوقت الحاضر.
و من هنا تكون نسبة الموت و الهلاك و الإبتلاء بالأمراض المستعصية بين أفراد طبقات هذا المجتمع أكثر بكثير من نسبة الموت و الهلاك و الإبتلاء بتلك الأمراض بين أفراد طبقات المجتمعات المعاصرة و الراقية المتحضرة،و لهذا يكون المطلوب من المجتمع الإسلامي ككل الإهتمام الجاد و السعي الحثيث المتواصل في سبيل الوصول إلى العلوم المعاصرة المتقدمة و التكنولوجيا المتطورة،منها علم الطب بكافة أنواعه و أقسامه و تخصصاته،لأن قوة كل مجتمع إقتصاديا و سياسيا و إجتماعيا و ثقافيا و ماديا و معنويا إنما هي بقوة العلم و التقنيات المتقدمة.و من الطبيعي إن الوصول إلى الطب المتطور بحاجة ماسة إلى الدراسات الطبية المتقدمة و بحوثها المتطورة منها بحوث الخلايا الجذعية فإن طرح هذه البحوث في الجامعات المتقدمة في الدول
المتطورة و الراقية إنما هو بهدف إنقاذ المجتمع من الأمراض المستعصية، كمرض السرطان و السكر،و فقدان الذاكرة و الشلل الرعاشي و أمراض القلب و غيرها،و استخدامها في علاج هذه الأمراض.
ثم إنه لا شبهة في جواز هذه البحوث المعمقة المتطورة و هي، بحوث الخلايا الجذعية،من وجهة النظر الإسلامية،لأن الإسلام قد اهتم بمثل هذه البحوث التي تستخدم في سبيل علاج تلك الأمراض المستعصية،و إنقاذ الإنسان من الموت و الهلاك الحتمي.و قد مرّ إهتمام الإسلام بإنقاذ حياة الإنسان حتى جعل إنقاذ حياة فرد واحد منه بمثابة إنقاذ حياة الناس جميعا.
و على ضوء هذا الإهتمام الجاد من الإسلام بحياة الإنسان فطرح هذه البحوث لإنقاذ المجتمع من الأمراض المذكورة لازمة، و حينئذ فلا مانع من انتزاع الخلايا الأولية التي هي في المراحل المبكرة لحياة الكائن في عمر(6-12 يوما)و إن أدى إلى موت هذا الكائن، و إتلافه و إن كان غير جائز في الشريعة الإسلامية في نفسه،إلاّ أنه إذا ترتبت عليه المصلحة العامة التي اهتم الإسلام بها،و هي إنقاذ المجتمع من الأمراض المذكورة المستعصية فلا مانع منه كما إن انتزاع الخلايا الأولية من الكائن المذكور قد يستلزم كشف العورة،و هو غير جائز في الإسلام،إلا أن المصلحة العليا العامة التي أكد الإسلام عليها و اهتم بها حيث إنها توقفت عليه فلا مانع منه تطبيقا لقاعدة تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة،و الأهم على المهم.بل إذا كانت هذه العملية أي عملية انتزاع الخلايا الجذعية ناجحة في علاج الأمراض المذكورة الخطيرة فلا يبعد وجوبها من منظور الإسلام.
و على ضوء هذه المقدمات نطرح الأسئلة الطبية الموجهة إلينا حول عملية إنتزاع الخلايا الجذعية من الجنين في المرحلة المبكرة من عمره(6-12 يوم)المؤدية إلى موته و تفككه و هي كالتالي:
السؤال الأول:هل يجوز إجراء هذه البحوث على الإجمال، و إن أدت إلى موت هذا الكائن (Zygote) (نسميه هنا بالجنين و ان كان في أيامه الأولى 6-12 يوما و هو في هذه الحال ليس إلا مجموعة من خلايا تتكاثر)؟
الجواب:نعم يجوز إجراؤها على هذا الكائن الذي هو في المراحل الأولى من حياته النباتية،و هذه الحياة حيث إنها مقدمة للوصول إلى الحياة الحيوانية الإنسانية،فلها قيمة من منظور الشرع، و لا يجوز إتلافها جزافا.و لكن بما أن المصالح العامة العليا المهتم بها الإسلام مترتبة على إجراء هذه البحوث العلمية،فلا مانع من إنتزاع الخلايا المذكورة من هذا الكائن و إتلافه بل قد يجب إذا كانت النتيجة قطعية.
