مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض
الصفحة الرئيسية مكتبة تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج 9 صفحة 3
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج 9
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 201)
عنه فيعتبر فيها المسامتة(1)كما لا يخفى.
و اللازم حصول العلم بالمحاذاة(2)إن أمكن،و إلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة(3)،و مع عدمه أيضا فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أول موضع احتماله و استمرار النية و التلبية إلى آخر مواضعه، و لا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ مع أنه لا يجوز،لأنه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط،و لا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة أو أصالة عدم وجوب الإحرام،لأنهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذيا و المفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة،و يجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أول موضع الاحتمال أو
صدق أنه بحذاء المسجد كما هو الحال في سائر الموارد،فإذا وصل المسافر إلى يمين بلد أو يساره عرفا صدق أنه المحاذي له.
فالنتيجة:إن لفظ المحاذاة و الخلف و البعد و القبل كل ذلك من الألفاظ الواضحة معانيها عرفا بدون أيّ إبهام و اجمال فيها.
مر أن المسامتة بالخط الهندسي غير معتبرة،فالمعيار انما هو بصدق المحاذاة عرفا بدون فرق بين أن تكون المسافة قريبة أو بعيدة،فانه ما دام يصدق أن الميقات عن يمينه أو يساره عرفا حينما يكون مواجها في سيره إلى مكة افقيا تحقق المحاذاة لدى العرف.نعم إذا كان بعيدا عن الميقات عرفا في الخط العرضي بدرجة لا يصدق على النقطة الموازية له عنوان المحاذاة لم تتحقق.
في لزومه اشكال بل منع حتى في صورة التمكن منه،فان اللازم هو تحصيل الحجة من علم أو بينة أو قول أهل الخبرة.
فيه أن العبرة انما هي بقول أهل الخبرة فانه حجة سواء حصل الظن منه أم لا،و أما مع فرض عدم حجيته فلا قيمة للظن الحاصل منه.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 202)
قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر،و الأحوط في صورة الظن أيضا عدم الاكتفاء به و إعمال أحد هذه الأمور،و إن كان الأقوى الاكتفاء(1)،بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى الميقات،لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقا.
ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة و لم يتبين الخلاف فلا إشكال، و إن تبين بعد ذلك كونه قبل المحاذاة و لم يتجاوزه أعاد الإحرام(2)،و إن تبين كونه قبله و قد تجاوز أو تبين كونه بعده فإن أمكن العود و التجديد تعين،و إلا فيكفي في الصورة الثانية و يجدد في الاولى في مكانه،و الأولى التجديد مطلقا.
هذا اذا كان الظن معتبرا و الاّ فلا يجوز الاكتفاء به،و بذلك يظهر حال ما بعده.
قيل:إن ذلك ليس من جهة عدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء،بل على تقدير القول بالاقتضاء في تلك المسألة فمع ذلك لا مجال له في المقام.
بيان ذلك إن هناك مسألتين:
الاولى:ما إذا كان الواجب فاقدا لشرط من شروط وجوبه كالبلوغ أو العقل أو الوقت أو الاستطاعة أو نحو ذلك،و الأمارة أو الأصول العملية قد قامت على تحققه في الخارج،كما إذا قامت الأمارة على دخول الوقت مع أنه في الواقع غير داخل،و صلى ثم انكشف الحال و أن ما صلاة واقع في خارج الوقت، ففي مثل ذلك لا موضوع للقول بالاجزاء،فانه لا أمر في الواقع حتى يبحث عن أن امتثال الأمر الظاهري هل يجزي عن الأمر الواقعي أم لا؟
الثانية:ما إذا كان الواجب واجدا لجميع شروط وجوبه و لكنه كان فاقدا في الواقع لبعض واجباته من الأجزاء أو شروط صحته،ففي مثل ذلك إذا قامت
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 203)
……….
أمارة أو أصل عملي على أنه واجد لتمام واجباته من الأجزاء و الشروط و أتى المكلف به ثم انكشف أنه فاقد لبعضها،يقع الكلام في أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري هل يجزي عن الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي أو لا؟بعد فرض أن الأمر الواقعي موجود بوجود شروطه في الواقع،و إنما يكون المأمور به فاقدا لبعض واجباته،و بما أن فيما نحن فيه لا أمر بالإحرام قبل الوصول إلى الميقات أو إلى نقطة محاذية له فلو قامت البينة على أن الموضع الفلاني ميقات أو محاذ له فأحرم منه،ثم بان أنه ليس بميقات أو محاذي له،بل قبله بمسافة فلا موضوع للاجزاء،إذ لا أمر في الواقع حتى يمكن أن يقال إن الاتيان بالأمر الظاهري مجز عنه أو لا،هذا.
و لنا على ذلك البيان تعليقان:
الأول:الظاهر أنه لا فرق بين المسألتين،فان كلتيهما داخلة في كبرى مسألة الاجزاء و الوجه في ذلك ملخصا،إن النزاع في تلك المسافة في الاجزاء و عدمه لا يرتبط بوجود الأمر في الواقع و عدم وجوده بما هو اعتبار،بل هو مرتبط بالمأمور به بالأمر الظاهري على أساس أنه إن كان واجدا لملاك المأمور به بالأمر الواقعي فلا مناص من الاجزاء سواء أ كان الأمر الواقعي موجودا أم لا، فإنه إن كان موجودا سقط عنه فعلا،و إن لم يكن موجودا سقط عنه في وقته بسقوط موضوعه.
مثال ذلك:إذا قامت الأمارة على دخول وقت الصلاة،فقام المصلي و صلى،ثم بان أن الوقت غير داخل،و حينئذ بما أن الاتيان بالصلاة قبل الوقت يكون مأمورا به بالأمر الظاهري فان كان مشتملا على ملاك الصلاة المأمور بها بالأمر الواقعي و هو الصلاة بعد دخول الوقت كان الاتيان بها مجزيا عنها في الوقت،و حينئذ فلا يتحقق الأمر بها بعد دخول الوقت،و إن لم يكن مشتملا على ملاكها لم يكن مجزيا بدون فرق بين أن يكون الأمر الواقعي موجودا فعلا، أو غير موجود،إذ لا قيمة للأمر بما هو أمر من هذه الناحية.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 204)
……….
و بكلمة:إن المعيار انما هو بوجود الدليل على الاجزاء،فان كان موجودا فهو كاشف عن أن المأمور به بالأمر الظاهري مشتمل على ما يفي بغرض المأمور به بالأمر الواقعي،و الاّ فلا دليل على أنه واجد له.
فالنتيجة:إن الاجزاء و عدمه انما هو من صفات المأمور به و متطلباته دون وجود الأمر الواقعي بما هو أمر.
الثاني:مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن المسألة الاولى خارجة عن مسألة الاجزاء الاّ أن المقام غير داخل في المسألة الاولى،بل هو داخل في المسألة الثانية التي هي من عناصر كبرى مسألة الاجزاء،و ذلك لأن وجوب عمرة التمتع التي هي مركبة من الإحرام و الطواف و صلاته و السعي بين الصفا و المروة و التقصير مشروط بالاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية و البدنية و السربية،فإذا توفرت الاستطاعة بتمام عناصرها تحقق وجوبها،غاية الأمر أن وجوبها كان مشروطا بشرط متأخر و هو يوم عرفة،و على هذا فوجوب الإحرام بما أنه وجوب ضمني كوجوب الطواف فهو مشروط بنفس شروط الوجوب الاستقلالي،باعتبار أن الوجوب الضمني عين الوجوب الاستقلالي و ليس وجوبا آخر في مقابله و الاّ لزم أن لا يكون ضمنيا و هو خلف،و عليه فكل ما يكون شرطا للوجوب الاستقلالي فهو شرط للوجوب الضمني بعين الملاك، و لا تكون شرطيته للوجوب الضمني بحاجة إلى مؤنة زائدة لا ثبوتا و لا اثباتا.
فالنتيجة:انه يتبع الوجوب الاستقلالي في الاطلاق و الاشتراط،و حيث أن الوجوب الاستقلالي لا يكون مشروطا بالوصول إلى الميقات أو إلى نقطة محاذية له فلا يكون الوجوب الضمني أيضا مشروطا به،فاذن لا محالة يكون الإحرام من الميقات أو من نقطة محاذية له شرط في صحته لا في وجوبه، فيكون الإحرام قبل الميقات أو قبل المحاذاة فاقدا له،و على هذا فاذا قامت أمارة على أن هذه النقطة محاذية للميقات و احرم منها ثم انكشف الخلاف و بان أنها
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 205)
و لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البر و البحر(1).
ثم إن الظاهر أنه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات و لا يكون محاذيا لواحد منها،إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بد من محاذاة واحد منها(2)،و لو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل(3)،و عن بعضهم أنه يحرم من موضع يكون بينه و بين مكة بقدر ما بينها و بين أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان،لأنه لا يجوز لأحد قطعه إلا
قبل المحاذاة،دخل ذلك في كبرى مسألة الاجزاء،و هذا يعني أن الاتيان بهذا الاحرام المأمور به بالأمر الظاهري هل يجزي عن الأمر الواقعي الثابت له في الواقع أو لا؟فاذن قياس المقام بالصلاة قبل الوقت قياس مع الفارق،فان الصلاة قبل الوقت لا أمر بها في الواقع،و أما في المقام فالأمر بالاحرام في الواقع موجود،غاية الأمر أن صحته مشروطة بأن يكون من الميقات،و أما إذا كان قبله فهو غير صحيح.
تقدم أن جواز الإحرام من المحاذاة مختص بالمحاذاة لمسجد الشجرة دون محاذاة سائر المواقيت،نعم على تقدير الثبوت و جواز الإحرام منها مطلقا فلا فرق بين البر و البحر من هذه الجهة.
هذا ينافي ما تقدم منه قدّس سرّه من أن المعيار في المحاذاة انما هو بالصدق العرفي،و هي لا تصدق عرفا إذا كانت المسافة بين نقطة موقف الحاج و الميقات بعيدة،و قد مر أن ما ذكره هناك هو الصحيح،إذ يمكن أن لا يمر الشخص لا على أحد المواقيت و لا على نقطة محاذية له.
بل اللازم الرجوع إلى ميقات أهل بلاده و الاحرام منه،و الوجه في ذلك أن المستفاد من الروايات التي تنص على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة،و وقت لأهل المغرب الجحفة،و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل،و لأهل نجد و العراق العقيق بمناسبة الحكم
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 206)
……….
و الموضوع الارتكازية أن النائي الذي هو قاصد للحج و عازم عليه،فلا بد له من أن يحرم من أحد هذه المواقيت و لا يسوغ له أن يختار طريقا لا يمر على أحد منها مع التفاته إلى أن الإحرام منها من واجبات الحج أو العمرة كتكبيرة الاحرام للصلاة،هذا.
اضافة إلى أن جملة من هذه الروايات تنهى صريحا عن التجاوز عنها بدون احرام.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها الاّ و انت محرم-الحديث-» 1.
و منها:صحيحة الحلبي قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها -الحديث-» 2.
و منها:صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه عليه السّلام قال:«سألته عن المتعة في الحج من أين احرامها و احرام الحج،قال:وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق من العقيق،و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة،و لأهل الشام و من يليها من الجحفة،و لأهل الطائف من قرن المنازل،و لأهل اليمن من يلملم،فليس لأحد أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها» 3فان الناتج من ضم هذه الروايات إلى الروايات الاولى هو أن الاحرام من تلك المواقيت المعينة من واجبات الحج كالتكبيرة للصلاة،فلا يسوغ تركه باختيار طريق آخر لا يمر عليها،و من هنا لا يبعد أن يقال إن المتفاهم العرفي منها بمناسبات الحكم و الموضوع أنه لا خصوصية لعنوان التجاوز عنها بدون احرام،لأن المعيار انما هو بعدم جواز ترك الاحرام منها و إن كان ذلك باختيار طريق آخر لا يمر عليها،فاذن مقتضى القاعدة فساد الحج بدون الإحرام منها،فالصحة بحاجة إلى دليل يدل على أن الإحرام
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 207)
……….
من مكان آخر يقوم مقام الاحرام منها.
و مما يدل على أن أدنى الحل ليس من أحد مواقيت عمرة التمتع الروايات التي تنص على أن من ترك الإحرام منها جاهلا أو ناسيا وجب عليه الرجوع إلى أحد هذه المواقيت و الإحرام منه،فان تعذر أو خاف فوت الحج فان أمكن أن يخرج من الحرم و الاحرام من الخارج وجب و الاّ فمن مكانه.
منها:صحيحة الحلبي،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى أن يحرم حتى دخل الحرم،قال:قال أبي:كان يخرج إلى ميقات أهل أرضه فان خشى أن يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم» 1.
و منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسى أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف أن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج،فقال:يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك» 2.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت اليهم فسألتهم فقالوا:ما ندري أ عليك احرام أم لا و أنت حائض؟فتركوها حتى دخلت الحرم،فقال عليه السّلام:إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه،فان لم يكن عليها وقت(مهلة)فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم» 3.
و منها:موثقة زرارة:«عن اناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الميقات و هي لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم،فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال،فسألوا الناس،فقالوا:تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه،فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج،فسألوا أبا جعفر عليه السّلام فقال:تحرم من مكانها قد علم اللّه من نيتها» 4و منها غيرها.فانها واضحة الدلالة على أنه لا يصح الإحرام من أدنى الحل عامدا و ملتفتا.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 208)
……….
فالنتيجة:إن المستفاد من هذه الروايات أن وظيفة تارك الإحرام من أحد المواقيت المعينة الرجوع إليه و الاحرام منه سواء أ كان تاركا له نسيانا أم جاهلا أم عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي،ضرورة أنه ليس أسوأ حالا من الناسي أو الجاهل،فإذا كان متمكنا من الرجوع إلى ميقات أهل بلده و الإحرام منه وجب عليه ذلك لكي لا يفوت منه الحج،نعم إذا لم يتمكن من الرجوع إليه ثانيا فهل أن حكمه حكم الناسي و الجاهل أو لا؟فيه قولان،و الأظهر هو الأول،و سيأتي بيانه في ضمن المسائل القادمة بعونه تعالى.
و دعوى:ان وجوب الاحرام من أدنى الحل هو القدر المتيقن بالنسبة إليه، و أما الزائد و هو وجوب رجوعه إلى أحد المواقيت فبما أنه مشكوك فيه فتجري فيه أصالة البراءة.
مدفوعة:بما مر من الروايات التي تنص على وجوب رجوعه إلى الميقات و الاحرام منه إذا كان متمكنا من ذلك و لم يخف فوت الحج.نعم إذا تعذر الرجوع أو أنه حرجي أو يخاف فوت الحج فوظيفته أن يخرج من الحرم بما استطاع من المسافة بعد الخروج من الحرم و الإحرام منه،كما هو مقتضى صحيحة معاوية المتقدمة،و الاّ فمن أدنى الحل،و إن لم يستطيع فمن مكانه.
و لتوضيح ما ذكرناه تطبيقا و تكميلا نذكر مجموعة من المسائل:
الاولى:قد تسأل عن أن الواجب عليه هل هو الرجوع إلى ميقات أهل أرضه و بلاده كما في بعض هذه الروايات،أو يجوز له الرجوع إلى أي ميقات من تلك المواقيت المعينة شاء؟
و الجواب:إنه لا يبعد أن تكون وظيفته الرجوع إلى ميقات أهل أرضه كما هو مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة و صحيحة علي بن جعفر.
و دعوى:أنه لا خصوصية لهذا القيد و لا يفهم العرف منه موضوعية، و يرى أن ما ذكره انما هو من باب المثال و بلحاظ أنه أعرف بميقات أهل أرضه.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 209)
……….
مدفوعة:بأن كل قيد أخذ في لسان الدليل في مقام جعل الحكم و اعتباره ظاهر في أنه دخيل في الحكم في مرحلة الاعتبار و في الملاك و في مرحلة المبادئ،فان تصدى المولى لأخذ قيد في موضوع الحكم لا يمكن أن يكون جزافا،فلا محالة يكون مبنيا على نكتة مبررة له،و هي دخله في الحكم و الملاك معا،و أما كون أخذه من باب المثال فهو بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه.
و دعوى:ان المرتكز في الأذهان أنه لا خصوصية لميقات و ميقات و تعدده انما هو من باب التسهيل بدون أن تكون له موضوعية.
مدفوعة:بأن هذه الدعوى و إن كانت موافقة للارتكاز الاّ أنها ليست بدرجة تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور القيد في الموضوعية و الاحتراز.
فالنتيجة:إن وجوب الرجوع إلى ميقات أهله إن لم يكن أظهر فلا شبهة في أنه أحوط.
الثانية:قد تسأل أن من اختار طريقا إلى ميقات غير أهل بلده كالعراقي الذي جاء إلى المدينة المنورة قاصدا الحج،ثم ترك الاحرام من مسجد الشجرة جاهلا بالحال أو غافلا،فهل يجب عليه أن يرجع إلى مسجد الشجرة أو ميقات أهل بلده؟
و الجواب:إنه لا يبعد أن تكون وظيفته الرجوع إلى ميقات أهل أرضه شريطة أن لا يكون هناك مانع،و ذلك لإطلاق الصحيحتين المتقدمتين،و إن كان مقتضى القاعدة جواز رجوعه إلى أي ميقات من المواقيت الخمسة،باعتبار أن الواجب عليه طبيعي الإحرام و هو الإحرام من أحد المواقيت،لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إن عيّن لكل بقعة من بقاع الأرض ميقاتا،و لكن يجوز لأهل كل بقعة أن يحرموا من ميقات بقعة اخرى،و تنص على ذلك مجموعة من الروايات، هذا،مضافا إلى أن مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع أن ذلك التعيين انما هو
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 210)
محرما،و فيه أنه لا دليل عليه،لكن الأحوط الإحرام منه و تجديده في أدنى الحل.
[العاشر:أدنى الحل]
العاشر:أدنى الحل،و هو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو
للتسهيل لا للإلزام،و على هذا الأساس فإذا وصل إلى ميقات من هذه المواقيت المعينة وجب عليه الإحرام منه و إذا ترك جاهلا أو ناسيا إلى أن وصل إلى مكة، ثم تذكر أو علم بالحال فمقتضى القاعدة أن ذمته مشغولة بطبيعي الإحرام باعتبار أنه الواجب عليه،و هو مخير في تطبيقه على أي فرد من افراده شاء،و لا يتعين عليه الرجوع إلى ميقات أهل أرضه.
فالنتيجة:إنه لو لا الصحيحتان لكان مقتضى القاعدة جواز رجوعه إلى أي ميقات شاء و الإحرام منه إذا أمكن،على أساس أن الواجب ينطبق عليه.نعم لو لم تكن الروايات الدالة على جواز احرام أهل كل منطقة من ميقات منطقة اخرى،و لم يكن ذلك مقتضى القاعدة أيضا كان المتعين على أهل كل منطقة أن يحرموا من ميقاتهم،و لا يكفي احرامهم من ميقات منطقة اخرى،و نتيجة ذلك أن الواجب على أهل كل منطقة حصة خاصة من الاحرام و هي الاحرام من ميقاتهم فحسب،فاذا ترك شخص الاحرام من ميقات أهل بلده وجب عليه الرجوع إليه و الاحرام منه،و هذا لا يحتاج إلى دليل،لأن كفاية الاحرام من ميقات بلد آخر بديلا عنه بحاجة إلى دليل باعتبار أن ذلك من إجزاء غير الواجب عن الواجب.
الثالثة:قد تسأل أن من ترك الإحرام عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي من ميقات غير أهل بلده،فهل يجب عليه أن يرجع إلى ذلك الميقات و الاحرام منه أو ميقات أهل بلده؟
و الجواب:إنه لا يبعد وجوب رجوعه إلى ميقات أهل بلده،لإطلاق الصحيحتين المتقدمتين،و قد تقدم أنه لو لم يكن أظهر فلا شبهة في أنه أحوط.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 211)
الإفراد،بل لكل عمرة مفردة(1)،و الأفضل أن يكون من الحديبيّة أو الجعرانة أو التنعيم فإنها منصوصة،و هي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب و البعد،فإن الحديبية-بالتخفيف أو التشديد-بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع،و يقال نصفه في الحل و نصفه في الحرم،و الجعرانة-بكسر الجيم و العين و تشديد الراء أو بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء-موضع بين مكة و الطائف على
في العموم اشكال بل منع،فان أدنى الحل ميقات لحج الافراد و القران و للعمرة المفردة لمن كان في مكة و من جاء من الخارج كالمدينة المنورة مثلا من أجل غاية اخرى لا بقصد العمرة،ثم بنى على أن يأتي بها،و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:اعتمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاث عمر متفرقات عمرة ذي القعدة اهلّ من عسفان و هي عمرة الحديبيّة،و عمرة أهلّ من الجحفة و هي عمرة القضاء،و عمرة من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين» 1بتقريب أن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله خرج من المدينة المنورة لا بقصد العمرة بل من أجل القتال في غزوة حنين،و بعد الرجوع منها بنى على أن يأتي بعمرة مفردة ثم يعود إلى المدينة،فالصحيحة تدل على أن أدنى الحل ميقات للنائي الذي خرج من بلده من أجل غرض آخر لا للعمرة،ثم بنى على أن يأتي بها،و أما إذا خرج منه بقصد العمرة فيكون ميقاته أحد المواقيت المعينة دون أدنى الحل،و لا تدل الصحيحة على أن ميقاته أدنى الحل لأنه خارج عن موردها،و على هذا فلو ترك الاحرام منه وجب الرجوع إليه ثانيا و الاحرام منه و إن لم يتمكن من الرجوع إليه،فان استطاع أن يخرج من الحرم و يحرم فعليه ذلك،و الاّ فمن مكانه.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 212)
سبعة أميال،و التنعيم موضع قريب من مكة و هو أقرب أطراف الحل إلى مكة،و يقال:بينه و بين مكة أربعة أميال،و يعرف بمسجد عائشة،كذا في مجمع البحرين،و أما المواقيت الخمسة فعن العلامة رحمه اللّه في المنتهى أن أبعدها من مكة ذو الحليفة فإنها على عشرة مراحل من مكة،و يليه في البعد الجحفة،و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان،و قيل:إن الجحفة على ثلاث مراحل من مكة.
[مسألة 5:كل من حج أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق]
[3217]مسألة 5:كل من حج أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق و إن كان مهلّ أرضه غيره كما أشرنا إليه سابقا،فلا يتعين أن يحرم من مهلّ أرضه بالإجماع(1)و النصوص،منها صحيحة صفوان:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها».
فيه انه لا أثر للإجماع،لما ذكرناه غير مرة من أنه لا يمكن اثبات الحكم الشرعي به،و لا سيّما في المقام،فانه مع وجود النصوص الواضحة الدلالة و السند على ثبوت هذا الحكم في المسألة لا يمكن أن يكون كاشفا عنه للاطمئنان بان مدرك المجمعين فيها كلا أو جلا تلك النصوص.
منها:صحيحة صفوان 1المذكورة في المتن.
و منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج،ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه،فليكن احرامه من مسيرة ستة أميال،فيكون حذاء الشجرة من البيداء» 2فانها واضحة الدلالة على أن من جاء من البلاد الاخرى إلى المدينة مريدا للحج،فان خرج من المدينة إلى جهة الجنوب،فان كان من الطريق
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 213)
[مسألة 6:قد علم مما مر أن ميقات حج التمتع مكة واجبا كان أو مستحبا من الآفاقي أو من أهل مكة]
[3218]مسألة 6:قد علم مما مر أن ميقات حج التمتع مكة واجبا كان أو مستحبا من الآفاقي أو من أهل مكة،و ميقات عمرته أحد المواقيت الخمسة أو محاذاتها(1)كذلك أيضا،و ميقات حج القران و الإفراد أحد تلك المواقيت مطلقا أيضا إلا إذا كان منزله دون الميقات أو مكة فميقاته منزله(2)و يجوز من أحد تلك المواقيت أيضا بل هو الأفضل،و ميقات عمرتهما أدنى الحل إذا كان في مكة و يجوز من أحد المواقيت أيضا و إذا لم يكن في مكة فيتعين أحدها(3)،و كذا الحكم في العمرة المفردة مستحبة
الاعتيادي و هو طريق أهل المدينة إلى مكة فميقاته مسجد الشجرة،و إن كان من غير ذلك الطريق فميقاته نقطة محاذية له،و إن خرج إلى جهة الغرب فميقاته الجحفة،و إن خرج إلى جهة الشرق فميقاته وادي العقيق،و لا يجب عليه في هذين الفرضين الاحرام من مسيرة ستة أميال،لأن الاحرام إنما يجب منها شريطة أن تكون محاذية للشجرة من البيداء،و قد تقدم أن عنوان المحاذاة عنوان عرفي،فلا يصدق إذا كانت المسافة بعيدة.و منها غيرهما.
