قائمة

تخطى إلى المحتوى

مولفات سماحة مرج​ع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج 9

جلد

9

قائمة

قائمة

الصفحة الرئيسية مكتبة تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج 9 صفحة 2

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج 9

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 101)


أشهر الحج جاز أن يتمتع بها،بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى هلال ذي الحجة،و يتأكد إذا بقي إلى يوم التروية،بل عن القاضي وجوبه حينئذ و لكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه(1)،ففي موثق سماعة عن الصادق عليه السّلام:«من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر و رجع إلى بلاده فلا بأس بذلك،و إن هو أقام إلى الحج فهو متمتع،لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة و من رجع إلى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة،و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع و إنما هو مجاور أفرد العمرة،فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرته إلى الحج،فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها»و في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية»و في قوية عنه عليه السّلام:«من دخل مكة معتمرا
لم ينطبق عليه حج التمتع من حجة الإسلام.

ثم إن حج التمتع من حجة الإسلام هو الحجة الأولى للمستطيع النائي، و ينطبق عليها،و يعتبر أن يكون الاتيان به بعنوان حجة الإسلام المميز له شرعا عن الافراد و القران.

فيه انه لا أثر للإجماع المدعى في المقام،فانه على تقدير تسليم ثبوته،فلا يكون تعبديا حتى يكون كاشفا عن ثبوت الحكم في زمن المعصومين عليهم السّلام و وصوله إلينا يدا بيد،اذ من المحتمل قويا أن يكون مدرك المجمعين كلا أو جلا الروايات الآتية.فاذن لا قيمة له،فالعمدة في المقام حينئذ الروايات،و هي تصنف الى عدة طوائف:

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 102)


……….

الأولى:الروايات التي تدل على أن من أتى بالعمرة في أشهر الحج فهي متعة.

منها:صحيحة يعقوب بن شعيب قال:«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المعتمر في أشهر الحج،قال:هي متعة» 1،فانها تدل على أن من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج فهي تنقلب متعة،فاذا انقلبت كذلك فالمعتمر مرتهن بالحج و لا يجوز له الخروج الى أهله.

الثانية:تدل على جواز الرجوع الى أهله.

منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع الى أهله» 2و مقتضى اطلاقها عدم الانقلاب مطلقا حتى اذا بقى الى ذي الحجة،بل الى يوم التروية،فاذن يقع التعارض بين اطلاق هذه الطائفة و اطلاق الطائفة الأولى فيسقطان معا من جهة المعارضة و يرجع الى الطائفة الثالثة.

الثالثة:الروايات التي تدل على تقييد جواز الخروج من مكة الى أهله الى يوم التروية،فاذا بقى الى ذلك اليوم انقلبت عمرته متعة،فلم يجز له الخروج منها.

منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته ثمّ خرج كان ذلك له و إن أقام الى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة،و قال:ليس تكون متعة الاّ في أشهر الحج» 3فانها تدل على أنه اذا بقى في مكة الى أن يدرك الحج و هو يوم التروية انقلبت عمرته متعة،فاذن يتعين عليه الحج.

و منها:صحيحة الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج الى أهله متى شاء،الاّ أن يدركه خروج الناس يوم


 

1) <page number=”102″ />الوسائل باب:15 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
2) الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:1.
3) الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 103)


……….

التروية» 1.

و منها:موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انه قال:من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر و يرجع الى بلاده،فلا بأس بذلك و إن هو أقام الى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة-الحديث» 2.

و هذه الروايات تدل على أمرين:

(أحدهما):جواز الخروج منها الى يوم التروية،و اذا بقى الى ذلك اليوم لم يجز له الخروج.

(و الآخر):ان عمرته المفردة تنقلب متعة من ذلك اليوم قهرا شريطة بقائه فيه.فاذن تكون هذه الطائفة مقيدة لإطلاق الطائفة الثانية التي كان مقتضى اطلاقها جواز الخروج حتى يوم التروية،كما أنها مقيدة لإطلاق الطائفة الأولى بما اذا بقى الى يوم التروية،و بذلك ترتفع المعارضة بين اطلاقي الطائفتين الأوليين.و مع الاغماض عن ذلك فيسقط الاطلاقان من جهة المعارضة،و يرجع الى هذه الطائفة،و عليه فالطائفة الثالثة اما أن تكون مرجعا بعد سقوطهما بالمعارضة،أو تكون كلمة فصل بينهما.

الرابعة:الروايات التي تدل على جواز الخروج حتى في يوم التروية.

منها:صحيحة ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا،ثم خرج الى بلاده،قال:لا بأس و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم،و أن الحسين بن علي عليه السّلام خرج يوم التروية الى العراق كان معتمرا» 3.

و منها:رواية معاوية بن عمار قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:من أين افترق المتمتع و المعتمر؟فقال:إن المتمتع مرتبط بالحج،و المعتمر اذا فرغ منها ذهب


 

1) <page number=”103″ />الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:9.
2) الوسائل باب:10 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
3) الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 104)


……….

حيث شاء،و قد اعتمر الحسين عليه السّلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية الى العراق و الناس يروحون الى منى و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج» 1، و هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة،الاّ أنها ضعيفة سندا من جهة أن في سندها اسماعيل بن مرار،و هو لم يثبت توثيقه،و مجرد كونه من رجال تفسير علي بن ابراهيم لا يكفي،فاذن العمدة هي الرواية الأولى مؤيدة بهذه الرواية، و مقتضاها جواز الخروج حتى في يوم التروية،فان استشهاد الإمام عليه السّلام بقضية خروج الحسين عليه السّلام يوم التروية رغم كونه معتمرا انما هو من باب تطبيق الكبرى على الصغرى،و لو لم يكن خروج المعتمر بالعمرة المفردة عن مكة يوم التروية جائزا فلا معنى لاستشهاد الإمام عليه السّلام بها.

و بكلمة:ان خروج الحسين عليه السّلام عن مكة يوم التروية لو كان قضية في واقعة،و كان عليه السّلام مضطرا فيه لسبب من الأسباب فلا معنى للاستشهاد به على جواز خروج المعتمر بعد الاعتمار في أشهر الحج الى أهله،باعتبار أن السؤال فيها كان عن جواز الخروج بعده اختيارا،و جواب الإمام عليه السّلام بقوله:«لا بأس» ظاهر فيه،فاذن استشهاده عليه السّلام على هذا الجواز بقضية خروج الحسين عليه السّلام يكون في غير محله.و لا يكون من باب تطبيق الكبرى على الصغرى بعد فرض أنه عليه السّلام كان مضطرا في خروجه يوم التروية.

فالنتيجة:انه لا شبهة في ظهور الرواية في أن خروجه عليه السّلام عن مكة يوم التروية كان باختياره،و أنه عليه السّلام من الأول كان غير قاصد للحج،و انما هو قاصد للعمرة المفردة،ثم الخروج الى العراق،و القرينة على ذلك انما هي استشهاد الإمام عليه السّلام على جواز خروج المعتمر بعد الاعتمار بهذه القضية،فانه قرينة واضحة على أن خروجه عليه السّلام كان باختياره،و الاّ فلا معنى للاستشهاد بها،و على هذا فبما أن مفاد الطائفة الثالثة عدم جواز الخروج من مكة في يوم التروية مطلقا سواء أ كان بقاؤه الى ذلك اليوم بقصد الحج أم كان بسبب آخر فنرفع اليد عن


 

1) <page number=”104″ />الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 105)


……….

اطلاقها بقرينة الطائفة الرابعة التي يكون مفادها جواز خروج المعتمر حتى في يوم التروية اذا لم يكن قاصدا للحج،و عليه فالمعتمر في اشهر الحج إن بقى الى يوم التروية قاصدا الحج انقلبت عمرته متعة و لم يجز له الخروج منها،و إن بقى الى ذلك اليوم لسبب من الأسباب،أو كانت عمرته في ذي الحجة بدون قصد الحج جاز له الخروج،و نتيجة ذلك أن من اعتمر في أشهر الحج فله أن يرجع الى بلده،و إن بقى في مكة الى يوم التروية،فان كان بقصد الحج انقلبت عمرته متعة و لم يجز له الخروج و الاّ جاز حتى يوم التروية.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 106)


……….

تطبيقات و تكميلات

لمزيد من التعرف بكيفية تطبيق ما ذكرناه و تكميله نستعرض أربع حالات:

الأولى:أن مقتضى صحيحة ابراهيم اليماني المتقدمة جواز العمرة المفردة في العشر الأولى من ذي الحجة،و لكن يظهر من بعض الروايات عدم جوازها مفردة،بل لا بد أن تكون متعة،كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه:

«عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:العمرة في العشر متعة» 1و صحيحة عبد اللّه بن سنان:

«انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المملوك يكون في الظهر يرعى و هو يرضى أن يعتمر ثم يخرج،فقال:إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن و إن كان في ذي الحجة فلا يصلح الاّ الحج» 2فان مقتضى اطلاقهما أنه لا تصح العمرة المفردة في ذي الحجة و إن لم يكن قاصدا للحج،و بما أن صحيحة اليماني تدل على جواز العمرة المفردة في ذي الحجة اذا لم يكن ناويا للحج،فيكون قرينة على تقييد اطلاقهما بمن كان ناويا الحج،فانه لا يجوز له أن يأتي بعمرة مفردة،بل عليه الاتيان بها متعة.

الثانية:الظاهر من الروايات أن مورد الانقلاب هو المعتمر الذي لا يكون ناويا للحج من الأول و مريدا للعمرة المفردة و الاتيان بها ثم الرجوع الى أهله، و لكن بعد الانتهاء من العمرة عدل عن عزمه على الرجوع الى أهله،و بنى على البقاء في مكة إما بقصد الحج في موعده،أو لسبب آخر،فيبقى الى ذي الحجة، أو الى يوم التروية،ثم بنى على الحج،فان قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد


 

1) <page number=”106″ />الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:10.
2) الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:11.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 107)


……….

المتقدمة:«و إن أقام الى أن يدرك الحج كانت عمرته متعة» 1مطلق و باطلاقه يعم ما اذا كان بقاؤه بقصد الحج أو لسبب آخر ثم بنى على الحج.و مثله قوله عليه السّلام في موثقة سماعة المتقدمة:«و إن أقام الحج فهو متمتع» 2و أما من كان ناويا للحج من الأول فاذا أتى بعمرة مفردة فلا دليل على انقلابها متعة و الاكتفاء بها،بل عليه أن يخرج الى أحد المواقيت و الإحرام منه لعمرة التمتع.

الثالثة:أن انقلاب المفردة متعة هل هو من حين أن ينوي الحج و يبني عليه،أو من يوم التروية؟الظاهر هو الأول،على أساس ما مر من أن مقتضى الجمع بين الروايات أنه ما دام لم ينو الحج جاز له الخروج،و أما اذا نوى فلا يجوز،و هذا كاشف عن أنه اذا بنى عليه انقلبت عمرته متعة،فلذلك لا يجوز له الخروج الى بلدته و تفويت الحج باعتبار أنه مرتهن به،و بذلك يظهر أن جواز خروج المعتمر عن مكة و عدم جوازه يدوران مدار بنائه على الحج و عدم بنائه عليه،فإن بنى على أن يحج لم يجز له الخروج،و الاّ جاز في أي وقت شاء.

الرابعة:هل يختص الانقلاب بالحج الندبي أو يعم الواجب؟الظاهر هو الأول،و ذلك لما مر من أن الناتج من الجمع بين روايات الباب أمور:

الأول:أن يكون المعتمر بالعمرة المفردة في أشهر الحج غير قاصد للحج،و الاّ فلا تنقلب،بل عليه الاتيان بعمرة التمتع أيضا.

الثاني:أن يكون بانيا على العود الى بلده بعد الانتهاء من العمرة،و لكنه بسبب أو آخر عدل عن رأيه و بنى على البقاء في مكة.

الثالث:أن يكون البقاء فيها بقصد الحج اجمالا لا بغاية اخرى،إما من آن العدول أو في موعد الحج.

و على ضوء ذلك فمن عليه حجة الإسلام تمتعا و إن كان يسوغ له أن يأتي بعمرة مفردة في أشهر الحج،ثم يأتي بعمرة التمتع لحجة الإسلام،الاّ أنه لا يجوز له أن يأتي بعمرة مفردة ناويا الرجوع الى بلدته بعد الفراغ منها،لأن فيه


 

1) <page number=”107″ />الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:5.
2) الوسائل باب:7 من أبواب العمرة الحديث:13.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 108)


مفردا للحج(1)فيقضى عمرته كان له ذلك و إن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة،قال عليه السّلام:و ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج»و في صحيحة عنه عليه السّلام:«من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة(2) فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس»و في مرسل موسى بن القاسم«من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع»إلى غير ذلك من الأخبار،و قد عمل بها
تفويتا للواجب المنجز عليه بماله من الملاك التام و الملزم،كما أنه اذا بقى في مكة الى يوم التروية لا بقصد الحج لم يجز له الخروج منها و الرجوع الى بلده اذا كان الحج واجبا عليه لاستلزامه تفويت الواجب،مع أن مقتضى صحيحة اليماني المتقدمة جواز الخروج و ترك الحج حتى في يوم التروية و هو لا ينسجم مع كون الحج واجبا.

فالنتيجة:أن المستفاد من مجموع هذه الروايات بعد الجمع بينها،و تقييد اطلاق بعضها بالآخر أن موردها النائي الذي جاء بغاية الاتيان بالعمرة المفردة في أشهر الحج ناويا الرجوع الى بلدته بعد الفراغ منها،فانه اذا أتى بها و بعد الانتهاء منها عدل عن الرجوع الى دياره و نوى البقاء في مكة،فان كان للحج انقلبت عمرته متعة من الآن،و إن كان لأمر آخر،فإن بنى على الحج بعد حصول ذلك الأمر انقلبت عمرته متعة من حين البناء،و الاّ فله أن يرجع الى بلدته حتى في يوم التروية،و من الواضح أن ذلك لا ينطبق على من عليه حجة الإسلام تمتعا،لأنه ملزم بالبقاء في مكة للإتيان بالحج،و ليس له الخيار في الخروج منها أي وقت شاء،كما أن العمرة المفردة انما تسوغ له اذا نوى الاتيان بعمرة التمتع بعدها،و الاّ فلا تسوغ له العمرة المفردة و الاكتفاء بها عن عمرة التمتع،بل يجب عليه الاتيان بعمرة التمتع،فاذن لا يكتفي من عليه حجة الإسلام بالعمرة المفردة،اذ لا دليل على انقلابها متعة بالنسبة اليه.

و الصحيح مفردا للعمرة.

فيه ان الرواية ضعيفة بالحسين بن حماد.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 109)


جماعة،بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا،أو مقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة،بل الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعا قهرا(1)من غير حاجة إلى نية التمتع بها بعدها،بل يمكن أن يستفاد منها أن التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها(2)،و لا بأس بالعمل بها،لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي(3)،ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد أن يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه(4)سواء كان حجة الإسلام أو غيرها مما وجب بالنذر أو الاستئجار.

مر أن العمرة المفردة انما انقلبت متعة إذا أراد المعتمر بعد الفراغ منها الحج لا مطلقا.

فيه ان الأمر ليس كذلك،لما مر من أن ما نتج من الجمع بين الروايات هو أن من نوى الاتيان بعمرة مفردة في أشهر الحج ثم الرجوع الى بلدته،فانه اذا أتى بها ثم عدل عن الرجوع الى أهله،و بنى على البقاء في مكة،فان كان بنية الحج انقلبت عمرته متعة من حين النية،و لا يجب عليه الاتيان بعمرة التمتع مع تمكنه منها،و إن كان لسبب آخر و بقى فيها بأمل حصول ذلك السبب الى ذي الحجة،أو الى يوم التروية،ثم بنى على الحج انقلبت عمرته متعة من حين البناء، فالانقلاب يدور مدار نية الحج،فمتى نواه انقلبت عمرته متعة،و الاّ فلا.

فالنتيجة:أن حج التمتع هو الحج المرتبط بعمرة التمتع أصالة أو انقلابا.

مر أن ذلك ليس من باب القدر المتيقن من الروايات،باعتبار أنها ليست مجملة لكي تكون حجه في المقدار المتيقن دون الزائد،بل من باب الجمع الدلالي العرفي بينها كما تقدم تفصيله.

الظاهر أنه لا اشكال في عدم الاجتزاء،لما مر من اختصاص الروايات

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 110)


[الثاني:أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج]

الثاني:أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج(1)،فلو أتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتع بها،و أشهر الحج شوال و ذو
بالحج الندبي،و لا تعم الحج الواجب سواء أ كان واجبا بالأصالة كحجة الإسلام، أم بالعرض كالحج النذري،باعتبار أن موردها المعتمر الذي جاء للإتيان بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم الرجوع الى أهله بدون أن ينوي الحج، و بعد الاتيان بالعمرة بنى على البقاء في مكة للحج مباشرة أو في نهاية المطاف و قبل أن ينوي البقاء للحج له الخيار في الرجوع الى وطنه في أي وقت أراد،حتى في يوم التروية،و من الواضح أن هذا لا ينطبق على الحج الواجب بالنذر أو الاجارة أو نحو ذلك فانه اذا تعلق النذر مثلا بحج التمتع بالكيفية المذكورة،و هي ما اذا تمت عمرته بالانقلاب لا بالذات لم يكن مثل هذا النذر مشمولا لدليل وجوب الوفاء به،باعتبار أنه يلزم من فرض وجوب الوفاء به عدم وجوبه،لأنه اذا وجب عليه الاتيان بحج التمتع بتلك الكيفية،فمعناه أنه ملزم بعد الاتيان بالعمرة المفردة بالاتيان بالحج،و لا يكون مختارا في تركه و الرجوع الى بلدته،فاذا كان ملزما بعد الاتيان بها بالحج فهو خارج عن مورد الروايات،و عليه فلا دليل على انقلاب العمرة المفردة متعة،و معه لا يكون هذا الحج حج تمتع لكي يكون مشمولا لدليل وجوب الوفاء بالنذر.نعم اذا كان النذر متعلقا بحج التمتع بالكيفية المذكورة على تقدير الانقلاب صح و لا بأس به.

فالنتيجة:ان هذه الروايات لا تشمل الحج الواجب و إن كان بعنوان ثانوي كالنذر أو العهد أو الاستئجار.