السؤال الثاني:متى يعد الجنين في الشرع إنسانا يحرم قتله؟ و هل له ذكر في النصوص الشريفة من تأخر ولوج الروح أثر على الحكم في المسألة؟و إذا كان ففي أي مرحلة من حياة الجنين يحدث ذلك الولوج؟
هذا السؤال يتضمن ثلاثة أسئلة:
1-متى يصير الجنين إنسانا؟
2-هل لتاريخ ولوج الروح في الجنين أثر على الحكم في المسألة؟
3-متى تلج الروح في الجنين و في أي مرحلة؟
أما الجواب عن السؤال الأول:فالجنين إنما يصير إنسانا بولوج الروح فيه،فإذا ولجت الروح فيه صار إنسانا،و تبدلت حياته من مرحلة الحياة النباتية إلى مرحلة الحياة الإنسانية،و تسمى هذه الحركة بالحركة الجوهرية.فإذا صار إنسانا حرم قتله كقتل أي إنسان آخر الذي هو أكبر جريمة من منظور الإسلام بنص الآية المباركة المتقدمة، و هي قوله عزّ و جلّ: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً،وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً) و تترتب على قتله دية كاملة،و هي ألف مثقال من الذهب أو اثنا عشر ألف درهم من الفضة،و تفصيل كل ذلك مذكور في الرسالة العملية.
و أما قبل صيرورة الجنين إنسانا فقتله و إن كان محرما،إلاّ أن حرمته ليست كحرمة قتل الإنسان و الدية المترتبة على قتله أقتل بكثير من دية قتل الإنسان،كما في الرسالة العملية.
أما الجواب عن السؤال الثاني:فلا يؤثر إختلاف مراحل الجنين و مراتبه إلى ولوج الروح في حكم عملية إنتزاع الخلايا الجذعية التي لها دور كبير وهام في سلامة المجتمع و إنقاذه من الأمراض المستعصية المهلكة.
لأن هذه العملية و إن أدت إلى إتلاف الجنين قبل ولوج الروح فيه إلاّ أن الإسلام جوز ممارستها لما يترتب عليها من المصالح العامة
و هي علاج آلاف الأشخاص المبتلين بالأمراض المستعصية و إنقاذهم من الموت.نعم،إن هذه المراحل تختلف في نفسها في الحكم الشرعي الوضعي و التكليفي،لأن حرمة إتلاف المرحلة المتقدمة في العمر للجنين أقوى من حرمة إتلاف المرحلة البدائية له،و كذلك دية إتلاف المرحلة المتقدمة أكثر من دية إتلاف المرحلة الأولى.
و هل على انتزاع الخلايا الجذعية من الجنين في(6-12 يوم) المؤدي إلى موته دية؟
و الجواب الظاهر أنه لا دية فيه طالما لا يصل إلى حد النطفة.
و الخلاصة،إن عملية إنتزاع الخلايا الجذعية من الجنين ثورة عظيمة قد انفجرت في الوقت الحاضر في عالم الطب،و تستخدم من قبل الأطباء الإختصاصيين في علاج الأمراض الخطيرة المستعصية و من الطبيعي إن الإسلام على ضوء اهتمامه بحياة الإنسان،قد اهتم بهذه العملية الطبية الجبارة و يسعى جادا في تحقيقها و توسيعها و تطبيقها عمليا،فلو توقفت العملية على كشف العورة في مورد و النظر إليها و لمسها جاز تطبيقا لقاعدة تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة و الأهم على المهم.