مر أنه لا يوجد دليل على أنها ميقات مطلقا،فان الدليل انما قام على أن محاذاة مسجد الشجرة ميقات،و لا يمكن التعدي منها إلى محاذاة سائر المواقيت،حيث ان الحكم يكون على خلاف القاعدة،فالتعدي بحاجة إلى قرينة و لا قرينة في البين لا في الداخل و لا في الخارج،و به يظهر حال ما بعده.
مر في السابع من المواقيت أن ميقات أهل مكة في حج الافراد و القران الجعرانة.
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه انما يتعين عليه شريطة أن لا يكون منزله دون الميقات،و الاّ فلا يتعين الاحرام من أحد هذه المواقيت الخمسة،بل له أن يحرم من منزله بدون فرق بين أن تكون عمرته متعة أو مفردة لإطلاق النص كما مر.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 214)
كانت أو واجبة،و إن نذر الإحرام من ميقات معين تعين،و المجاور بمكة بعد السنتين حاله حال أهلها،و قبل ذلك حاله حال النائي،فإذا أراد حج الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها(1)و إذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل.
مر أنه لا دليل على أن النقطة المحاذية لكل ميقات من المواقيت الخمسة ميقات،و الدليل خاص بالنقطة المحاذية لمسجد الشجرة.
و نذكر فيما يلي عددا من الامور:
الأول:إن صدق المحاذاة على النقطة الموازية للميقات عرفا مرتبط بتوفر أمرين فيها:
أحدهما:أن يكون الميقات على طرف يمين الانسان أو يساره حينما يكون مواجها إلى مكة.
الثاني:أن تكون المسافة بين موقفه و بين الميقات لا تكون من البعد بدرجة تمنع عن صدق المحاذاة عرفا.
الثاني:ما مر من اختصاص ميقاتية المحاذاة بالنقطة المحاذية لمسجد الشجرة فحسب،دون النقطة المحاذية لغيره من المواقيت.
الثالث:قد تسأل إن الحكم بكفاية المحاذاة لمسجد الشجرة هل يختص بالمقيم في المدينة شهرا أو نحوه مريدا للحج؟
و الجواب:إن الأظهر هو عدم اختصاصه بمن يتوفر فيه القيدان المذكوران،و قد تقدم تفصيل ذلك بشكل موسع في التاسع من المواقيت،و قلنا هناك إنه لا بد من حمل القيدين في كلام الامام عليه السّلام على الغالب بلحاظ ذلك العصر.
الرابع:إن أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة بعد حج الافراد او القران، و لمن كان في مكة سواء أ كان من أهاليها أو المقيمين فيها كالحجاج القادمين من
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 215)
……….
سائر بقاع الأرض،فانهم بعد الفراغ من اعمال الحج إذا أرادوا الاتيان بالعمرة المفردة خرجوا منها إلى أدنى الحل كجعرانة أو نحوها و أحرموا منها ناويا للعمرة،و للنائي الذي جاء من بلده من أجل غاية اخرى و جاوز الميقات بدون احرام و بعد الوصول إليها،حينما أراد الرجوع إلى بلده بدا له الاتيان بالعمرة،فإن له أن يحرم من ادنى الحل كجعرانة أو نحوها رغم تمكنه من الرجوع إلى أحد المواقيت و الاحرام منه،كما أنه ميقات لحج الافراد و القران لأهل مكة.و أما ميقات عمرة التمتع فهو أحد المواقيت الخمسة المعينة،فلا يجوز الإحرام لها من غيرها.نعم من كان منزله دون تلك المواقيت جاز له الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام من منزله شريطة أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، و الاّ فوظيفته الاحرام منه لحج الافراد او القران.
الخامس:إن من ترك الإحرام عن الميقات جاهلا أو ناسيا،و واصل سفره إلى مكة،ثم تذكر أو علم بالحال،فهل عليه أن يرجع إليه و الاحرام منه؟
و الجواب:إنه يرجع إليه إذا كان متمكنا منه،و ذلك لأن مقتضى الروايات التي تنص على عدم جواز التجاوز عن الميقات بدون احرام أن المكلف ما دام متمكنا من الاحرام منه فلا تصل النوبة إلى بديله و هو الإحرام من مكان آخر، و على هذا فمن جاء إلى الحج من طريق المدينة المنورة فوظيفته أن يحرم من مسجد الشجرة إلى مسافة ميل افقيا،و لو ترك الاحرام منه و كان عن جهل و غفلة فعليه أن يرجع إليه و الاحرام منه،و لا يكتفى بالاحرام من الجحفة رغم أنها من أحد المواقيت الخمسة،و ذلك لأن مفاد تلك الروايات الارشاد إلى أن الإحرام منه هو الواجب عليه أولا،و ما دام المكلف متمكنا منه فلا يصل الدّور إلى بدله.
نعم إذا لم يتمكن من الرجوع إليه أحرم من الجحفة،و أما إذا جاوز عنها أيضا فان تمكن من الرجوع إليها وجب،و الاّ فمن الأقرب فالأقرب إليها على الأظهر.
و بكلمة:إن ما نتج من الروايات الناهية عن التجاوز من الميقات بدون إحرام بضميمة الروايات الآمرة برجوع تارك الاحرام منه إليه إذا تمكن هو أن
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 216)
……….
الاحرام من الميقات الذي يمر عليه هو الواجب الأول فلا يجوز للمكلف تركه مهما أمكن و لو بالرجوع من مكة إليه،فالاحرام من ذلك الميقات بالنسبة إلى العمرة أو الحج كالطهارة المائية بالنسبة إلى الصلاة،فانه ما دام المكلف متمكنا منها فلا يصل الدور إلى التيمم،هذا هو مقتضى اطلاقات الروايات.نعم في خصوص التجاوز عن مسجد الشجرة الذي يكون أمامه ميقات آخر و هو الجحفة،قد ورد نص خاص و هو صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:
من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟فقال:من الجحفة و لا يجاوز الجحفة الاّ محرما» 1و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون متمكنا من الرجوع إلى الشجرة أو لا،فاذن تكون هذه الصحيحة مقيدة لإطلاقات تلك الروايات بغير موردها.
فالنتيجة:إن المستفاد من الصحيحة بضمها إليها هو أن من جاوز الميقات وجب الرجوع إليه و الإحرام منه إذا لم يكن أمامه ميقات آخر من المواقيت الخمسة،و الاّ لم يجب،و كفاية الاحرام من الميقات الأمامي.
السادس:قد تسأل ان من ترك الإحرام من مسجد الشجرة جاهلا أو غافلا إلى أن دخل مكة المكرمة،فهل عليه أن يرجع إلى مسجد الشجرة و الإحرام منه إذا تمكن،أو يكفى الرجوع إلى الجحفة و الإحرام منها؟
و الجواب:إنه يكفى الرجوع إلى الجحفة و الاحرام منها،و لا يجب عليه الرجوع إلى المسجد و إن تمكن منه،و ذلك بمقتضى دلالة الصحيحة على عدم وجوب الرجوع إليه بعد التجاوز عنه و إن تمكن،و يكفي الإحرام من الجحفة التي أمامه.
السابع:إن من ترك الإحرام من مسجد الشجرة عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي،فهل عليه أن يرجع إليه مرة ثانية و يحرم منه،أو يكفي الإحرام من الجحفة بدلا عن الإحرام عنه و لا يجب عليه الرجوع؟
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 217)
……….
و الجواب:إن مقتضى اطلاقات روايات الباب وجوب الرجوع إليه للإحرام منه،كما هو الحال في سائر المواقيت،لما مر من أن قضية تلك الاطلاقات أن المكلف ما دام متمكنا من أن يحرم من المسجد فلا يصل الدور إلى الاكتفاء بالإحرام من الجحفة الذي هو بديل عنه،فان وظيفة كل من جاء إلى الحج عن طريق المدينة المنورة الذي يمر على مسجد الشجرة الاحرام منه و عدم جواز التأخير بدون عذر و الاحرام من الجحفة باعتبار أن وظيفة المعذور عن الإحرام من المسجد،هذا بحسب مقتضى القاعدة،و أما بحسب النص الوارد في خصوص المقام و هو صحيحة الحلبي المتقدمة فلا يبعد شمول اطلاقها لهذه الصورة،فان السؤال فيها مطلق يعم من ترك الاحرام منه عن عمد و التفات،و كذلك جواب الامام عليه السّلام باعتبار أنه لم يقيد بما إذا كان تركه عن جهل أو غفلة مع كونه عليه السّلام في مقام البيان.
و دعوى:أنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،فان السؤال فيها ناظر إلى وظيفة المتجاوز عن الشجرة بدون احرام،و الامام عليه السّلام أجاب عن أنه يحرم من الجحفة،و أما أن تجاوزه عنها كان لعلة أو لا فلا نظر لها إلى هذه الناحية.
مدفوعة:بأن الصحيحة ليست قضية في واقعة،بل قضية كلية سؤالا و جوابا،فإذا كان الامام عليه السّلام في مقام بيان حكمها لموضوعها الكلي المفروض وجوده فلا محالة يكون في مقام بيان حالات موضوعها أيضا،و لا ينفك بيان أحدهما عن الآخر،و عليه فإذا كانت للموضوع حالات متعددة و لم يقيده بشيء منها فهو مطلق،و ما نحن فيه كذلك،و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يرجع إلى مسجد الشجرة في هذه الصورة بدون فرق بين أن يكون رجوعه قبل وصوله إلى مكة أو بعده شريطة أن يكون ميقات أهله.
الثامن:إن من ترك الاحرام عن الميقات لعذر كالمرض أو الضعف أو ما شاكل ذلك،و واصل سفره إلى مكة،و أحرم من أدنى الحل،و دخل مكة ثم ارتفع عذره و استعاد قوته و نشاطه،فهل يجب عليه أن يرجع إلى الميقات و الإحرام
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 218)
……….
منه إذا تمكن من ذلك و لم يخش فوت الحج؟
و الجواب:إنه يجب عليه الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه،لأن ارتفاعه عنه في وقت يتمكن من الرجوع إليه و الإحرام منه كاشف عن انه لم يسقط عنه، فان العذر انما يكون رافعا للتكليف و مسقطا عنه إذا كان مستوعبا لتمام الوقت، و أما إذا لم يكن مستوعبا له بأن يكون المكلف متمكنا من الاتيان بالمأمور به بتمام واجباته في وقته فلا أثر له،و لا يكون رافعا له،و على هذا فإذا ارتفع العذر بعد دخوله في مكة،بل بعد الاتيان بالعمرة و كان الوقت واسعا للرجوع إلى ميقات أهل أرضه و الإحرام منه وجب عليه الرجوع،فان ارتفاعه كذلك كاشف عن بطلان احرامه من أدنى الحل باعتبار أن صحته ترتبط بكونه عاجزا عن الاحرام من الميقات في الواقع،و الفرض أنه غير عاجز عنه.نعم إذا كان أمام ذلك الميقات ميقات آخر كمسجد الشجرة حيث أن أمامه ميقات آخر كالجحفة،ففي مثل ذلك إذا ارتفع العذر كفى الرجوع إلى الجحفة و الإحرام منها، و لا يجب الرجوع إلى مسجد الشجرة كما هو الحال في الجاهل و الناسي،و ذلك لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 219)
[فصل في أحكام المواقيت]
فصل في أحكام المواقيت
[مسألة 1:لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]
[3219]مسألة 1:لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد،و لا يكفي المرور عليها محرما بل لا بد من إنشائه جديدا،ففي خبر ميسرة:«دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا متغير اللون فقال عليه السّلام:من أين أحرمت بالحج؟ فقلت:من موضع كذا و كذا،فقال عليه السّلام:ربّ طالب خير يزلّ قدمه،ثم قال أ يسرّك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟قلت:لا،قال:فهو و اللّه ذاك».
نعم يستثنى من ذلك موضعان:
أحدهما:إذا نذر الإحرام قبل الميقات،فإنه يجوز و يصح للنصوص، منها خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لو أن عبدا أنعم اللّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم».
موثقة أبي بصير 1،و منها صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة،قال:فليحرم من الكوفة،و ليف للّه بما قال» 2و موردهما و إن كان خاصا،الاّ أن المتفاهم العرفي منهما بمناسبات الحكم و الموضوع صحة نذر الاحرام قبل الميقات مطلقا بدون خصوصية له.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 220)
و لا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيته قبل النذر مع أن اللازم كون متعلق النذر راجحا،و ذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر(1)من الأخبار،و اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر،و نظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرّم من حيث هو مع صحته و رجحانه بالنذر،و لا بد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر،فلا يرد أن لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرّم،و في المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار،فالقول بعدم الانعقاد-كما عن جماعة-لما ذكر لا وجه له، لوجود النصوص و إمكان تطبيقها على القاعدة.
بل يمكن أن يكون بعنوان أنه متعلق النذر،و هذا يعني أن التزام المكلف فعله للّه تعالى يوجب رجحانه بانطباق هذا العنوان الثانوي الراجح عليه،أو أنه ملازم لانطباق عنوان راجح عليه.
و النكتة في ذلك:إن جعل وجوب الوفاء به من قبل الشارع بما أنه لا يمكن أن يكون جزافا و بدون ملاك مبرر له في الواقع،فبطبيعة الحال ان ما دل على وجوب الوفاء به في مقام الاثبات كاشف عن رجحانه بالعنوان الثانوي، و هو عنوان كونه متعلقا للنذر،او كون هذا العنوان ملازما لانطباق عنوان راجح عليه،و لا يلزم في وجوب الوفاء به أن يكون متعلقه راجحا بعنوان أولي.
و دعوى:ان الاحرام قبل الميقات محرم،فلا يمكن الحكم بصحة النذر المتعلق به،و الاّ فلازمه امكان تحليل كل حرام بالنذر،و هو خلاف الضرورة.
مدفوعة:بأن حرمة الإحرام قبل الميقات حرمة تشريعية لا ذاتية،و معنى ذلك أن الإحرام إنما يكون حراما إذا كان بقصد الأمر المفروض من قبل اللّه تعالى،مع العلم بأنه لا أمر به في الواقع،و النذر و إن تعلق بالإحرام المشروع الاّ أنه لا يلزم أن يكون مشروعا بقطع النظر عنه و في المرتبة السابقة،بل يكفي كونه
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 221)
و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و عدمه وجوه،ثالثها إلحاق العهد دون اليمين،و لا يبعد الأول(1)لإمكان الاستفادة من الأخبار،
مشروعا بتعلق النذر به،أي بعنوان ثانوي،أو كون تعلقه به ملازما لانطباق عنوان راجح عليه،و الكاشف عن ذلك هو الروايات الدالة على صحة نذر الإحرام قبل الميقات.
و بكلمة:إن النذر لا يمكن أن يكون محللا للحرام الذاتي،لما ذكرناه في علم الأصول من أن وجوب الوفاء بالنذر و أخويه لا يصلح أن يزاحم أي حكم الزامي مجعول من قبل الشرع،فانه بصرف ثبوته فيه رافع له بارتفاع موضوعه وجدانا،و وارد عليه،لأن ذلك مقتضى قوله عليه السّلام:«إن شرط اللّه قبل شرطكم»فان معناه أن التكاليف الإلهية المفروضة من قبل اللّه تعالى لا بد و أن تلحظ في المرتبة السابقة على شروطكم و التزاماتكم،و بقطع النظر عنها،فاذا كانت التكاليف الإلهية ثابتة في الشريعة فلا يصل الدور إلى شروطكم،فاذن كيف يمكن أن يكون وجوب الوفاء محللا للحرام،بل ان ذلك اي ارتفاع وجوب الوفاء بالنذر بارتفاع موضوعه بثبوت التكليف في الشريعة المقدسة يكون على القاعدة فلا يحتاج إلى دليل،فان التزام المكلف بشيء من قبل نفسه للّه تعالى لا يمكن أن يزاحم أي تكليف الهي المفروض من قبله تعالى في الشرع في المرتبة السابقة،فإذا كان ثابتا فيه كذلك فلا يصل الدور إلى التزام المكلف بشيء على خلافه للّه تعالى.
فالنتيجة:إن متعلق النذر الإحرام بنفسه قبل الميقات،و المفروض أنه ليس بحرام ذاتا،و بذلك يظهر أن هذه الدعوى مبنية على الخلط بين الحرام الذاتي و الحرام التشريعي،لأن صحة النذر المتعلق بالثاني لا تستلزم تحليل الحرام،و من هنا يظهر حال صحة الصوم في السفر بالنذر.
هذا بعيد جدا،لأن صحة نذر الإحرام قبل الميقات انما هي من جهة
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 222)
……….
الروايات،و هي لا تعم العهد و اليمين،أما صحيحة الحلبي فلأن موردها النذر، و لا عموم لها بالنسبة إلى العهد و اليمين،و أما موثقة أبي بصير فهي ظاهرة سياقا فيه،و لا اطلاق لها باعتبار أن الظاهر من هذه الروايات أن الحاج جعل الإحرام قبل الميقات على نفسه للّه تعالى،و هذا هو مفاد النذر دون العهد و اليمين.
أما العهد،فلأن مفاده ربط الشخص التزامه النفسي باللّه تعالى،و عقده بينه و بين ربه على أن افعل كذا،فمعنى عاهدت اللّه على أن افعل كذا و كذا هو ذلك،دون جعل الفعل عليه للّه تعالى،و بذلك يمتاز العهد عن النذر،و من هنا قويّنا عدم اعتبار الرجحان في متعلق العهد.
و أما اليمين،فلأن مفاده ربط التزامه النفسي بالفعل الخارجي بالحلف باسمائه الخاصة و شده به،فمعنى قوله:«و اللّه لأفعلنّ كذا»جعل التزامه النفسي بالفعل مرتبطا بالحلف بذاته تعالى،لا جعل الفعل عليه للّه تعالى،فتكون اليمين كالعهد من هذه الناحية،فلا يعتبر في وجوب الوفاء بها أن يكون متعلقها راجحا،بل قد يستعمل العهد بمعنى القسم،كما في قولنا«عليّ عهد اللّه لأفعلنّ كذا»أي اقسم باللّه.
فالنتيجة:إن اخبار الباب لا تشمل العهد و اليمين،و على هذا فلا يمكن تصحيح الإحرام قبل الميقات بهما،و ذلك لأن الإحرام قبل الميقات بما أنه غير مشروع فلا يمكن جعله مشروعا بالعهد أو اليمين.
و بكلمة:إن الاحرام للعمرة أو الحج بعنوان الوظيفة قبل الميقات غير مشروع،و حينئذ فان تعلق العهد أو اليمين به فلا أثر له،ضرورة أنه لا يجعل غير المشروع مشروعا،و إن تعلق به بما هو دعاء و تضرع و استجابة للّه تعالى لا بما هو إحرام قبل الميقات فهو خارج عن محل الكلام،و من هنا لو لا الروايات الدالة على صحة النذر قبل الميقات لقلنا ببطلانه أيضا.و مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أن الوفاء بالعهد أو اليمين المتعلق به قبل الميقات واجب،الاّ أن وجوبه لا يتوقف على كون متعلقهما راجحا كما مر.فاذن ما هو الطريق إلى احراز أنه
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 223)
و الأحوط الثاني(1)لكون الحكم على خلاف القاعدة،هذا.
و لا يلزم التجديد في الميقات و لا المرور عليها و إن كان الأحوط التجديد خروجا عن شبهة الخلاف.
و الظاهر اعتبار تعيين المكان(2)فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا فيكون مخيرا بين الأمكنة لأنه القدر المتيقن بعد عدم الإطلاق في الأخبار،نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول:«للّه علي أن أحرم إما
راجح بعد فرض أنه مرجوح قبل الميقات بعنوان الاحرام و إن لم يكن محرما ذاتا،و الفرض أنهما لا يقتضيان كونه راجحا،و بذلك يمتازان عن النذر،و عليه فان فرض وجوب الوفاء بهما و الاتيان بالاحرام قبل الميقات و لكنه لا يجزئ عن الاحرام من الميقات،باعتبار أن الاحرام منه عبادة،فلا بد من أن يكون راجحا في نفسه،و الاّ فلا يصلح أن يكون جزء العمرة أو الحج.
فالنتيجة:إن الصحيح عدم الحاق العهد و اليمين بالنذر.
بل هو الصحيح،كما مر.
في الظهور اشكال،و لا يبعد عدم اعتباره،لما مر من أن المتفاهم العرفي من الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية صحة نذر الإحرام قبل الميقات بدون دخل تعيين المكان فيها،اذ احتمال أن تعيين المكان الخاص كالكوفة أو خراسان أو البصرة أو نحوها من المكان المعين دخيل في صحة نذره بعيد جدا عن الارتكاز العرفي،باعتبار أن الإحرام عن كل مكان يكون قبل الميقات غير مشروع بدون خصوصية لمكان و مكان آخر،و المفروض أن المعتبر في صحة النذر انما هو رجحان متعلقه في ظرف الوفاء و العمل به و إن كان بعنوان ثانوي،و احتمال أن خصوصية المكان المعين دخيلة فيه غير محتمل عرفا،إذ نسبة الامكنة الواقعة قبل الميقات إلى الإحرام منها على حد سواء،فانه غير مشروع من أي منهما كان بنسبة واحدة،و على هذا فاذا نذر الإحرام قبل الميقات بدون تعيين مكان خاص انعقد،و له حينئذ أن يحرم من أي نقطة شاء
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 224)
من الكوفة أو من البصرة»و إن كان الأحوط خلافه.
و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة،نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج لاعتبار كون الإحرام لهما فيها،و النصوص إنما جوزت قبل الوقت المكاني فقط.
ثم لو نذر و خالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسيانا أو عمدا لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات،نعم عليه الكفارة إذا خالفه متعمدا.
ثانيهما:إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي تقضيه إن أخر الإحرام إلى الميقات فإنه يجوز له الإحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و إن أتى ببقية الأعمال في شعبان،لصحيحة إسحاق بن عمار(1)عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«عن رجل يجيء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟قال:يحرم قبل الوقت لرجب فإن لرجب فضلا» و صحيحة معاوية بن عمار:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا أن يخاف فوت الشهر في
و أراد شريطة أن تكون قبل الميقات،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر تعيين المكان.
الرواية موثقة 1في مصطلح أهل الرجال لا أنها صحيحة،و لعله قدّس سرّه أراد منها الرواية المعتبرة حيث انه لا يكون مقيدا في تعبيره عن الروايات أن يكون على طبق ما هو المصطلح الرجالي.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 225)
العمرة»و مقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضا حيث أن لكل شهر عمرة،لكن الأصحاب خصصوا ذلك برجب فهو الأحوط(1)حيث إن الحكم على خلاف القاعدة،و الأولى و الأحوط مع ذلك التجديد في الميقات،كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و إن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخر إلى
بل هو الأظهر،و ذلك لأن مقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار 1و إن كان جواز ذلك لإدراك عمرة سائر الشهور أيضا،الاّ أن تعليل تقديم احرام عمرة رجب قبل الميقات في الموثقة بقوله عليه السّلام:«فان لرجب فضلا»يمنع عن الأخذ بهذا الاطلاق،فان الظاهر من التعليل عرفا هو أن أفضلية عمرة رجب من عمرة سائر الشهور هي التي تبرر حكم الشارع بجواز تقديم احرام عمرته قبل الوقت على عمرة غيره كشعبان لكي لا تفوت عنه تلك الفضيلة التي هي غير موجودة في عمرة غيره.