و هو شوال و ذو القعدة و ذو الحجة،و تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها:صحيحة ابن أذينة قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أحرم بالحج في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 111)


القعدة و ذو الحجة بتمامه على الأصح،لظاهر الآية(1)و جملة من الأخبار كصحيحة معاوية بن عمار و موثقة سماعة و خبر زرارة،فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذي الحجة-كما عن بعض-أو مع ثمانية أيام-كما عن آخر-أو مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر إلى طلوع فجره -كما عن ثالث-أو إلى طلوع شمسه-كما عن رابع-ضعيف،على أن الظاهر أن النزاع لفظي فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة،فيمكن أن يكون مرادهم أن هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج.

غير أشهر الحج فلا حج له-الحديث-» 1.

و منها:قوله عليه السّلام في موثقة سماعة بن مهران:«و إن اعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام الى الحج فليس بمتمتع،و انما هو مجاور أفرد العمرة،فان هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق،أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة الى الحج-الحديث-» 2.و منها:

غيرهما.

ثم إن الظاهر من هذه الروايات و من روايات انقلاب العمرة المفردة متعة ان وقت عمرة التمتع يدخل برؤية هلال شهر شوال بالعين الاعتيادية المجردة، و من هنا لو وقع جزء منها قبل الرؤية كالإحرام فقد وقع ذلك الجزء في خارج الوقت و يكون باطلا لا محالة و إن وقع باقي أجزائها في الوقت.

و هي قوله تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ …الخ 3فان الشهر ظاهر


 

1) <page number=”111″ />الوسائل باب:11 من أبواب أقسام الحج الحديث:4.
2) الوسائل باب:10 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
3) البقرة الآية 197.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 112)


[مسألة 1:إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا]

[3208]مسألة 1:إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا،لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان،اختار الثاني في المدارك لأن ما نواه لم يقع و المفردة لم ينوها، و بعض اختار الأول لخبر الأحول عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج،قال:يجعلها عمرة»و قد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة،و إن تمتع في غير أشهر الحج ثم
في التمام.و أما الروايات فهي ناصة في ذلك:

منها:قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:« اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ -الى أن قال-:و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» 1.

و منها:قوله عليه السّلام في صحيحته الأخرى:« اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ ،و هو شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» 2.

و منها:قوله عليه السّلام في موثقة سماعة بن مهران:«لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة» 3:و منها غير ذلك.

و من الواضح ان شوال اسم لفترة زمنية محددة بدءا بخروج القمر من المحاق على نحو يمكن رؤيته بالعين المجردة الاعتيادية في حالة عدم وجود حاجب كغيم أو نحو ذلك،و انتهاء بدخوله في المحاق بعد اكمال دورته العادية،و كذلك ذو القعدة و ذو الحجة و هكذا،و هذه الروايات بما أنها في مقام التحديد فلا يمكن أن يكون مبنيا على التسامح،و بذلك يظهر ضعف سائر الأقوال في المسألة،و أنه لا منشأ لها عدا ما ذكره الماتن قدّس سرّه.


 

1) <page number=”112″ />الوسائل باب:11 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.
2) الوسائل باب:11 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
3) الوسائل باب:10 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 113)


جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة،إنما الأضحى على أهل الأمصار»و مقتضى القاعدة و إن كان هو ما ذكره صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين(1).

[الثالث:أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

الثالث:أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة،كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع،لأنه المتبادر من الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع(2)،و لقاعدة توقيفية العبادات(3)،و للأخبار الدالة على دخول العمرة في الحج و ارتباطها به و الدالة على عدم جواز الخروج من
فيه اشكال بل منع،لضعف الخبرين،أما الخبر الأول فلأن طريق الصدوق الى أبي جعفر الأحول ضعيف،لأن فيه ماجيلويه،و هو لم يثبت توثيقه.

و أما الثاني فلأن في سنده محمد بن سنان،هذا،اضافة الى أنه ضعيف دلالة حيث لا نظر له الى حكم العمرة التي أتى بها في غير أشهر الحج،بل هو ناظر الى حكم آخر و هو أنه اذا جاور مكة انقلبت وظيفته من التمتع الى الافراد و إن كانت فترة المجاورة أقل من ستة أشهر،و هذا مخالف للنصوص المتقدمة،فانها جميعا تنص على عدم الانقلاب في هذه الفترة.و أما الخبر الأول فدلالته مبنية على أن يكون المراد من الحج فيه عمرة التمتع،و هذا و إن كان محتملا،الاّ أنه لا ظهور له فيه.

فالنتيجة:أن الصحيح هو بطلان عمرة التمتع في غير أشهر الحج،من جهة أنها في غير وقتها المحدد لها و انقلابها الى العمرة المفردة بحاجة الى دليل و لا دليل عليه.

فيه أن هذه الأخبار انما هي في مقام بيان واجبات العمرة و أجزائها من البداية الى النهاية،و واجبات الحج و اجزائه كذلك،و لا نظر لها الى أن التفريق بينهما جائز،أو أنه ملزم بالاتيان بهما في سنة واحدة.

فيه انه لا تقتضي أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة،حيث ان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 114)


……….

ذلك تابع للدليل،و معنى توقيفية العبادات أنه لا يجوز التصرف فيها زيادة و نقيصة،بل هي على ما وصلت إلينا من الشرع بما لها من الواجبات و الشروط، فاذا شك في أن صحة الحج و العمرة مشروطة بكونهما في سنة واحدة أو لا، فالمرجع هو الأصل من اللفظي إن كان،و الاّ فالعملي،و من الواضح أن قاعدة توقيفية العبادات لا تستدعي اعتبار هذا الشرط،لأنها تقتضي تطبيق ما ثبت في الشرع حرفيا بدون أدنى تصرف فيه،و ليست قاعدة تشريعية،الاّ أن يكون مراده قدّس سرّه منها قاعدة الاشتغال في العبادات،بدعوى أنها تقتضي اعتبار كونهما في سنة واحدة،و لكن لا أساس لهذه الدعوى،فان الأمر اذا وصل الى الشك في أن صحة كل من العمرة و الحج مشروطة بوقوعهما في سنة واحدة أو لا،فيرجع فيه الى أصالة البراءة،لا قاعدة الاشتغال،لأن مرد هذا الشك الى الشك في التعيين و التخيير،و المرجع في هذه المسألة البراءة عن التعيين الاّ في موردين:

أحدهما:أن يكون ذلك الشك في مقام الامتثال.

و الآخر:أن يكون في الحجية،و تفصيل ذلك موكول الى علم الأصول، هذا.

فالصحيح في المقام أن يقال:إن الدليل على اعتبار كونهما في سنة واحدة متمثل في ثلاث طوائف من الروايات:

الأولى:الروايات التي تنص على أن المتعة دخلت في الحج الى يوم القيامة،ثم شبك أصابعه بعضها ببعض،فانها ناصة في أنهما عمل واحد ارتباطي كالصلاة و نحوها،و من المعلوم ان مقتضى ذلك هو وجوب الاتيان بهما في سنة واحدة و وقت فارد،فلو أتى بالعمرة في سنة و بالحج في سنة أخرى بطلا و لم يأت بالواجب.

الثانية:الروايات التي تنص على أن من أتى بعمرة التمتع فهو مرتهن بالحج و محتبس،و لا يجوز له الخروج من مكة حتى يأتي بالحج.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 115)


……….

منها:صحيحة معاوية قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنهم يقولون في حجة التمتع حجة مكية و عمرة عراقية،فقال:كذبوا أو ليس هو مرتبطا بالحج لا يخرج منها حتى يقضي حجّه» 1و هذه الروايات أيضا واضحة الدلالة على اعتبار كونهما في سنة واحدة.

الثالثة:الروايات التي تنص على أن حد المتعة ينتهي بدخول يوم التروية كما في بعضها،و بدخول يوم عرفة كما في بعضها الآخر،و بخوف فوت الحج اذا أتى باعمال العمرة كما في ثالث،و الجامع ان الحاج اذا دخل مكة و خاف فوت الحج اذا قام للإتيان باعمال العمرة انقلبت وظيفته الى حج الإفراد.

منها:صحيحة علي بن يقطين قال:«سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة الى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة،كيف يصنعان؟قال:يجعلانها حجة مفردة،و حدّ المتعة الى يوم التروية» 2.

و منها:صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا،ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشى ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف،قال:يدع العمرة،فاذا أتم حجّه صنع كما صنعت عائشة،و لا هدي عليه» 3و منها غيرهما.

و هذه الروايات أيضا واضحة الدلالة على اعتبار كونهما في سنة واحدة و عدم جواز التفريق بينهما،اذ لو كان التفريق جائزا فمعناه ان وقت العمرة لا يكون محدودا بحد،فانه يأتي بالعمرة في هذه السنة و بالحج في السنة القادمة.

فالنتيجة:انه لا شبهة في اعتبار وقوعهما في عام واحد،و لا يصح التفريق بينهما في عامين و إن كان الفصل بينهما أقل من اثنى عشر شهرا.


 

1) <page number=”115″ />الوسائل باب:4 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.
2) الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:11.
3) الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 116)


مكة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج،بل و ما دل من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية أو يوم عرفة و نحوها،و لا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدم بدعوى أن المراد من القابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة و الحج في أخرى،لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل،على أنه لمعارضة الأدلة السابقة غير قابل(1)،و على هذا فلو أتى بالعمرة في عام و أخر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعا سواء أقام في مكة إلى العام القابل أو رجع إلى أهله ثم عاد إليها و سواء أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الأخرى،و لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه الصورة.

ثم المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا معا في أشهر الحج من سنة واحدة،لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر شهرا،و حينئذ فلا يصح أيضا لو أتى بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة و أتى بالحج في ذي الحجة من العام القابل.

[الرابع:أن يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار]

الرابع:أن يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار،للإجماع(2)
لا من هذه الناحية،بل هو بنفسه غير قابل للاعتماد عليه،لضعفه سندا و إن كانت دلالته تامة،و مع الاغماض عن سنده فهو يصلح أن يعارض الأدلة السابقة،الاّ أن يقال ان تلك الأدلة من جهة كثرتها تبلغ حد التواتر اجمالا،و عليه فيدخل هذا الخبر في الأخبار المخالفة للسنة فلا يكون حجة.

فيه انه لا أثر للإجماع في المسألة،اذ مضافا الى ما ذكرناه غير مرة من المناقشة في أنه لا طريق لنا الى اثباته بين المتقدمين بنحو يكون كاشفا عن ثبوت حكم المسألة في زمن المعصومين عليهم السّلام انه ليس باجماع تعبدي،فان مدرك المجمعين جميعا أو معظمهم الأخبار الواردة في المسألة،فاذن لا يكون

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 117)


و الأخبار.و ما في خبر إسحاق عن أبي الحسن عليه السّلام من قوله عليه السّلام:«كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج»حيث انه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة محمول على محامل(1)أحسنها أن المراد بالحج عمرته حيث انها أول أعماله،نعم يكفي أيّ موضع منها كان
الاجماع دليلا مستقلا في مقابل الأخبار.

منها:أنه محمول على التقية.

و منها:انه عليه السّلام أحرم مفردا للحج لا متمتعا.

و منها:انه أحرم من ذات عرق ثم يجدد احرامه في مكة.

و منها:أن المراد من الحج العمرة.

و هذه المحامل كلها بعيدة و بحاجة الى قرينة،و لا قرينة على شيء منها، هذا.

فالصحيح في المقام أن يقال:ان الرواية و هي موثقة اسحاق بن عمار، قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجيء فيقضي متعة،ثم تبدو له الحاجة فيخرج الى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن،قال:يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه،لأن لكل شهر عمرة،و هو مرتهن بالحج،قلت:فانه دخل في الشهر الذي خرج فيه،قال:كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى،(متلقيا)بعض هؤلاء،فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج،و دخل و هو محرم بالحج» 1و ان كانت تامة سندا الاّ أنه مع ذلك لا يمكن الأخذ بها دلالة،و ذلك لأن انصراف الامام عليه السّلام عن جواب سؤال السائل و بيان أمر آخر لا يرتبط بالسؤال لا محالة يكون مبنيا على نكتة تبرره،و تلك


 

1) <page number=”117″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 118)


و لو في سككها للإجماع و خبر عمرو بن حريث(1)عن الصادق عليه السّلام:

«من أين أهلّ بالحجّ؟فقال:إن شئت من رحلك و إن شئت من المسجد و إن شئت من الطريق»و أفضل مواضعها
النكتة مجهولة لنا و غير مبينة،هذا اضافة الى أن ما بيّنه عليه السّلام فيها أيضا مجمل و غير واضح المراد،فان قوله عليه السّلام:«كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج»مجمل،اذ مراده عليه السّلام من مجاورة أبيه عليه السّلام في مكة غير معلوم، فان أراد عليه السّلام منها المجاورة التي هي الموضوع لانقلاب الوظيفة من التمتع الى الافراد كان احرامه من ذات عرق لحج الافراد دون التمتع،فاذن لا تكون الموثقة منافية لما دل على أن احرام حج التمتع من مكة،و إن أراد عليه السّلام منها الإقامة فيها بفترة محدودة لا تمتد الى سنتين،فعندئذ وظيفته و ان كانت حج التمتع،الاّ ان احرامه عليه السّلام من ذات عرق هل هو له أو لعمرة التمتع؟و لا ظهور لها في الأول،باعتبار عدم ظهورها في أن خروجه عليه السّلام من مكة كان بعد الاتيان بعمرة التمتع بل لا يبعد ظهورها السياقي في أنه كان قبل الاتيان بها.

فالنتيجة:أن الموثقة غير ظاهرة في أن احرامه عليه السّلام من ذات عرق كان لحج التمتع.نعم لو كانت ظاهره في ذلك لكانت دالة على توسعة ميقات حج التمتع و أنه أعم من مكة المكرمة و ذات عرق،و لا تنافي بينها و بين الروايات التي تدل على أن ميقات حج التمتع هو مكة المكرمة،باعتبار أنه لا مفهوم لها لكي تدل بمفهومها على نفي ميقات آخر له،غاية الأمر أنها ساكتة،و تدل على نفيه بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و هو لا ينافي النص على خلافه.

الخبر صحيح سندا،و واضح دلالة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 119)


المسجد(1)و أفضل مواضعه المقام أو الحجر(2)،و قد يقال أو تحت الميزاب،و لو تعذر الإحرام من مكة أحرم مما يتمكن،و لو أحرم من غيرها اختيارا متعمدا بطل إحرامه،و لو لم يتداركه بطل حجه،و لا يكفيه العود إليها بدون التجديد،بل يجب أن يجدده،لأن إحرامه من غيرها كالعدم و لو أحرم من غيرها-جهلا أو نسيانا-وجب العود إليها و التجديد مع الإمكان،
على المشهور و لا دليل عليه.

في الأفضلية اشكال بل منع،و إن كانت معروفة.و قد استدل على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:اذا كان يوم التروية إن شاء اللّه تعالى فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار،ثم صل ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام أو في الحجر ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة،ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فاحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار،فاذا انتهيت الى الرفضاء دون الردم فلبّ،فاذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى» 1بدعوى ان الأمر بالصلاة عند مقام ابراهيم عليه السّلام أو في الحجر ثم الجلوس فيه حتى زوال الشمس و الاتيان بالمكتوبة فيه ثم الإحرام يدل على أنه افضل مواضع الاحرام.

و لكن للمناقشة في دلالتها على ذلك مجال،فانها تدل على أن ذلك أفضل مواضع الصلاة لا أنه أفضل مواضع الإحرام،و لا أقل من الاجمال،فاذن لا تدل على أن الاحرام من المسجد أفضل من سائر مواضع مكة،بل تدل على أن الدخول في المسجد انما هو للصلاة و الدعاء فيه و التهيؤ للإحرام، باعتبار أن الاحرام انما يتحقق بالتلبية و هو مأمور بها اذا خرج من المسجد و وصل الى الرفضاء.


 

1) <page number=”119″ />الوسائل باب:52 من أبواب الاحرام الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 120)


و مع عدمه جدده في مكانه(1).

في وجوب التجديد اشكال بل منع اذا كان المحرم غير متمكن حين الاحرام من مكانه من العود الى مكة و الاحرام منها،فان وظيفته في هذه الحالة تكون الإحرام من مكانه،و المفروض أنه أحرم منه،و معه لا مجال لتجديده ثانيا، لأن المبرر لإحرام الحج من غير مكة المكرمة انما هو عدم تمكنه من العود اليها و الإحرام منها،و الحال أن هذا المبرر موجود في الواقع حين الإحرام الأول، فاذن يكون تجديده ثانيا لغوا و تحصيلا للحاصل،و بكلمة اذا افترضنا ان عدم التمكن من العود اليها لا يكون مبررا للإحرام من غيرها فحينئذ كما لا يكون مبررا للإحرام الأول،كذلك لا يكون مبررا لتجديده أيضا.

مثال ذلك:اذا خرج الحاج من مكة بعد عمرة التمتع الى الطائف-مثلا- لسبب من الأسباب،ثم أحرم منه للحج ناسيا أو معتقدا جوازه من غيرها في حال و هو غير متمكن من العود الى مكة و الاحرام منها في الواقع،ثم ذهب منه الى الموقف،و بعد الوصول اليه تذكر بالحال أو علم بالحكم فلا موجب لتجديده ثانيا.نعم اذا احرم في الطائف ناسيا أو جاهلا بالحكم في حال و هو متمكن من العود الى مكة و الإحرام منها واقعا كان إحرامه باطلا،لأنه لا يكون مأمورا به في هذه الحالة،على أساس أن الاحرام من غير الميقات انما يكون مأمورا به اذا لم يتمكن من الرجوع اليه في الواقع،و الاّ فلا أمر به،و حينئذ فاذا ذهب الى الموقف و بعد الوصول اليه تذكر بالحال أو علم بالحكم،و لكن ذلك في وقت لا يتمكن من العود الى مكة للإحرام،ففي هذه الحالة يجب عليه الاحرام من مكانه.

و تدل على صحة الاحرام من غير الميقات اذا لم يتمكن من الرجوع اليه الروايات الواردة في حكم من تجاوز عن الميقات بدون احرام ناسيا أو جاهلا بالحكم الى أن دخل في الحرم أو مكة المكرمة،فانه في هذه الحالة إن كان متمكنا من الرجوع الى الميقات وجب عليه الرجوع اليه و الاحرام منه،و إن لم

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 121)


……….