و أما جواب السؤال الثالث:فالظاهر بحسب شهادة الأطباء الإختصاصيين و النساء من أهل الخبرة في الموضوع إن ولوج الروح في الجنين في أوائل الشهر الرابع من الحمل.
السؤال الثالث:هل لكون الممارسة بحثية صرفة أو بحثية لغرض علاج الأمراض أو علاجية فعلية أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب:إن كانت عملية إنتزاع الخلايا الجذعية من الجنين بحثية صرفة بدون ترتب أي اثر عملي عليها فيشكل حينئذ إتلاف الجنين و تفكيكه،بلا فرق بين أن يكون في المراحل الأولى من تكوينه أو المتقدمة.و أما إذا كانت بغرض علاج الأمراض المستعصية و إنقاذ المجتمع الإنساني منها سواء أ كان في المستقبل أم بالفعل،فيجوز ممارسة هذه العملية.
السؤال الرابع:هل لكون الجنين ناتجا من تلقيح صناعي أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب:أنه لا يؤثر على الحكم في المسألة و لا فرق بين أن يكون تكوين الجنين من تلقيح صناعي أو من تلقيح في رحم المرأة و ان كان محذوره على الأول اقل حيث انه لا يستلزم كشف العورة.
السؤال الخامس:هل لنمو الجنين في المختبر أو في رحم المرأة أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب:يظهر جوابه من الجواب عن السؤال السابق حيث لا فرق بين أن يكون تكوين الجنين في رحم المرأة أو في المختبر.
السؤال السادس:هل لأخذ الخلية أو الحويمن أو البويضة من مسلم أو غير مسلم أثر على الحكم في المسألة؟
الجواب:أنه لا أثر له على الحكم في المسألة بلا فرق بين أن يكون من مسلم أو غيره.
السؤال السابع:ما حكم إنتزاع هذه الخلايا من جنين متقدم في العمر فيما إذا كان الانتزاع غير ضار بحياة الجنين؟و فيما إذا كان ضرره محتملا؟و فيما إذا كان الضرر يقينيا؟و ما هو مقدار الضرر المسموح بإيقاعه في جسد هذا الكائن في مقابل إنقاذ حياة مريض؟أو استعادة عافيته من مرض مستعص؟
الجواب:أما إذا كان انتزاع هذه الخلايا من جنين متقدم في العمر لا يضر بحياته،فلا إشكال في جوازه.و أما مع إحتمال الضرر و كان الضرر المحتمل بسيطا لا يعتنى به،فأيضا كذلك.و أما مع الضرر القطعي فإن كان بسيطا فلا إشكال أيضا في جوازه،و أما إذا كان ضررا معتدا به و لكنه لا يؤدي إلى موت الجنين،فلا إشكال أيضا في جوازه إذا كان الإنتزاع بغرض علاج الأمراض الخطيرة و المستعية .و أما إذا كان الانتزاع بغرض إنقاذ حياة مريض فعلا أو عافيته من مرض مستعصي فيجوز أيضا من الجنين قبل ولوج الروح فيه،و إن أدى إلى تلفه و موته.و أما إذا كان الجنين بعد ولوج الروح فإن كان انتزاع الخلايا منه بغرض إنقاذ حياة مريض فعلي بحيث لولاه لمات جاز إنتزاعها منه و إن كان ضارا به ضررا معتدا به،شريطة أن لا يؤدي إلى موته،و أما إذا كان الإنتزاع يؤدي إلى موته،فلا يجوز إذ لا يجوز قتل إنسان من أجل إحياء إنسان آخر.
السؤال الثامن:يتبقى عدة أجنة إضافية بعد عملية زرع أطفال الأنابيب:هل تجوزون استخدامها للبحث الطبي بدل أن تتلف لعدم زراعتها بالرحم؟
الجواب:نعم يجوز إستخدامها للبحث الطبي بدل أن تتلف.