و بكلمة:إن ظاهر التعليل اشارة إلى ما ورد في الروايات من التنصيص على أن عمرة رجب افضل من عمرة سائر الشهور كلا حتى من عمرة شهر رمضان،و أن التقديم إنما هو بلحاظ أن لا تفوت هذه الأفضلية عنه،و ليس هذا التعليل بلحاظ فضيلة عمرة رجب دون أفضليتها،و الاّ لكان لغوا،إذ لا فرق حينئذ بين رجب و شعبان و غيرهما من الشهور،فاذن لا معنى لقوله عليه السّلام:«فان لرجب فضلا»بل هو لغو حيث لا فضل له على غيره،و لا فرق بينه و بين سائر الشهور،بل لو كان التقديم بلحاظ أن لا تفوت عنه عمرة رجب لكان المناسب أن يعلل قوله عليه السّلام:«يحرم قبل الوقت لرجب»بقوله«لئلاّ تفوت عنه عمرته» و على هذا فنرفع اليد عن اطلاق صحيحة معاوية و تقييده بظهور التعليل في الموثقة في اختصاص الحكم بعمرة رجب،و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به إذا خاف فوت العمرة في شهر آخر من سائر الشهور أن يجمع بين الإحرام قبل
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 226)
الميقات،بل هو الأولى حيث إنه يقع باقي أعمالها أيضا في رجب(1).
و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة بالأصل أو بالنذر و نحوه.
[مسألة 2:كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها]
[3220]مسألة 2:كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها،فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة أن يجاوز الميقات اختيارا إلا محرما،بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضا(2)إلا محرما و إن كان أمامه ميقات آخر،فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان إلا إذا كان أمامه ميقات آخر فإنه يجزيه
الوقت و تجديده فيه،و الاتيان بها بعنوان عمرة هذا الشهر رجاء،ثم بعمرة اخرى للشهر الثاني كذلك إذا اراد أن يأتي بها.نعم يمكن التعدي عن مورد التعليل إلى كل شهر تكون عمرته أفضل من الشهر بعده،كعمرة شهر رمضان-مثلا-فإنها أفضل من عمرة شهر شوال.
فيه ان العبارة مجملة،و المراد منها غير ظاهر،فانه إذا علم قبل ضيق الوقت عدم ادراك العمرة إذا أخر إلى الميقات،ففي هذه الحالة إذا احرم قبله كيف يتمكن من ادراك باقي اعمال العمرة أيضا في رجب رغم انه إذا اخر إلى الميقات لم يدرك الاحرام فيه فضلا عن سائر اعمالها!الاّ أن يكون مراده قدّس سرّه أنه إذا احرم قبل ضيق الوقت فله اختيار طريق آخر أقرب إلى مكة بديلا عن الطريق المؤدي إلى الميقات،فعندئذ يمكن أن يدرك باقي اعمالها أيضا في رجب،أو يكون مراده قدّس سرّه انه إذا احرم قبل الضيق كانت فترة احرامه أطول،و عليه فتكون عبادته أكثر،و لكن ارادة هذا المعنى من العبارة بعيد جدا.و كيفما كان فالعبارة مجملة و غير واضحة المراد.
فيه أنه مبني على أن محاذاة جميع المواقيت ميقات،و لكن قد تقدم
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 227)
الإحرام منها و إن أثم بترك الإحرام من الميقات الأول(1)،و الأحوط العود إليها مع الإمكان(2)مطلقا و إن كان أمامه ميقات آخر،و أما إذا لم يرد النسك و لا دخول مكة بأن كان له شغل خارج مكة و لو كان في الحرم فلا يجب الإحرام،نعم في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم(3)و إن لم يرد دخول مكة،
أنه لا دليل على ذلك باستثناء نقطة محاذية لمسجد الشجرة،و أما فيها فقد مر أنه لا بأس بالتجاوز عنها بدون احرام و يحرم من الميقات الأمامي و هو الجحفة، و إن كان الأولى و الأجدر به أن يحرم من النقطة المحاذية.
فيه ان الإثم ليس على ترك الإحرام بنفسه،باعتبار أنه ليس بواجب مستقل،بل هو جزء الواجب،فاذن لا محالة يكون الإثم على تركه اما بملاك أن تركه يؤدي إلى ترك الواجب،أو بملاك أنه يؤدي إلى ترك مرتبة تامة منه و هي الحجة أو العمرة المركبة من الاحرام من مسجد الشجرة،فاذا ترك الإحرام منه عامدا و ملتفتا فهو آثم و مستحق للعقوبة،و مقتضى القاعدة وجوب الرجوع إليه مرة ثانية و الإحرام منه،و لكن لا يبعد شمول اطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة لهذه الصورة أيضا،و مقتضاه عدم وجوب الرجوع إليه رغم تمكنه منه و الاكتفاء بالميقات الأمامي و هو الجحفة،و إن كان الأحوط و الأجدر به الرجوع،بل لا يترك.نعم إذا ترك الاحرام من الجحفة أيضا و جاوزها،فعليه أن يرجع إليها و الإحرام منها،و لا يكتفي بالاحرام من مكانه.
مر أنه لا يبعد عدم العود إلى الميقات الأول إذا كان أمامه ميقات آخر كالجحفة نظريا و إن كان الاحتياط بالعود إليه لا يترك.
فيه انه لا يمكن استفادة ذلك من الروايات بقرينة أن الإحرام جزء العمرة و الحجة،و لا تدل هذه الروايات على أنه واجب مستقل،و لكن مع ذلك قد يستدل بها على ذلك.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 228)
……….
منها:صحيحة عاصم بن حميد قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:هل يدخل الحرم أحد الاّ محرما؟قال:لا إلاّ مريض أو مبطون» 1.
و منها:صحيحة محمد بن مسلم قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام:هل يدخل الرجل الحرم بغير احرام؟قال:لا الاّ أن يكون مريضا أو به بطن» 2.
بدعوى:أنهما تدلان على أن دخول الحرم بما هو لا يسوغ بدون احرام، و لكن الأمر ليس كذلك،فان المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية و بقرينة أن الإحرام ليس واجبا مستقلا في الشريعة المقدسة،ان السؤال انما هو عن دخول الرجل الحرم لدخول مكة بغاية النسك و ليس السؤال عن دخول الحرم بما هو و إن لم يكن مريدا لدخول مكة فلا اطلاق لهما لكي تدلان باطلاقهما على أن دخول الحرم لا يمكن بدون احرام و إن لم يكن قاصدا لدخول مكة،فاذن لا دليل على وجوب الإحرام لدخول الحرم إذا كان من أجل غرض آخر لا من أجل الدخول في مكة.
قد يقال كما قيل:إن الروايات التي تنص على عدم جواز دخول مكة بدون إحرام كصحيحة محمد بن مسلم قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام:هل يدخل الرجل مكة بغير احرام؟قال:لا الاّ مريضا أو من به بطن» 3و نحوها قرينة على حمل أخبار الحرم على مريد الدخول في مكة.
و الجواب:إنه لا تنافى بين هذه الروايات و الروايات المتقدمة،فان مفاد هذه الروايات أنه لا يسوغ الدخول في مكة الاّ محرما،و على هذا فمن أراد الدخول في الحرم فلا يخلو من أن يكون قاصدا دخول مكة أو لا،فعلى الأول يكفي احرامه من أجل دخول الحرم لدخول مكة لصدق أنه دخل فيها محرما، و المفروض أنه الواجب عليه.و على الثاني فهو غير مريد دخولها،فاذن لا تصلح هذه الصحيحة و أمثالها أن تكون قرينة على حمل تلك الروايات على مريد الدخول في مكة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 229)
لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه(1)و إن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات.
[مسألة 3:لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر و لم يكن أمامه ميقات آخر]
[3221]مسألة 3:لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر و لم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجه على المشهور الأقوى(2)،و وجب عليه قضاؤه إذا كان
و بكلمة:انا إذا فرضنا أن دخول الحرم بما هو لا يجوز بدون الإحرام، و حينئذ فإذا دخل الحرم باحرام كفى ذلك الإحرام لدخول مكة أيضا بغاية النسك،و لا يحتاج إلى إحرام آخر باعتبار أن الوارد في الدليل ليس هو الأمر بالإحرام لدخول مكة،بل الوارد فيه النهي عن الدخول فيها الاّ محرما،و إذا دخل فيها بذلك الإحرام صدق أنه دخل فيها محرما،و أما إذا دخل فيه بدون إحرام فان أراد الدخول في مكة وجب عليه الإحرام له،و الاّ فهو آثم لترك الإحرام للدخول فيها،و إذا دخل فيه بدونه لا من أجل الدخول في مكة بل من أجل غاية اخرى فلا شيء عليه.
هذا لا من جهة دعوى الاجماع،بل من جهة أنه لا دليل على وجوبه.
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر أن حكمه حكم الجاهل و الناسي، و ذلك لأن مقتضى روايات التوقيت و إن كان بطلان حجه باعتبار أن مفاد تلك الروايات أن الشارع جعل الاحرام من واجبات الحج من المواقيت المعينة،فإذا ترك الاحرام منها فقد ترك الواجب،و أما اجزاء الاحرام من مكان آخر و قيامه مقام الاحرام منها بحاجة إلى دليل،و لكن مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي قال:
«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم،فقال:يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم،فان خشى أن يفوته الحج
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 230)
……….
فليحرم من مكانه،فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» 1صحة حجّه و أن وظيفته في هذه الحالة الإحرام من مكانه إذا لم يستطيع الخروج من الحرم،و الاّ فوظيفته الخروج منه و الاحرام من الخارج.
و هاهنا مناقشات في الصّحيحة:
الاولى:إنه لا اطلاق لها لصورة ترك الإحرام عامدا و ملتفتا،اذ الظاهر منها تركه من الوقت نسيانا أو جهلا.
و الجواب:الظاهر أن الصحيحة مطلقة سؤالا و جوابا،فان قول السائل (رجل ترك الاحرام)ظاهر في أن السؤال عن قضية حقيقية حتى يعرف حكم هذه القضية بتمام حالاتها،و المفروض أن جواب الإمام عليه السّلام عنها مطلق،و من المعلوم أن اطلاقه كاشف عن ثبوت الحكم في تمام الحالات،إذ لو كان مختصا بحالتي الجهل و النسيان لقيد بهما،باعتبار أنه عليه السّلام كان في مقام البيان بقرينة تصديه عليه السّلام لبيان تمام صور المسألة فيها بتمام فروضها.
الثانية:ان اعراض المشهور عنها يوجب سقوطها عن الاعتبار.
و الجواب:انا قد ذكرنا غير مرة أن اعراض المشهور انما يكون كاشفا عن ذلك اذا توفر فيه أمران:
أحدهما:أن يكون هذا الاعراض من قدماء الاصحاب الذين يتلقون الروايات من أصحاب الأئمة عليهم السّلام يدا بيد.
ثانيهما:أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لهم كلا أو جلا.
و لكن كلا الأمرين غير متوفر..
أما الأول:فلأنه لا طريق لنا إلى اثباته كما ذكرناه غير مرة.
و أما الثاني:فأيضا كذلك،اذ ليس بامكاننا اثبات أن اعراضهم عنها لا يكون مستندا إلى شيء آخر في المسألة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 231)
……….
الثالثة:إنها لا تصلح أن تقاوم روايات التوقيت باعتبار أنها تبلغ من الكثرة بحد التواتر الإجمالي،فاذن تدخل الصحيحة في الروايات المخالفة للسنة فلا تكون حجة.
و الجواب:إن ذلك مبني على أن تكون الصحيحة معارضة لتلك الروايات،و الفرض أنها ليست معارضة لأن نسبتها اليها نسبة الخاص إلى العام، و لا مانع من تخصيص الكتاب و السنة بخبر الواحد،و على هذا فلا تكون الصحيحة من الروايات المخالفة للسنة.
فالنتيجة:إن حكم العامد الملتفت حكم الجاهل و الناسي في المسألة،فإن وظيفتهم جميعا أولا الرجوع إلى الميقات،و اذا تعذر ذلك و لو بخوف فوت الحج فإلى خارج الحرم بقدر ما استطاعوا و الاحرام منه،و الاّ فمن مكانهم.
و نذكر فيما يلى عددا من المسائل:
الاولى:
قد تسأل ان التارك للإحرام من الميقات إذا تعذر الرجوع اليه مرة ثانية،فهل عليه أن يرجع إلى قدر ما استطاع من المسافة،أو يكتفي بالخروج من الحرم و الإحرام منه؟
الجواب:إنه لا يبعد وجوب الرجوع عليه و الخروج عن الحرم إلى ما قدر عليه من المسافة،و ينص عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:«إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه،و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم…» 1فانه واضح الدلالة على ذلك،و لا معارض له في الروايات،فاذن لا مانع من الأخذ به.
و دعوى:أن موردها الحائض،و التعدي منه إلى سائر موارد الأعذار بحاجة إلى دليل.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 232)
……….
مدفوعة:بأن ترك الاحرام من الميقات لا يكون مستندا إلى حيضها،لأنه لا ينافي الإحرام،و انما يكون مستندا إلى جهلها بالحكم الشرعي،و من المعلوم أنه لا فرق فيه بينها و بين الرجل،فان المعيار انما هو بدخول الحرم تاركا للإحرام من الميقات رجلا كان أو امرأة.
و اما اعراض المشهور عنها،فقد مر أنه لا أثر له.و بذلك يظهر حال ما اذا تذكر في أثناء السير و قبل دخوله في الحرم،أو ندم فيه و لكن لا يتمكن من الرجوع إلى الميقات،و يتمكن من الرجوع إلى مسافة أقرب إليه،فلا يبعد وجوب الرجوع إليها و الإحرام منها،اذ المستفاد من الصحيحة عرفا أن المطلوب هو الإحرام من الأقرب فالأقرب إلى الميقات.
الثانية:
قد تسأل إن التارك للإحرام من الميقات إذا كان أمامه ميقات آخر فما ذا يصنع؟و هل يجب عليه الرجوع إلى الميقات الأول و الاحرام منه،أو يواصل سيره إلى مكة و يحرم من الميقات أمامه؟
الجواب:إن مقتضى القاعدة كما تقدم و إن كان وجوب الرجوع إلى الميقات الأول،و لكن مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة كفاية الإحرام من الميقات الأمامي و ان كان الاحتياط في محله.
الثالثة:
قد تسأل إن الاحرام من نقطة محاذية لمسجد الشجرة هل هو واجب على من مر عليها إذا كان أمامه ميقات آخر كالجحفة أو لا؟
و الجواب:إنه لا يبعد عدم وجوبه،لأن الأمر في صحيحة عبد اللّه بن سنان و هو قوله عليه السّلام فيها:«فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء» 1و إن كان ظاهرا في نفسه في الوجوب،و لكن وروده في مقام توهم الخطر مانع عن هذا الظهور،فإذن لا يدل الاّ على الجواز و رفع هذا التوهم.
فالنتيجة:إن الواجب على من يمر على نقطة محاذية للشجرة هو الجامع بين أن يحرم منها أو من الجحفة.
الرابعة:
قد تسأل عن الأمر بالإحرام من الميقات هل هو أمر مولوي،أو
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 233)
مستطيعا و أما إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب و إن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات خصوصا إذا لم يدخل مكة،و القول بوجوبه عليه و لو لم يكن مستطيعا بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه خصوصا إذا لم يدخل مكة،و ذلك لأن الواجب عليه إنما كان الإحرام لشرف البقعة كصلاة التحية في دخول المسجد فلا قضاء مع تركه، مع أن وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه،و أيضا إذا بدا له و لم يدخل مكة كشف عن عدم الوجوب من الأول.
و ذهب بعضهم إلى أنه لو تعذر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه كما في الناسي و الجاهل،نظير ما إذا ترك التوضؤ إلى أن ضاق الوقت فإنه يتيمم و تصح صلاته و إن أثم بترك الوضوء متعمدا،و فيه أن البدلية في
أنه ارشادي و يكون ارشادا إلى جزئيته،كما هو الحال في الأوامر الواردة في اجزاء العبادات و شروطها؟
الجواب:إن الظاهر هو الثاني،و قد تقدم أن مفاد الروايات الآمرة بالاحرام من المواقيت و الناهية عن التجاوز عنها جميعا إرشاد إلى جزئيته،و لا يحتمل أن يكون هذا الأمر مولويا،و الاّ فلازمه أن يكون الإحرام واجبا مستقلا لا جزءا للحج أو العمرة،و هذا خلاف الضرورة الفقهية،كما أن النهي عن التجاوز عنها بدون إحرام لا يمكن أن يكون نهيا مولويا ناشئا عن مفسدة في متعلقة،بل هو ارشادي ناشئ عن ملاك جزئيته،و على هذا فإذا مر على الميقات بدون احرام عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي لم يكن آثما و مستحقا للعقوبة على تركه بنفسه،و إنما يكون آثما و مستحقا لها على ترك الواجب،أو ترك مرتبة تامة منه، و هي مرتبة المختار،فان المكلف ما دام متمكنا من الاتيان بهذه المرتبة فلا يصل الدور إلى المرتبة الثانية،لأنها وظيفة العاجز عن المرتبة الاولى.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 234)
المقام لم تثبت(1)بخلاف مسألة التيمم و المفروض أنه ترك ما وجب عليه متعمدا.
[مسألة 4:لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل]
[3222]مسألة 4:لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل و إن كان متمكنا من العود إلى الميقات(2)،فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه(3)،و إن كان
مر أنها ثابتة بمقتضى الروايات الآمرة بالاحرام من الميقات الذي مرّ عليه،و الناهية عن التجاوز عنه بدونه،فان مقتضى تلك الروايات أن المكلف مأمور بالاحرام منه،و لا يجوز له تركه ناويا به الاحرام من الميقات أمامه،فانه ما دام متمكنا منه لا يصل الدور إلى الإحرام من الميقات الأمامي.نعم مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة أنه إذا ترك الإحرام منه جاهلا أو غافلا و جاوز عنه كذلك بدونه لم يجب عليه الرجوع مرة ثانية و إن كان متمكنا منه،و يكتفى بالإحرام من الميقات الأمامي،و هذا لا ينافى كونه بدلا عنه.
و يمكن تخريج ذلك فنيا،بأن المبدل هو خصوص الإحرام منه حين مروره عليه أولا دون الأعم منه و من الاحرام بعد الرجوع إليه،و هذا بحسب مقام الثبوت أمر ممكن،و أما في مقام الاثبات فاطلاق الصحيحة شاهد عليه.
فيه اشكال بل منع،و الأقوى وجوب العود إلى الميقات و الاحرام منه إذا كان متمكنا،و معه لا تصل النوبة إلى الإحرام من أدنى الحل،لأنه انما يجزي مع العجز عن العود اليه و الإحرام منه،و الاّ فلا يجزي على تفصيل قد تقدم.
في المثلية اشكال بل منع،لما تقدم من أن أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة لحج الافراد و القران،و من كان في مكة للعمرة المفردة،و أهلها لحج الافراد و القران،و النائي إذا لم يكن قاصدا للعمرة من الأول ثم بدا له أن يأتي بها حينما أراد الرجوع إلى بلدته،فانه لا يجب عليه الرجوع إلى أحد المواقيت و الإحرام منه و إن كان متمكنا،بل له أن يحرم من أدنى الحل كجعرانة.و أما النائي
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 235)
الأحوط مع ذلك العود إلى الميقات(1)،و لو لم يتمكن من العود و لا الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته.
الذي أتى من بلدته قاصدا العمرة المفردة فميقاته أحد المواقيت المعروفة،و لا يجوز له ترك الإحرام منه بقصد الإحرام من أدنى الحل،فإذا ترك وجب الرجوع اليه و الإحرام منه،و اذا لم يرجع مع فرض تمكنه منه لم يصح احرامه من أدنى الحل.نعم اذا لم يتمكن من الرجوع إلى الميقات فالظاهر كفاية احرامه من أدنى الحل شريطة أن لا يستطيع الخروج من مكة بمسافة أكثر من ذلك،و الاّ وجب الخروج بقدر المستطاع على الأظهر-كما تقدم-.
و إن شئت قلت:إن الروايات التي تدل على أن من مرّ على الميقات بدون احرام إلى أن دخل الحرم فوظيفته أن يخرج من الحرم بقدر ما استطاع و يحرم منه،و الاّ فيحرم من مكانه،فان موردها و إن كان عمرة التمتع،الاّ أن العرف لا يفهم خصوصية لها من هذه الناحية،باعتبار أن ذلك انما هو من جهة أن المكلف ما دام متمكنا من الإحرام من الميقات فلا يصل الدور إلى بلده الاضطراري كالإحرام من أدنى الحل،و هذا بخلاف الميقات الأمامي كالجحفة، فانه من أحد المواقيت الخمسة التي عينها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنائي،غاية الأمر ان من كان يمر على طريق المدينة يجب عليه أن يحرم من مسجد الشجرة،و لا يجوز له تأخيره إلى الجحفة إلا إذ كان معذورا،و على تقدير التأخير لا يجب عليه الرجوع إليه و إن كان متمكنا منه،بل له أن يكتفي بالاحرام من الجحفة بمقتضى اطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة كما مر تفصيله.
فالنتيجة:إن أدنى الحل ليس كالجحفة،و جهة المفارقة بينهما أمران:
أحدهما:أن الجحفة من أحد المواقيت الخمسة المعروفة دون أدنى الحل.
و الآخر:وجود النص الفارق بينهما.
بل هو الأقوى كما مر.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 236)
[مسألة 5:لو كان مريضا لم يتمكن من النزع و لبس الثوبين يجزئه النية و التلبية]
[3223]مسألة 5:لو كان مريضا لم يتمكن من النزع و لبس الثوبين يجزئه النية و التلبية،فإذا زال عذره نزع و لبسهما(1)و لا يجب حينئذ عليه العود إلى الميقات إذا تمكن(2)،نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو إغماء ثم زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن،و إلا كان حكمه حكم الناسي(3)في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن إلا منه(4)،
فيه أن هذا لا ينافي ما ذكره قدّس سرّه في المسألة(27)الآتية من عدم وجوب استدامة لبس الثوبين.و تمام الكلام هناك.
هذا إذا لم يكن أمامه ميقات آخر كالجحفة،و الاّ لم يجب عليه العود إلى الأول،بل يجوز له أن يكتفي بالإحرام من الميقات الأمامي-كما مر-.
هذا هو الظاهر،و ذلك لأن مورد الروايات و إن كان الناسي و الجاهل، الاّ أن المتفاهم العرفي منها عدم خصوصية لهما،باعتبار أنها ناظرة إلى بيان حكم العاجز عن الرجوع إلى الميقات الذي مرّ عليه بدون إحرام،سواء أ كان مروره عليه كذلك من جهة الجهل او النسيان أو عذر آخر كالإغماء أو نحوه،فان المعيار بنظر العرف انما هو بعجزه عن الرجوع إليه و الإحرام منه بدون خصوصية لسببه،و من هنا قلنا أنه لو لا هذه الروايات لكان مقتضى القاعدة هو البطلان،لأن صحة الإحرام من كان آخر غير الأماكن المعينة التي تسمّى بالمواقيت بحاجة إلى دليل.
هذا هو الصحيح،و قد مر تفصيله.و بقيت هنا حالة و هي أن من تذكر بالحال أو ارتفع جهله قبل الدخول في الحرم،فهل يكون حكمه في هذه الحالة حكم من تذكر بها بعد الدخول فيه أو لا؟الظاهر أنه لا فرق بين الحالتين في الحكم،فان هذه الحالة و إن كانت خارجة عن مورد نصوص الباب،الاّ أن العرف لا يفهم منها خصوصية لموردها،باعتبار أنها في مقام بيان حكم العاجز عن الرجوع إلى الميقات و الإحرام منه،و من الواضح أن العرف لا يرى
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 237)
و إن تمكن العود في الجملة وجب(1)،و ذهب بعضهم إلى أنه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره لمرسل جميل عن أحدهما عليهما السّلام:«في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف،قال عليه السّلام:يحرم عنه رجل»و الظاهر أن المراد أنه يحرمه رجل و يجنبه عن محرمات الإحرام لا أنه ينوب عنه في الإحرام،و مقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته و إن كان ممكنا،و لكن العمل به مشكل لإرسال الخبر و عدم الجابر، فالأقوى العود مع الإمكان و عدم الاكتفاء به مع عدمه.