يتمكن من ذلك أو خاف أن يفوته الحج اذا رجع اليه أحرم من مكانه اذا لم يتمكن من الرجوع الى خارج الحرم أيضا،و الاّ وجب الرجوع اليه و الاحرام منه.

و مورد هذه الروايات و إن كان احرام العمرة الاّ أن العرف بمناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية لا يفهم منها خصوصية لموردها،بل يفهم منها أن المعيار في مشروعية الإحرام من غير الميقات انما هو عدم التمكن من الرجوع اليه و الاحرام منه و لو من جهة خوف فوت الموقف،و هذا الملاك كما يكون مبررا لمشروعية الإحرام للعمرة من غير ميقاتها،كذلك يكون مبررا لمشروعية الإحرام للحج من غير مكة المكرمة.

فالنتيجة:ان هذه الروايات تدل بمقتضى المتفاهم العرفي الارتكازي على عدم خصوصية لموردها،فاذن يكون التعدي من موردها الى غيره كإحرام الحج على القاعدة،و أما اذا ترك الإحرام من مكة ناسيا أو جاهلا،و ذهب الى الموقف،ثم تذكر بالحال أو علم بها،فان تمكن من العود اليها و الاحرام منها و درك الموقف وجب،و الاّ أحرم من مكانه.و أما اذا تذكر بالحال أو علم بالحكم بعد الأعمال و قضاء المناسك صح حجه،و لا شيء عليه.

و تدل على الحكم الثاني صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده،قال:اذا قضى المناسك كلها فقد تم حجّه» 1،و على الحكم الاول صحيحته الأخرى قال:«سألته عن رجل نسى الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله؟قال:يقول:اللهمّ على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه» 2فانهما تدلان على أن ترك الإحرام من الحاج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي غير جائز و موجب لبطلان حجه،و أما تركه نسيانا أو جهلا لا يضر به،غاية الأمر إن التفت في الأثناء و لم يتمكن من الرجوع الى مكة و الاحرام منها نواه من مكانه،و إن التفت بعد الانتهاء من أعمال الحج فلا شيء عليه.


 

1) <page number=”121″ />الوسائل باب:20 من أبواب المواقيت الحديث:2.
2) الوسائل باب:20 من أبواب المواقيت الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 122)


[الخامس:ربما يقال إنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد و عن واحد]

الخامس:ربما يقال إنه يشترط فيه(1)أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد و عن واحد،فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته و الآخر لحجه لم يجزئ عنه،و كذا لو حج شخص و جعل عمرته عن شخص و حجه عن آخر لم يصح،و لكنه محل تأمل،بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام صحة الثاني حيث قال:

«سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟قال:نعم المتعة له و الحج عن أبيه».

فالنتيجة:ان صحة حج التمتع مشروطة بالاحرام من مكة للعامد الملتفت لا مطلقا.

بل لا شبهة في اعتبار هذا الشرط بالنسبة الى النائب،فلا يمكن استئجار شخصين لحج التمتع أحدهما لعمرته و الآخر لحجه،و ذلك لأن عمرة التمتع بوصف كونها جزءا من حج التمتع فلا يمكن انجازها بصورة مستقلة عن الحج،و الاّ فهي عمرة مفردة لا عمرة تمتع،و من هنا لا يكون بامكان أي أحد أن ينوي عمرة التمتع مستقلة عن الحج،لأن ذلك تشريع،و لا يمكن الحكم بصحتها بدون أن يأتي بالحج بعدها صحيحا،كما لا يمكن أن ينوي حج التمتع بصورة مستقلة عن العمرة،فان صحة كل منهما مشروطة بوجود الآخر،فصحة العمرة مشروطة بكونها ملحوقة بالحج و صحة الحج مشروطة بكونه مسبوقا بالعمرة.

فالنتيجة:أنهما عمل واحد مركب من جزءين ارتباطيين ثبوتا و سقوطا كالصلاة و نحوها،فلذلك لا يمكن استئجار فردين له أحدهما لعمرته و الآخر لحجه،لأن حجه واجب على من أتى بالعمرة و أنه مرتهن به لا غيره،كما أن عمرته انما هي واجبة على من نوى الاتيان بحجه بعدها.

و أما بالنسبة الى المنوب عنه،فهل يمكن أن يستأجر شخصا واحدا من قبل شخصين،بأن يقوم بالعمرة نيابة عن أحدهما،و بالحج نيابة عن الآخر؟فيه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 123)


……….

خلاف،الظاهر أنه لا يمكن،فان محذور تعدد النائب و إن كان غير لازم في هذا الفرض،الاّ أن هناك محذورا آخر،و هو أن لازم ذلك أن تكون عمرة التمتع واجبة مستقلة على المنوب عنه و غير مربوطة بالحج،و كذلك الحج لكي تصح نيابته عن الأول في العمرة و عن الثاني في الحج،و هو كما ترى!و أما اذا كان كل منهما جزء الواجب-كما هو المفروض-فلا تكون العمرة وحدها مشروعة في حقه،و كذلك الحج وحده حتى يمكن أن يستنيب عنه فيها،و هذا نظير ما اذا استوجر شخص في صلاة واحدة من قبل شخصين،بأن يأتي بنصفها نيابة عن أحدهما و بنصفها الآخر نيابة عن الثاني،و من المعلوم أن مثل هذه النيابة غير معقولة،لأن نصف الصلاة لا يكون مشروعا في حق أحد حتى تصح النيابة عنه فيه،و حج التمتع كالصلاة من هذه الناحية.

و أما منشأ تأمل الماتن قدّس سرّه في المسألة،فالظاهر انه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«سألته عن رجل يحج عن أبيه،أ يتمتع؟قال:

نعم،المتعة له،و الحج عن أبيه» 1بدعوى أنها ظاهرة في جواز التفريق بين العمرة و الحج بأن تكون الأولى لشخص و الثاني لآخر.

و لكن للمناقشة في دلالتها مجال،لأن محتملات هذه الرواية متمثلة في أمور:

الأول:أن يكون مراد السائل من قوله(أ يتمتع)أن يحج حج التمتع عن أبيه.

الثاني:أن يكون مراده منه التمتع بالنساء و الطيب بعد العمرة.

الثالث:أن يكون المراد منه أنه يتمتع لنفسه زائدا على حج التمتع مع عمرته عن أبيه.

الرابع:أن يكون المراد منه أنه يحج عن أبيه بدون عمرة و يتمتع لنفسه بلا حج.


 

1) <page number=”123″ />الوسائل باب:27 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 124)


[مسألة 2:المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج]

[3209]مسألة 2:المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج و أنه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرما به،و إن خرج محلا و رجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة، و ذلك لجملة من الأخبار الناهية عن الخروج،و الدالة على أنه مرتهن و محتبس بالحج،و الدالة على أنه لو أراد الخروج خرج ملبّيا بالحج، و الدالة على أنه لو خرج محلا فإن رجع في شهره دخل محلا و إن رجع في غير شهره دخل محرما،و الأقوى عدم حرمة الخروج و جوازه محلا حملا للأخبار على الكراهة(1)-كما عن ابن إدريس رحمه اللّه و جماعة أخرى-بقرينة
و لا ظهور لها في الاحتمال الثالث أو الرابع،فان الاحتمال الأول و إن كان بعيدا عن مثل محمد بن مسلم و أنه لا يدري مشروعية حج التمتع عن أبيه نيابة، و أما الاحتمال الثاني فهو غير بعيد،و لعل منشؤه احتمال أن النائب كالمنوب عنه،فكما أنه بنفسه محروم عن التمتع بالنساء اذا كان ميتا في فترة زمنية بين العمرة و احرام الحج فكذلك النائب،و أجاب الامام عليه السّلام«بانه ليس مثله».

فالنتيجة:انه لا ظهور للرواية في التفرقة بين العمرة و الحج،بل انها لو لم تكن ظاهرة في الاحتمال الثاني لكانت مجملة،فلا يمكن التمسك بها.

فيه ان الأظهر جواز الخروج من مكة بعد عمرة التمتع لمن كان واثقا و متأكدا بتمكنه من الرجوع اليها للإحرام للحج و عدم فوته منه،هذا على ما تقتضيه القاعدة.

و أما الروايات الواردة في المسألة فهي تصنف الى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول:الروايات الناهية عن الخروج عن مكة حتى يحج.

الصنف الثاني:الروايات التي تدل على جواز الخروج منها اذا عرضت له الحاجة محرما باحرام الحج.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 125)


……….

الصنف الثالث:ما يدل على جواز الخروج الى المناطق القريبة كالطائف و نحوها مطلقا و إن لم تكن حاجة تدعو اليها.

أما الصنف الأول:فهو متمثل في ثلاث روايات:

منها:صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قلت له:كيف أتمتع؟قال:

تأتي الوقت فتلبي-الى أن قال-و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج» 1.

و منها:صحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

كيف أتمتع؟فقال:تأتي الوقت فتلبي بالحج،فاذا أتى مكة طاف و سعى و أحل من كل شيء و هو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتى يحج» 2.

و منها:صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج-الحديث-» 3، فان المتفاهم العرفي منها على أساس مناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية عدم جواز الخروج المنافي للحج لا مطلق الخروج و إن لم يكن منافيا له،إذ احتمال أن يكون عدم جواز الخروج حكما تعبديا صرفا بعيد جدا عن الارتكاز العرفي،فان قوله عليه السّلام:«حتى يحج»يمنع عن ذلك،و يدل على أنّ الحج هو الغاية النهائية،فالمناط انما هو بحصولها،فاذا كان الشخص على يقين من أنه اذا خرج منها الى بلاد أخرى لم يفت الحج منه فلا مانع من الخروج،و الروايات لا تدل على عدم جوازه،فان المستفاد منها عرفا-كما مر-انما هو عدم جوازه اذا خاف فوت الحج،و عدم التمكن من ادراكه لا مطلقا،و تدل على ذلك صريحا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال:«و سألته عن رجل قدم مكة متمتعا فحل أ يرجع؟قال:لا يرجع حتى يحرم بالحج،و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة أن لا يدرك الحج،فان أحب أن يرجع الى مكة رجع،و إن خاف أن يفوته


 

1) <page number=”125″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.
2) الوسائل باب:5 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.
3) الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 126)


……….

الحج مضى على وجهه الى عرفات» 1،فانها تدل على أن النهي عن التجاوز عن الطائف و شبهها منوط بخوف فوت الحج لا مطلقا.

و بكلمة:ان المرتكز العرفي منها أن النهي عن الخروج انما هو للحفاظ على الحج و عدم تفويته منه،و الاّ فلا موضوعية له.

و اما الصنف الثاني:فهو متمثل في روايتين:

احداهما:صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل قضى متعة و عرضت له حاجة أراد أن يمضي اليها،قال:فقال:فليغتسل للإحرام و ليهل بالحج و ليمض في حاجته،فإن لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات» 2.

و الأخرى:قوله عليه السّلام في صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة:«فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج،فلا يزال على إحرامه،فان رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه،و إن شاء وجهه ذلك الى منى -الحديث-» 3.

و هاتان الصحيحتان لا تدلان على انتفاء جواز الخروج بانتفاء الإحرام، لأن قاعدة احترازية القيود انما تقتضي انتفاء شخص الحكم المجعول في القضية بانتفاء قيده،و لا تقتضي انتفاء أي حكم آخر مثله،و بذلك اختلفت عن المفهوم في موارد ثبوته،حيث أنه يقتضي انتفاء طبيعي الحكم و سنخه بانتفاء الشرط.نعم قد ذكرنا في علم الأصول أنه لا مانع من الالتزام بدلالة الوصف على المفهوم و هو انتفاء طبيعي الحكم بانتفائه على نحو السالبة الجزئية،على أساس أن تقييد جواز الخروج من مكة بالاحرام منها فيهما يدل على انتفاء الجواز عن حالة انتفاء القيد في الجملة،اذ لو كان الجواز ثابتا في حالات الانتفاء مطلقا و لو بفرد آخر من الجواز و بجعل مستقل لكان التقييد به لغوا و جزافا،فمن أجل ذلك يدل هذا التقييد على الانتفاء في الجملة،أي بنحو السالبة الجزئية،باعتبار أن


 

1) <page number=”126″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:12.
2) الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:4.
3) الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 127)


……….

الالتزام بهذه الدلالة انما هو من جهة أن خروج القيد عن اللغوية يقتضي تلك الدلالة،و لا يقتضي أكثر منها،و تمام الكلام في علم الأصول.

فالنتيجة:أن هاتين الصحيحتين بمقتضى التقييد فيهما لا تدلان على أكثر من عدم جواز الخروج من مكة المكرمة بدون الإحرام اذا لم يكن الشخص واثقا و مطمئنا بتمكنه من العود اليها للإحرام للحج،باعتبار أن هذا المقدار من الدلالة يكفي في خروج القيد عن اللغوية،فلذلك لا تدلان على عدم جواز الخروج منها بدون الاحرام اذا كان واثقا و متأكدا بتمكنه من الرجوع اليها و الاحرام منها.

و أما الصنف الثالث:فهو متمثل في صحيحة الحلبي،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتمتع بالعمرة الى الحج يريد الخروج الى الطائف،قال:

يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها الاّ محرما،و لا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة» 1.

و هذه الصحيحة تدل على أمور:

الأول:جواز الخروج من مكة الى المناطق القريبة كالطائف و نحوها.

الثاني:ان ذلك الخروج لا يكون محبوبا الاّ محرما.

الثالث:النهي عن تجاوز تلك المناطق معللا بأنها قريبة من مكة.

اما الأمر الأول:فمقتضى اطلاقه جواز الخروج و إن لم تكن هناك حاجة تدعو اليه.

و اما الأمر الثاني:فلا يدل على أكثر من استحباب الإحرام دون الوجوب، فان جملة«لا أحب»بنفسها لا تدل على أكثر من كراهة الخروج و عدم رجحانه بدون الإحرام.نعم قد تستعمل في الحرمة و المبغوضية،و لكن بقرينة خارجية، كما في قوله تعالى: وَ اللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ الْفَسٰادَ 2و قوله تعالى: لاٰ يُحِبُّ اللّٰهُ


 

1) <page number=”127″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:7.
2) البقرة الآية:205.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 128)


……….


اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ


1

.

فالنتيجة:ان هذه الجملة لو لم تكن ظاهرة في الكراهة لم تكن ظاهرة في الحرمة،فلا أقل أنها مجملة و لا يمكن الاستدلال بها لا على الجواز و لا على الحرمة.

و أما الأمر الثالث:و هو النهي عن التجاوز عن الطائف معللا بأنها قريبة من مكة،فلا يدل على عدم جوازه اذا كان المكلف على يقين من تمكنه من الرجوع للإحرام للحج،اذ من المحتمل قويا أن يكون هذا النهي المعلل انما هو بملاك أنه اذا أجاز الخروج الى المناطق البعيدة فانه قد يؤدي الى تفويت الحج،فاذن لا يستفاد منه أكثر من عدم جواز الخروج الى المناطق البعيدة مع عدم الوثوق و الاطمئنان بتمكنه من الرجوع الى مكة لإحرام الحج و مخافة الفوت،و تدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

ثم إن من كان واثقا و مطمئنا بأنه اذا خرج من مكة الى المناطق القريبة أو البعيدة يتمكن من الرجوع اليها للإحرام للحج لم يجب عليه أن يخرج محرما، و إن كان محبوبا بمقتضى هذه الصحيحة.و أما إذا عرضت له حاجة لأن يخرج منها لقضائها فيجب عليه أن يخرج محرما،و لعله من جهة أنه قد لا يكون واثقا و متأكدا بتمكنه من الرجوع الى مكة للإحرام للحج بعد قضاء حاجته،و لذا قد صرح في بعض هذه الروايات أنه اذا لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات،و في بعضها الآخر إن شاء رجع الى منى.

و بكلمة:انّ المتفاهم العرفي من هذه الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع أن وجوب الخروج محرما على من عرضت له الحاجة انما هو بملاك أنه لا يثق بتمكنه من الرجوع الى مكة للإحرام لحجة الإسلام بعد انجاز حاجته،لاحتمال أن انجازها و حصولها بحاجة الى مزيد من الوقت،و أما من كان على يقين بتمكنه من ذلك فهو غير مشمول لها،و مقتضى القاعدة جواز


 

1) <page number=”128″ />النساء الآية:148.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 129)


……….

خروجه بدون احرام،و إن كان الأحوط و الأجدر به أن يخرج محرما.و من هنا يظهر أن المراد من كونه محتبسا و مرتهنا بالحج بعد عمرة التمتع أنه لا يجوز له تفويته بعد العمرة و عدم الاتيان به بعدها،فان مناسبة الحكم و الموضوع لا تقتضي أكثر من ذلك،لا أنه لا يجوز له الخروج من مكة مطلقا و إن كان لا ينافي الاتيان به في موعده.

و أما اذا خرج الى المدينة أو نحوها من الأماكن البعيدة بغير احرام جاهلا أو عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،فان رجع الى مكة في شهره دخل بغير احرام،و إن دخل في غير الشهر دخل محرما باحرام عمرة التمتع،و يدل عليه ذيل صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة:«قلت:فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير احرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام،قال:إن رجع في شهره دخل بغير احرام،و إن دخل في غير الشهر دخل محرما،قلت:فاي الاحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال:الأخيرة هي عمرته،و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته.قلت:فما فرق بين المفردة و بين عمرة التمتع اذا دخل في أشهر الحج؟قال:أحرم بالعمرة و هو ينوي العمرة ثم أحل منها و لم يكن عليه دم و لم يكن محتبسا بها لأنه لا يكون ينوي الحج» 1.ثم إنه لا يدل على عدم جواز الخروج بغير احرام اذا لم يكن جاهلا،و ذلك لأن الجهل مأخوذ في كلام السائل من جهة أن صدر الصحيحة يدل على جواز الخروج محرما،و ظن السائل منه عدم الجواز بغير احرام، فلذلك سأل عن حكم الجاهل اذا خرج بدون إحرام.

فالنتيجة:في نهاية الشوط أنه لا يبعد جواز الخروج الى المناطق القريبة أو البعيدة بدون حاجة تدعو اليه شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بتمكنه من الرجوع الى مكة للإحرام للحج و إن كان الخروج محرما أولى و أجدر،كما أن الأولى و الأجدر الاقتصار على المناطق القريبة.