السؤال التاسع:ما حكم انتزاع هذه الخلايا من السقط مع ملاحظة الحيثيات التي ذكرت في الفروض السابقة إن كان لها أثر في الحكم؟و هل يتأثر الحكم في المسألة فيما لو أدى الإقبال على شراء السقط من عيادات الإجهاض غير الشرعي إلى تشجيع تلك الممارسات غير الشرعية؟
الجواب:أ-يجوز إنتزاع الخلايا من السقط،بل هو أولى بالجواز من منظور الشرع،فإنه لا يستلزم كشف العورة و النظر إليها، فإذن لا فرق بين إنتزاعها من السقط أو من الجنين في المختبر أو في رحم المرأة.
ب-لا يتأثر الحكم في المسألة بذلك،و لكن مع هذا على الأطباء الإختصاصيين أن يقوموا بسد الطريق أمام ممارسة هذه الرذيلة و الفحشاء بإيجاد بديل لها،و هو توسعة المختبرات في المراكز الصحية و المستشفيات و تكوين الجنين فيها و الإستفادة من الخلايا الجذعية منه في العلاج.
السؤال العاشر:إذا استخدمت نواة خلية من نفس صاحب البويضة لتخصيب البويضة،فهل يؤثر على الحكم؟
الجواب:لا يؤثر ذلك في حكم المسألة.
السؤال الحادي عشر:من الطرق المبتكرة في استحصال الخلايا الجذعية طريقة الاستنساخ العلاجي(في مقابل الاستنساخ التكاثري) و ذلك بأخذ خلايا من جسد شخص مريض و نقل نواها إلى بويضة مفرغة النواة و منتزعة من امرأة بإذنها،لتحفيز نمو جنيني بدون تلقيح بالحيامن،فهل يجوز نمو هذا الكائن في أيامه المبكرة بانتزاع الخلايا الجذعية منه لينتفع بها في تنمية نسيج يعالج به نفس المريض؟
الجواب:إنه لا مانع شرعا من إنتزاع الخلايا الجذعية من الكائن المذكور،و إيقاف نموه و إستخدامه في علاج نفس المريض.
السؤال الثاني عشر:ما هو الموقف الشرعي من إنتاج ما يسمى بحقيبة الأعضاء و هو كائن عديم الرأس و الأطراف ناتج من التصرف في الخلايا الجذعية للجنين؟و ما حكم الاستفادة من أعضائه بعد إنتاجه؟و هل يتوقف على إذن الأشخاص الذين أستنسل منهم؟
الجواب:إن الموقف الشرعي أمام هذه العمليات كإنتاج كائن عديم الرأس و الأطراف إيجابي،شريطة أن يترتب عليها آثار إيجابية إجتماعية عامة كعلاج الأمراض المستعصية الخطيرة في المجتمع،و لا
بأس بالإستفادة من أعضائه في علاج المرضى،و لا يتوقف على إذن الأشخاص الذين استنسل منهم هذا.
سيدي سماحة المرجع الكبير:
حيث أني بصدد كتابة رسالة دكتوراه في موقف علماء المذهب الشيعي من هذه البحوث في جامعة أجنبية تجهل عن الدين الإسلامي كل ثوابته و أصوله لذا أرجو التفضل ببيان ما يمكن طرحه من مباني الاستنباط الخاصة بهذه المسألة و المباني العامة المعتمدة في التعاطي مع نظائرها من المسائل المستحدثة؟و قد عين الأستاذان المشرفان-و هما لا دينيان-المحاور التالية للبحث:
السؤال الأول:ما هي القاعدة التي يتعاطى على أساسها علماء الأديان بشكل عام مع القضايا العلمية الراهنة و غيرها؟و ما هي الآلية في بناء الموقف الشرعي أو الأخلاقي من تلك المسائل؟
الجواب:إن عندنا أصولا و فقه:و الأصول علم نظري موضوع لتكوين القواعد العامة المشتركة وفق شروطها الخاصة و تستخدم في عملية الاستنباط و الاستنتاج للمسائل الفقهية العملية،
و الفقه علم تطبيقي موضوع لتطبيق تلك القواعد العامة على عناصرها الخاصة.