[مسألة 6:إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع وجب العود إليه مع الإمكان]
[3224]مسألة 6:إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع وجب العود إليه مع الإمكان،و مع عدمه فإلى ما أمكن(2)إلا إذا كان أمامه ميقات آخر،و كذا إذا جاوزها محلا لعدم كونه قاصدا للنسك و لا لدخول مكة ثم بدا له ذلك فإنه يرجع إلى الميقات مع التمكن و إلى ما أمكن مع عدمه.
خصوصية لعجزه بعد الدخول في الحرم.
مر في ذيل المسألة(3)أنه غير بعيد.
في اطلاقه اشكال بل منع،بيان ذلك:إن هاهنا حالات:
الاولى:ما إذا ارتفع العذر عنه بعد دخول الحرم،ففي هذه الحالة إن كان لا يتمكن من الخروج عنه يحرم من مكانه و تصح عمرته و لا شيء عليه،و إن كان متمكنا من الخروج عنه ففي هذا الفرض إذا لم يقدر على أن يرجع إلى مسافة ابعد أحرم من أدنى الحل.
الثانية:ما إذا ارتفع العذر عنه قبل أن يدخل الحرم،و في هذه الحالة إن كان أمامه ميقات آخر كالجحفة وجب الإحرام منه بعد عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات الأول،بل مع التمكن منه،لما تقدم،و لا يجوز تأخير الإحرام من
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 238)
[مسألة 7:من كان مقيما في مكة و أراد حج التمتع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات]
[3225]مسألة 7:من كان مقيما في مكة و أراد حج التمتع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات(1)إذا تمكن،و إلا فحاله حال الناسي.
[مسألة 8:لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود مع الإمكان]
[3226]مسألة 8:لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود(2)مع الإمكان و إلا ففي مكانه و لو كان في عرفات بل المشعر و صح حجه،و كذا لو كان جاهلا بالحكم،و لو أحرم له من غير مكة مع العلم و العمد لم يصح و إن دخل مكة بإحرامه بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان و إلا بطل حجه،نعم لو أحرم من غيرها نسيانا و لم يتمكن من العود إليها صح إحرامه من مكانه.
الميقات الأمامي إلى أدنى الحل،و إن لم يكن أمامه ميقات آخر،فان تمكن من العود إلى الميقات وجب،و إن لم يتمكن منه فهل يجب عليه العود بقدر ما استطاع من المسافة؟الظاهر أنه غير بعيد،و لا أقل من الاحتياط.
الثالثة:إذا جاوز الميقات لغرض آخر لا بقصد النسك،ثم بدا له أن يأتي بالعمرة،ففي هذه الحالة إن نوى العمرة المفردة فعليه أن يحرم من أدنى الحل، لأنه ميقاته،و إن نوى عمرة التمتع ففيها تفصيل تقدم،باعتبار أن أدنى الحل ليس ميقاتا لها.و به يظهر أن ما ذكره الماتن قدّس سرّه من العود إلى ما أمكن لا يتم باطلاقه، فانه انما يتم إذا نوى عمرة التمتع دون المفردة.
تقدم الكلام في ذلك تفصيلا في المسألة الرابعة من(فصل في أقسام الحج)و قلنا هناك الأظهر أنه مخير بين أن يخرج من الحرم و يحرم منه،و بين أن يرجع إلى أحد المواقيت.
هذا هو الصحيح،و ذلك لأن صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج،فذكر و هو بعرفات ما حاله؟قال:يقول:اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم احرامه،فان جهل أن
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 239)
[مسألة 9:لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة فالأقوى صحة عمله]
[3227]مسألة 9:لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة فالأقوى صحة عمله(1)،و كذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع.
يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه» 1و إن كانت مطلقة و مقتضى اطلاقها عدم وجوب الرجوع إلى مكة و الإحرام منها و إن كان متمكنا و بدون أن يؤدي إلى فوت الموقف،و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بما دل على أن ميقات احرام الحج مكة المكرمة،فان مقتضاه وجوب احرامه منها على كل من كان متمكنا منه،إذ لا يجوز له تركه عامدا و ملتفتا،و على هذا فإذا تذكر في عرفات و كان متمكنا من الرجوع إلى مكة و الإحرام منها بدون أن يفوت الموقف منه وجب عليه ذلك،و الاّ كان تاركا له عامدا و عالما بالحكم الشرعي،فلذلك لا بد من رفع اليد عن اطلاقها و تقييده بما إذا لم يتمكن من الرجوع إليها و الإحرام منها،بل لا يبعد أن يكون الظاهر من مورد السؤال فيها هو عدم التمكن بلحاظ أخذ زمان صدور الرواية في الاعتبار.
بل الأقوى التفصيل بين الحج و العمرة،فانه لو نسي الإحرام أو جهل به فان كان في الحج صح حجه،و ذلك للنص الخاص فيه و هو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده،قال:إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجّه» 2فانها تنص على صحته إذا كان ترك احرامه مستندا إلى الجهل او النسيان،كما أن الظاهر من الجهل فيها الجهل المركب، و هو كالنسيان و الغفلة في الحكم،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى،هل ان الصحيحة مختصة بالمعذور أو أنها تعم غير
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 240)
……….
المعذور أيضا يعني المقصّر في المقدمات و إن كان حين العمل غافلا؟لا يبعد العموم،و إن كان في العمرة المفردة فالظاهر بطلانها لعدم الدليل على الصحة، و بدونه فمقتضى القاعدة البطلان باعتبار أن المأمور به لا ينطبق على الفرد المأتي به في الخارج الفاقد للجزء و هو الإحرام.
و دعوى:ان العمرة كالحج من هذه الناحية،فإذا صح الحج لتارك الإحرام عن جهل أو نسيان صحت العمرة أيضا.
مدفوعة:بان ذلك بحاجة إلى دليل،و الاّ فهو قياس و لا نقول به، و المفروض أنه لا دليل عليه،فاذن لا يمكن الحاق العمرة بالحج من هذه الناحية.
و إن شئت قلت:إن مقتضى القاعدة بطلان الواجب بفقد جزء أو شرط منه و إن كان عن نسيان باعتبار أن الواجب لا ينطبق عليه.ثم انه لا فرق في ذلك بين عمرة التمتع و العمرة المفردة.
قد يقال:إن مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام:«في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى،قال:
تجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجّه و إن لم يهلّ.و قال:في مريض أغمى عليه حتى أتى الوقت،فقال:يحرم عنه» 1تدل باطلاقها على صحة العمرة بتقريب أن السؤال فيها عن نسيان الإحرام بدون التقييد باحرام الحج.
و أما قوله عليه السّلام في ذيلها:«فقد تم حجّه»فهو يعم العمرة أيضا،لأن اطلاق الحج على عمرة التمتع كثير.
و الجواب أولا:إن الرواية ضعيفة سندا من جهة الارسال،فلا يمكن الاعتماد عليها.
و ثانيا:إن الظاهر منها كون السؤال انما هو عن إحرام الحج بقرينة قوله (و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى)و من المعلوم أن المراد من المناسك
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 241)
……….
مناسك الحج من الوقوف بعرفات و المشعر و اعمال منى،هذا اضافة إلى أن اطلاق الحج على عمرة التمتع بحاجة إلى عناية.
فالنتيجة:إن مقتضى القاعدة هو البطلان،فالصحة بحاجة إلى دليل،و لا دليل عليها.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 242)
[فصل في مقدمات الإحرام]
فصل في مقدمات الإحرام
[مسألة 1:يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور]
[3228]مسألة 1:يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور:
أحدها:توفير شعر الرأس بل و اللحية(1)لإحرام الحج مطلقا-لا خصوص التمتع كما يظهر من بعضهم،لإطلاق الأخبار-من أول ذي القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما،لجملة من الأخبار،و هي و إن كانت ظاهرة في الوجوب إلا أنها محمولة على الاستحباب لجملة أخرى من الأخبار ظاهرة فيه(2)،فالقول بالوجوب-كما هو ظاهر جماعة- ضعيف،و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط،كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من
فيه أنه لا حاجة إلى الترقي بكلمة(بل)،لأن المذكور في روايات الباب انما هو النهي عن أخذ الشعر أو اعضائه بدون التقييد بشيء و هو يعم شعر الرأس و اللحية معا على مستوى واحد،و سوف نستعرض جملة من هذه الروايات.
بل هي ناصة في نفي الوجوب لا أنها ظاهرة في الاستحباب، فانه نتيجة الجمع الدلالي العرفي بينها و بين الروايات الظاهرة في الوجوب.
بيان ذلك:ان هاهنا طائفتين من الروايات:
الطائفة الاولى:الروايات التي يكون في بعضها أمر بالاعفاء،و في بعضها
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 243)
……….
الآخر نهي عن الحلق و الأخذ.
الطائفة الثانية:الروايات التي تنص على نفي وجوب الاعفاء.
أما الطائفة الاولى..
فمنها:صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا» 1.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:الحج أشهر معلومات،شوال و ذو القعدة و ذو الحجّة،فمن أراد الحج وفّر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة و من أراد العمرة وفّر شعره شهرا» 2.
و منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:لا تأخذ من شعرك و انت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة…» 3.
و الظاهر ان النهي فيها انما هو بملاك محبوبية الاعفاء،لا بملاك ان الحلق مبغوض.
و أما الطائفة الثانية.
فمنها:صحيحة هشام بن الحكم و اسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السّلام:
«إنه يجزئ الحاج أن يوفّر شعره شهرا» 4فانها ناصة في عدم الوجوب.
و منها:صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل إذا همّ بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم،قال:لا بأس» 5فانها صريحة في نفي الوجوب.
فاذن مقتضى الجمع العرفي بين هذه الطائفة و الطائفة الأولى هو رفع اليد عن ظهور الاولى في الوجوب و حملها على الاستحباب،تطبيقا لحمل الظاهر على النص.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 244)
بعضهم وجوبه أيضا(1)لخبر محمول على الاستحباب أو على ما إذا كان في حال الإحرام.
في اطلاقه اشكال بل منع،لعدم الدليل عليه،فانه انما يجب شريطة توفر امور:
الأول:أن يكون الحلق بعد شهر شوال.
الثاني:أن يكون متعمدا و ملتفتا.
الثالث:أن يكون بعد الاحرام في مكة المكرمة،سواء كان بعد العمرة أو قبلها،فإذا توفرت هذه الامور وجب اهراق الدم.
و تدل عليه صحيحة جميل بن دراج قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة؟قال:إن كان جاهلا فليس عليه شيء،و إن تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء.و إن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فإن عليه دما يهريقه» 1بتقريب أن موردها الحلق في مكة بعد ثلاثين يوما من أول الشهور للحج،و هو شهر شوال،و أنه بعد الإحرام،باعتبار أن الدخول فيها غير جائز بدونه و كان عن عمد و التفات-كما هو المفروض فيها- و حينئذ فلا مانع من الالتزام بوجوب اهراق الدم في موردها المتوفرة فيه الامور الثلاثة المشار اليها آنفا،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الحلق في حال التلبس بالاحرام كما إذا كان قبل الاتيان بالعمرة أو بعد الخروج منه-كما إذا كان بعد الاتيان بها-.أو فقل:إن الصحيحة انما هي في مقام البيان،و سكوته عليه السّلام عن تقييد الحكم بحال الإحرام يدل على عدم اختصاصه بها،على أساس ظهور حال المتكلم في أن كل ما يقوله يريده،و كل ما لا يقوله لا يريده.و من هنا يظهر أنه لا وجه لحملها على أن يكون الحلق في حال الاحرام فانه بحاجة إلى قرينة مانعة عن التمسك باطلاقها،و لا قرينة في المقام على ذلك،لا في نفس الصحيحة و لا من الخارج.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 245)
و يستحب التوفير للعمرة شهرا(1).
الثاني:قص الأظفار،و الأخذ من الشارب،و إزالة شعر الإبط و العانة بالطلي أو الحلق أو النتف،و الأفضل الأول ثم الثاني،و لو كان مطليا قبله يستحب له الإعادة و إن لن يمض خمسة عشر يوما،و يستحب أيضا إزالة الأوساخ من الجسد،لفحوى ما دل على المذكورات،و كذا يستحب الاستياك.
الثالث:الغسل للإحرام في الميقات،و مع العذر عنه التيمم(2)،
في حمل الأمر على الاستحباب في العمرة المفردة اشكال بل منع، لعدم الدليل،و اختصاصه بالحج،و هو صحيحة هشام و اسماعيل و صحيحة علي ابن جعفر،و هما لا تعمان العمرة،فاذن لا موجب لحمل الأمر بتوفير الشعر فيها شهرا على الاستحباب.
فيه اشكال،و لا يبعد عدم كفاية التيمم عنه،و ذلك لأن الغسل مستحب على كل من أراد الاحرام و إن كان متطهرا من الحدث الاكبر و الأصغر معا،بل حتى على الحائض و النفساء في أثناء الحيض و النفاس،فاذن استحبابه ليس بملاك أنه طهور،فمن أجل ذلك لا يقوم التيمم مقامه،فانه انما يقوم مقام الوضوء أو الغسل عند عدم تيسر استعمال الماء فيه في الطهارة،بدون فرق بين أن تكون شرطا لازما للعبادة،أو شرطا كماليا.
و بكلمة:إن التيمم انما يكون بديلا عن الوضوء أو الغسل في الامور التالية:
الأول:لممارسة ما يحرم على غير المتوضئ أو غير المغتسل من مس كتابة المصحف أو دخول المساجد و قراءة آيات السجدة و نحو ذلك.
الثاني:لممارسة كل عبادة موقتة مشروطة صحتها بالطهارة،كالصلوات اليومية و نوافلها،فان عدم تيسر استعمال الماء إذا كان مستمرا في أوقاتها بكاملها
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 246)
……….
يقوم التيمم مقامه،أو تكون شرطا كماليا كما في صلاة الأموات،فان الطهارة تكون شرطا كماليا لها باعتبار أنها صحيحة بدون الطهارة،و لكنها مع الطهارة أفضل.
الثالث:لممارسة كل عبادة غير موقتة مشروطة بالطهارة،كصلاة جعفر، فان المريض أو الجنب إذا اراد أن يصليها فان له أن يتيمم و يصل.و بما أن غسل الإحرام مستحب على كل من أراد الاحرام حتى يكون متطهرا فلا يكون استحبابه بملاك أنه طهور،فلذلك لا دليل على قيام التيمم مقامه،لأنه بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه،و اطلاقات أدلة التيمم لا تشمل ذلك،باعتبار أنها ناظرة إلى البدلية في الطهارة،فإذا فرضنا أن استحباب الغسل أو الوضوء ليس بملاك الطهارة فلا تدل تلك الاطلاقات على قيام التيمم مقامه كالوضوء التجديدي، فانه مستحب لا بملاك أنه طهور،و لذا لا يقوم التيمم مقامه،و لا يوجد دليل خاص على ذلك.
فالنتيجة:إن استحباب غسل الإحرام ليس بملاك أن الشارع اعتبره طهورا،و عليه فلا مجال للتمسك باطلاقات أدلة البدلية،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:إن الروايات الآمرة بالغسل قبل الاحرام ظاهرة في الوجوب،و حملها على الاستحباب بحاجة إلى قرينة.
قد يقال كما قيل:إن اجماع الأصحاب و تسالمهم على استحبابه و عدم التزامهم بوجوبه قرينة على رفع اليد عن ظهورها فيه و حملها على الاستحباب.
و الجواب:إن هذا التسالم انما يكون كاشفا عن عدم الوجوب إذا كان متصلا بزمن المعصومين عليهم السّلام طبقة بعد طبقة،و من المعلوم أنه لا طريق لنا إلى احرازه-كما ذكرناه غير مرة-و بدون احرازه فلا قيمة له.
و الصحيح في الجواب عن ذلك أن يقال:إن موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم،و خذ من شاربك و من أظفارك،و أطل عانتك إن كان لك شعر،و انتف
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 247)
و يجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء،بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضا،و الأحوط الإعادة في الميقات(1)،و يكفي الغسل من
ابطك،و اغتسل و البس ثوبيك،ثم ائت المسجد الحرام،فصل فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم،و تدعو اللّه و تسأله العون و العود-الحديث-» 1.تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الأمر فيها في الوجوب و حمله على الاستحباب، بتقريب أن ظهور الموثقة في أن الإمام عليه السّلام انما هو في مقام بيان أن هذه الامور من آداب الإحرام و سننه،أقوى من ظهور تلك الروايات في وجوب الغسل، فاذن لا بد من رفع اليد عن ظهورها فيه تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و مع الإغماض عن ذلك،فهي تصلح أن تعارض تلك الروايات فيه.
و دعوى:أنها تبلغ من الكثرة حد التواتر الإجمالي،فاذن لا بد من طرح الموثقة لأنها مخالفة للسنة.
مدفوعة:بأن هذه الروايات تتمثل في صنفين:
أحدهما:الروايات الآمرة بالغسل الظاهرة في وجوبه.
و الآخر:الروايات الواردة في مقام بيان أن الغسل في المدينة يجزئ عن الغسل في الميقات،«و غسل يومك يجزيك لليلتك و غسل ليلتك يجزيك ليومك» 2و هذا الصنف لا يدل على الوجوب،و انما يدل على أنه أمر مشروع، و الصنف الأول لا يبلغ من الكثرة حد التواتر،فاذن يسقطان معا من جهة المعارضة،فالمرجع هو الصنف الثاني.
بل الاعادة مستحبة بمقتضى صحيحة هشام بن سالم قال:«أرسلنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة إنا نريد أن نودّعك،فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة،فاني أخاف عليكم أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة،
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 248)
أول النهار إلى الليل و من أول الليل إلى النهار،بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل و بالعكس،و إذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحب إعادته خصوصا في النوم(1)،
فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها،ثم تعالوا فرادى أو مثاني…،إلى أن قال:فلما أردنا أن نخرج قال عليه السّلام:لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة» 1فانها تدل على استحباب الاعادة على تقدير وجدان الماء.
في استحباب الاعادة في النوم اشكال بل منع،لأن صحيحة نضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يغتسل للإحرام،ثم ينام قبل أن يحرم،قال:عليه اعادة الغسل» 2و إن دلت على الاعادة الاّ أنها معارضة بصحيحة عيص بن القاسم قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم،قال:ليس عليه غسل» 3بتقريب ان الصحيحة الاولى ظاهرة في أن صحة الغسل مشروطة بأن لا ينام قبل الإحرام،و الثانية ظاهرة في أن صحته غير مشروطة به،و بما أنه لا ترجيح في البين فتسقطان معا من جهة المعارضة،فيرجع إلى العام الفوقي،و هو الروايات المطلقة،فان مقتضى اطلاقها عدم الاشتراط.
و دعوى:ان استحباب الغسل انما هو بملاك وقوع الإحرام عن طهور، و النوم بما أنه ناقض للطهارة فلذلك يوجب استحباب اعادته،و كذلك الحال في سائر النواقض،اذ لا خصوصية للنوم.
مدفوعة:بان استحباب الغسل ليس بملاك أن يكون الإحرام عن طهور، و الاّ لزم تقييد هذا الاستحباب بمن لا يكون متطهرا،هذا اضافة إلى أن الغسل
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 249)
……….
على المشهور لا يكون رافعا للحدث الأصغر حتى يكون الاحرام بعده احراما عن طهور.
و إن شئت قلت:إنه لا شبهة في استحباب الغسل للإحرام على كل من أراده،سواء أ كان متطهرا قبل الإحرام أم لا،كما أن الاتيان بركعتين من الصلاة و نحوها مطلوب قبله،و صدور الحدث بعده لا يضر،حيث أنه لا يكون رافعا له، و يؤكد ذلك ما ورد في مجموعة من الروايات من أن غسل اليوم يكفي الى الليل و بالعكس.
منها:صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال:«غسل يومك يجزيك لليلتك،و غسل ليلتك يجزيك ليومك» 1.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله الى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل،و من اغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر» 2.
و منها:موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله،و إن اغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأه غسله» 3بتقريب أنه لا يمكن عادة أن لا يصدر منه حدث كالنوم أو نحوه في هذه الفترة الزمنية الطويلة بين الغسل و الإحرام.
فالنتيجة:إن صدور الحدث منه بعد الغسل كالنوم أو نحوه لا يؤدي إلى الغائه و جعله كالعدم.
نعم قد ورد في جملة من الروايات أن من استعمل بعد الغسل ما يحرم على المحرم فعليه اعادته.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا لبست ثوبا لا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 250)
……….
ينبغي لك لبسه،أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل» 1.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيّب و لا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل» 2.
و منها غيرهما 3،فانها تدل على أن صحة غسل الإحرام مشروطة بأن لا يستعمل بعده ما يحرم على المحرم،و إلاّ أصبح لاغيا.
و من هذا القبيل ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:
«سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يغتسل لدخول مكه،ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل،أ يجزيه ذلك،أو يعيد؟قال:لا يجزيه،لأنه انما دخل بوضوء» 4فانها تدل على أن صحة الغسل لدخول مكة المكرمة مشروطة بأن لا ينام بعده،و الاّ فأصبح لاغيا.
ثم إن ظاهر الطائفة الاولى من الروايات و إن كان وجوب الاعادة،الاّ أنه لا يمكن الالتزام به،و ذلك لما مر من أن غسل الإحرام غسل مستحب،حيث أنه يكون من سننه و آدابه لا من شروطه،فإذا كان أصل الغسل مستحبا فهو قرينة على أن اعادته أيضا كذلك،لأن الفرع لا يزيد على الأصل.
و إن شئت قلت:إن الأمر بالاعادة فيها قرينة على اختصاص ناقضية هذه الامور للغسل بما قبل الاحرام،على أساس أن اعادته لا تصدق الاّ إذا كانت قبل التلبس به،لكي تكون الاعادة من أجله،و لا يمكن أن تكون تلك الامور ناقضة له بعد الإحرام لأمرين:
الأول:عدم الموضوع للناقضية بعده،لما مر من أن مفعول هذا الغسل ينتهى بالإحرام،حيث إنه من أجله لا من أجل أنه طهور.
الثاني:إنه لا يصدق على الاتيان به بعد الإحرام أنه اعادة لغسله،بل هو غسل آخر،و لا يكون من أجل الإحرام،فاذن لا محالة يكون الأمر بالاعادة فيها
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 251)
كما أن الأولى إعادته(1)إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، بل و كذا لو تطيب،بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الأولى إعادته،و لو أحرم بغير غسل أتى به و أعاد صورة الإحرام(2)سواء تركه عالما عامدا أو جاهلا أو ناسيا و لكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله فلو أتى بما يوجب الكفارة بعده و قبل الإعادة وجبت عليه.
و يستحب أن يقول عند الغسل أو بعده:بسم اللّه و باللّه اللهم اجعله لي
قرينة على ذلك،هذا اضافة إلى أن إعادته لو كانت واجبة لشاع وجوبها بين أصحاب الأئمة عليهم السّلام و أصبح من الواضحات،مع أن وجوبها مغفول عنه عن الأذهان.
بل هي مستحبة بمقتضى الأمر الوارد في الروايات المتقدمة المحمول على الاستحباب بقرينة أن اعادته لا تزيد على أصله.
فيه انه لا معنى لإعادة صورة الإحرام،لأنه إذا نوى الإحرام و لبى بدون غسل و صلاة انعقد احرامه،ثم إذا اغتسل و صلى فإن لبى بقصد الاحرام ثانيا فهو تشريع محرم،و إن لبى قاصدا اعادة صورة الإحرام يعني صورة التلبية بدون نية الإحرام فهو و إن كان لا مانع منه الاّ أنه لا يمكن حمل الأمر بالاعادة في صحيحة الحسن بن سعيد عليه،و هذا نصّها،قال:«كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه السّلام:رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما،ما عليه في ذلك؟و كيف ينبغي له أن يصنع؟فكتب:يعيده» 1فان قوله عليه السّلام:«يعيده»ظاهر في الإرشاد إلى بطلان إحرام الأول،و حمله على اعادة صورته لا بنية الإحرام بحاجة إلى قرينة،و على هذا فلا مانع من الأخذ بظاهرها بالشكل التالي،و هو أن
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 252)
……….