 

1) <page number=”129″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 130)


التعبير ب‍«لا أحب»(1)في بعض تلك الأخبار،و قوله عليه السّلام في مرسلة
مر أن هذه الكلمة انما وردت في صحيحة الحلبي 1المتقدمة و قد عرفت أن موردها الخروج الى المناطق القريبة كالطائف و نحوها بارادته لا بسبب حاجة تدعو اليه،و يظهر من سياق التعليل فيها أنه واثق بتمكنه من الرجوع الى مكة للإحرام لحجة الإسلام،و عليه فتكون الصحيحة أخص من الروايات الناهية عن الخروج حتى يحج،و تقيد اطلاقها بما اذا كان الخروج الى المناطق البعيدة.

فالنتيجة:انه لا بأس بالخروج الى المناطق القريبة كالطائف وجدة و نحوهما،و لا يجوز الى المناطق التي تكون أبعد منها اذا لم يكن واثقا و مطمئنا بتمكنه من الرجوع اليها للإحرام للحج.

و بكلمة:أن هذه الصحيحة تدل على أمرين:

أحدهما:جواز الخروج الى المناطق القريبة التي يطمئن الانسان بأن الخروج اليها لا يضر بالحج.

و الآخر:ان ذلك إن كان مع الاحرام فهو أحب.فاذن تكون مقيدة لإطلاق تلك الروايات بغير الخروج الى المناطق القريبة.و من هنا يظهر أنها لا تصلح أن تكون قرينة على حمل النهي عن الخروج فيها على الكراهة،فانها انما تصلح لذلك إذا كان موردها جواز الخروج مطلقا لا الى المناطق القريبة فقط.و بذلك يتبين أنه لا وجه لما عن الماتن قدّس سرّه من حمل النهي فيها على الكراهة،فانه بحاجة الى قرينة،و لا قرينة على ذلك،فاذن لا مناص من الأخذ بظاهره، و لكن قد مر أن مناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي اختصاصه بالخروج من مكة بعد العمرة مع عدم الوثوق و الاطمئنان بالتمكن من العود اليها للإحرام،و لا يعم ما اذا كان الشخص واثقا و مطمئنا بالتمكن من ذلك،هذا اضافة


 

1) <page number=”130″ />الوسائل باب:22 من ابواب أقسام الحج الحديث:7.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 131)


الصدوق(1)قدّس سرّه:«إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج» و نحوه الرضوي،بل و قوله عليه السّلام في مرسل أبان:«و لا يتجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة»إذ هو و إن كان بعد قوله:«فيخرج محرما»إلا أنه يمكن أن يستفاد منه أن المدار فوت الحج و عدمه،بل يمكن أن يقال(2):إن المنساق من جميع الأخبار المانعة أن ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج و و فوته لكون الخروج في معرض ذلك،و على هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضا(3)مع علمه بعدم فوات الحج منه.نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج.

ثم الظاهر أن الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة أن لكل شهر عمرة لا أن يكون ذلك تعبدا أو لفساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكة،بل هو صريح خبر إسحاق بن عمار:

قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجيء فيقضي متعته ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل،قال عليه السّلام:

يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لأن لكل شهر
الى أن ذلك مقتضى صحيحة علي بن جعفر 1المتقدمة.

فيه ان المرسلة و إن كانت تامة دلالة،الاّ أنها ضعيفة سندا،فلا تصلح أن تكون قرينة على حمل النهي فيها على الكراهة،و به يظهر حال ما بعده.

هذا هو الصحيح كما مر.

بل هو الظاهر كما تقدم الآن.


 

1) <page number=”131″ />الوسائل باب:22 من ابواب أقسام الحج الحديث:12.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 132)


عمرة و هو مرتهن بالحج»(الخ)،و حينئذ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب(1)لا الوجوب لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة،لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول
بل على وجه الوجوب لظهور صحيحة حماد بن عيسى في أن العمرة الثانية هي عمرة التمتع،و من المعلوم أنها لا تخلو اما أن تكون واجبة عليه،او تكون غير مشروعة و لا يمكن أن تكون مستحبة،لأنها إن كانت متعة فهي واجبة و الأولى ملغية،و إن لم تكن الأولى ملغية فهي غير مشروعية متعة،ضرورة ان العمرتين المتعتين في موسم واحد غير مشروعة و لا يمكن الحكم بصحتهما معا.و أما التعليل الوارد في موثقة اسحاق بن عمار و هو قوله عليه السّلام:«لأن لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج» 1فهو لا يدل على استحباب هذه العمرة،فانه في مقام بيان مشروعية العمرة في كل شهر،فاذا كانت مشروعة في حقه اذا رجع في الشهر الآخر كانت واجبة،باعتبار أنها عمرة التمتع بنص صحيحة حماد، و المفروض أنها واجبة عليه ذاتا،و وجوبها يكشف عن بطلان الأولى.

أو فقل:ان الصحيحة تدل على ان صحة العمرة الأولى مشروطة بأن لا تفصل بينها و بين الحج عمرة أخرى،بملاك أنها المحتبس بها و الموصولة بالحج،و على هذا فاذا رجع في الشهر الآخر فبما أن دخوله في مكة لا يجوز بدون إحرام فيجب عليه أن يحرم لعمرة التمتع،على أساس أنه مرتهن بالحج، و حينئذ فتصبح الأولى لاغية،و الثانية واجبة،فان صحة الأولى مشروطة بالرجوع الى شهره،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى:ان هذه الصحيحة تدل بالالتزام على أنه لا يمكن الفصل بين عمرة التمتع و الحج بعمرة مفردة معللة بأن عمرة التمتع هي


 

1) <page number=”132″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 133)


في شهر الخروج أو بعده كصحيحتي حماد و حفص بن البختري(1) و مرسلة الصدوق و الرضوي،و ظاهرها الوجوب،إلا أن تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل،لكنه بعيد فلا يترك الاحتياط(2) بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج،بل القدر المتيقن من جواز الدخول محلا صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال أي الشروع في إحرام العمرة،و الإحلال منها،و من حين الخروج،إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة:ثلاثون يوما من حين الإهلال،و ثلاثون من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق بن عمار،و ثلاثون من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار،بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر-في الأخبار هنا و الأخبار الدالة على ان لكل شهر عمرة-الأشهر الاثني عشر المعروفة(3)لا بمعنى ثلاثين
المحتبس بها و الموصولة بالحج،فمن أتى بعمرة مفردة بينهما ناسيا أو جاهلا بالحكم تصبح عمرة التمتع لاغية باعتبار وجود الفصل بينها و بين الحج و هو العمرة المفردة،و هل تنقلب المفردة متعة؟الظاهر عدم الانقلاب،لأنه بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه في المقام.

الظاهر ان هذا من سهو القلم،اذ ليس في صحيحة حفص بن البختري تعرض لهذا التفصيل،و هو الدخول في شهره و الدخول في غير الشهر.

بل هو الأقوى اذا كان الدخول في غير شهر التمتع،كما هو المفروض،باعتبار أن لكل شهر عمرة.

هذا هو الصحيح و الظاهر من الروايات الواردة في المسألة،و قد تقدم تفصيل ذلك بشكل موسع في المسألة(3)من(فصل أقسام العمرة).و على هذا فالمراد من الشهر في قوله عليه السّلام في صحيحة حماد بن عيسى:«إن رجع في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 134)


يوما،و لازم ذلك أنه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج و دخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة،و الأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضا،و ظهر مما ذكرنا أن الاحتمالات ستة:كون المدار على الإهلال،أو الإحلال،أو الخروج،و على التقادير فالشهر إما بمعنى ثلاثين
شهره» 1الشهر القمري الذي أتى فيه بعمرة التمتع،بقرينة ان لكل شهر قمري عمرة،على تفصيل قد سبق و قد ذكرنا هناك أن الشهر ظاهر في الشهر القمري، و ارادة ثلاثين يوما منه بحاجة الى قرينة،و على هذا فالشهر في قوله عليه السّلام:«إن رجع في شهره»هو الشهر القمري الذي تمتع فيه دون شهر الخروج من مكة، فانه لو اريد منه شهر الخروج،فإما أن يراد منه ثلاثون يوما من حين الخروج،أو يراد منه الشهر القمري الآخر،بمعنى أنه خرج بعد مضي شهر التمتع،كما اذا تمتع في شوال و خرج في ذي القعدة،و كلاهما لا يمكن.

اما الأول،فمضافا الى أنه بحاجة الى قرينة،ان لازم ذلك أنه اذا رجع قبل انتهاء شهر الخروج و بعد مضي شهر التمتع جاز له الدخول في مكة محلا،مع أنه لا يجوز له ذلك جزما،على أساس أن لكل شهر قمري عمرة،و لا يجوز الدخول فيها في كل شهر بدون احرام.و بذلك يظهر بطلان الاحتمال الثاني أيضا،فاذن لا محالة يكون المراد من الشهر في هذه الصحيحة هو شهر التمتع.

و من هنا قد صرح به في موثقة اسحاق بن عمار.

فالنتيجة:ان مفاد الصحيحة أنه إن رجع في شهره دخل بغير إحرام،و إن رجع في غيره دخل محرما،و كذلك الحال في موثقة اسحاق بن عمار،بل قد صرح بذلك فيها-كما مر-.و من هنا يظهر ان ما في المتن من الاحتمالات للشهر الذي اذا رجع فيه دخل محلا،لا دليل على شيء منها.


 

1) <page number=”134″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 135)


يوما أو أحد الأشهر المعروفة(1)،و على أيّ حال إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السابقة(2)فيصح حجه بعدها.

مر أن هذا هو الظاهر من النصوص،فاذا أحرم في العشرة الأولى من شوال ثم خرج فان رجع في نفس ذلك الشهر دخل محلا،و إن رجع في ذي القعدة أو أول ذي الحجة دخل محرما بعمرة التمتع،و يكشف ذلك عن بطلان العمرة الأولى.

الأظهر هو البطلان،و ذلك لأن صحيحة حماد المتقدمة التي تفصل بين من رجع الى مكة في شهره و من رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه،و أنه على الأول دخل بغير احرام،و على الثاني محرما باحرام التمتع ظاهرة في أن صحة المتعة الأولى مشروطة برجوعه اليها في شهره الذي تمتع فيه،و أما اذا رجع في الشهر الآخر غيره فبما أنه مأمور بالدخول محرما باحرام التمتع فيكون كاشفا عن بطلان المتعة الأولى،اذ لا يمكن الجمع بين كونه مأمورا باحرام التمتع من جديد و بين بقاء الأولى على الصحة،اذ لو ظلت باقية على الصحة لم تكن الثانية مشروعة حتى يكون مأمورا بالاتيان بها،فاذن بطبيعة الحال يكشف الأمر بالثانية عن الغاء الأولى و بطلانها.

فالنتيجة:ان المستفاد من الصحيحة أن صحة الأولى مشروطة بأن يرجع في الشهر الذي تمتع فيه،و إن مضى ذلك الشهر و لم يرجع فهو كاشف عن بطلانها،و من هنا اذا رجع في غيره بدون احرام و إن كان عن جهل أو غفلة فليس له أن يكتفي بالمتعة الأولى لأنها بطلت،بل عليه أن يرجع الى ميقات أهله و الإحرام منه للتمتع ثانيا إن أمكن،و الاّ فمن خارج الحرم أو من مكانه على تفصيل تقدم.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 136)


……….

و اما موثقة اسحاق بن عمار 1،فهي ظاهرة في وجوب الرجوع للإحرام للحج باعتبار أنه مرتهن به،غاية الأمر انه إن رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه دخل محرما بعمرة معللا بأن لكل شهر عمرة،و لا تدل على كونها عمرة التمتع، بل تدل على أن دخوله في مكة بدون احرام لعمرة بما أنه غير جائز اذا كان في غير الشهر الذي تمتع فيه،باعتبار أن لكل شهر عمرة،فيجب عليه الإحرام،اما انه لعمرة التمتع أو المفردة،فالموثقة لا تدل على أنه للتمتع دون المفردة،و لكن لا بد من حملها على ذلك بقرينة الصحيحة تطبيقا لحمل المجمل على المبين.

و أما قوله عليه السّلام في ذيل الموثقة:«و هو مرتهن بالحج» 2فلا يكون قرينة على أن ارتهانه و ارتباطه به انما هو بسبب العمرة الثانية لو لم يدل على أنه بسبب العمرة الأولى.

و بكلمة:ان الموثقة تدل على انه اذا دخل في مكة في غير الشهر الذي تمتع فيه دخل فيها محرما،و أما أن احرامه لعمرة التمتع او للمفردة،فهي لا تدل على ذلك،فاذن يكون المرجع فيه الصحيحة.

ثم إن المستفاد من الصحيحة فروع:

الفرع الأول:أن من خرج عن مكة بعد عمرة التمتع بدون احرام جاهلا أو عامدا و ملتفتا وجب الرجوع اليها للإحرام للحج.

الفرع الثاني:أنه اذا رجع في شهره رجع بدون احرام،و اذا رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه رجع محرما.

الفرع الثالث:أنه نوى احرام عمرة التمتع لا المفردة.

الفرع الرابع:أن صحة العمرة الأولى مشروطة برجوعه في شهره،و الاّ فهي فاسدة.

الفرع الخامس:أن عمرة التمتع هي العمرة الموصولة بالحج،و لا يجوز الفصل بينهما بعمرة.


 

1) <page number=”136″ />الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:8.
2) الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 137)


……….

و نذكر فيما يلي عددا من المسائل:

الأولى:قد تسأل ان من خرج عن مكة بعد عمرة التمتع محرما للحج، فهل اذا رجع في غير الشهر الذي خرج فيه يدخل محرما؟

و الجواب:أنه يدخل ملبيا بالحج و بدون احرام للعمرة،و هذا يعني انه يبقى محرما للحج و إن طال أمد الرجوع و رجع في غير الشهر الذي تمتع فيه، و يدل على ذلك اطلاق صحيحتي حفص و حماد المتقدمتين.

الثانية:قد تسأل ان من خرج عن مكة بعد العمرة عامدا و ملتفتا بدون احرام،ثم رجع في الشهر الآخر و أحرم ناويا احرام العمرة المفردة فهل تبطل عمرة التمتع أو تبطل العمرة المفردة؟

و الجواب:تبطل عمرة التمتع،لأن صحتها مشروطة بكونها موصولة بالحج،بأن لا تفصل بينها و بينه بعمرة و لا موجب لبطلان العمرة المفردة،لعدم الدليل على أن صحتها مشروطة بأن لا تقع بعد عمرة التمتع و قبل الحج،بل قد مر ان صحتها مشروطة برجوعه في الشهر الذي تمتع فيه و الاّ بطلت.

الثالثة:قد تسأل بأنه لما ذا لا نقول بانقلاب العمرة المفردة الى عمرة التمتع،و كون العمرة الأولى لاغية.

و الجواب:ان الانقلاب بحاجة الى دليل و لا دليل عليه،الاّ فيما اذا أتى بها في أشهر الحج ناويا الرجوع الى بلده،و لكنه بعد الاتيان بها عدل و بنى على البقاء في مكة بنية الحج،أو بغرض آخر ثم بنى عليه،فانها تنقلب متعة كما مر.

الرابعة:قد تسأل أن المراد من الشهر الذي رجع فيه هل هو الشهر الهلالي أو ثلاثون يوما؟

و الجواب:ان المراد منه الشهر الهلالي،دون ثلاثين يوما،كما مر.

الخامسة:قد تسأل ان من خرج عن مكة بعد العمرة بدون احرام ناسيا أو غافلا،ثم رجع في الشهر الآخر اليها و أحرم بنية العمرة المفردة،فهل تنقلب متعة أو لا؟

و الجواب:عدم الانقلاب،لان انقلاب ما أتى به ناويا به اسمه الخاص

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 138)


ثم إنّ عدم جواز الخروج على القول به إنما هو في غير حال الضرورة بل مطلق الحاجة،و أما مع الضرورة أو الحاجة مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجا عليه فلا إشكال فيه(1)، و أيضا الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج إلى المواضع البعيدة،فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين(2)،بل يمكن أن يقال
المميز له شرعا الى غيره مرتبط بوجود دليل عليه،و الاّ فمقتضى القاعدة عدمه.

في اطلاق ما ذكره قدّس سرّه اشكال بل منع،و ذلك لأن ما دعاه الى الخروج منها فان كان ضرورة بحيث يكون ترك الخروج اليه حرجيا،ففي هذه الحالة لا شبهة في جواز الخروج منها مطلقا و إن لم يتمكن من الإحرام أو كان حرجيا عليه،و لا تدل صحيحتا حفص و حماد على عدم جواز الخروج في هذه الحالة بدون احرام،لأن موردهما مطلق الحاجة لا الضرورة،كما أنه لا يمكن التمسك باطلاق الروايات الناهية عن الخروج منها حتى يحج،لأنها لا تعم هذه الصورة جزما،و إن كان مطلق الحاجة،فان كان متمكنا من الخروج اليها محرما،جاز بمقتضى اطلاق صحيحتي حماد و حفص المتقدمتين،و إن لم يتمكن من الخروج اليها كذلك او كان حرجيا،فالظاهر عدم جوازه،لإطلاق الروايات الناهية.

و إن شئت قلت:إن القول بعدم جواز الخروج من مكة بعد الاتيان بالعمرة مبني على القول باطلاق الروايات الناهية عن الخروج حتى يحج،و مقتضى اطلاقها عدم جواز الخروج منها محلا و محرما مع الحاجة و بدونها،و قد خرج عن اطلاقها بمقتضى الصحيحتين صورة واحدة،و هي خروجه منها مع الحاجة محرما،و أما سائر الصور فهي تظل مشمولة له.

فيه ان تحديد جواز الخروج بذلك بحاجة الى دليل بعد البناء على القول بعدم جواز الخروج منها حتى يحج بمقتضى اطلاق الروايات الناهية عنه، فان مقتضاه ان الحكم يدور مدار صدق الخروج منها،فان صدق لم يجز و إن

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 139)


باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم،و إن كان الأحوط خلافه(1).

ثم الظاهر أنه لا فرق في المسألة بين الحج الواجب و المستحب، فلو نوى التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج و يكون حاله في الخروج محرما أو محلا(2)و الدخول كذلك كالحج الواجب، ثم إنّ سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلا و دخل قبل شهر
كان أقل من فرسخ،و الاّ جاز،فاذن المعيار انما هو بصدق الخروج من مكة بعد العمرة و عدم صدقه عرفا.