و يتعاطى فقهاء الشيعة على أساس هذه القواعد العامة مع كافة القضايا العلمية الراهنة و غيرها من القضايا العلمية المستحدثة و غيرها لأن تلك القواعد هي الآلية في بناء الفقهاء و تعيينهم الموقف الشرعي أمام المسائل و القضايا المستحدثة و المتجددة و غيرها في كل عصر و من هنا قلنا أنه لا توجد مشكلة في أي عصر إلاّ و لها حلول ملائمة من الشرع.
السؤال الثاني:تعاطي علماء الشيعة خاصة مع تلك المسائل؟
قد ظهر جوابه من الجواب عن السؤال الأول.
السؤال الثالث:هل يجب أن يكون غرض البحث الطبي هو معالجة المرضى حصرا؟و إذا كان فهل تحدده العواقب؟و كيف؟
الجواب:لا يجب ذلك حصرا إذ لا مانع من أن يترتب على البحث الطبي آثار أخرى تفيد المجتمع.
السؤال الرابع:ما هي الحدود التي لا يجوز للبحث الطبي تخطيها؟ و من الذي يحدد ذلك؟
الجواب:ليس للبحث الطبي حدود معينة نظريا و أما تطبيق هذا البحث عمليا على المرضى فلا بد فيه من الدقة و مطالعة جميع
جوانب المسألة حتى لا يكون في تطبيقه عليه جانبا سلبيا بأن يؤدي إلى هلاكه أو حدوث مرض آخر فيه أصعب من المرض الأول أو زيادة مرضه،فإذن تطبيق الطب عمليا محدود بهذه الحدود.
السؤال الخامس:مع أخذ بحوث الخلايا الجذعية كأنموذج،ما هو المنطق الذي يحكم الفقيه الشيعي في التعاطي مع المسألة؟و ما هي القيم الأخلاقية التي تحكم ذلك المنطق؟
الجواب:المنطق الذي يعتمد عليه الفقهاء الشيعة هو منطق الدين و العقل لما تقدم من اهتمام الدين بالحفاظ على حياة الإنسان و العلاج من الأمراض المستعصية و غيرها،و هذه هي القيم الأخلاقية و المثل الإنسانية التي يحكم عليها منطق العقل و الدين.
السؤال السادس:كيف يحصل الفقيه الشيعي على المعلومات التي تخص الموضوع؟و هل يكتفي ببيان المسائل؟و هل يجب عليه متابعة كل ما يستجد؟أم يكتفي بالمراجعة الآنية للموضوع لدى طرح السؤال؟
الجواب:الفقيه يجيب عن المسألة على طبق السؤال فإن كان السؤال عن حكم المسألة فالفقيه يجيب عن حكمها.
السؤال السابع:هل يستشير العالم الشيعي زملاءه في الاختصاص؟ و ما طريقة تلك الاستشارة؟
الجواب:إن المجتهد يجيب عن حكم المسألة على طبق اجتهاده و استنباطه من الكتاب و السنة و لا يستشير في ذلك أحدا.
السؤال الثامن:كيف يتعاطى الفقيه الشيعي مع فقدان النص الصريح المتعلق بالمسألة من القرآن و السنة؟
الجواب:قد تقدمت الإشارة إلى إن عند الفقيه قواعد عامة ذات طابع إسلامي فإذا لم يكن نص في المسألة يعمل بتلك القواعد و يفتي على طبقها.
السؤال التاسع:كيف يعالج الفقيه الشيعي تزاحم الموارد من حيث القيم الأخلاقية مثل ما لو توقف إنقاذ مريض على فقدان الجنين لحياته؟
الجواب:يعالج بتقديم الأهم على المهم و المصالح العامة على المصالح الخاصة.