الإحرام الأول إذا كان بدون غسل و صلاة فهو صحيح شريطة أن لا ينوي المحرم الإحرام ثانيا مع الغسل و الصلاة،و أما إذا نوى الاحرام كذلك و أتى به فيبطل الأول بانتفاء شرطه و لا مانع من الالتزام به ثبوتا.
و دعوى:أنه لا محذور من الالتزام بصحة كلا الاحرامين معا نظير من صلى منفردا ثم أعادها جماعة فان كلتا الصلاتين محكومة بالصحة.
مدفوعة:بان قياس المقام بمسألة الصلاة المعادة جماعة مع الفارق، و ذلك لأن حقيقة الاحرام لا تخلو من أن تكون متمثلة في توطين النفس لممارسة اعمال الحج و ترك محرماته،أو في التلبية،و على كلا التقديرين فهو غير قابل للتكرار.
أما على الأول:فلأنه يتحقق بتحقق توطين النفس و تترتب عليه آثاره، و من المعلوم أنه غير قابل للتكرار،فانه إذا تحقق حرمت عليه اشياء محدودة، و من الواضح أن حرمة تلك الأشياء غير قابلة للتكرار بتكرر الإحرام،فإذن لا محالة يكون الاحرام الثاني لغوا محضا.و أما على الثاني:فلأن الاحرام يتحقق بصرف وجود التلبية،و هو غير قابل للتكرار،فان المكلف إذا لبّى أصبح محرما و حرمت عليه أشياء معينة.
و بكلمة:إن الصلاة جماعة و الصلاة فرادى صنفان من الصلاة،و قد ورد في رواياتها أن من صلى وحده ثم يجد جماعة:«يصلى معهم و يجعلها الفريضة» 1و في بعضها الآخر:«و اجعلها تسبيحا» 2و في الثالث:«يختار اللّه أحبّهما إليه» 3و الناتج من هذه الروايات أن اعادة الصلاة جماعة مطلوبة،و لا يدل شيء من هذه الروايات على بطلان صلاة الفرادى،بل له أن يكتفى بها، و لكن يستحب أن يعيدها جماعة.
و أما في المقام فحيث ان حقيقة الإحرام هي التلبية،فإذا لبّى فقد تحقق الإحرام و يترتب عليه آثاره،و حينئذ فإذا لبّى ثانيا بنية
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 253)
……….
الإحرام من جديد،فمضافا إلى أنه تشريع و محرم،يكون لغوا،و لا يترتب عليه أيّ أثر.
و دعوى:إن هذا الفرد من الإحرام و هو المسبوق بالغسل و الصلاة أفضل من الفرد غير المسبوق بهما كصلاة الجماعة و الفرادى.
مدفوعة:بأن حقيقة الإحرام حقيقة واحدة،و لا دخل للغسل و الصلاة فيها لا جزءا و لا قيدا،و الاّ لكان الإحرام الأول باطلا من جهة فقدان الجزء أو الشرط، و هذا بخلاف صلاة الجماعة فانها مباينة لصلاة الفرادى،و لا مانع من الحكم بصحة كلتيهما معا،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:إن روايات الصلاة المعادة جماعة تختلف عن الصحيحة في المقام،فان تلك الروايات لا تدل على بطلان الصلاة فرادى،بل تدل على صحة كلتيهما معا.و أما الصحيحة فهي تدل على بطلان الإحرام الأول -كما مر-و بما أنه لا قرينة على رفع اليد عن دلالتها على ذلك فلا مناص من الأخذ بها.
فالنتيجة:أنه لا مانع من الالتزام بأن صحة الإحرام الأول مشروطة بشرط متأخر و هو عدم الاتيان بالاحرام ثانيا بعد الغسل و الصلاة و قد ذكرنا في محله أنه لا مانع من الالتزام بالشرط المتأخر إذا قام دليل عليه،و الصحيحة في المقام دليل.
و دعوى:إن الاحرام الثاني بما أنه من المحرم دون المحل فينقلب الأول إلى الثاني بقاء،و نتيجة ذلك أن المكلف محرم بالإحرام الأول حدوثا،و بالثاني بقاء..
مدفوعة:بأن الانقلاب بحاجة إلى دليل،و الصحيحة لا تدل على ذلك.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون ترك الغسل و الصلاة عامدا و ملتفتا أو جاهلا أو ناسيا،فإن الاحرام صحيح على جميع التقادير،و لكن صحته مشروطة بعدم عقد الاحرام ثانيا مسبوقا بالغسل و الصلاة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 254)
نورا و طهورا و حرزا و أمنا من كل خوف و شفاء من كل داء و سقم اللهم طهرني و طهر قلبي و اشرح لي صدري و أجر على لساني محبتك و مدحتك و الثناء عليك فإنه لا قوة إلا بك و قد علمت أن قوام ديني التسليم لك و الاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه و آله.
الرابع:أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة،و قيل بوجوب ذلك لجملة من الأخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب(1)
في الحمل اشكال،فانه بحاجة إلى قرينة توجب رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب و حملها على الندب.
بيان ذلك:إن الروايات الواردة في المسألة تصنف إلى ثلاث طوائف:
الاولى:الروايات التي تنص على أنه لا إحرام الاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:لا يكون الإحرام الاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة،فإن كانت مكتوبة احرمت في دبرها بعد التسليم و إن كانت نافلة صليت ركعتين و احرمت في دبرها-الحديث-» 1.
الثانية:الروايات الآمرة بالصلاة ثم بالاحرام.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:صل المكتوبة ثم احرم بالحج او بالمتعة-الحديث-» 2.
و منها:صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا أردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها» 3.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:«قال:
و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار» 4.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 255)
……….
الثالثة:الروايات التي تنص على عدم جواز ترك صلاة الإحرام كسائر الفرائض.
منها:صحيحة معاوية بن عمار قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:خمس صلوات لا تترك على كل حال،إذا طفت بالبيت،و إذا أردت أن تحرم -الحديث-» 1.
و منها:رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال خمس صلوات تصليها في كل وقت منها صلاة الاحرام» 2.
هذه هي الطوائف الثلاث،و هي بكل أصنافها ظاهرة في الإرشاد إلى أن صحة الاحرام مشروطة بأن يكون في دبر الصلاة،فاذن رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بحاجة إلى قرينة،و قد ذكر لذلك عدة قرائن:
الاولى:ان الاختلاف الواقع بين هذه الروايات يكشف عن عدم الوجوب.
و الجواب:إن هذا النحو من الاختلاف لا يكشف عن استحباب الحكم و عدم وجوبه،باعتبار أنه اختلاف في الاسلوب و التعبير لبيان أمر واحد و هو الوجوب،فان الكل ظاهر فيه بلسان مختلف.
الثانية:إنها مشتملة على امور غير واجبة جزما كالغسل و لبس الثوبين قبل الدخول في المسجد،و الدخول فيه مع السكينة و الوقار،و تقليم الأظفار،و قص الشوارب و غير ذلك،فاذن وحدة السياق تدل على أن الإحرام في دبر الصلاة غير واجب.
و الجواب:إن بعض هذه الروايات مشتمل على هذه الامور كصحيحة معاوية بن عمار و موثقة أبي بصير دون جميعها،و قد تقدم منا أنه لا يبعد ظهور الموثقة سياقا في أنها في مقام بيان آداب الإحرام و سننه،و كذلك الحال في الصحيحة،و لكنهما لا تصلحان أن تكونا قرينة على رفع اليد عن ظهور سائر
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 256)
……….
الروايات في الوجوب.
الثالثة:إن تسالم الأصحاب على عدم الوجوب يصلح أن يكون قرينة على حمل الروايات على الاستحباب.
و الجواب:إنه لا يصلح لذلك،لأن احتمال وصول قرينة على عدم وجوب الإحرام في دبر الصلاة من زمن الأئمة الأطهار عليهم السّلام اليهم يدا بيد غير محتمل،و الاّ لأشاروا إليها في ضمن كلماتهم،هذا اضافة إلى أنه لا طريق لنا إلى احراز التسالم بين قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام.
و دعوى:أن المرتكز في أذهان المتشرعة هو استحباب ذلك،و هذا الارتكاز كاشف عن ثبوته كذلك في زمن الأئمة عليهم السّلام و وصوله اليهم من ذلك الزمن يدا بيد و طبقة بعد طبقة.
مدفوعة:بأن المرتكز في أذهانهم و إن كان ذلك،الاّ أنه من المحتمل قويا أن يكون منشأه فتاوى الفقهاء بالاستحباب لا وصوله اليهم من زمن المعصومين عليهم السّلام يدا بيد،فاذن لا قيمة له،و لكن مع ذلك يشكل الحكم بأن صحة الإحرام مشروطة بأن يكون في دبر صلاة،بل لا يبعد عدم الاشتراط،و ذلك لأن مورد أكثر هذه الروايات الإحرام من مسجد الشجرة و مسجد الحرام،و في كلا الموردين يجوز تأخير التلبية،و لا يلزم أن تكون في دبرها.أما في المورد الأول فان الحاج يصلي في المسجد و يؤخر الإحرام إلى البيداء و هو مسافة ميل عن المسجد افقيا،و لا يصدق على الاحرام من البيداء أنه في دبر صلاته،و أما في المورد الثاني فيجوز تأخير الإحرام من المسجد إلى أن وصل إلى الرمضاء دون الردم،مع أنه لا يصدق على الإحرام منه أنه أحرم في دبر صلاته،و مع هذا فالأحوط و الأجدر به أن يحرم في دبرها.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 257)
للاختلاف الواقع بينها و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة،و الأولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع فإن الأفضل فيه أن يصلي الظهر بمنى،و إن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة أخرى حاضرة، و إن لم يكن فمقضية،و إلا فعقيب صلاة النافلة.
الخامس:صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام، و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة،و يجوز إتيانها في أي وقت كان بلا كراهة(1)حتى في الأوقات المكروهة و في وقت الفريضة حتى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة،لخصوص الأخبار الواردة في المقام، و الأولى أن يقرأ في الركعة الاولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد لا العكس كما قيل.
[مسألة 2:يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة]
[3229]مسألة 2:يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحنّاء إذا كان يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة،بل لا معه أيضا إذا كان يحصل به الزينة و إن لم تقصدها،بل قيل بحرمته،فالأحوط تركه و إن كان الأقوى عدمها،و الرواية مختصة بالمرأة لكنهم ألحقوا بها الرجل أيضا لقاعدة الاشتراك و لا بأس به،و أما استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به و إن بقي أثره،و لا بأس بعدم إزالته و إن كانت ممكنة.
هذا هو الصحيح لإطلاق موثقة أبي بصير 1،فان مقتضاه عدم الفرق بين الاتيان بها قبل الزوال أو بعده و في الأوقات التي تكره النافلة فيها على المشهور و في وقت الفريضة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 258)
[فصل في كيفية الإحرام]
فصل في كيفية الإحرام و واجباته ثلاثة:
[الأول:النية]
الأول:النية(1)،بمعنى القصد اليه،فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل،و يبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عمدا،و أما مع السهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديده من الميقات
و هي شرط لكل عبادة،و نقصد بها أن تتوفر فيها العناصر التالية:
الأول:أن يقصد الاسم الخاص للعبادة التي يريد المكلف أن يأتي بها المميز لها شرعا إذا كان لها اسم كذلك،كصلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و نوافلها و صلاة الجمعة و الآيات و صلاة العيد و نحوها، و صيام شهر رمضان و الكفارة و النذر و التعويض و قضاء رمضان و حج التمتع من حجة الإسلام و الافراد و القران و عمرة التمتع و المفردة و من أراد الاتيان بأي واحدة من هذه العبادات التي لها اسم خاص،فعليه أن يقصد ذلك الاسم سواء أ كانت فريدة و لم يكن لها شريكة في العدد و الكم كصلاة المغرب،أم كانت لها شريكة و مماثلة في العدد كصلاة الظهر التي تماثلها تماما صلاة العصر و صلاة الفجر التي تماثلها كذلك نافلة الفجر، و هكذا.و على هذا الأساس تعرف أن من أراد أن يأتي بأحد أنواع الحج الذي له اسم خاص،فعليه أن يقصد ذلك الاسم عند الاتيان بكل جزء من أجزائه،فإذا أراد أن يأتي بحج التمتع فعليه أن يقصد ذلك الاسم حين الاتيان بكل واجب من واجباته من البداية إلى النهاية،فإذا احرم
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 259)
إذا أمكن و إلا فمن حيث أمكن على التفصيل الذي مرّ سابقا(1)في ترك أصل الإحرام.
[مسألة 1:يعتبر فيها القربة و الخلوص]
[3230]مسألة 1:يعتبر فيها القربة و الخلوص-كما في سائر العبادات- فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه.
بدون أن يقصد الإحرام لحج التمتع فهو تارك لإحرامه،كما أنه إذا أتى بحج التمتع المستحب استحبابا عاما لا بد أن يأتي به باسمه الخاص في مقابل حج الافراد أو القران المستحب.
فالنتيجة:أنه لا بد أن ينوي الاحرام و يعيّنه أنه لحج التمتع من حجة الإسلام،أو لحج الافراد منها،أو لحج التمتع المستحب او الإفراد منه،او لعمرة التمتع من حجة الإسلام،أو من الحج المستحب أو للعمرة المفردة،و أن هذا التعيين و القصد واجب بنفسه،سواء أ كان يحصل الاشتباه بدون ذلك أو لا،و قد مر أن هذا القصد لا بد أن يكون مقارنا لكل جزء من أجزاء الحج أو العمرة من الإحرام إلى آخر الاجزاء،و لا نعني بالمقارنة أن لا يتقدم عليه،بل أن لا يتأخر عن أول جزء من أجزائه و هو الإحرام.
الثاني:قصد القربة،لأن الحج عبادة،و من المعلوم أن كل عبادة لا تصح بدون نية القربة،و هذه النية لا بد أن تكون مقارنة لكل جزء من أجزاء العبادة.
الثالث:الاخلاص في النية،و نقصد بذلك عدم الرياء،فانه مبطل للعبادة، و معنى الرياء هو الاتيان بالعبادة بغاية كسب ثناء الناس و اعجابهم،و هذا حرام في العبادات بصورة عامة وضعا و تكليفا،فأي عبادة يأتي بها الناس بهذه الغاية تقع باطلة،و يكون الآتي آثما و عاصيا،و لا فرق بين أن يكون الاتيان بها من أجل الناس وحده،أو من أجلهم و أجل اللّه تعالى معا،و قد عبر عن ذلك في الروايات بالشرك.
تقدم هذا البحث بشكل موسع في المسألة(3)من(فصل في أحكام المواقيت).
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 260)
[مسألة 2:يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه،فلا يكفي حصولها في الأثناء]
[3231]مسألة 2:يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه،فلا يكفي حصولها في الأثناء،فلو تركها وجب تجديده،و لا وجه لما قيل من أن الإحرام تروك و هي لا تفتقر إلى النية(1)،و القدر المسلم من الإجماع على اعتبارها إنما هو في الجملة و لو قبل التحلل،إذ نمنع أولا كونه تروكا فإن التلبية و لبس الثوبين من الأفعال(2)،و ثانيا اعتبارها فيه على حد اعتبارها في سائر
فيه ما مر،و سوف يأتي من أن حقيقة الإحرام تتحقق بالتلبية،فإذا نوى الاحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام،و لبّى قائلا:«لبّيك اللّهمّ لبّيك،لا شريك لك لبّيك»أصبح محرما و حرمت عليه امور معينة كالاستمتاع الجنسي للنساء و صيد الحيوان البري و الطيب و الزينة و لبس الثياب المخيطة،و التدهين و اخراج الدم و غير ذلك.ثم إن الظاهر من الروايات أن هذه الاشياء محرمة على المحرم،فإذا احرم وجب عليه الاجتناب عنها،و ترك ممارستها من دون أن يكون ايجادها مانعا عن الحج او العمرة حتى إذا كان عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي على تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.و على هذا فلا يعقل أن يكون الإحرام عبارة عن نفس تروكها لسببين:
أحدهما:أن وجوب ترك هذه الأشياء و عدم ممارستها من أحكام الإحرام و مترتب عليه ترتب الحكم على موضوعه،و لا يعقل أن يكون الحكم متحدا مع موضوعه.
و الآخر:أن الاحرام جزء الحج او العمرة و من واجباته،فلو كان عبارة عن نفس تروك هذه الأشياء لكان وجودها مانعا عن صحته و مخلا بها،مع أن الأمر ليس كذلك.و مع الاغماض عن هذا و تسليم أنه عبارة عن التروك،فمعنى هذا أن تلك التروك بما أنها جزء الحج أو العمرة فهي عبادة،و لا تصح بدون النية لها و قصد القربة و الاخلاص،و الحال أن الأمر ليس كذلك.
هذا ينافي ما ذكره قدّس سرّه في ضمن المسائل الآتية من أن لبسهما ليس
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 261)
العبادات في كون اللازم تحققها حين الشروع فيها.
[مسألة 3:يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة،و أن الحج تمتع أو قران أو إفراد]
[3232]مسألة 3:يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة،و أن الحج تمتع أو قران أو إفراد،و أنه لنفسه أو نيابة عن غيره،و أنه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي،فلو نوى الإحرام من غير تعيين و أوكله إلى ما بعد ذلك بطل،فما عن بعضهم من صحته و أن له صرفه إلى أيهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له إذ الظاهر أنه جزء من النسك فتجب نيته كما في أجزاء سائر العبادات،و ليس مثل الوضوء و الغسل بالنسبة إلى الصلاة،نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين(1)،و فرق بينه و بين ما لو نوى مرددا مع إيكال التعيين إلى ما بعد.
[مسألة 4:لا يعتبر فيها نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف التعيين عليها]
[3233]مسألة 4:لا يعتبر فيها نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف التعيين عليها،و كذا لا يعتبر فيها التلفظ بل و لا الإخطار بالبال فيكفي الداعي.
جزء الاحرام و لا شرط تحققه،بل هو واجب مستقل كما يظهر ذلك من الروايات،و الفرض أن الاحرام انما يتحقق بالتلبية سواء أ كانت التلبية سببا له بأن تكون العلاقة بينهما علاقة السببية و المسببية،أم كانت مصداقا له بأن تكون العلاقة بينهما علاقة الفرد و الطبيعي و أن كان لا يبعد ظهور الروايات في الأول باعتبار أن الظاهر منها أن المكلف إذا لبّى اعتبره الشارع محرما و حرمت عليه أشياء.
في كفاية ذلك اشكال بل منع،لأن قصد الاسم الخاص للعبادة لا بد أن يكون مقارنا لكل جزء من اجزائها،فإذا أحرم لما سوف يعينه فمعناه أنه شرع في العبادة بدون تعيين اسمها الخاص،نعم ما ذكره قدّس سرّه انما يكفي لو قلنا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 262)
[مسألة 5:لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته]
[3234]مسألة 5:لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته، بل المعتبر العزم على تركها مستمرا(1)،فلو لم يعزم من الأول على استمرار الترك بطل(2)،و أما لو عزم على ذلك و لم يستمر عزمه بأن نوى بعد تحقق الإحرام عدمه أو اتيان شيء منها لم يبطل،فلا يعتبر فيه استدامة النية كما في الصوم،و الفرق أن التروك في الصوم معتبرة في صحته بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية(3).
بأن قصد الاسم الخاص للعبادة انما يعتبر لتمييزها عن غيرها و لو متأخرا لا في نفسه و مقارنا لها،و أما إذا قلنا باعتباره في نفسه كما هو كذلك،و إن لم يحصل اشتباه في البين كما مر،فلا يكفي ما ذكره قدّس سرّه،بل لا بد أن يقصد حين الإحرام كونه للحج او العمرة من حجة الإسلام أو الحج المندوب.
لا يعتبر ذلك في حقيقة الإحرام،بل هي كما مر تحقق بالتلبية فإذا لبّى فاصبح محرما شرعا و تترتب عليه آثار الإحرام،سواء أ كان عازما على ترك تلك المحرمات في الخارج و عدم ممارستها فيه حين التلبية أم لا،بل لا يضر في تحقق الإحرام منه عزمه على ممارستها حتى المقاربة الجنسية للنساء بناء على ما هو الصحيح من أنها لا تضر بصحة الحج و إن كانت تلك العملية الجنسية منه عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي،غاية الأمر أنها توجب اعادة الحج عليه في السنة القادمة عقوبة لا للأول،و قد نصت على ذلك صحيحة زرارة.نعم إذا كان الإحرام لعمرة مفردة كان عزمه عليها في الأثناء،أي قبل السعي مانعا عن صحتها،و حينئذ فلا يمكن الإحرام مع العزم عليها.
مر أنه لم يبطل حتى إذا كان المحرم عازما على ممارسة المحرمات للإحرام باعتبار أنها محرمات مستقلة،و لا يكون ايجادها مانعا فضلا عن عدم العزم عليها.
بل الظاهر أنها محرمات تكليفية،لا أن تروكها واجبات كذلك،و لا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 263)
[مسألة 6:لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد]
[3235]مسألة 6:لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد(1)سواء تعين عليه أحدهما أولا،و قيل:إنه للمتعين منهما و مع عدم التعيين يكون لما يصح منهما و مع صحتهما-كما في أشهر الحج- الأولى جعله للعمرة المتمتع بها،و هو مشكل إذ لا وجه له.
يقاس المقام بالتروك في باب الصوم فانها واجبات ضمنية،أي من أجزاء الصوم و واجباته لا أنها واجبات مستقلة.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان احرامه إذا كان باسم أحدهما في الواقع غاية الأمر نسي انه كان لعمرة التمتع من حجة الإسلام،أو للعمرة المفردة،كما إذا كان في أشهر الحج فلا موجب لتجديده ثانيا،و الحكم ببطلان الأول حيث أنه لا مقتضى للبطلان بعد ذلك،و النسيان لا يوجب انقلابه و جعل ما هو صحيح في الواقع باطلا،و على هذا فيعلم اجمالا بوجوب احدى العمرتين عليه، و مقتضى هذا العلم الإجمالي هو الاحتياط و الاتيان باعمال العمرة بقصد ما في الذمة،ثم يأتي بطواف النساء رجاء.نعم انه لا يكتفى بهذه العمرة عن عمرة التمتع إذا كانت واجبة عليه في الواقع،حيث لا يعلم أن احرامه كان باسمها، و بدون ذلك لا يعلم ببراءة ذمته عنها،فاذن يجب عليه الاتيان بها بأمل إدراك الواقع.
و دعوى:كفاية هذه العمرة عنها فانها في الواقع لا تخلو من أن تكون عمرة التمتع إذا كان الإحرام باسمها،او العمرة المفردة إذا كان باسم المفردة،فان كانت الاولى فقد أتى بها بالواجب،و إن كانت الثانية انقلبت متعة.
مدفوعة:بأنه لا دليل على الانقلاب في مثل هذه الحالة،و قد سبق أن العمرة المفردة انما تنقلب متعة فيما إذا أتى بها شخص ناويا لها من الأول ثم الرجوع إلى بلده،فانه في مثل هذه الحالة إذا بقى في مكة المكرمة اتفاقا لسبب من الأسباب الى موسم الحج و بنى عليه انقلبت عمرته المفردة
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 264)
……….