بل الأقوى خلافه بناء على هذا القول،فان مقتضى الروايات عدم جواز الخروج من مكة بعد العمرة و إن لم يؤد الخروج منها الى الخروج عن الحرم،و لا دليل على تحديد عدم جواز الخروج بالخروج الى خارج الحرم،و لا يدل عليه شيء من هذه الروايات.اللهم الاّ أن يقال:ان المراد من مكة في هذه الروايات حرمها لا بلدتها،و هذا بحاجة الى قرينة و لا قرينة على ذلك، كما أنه لا دليل على تحديد عدم جواز الخروج بالخروج بمقدار المسافة الشرعية،فان الوارد في الروايات انما هو النهي عن الخروج عن مكة،فاذن المعيار انما هو بصدقه عرفا و إن كان بمسافة أقلّ بكثير من المسافة الشرعية المحددة.

فيه فرق بين الواجب و المستحب بناء على ما هو الصحيح من أن العمرة الثانية عمرة التمتع،على أساس أنها مرتبطة بالحج و متصلة به،و لا يجوز فصلها عنه،فان فصلت الغيت،فمن أجل ذلك تصبح العمرة الأولى لاغية،و قد نصت على ذلك صحيحة حماد المتقدمة،و على هذا فان خرج المكلف عن مكة بعد العمرة محلا فان رجع في شهره الذي تمتع فيه رجع محلا و لا شيء عليه،و إن رجع في غيره فحينئذ إن كان الحج واجبا عليه لزم أن يرجع محرما باحرام عمرة التمتع،باعتبار أن العمرة الأولى قد فسدت من جهة انتفاء شرط صحتها و هو الرجوع في شهره،و المفروض أنه مرتهن بالحج و ملزم بالاتيان به،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 140)


مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع(1)،و أما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام إلا مثل الحطّاب و الحشّاش و نحوهما،و أيضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنما هو على وجه الرخصة(2)بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين(3)،فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضا،ثم إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة؟مقتضى حسنة حماد أنها الأخيرة المتصلة بالحج،و عليه لا يجب فيها طواف النساء،و هل يجب حينئذ في الاولى أو لا؟وجهان،أقواهما نعم(4)،و الأحوط الإتيان
و لا يسوغ له رفع اليد عنه،و إن كان مستحبا لم يكن ملزما بالرجوع، لأن عمرته الأولى قد فسدت من جهة انتفاء شرطها،فلا يكون عندئذ ملزما بالحج،لفرض عدم وجوبه عليه،و من هنا يسوغ له أن يترك الرجوع الى مكة، كما أن له أن يرجع اليها محرما باحرام العمرة المفردة،و له أن يرجع اليها محرما باحرام عمرة التمتع.

بل مطلقا و لو كانت مفردة،فانه إن دخل قبل شهرها لم يجب عليه الاحرام،و جاز له الدخول بدونه،و إن كان بعده وجب الإحرام لأن دخول مكة غير جائز بعد الشهر بدون احرام،و لا فرق في ذلك بين عمرة التمتع و العمرة المفردة.

بل على وجه العزيمة على الأظهر،لما مر من أن الثابت انما هو مشروعية العمرة في كل شهر قمري دون الأقل،و عندئذ فلا يجوز الاحرام للعمرة مرة ثانية قبل مضي شهر العمرة الأولى الاّ رجاء.

تقدم في(فصل أقسام العمرة)أن الأقوى اشتراط فصل شهر بينهما، و تمام الكلام هناك.

بل الأقوى العدم،لما مر من أن العمرة الأولى بطلت لا أنها تنقلب

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 141)


بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية،ثم الظاهر أنه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع(1)قبل الإحلال منها.

مفردة،و الثانية متعة فان ذلك بحاجة الى دليل،باعتبار أن الانقلاب ليس على القاعدة بعد ما كان عنوان عمرة التمتع و عنوان العمرة المفردة من العناوين القصدية المقومة و المميزة لها شرعا.

الأمر كما أفاده قدّس سرّه،أما بناء على ما استظهرناه من الروايات من جواز الخروج بعد العمرة اذا كان واثقا و مطمئنا بتمكنه من الرجوع للإحرام للحج فظاهر،و أما بناء على عدم جوازه الاّ عند الحاجة محرما،فالظاهر ان الأمر أيضا كذلك،لأن موضوع عدم جواز الخروج في صحيحتي الحلبي و حماد المتقدمتين و إن كان الدخول في مكة،الاّ أن النهي عن الخروج في صحيحة حماد لما كان مغيّى بالاتيان بالحج فهو ظاهر في أنه بعد العمرة،اذ لو كان في أثنائها لكان المناسب أن يجعله مغيى باتمام العمرة و الاتيان بالحج،و يؤكد ذلك ما دل على أنه مرتهن بالحج و محتبس به،و من الواضح أن ارتهانه و احتباسه به انما هو بعد الاتيان بالعمرة،هذا اضافة الى أن قوله عليه السّلام:«بعد ذلك خرج محرما اذا عرضت له الحاجة»يدل على أن الخروج منها محرما باحرام الحج عند الحاجة لا مانع منه،و من المعلوم أن احرام الحج في أثناء العمرة غير مشروع، و كذلك الحال في صحيحة الحلبي،فانها تنص على أنه اذا أراد الخروج خرج محرما و مهلا بالحج،فاذن لا محالة يكون المراد من الخروج فيها هو الخروج بعد العمرة،و لا يمكن أن يكون المراد منه الأعم.

فالنتيجة:إنه لا مانع من الخروج في أثناء العمرة،غاية الأمر محلا لا محرما،شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بالرجوع للحج اذا كان واجبا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 142)


[مسألة 3:لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره من القسمين الآخرين اختيارا]

[3210]مسألة 3:لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره من القسمين الآخرين اختيارا،نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية إلى الإفراد و أن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف و لا إشكال و إنما الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك،و اختلفوا فيه على أقوال:

أحدها:خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة.

الثاني:فوات الركن من الوقوف الاختياري و هو المسمى منه.

الثالث:فوات الاضطراري منه.

الرابع:زوال يوم التروية.

الخامس:غروبه.

السادس:زوال يوم عرفة.

السابع:التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت،و المنشأ اختلاف الأخبار فإنها مختلفة أشد الاختلاف.

و الأقوى أحد القولين الأولين(1)،لجملة مستفيضة من تلك الأخبار،
بل الأقوى هو القول الثاني،و ذلك لأن الروايات الواردة في تحديد وقت العمرة سعة و ضيقا مختلفة غاية الاختلاف.و يمكن تصنيف هذه الروايات إلى طوائف.

الأولى:ما يدل على أن المعيار إنما هو بادراك الناس بمنى.

منها:صحيحة أبي بصير قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة،فقال:إن كانت تعلم أنها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من احرامها و تلحق الناس بمنى

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 143)


……….

فلتفعل» 1فانها واضحة الدلالة على أن العبرة في وجوب العمرة على الحاج إنما هي بادراك الناس بمنى،فان كان متمكنا من ادراكهم هناك مع الاتيان بالعمرة وجب،و الاّ فوظيفته الافراد و ترك العمرة و الغائها.

و منها:صحيحة مرازم بن حكيم قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:المتمتع يدخل ليلة عرفة مكة،أو المرأة الحائض متى يكون لها المتعة؟قال:ما أدركوا الناس بمنى» 2فانها تنص على أن وقت العمرة محدود بادراك الناس بمنى.

الثانية:ما يدل على أن وقت العمرة محدد إلى السحر من ليلة عرفة.

منها:صحيحة محمد بن مسلم قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إلى متى يكون للحاج عمرة؟قال:إلى السحر من ليلة عرفة» 3.

الثالثة:ما يدل على تحديد وقت العمرة إلى غروب الشمس من يوم التروية.

منها:صحيحة عيص بن القاسم قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة،فقال:لا،له ما بينه و بين غروب الشمس،و قال:قد صنع ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» 4.

الرابعة:ما يدل على تحديد وقتها إلى ليلة عرفة.

منها:صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا قدمت مكة يوم التروية و انت متمتع فلك ما بينك و بين الليل أن تطوف بالبيت و تسعى و تجعلها متعة…» 5.

الخامسة:ما يدل على تحديد وقتها إلى زوال الشمس من يوم عرفة.

منها:صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر» 6.

السادسة:ما يدل على تحديد وقتها بخوف فوت الموقف.


 

1) <page number=”143″ />الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.
2) الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:14.
3) الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:9.
4) الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:10.
5) الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:12.
6) الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:15.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 144)


……….

منها:صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا،ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشى ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف،قال:يدع العمرة فإذا أتم حجّه صنع كما صنعت عائشة و لا هدى عليه» 1.

ثم ان هذه الطوائف بحسب الظاهر متعارضة بعضها مع بعض،ما عدا الطائفة الأخيرة،فانها تنسجم مع الكل،و تصلح أن تكون قرينة لحمل البقية عليها،و على هذا فالمحتمل في هذه الطوائف أمران:

الأول:إنها متعارضة و تسقط من جهة المعارضة،و يكون المرجع حينئذ هو الطائفة الأخيرة.

الثاني:إن أخص تلك الطوائف هي الطائفة الخامسة باستثناء الطائفة الأخيرة،فإن الطائفة الاولى قد حددت وقت العمرة بادراك الناس بمنى، و مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان انتهاء وقتها بعدم ادراك الناس فيه،و مقتضى اطلاق الطائفة الثانية التي تنص على أن وقتها يمتد إلى السحر من ليلة عرفة أن وقتها ينتهي بدخول السحر من يوم عرفة،و نرفع اليد عندئذ عن اطلاق كلتا الطائفتين بالطائفة الخامسة التي تنص على أن وقتها يمتد إلى زوال الشمس من يوم عرفة،و لكن شريطة عدم خوف فوت الموقف بذلك،و الاّ فوظيفته ترك العمرة و الغائها،فان النسبة بين الطائفة الخامسة و الطائفة الأخيرة التي أناطت الغاء العمرة بالخوف و إن كانت عموما من وجه،الاّ أنه مع ذلك لا بد من تقديم الطائفة الأخيرة عليها،اذ لا يحتمل أن لا يسوغ الاتيان بالعمرة و إن كان بعد زوال الشمس ما دام أنه لم يخف فوت الركن من الموقف،كما أنه لا يحتمل جواز الاتيان بها قبل زوال يوم عرفة إذا خشى فوت الركن منه،فمن أجل ذلك كانت مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن تحديد وقتها بالزوال من يوم عرفة إنما هو إذا لم يخف فوت الموقف بذلك، و كذلك الحال بالنسبة إلى سائر الطوائف،فانه إذا خاف فوت الموقف قبل


 

1) <page number=”144″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 145)


……….

السحر من يوم عرفة أو قبل دخول ليلة عرفة بسبب من الاسباب فعليه الغاء العمرة و الذهاب إلى عرفات،و لا يجوز له التأخير،و على هذا يحمل صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة،امض كما أنت بحجك» 1إذ من غير المحتمل أن من قدم مكة يوم التروية و قد غربت الشمس و كان متمكنا من الاتيان بالعمرة و درك الموقف،فمع ذلك تكون وظيفته ترك العمرة و الذهاب إلى الحج،لوضوح أن الانقلاب انما هو في حال الاضطرار و عدم التمكن من ادراك العمرة لا مطلقا حتى مع التمكن.

فالنتيجة:إن هذا التحديد إنما هو بلحاظ الغالب،و المعيار انما هو بخوف فوت الموقف و عدم التمكن من ادراكه،و هذا يختلف باختلاف حالات المكلفين و الأزمنة،و معنى ذلك أنه ليس للعمرة وقت زمني محدد في الواقع، بل المعيار فيه في كل عصر انما هو بخوف فوته،و الكاشف عن ذلك انما هو اختلاف الروايات،و على ذلك ففي العصر الحاضر إذا دخل الحاج مكة بعد زوال يوم عرفة،بل قبل غروب ذلك اليوم بساعتين كان يتمكن غالبا من الاتيان بالعمرة و ادراك الموقف في عرفات،مع أنه لم يكن متمكنا من ذلك في العصور المتقدمة.

و قد تحصل من ذلك ان الأظهر هو الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأول، لوضوح انه لا يجوز رفع اليد عن العمرة و تركها الاّ إذا خاف أن الاتيان بها يوجب فوت الموقف،فعندئذ يضطر إلى الغائها و تركها،فإذا اضطر إلى ذلك انقلبت وظيفته من التمتع إلى الافراد،و الاّ فلا موجب للانقلاب.

فالنتيجة:ان الطائفة الأخيرة من الروايات كلمة الفصل بين جميع الطوائف الاخرى و تحكم عليها،و تنص على أن الضابط العام لانقلاب الحج من التمتع إلى الافراد و الغاء العمرة و تركها هو خوف فوت الموقف،و أما المعايير الاخرى المحددة في سائر الطوائف فهي معايير جانبية،فان تسببت


 

1) <page number=”145″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:12.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 146)


فإنها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أن المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة،منها قوله عليه السّلام في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي(1):

«لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوات الموقفين»و في نسخة«لا بأس للمتمتع أن يحرم ليلة عرفة»الخ،و أما الأخبار المحددة بزوال يوم التروية أو بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها فمحمولة على صورة عدم إمكان الادراك إلا قبل هذه الأوقات فإنه مختلف باختلاف الأوقات و الأحوال و الأشخاص،و يمكن حملها على التقية(2)إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية،و يمكن كون الاختلاف لأجل التقية كما في أخبار الأوقات للصلوات،و ربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل(3)
الخوف فالعبرة انما هي به لا بها،و الاّ فلا قيمة لها أصلا،و لا توجب الغاء العمرة و تركها ضرورة أنه لا يسوغ الغاؤها بدون مبرّر شرعي.

الرواية 1ضعيفة سندا،فلا يمكن الاعتماد عليها.

فيه أنه لا منشأ للحمل على التقية،و لا مبرر له بعد ما كان الإحرام للحج من يوم التروية أو بعد زوالها أمر مستحب عندهم لا فرض،و لا مانع من التأخير عندهم،و لا سيّما من دخل مكة بعد زوال يوم التروية أو غروبه.

فالنتيجة:انه لا مقتضى للحمل على التقية.

فيه ان هذا الحمل حمل تبرعي لا شاهد عليه لا في نفس روايات الباب و لا من الخارج.


 

1) <page number=”146″ />الوسائل باب:20 من أبواب أقسام الحج الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 147)


بعد التخصيص بالحج المندوب(1)فإن أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة ثم ما تكون عمرته قبل يوم التروية ثم ما يكون قبل يوم عرفة،مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدة اختلافها و تعارضها نقول:مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا لأن المفروض أن الواجب عليه هو التمتع فما دام ممكنا لا يجوز العدول عنه و القدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحج و اللازم إدراك الاختياري من الوقوف فإن كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل.

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين و لا يبعد رجحان أولهما(2)بناء على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال و الغروب بالوقوف و إن كان الركن هو المسمى،و لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال فإن من جملة الأخبار مرفوع سهل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في متمتع دخل يوم عرفة،قال:متعته تامة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم»حيث أنّ قطع التلبية بزوال يوم عرفة،و صحيحة جميل:«المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر»،و مقتضاهما كفاية
في التخصيص اشكال بل منع،فانه بحاجة إلى قرينة و لا قرينة في الروايات عليه،على أساس أنها في مقام بيان تحديد وقت العمرة بدون نظر إلى كون الحج واجبا أو مندوبا.

بل الأظهر هو الثاني،لأن ما يكون جزء الحج و واجباته هو الوقوف الركني و الزائد عليه ليس من اجزاء الحج و واجباته،بل هو واجب مستقل فيه و لا يضر تركه عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي بصحته،و لا يوجب الا الإثم، هذا إضافة إلى أن مقتضى نص صحيحة جميل المتقدمة كفاية ادراك الركن و هو مسمى الوقوف فيها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 148)


إدراك مسمى الوقوف الاختياري فإن من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة و إدراك الناس في أول الزوال بعرفات،و أيضا يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب،إلا أن يمنع الصدق فإن المنساق منه إدراك تمام الواجب،و يجاب عن المرفوعة و الصحيحة بالشذوذ(1)كما ادعي،و قد يؤيد القول الثالث-و هو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة-بالأخبار الدالة على أن من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات و أدركها ليلة النحر تم حجه،و فيه أن موردها غير ما نحن فيه و هو عدم الإدراك من حيث هو و فيما نحن فيه يمكن الإدراك و المانع كونه في أثناء العمرة فلا يقاس بها، نعم لو أتم عمرته في سعة الوقت ثم اتفق أنه لم يدرك الاختياري من
فيه ان شذوذ الرواية لا توجب سقوطها عن الحجية،سواء أ كانت شذوذها من جهة اعراض الأصحاب عنها أم كانت من جهة أن موردها مسألة شاذة.

اما الأول:فقد ذكرنا غير مرة أن اعراضهم عن رواية معتبرة لا أثر له الاّ اذا توفر فيه أمران:

أحدهما:أن يكون ذلك الاعراض من الفقهاء المتقدمين الذين كانوا مدركين لأصحاب الائمة عليهم السّلام.

و الآخر:أن لا يكون اعراضهم عنها كلا أو بعضا مستندا إلى شيء آخر.

أما الأمر الأول:فلا طريق لنا إليه.

و اما الأمر الثاني:فأيضا كذلك،اذ لا طريق لنا إلى احراز أن اعراضهم عنها كان تعبديا صرفا،لاحتمال أن يكون مستندا إلى جهة اخرى،ككونها شاذة أو غير ذلك.

و أما الثاني:فلأنه لا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار،لوضوح أن مجرد

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 149)


الوقوف كفاه الاضطراري و دخل في مورد تلك الأخبار،بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت(1)فأتم عمرته ثم بان كون الوقت مضيقا في تلك الأخبار.

كون المسألة قليلة الابتلاء لا يوجب الغاء الرواية فيها عن الحجية.

بل هو الظاهر لإطلاق بعض تلك الروايات،و هو صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قال:في رجل أدرك الامام و هو بجمع،فقال:إن ظنّ انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا،ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها،و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجّه» 1فانها باطلاقها تشمل المقام،لأن الموضوع فيها ادراك الإمام و هو بجمع،سواء أ كان سبب ذلك اعتقاده بسعة الوقت و الاتيان بالعمرة ثم تبين ضيقه و عدم ادراك الناس بعرفات أم كان سببه تأخير وصوله الى مكة لسبب من الاسباب.