متعة،و أما من كان ناويا الحج من الأول فانه إذا أتى بعمرة مفردة لا تكفي عن عمرة التمتع و لا تنقلب منها اليها لعدم الدليل،بل عليه الاتيان بعمرة التمتع، و المقام من هذا القبيل،و لا فرق في ذلك بين تعين احداهما عليه،كما إذا كانت من حجة الإسلام و عدم تعينها لأنه في الواقع نوى الإحرام لإحداهما متعينة، و لكن نسي أنه كان لعمرة التمتع من حجة الإسلام،أو لعمرة مفردة،و لا قرينة على تعيين الأول،و مجرد أنه واجب عليه دون الثاني لا يصلح أن يكون قرينة عليه إذا كان متمكنا من الجمع بينهما.نعم إذا لم يتمكن من ذلك فلا يبعد الوثوق و الاطمئنان بأنه أحرم للواجب عليه و هو عمرة التمتع دون المندوب و هو العمرة المفردة و لو من أجل ظهور حاله في أنه كان في مقام الامتثال و أداء الوظيفة،و احتمال أنه تارك له عامدا و ملتفتا بعيد جدا و خلف فرض كونه في مقام الامتثال،و احتمال الغفلة و الاشتباه ضعيف،و يكون على خلاف الأصل العقلائي.
و أما إذا كان احرامه صحيحا لإحداهما دون الاخرى،كما إذا كان في غير أشهر الحج ثم شك و تردد في أنه هل كان يدخل فيه بنية إحرام عمرة التمتع أو بنية احرام العمرة المفردة،فان كان هذا الشك و التردد قبل الدخول في الجزء التالي كالطواف مثلا،فلا يمكن احراز أنه دخل فيه بنية احرام العمرة المفردة لا بقاعدة التجاوز و لا بقاعدة الفراغ.
أما الاولى:فمضافا إلى عدم تحقق عنوان التجاوز إن الشك ليس في وجود الإحرام أو عدمه بنحو الوجود أو العدم المحمولي بعد احراز النية،بل الشك انما هو في دخوله فيه بنية العمرة المفردة،و من المعلوم أن القاعدة لا تثبت ذلك.
و اما الثانية:فلأن الشك فيه ليس في صحة احرام هذه العمرة و فساده،بل الشك انما هو في دخوله فيه بنية احرامها،و من الواضح أن القاعدة لا تثبت ذلك.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 265)
……….
و اما ان كان في أثناء العمرة كالطواف و قبل أن يتمها،فان كان لم يجد نفسه فيها فعلا و هو ينويها مفردة،فالظاهر أنها باطلة أيضا،لأن صحتها مرتبطة بالاتيان بها باسم العمرة المفردة،و مع الشك في ذلك لم يحرز صحتها لعدم احراز عنوانها،و إن وجد نفسه فيها فعلا و هو ينويها عمرة مفردة،فقد اختار السيد الاستاذ قدّس سرّه الصحة تطبيقا لقاعدة التجاوز.و لكن الظاهر عدم الصحة،لعدم جريان القاعدة،و ذلك لأن موردها هو ما إذا علم المكلف بأنه ناو للعمرة المفردة،و بعد الوصول إلى طوافها أو سعيها و قبل أن يتمها شك في أنه أتى باحرامها أو لا،حكم بالاتيان به تطبيقا للقاعدة،و أما إذا شك في أنه هل كان يدخل فيها بنية احرام العمرة المفردة أو لا؟فلا يكون من موارد هذه القاعدة، و لا تثبت أنه دخل فيها بتلك النية الموجودة في نفسه فعلا.
و بكلمة:إن المكلف يعلم بأنه أحرم من الميقات،و لكنه يشك و يتردد في أنه أحرم بنية العمرة المفردة أو لا،و قاعدة التجاوز لا تثبت أنه أحرم بنيتها، لأنه ليس لها محل معين كسائر اجزاء العبادة،بل لا بد أن تكون مقارنة لها من البداية إلى النهاية باسم خاص و عنوان مخصوص،و هذا لا بمعنى أن يكون المكلف منتبها الى نيته انتباها كاملا كذلك كما في اللحظة الاولى،بل يكفي أن تكون كامنة في اعماق نفسه بحيث لو سأله سائل:ما ذا تفعل؟لانتبه فورا إلى أنه يعمل العمل الفلاني.
فالنتيجة:أن قاعدة التجاوز أو الفراغ انما تجري في العبادة بعد احراز عنوانها و اسمها المقوم و المميز لها شرعا الذي يكون موضوعا لصحتها أو فسادها،كعنوان الظهر و العصر و المغرب و العشاء و العمرة المفردة و التمتع و حج الافراد و القران و التمتع و نحو ذلك،فانه بعد احراز عنوانها و الدخول فيها بذلك العنوان اذا شك في أنه أتى بالجزء السابق أو لا،فان تجاوز عنه جرت القاعدة،و الاّ فلا،و إذا شك في صحته جرت قاعدة الفراغ،و أما إذا لم يحرز عنوانها فلا موضوع للقاعدة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 266)
……….
بقي هنا مسألتان:
الاولى:
إذا أحرم من الميقات ثم نسى أنه أحرم منها بنية حج الافراد أو العمرة المفردة.
الثانية:
نفس الصورة المتقدمة و لكن نسى أن احرامه كان لعمرة التمتع او لحج الافراد.
اما في المسألة الاولى:فهو يعلم اجمالا بوجوب أحدهما عليه،و بما أنه متمكن من الاحتياط فيجب عليه ذلك،بأن يذهب إلى الموقفين،ثم يرمي جمرة العقبة،و بعد ذلك يرجع إلى مكة و يطوف و يسعى،ثم يذهب إلى منى و يقصر كل ذلك بقصد ما في الذمة فإذا صنع ذلك علم ببراءة ذمته و لا شيء عليه.
و أما في المسألة الثانية:فلا يمكن الاحتياط بالجمع بين عمرة التمتع من حجة الإسلام و بين حج الإفراد،لأن احرامه في الواقع إن كان للأوّل وجب التقصير عليه بعد السعي،ثم الاحرام للحج،و إن كان للثاني حرم عليه التقصير قبل ادراك الوقوفين و رمي جمرة العقبة،فتدخل المسألة في دوران الأمر بين المحذورين،و حينئذ فلا يكون العلم الإجمالي منجزا بالنسبة إلى الموافقة القطعية العملية،لعدم تمكنه منها،و منجز بالنسبة إلى المخالفة القطعية العملية، و حينئذ فلا يجوز له ترك العمرة و الحج معا،بل عليه أن يأتي بأحدهما حتى لا يقع في المخالفة القطعية العملية،فإذا أتى بعمرة التمتع من حجة الإسلام احتياطا،فهل تجزئ إذا كانت واجبة عليه في الواقع أو لا؟الظاهر عدم الاجزاء، لأنه منوط باحراز انطباق الواجب على الفرد المأتي به،و هو غير محرز،لاحتمال أن الفرد فاقد للإحرام،فاذن تظل ذمته مشغولة به تطبيقا لقاعدة الاشتغال، و بذلك يظهر حال ما إذا أتى بحج الافراد احتياطا و كان هو الواجب عليه في الواقع،فانه لا يجزئ عنه تطبيقا لما تقدم،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:هل يجوز له في هذه الحالة أن يجدد الإحرام
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 267)
[مسألة 7:لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة]
[3236]مسألة 7:لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة بل لا بد لكل منهما من نيته مستقلا،إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل(1)،فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها،و القول بصرفه إلى المتعين منهما إذا تعين عليه أحدهما و التخيير بينهما إذا لم يتعين و صح منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له(2)،كالقول بأنه لو كان في أشهر الحج بطل و لزم التجديد و إن كان في غيرها صح عمرة مفردة.
لأحدهما المعين كعمرة التمتع مثلا حتى يتيقن بأنه محرم باحرامه؟الظاهر أنه لا مانع منه،فان حقيقة الإحرام هي التلبية،فإذا لبّى ثانيا بنية عمرة التمتع من حجة الإسلام رجاء تيقن أنه محرم فعلا باحرامها شرعا،لأنه ان كان محرما به من الأول فالثاني لغو،و الاّ فهو يصبح به محرما باحرامها،نعم انه في هذا الفرض يكون محرما باحرام حج الافراد،الاّ أنه لا يمنع من احرامه لعمرة التمتع،و هذا لا بمعنى أنه محرم باحرامين فعلا،لأنه لغو و جزاف،بل بمعنى أنه إذا كان عازما على ترك حج الافراد و البناء على الاتيان بحج التمتع أصبح احرامه لاغيا،لأن صحته مرتبطة بالاتيان بسائر أعماله في موسمها،و حيث أنه في علم اللّه لا يأتي بها في الموسم فهو فاسد،فعندئذ لا مانع من احرامه ثانيا لعمرة التمتع من حجة الإسلام.
الأمر كما افاده قدّس سرّه لأن كلا منهما واجب باسمه الخاص و عنوانه المخصوص،غاية الأمر أن صحة كل منهما مرتبطة بالآخر،و هذا الارتباط لا يدل على كفاية احرام واحد لهما معا.
فالنتيجة:أنه لا شبهة في أن العمرة مرتبطة بالحج و بالعكس،و أنهما بمثابة عمل واحد من هذه الناحية،و لكن مع ذلك يكون لكل منهما إحرام مستقل،و لا يرتبط أحدهما بالآخر من هذه الجهة.
لما مر من أن الإحرام بما أنه جزء لكل من الحج و العمرة باسمه
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 268)
[مسألة 8:لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنه لما ذا أحرم صح]
[3237]مسألة 8:لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنه لما ذا أحرم صح،و إن لم يعلم فقيل بالبطلان(1)لعدم التعيين،و قيل بالصحة
الخاص فيجب أن ينوي الاتيان به كذلك،و لا يكفي أن ينوي الاتيان به للجامع بينهما،فانه باطل باعتبار أنه ليس بواجب.
هذا هو الصحيح،و ذلك لأن العبادة التي لها اسم خاص و عنوان مخصوص يجب على المكلف أن يقصد ذلك الاسم الخاص لها حينما يريد أن يأتي بها المميز لها شرعا،فإذا أحرم وجب أن يكون احرامه بقصد العمرة المفردة أو العمرة من حجة الإسلام،و الاّ لم يقع احراما لها.
و بكلمة:إن من يحرم من الميقات لا بد و أن يلتفت إلى أنه يحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام،أو للعمرة المفردة،أو لحج الافراد،فان الاحرام فيها كالتكبيرة في الصلاة،فكما أن الصلاة تبدأ بها فكذلك تلك الاعمال تبدأ بالاحرام،و قد تقدم أن كل عبادة إذا كان لها اسم خاص لا بد أن يقصد المكلف ذلك الاسم الخاص لها حينما يريد أن يأتي بها المميز لها شرعا،كصلاة الظهر و العصر و نحوهما،و أن هذا القصد لا بد أن يكون مقارنا لكل اجزائها،فاذا أراد أن يأتي بصلاة الظهر-مثلا-فلا بد أن يقصد اسمها الخاص المميز لها مقارنا لأجزائها من تكبيرة الإحرام إلى التسليمة،و من هنا لو كبّر كتكبير زيد مثلا مع عدم العلم بأنه كبر لأي صلاة لم تقع تكبيرة الإحرام لصلاة معينة لانتفاء قصد الاتيان بها لتلك الصلاة المعينة،و ما نحن فيه كذلك،فانه لما كان لكل من تلك الأعمال العبادية اسم خاص فلا بد أن يقصد ذلك الاسم الخاص لها حينما يريد الاتيان بها مقارنا لأجزائها من الإحرام إلى آخر الاجزاء،فلو أحرم كإحرام خالد مع عدم العلم بأنه لما ذا أحرم لم يقع احراما لعبادة معينة كعمرة التمتع من حجة الإسلام مثلا،لانتفاء القصد.و على هذا الأساس فكل عبادة إذا كان لها اسم خاص فاللازم أن يكون حين الدخول فيها منتبها الى اسمها الخاص انتباها كاملا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 269)
لما عن علي عليه السّلام(1)و الأقوى الصحة لأنه نوع تعين،نعم لو لم يحرم فلان
في تلك اللحظة،فلو كان غافلا عنه في هذا الحين لم يتحقق الدخول فيها و إن كانت نيتها موجودة في اعماق نفسه ارتكازا.
و أما بقاء،فتكفي النية الإجمالية،فلو نوى و كبر ثم ذهل عن نيته و واصل عبادته على هذه الحالة من الذهول صحت ما دامت النية كامنة في اعماق نفسه.
و دعوى:أن عنوان احرام زيد مثلا أو تكبيره عنوان مشير الى الواقع المعين في علم اللّه تعالى و هو يقصد الاحرام لذلك الواقع المعين الذي لا يمكن الاشارة اليه الاّ بهذا العنوان.
مدفوعة:بأنه و إن كان عنوانا مشيرا إلى الواقع الاّ أن ذلك لا يكفي لكون الفرد المأتي به مصداقا للمأمور به،لأن المأمور به لما كان هو الإحرام بعنوان العمرة المفردة أو التمتع من حجة الإسلام أو حج الافراد،فلا بد أن يقصد المكلف حينما أراد أن يأتي بها اسمها الخاص المميز لها شرعا مقارنا لأجزائها من الإحرام إلى الجزء الأخير،و الاّ لم يقع احراما لها.
فالنتيجة:أن من أحرم لا بد أن يكون منتبها إلى نيته انتباها كاملا في لحظة الاحرام،كما هو الحال في المصلي فانه حينما كبر لا بد أن يكون ملتفتا التفاتا كاملا بأنه كبر لأية صلاة.
فيه أنه لا وجه للاستشهاد بما ورد عن علي عليه السّلام في مجموعة من الروايات:
منها:صحيحة معاوية بن عمار الطويلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج،ثم انزل اللّه عليه:- وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ …إلى أن قال:و قدم عليّ عليه السّلام من اليمن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو بمكة…
إلى أن قال:فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنا أمرت الناس بذلك،و انت يا علي بما أهللت،قال:قلت:يا رسول اللّه اهلالا كإهلال النبي صلّى اللّه عليه و آله،فقال له رسول
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 270)
……….
اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كن على احرامك مثلي و أنت شريكي في هديى-الحديث-» 1.
و منها:صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:«إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين حج حجّة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة-إلى أن قال:
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا علي بأيّ شيء أهللت،فقال:اهللت بما أهل النبي صلّى اللّه عليه و آله -الحديث-» 2و ذلك لأن تلك الروايات لا تدل على أن عليا عليه السّلام نوى الإحرام لما نوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الاحرام له،مع عدم علمه تفصيلا أنه صلّى اللّه عليه و آله لأي شيء نواه،بقرينة أن نفس تلك النصوص تدل على أن المتعة قد شرعت في حجة الوداع بعد وصول النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى مكة،و لم يكن قبل ذلك مشروعة،و على هذا فكل أحد يعلم بأن المسلمين قد أحرموا للحج منهم النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله،و لا فرق بينهم من هذه الناحية،و انما الفرق في سياق الهدي،فكل من ساق الهدي معه فيكون حجه حج قران،و بما أن عليا عليه السّلام قد ساق الهدي معه كالنبي صلّى اللّه عليه و آله فيكون عالما باحرامه صلّى اللّه عليه و آله و أنه لحج القران،فاذن لا شاهد في هذه الروايات على كفاية النية الاجمالية.
ثم إن بين الصحيحتين المذكورتين تعارض،فان الصحيحة الاولى تنص على أن النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله ساق أربعا و ستين هديا أو ستا و ستين.و الثانية تنص على أنه صلّى اللّه عليه و آله ساق مائة بدنة،فاذن يقع التعارض بينهما في المقدار الزائد، فتسقطان معا فيه من جهة المعارضة،فالثابت حينئذ هو المقدار المتفق عليه بينهما،و نتيجة ذلك أنه لم يثبت كون النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله قد ساق مائة بدنة و جعل سبعا و ثلاثين منها لعلي عليه السّلام،فاذن يكون المرجع في المقام الصحيحة الاولى التي تنص على أن عليا عليه السّلام جاء بأربع و ثلاثين أو ست و ثلاثين هديا حينما رجع من اليمن إلى مكة المكرمة،حيث إنه لا معارض لها،و على هذا فلا اجمال في قوله عليه السّلام في جواب النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله:بما اهللت؟«اهلالا كإهلال النبي صلّى اللّه عليه و آله» فان مراده عليه السّلام معلوم من الاهلال حينئذ،و هو الاهلال لحج القران كإهلال النبي
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 271)
أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان(1)،و قد يقال إنه في صورة الاشتباه يتمتع،و لا وجه له إلا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتع.
[مسألة 9:لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل]
[3238]مسألة 9:لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل.
[مسألة 10:لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق]
[3239]مسألة 10:لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق.
[مسألة 11:لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على أنه نواه]
[3240]مسألة 11:لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على أنه نواه(2).
الاكرم صلّى اللّه عليه و آله،فاذن لا وجه لتوجيه الحكم في الصحيحة الثانية بأن اشراك النبي صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام في هديه و جعل له سبعا و ثلاثين بدنة من المائة التي ساقها صلّى اللّه عليه و آله حكم مختص به عليه السّلام،ضرورة أن مجرد نية الاحرام كإحرام النبي صلّى اللّه عليه و آله من دون أن يسوق الهدي لا يستوجب ذلك،أي الاشراك في الهدي و جعل حجه حج قران،و لكن كل ذلك مبني على عدم سقوط الصحيحة بالتعارض من هذه الناحية.و لكن قد مر سقوطها به من تلك الناحية.
فيه أن الأمر و إن كان كذلك في الصورة الاولى لانتفاء الموضوع فيها، و أما في الصورة الثانية فعلى مسلكه قدّس سرّه من كفاية التعيين الإجمالي فلا موجب للبطلان،لأن الصحة لا تكون مشروطة برفع الاشتباه بعد الإحرام،بل لو ظل باقيا عليه فالعمل صحيح في الواقع،غاية الأمر أنه لا يدري أنه عمرة مفردة أو متعة.نعم بناء على ما ذكرناه من عدم كفاية ذلك فهو باطل في كلتا الصورتين.
في البناء اشكال بل منع،لما مر في المسألة(6)من أنه لا موضوع لقاعدة التجاوز اذا شك في أنه نوى الظهر قضاء أو العصر أداء،كما إذا شك في أنه حينما دخل في الصلاة و كبر،فهل كبر للأولى أو الثانية؟و إن كان بجد نفسه فعلا في صلاة و هو ينويها ظهرا،و ذلك لما مرّ من انه ليس لنية العنوان محل
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 272)
[مسألة 12:يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية]
[3241]مسألة 12:يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية، و الظاهر تحققه بأيّ لفظ كان،و الأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار و هو أن يقول:«اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله فيسّر ذلك لي و تقبله مني و أعنّي عليه فإن عرض شيء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي،اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء و الطيب أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة».
[مسألة 13:يستحب أن يشترط عند إحرامه على اللّه أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة]
[3242]مسألة 13:يستحب أن يشترط عند إحرامه على اللّه أن يحلّه إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة و أن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه الإتيان،كما يظهر من جملة من الأخبار.
و اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط فقيل:إنها سقوط الهدي(1).
معين،حتى تجري قاعدة التجاوز،أو فقل إن مفاد القاعدة اثبات وجود المشكوك بمفاد كان التامة،و أما إذا كان أصل وجوده محرزا و الشك انما هو في اتصافه بوصف عنواني فلا تثبت القاعدة ذلك الوصف الذي هو مفاد كان الناقصة،و ما نحن فيه من هذا القبيل،فانه يعلم أنه كبر،و لكن لا يدري أنه كبر بنية صلاة الظهر قضاء أو بنية العصر أداء،و في مثل ذلك و إن كان يجد نفسه فعلا في صلاة الظهر قضاء الاّ أن القاعدة لا تجري و لا تثبت أنه كبر بنيتها.
و هذا هو الصحيح،لا للإجماع لما مر غير مرة من أنه لا يمكن لنا اثبات اجماع في المسألة الكاشف عن ثبوت الحكم في زمن المعصومين عليهم السّلام و وصوله إلينا يدا بيد،بل للروايات:
منها:صحيحة ذريح المحاربي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و احصر بعد ما احرم،كيف يصنع؟قال:فقال:أو ما
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 273)
……….
اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من احرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه،فقلت:بلى قد اشترط ذلك،قال:فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه،ان اللّه أحق من و فى بما اشترط عليه،قال:فقلت:أ فعليه الحج من قابل؟قال:لا» 1.
فانها تدل على أنه يصبح محلا بصرف الحصر بمقتضى التعليل فيها بقوله عليه السّلام:
«ان اللّه أحق من و فى بما اشترط عليه»فانه ينص على أن خروجه من الاحرام انما هو بسبب الشرط لا بسبب بلوغ الهدي محلّه،و الاّ لكان هذا التعليل لغوا.
و منها:صحيحة محمد بن أبي نصر قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه،أيّ شيء تكون حاله؟و أي شيء عليه؟قال عليه السّلام:هو حلال من كل شيء،قلت:من النساء و الثياب و الطيب،فقال:نعم من جميع ما يحرم على المحرم،و قال:أو ما بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام-حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ-قلت:اخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء،فقال:لا -الحديث-» 2فانها تدل على نفي وجوب الهدي عليه و عدم دخله في التحليل،و بما أن نسبتهما إلى الآية الشريفة و الروايات الظاهرتين في وجوب الهدي و ترتب الاحلال على بلوغه محله نسبة الخاص إلى العام،فتصلحان لتقييد اطلاقيهما،فيكون الناتج من ذلك عدم وجوب الهدي عليه للتحلل في صورة الاشتراط،و وجوبه عليه في صورة عدم الاشتراط.
و دعوى:أن الصحيحة الثانية تدل على الاحلال مطلقا،اي سواء اشترط ذلك أم لا،و مجرد الاستشهاد بقول الصادق عليه السّلام لا يدل على أن مورد السؤال فيها خصوص صورة الاشتراط،إذ من المحتمل أن يكون مورد الاستشهاد من صغريات مورد السؤال دون العكس.
مدفوعة:فانه لا شبهة في ظهور الاستشهاد في أنه من باب تطبيق الكبرى على الصغرى و هو مورد السؤال،و مع الاغماض عن ذلك فالرواية مجملة،و لا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 274)
……….
يمكن الاستدلال بها على التحلل بالاشتراط،و على تقدير ظهورها في الاطلاق فلا بد من طرحها،لأنها مخالفة للكتاب،و هو قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لاٰ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ 1و من هنا يظهر أنه لا بد من تقييد اطلاق صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط» 2ببلوغ الهدي محله بالآية الشريفة و الروايات،هذا اضافة إلى أن مرجع الضمير فيها غير معلوم المراد باعتبار أنه غير مسبوق بشيء،و لعل المراد به شخص خاص معهود بين الإمام عليه السّلام و الراوي،فتكون الرواية مجملة.
و دعوى:ان الاجمال فيه قد نشأ من تقديم صاحب الوسائل هذه الصحيحة على رواية حمزة بن حمران في النقل،و أما بناء على رواية الكليني فلا اجمال فيه،فانه روى أولا رواية حمزة،ثم صحيحة زرارة بلا فصل،إذ حينئذ يرجع إلى ما ذكره في رواية حمزة و هو الذي يقول:«حلّني حيث حبستني» 3و الكافي انما حذف المرجع في الصحيحة اختصارا في النقل و ايعازا إلى وحدة السؤال و الجواب.
مدفوعة:بأن ذلك التصرف من الكافي بعيد جدا،إذ لا يمكن فتح هذا الباب في الأحاديث،حيث إن اهتمام المحدثين في ضبط الأحاديث حرفيا و لا سيما من مثل الكليني المعروف في ذلك يمنعنا من القول بأنه صنع ذلك اختصارا و ايعازا إلى وحدة السؤال و الجواب بينها و بين رواية حمزة هذا.
و قد يجمع بين صحيحة زرارة و الآية الكريمة و الروايات الدالة على بلوغ الهدي محلّه،بحمل الحلّ في الصحيحة على الحلّ من حيث اعمال الحج و العمرة،بمعنى ان من احصر لا يجب عليه اتيان الاعمال و اتمامها الذي هو واجب على غيره،لا أنه يحل من تمام الجهات حتى من جهة ممارسة محرمات
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 275)
……….
الاحرام،و عليه فيظل محرما بالنسبة إليها إلى أن يبلغ الهدي محله.
و لكن يرد عليه..
أولا:ان الصحيحة مجملة-كما مر-.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها غير مجملة الا أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها و تقييد الحلية فيها بما إذا بلغ الهدي محله بالآية الشريفة و الروايات،فانهما ظاهرتان في أنه لا يحل الاّ أن يبلغ الهدي محلّه،و هذا الظهور ظهور عرفي ناشئ من أخذ القيد في موضوع الحكم في لسان الدليل،و ظهور الصحيحة في عدم دخل بلوغ الهدي في التحليل انما هو بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و من الواضح أن الظهور الاطلاقي لا يصلح أن يعارض الظهور الوضعي العرفي،فيتقدم الثاني على الأول بملاك الأقوائية و الأظهرية تطبيقا للجمع الدلالي العرفي،و اما اذا افترضنا عدم امكان الجمع العرفي بينهما فلا بد من طرح الصحيحة لأنها مخالفة للكتاب،و إن كانت مخالفته له بالظهور الاطلاقي،لما ذكرناه في علم الاصول من أن الروايات المخالفة للكتاب لا تكون حجة و إن كانت المخالفة بالاطلاق.نعم بناء على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن الظهور الاطلاقي ليس مدلولا للفظ و انما هو مدلول لمقدمات الحكمة فلا يصدق عليها عنوان المخالف حتى لا يكون حجة،و لكن قد ذكرنا هناك أن الأمر ليس كذلك،فان الاطلاق مدلول للفظ لا للمقدمات.نعم أنها منشأ لظهور اللفظ فيه،و تمام الكلام هناك.
فالنتيجة:ان الحلية في الصحيحة ظاهرة في الحلية عن محرمات الإحرام دون الأعم منها و من الحلية عن اعمال الحج أو العمرة.
و ثالثا:مع تسليم أن الحلية فيها مطلقة و تعم باطلاقها الحلية من الأعمال و المحرمات معا،الاّ أن رفع اليد عن اطلاقها و حملها على خصوص الأولى بحاجة إلى قرينة و لا قرينة على ذلك،فان الآية الشريفة و الروايات لا تدلان على أن المراد من الحلية فيها الحلية بالنسبة إلى اعمال الحج فقط،لأن مقتضى الجمع
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 276)
……….
العرفي كما مر هو تقييد الحلية في الصحيحة بما بعد بلوغ الهدي محله لا حملها على الحلية عن اعمال الحج أو العمرة،فان هذا الحمل غريب جدا و لا شاهد عليه أصلا.
و من هنا يظهر أن صحيحة زرارة لا تصلح أن تعارض صحيحة ذريح 1المتقدمة،لما مر من أن صحيحة ذريح تدل بمنطوقها على ترتب التحليل على الشرط،و بمفهومها على انتفائه بانتفاء الشرط،فاذن تكون الصحيحة مقيدة لإطلاق صحيحة زرارة،فان مقتضى اطلاقها أنه يحل سواء بلغ الهدي محلّه أم لا،و الصحيحة تدل بمفهومها على أنه لا يحل في صورة عدم الاشتراط.
لحد الآن قد تبين أن الناتج من تقييد صحيحة ذريح اطلاق الآية الشريفة و الروايات هو أن من اشترط على اللّه تعالى في احرامه أن يحلّه إذا عرض عليه عارض حل متى طرأ عليه عارض و من لم يشترط ذلك لم يحل الاّ بعد بلوغ الهدي محلّه،و عليه ففائدة الشرط خروج المحرم عن الاحرام بصرف عروض عارض عليه،و عدم توقفه على بلوغ الهدي محلّه.
و اما ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:
«قال:إنّ الحسين بن علي عليه السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق،فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة،فخرج في طلبه،فادركه في السقيا و هو مريض بها،فقال:يا بني ما تشتكي؟فقال:اشتكي رأسي،فدعا علي عليه السّلام بدنة فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة،فلما برئ من وجعه اعتمر،فقلت:أ رأيت حين برئ من وجعه احل له النساء،فقال:لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت:فما بال النبي صلّى اللّه عليه و آله حين رجع إلى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال:ليس هذا مثل هذا،النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا» 2فلا مانع من الأخذ بها في موردها،و هو أن المحرم باحرام العمرة إذا احصر خرج
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 277)
و قيل:إنها تعجيل التحلل و عدم انتظار بلوغ الهدي محله.
و قيل:سقوط الحج من قابل(1).
منه بذبح الهدي في مكانه،و لا يتوقف على ارساله إلى مكة و انتظار وصوله اليها، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين اشتراط الحل و عدمه،و مجرد استحباب الاشتراط لا يقتضي صدوره منه عليه السّلام لاحتمال وجود مانع أو غير ذلك،و على هذا فلا مانع من تقييد اطلاق الآية الشريفة و الروايات بها،و يكون الناتج من ذلك أن المحرم باحرام العمرة المفردة إذا احصر خرج منه بذبح الهدي مكانه، و لا يتوقف على إرساله إلى مكة و انتظار وصوله اليها،و المحرم باحرام الحج لا يخرج منه الا بارسال الهدي إلى منى و وصوله اليه شريطة أن لا يشترط التحليل عند عروض عارض عليه من مرض أو نحوه،و الاّ خرج منه بصرف عروضه بدون التوقف على بلوغ الهدي محله.
ثم إن صحيحة ذريح المتقدمة هل تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق صحيحة معاوية بن عمار بصورة عدم الاشتراط؟الظاهر أنها تصلح لذلك،لأن موردها و إن كان عمرة التمتع من حجة الإسلام،الاّ أن التعليل فيها ب«أن اللّه تعالى أحق من و فى بما اشترط عليه»يدل على عموم الحكم و عدم اختصاصه بموردها،ضرورة أنه لا فرق في كونه تعالى أحق بذلك بين مورد و مورد.
فالنتيجة:في نهاية المطاف أن المحرم إذا اشترط على اللّه تعالى حين احرامه أن يحله منه إذا احصر حل بصرف عروض الحصر عليه على أساس أنه تعالى أحق من و فى بما اشترط عليه بدون التوقف على بلوغ الهدي محله،سواء أ كان ذلك في احرام الحج أو العمرة المفردة أو المتعة،كما هو مقتضى التعليل فيها.
فيه اشكال بل منع،و الأظهر عدم السقوط،و ذلك لأن مقتضى صحيحة ذريح المتقدمة و إن كان السقوط الاّ أنها معارضة بصحيحة أبي نصر
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 278)
و قيل:إن فائدته إدراك الثواب فهو مستحب تعبدي،و هذا هو الأظهر(1)،و يدل عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله في بعض الأخبار:«هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط».
ليث بن البختري،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط في الحج أن حلّني حيث حبستني،عليه الحج من قابل؟قال:نعم» 1فانها تدل على عدم السقوط،و حمل الصحيحة الاولى على الحج المندوب،و الثانية على الواجب و إن كان ممكنا الاّ أنه بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه لا من الداخل و لا من الخارج،و على هذا فبما أن الجمع الدلالي العرفي بينهما لا يمكن فيستقر التعارض بينهما و يسري إلى دليل حجيتهما سندا،و حيث إن صحيحة أبي بصير 2موافقة لإطلاق الكتاب و السنة،فهي تتقدم على صحيحة ذريح،فان مقتضى اطلاقهما وجوب الحج على كل مستطيع لم يحج،و الفرض انه مستطيع و لم يحج،هذا بناء على ما هو الصحيح من أنه لا فرق في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الآخر بموافقة الكتاب أو السنة بين أن تكون الموافقة لإطلاقه أو عمومه الوضعي،و أما بناء على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن موافقة اطلاق الكتاب بما أنها ليست موافقة له فلا ترجيح في البين،فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة،فيرجع إلى العام الفوقي و هو اطلاق الكتاب و السنة.
فالنتيجة على كلا القولين هي وجوب الحج عليه في العام القادم،و عدم سقوطه عنه.
مر أن فائدته على الأظهر خروجه عن الاحرام بمجرد ابتلائه بالحصر بدون التوقف على ارسال الهدي و بلوغه محله.و اما استحباب هذا الاشتراط نفسيا بدون النظر إلى ترتب أثر وضعي عليه فلا يمكن استفادته من
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 279)
و الظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط بل لا بدّ من التلفظ، لكن يكفي كل ما أفاد هذا المعنى فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص،و إن كان الأولى التعيين مما في الأخبار.
[الثاني من واجبات الإحرام:التلبيات الأربع]
الثاني من واجبات الإحرام:التلبيات الأربع،و القول بوجوب الخمس أو الست ضعيف،بل ادعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع.
و اختلفوا في صورتها على أقوال:
أحدها:أن يقول:لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك.
الثاني:أن يقول بعد العبارة المذكورة:إن الحمد و النعمة لك، و الملك،لا شريك لك.
الثالث:أن يقول:لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك.
الرابع:كالثالث إلا أنه يقول:إن الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك لبيك،بتقديم لفظ«و الملك»على لفظ«لك».
و الأقوى هو القول الأول كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمار(1) و الزوائد مستحبة،و الأولى التكرار بالاتيان بكل من الصور المذكورة،بل
الروايات،فانها في مقام بيان الأثر الوضعي المترتب عليه،و هو الحل.
نعم انه مستحب بملاك أنه نوع دعاء و خضوع و تضرع الى اللّه تعالى أن يحلّه إذا ابتلى بمرض أو غيره،و لكن الروايات ليست في مقام البيان من هذه الناحية.
و هي قوله عليه السّلام في ذيلها:«و اعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع التي كن
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 280)
يستحب أن يقول كما في صحيحة معاوية بن عمار:«لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك غفار الذنوب لبيك لبيك أهل التلبية لبيك لبيك ذا الجلال و الإكرام لبيك مرهوبا و مرغوبا إليك لبيك لبيك تبدأ و المعاد إليك لبيك كشاف الكروب العظام لبيك لبيك عبدك و ابن عبديك لبيك لبيك يا كريم لبيك».
[مسألة 14:اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية]
[3243]مسألة 14:اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية،فلا يجزئ الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح،و مع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه و بين الاستنابة، و كذا لا تجزئ الترجمة مع التمكن،و مع عدمه فالأحوط الجمع بينهما و بين الاستنابة(1)،و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه،و الأولى أن يجمع بينهما و بين الاستنابة،و يلبى عن الصبي غير المميز و عن المغمى عليه.
في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبى المرسلون-الحديث-» 1و تلك عبارة عن قوله عليه السّلام في صدرها:«لبّيك اللّهمّ لبّيك،لبّيك لا شريك لك لبّيك»و عليه فتكون هذه الصحيحة قرينة على حمل قوله عليه السّلام في صحيحته الاخرى:«إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك»على الاستحباب.
فالنتيجة:أن الواجب هو التلبيات الأربع فقط و الزائد مستحب.
بل الأظهر كفاية الملحون إذا لم يتمكن من الصحيح و لو بالتلقين، و هذا لا من جهة قاعدة الميسور،فانها غير تامة،بل هو مقتضى القاعدة،فانه لا
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 281)
و في قوله:إن الحمد(الخ)يصح أن يقرأ بكسر الهمزة و فتحها، و الأولى الأول.
(و لبيك)مصدر منصوب بفعل مقدر،أي ألبّ لك إلبابا بعد إلباب،أو لبا بعد لبّ،أي إقامة بعد إقامة،من لبّ بالمكان أو ألبّ أي:أقام،و الأولى كونه من لبّ،و على هذا فأصله لبين لك فحذف اللام و أضيف إلى الكاف فحذف النون،و حاصل معناه إجابتين لك،و ربما يحتمل أن يكون من لب بمعنى واجه،يقال داري تلب دارك أي تواجهها،فمعناه مواجهتي و قصدي لك،و أما احتمال كونه من لبّ الشيء أي خالصه فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد،كما أن القول بأنه كلمة مفردة نظير(على)و(لدى)فأضيفت إلى
يكون مكلفا بأكثر من ذلك،كما هو الحال في الأخرس،و من هنا إذا لم يتمكن في الصلاة من القراءة الصحيحة كفت القراءة الملحونة،لأنه لا يكون مكلفا بأزيد منها،و أما الاستنابة في هذه الحالة فهي بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه في المقام الاّ رواية زرارة:«إن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبّي فاستفتى له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر له أن يلبى عنه» 1و لكنها ضعيفة سندا،فلا يمكن الاعتماد عليها.و تؤكد ذلك معتبرة مسعدة بن صدقة قال:«سمعت جعفر بن محمد عليه السّلام يقول:انك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما اشبه ذلك،فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح…الحديث» 2فانها تدل على أن المطلوب من كل فرد من المكلف الاتيان بما يقدر عليه،و هو بطبيعة الحال يختلف باختلاف افراده و اصنافه.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 282)
الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له،لأن(على)و(لدى)إذا أضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلى زيد و لدى زيد و ليس لبى كذلك فإنه يقال فيه (لبي زيد)بالياء.
[مسألة 15:لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته و لا إحرام حج الإفراد و لا إحرام حج العمرة المفردة إلا بالتلبية]
[3244]مسألة 15:لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته و لا إحرام حج الإفراد و لا إحرام حج العمرة المفردة إلا بالتلبية(1)،و أما في حج القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد،
هذا هو الصحيح للروايات الكثيرة الواردة في مختلف الموارد و المسائل،و تدل على أن الاحرام لا يتحقق شرعا الاّ بالتلبية سواء أ كان لعمرة التمتع من حجة الإسلام أم للمفردة،أم لحج التمتع أم للأفراد.
منها:صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد للإحرام و لم يلبّ،قال:ليس عليه شيء» 1فانها ناصة في أن الإحرام لا يتحقق الا بالتلبية،فاذن يكون المراد بعقد الاحرام فيها هو التهيؤ له بلبس ثوبيه و غيره.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«لا بأس أن يصلى الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله و لا يلبّى ثم يخرج فيصيب من الصّيد و غيره،فليس عليه فيه شيء» 2و منها غيرهما.
و اما ما ورد في رواية أحمد بن محمد قال:«سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام،ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالاحرام،قال:عليه دم» 3فلا يمكن الأخذ به.
أما أولا:فلأن الرواية بهذه الصيغة التي أوردها الشيخ في التهذيب و الاستبصار لم يظهر أنها مروية عن الإمام عليه السّلام.و أما توجيه السيد الاستاذ قدّس سرّه
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 283)
و الإشعار مختص بالبدن(1)،و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع
الرواية عن الإمام عليه السّلام بالبيان التالي هو أن المراد من أحمد بن محمد هو أحمد ابن محمد بن أبي نصر البزنطي،بقرينة رواية محمد بن عيسى(العبيد)عنه، و القرينة على أنه العبيدي هي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه، و البزنطي يروي مباشرة عن الإمام الرضا عليه السّلام،و تصحيحا لذلك لا بد من الالتزام بان في السند سقط،و تكون صورة السند هكذا:عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:سمعت أبي يقول…الخ،فهو لا يفيد الاّ الظن و لا قيمة له.
و أما ثانيا:فلأن المفروض فيها أنه يتهيأ للإحرام،لا أنه احرم،و هذا يعني أنه أتى بمقدمات الإحرام من الغسل و الصلاة و لبس الثوبين و لم يعقد الإحرام، و من الواضح أنه لا تترتب آثار الإحرام على مقدماته،فانها آثار للإحرام،فإذا أحرم حرمت عليه امور،فاذن لا بد من رد علمها إلى أهله.
فالنتيجة:أنها لا تصلح أن تعارض تلك الروايات.هذا كله في غير حج القران.
و أما في حج القران فاحرامه يتحقق بأحد أشياء ثلاثة:التلبية،أو الإشعار، أو التقليد،فالمكلف مخير بينها،و تدل عليه مجموعة من الروايات.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يوجب الاحرام ثلاثة أشياء،التلبية و الاشعار و التقليد،فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد احرم» 1.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من أشعر بدنته فقد احرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير» 2و منها غيرهما.
في الاختصاص اشكال،حيث ان البدن و إن ورد في الروايات الواردة
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 284)
الهدي،و الأولى في البدن الجمع بين الإشعار و التقليد(1)،فينعقد إحرام
في كيفية الاشعار،الاّ أن دلالة هذا المقدار على الاختصاص لا تخلو عن اشكال، باعتبار أن الإمام عليه السّلام في تلك الروايات انما هو في مقام بيان كيفية الاشعار و تطبيقها على البدن،إما بلحاظ أن السؤال عن كيفية الاشعار فيها كما هو الغالب في الروايات،أو أنها إذا ورد في كلام الامام عليه السّلام ابتداء فالظاهر أن ورودها فيه انما هو لبيان تلك الكيفية،لا لخصوصية فيها،فمن أجل ذلك لا يخلو ظهور هذه الروايات في الاختصاص عن اشكال.
و دعوى:أن كل قيد أخذ في لسان الدليل فانه ظاهر في الموضوعية، و حمله على الطريقية و المعرفية الصرفة بحاجة إلى قرينة.
و الجواب:أن هذه الدعوى و إن كانت صحيحة الاّ أنها لا تنطبق على المقام،فان القيد المأخوذ في موضوع الحكم في الروايات هو الاشعار دون البدن،فانها مورده،فالروايات انما هي في مقام بيان كيفية الاشعار،و الكلام في أن هذه الكيفية هل تختص بالبدن أو تعم مطلق الهدي،و لا خصوصية لها، و مجرد ورودها في موردها لا يدل على الخصوصية،فان العرف انما يفهم الخصوصية للإشعار دون مورده،فمن أجل ذلك يشكل دلالة هذه الروايات على الخصوصية،فتكون المسألة مبنية على الاحتياط،هذا كله في الاشعار.
و اما التقليد فالظاهر أنه لا يختص بالبدن لإطلاق بعض الروايات و نص صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«قال:كان الناس يقلدون الغنم و البقر،و انما تركه الناس حديثا و يقلدون بخيط و سير» 1.
الأمر كما افاده قدّس سرّه اذا كان مراده من الأولى الأولى الوضعية،و ذلك لأن الروايات في المسألة متعارضة،فان طائفة منها تنص على اعتبار ضم التقليد إلى الاشعار في تحقق الإحرام شرعا.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 285)
……….
منها:صحيحة معاوية بن عمار قال:«البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها» 1.
و منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البدنة كيف يشعرها؟قال:يشعرها و هي باركة،و ينحرها و هي قائمة،و يشعرها من جانبها الأيمن،ثم يحرم إذا قلدت و اشعرت» 2.
و منها:صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال إذا كانت بدن كثيرة فاردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعر هذه من الشق الأيمن و يشعر هذه من الشق الأيسر،و لا يشعرها أبدا حتى يتهيأ للإحرام،فانه اذا اشعرها و قلدها وجب عليه الاحرام،و هو بمنزلة التلبية» 3و مفاد هذه الطائفة الارشاد إلى اعتبار الجمع بين الاشعار و التقليد في تحقق الإحرام شرعا،و ليس هو وجوب الجمع بينهما تكليفا.
و طائفة اخرى منها تنص على كفاية واحد منهما.
منها:صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة و هي قوله عليه السّلام:«يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:التلبية و الاشعار و التقليد،فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» 4.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة،و هي قوله عليه السّلام:«من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير» 5.و مفاد هذه الطائفة الارشاد إلى تحقق الاحرام بفعل واحد من الثلاثة،فاذن يقع التعارض بين الطائفتين،حيث ان الطائفه الاولى تنص على أن المعتبر في تحقق الإحرام الجمع بين الاشعار و التقليد و عدم كفاية واحد منهما،و الطائفة الثانية تنص على أنه يكفي في تحققه فعل أحدهما،فاذن نقطة المعارضة بينهما هي فعل الزائد على الواحد،فان الاولى تدل على اعتباره في صحة الاحرام،و الثانية تدل على عدم اعتباره فيها.
و دعوى:أن الطائفة الاولى ظاهرة في وجوب الجمع بينهما،و الطائفة
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 286)
حج القران بأحد هذه الثلاثة،و لكن الأحوط مع اختيار الإشعار و التقليد ضم التلبية أيضا،نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن و إن لم يتوقف
الثانية ناصة في ضمن صحيحة معاوية في كفاية واحد منهما فتصلح حينئذ أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى في وجوب الجمع بينهما و حملها على الاستحباب.نعم إن الصحيحة الثانية من هذه الطائفة لا تصلح أن تكون قرينة على ذلك،باعتبار أن دلالتها على عدم دخالة التقليد في الإحرام انما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و من هنا لو كان التعارض بينها و بين الطائفة الأولى لكان الأمر بالعكس،باعتبار أن دلالة الصحيحة على عدم دخل التقليد في صحة الإحرام انما هي بالاطلاق الناشئ من ظهور حال المتكلم في أن ما لا يقوله لا يريده،و أما دلالة تلك الطائفة على الدخالة فهي تنشأ من ظهور حال المتكلم في أن ما يقوله يريده،و من الواضح أن الدلالة الاطلاقية لا تصلح أن تقاوم الدلالة اللفظية العرفية،على أساس أنها ترتفع بارتفاع منشأها و هو عدم القول.
مدفوعة:بأن الجمع العرفي بينهما مرتبط بأن يكون مدلول الطائفة الأولى وجوب الجمع بينهما تكليفا،و مدلول الصحيحة نفي ذلك الوجوب،و بما أن الأولى ظاهرة فيه و الثانية ناصة فيتعين رفع اليد عن ظهور الأولى بقرينة الثانية و حملها على الاستحباب تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص،و أما إذا كان مدلول الأولى ارشادا إلى اعتبار ضم التقليد إلى الاشعار في صحة الإحرام و كونه جزءا له،و مدلول الثانية ارشادا إلى عدم اعتباره،فلا موضوع للجمع الدلالي العرفي عندئذ،لأن كلتيهما ناصة في مدلولها الارشادي،فاذن لا محالة يقع التعارض بينهما فتسقطان في مورد الالتقاء من جهة المعارضة، فيرجع إلى الأصل العملي و هو أصالة البراءة عن جزئية التقليد و اعتباره، و لكن مع ذلك فالأولى و الأجدر ضم التقليد اليه أيضا إذا كان الإحرام بالاشعار.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 287)
انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها(1)و يستحب الجمع بين التلبية و أحد الأمرين(2)و بأيهما بدأ كان واجبا و كان الآخر مستحبا(3).
ثم إن الإشعار عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي(4)و يشق سنامه من الجانب الأيمن
فيه اشكال بل منع،اذ لا دليل على وجوب التلبية على القارن في نفسها،أما اطلاقات أدلة وجوبها فلأنها تدل على أنها من واجبات الحج و العمرة،لا أنها واجبة بنفسها،هذا بدون فرق بين حج التمتع و الإفراد و القران.
في الاستحباب اشكال بل منع،اذ لا دليل عليه أصلا،كما أنه لا دليل على استحباب الجمع بين الاشعار و التقليد،لما مر من أن ما دل عليه يكون مدلوله الجمع الوضعي،و هو قد سقط بالتعارض كما سبق.
في الاستحباب اشكال بل منع و لا دليل عليه الاّ إذا كان مراده من الاستحباب الاستحباب الوضعي،يعني مجرد الأولوية،لما مر من أنه لا بأس بها بعد سقوط الروايات بالتعارض.
فيه أن هذه الكيفية لم ترد في شيء من روايات الباب،فان الوارد فيها انما هو الاشعار من الجانب الأيمن،و أما أن الرجل يقوم من الجانب الأيسر و يشق من الجانب الأيمن فلا دليل عليه.
و أما ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها» 1فلا ظهور له في كونه قيدا للإشعار،و يحتمل أن يكون مقدمة للتقليد،كما يحتمل أن يكون وقوفه كذلك مستحبا في نفسه،و كيفما كان فالرواية مجملة و لا تدل على أن هذه الكيفية معتبرة في الاشعار.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 288)
و يلطخ بدمه(1)و التقليد أن يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه(2).
هذا و إن كان مشهورا بين الأصحاب،و لكن لا دليل عليه،حيث انه لم يرد في شيء من الروايات.نعم ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:«قال:و الإشعار أن تطعن في سنامها بحديدة حتى تدميها» 1و في صحيحة أبي الصباح الكناني:«و يشق سنامها» 2و لازم شقه هو الإدماء:و أما اللطخ فلم يرد في شيء منهما،فالنتيجة أن الأظهر عدم اعتباره.