نعم لا تشمله صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات،فقال:إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات،و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان اللّه أعذر لعبده فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس،فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج،فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل» 2بتقريب أن السؤال فيها إنما هو عن حكم الرجل الذي وصل إلى مكة بعد ما يفيض الناس من عرفات،و من المعلوم أنه لا يعم من وصل إلى مكة جاهلا مركبا بضيق الوقت و معتقدا سعته.


 

1) <page number=”149″ />الوسائل باب:22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث:1.
2) الوسائل باب:22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 150)


……….

ثم إنه لا اشكال في صحة حجه متمتعا،(اما حجّه)فلأنه يكفي في صحته ادراك الوقوف الاضطراري في عرفة و الاختياري في المشعر،و إن لم يتمكن من ادراك الوقوف الاضطراري في عرفة أيضا كفى ادراك الوقوف الاختياري في المشعر بنص هاتين الصحيحتين و غيرهما.(و اما عمرته متعة)فلما مر من أنه ليس لها وقت محدد،و انما الضابط فيها بخوف فوت الموقف،فان خاف فوته لم يجز الاتيان بها و إن أصر على ذلك و أتى بها عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي،و أدى إلى فوت الموقف بطلت عمرته متعة و أصبحت لاغية بسبب بطلان حجه بترك الموقف فيه عامدا و ملتفتا،لا أنها منقلبة إلى المفردة،لأن الانقلاب بحاجة إلى دليل،و لا دليل عليه في المقام،فاذن بطلان العمرة ليست من جهة أنها واقعة في خارج وقتها المحدد،بل من جهة بطلان الحج،و أما إذا كان جاهلا بضيق الوقت و معتقدا سعته،و بدأ بالعمرة و واصل أعمالها و بعد الانتهاء منها انكشف ضيق الوقت و فوت الموقف منه،ففي هذه الحالة إذا تمكن من ادراك الموقف الاضطراري لعرفة و الاختياري للمشعر،أو الثاني فقط صح حجه بمقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة،و معه لا موجب لبطلان العمرة و كونها لاغية.

و للتعرف بكيفية تطبيق ما ذكرناه نستعرض ثلاث حالات:

الحالة الاولى:أن يتأخر وصول الحاج إلى مكة لسبب من الأسباب و وصل في وقت لا يتمكن الاّ من ادراك الناس في المشعر الحرام فقط،و في هذه الحالة وظيفته تنقلب من التمتع إلى الافراد،و حينئذ فان تمكن من ادراك الوقوف الاضطراري في عرفة ليلا،ثم يأتي في المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وجب عليه ذلك،و الاّ كفى ادراك الوقوف الاختياري في المشعر فقط.

الحالة الثانية:إنه وصل إلى مكة في وقت متسع و أتى بالعمرة،ثم اتفق لسبب من الأسباب فوت الموقف الاختياري منه في عرفات،و في هذه الحالة ما

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 151)


ثم إن الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحج المندوب و شمول الأخبار له،فلو نوى التمتع ندبا و ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له العدول إلى الإفراد،و في وجوب العمرة بعده إشكال،و الأقوى عدم وجوبها(1)،و لو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة
هو وظيفته؟

و الجواب:ان وظيفته أن يذهب ليلا إلى عرفات لإدراك الوقوف الاضطراري فيها،ثم يعود منها إلى المشعر لإدراك الناس فيه،و إن لم يتمكن من ادراك الوقوف الاضطراري لعرفة فان تمكن من ادراك الوقوف الاختياري للمشعر كفى و صح حجّه تمتعا كما مر.

الحالة الثالثة:إنه وصل إلى مكة في ضيق الوقت في الواقع،الاّ أنه كان جاهلا و معتقدا سعته و أتى بالعمرة،ثم بان ضيقه و ان وظيفته كانت ترك العمرة و الغائها و إدراك الموقف في عرفات،و لكنه من جهة اعتقاده بالسعة أتى بالعمرة و سبب إتيانها فوت الموقف منه،و حينئذ فان كان متمكنا من ادراك الوقوف الاضطراري في عرفات و الاختياري في المشعر،أو الاختياري في المشعر فحسب صح حجه تمتعا،لإطلاق صحيحة معاوية المتقدمة،فانه لا يكون قاصرا عن شمول هذه الحالة.

هذا هو الصحيح لأن الأمر باتيان العمرة المفردة بعد الاتيان بحج الافراد المنقلب إليه و إن ورد في مجموعة من روايات الباب،الا أنها ليست في مقام بيان وجوبها بعد الحج،بل في مقام بيان أن من انقلبت وظيفته من التمتع إلى الافراد يصنع كما يصنع المفرد،و حينئذ فان كان حج الافراد واجبا كانت عمرته المفردة أيضا واجبة،و إن كان مستحبا فهي مستحبة.

و دعوى:أن المكلف اذا بدأ بحج الافراد وجب عليه اتمامه و إن كان مستحبا في نفسه،فإذا وجب اتمامه وجب الاتيان بعمرته أيضا.

مدفوعة:بأن عمرته عمل مستقل لا ترتبط به،فوجوب اتمامه بعد البدء

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 152)


……….

به لا يستلزم وجوب الاتيان بها،هذا اضافة إلى أن الاتيان بالعمرة المفردة بعد الانقلاب في المقام انما هو بديل عن عمرة التمتع،و حينئذ فان كانت عمرة التمتع واجبة فهي واجبة و الاّ فلا.

و تدل على هذه البدلية صحيحة جميل بن دراج،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض اذا قدمت مكة يوم التروية،قال:تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة،ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة» 1فان قوله عليه السّلام:«فتجعلها عمرة»ظاهرة في جعلها بدلا عن عمرة التمتع التي فاتت منه.و تؤيد ذلك مرسلة الشيخ رحمه اللّه في التهذيب.

قد يتساءل عن أن المكلف إذا نوى الإحرام لحج التمتع ندبا و وصل إلى مكة و قد ضاق وقت العمرة،فان بدأ بها فات الموقف منه،فهل يجب عليه أن ينوي حج الافراد،أو يأتي بعمرة مفردة لغاية الخروج عن الإحرام،أو تبطل عمرته؟فيه وجوه.

و الجواب:ان مقتضى اطلاق روايات الباب هو الوجه الأول،فانها باطلاقها تعم الواجب و المستحب،فاذا احرم لحج التمتع ندبا وجب عليه اتمامه،غاية الأمر إن لم يتمكن من اتمامه تمتعا وجب اتمامه افرادا.أو فقل:إن مقتضى الروايات أن كل من خاف فوت الموقف إذا بدأ بالعمرة و واصل أعمالها فوظيفته الافراد شرعا،و عليه اتمامه بعد ما لم يتمكن من اتمامه تمتعا،و هذا التبديل و الانقلاب انما هو بحكم الشارع،و لا يدور مدار قصد المكلف العدول منه إلى الافراد و عدم قصده.(و اما الوجه الثاني)و هو انقلاب عمرة التمتع مفردة فلا دليل عليه،و بدونه لا يمكن الحكم بصحتها مفردة،و الفرض انه احرم باسم عمرة التمتع المميز لها شرعا،فما نواه لم يقع،و وقوع ما لم ينوه بحاجة إلى دليل.(و أما الوجه الثالث)فلا موجب له بعد اطلاق روايات الانقلاب للمقام.


 

1) <page number=”152″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 153)


و إدراك الحج قبل أن يدخل في العمرة هل يجوز له العدول من الأول إلى الإفراد؟فيه إشكال،و إن كان غير بعيد(1)،و لو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت و أخر الطواف و السعي متعمدا إلى ضيق الوقت ففي جواز
بل هو بعيد عن ظاهر روايات الباب،لأنها جميعا متفقة على أنه احرم لعمرة التمتع و دخل مكة و ضاق وقتها،و خاف فوت الموقف اذا بدأ بها و طاف و سعى بين الصفا و المروة،و أما من علم بذلك قبل الإحرام لها فهو خارج عن مورد الروايات،و التعدي بحاجة إلى قرينة،باعتبار أن الحكم يكون على خلاف القاعدة،و لا توجد قرينة على ذلك لا في نفس الروايات و لا من الخارج.

و دعوى الأولوية ممنوعة،لأنها لا تكون بمرتبة تصلح أن تكون قرينة على ذلك،بل لا أولوية في البين،لأن المكلف إذا أحرم لعمرة التمتع و دخل مكة في وقت لا يتمكن من اتمامها،ففي مثل هذه الحالة جعل الشارع احرامها احراما لحج الافراد بقاء،و أما إذا علم بضيق الوقت قبل الاحرام و عدم تمكنه من الاتيان بحج التمتع،فان كان ذلك مستندا إلى تسامحه و تهاونه في تأخيره فترة بعد اخرى إلى أن ضاق الوقت فقد استقر عليه الحج،و يجب عليه الاتيان به في العام القادم،لا أن وظيفته تنقلب من التمتع إلى الافراد،فان الانقلاب بحاجة إلى دليل،و لا يوجد دليل عليه.

و اما روايات الباب فهي ظاهرة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية في أن ضيق الوقت و عدم التمكن من الاتيان بالعمرة خشية فوت الموقف انما هو مستند إلى مانع خارجي كالحصر أو المرض أو نحو ذلك مما هو خارج عن اختيار المكلف،و لا تعم ما إذا كان ذلك مستندا إلى سوء اختياره عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي.

فالنتيجة:إنه لا دليل على الانقلاب في هذا الفرض،و كفاية حج الافراد عن التمتع.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 154)


العدول و كفايته إشكال(1)،و الأحوط العدول و عدم الاكتفاء إذا كان الحج واجبا عليه.

[مسألة 4:اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و تمام العمرة و إدراك الحج على أقوال]

[3211]مسألة 4:اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و تمام العمرة و إدراك الحج على أقوال:

أحدها:أن عليهما العدول إلى الإفراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج لجملة من الأخبار.

الثاني:ما عن جماعة من أن عليهما ترك الطواف و الإتيان بالسعي ثم الإحلال و إدراك الحج و قضاء طواف العمرة بعده،فيكون عليهما الطواف ثلاث مرات مرة لقضاء طواف العمرة و مرة للحج و مرة للنساء،و يدل على ما ذكروه أيضا جملة من الأخبار.

الثالث:ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير بين
و بكلمة:إن وظيفة النائي هي حج التمتع،فان كان متمكنا منه وجب عليه الاتيان به،و إن لم يكن متمكنا لضيق الوقت،فان كان ذلك مستندا إلى تأخيره عامدا و ملتفتا فقد استقر وجوب الحج عليه،لا أنه ينقلب الى الافراد،لعدم الدليل،و إن كان مستندا إلى مانع خارجي انقلب الى الافراد.

و الأظهر عدم الكفاية،لأن روايات الباب لا تشمل هذه الصورة،لما مر من اختصاصها عرفا بمن لا يتمكن من اتمام العمرة في نفسه فان وظيفته تنقلب من التمتع إلى الافراد،و أما من كان متمكنا من اتمامها كذلك،و لكنه باختياره و متعمدا أخر الاتيان بها تساهلا إلى أن ضاق الوقت فلا يكون مشمولا لتلك الروايات حتى تنقلب وظيفته من التمتع إلى الافراد،فاذن لا يتمكن من أن ينوي الافراد بعنوان أنه المنقلب اليه.نعم يسوغ له أن ينويه ندبا،و لكنه لا يكفي عن التمتع.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 155)


الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع:التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضي بعد الحج،اختاره بعض بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين بشهادة خبر أبي بصير«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها،و إن أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر»و في الرضوي:«إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم-إلى قوله عليه السّلام-و إن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة،و إن حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا و المروة و فرغت من المناسك كلها إلا الطواف بالبيت،فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت و هي متمتعة بالعمرة إلى الحج و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء».

و قيل في توجيه الفرق بين الصورتين:إن في الصورة الاولى لم تدرك شيئا من أفعال العمرة طاهرا فعليها العدول إلى الإفراد بخلاف الصورة الثانية فإنها أدركت بعض أفعالها طاهرا فتبني عليها و تقضي الطواف بعد الحج.

و عن المجلسي قدّس سرّه في وجه الفرق ما محصله:أن في الصورة الاولى لا تقدر على نية العمرة لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف و إدراك الحج بخلاف الصورة الثانية فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية و الدخول فيها.

الخامس:ما نقل عن بعض من أنها تستنيب للطواف ثم تتم العمرة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 156)


و تأتي بالحج،لكن لم يعرف قائله.

و الأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول(1)للفرقة الاولى من
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر نظريا هو القول الخامس،فانه مقتضى كونها معذورة عن الطواف كسائر المعذورين عنه،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تجمع بين الاستنابة فعلا و الاتيان به مباشرة بعد اعمال الحج.

بيان ذلك:إن هاهنا طائفتين من الروايات:

الاولى:الروايات التي تنص على أن وظيفتها تنقلب من التمتع إلى الافراد.

منها:موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام،قال:«سألته عن المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات،قال:تصير حجة مفردة-الحديث-» 1.

و منها:صحيحة جميل بن دراج قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية،قال:تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة،ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة» 2فان هذه الطائفة تدل على أن وظيفتها تنقلب من التمتع إلى الإفراد،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن تكون المرأة حائضا حين الإحرام أو بعده.

الثانية:الروايات التي تنص على عدم الانقلاب و أن وظيفتها تأخير طواف العمرة إلى ما بعد الانتهاء من أعمال منى.

منها:صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية،فان طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة،و إن لم تطهر إلى


 

1) <page number=”156″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:13.
2) الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 157)


……….

يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة،ثم خرجت إلى منى،فإذا قضت المناسك وزارت بالبيت و طافت بالبيت طوافا لعمرتها،ثم طافت طوفا للحج،ثم خرجت فسعت،فاذا فعلت ذلك فقد احلت من كل شيء يحل منه المحرم الاّ فراش زوجها،فاذا طافت طوفا آخر حلّ لها فراش زوجها» 1.و تؤيد ذلك مجموعة من الروايات الاخرى.

و هذه الطائفة بما أنها ناصة في عدم الانقلاب و الاولى ناصة في الانقلاب فيقع التعارض بينهما،و بعد التساقط يرجع إلى استصحاب بقاء حج التمتع على ذمتها و عدم انقلابه إلى الإفراد.بل هو مقتضى اطلاق ما دلّ على انه وظيفة النائي و عليه فوظيفتها الاستنابة في الطواف،على أساس أنها معذورة عنه،و لا فرق في العذر بين أن يكون مرضا أو حيضا أو عائقا آخر،فان مورد الروايات و إن كان المريض و المبطون و المغمى عليه و ما شاكل ذلك،الاّ أن العرف لا يفهم منها خصوصية له و موضوعية،بل يفهم منها أن ذكره انما هو من باب المثال و بملاك أنه معذور عنه.

فالنتيجة:إن المستفاد منها بمناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية الضابط العام،و هو جواز الاستنابة فيه للمعذور،بدون فرق بين كون العذر مرضا أو اغماء أو حيضا أو ما شابه ذلك،و على هذا فاذا استنابت المرأة للطواف عنها و سعت بنفسها و مباشرة بين الصفا و المروة و قصرت فرغت ذمتها من العمرة، ثم بعد ذلك تنوي الإحرام للحج فتحرم فتذهب إلى عرفات،و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تجمع بين الاستنابة فيه قبل الحج و بين الاتيان به مباشرة بعد اعمال الحج و حصول الطهارة.

و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن لمورد تلك الروايات خصوصية، فوظيفتها مع ذلك هي الاحتياط،لأن دليل الانقلاب قد سقط بالتعارض على الفرض،و حينئذ فتبقى ذمتها مشغولة بحج التمتع بمقتضى الاستصحاب بل


 

1) <page number=”157″ />الوسائل باب:84 من أبواب الطواف الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 158)


……….

الاطلاق،إذ لا يحتمل سقوطه عنها في هذه الحالة بالمرة فاذن يتعيّن عليها أحد أمرين،اما الاستنابة فيه،او القضاء بعد اعمال منى،و حيث أنه لا معين في البين فيجب عليها الجمع بينهما.و من هنا يظهر أن القول بأن مقتضى القاعدة هو الجمع بينهما برفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و عدم ذكر عدل له بكلمة(أو)،بنص كل منهما في الوجوب على نحو القضية المهملة،و نتيجة ذلك هي التخيير بين العدول إلى الافراد و بين الاتيان بالعمرة مباشرة باستثناء طوافها،فانه يؤخره إلى بعد الانتهاء من اعمال الحج،لا يرجع إلى معنى صحيح،إذ لا يمكن تطبيق ضابط الجمع الدلالي العرفي على ذلك،لأن الجمع العرفي بين الدليلين المتعارضين بتقديم أحدهما على الآخر انما هو فيما إذا كان مدلوله متعينا للقرينية لدى العرف بملاك الأظهرية أو النصوصية أو الأخصية،بحيث لا يحتمل أن يكون هادما و معارضا لمدلول الدليل الآخر،بل هو مفسر و مبين للمراد الجدي منه سعة أو ضيقا،و في المقام ان استفادة الوجوب بنحو القضية المهملة انما هي من حاق صيغة الأمر بالدلالة الوضعية لكل منهما،و استفادة تعينه انما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و بما أن الدلالة الوضعية لكل منهما ليست دلالة مستقلة عن الدلالة الاطلاقية،بل هي مربوطة بها و مندكة فيها لوضوح أنه ليس لكل من الطائفتين دلالتان مستقلتان على مدلولين مستقلين في مقام الاثبات،بل لكل منهما دلالة واحدة على مدلول واحد،و هي الدلالة الاطلاقية التي تتضمن الدلالة الوضعية ضمنا،و من الواضح أن المعيار بنظر العرف العام في التعارض بين الدليلين انما هو التنافي بين المدلولين العرفيين لكل منهما،سواء أ كانا ثابتين بالاطلاق و مقدمات الحكمة، أم كانا بالوضع،كما أن المعيار بنظرهم في الجمع الدلالي العرفي بين الدليلين هو تعين مدلول أحدهما للقرينية على الآخر بملاك الأظهرية أو النصوصية أو الأخصية،و حيث أن لكل من الطائفتين مدلولا واحدا و هو المدلول الاطلاقي

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 159)


……….