اعتبار هذين القيدين في التقليد لا يخلو عن اشكال بل منع،فانهما و إن وردا في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها»و مثلها صحيحته الأخرى،و هي ظاهرة في اعتبارهما في التقليد،الا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورهما بقرينة صحيحة الحلبي قال:
«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تحليل الهدي و تقليدها،فقال:لا تبالي أي ذلك فعلت-الحديث-» 3فإنها تدل على أنه لا يعتبر في التقليد شيء خاص، و المعيار إنما هو بجعل شيء في رقبتها لكي يكون علامة على أنها هدي و صدقة،و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«قال:كان الناس يقلدون الغنم و البقر و انما تركه الناس حديثا و يقلدون بخيط و سير» 4فانها تدل على كفاية التقليد بالخيط و السير.
و دعوى:أن التقليد بهما بما أنه فعل الناس فهو لا يدل على المشروعية.
مدفوعة:بأنه لو لم يكن مشروعا لكان الإمام عليه السّلام يردع عنه،و عدم الردع مع كونه عليه السّلام في مقام البيان يكشف عن انه لا يعتبر في التقليد شيء خاص.
فالنتيجة:ان الأظهر عدم اعتبار شيء معين فيه.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 289)
[مسألة 16:لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام]
[3245]مسألة 16:لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام(1)و إن كان أحوط، فيجوز أن يؤخرها عن النية و لبس الثوبين على الأقوى.
[مسألة 17:لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية]
[3246]مسألة 17:لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية(2)و إن دخل فيه بالنية و لبس الثوبين،فلو فعل شيئا من المحرمات لا يكون آثما و ليس عليه كفارة،و كذا في القارن إذا لم يأت بها و لا بالإشعار أو التقليد، بل يجوز له أن يبطل الإحرام(3)ما لم يأت بها في غير القارن أو لم يأت
بل تجب،لأن النية بتمام عناصرها من قصد القربة و الاخلاص و الاسم الخاص للعبادة لا بد أن تكون مقارنة لها من أول جزئها إلى آخر اجزائها، و التلبية بما أنها أول جزء من العبادة باعتبار أن الإحرام يتحقق بها حقيقة فتجب أن تكون مقارنة للنية،نعم لا مانع من تقدمها بمعنى ان المكلف ينوي الإحرام لحج أو عمرة قربة إلى اللّه تعالى عند لبس ثوبيه مثلا،ثم يلبي على أساس تلك النية،فانه يصح شريطة أن يكون منتبها إلى نيته انتباها كاملا في حين البدء بالتلبية،و أما تقدمها بمعنى أنه حينما لبّى يكون غافلا عنها فهو لا يكفي.نعم لا يجب أن يكون المكلف منتبها إلى نيته انتباها كاملا من البداية إلى النهاية،بل الواجب أن يكون كذلك في اللحظة الأولى،و هي لحظة الشروع في العبادة،فانه في تلك اللحظة لا بد أن يكون ملتفتا و منتبها إلى نيته انتباها كاملا،و أما الذهول عنها بعد ذلك لا يضر بصحة العبادة ما دامت النية كامنة في اعماق نفسه على نحو لو سأله سائل:ما ذا تفعل؟لانتبه فورا إلى أنه يحج أو يعتمر،و بذلك يظهر حال ما في المتن.
للنصوص الدالة على ذلك،و قد تقدمت الاشارة إلى بعض هذه النصوص في المسألة(15).
فيه ان الإحرام لا ينعقد الاّ بالتلبية،فإذا لبّى المكلف أصبح محرما شرعا،و حرمت عليه اشياء معينة،فاذن لا موضوع للإبطال،الاّ أن يكون مراده
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 290)
بها و لا بأحد الأمرين فيه،و الحاصل أن الشروع في الإحرام و إن كان يتحقق بالنية و لبس الثوبين(1)إلا أنه لا تحرم عليه المحرمات و لا يلزم البقاء عليه إلا بها أو بأحد الأمرين،فالتلبية و أخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة.
[مسألة 18:إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها]
[3247]مسألة 18:إذا نسي التلبية وجب عليه العود إلى الميقات لتداركها، و إن لم يتمكن أتى بها في مكان التذكر(2)،و الظاهر عدم وجوب الكفارة عليه إذا كان آتيا بما يوجبها،لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلا بها.
[مسألة 19:الواجب من التلبية مرة واحدة،نعم يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع]
[3248]مسألة 19:الواجب من التلبية مرة واحدة،نعم يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع خصوصا في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة و عند صعود شرف أو هبوط واد و عند المنام(3)و عند اليقظة و عند الركوب و عند النزول و عند ملاقاة راكب و في الأسحار،و في بعض الأخبار:«من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا أشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق»و يستحب الجهر بها(4)-خصوصا في المواضع
منه ابطال مقدماته كنزع الثوبين و نحو ذلك.
مر أن نية الإحرام لا بد أن تكون مقارنة للتلبية بالمعنى الذي تقدم،و لا تكون النية و لبس الثوبين شروعا فيه.
تقدم تفصيل ذلك في المسألة(6)من(فصل في أحكام المواقيت).
لا دليل عى استحباب الاتيان بالتلبية في وقت النوم خاصة،و لكن لا بأس بالاتيان بها بمقتضى عموم قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:«و أكثر ما استطعت…» 1.
هذا هو الأظهر،و اما قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:«و أكثر ما
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 291)
……….
استطعت و اجهر بها» 1فبما أنه ورد في سياق كثير من الآداب و السنن الراجحة فلا يستفاد منه الاّ الرجحان،و هذا لا من جهة أن استحباب التلبية في تلك الحالات المذكورة في الصحيحة يستفاد من الخارج،بل نفس سياقها شاهد عليه عرفا،اذ وجوبها في كل هذه الحالات مع الاكثار و الاجهار بعيد عن نظر العرف،حيث أن هذا اللسان لا يناسب الوجوب،و انما هو مناسب للاستحباب، أو لا أقل من الاجمال و عدم الظهور في الوجوب،فاذا شك فيه فالمرجع هو أصالة البراءة.
و أما قوله عليه السّلام في صحيحة حريز:«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما أحرم أتاه جبرئيل عليه السّلام فقال له:مر أصحابك بالعج و الثج،و العج رفع الصوت بالتلبية، و الثج نحر البدن» 2فهو ظاهر في أن الأمر برفع الصوت يكون بعد تحقق الاحرام،و من المعلوم ان الاحرام انما يتحقق بالتلبية الواجبة،و أما التلبية بعد تحققه فهي مستحبة لا واجبة،فاذا كانت مستحبة فلا معنى لكون الجهر بها واجبا،فاذن لا مناص من حمل الأمر به في الرواية على الاستحباب.
و دعوى:أن المراد من قوله عليه السّلام:«لما أحرم»هو الشروع في مقدماته و التهيّؤ له،فاذن تدل الصحيحة على أن من بدأ بمقدمات الإحرام و تهيأ له فانه مأمور برفع الصوت بالتلبية.
مدفوعة أما أولا:فلأن الصحيحة ظاهرة في أن المراد من الإحرام معناه الحقيقي،و هو ما يتحقق بالتلبية دون مقدماته،فانه بحاجة إلى قرينة.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك،فلا شبهة في أنها غير ظاهرة في أن المراد منه مقدماته،غاية الأمر أن الرواية حينئذ مجملة فلا ظهور لها في شيء من الأمرين.
و أما قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد:«ان كنت ماشيا فاجهر باهلالك
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 292)
المذكورة-للرجال دون النساء،ففي المرسل«إن التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية»و في المرفوعة(1):«لما أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه جبرئيل فقال:مر أصحابك بالعج و الثج،فالعج رفع الصوت بالتلبية و الثج نحر البدن».
[مسألة 20:ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا]
[3249]مسألة 20:ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا(2)كما قاله بعضهم أو في خصوص الراكب
و تلبيتك من المسجد،و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء» 1فلا يدل على الوجوب بقرينة أن اختلاف موضع الأمر بالجهر باختلاف حال المكلف ماشيا و راكبا يمنع عن ظهوره في الوجوب،لعدم احتمال دخل ذلك فيه عرفا، فإذا كان المكلف مخيرا بين التلبية من المسجد و بين تأخيرها الى البيداء بدون فرق بين كونه ماشيا أو راكبا،فلو كان الجهر بها واجبا لكان الفرق بين الحالتين بعيد،و عليه فالتفصيل بين حال المشي و حال الركوب،و الجهر في الحالة الأولى من المسجد و في الحالة الثانية من البيداء قرينة على أنه مستحب او لا أقل من الاجمال،فالنتيجة ان الوجوب غير ثابت.
الرواية مرفوعة على طريق الكليني،و أما على طريق الصدوق و الشيخ رحمه اللّه فالرواية صحيحة.
هذا هو الصحيح،و لكن لا من جهة أن تأخير التلبية من الميقات أفضل،بل من جهة ما ذكرناه في(فصل في المواقيت)من أن نتيجة الجمع بين الروايات الآمرة بتأخير التلبية من المسجد إلى مسافة ميل من البيداء،و الروايات التي تنص على جواز التلبية من المسجد،هي أن شعاع الميقات يمتد إلى ميل افقيا،و المكلف مخير بين أن يحرم،يعني يلبي من المسجد،و بين أن يؤخره إلى البيداء و يلبي من هناك،و قد مر أن الإحرام يتحقق بالتلبية،فاذا لبى بنية
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 293)
كما قيل،و لمن حج على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلا(1)،و لمن
الاحرام من عمرة أو حجة أصبح محرما،و حرمت عليه أشياء محدودة،و لا ينعقد الاحرام بالنية،و بلبس الثوبين بعد الغسل و الصلاة ما لم يلب.نعم ان مقتضى الجمع العرفي بينهما هو حمل الروايات الآمرة بالتأخير إلى البيداء على الاستحباب و الأفضلية،فيكون الناتج من ذلك أن المكلف مخير بين التلبية من المسجد و بين تأخيرها إلى البيداء و إن كان التأخير افضل،و عليه فلا تكون هذه الروايات الآمرة بالتأخير مخالفة للروايات الدالة على أنه لا يجوز المرور على الميقات بدون احرام،لما عرفت من أن الاحرام من البيداء بمسافة ميل من المسجد ليس احراما بعد التجاوز عن الميقات،بل هو احرام منه،فان البيداء -كما مر-جزء من الميقات لا أنه خارج عنه،و لا وجه لحمل هذه الروايات على التلبيات المستحبة،حيث ان جملة منها قد نصت على جواز تأخير التلبية الواجبة من المسجد إلى البيداء،و قد نهي في بعضها عن التقديم،كما أنه لا وجه لحملها على الجهر بها من البيداء،لأنه مخالف لصريح جملة منها كصحيحة عمر بن يزيد،حيث انها قد فصلت بين الماشي و الراكب،و تنص على أن الأول يجهز باهلاله و تلبيته من المسجد،و الثاني من البيداء.
ثم إنه مع الاغماض عما ذكرناه و تسليم أن البيداء خارج عن الميقات، فلا بد من تقييد اطلاق الروايات الدالة على عدم جواز المرور من الميقات بدون احرام بغير مورد هذه الروايات.
الأمر كما افاده قدّس سرّه و تدل على ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إن احرمت من غمرة أو من بريد البعث صليت و قلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك،و إن شئت لبيت من موضعك،و الفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي» 1.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 294)
حج من مكة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل(1)أو إلى أن يشرف على الأبطح(2)،لكن الظاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية(3)و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقا(4)و كون أفضلية
هذا هو الصحيح و تدل عليه صحيحة الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:«قال:و إذا اهللت من المسجد الحرام للحج،فان شئت لبيت خلف المقام،و افضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبي قبل أن تصير إلى الابطح» 1.
فيه انه لا دليل على ثبوت أفضلية تأخير التلبية الى الأبطح،نعم ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا انتهيت إلى الردم و اشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» 2فانها تدل على استحباب رفع الصوت بالتلبية إذا اشرف على الأبطح،و لا تدل على تأخيرها اليه.
مر أنه لا اشكال في وجوب مقارنتها للنية،باعتبار أن الاحرام يتحقق بها فهي كتكبيرة الاحرام في الصلاة.نعم لا يلزم أن يكون حدوثها مقارنا لها، فيمكن أن يكون متقدما عليها بأن ينوي الاحرام من حين لبس الثوبين بأمل التقرب إلى اللّه تعالى لعمرة التمتع من حجة الإسلام-مثلا-ثم يشرع في التلبية، و لكن شريطة أن يكون شروعه فيها مستندا إلى تلك النية و منتبها إليها انتباها كاملا،و حينئذ تكون النية مقارنة لها بقاء،و أما مع الذهول و الغفلة عنها فلا يمكن الحكم بالصحة.
مر أن مقتضى الجمع بين الروايات هو استحباب التأخير مطلقا و كونه الأفضل،و حملها على أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها فقط فلا يمكن،لأنه
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 295)
التأخير بالنسبة إلى الجهر بها،فالأفضل أن يأتي بها حين النية و لبس الثوبين سرا و يؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة.
و البيداء أرض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة،و الأبطح مسيل وادي مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصى أوّله عند منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالعلى عند أهل مكة،و الرقطاء موضع دون الردم يسمى مدعى، و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و الردم حاجز يمنع السيل عن البيت و يعبر عنه بالمدعى.
[مسألة 21:المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم وحدها]
[3250]مسألة 21:المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم وحدها(1)لمن جاء على طريق المدينة عقبة
خلاف صريح جملة منها،هذا اضافة إلى أن مقتضى صحيحة عمر بن يزيد هو التفصيل فيه بين الماشي و الراكب،فما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن الأفضل أن يأتي بها سرا و يؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة،فلا يمكن استفادته من شيء من روايات الباب.
فالنتيجة:أن الأفضل هو تأخير التلبية إلى البيداء لا جهرها فقط.
هذا هو الظاهر،و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:
منها:صحيحة معاوية بن عمار قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية،و حدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين،فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن،فاقطع التلبية -الحديث-» 1فانها تنص على أن المعيار انما هو بمشاهدة البيوت القديمة التي كانت في زمن الرسول الاكرم صلّى اللّه عليه و آله.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 296)
……….
و منها:صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:المتمتع اذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية» 1فانها تدل على أن المعتمر إذا رأى بيوت مكة قطع التلبية،و لا تدل على أن المراد من البيوت البيوت القديمة.
و منها:صحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام:
«انه سأل عن المتمتع متى يقطع التلبية،قال:إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى،قلت:بيوت مكة،قال:نعم» 2.و منها غيرها.
و في مقابلها صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟فقال:إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح» 3فانها تدل على أن حد قطع التلبية و الامساك عنها دخول بيوتها لا مشاهدتها،فاذن يقع التعارض بينها و بين تلك الروايات.
و الجواب:أن هذه الصحيحة مجملة،باعتبار أن الوارد فيها دخول بيوت مكة بدون الاشارة إلى أن المراد منها البيوت القديمة أو الأعم منها و من البيوت المستحدثة،و عليه فتكون صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة مبينة للمراد منها، و رافعة لإجمالها باعتبار أنها قد صرحت بأن المعيار في قطع التلبية إنما هو بمشاهدة البيوت القديمة لمكة المكرمة،فاذن تصلح أن تكون قرينة على حمل البيوت فيها على البيوت المستحدثة،و لعل قطع التلبية بالدخول فيها من جهة أنها الحد الذي يمكن مشاهدة بيوت مكة القديمة منها.
فالنتيجة:أن هذه الصحيحة بملاك اجمالها لا تصلح أن تكون معارضة للروايات المتقدمة،و أما مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنه لا اجمال فيها،فتقع المعارضة بينهما،فان مقتضى هذه الصحيحة أن دخول بيوت مكة حد لقطع التلبية،و مقتضى الروايات المتقدمة أن حده مشاهدة بيوتها،فاذا وصل المعتمر إلى نقطة يمكن رؤية بيوت مكة من تلك النقطة بالعين المجردة الاعتيادية في حالة انبساط الأرض و عدم وجود مانع منها،فعليه أن يقطع التلبية،فيكون كل منهما تنفى ما تعتبره الأخرى حدا لقطع التلبية بمدلولها الالتزامي،و لا تكون
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 297)
المدنيين و هو مكان معروف،و المعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم(1)،و عند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكة
احداهما أظهر من الأخرى حتى يمكن الجمع العرفي بينهما،فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة فلا تثبت حدّية شيء منهما،و بعد السقوط يرجع إلى أصالة البراءة.
و قد تسأل:ان الحكم بقطع التلبية عند رؤية بيوت مكة القديمة في الروايات هل هو حكم اضافي بمعنى أن له نسبة إلى افراد المكلفين،كما اذا قيل:
امسح من رأسك مقدار ثلاثة اصابع،أو قيل:اذا طويت كذا ذراعا في سفرك فقصر،بأن يراد بالرؤية فيها المعنى النسبي أي رؤية كل مكلف بلحاظ الحكم المضاف اليه،أو أنه حكم مطلق غير مشتمل على النسبة،بمعنى انه يراد بالرؤية فيها المعنى الموضوعي اي مقدار من المسافة المعينة المحدودة التي لا يختلف باختلاف افراد المكلف،كما هو الحال في الذراع،فانه يراد به المعنى الموضوعي الذي لا يختلف باختلاف آحاده،و هو أدنى و أقل فرد من أفراد الذراع المتعارف و المتوسط في الخارج دون مطلق الذراع المتعارف الجامع بين الأفراد المتعارفة الاعتيادية،اذ لا معنى للتحديد بالجامع بين الأقل و الأكثر.
و الجواب:الظاهر أن المراد من الرؤية هنا المعنى الموضوعي،و هو امتداد شعاع أدنى فرد من افرادها الاعتيادية في حال كون الأرض منبسطة و الجو صافيا و عدم وجود عائق في البين،و هذه المسافة المحددة بين بيوت مكة القديمة و بين موقف المعتمر هي الميزان الكلي لوجوب قطع التلبية،فاذا وصل المعتمر الى نقطة كان بين موقفه فيها و بين بيوتها القديمة تلك المسافة وجب عليه قطعها و إن لم ير البيوت لمانع،كما إذا كان أعمى أو كان بحكمه،أو لم يكن الجو صافيا أو غير ذلك من الموانع.
في كونه حدا لقطع التلبية اشكال و الأظهر عدمه،و ذلك لأن الروايات
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 298)
……….
الواردة في المسألة تصنف إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الاولى:تدل على أن المعتمر إذا دخل الحرم قطع التلبية،و هي عدة روايات:
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:«و إن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» 1فانها واضحة الدلالة على أنه جاء من خارج الحرم محرما و ملبيا،غاية الأمر انه مطلق،و يعم باطلاقه عمرة التمتع أيضا،و لكن لا بد من تقييده بالروايات المتقدمة التي تنص على أن المعتمر بعمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة.
و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل اخفافها في الحرم» 2فانها تنص على أنه إذا دخل الحرم محرما و ملبيا يقطع التلبية.
و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الابل اخفافها في الحرم» 3.
فالنتيجة:ان مورد هذه الطائفة من جاء من خارج الحرم و أحرم من أحد المواقيت المعينة أو من دويرة أهله للعمرة المفردة فانه يقطع التلبية إذا دخل الحرم.
و أما صحيحة الفضيل بن يسار قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت:دخلت بعمرة فاين اقطع التلبية؟قال:حيال عقبة المدنيين،فقلت:أين عقبة المدنيين؟ قال:بحيال القصّارين» 4فلا بد من تقييد اطلاقها بعمرة التمتع و خروج العمرة المفردة عنه بالروايات المذكورة.
الطائفة الثانية:تدل على أنه إذا نظر إلى الكعبة أو المسجد قطع التلبية، و هي عدة روايات:
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من اعتمر من
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 299)
……….
التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد» 1.
و منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث:«و من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر الى الكعبة» 2و مورد هذه الطائفة هو من احرم للعمرة المفردة من أدنى الحل كالتنعيم أو الجعرانة بدون فرق بين من كان في مكة و أراد العمرة و بين من جاء من الخارج لا يقصد العمرة ثم بدا له الاتيان بها،فانها باطلاقها تعم كلا الفريقين.
الطائفة الثالثة:تدل على أنه إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية،و هي متمثلة في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر،قال:«سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية،قال:كان أبو الحسن عليه السّلام يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة» 3فان موردها العمرة المفردة، و تدل على أن وظيفة المعتمر بها قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة.و هذه الطائفة مطلقة و تعم باطلاقها من أحرم من أحد المواقيت المعروفة للعمرة و من أحرم من أدنى الحل،فاذن يقع التعارض بينها و بين الطائفتين الأوليين معا،فان نسبة كل منهما اليها و إن كانت نسبة الخاص إلى العام موردا الاّ أن نسبة كليهما معا اليها نسبة التباين كذلك،و حيث لا يمكن تخصيصها بالطائفة الاولى فحسب دون الثانية أو بالعكس لأنه ترجيح من غير مرجح،فلا محالة يقع التعارض بينهما،فان هذه الطائفة تدل على أن على المعتمر أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة بدون فرق بين أن يكون احرامه من أحد المواقيت،أو من أدنى الحل،و الطائفة الأولى تدل على أن من أحرم من أحد تلك المواقيت فعليه أن يقطع التلبية عند دخول الحرم،و الثانية تدل على أن من أحرم من أدنى الحل فعليه أن يقطعها عند مشاهدة المسجد أو الكعبة،و بما أنه لا ترجيح في البين تسقط الجميع من جهة المعارضة،و حينئذ فلا دليل على اعتبار حد خاص لوجوب قطع التلبية على المعتمر بعمرة مفردة.
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 300)
……….
و دعوى:أن صحيحة البزنطي من جهة اعراض الأصحاب عنها و عدم عملهم بها ساقطة عن الحجية فلا تصلح أن تعارض تلك الطائفتين.
مدفوعة:بما ذكرناه في علم الأصول مفصلا من أن اعراض الأصحاب عن رواية و عدم عملهم بها لا يكشف عن عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام، فإذا كانت الرواية تامة سندا فهي مشمولة لدليل الحجية،و عدم عمل الأصحاب بها لا يوجب خروجها عنه،باعتبار أن عمدة الدليل عليها إنما هي بناء العقلاء على العمل بأخبار الثقة،و من المعلوم أن بناءهم على العمل بها الممضى شرعا لا يكون مقيدا بعمل المشهور بها،أو عدم اعراضهم عنها.
و قد يقال كما قيل:إن صحيحة الفضيل لا تنافي الطائفة الثانية المتمثلة في صحيحتي معاوية بن عمار و عمر بن يزيد المتقدمتين،بدعوى أن النظر إلى بيوت مكة القديمة يستلزم النظر إلى الكعبة،و لا ينفك النظر إلى احداهما عن النظر إلى الأخرى معللا بارتفاع البيت و علوه.
و الجواب أولا:ما مر من أن المراد من رؤية بيوت مكة القديمة تحديد المسافة بين موقف المعتمر و بين رؤية تلك البيوت و تحديدها بامتداد شعاع البصر الاعتيادي في حالة انبساط الأرض و صفاء الجو و عدم وجود عائق آخر، و هذا ضابط عام لا يزيد و لا ينقص كما هو الحال في حد الترخص،فانه يحدد بامتداد شعاع بصر الواقف في منتهى البلد إلى أن يتوارى المسافر عن عينه شريطة أن تكون الأرض منبسطة و الجو صافيا و عدم وجود عائق في البين و أن تكون عينه من العيون الاعتيادية،و من هنا قلنا أن المراد بالرؤية فيها المعنى الموضوعي دون المعنى النسبي.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن المراد بها المعنى النسبي،أي رؤية كل مكلف بلحاظ الحكم المضاف إليه،و مع ذلك لا شبهة في عدم التلازم بين رؤية أول بلد مكة و عمارتها و بين رؤية الكعبة،فانها واقعة في وسط البلدة، فكيف تكون رؤية أول بيتها ملازمة لرؤية الكعبة حتى فيما إذا كانت الكعبة