و دلالة واحدة و هي الدلالة الاطلاقية،فيكون التنافي و التعارض انما هو بين المدلول الاطلاقي لكل منهما مع المدلول الاطلاقي للآخر،و أما المدلول الوضعي فبما أنه في ضمن المدلول الاطلاقي و مندك فيه،فهو لا يصلح للقرينية باعتبار أن دلالة اللفظ عليه انما هو في ضمن دلالته على المدلول الاطلاقي التصديقي،فاذا سقطت دلالته على المدلول الاطلاقي التصديقي سقطت دلالته على المدلول الوضعي أيضا،لاستحالة بقاء الدلالة على الجزء الضمنية مع سقوط الدلالة على الكل الاستقلالية،و الاّ لزم الخلف،و على هذا الأساس فلا يعقل أن تكون دلالة كل منهما على الوجوب في الجملة بالوضع قرينة على رفع اليد عن الدلالة الاطلاقية للآخر فقط.

و نظير ذلك ما اذا ورد في الدليل مثلا(لا بأس ببيع العذرة)و(ثمن العذرة سحت)،فانه قد يدعى أن لكل منهما دلالتين:

احداهما:دلالة مستندة إلى الوضع،و هي الدلالة على ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة.

و الاخرى:دلالة مستندة إلى مقدمات الحكمة،و هي الدلالة على ثبوت الحكم بنحو القضية المطلقة.و المعارضة بينهما في الحقيقة انما هي بين الدلالة الإطلاقية لكل منهما مع الدلالة الاطلاقية للآخر،لا الدلالة الوضعية لكل منهما مع الدلالة الوضعية للآخر،و بما أن الدلالة الوضعية لكل منهما ناصة باعتبار أنها القدر المتيقن منهما فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن اطلاق كل منهما و حمله على قضية مهملة تتمثل في القدر المتيقن،و نتيجة ذلك هي حمل العذرة في الدليل الأول على عذرة غير مأكول اللحم،و في الدليل الثاني على عذرة المأكول،هذا اضافة إلى أن وجود القدر المتيقن في كل منهما مانع عن ثبوت الاطلاق للآخر و منعه عن اجراء مقدمات الحكمة فيه،فيكون بمثابة القرينة المتصلة.

و الجواب،أولا:إن وجود القدر المتيقن لا يمنع عن ظهور المطلق في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 160)


……….

الاطلاق،و الاّ فلازمه أن لا ينعقد الظهور الاطلاقي للمطلق في كثير من الموارد، اذ قلّما يوجد مطلق لم يكن له قدر متيقن بين افراده.

و ثانيا:إن دلالة كل منهما على ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة ليست دلالة مستقلة حتى تصلح للقرينية،بل هي في ضمن الدلالة الاطلاقية، و المفروض أنها معارضة.أو فقل:ان الدلالة على القدر المتيقن نتيجة مدلولين مرددين بينهما الدليل،فان مفاد الدليل الأول(لا بأس ببيع العذرة)مردد بين مطلق العذرة أعم من المأكول و غير المأكول،و بين خصوص عذرة المأكول.

و مفاد الدليل الثاني(ثمن العذرة سحت)مردد بين مطلق العذرة و إن كانت من المأكول و بين خصوص عذرة غير المأكول،فان كان مفاد الأول في الواقع خصوص عذرة المأكول،و مفاد الثاني خصوص عذرة غير المأكول فلا معارضة بينهما،و إن كان مفاد الأول مطلق العذرة و إن كانت من غير المأكول،و مفاد الثاني أيضا كذلك كان بينهما تعارض،و الدلالة على ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة نتيجة تردد الدليل بينهما في الواقع و مقام الثبوت،و أما في مقام الاثبات، فبما أن هذه الدلالة تتبع دلالته الاطلاقية و تندك فيها فلكل منهما دلالة واحدة و هي الدلالة الاطلاقية باعتبار ظهور كل منهما في الاطلاق بمقدمات الحكمة، و حيث أن دلالة كل منهما على ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة ليست بدلالة مستقلة،ضرورة أنه ليست لكل منهما دلالتان مستقلتان على مدلولين كذلك،بل دلالة واحدة على مدلول واحد و هو الاطلاق،فتكون هذه الدلالة في ضمن تلك الدلالة الواحدة و هي الدلالة الاطلاقية و مندكة فيها،فلذلك لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن الدلالة الاطلاقية للآخر،لوضوح أن رفع اليد عنها بعينه هو رفع اليد عن الدلالة الوضعية،بلحاظ أنها في ضمنها و ليست دلالة مستقلة عنها،و قد مر أنه لا يعقل رفع اليد عن الدلالة على الكل و هي الدلالة الاستقلالية، و الحفاظ على الدلالة على الجزء و هي الدلالة الضمنية،و الاّ لزم خلف فرض كونها ضمنية.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 161)


……….

و بكلمة:إن كلا من الدليلين مطلق،و باطلاقه يعم عذرة المأكول و غير المأكول،و الأول يدل على جواز بيعها مطلقا،و الثاني على حرمة بيعها كذلك، و ان كان المتيقن في الأول عذرة المأكول،و في الثاني عذرة غير المأكول،الاّ أن هذا المتيقن في ضمن المطلق،و عليه فاذا سقطت دلالة المطلق على كلا الفردين بالمعارضة فبطبيعة الحال سقطت دلالته على هذا الفرد أيضا،فلا يعقل بقاؤها حتى تصلح أن تكون قرينة.و من هنا لا يلتزم أحد في مثل قضية(اكرم العلماء)و(لا تكرم العلماء)بحمل(العلماء)في الدليل الأول على(العلماء العدول)و في الثاني على(العلماء الفساق)،بل يعامل معهما معاملة المتعارضين.و النكتة في ذلك ما ذكرناه من أن التعارض بين الدليلين مرتبط بالتنافي بين مدلوليهما عرفا،كما أن الجمع العرفي بينهما مرتبط بتعين مدلول أحدهما للقرينية كذلك.

فالنتيجة:في نهاية المطاف أن الأظهر هو عدم انقلاب وظيفة الحائض من التمتع إلى الافراد،بل هي التمتع نظريا،و لكن مع هذا فالاحتياط بالجمع لا يترك-كما مر-.

ثم إن في مقابل هاتين الطائفتين من الروايات طائفة ثالثة تنص على أن المرأة إذا كانت حائضا حال الإحرام أو نفساء تنقلب وظيفتها من التمتع إلى الافراد شريطة استمرار حيضها أو نفاسها إلى ما بعد الموقف.

منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:ان أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجّة الوداع،فامرها رسول الله صلّى اللّه عليه و آله،فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه،فلما قدموا مكة لم تطهر حتى نفروا من منى و قد شهدت المواقف كلها عرفات و جمعا و رمت الجمار و لكن لم تطف بالبيت و لم تسع بين الصّفا و المروة فلما نفروا من منى أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاغتسلت و طافت بالبيت و بالصفا و المروة و كان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة و عشر من

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 162)


……….

ذي الحجة و ثلاث أيام التشريق» 1.

و منها:صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين ارادت الإحرام من ذي الحليفة أن تحتشى بالكرسف و الخرق و تهل بالحج فلما قدموا و قد نسكوا المناسك و قد أتى لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطوف بالبيت و تصلي و لم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك» 2فانهما تدلان على أن وظيفتها انقلبت من التمتع إلى الافراد،غاية الأمر إن علمت أنها لم تطهر قبل الموقف تنوي الاحرام للأفراد من الأول،و إن علمت أنها تطهر و تدرك الموقف بعد الاتيان بالعمرة تنوي الاحرام للتمتع،و إن لم تعلم بذلك تنوي للأفراد بمقتضى الاستصحاب.

ثم إن موردها و إن كان النفاس،الاّ أنه لا خصوصية له،فان المعيار انما هو بكونها محدثة بحدث لا تتمكن معه من الدخول في المسجد،هذا.

و لكن لا يمكن الالتزام بهما،و ذلك لما ذكرناه من أنهما متعارضتان بالروايات التي تنص على أن حد النفاس عشرة أيام و بعدها استحاضة،و بما أن المعارضة بينهما في الزائد على العشرة،فتسقطان من جهة المعارضة،فالمرجع في مورد الالتقاء و المعارضة الاطلاق الفوقي بالنسبة إلى وجوب الصلاة و الصيام و الطواف و جواز الوطي و أصالة البراءة بالنسبة إلى حرمة الدخول في المساجد و المكث فيها و المرور عن المسجدين الحرمين و مس كتابة القرآن و نحو ذلك،و على هذا فوظيفة أسماء بنت عميس الاتيان بعمرة التمتع،ثم الاحرام للحج باعتبار أنه قد مضى عليها أقصى فترة النفاس قبل يوم التروية، فاذن لا يمكن القول بالجمع بين الغائهما من جهة دلالتهما على أن أقصى فترة النفاس ثمانية عشر يوما،و بين الاستدلال بهما فيما نحن فيه،ضرورة أنه اذا قلنا


 

1) <page number=”162″ />الوسائل باب:49 من أبواب الاحرام الحديث:1.
2) الوسائل باب:3 من أبواب النفاس الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 163)


……….

بأن أقصى فترة النفاس عشرة أيام كانت اسماء مأمورة بالاحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام،على أساس أنه قد مضى عليها قبل دخول يوم التروية أقصى حد النفاس و هو عشرة أيام،هذا اضافة إلى أنهما لا تدلان على أنها احرمت لحج الافراد،أما الصحيحة الاولى فلأن ظاهرها أنها احرمت لحج التمتع بقرينة تقييد عدم طهارتها إلى زمان نفرها من منى،و معنى ذلك أنها اذا طهرت قبل ذلك فوظيفتها الاتيان بعمرة التمتع من حجة الإسلام،و أما الصحيحة الثانية فالوارد فيها أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أمر أسماء بأن تحتشي بالكرسف و الخرق،و تهل بالحج، و لكن هذه الكلمة لا تدل على أن اهلالها انما كان لحج الإفراد،اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون لحج التمتع.

فالنتيجة في نهاية الشوط إن الصحيحتين ساقطتان من جهة المعارضة، فلا يمكن الأخذ بهما.

قد تسأل:ان المرأة اذا حاضت قبل الاحرام و علمت بأنها لا تطهر الى ما بعد الموقف،فهل عليها أن تحرم لحج الإفراد أو التمتع؟

و الجواب:انها تحرم للتمتع على ما أشرنا إليه آنفا من أن وظيفتها ذلك و انقلابها إلى الافراد بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه،لأنه منحصر بالصحيحتين المتقدمتين،و قد تقدم أنهما تسقطان من جهة المعارضة.و أما الاحتمال الثالث و هو سقوط الحج عنها فهو غير محتمل،لأنها متمكنة من الاتيان بحج التمتع بكلا جزأيه هما العمرة و الحج،و مع تمكنها منه لا موجب لسقوطه عنها،غاية الأمر ان وظيفتها بالنسبة إلى الطواف إما الاستنابة أو تأخيرها إلى ما بعد اعمال منى.

و إن شئت قلت:ان احتمال سقوط وجوب الحج عنها رأسا من جهة عدم تمكنها من طواف العمرة على أساس حيضها غير محتمل،باعتبار أن عدم تمكن المكلف من الطواف لا يكون مبررا لسقوطه عنه،و من هنا إذا علم المكلف من حاله أنه إذا ذهب إلى الحج فليس بامكانه أن يطوف بنفسه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 164)


……….

و مباشرة لسبب أو آخر كالزحام أو نحوه،و لا بد إما أن يطوف به آخر أو يستنيب شخصا يطوف عنه لم يحتمل سقوط الحج عنه و عدم ذهابه إليه،و كذلك المرأة الحائض قبل الإحرام إذا كانت واثقة و مطمئنة بعدم انقطاع دمها و استمراره إلى اليوم العاشر من ذي الحجة.

ثم إن المرأة لا تكتفي بالقضاء فحسب،بل عليها الاستنابة للطواف فعلا و القضاء بعد اعمال منى،و ذلك لأن عمدة الدليل على القضاء هو صحيحة عبد الرحمن و علي بن رئاب 1المتقدمة،و قد مر أنها سقطت من جهة المعارضة،فاذن لا دليل على أن وظيفتها تأخير الطواف و الاتيان به بعد اعمال الحج.

و دعوى:أن مورد الصحيحة المرأة الحائض بعد الإحرام و دخول مكة فلا تعم المقام،و هو ما إذا رأت الدم قبل الإحرام و كان احرامها في حال الدم، و نتيجة ذلك أن الصحيحة لو لم تكن ساقطة من جهة المعارضة فأيضا لا تشمل المقام و لا تدل على أن وظيفتها فيه تأخير الطواف ثم قضاؤه،فاذن مقتضى القاعدة أن عليها الاستنابة في الطواف عنها في وقته،لا تأخيره و الاتيان به بعد اعمال الحج قضاء.

مدفوعة:بأن مورد الصحيحة و إن كان ذلك،الاّ أن العرف على أساس مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية لا يرى للحيض بعد الاحرام خصوصية، بل المعيار انما هو بوجوده في وقت العمرة و منعه عن الطواف حول البيت سواء أ كان حدوثه قبل الاحرام أم كان بعده،باعتبار أن الاحرام لا يكون مشروطا بالطهارة.

فالنتيجة:إن مقتضى القاعدة وجوب الاستنابة عليها،لأنها داخلة في المعذور عن الطواف و صلاته،و لكن مع هذا فالاحتياط بالجمع لا يترك،و بذلك يظهر حال سائر الأقوال في المسألة.


 

1) <page number=”164″ />الوسائل باب:84 من أبواب الطواف الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 165)


الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية لشهرة العمل بها(1)دونها،و أما القول الثالث و هو التخيير فإن كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين،ففيه أنهما يعدان من المتعارضين و العرف لا يفهم التخيير منهما و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك، و إن كان المراد التخيير الظاهري العملي فهو فرع مكافأة الفرقتين(2) و المفروض أن الفرقة الاولى أرجح من حيث شهرة العمل بها،و أما التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل،مع أن بعض أخبار القول الأول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام.

نعم لو فرض كونها حائضا حال الإحرام و علمت بأنها لا تطهر
فيه أن الشهرة العملية ليست من أحد مرجحات باب المعارضة،و أما الشهرة الروائية فإن كانت بمعنى القطع بصدورها فلا يكون تقديمها على الرواية الشاذة من باب الترجيح،بل من جهة أن الرواية لا تكون حجة في نفسها لأنها مخالفة للسنة،و إن لم تكن بمعنى القطع به فلا تصلح أن تكون مرجحة على تفصيل ذكرناه في علم الأصول،و على هذا فتسقط الطائفتان من جهة المعارضة.

فيه أن تكافؤهما و عدم الترجيح لإحداهما على الاخرى يوجب سقوطهما معا عن الحجية بالمعارضة لا حجية احداهما لا بعينه حتى تكون النتيجة هي التخيير بينهما في الحجية،لأن دليل الاعتبار كما لا يشمل كلا المتعارضين معا و لا لأحدهما معينا،كذلك لا يشمل أحدهما لا بعينه حتى يكون حجة على نحو التخيير على تفصيل ذكرناه في الأصول.و أما روايات التخيير فالمشهور و إن ذهبوا اليه في حالات التعارض بين الأخبار اذا لم يكن مرجح في البين،الاّ أنها غير تامة إما سندا،أو دلالة على تفصيل في محله.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 166)


لإدراك الحج يمكن أن يقال يتعين عليها العدول إلى الإفراد من الأول(1) لعدم فائدة في الدخول في العمرة ثم العدول إلى الحج،و أما القول الخامس فلا وجه له(2)و لا له قائل معلوم.

[مسألة 5:إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع]

[3212]مسألة 5:إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع فإن كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى(3)،و حينئذ فإن
مر الاشكال بل المنع في أصل العدول و الانقلاب،سواء أ كان من الأول أم كان بعد الدخول في العمرة لما مر من ان الروايات التي استدل على ذلك ساقطة من جهة المعارضة.

مر أنه الأظهر بحسب الصناعة و الفن.

في القوة اشكال بل منع،و الأظهر عدم البطلان،و تدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك،ثم رأت دما،قال:تحفظ مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى» 1فانها تنص على صحة طوافها و عدم بطلانه بحدوث حدث منها قبل اتمام أربعة أشواط،هذا.

و في مقابلها طائفتان من الروايات:

الاولى:الروايات التي تنص على بطلان الطواف و وجوب الاستئناف إذا كان حدوث الحيض منها قبل بلوغ النصف.

منها:رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«اذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فاذا طهرت رجعت فاتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته،فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله» 2و هذه الرواية و إن كانت واضحة دلالة الاّ أنها ضعيفة سندا،فان في سندها سلمة


 

1) <page number=”166″ />الوسائل باب:85 من أبواب الطواف الحديث:3.
2) الوسائل باب:85 من أبواب الطواف الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 167)


……….

ابن الخطاب و هو لم يثبت توثيقه.

و منها:رواية ابراهيم بن اسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام:«عن امرأة طافت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت،قال:تم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفا و المروة لأنها زادت على النصف و قد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج و إن هي لم تطف الاّ ثلاثة اشواط فلتستأنف الحج فان أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر» 1فانها تدل على بطلان الطواف بحدوث الحيض قبل أربعة أشواط، و لكنها ضعيفة من ناحية السند للإرسال.

و منها:رواية أبي اسحاق صاحب اللؤلؤ قال:«حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في المرأة المتمتعة اذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و تخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الآخر» 2فانها و إن كانت تامة دلالة و تدل على بطلان الطواف بالمفهوم اذا كان حدوث الحيض قبل أربعة أشواط،و لكنّها ضعيفة سندا،فان أبا اسحاق صاحب اللؤلؤ لم يثبت توثيقه.

فالنتيجة:إن الروايات التي تنص على بطلان الطواف اذا حاضت المرأة قبل النصف بأجمعها ضعيفة سندا.

و دعوى:انجبار ضعفها بعمل المشهور بها.

مدفوعة:بما ذكرناه غير مرة من أنه لا أثر لعمل المشهور برواية ضعيفة و لا يوجب انجبار ضعفها و دخولها في أدلة الحجية و الاعتبار و لا الوثوق و الاطمئنان بصدورها.

الطائفة الثانية:الروايات التي تنص على أن الطائف إذا أحدث في طوافه فان كان بعد تجاوز النصف تم،و إن كان قبله بطل.

منها:رواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام:«في الرجل


 

1) <page number=”167″ />الوسائل باب:85 من أبواب الطواف الحديث:4.
2) الوسائل باب:86 من أبواب الطواف الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 168)


……….

يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه،قال:يخرج و يتوضأ،فان كان جاز النصف بنى على طوافه،و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف» 1فان دلالتها و إن كانت واضحة الاّ أنها ضعيفة سندا من جهة الارسال.

فالنتيجة:إنه لا يوجد في مقابل صحيحة محمد بن مسلم 2ما يصلح أن يعارضها أو يقيد اطلاقها بغير طواف الفريضة.

قد يقال:ان بين صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثم اشتكى أعاد الطواف يعني الفريضة» 3و بين صحيحة محمد بن مسلم معارضة بالتباين شريطة أن لا يكون التفسير فيها من الإمام عليه السّلام و كان من الراوي.و أما إذا كان التفسير منه عليه السّلام فلا معارضة بينهما،لأن نسبة صحيحة الحلبي إلى صحيحة محمد بن مسلم حينئذ نسبة المقيد إلى المطلق،فتوجب تقييد اطلاق صحيحة محمد بن مسلم بغير طواف الفريضة.

و لكن الظاهر أنه جزء من الرواية لا أنه زيادة فيها من الراوي،و على هذا فتقع المعارضة بينهما و تسقطان من جهة المعارضة،و حينئذ فإن كان في سعة الوقت فالمرجع قاعدة الاشتغال،و إن كان في ضيقه فالمشهور الانقلاب،و أما بناء على ما استظهرناه فتكون الوظيفة الاستنابة،و مع هذا فالاحتياط بالجمع بينهما و بين القضاء لا يترك.

و دعوى:ان العذر المانع عن اتمام الطواف في مورد صحيحة محمد بن مسلم الحيض،و في مورد صحيحة الحلبي غيره كالمرض أو نحوه،فلا تنافي بينهما.

مدفوعة:بان المتفاهم العرفي عدم الفرق بين أن يكون المانع من اتمام الطواف حدث الحيض أو عذر آخر،فان المعيار انما هو بطروّ العذر المانع من الطواف بدون خصوصية للاسم و العنوان.


 

1) <page number=”168″ />الوسائل باب:40 من أبواب الطواف الحديث:1.
2) الوسائل باب:85 من أبواب الطواف الحديث:3.
3) الوسائل باب:45 من أبواب الطواف الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 169)


……….

و قيل:إن التعارض بينهما مبني على أن تكون صحيحة الحلبي مشتملة على كلمة(ثلاثة)كما في الوسائل،و لكن اشتمالها على هذه الكلمة غير ثابت،على أساس أن صاحب الوسائل نقل هذه الصحيحة عن الكافي، و الصحيحة فيه غير مشتملة عليها،و انما تكون مشتملة على كلمة(اشواطا)، فاذن تكون نسبة صحيحة محمد بن مسلم اليها نسبة المقيد إلى المطلق،فلا تعارض بينهما.

و الجواب:إن هذه الصحيحة معارضة لصحيحة محمد بن مسلم سواء أ كانت مشتملة على كلمة(ثلاثة)أم لا،و ذلك لأن تقييد الاشواط في صحيحة محمد بن مسلم بثلاثة أو أقل،انما هو من باب التقييد بالفرد الخفي و لا مفهوم له،اذ لا يحتمل عرفا أن الحكم بعدم بطلان الطواف بظهور الحيض في المرأة مختص بما إذا طافت ثلاثة أشواط أو أقل،و أما إذا طافت أكثر منها فلا يحكم بعدم البطلان،و على هذا فلا ظهور لتوصيف الأشواط بها في الاحتراز،و لا في نفي الحكم عن حالات انتفاء هذا الوصف بنحو السالبة الجزئية.

فالنتيجة:ان العرف يفهم من الصحيحة عدم بطلان الطواف بظهور الحيض في أثنائه سواء أ كان قبل ثلاثة أشواط أم كان بعدها،و عليه فالتعارض بينهما قد ظل ثابتا و مستقرا،هذا.

فالصحيح في المقام أن يقال:ان التعدي عن مورد صحيحة الحلبي إلى ما نحن فيه بحاجة إلى قرينة و عناية زائدة ثبوتا و اثباتا.

اما ثبوتا:فلأنه يتوقف على أن يكون المرض الطارئ في أثناء الطواف ملحوظا في مقام الثبوت على نحو الطريقية الصرفة و بعنوان أنه مانع من اتمامه بدون خصوصية للاسم.

و اما اثباتا:فهو يتوقف على وجود قرينة عليه،و الفرض عدم وجودها، و احتمال الخصوصية فيه لا يكون على خلاف الارتكاز العرفي،إذ ليس المتفاهم منها عرفا مطلق المانع بدون خصوصية للمرض.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 170)


كان الوقت موسعا أتمت عمرتها بعد الطهر و إلا فلتعدل إلى حج الإفراد(1) و تأتي بعمرة مفردة بعده،و إن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف و بعد الطهر تأتي بالثلاثة الأخرى و تقصّر مع سعة الوقت،و مع ضيقه تأتي بالسعي و تقصر ثم تحرم للحج و تأتي بأفعاله ثم تقضي بقية طوافها قبل طواف الحج أو بعده(2)ثم تأتي ببقية أعمال الحج و حجها صحيح تمتعا،
لحد الآن قد تبين أن الأظهر عدم بطلان الطواف بطرو الحيض في أثنائه و إن كان قبل تجاوز النصف،و لكن مع هذا فالاولى و الأجدر بها أن تجمع بين الاستنابة فيه بنية الأعم من التمام و الإتمام و بين الاتيان به بعد اعمال الحج مباشرة كذلك،أو تجمع بين الاستنابة في الأشواط الباقية و بين الإتيان بطواف كامل بعد الأعمال ناويا به الأعم من التمام و الاتمام،هذا كله في ضيق الوقت.

و أما في سعته فعليها أن تتم عمرتها بعد الطهر،و الأحوط و الأجدر بها أن تأتي بطواف كامل بنية الأعم من التمام و الاتمام.

فيه انه لا وجه للقول بالعدول و الانقلاب،لما تقدم من أن ما دل على هذا القول قد سقط من جهة المعارضة،و من هنا قلنا ان وظيفتها فيما اذا طرأ الحيض عليها بعد الاحرام و قبل الشروع في العمرة و لم تتمكن من الاتيان بها لضيق الوقت هي الجمع بين الاستنابة في الطواف و الاتيان بالسعي و التقصير بنفسها و مباشرة و بين القضاء بعد أعمال منى و قبل طواف الحج،و أما في المقام فلا يبعد أن تكون وظيفتها الاتيان ببقية الأشواط بعد اعمال الحج مباشرة و إن كان الأجدر بها أن تجمع بين الاستنابة فيها و القضاء بعد اعمال منى.

مر أن الظاهر وجوب قضاء طواف العمرة قبل طواف الحج،و تنص على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب 1المتقدمة.


 

1) <page number=”170″ />الوسائل باب:84 من أبواب الطواف الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 171)


و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته(1).

فيه انا لو قلنا ببطلان الطواف فيما إذا حاضت المرأة بعد أربعة اشواط و لو من جهة تسليم المعارضة بين صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الحلبي، فلا نقول به في المقام،لأنه خارج عن مورد الروايات،هذا اضافة الى وجود النصوص الخاصة التي تدل على صحته في المقام.

و نذكر فيما يلي عددا من النتائج:

الاولى:إن المرأة اذا حاضت و استمر حيضها إلى أن ضاق وقت العمرة، فالمشهور ان وظيفتها تنقلب من حج التمتع إلى الافراد بدون فرق في ذلك بين أن يكون حيضها قبل الإحرام أو بعده،و لكن الأظهر بحسب الصناعة عدم الانقلاب و أن وظيفتها الاستنابة في الطواف عنها و الاتيان بالسعي و التقصير بنفسها و مباشرة و إن كان الأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تجمع بين الاستنابة فيه و بين قضائه بعد اعمال منى.

الثانية:إن القول بأن المرأة في هذه الحالة مخيرة بين أن تعدل إلى حج الإفراد و بين تأخير طواف العمرة إلى ما بعد اعمال منى،و لكن قد تقدم أنه لا أساس لهذا القول،و لا يمكن استفادته من نفس روايات الباب و لا من أخبار التخيير.

الثالثة:إن الأظهر عدم بطلان الطواف بطرو الحيض في أثنائه سواء أ كان قبل التجاوز من النصف أم كان بعد التجاوز منه و إن كان الاولى الاحتياط كما مر.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 172)


[فصل في المواقيت]

فصل في المواقيت و هي المواضع المعينة للإحرام أطلقت عليها مجازا أو حقيقة متشرعة،و المذكور منها في جملة من الأخبار خمسة،و في بعضها ستة، و لكن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة:

[أحدها:ذو الحليفة]

أحدها:ذو الحليفة،و هي ميقات أهل المدينة و من يمرّ على طريقهم، و هل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟قولان،و في جملة من الأخبار أنه هو الشجرة،و في بعضها أنه مسجد الشجرة،و على أي حال فالأحوط الاقتصار على المسجد،إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيد(1)،لكن مع
فيه ان هذا ليس من باب حمل المطلق على المقيد الذي هو من أحد موارد الجمع الدلالي العرفي،بل هو بيان للمراد من المطلق بلسان التفسير اللفظي،و تنص على ذلك روايتان:

احداهما:صحيحة الحلبي قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لا ينبغي لحاج أو معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلى فيه و يفرض الحج، و وقّت لأهل الشام الجحفة،و وقّت لأهل النجد العقيق،و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل،و وقّت لأهل اليمن يلملم،و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 173)


……….

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» 1.

و الاخرى:صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:

الاحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله…إلى أن قال:و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة كان يصلي فيه و يفرض الحج،فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأوّل أحرم» 2فانهما تفسران ذا الحليفة الواردة في مجموعة كبيرة من الروايات بمسجد الشجرة.

ثم ان المراد منه هل هو نفس المسجد الموجود في هذه المنطقة،أو أنه اسم للمنطقة ككل كمسجد سليمان مثلا؟الظاهر هو الأول،لأن إرادة المعنى الثاني منه بحاجة إلى قرينة،و الاّ فالمسجد اسم لنفس البيت المبني للّه تعالى، هذا اضافة إلى أن قوله عليه السّلام بعده:«و يصلى فيه»شاهد على ذلك.

و من ناحية اخرى:إن نتيجة الجمع العرفي بين عدة من الروايات أن الميقات محدد شرعا بما بين مسجد الشجرة و البيداء،و هذا يعني أنه يبدأ من المسجد و ينتهي إلى البيداء بمسافة ميل افقيا.

بيان ذلك:ان تلك الروايات تتمثل في ثلاث مجموعات:

الاولى:تدل على الاجهار بالاهلال و التلبية من المسجد إذا كان ماشيا، و الاّ فمن البيداء،و هي متمثلة في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال:إن كنت ماشيا فأجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و إن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء» 3و لكن لا بد من حمل ذلك على الاستحباب بقرينة الروايات الآتية.

الثانية:تدل على وجوب التلبية من البيداء و النهي عنها قبلها،و هي متمثلة في روايات كثيرة:

منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا فرغت من


 

1) <page number=”173″ />الوسائل باب:1 من أبواب المواقيت الحديث:3.
2) الوسائل باب:1 من أبواب المواقيت الحديث:4.
3) الوسائل باب:34 من أبواب الاحرام الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 174)


……….

صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هنيئة،فاذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ-الحديث-» 1.

و منها:صحيحة معاوية بن وهب قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التهيؤ للإحرام،فقال:في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد ترى اناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول:لبّيك اللهمّ لبيك-الحديث-» 2.

و منها:صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» 3.

و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:صل المكتوبة ثم احرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك،فاذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ -الحديث-» 4.و منها غيرها.

و هذه المجموعة تدل على عدم جواز التلبية من المسجد إلى أن يصل إلى البيداء و هو مسافة ميل،و بعد الوصول تجب،و نتيجة ذلك أن المسجد ليس ميقاتا للإحرام،و انما هو مكان الصلاة مقدمة له حتى يتهيّأ الحاج و ينوي ما يريد،ثم يمشى بعد الصلاة عازما على الحج إلى أن يصل الى الميقات و هو البيداء،و حينئذ تجب عليه التلبية على أساس أن حقيقة الإحرام إنما هي التلبية، و لا إحرام بدونها.

الثالثة:تنص على جواز التلبية من المسجد و في دبر الصلاة،و هي متمثلة في موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«قلت له:إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟قال:أي ذلك شاء صنع» 5.و تؤيد ذلك رواية معاوية بن عمار،و هذه الموثقة بما أنها


 

1) <page number=”174″ />الوسائل باب:34 من أبواب الاحرام الحديث:2.
2) الوسائل باب:34 من أبواب الاحرام الحديث:3.
3) الوسائل باب:34 من أبواب الاحرام الحديث:4.
4) الوسائل باب:34 من أبواب الاحرام الحديث:6.
5) الوسائل باب:35 من أبواب الاحرام الحديث:4.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 175)


ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد و لو اختيارا و إن قلنا إن ذا الحليفة هو المسجد،و ذلك لأن مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا(1)،إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه،هذا مع إمكان دعوى أن المسجد حدّ للإحرام(2)فيشمل جانبيه مع محاذاته،و إن شئت فقل:المحاذاة كافية و لو مع القرب من الميقات.

[مسألة 1:الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة-و هي ميقات أهل الشام-اختيارا]

[3213]مسألة 1:الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة-و هي ميقات أهل الشام-اختيارا،نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع،لكن خصها بعضهم بخصوص المرض و الضعف،لوجودهما في الأخبار فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات،و الظاهر إرادة المثال،
ناصة في جواز التلبية من المسجد فتصلح أن تكون قرينة على حمل الأمر بها بعد الوصول إلى البيداء على الاستحباب و الأفضلية،و نتيجة ذلك أن المسجد مبدأ الميقات و نهايته البيداء،يعني بمسافة ميل،و هذه المسافة المحددة كلها ميقات،و يجوز الإحرام من أي نقطة منها شاء،و إن كان الأفضل هو الاحرام من البيداء و هو نهاية تلك المسافة المحددة.و من هنا يظهر أن الروايات التي تدل على أن ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة ميقات انما هي في مقام بيان مبدأ الميقات،و بضمها الى الروايات الآمرة بتأخير التلبية الى البيداء ينتج أن هذه المسافة المعينة كلها ميقات مع التفاضل بين مواضعها،فيكون الاحرام من نهايتها أفضل من الاحرام من بدايتها.

ظهر مما مر أن دائرة الميقات أوسع من المسجد،و يصح الإحرام من خارجه.

مر أنه مبدأ الميقات للإحرام الى مسافة ميل طولا،و أما عرضا فلا يكون محددا شرعا،فالمتبع فيه الصدق العرفي،و أما النقطة المحاذية للشجرة فلا شبهة في كفايتها في المقام للنص الخاص فيه،و أما سائر المواقيت فسيأتي الكلام فيها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 176)


فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة(1).

[مسألة 2:يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق]

[3214]مسألة 2:يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول إلى ميقات آخر كالجحفة أو العقيق،فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة،بل الظاهر أنه لو أتى إلى ذي الحليفة ثم أراد الرجوع
هذا شريطة أن تصل الضرورة إلى حدّ الحرج،و الاّ فلا أثر لها.

بيان ذلك:ان هاهنا ثلاث روايات قد تضمنت هذين العنوانين:

الاولى:صحيحة أبي بصير قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:خصال عابها عليك أهل مكة،قال:و ما هي؟قلت:قالوا:احرم من الجحفة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من الشجرة،قال:الجحفة أحد الوقتين فاخذت بأدناهما و كنت عليلا» 1فانها تدل على جواز الاحرام من الجحفة تاركا له من الشجرة عامدا و ملتفتا إذا كان عليلا،و مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أن احرامه من الشجرة يكون حرجيا عليه.

الثانية:موثقة أبي بكر الحضرمي قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون و قد رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة» 2فانها تدل أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رخص من كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة،و من المعلوم أن مناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضى أن يكون احرامه من الشجرة حرجيا عليه في هذه الحالة.

الثالثة:صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:«كتبت إليه:إن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء


 

1) <page number=”176″ />الوسائل باب:6 من أبواب المواقيت الحديث:4.
2) الوسائل باب:6 من أبواب المواقيت الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 177)


……….

و لا منزل و عليهم في ذلك مؤنة شديدة و يعجّلهم اصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي ينزلون فيه،فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفته عليهم،فكتب:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الاّ من علة» 1فانها تدل على أن التجاوز من الميقات غير جائز الاّ من مرض و علة،و أما مجرد أن الإحرام منه صعب عليه دون مكان آخر لا يوجب جواز التجاوز عنه بدونه.

ثم إن المتفاهم العرفي من هذه الروايات بمناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية أن المرض إنما يوجب جواز التجاوز من مسجد الشجرة بدون إحرام إلى الجحفة و الإحرام منها إذا كان الإحرام من المسجد حرجيا عليه لا مطلقا،و كذلك الحال في الضعف،و على هذا فلا موضوعية لعنوان المرض أو الضعف فان المعيار انما هو بلزوم الحرج،فاذا كان الإحرام منه حرجيا جاز تأخيره إلى الجحفة،سواء أ كان بسبب مرض أو ضعف أو شيء آخر كبرودة الهواء أو نحوها.

فالنتيجة:ان المعيار انما هو بكون الاحرام من الميقات حرجيا أو ضرريا، فعندئذ يسوغ تأخيره إلى الميقات الأمامي كالجحفة،بدون فرق بين لون منشأه و أنه مرض أو ضعف أو برودة الطقس أو غير ذلك.

و دعوى:ان رواية ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال:

«سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الاحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال:لا و هو مغضب،من دخل المدينة فليس له أن يحرم الاّ من المدينة» 2تدل على أن السبب الآخر غير المرض و الضعف لا يوجب جواز تأخير الإحرام


 

1) <page number=”177″ />الوسائل باب:15 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:8 من أبواب المواقيت الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 178)


منه و المشي من طريق آخر جاز،بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع(1) فإن الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلا و إذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزا(2)و إن كان ذلك و هو في ذي الحليفة،و ما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد-من المنع عن العدول إذا أتى المدينة-مع ضعفه
من مسجد الشجرة.

مدفوعة أما أولا:فالرواية ضعيفة فان في سندها جعفر بن محمد بن حكيم و هو لم يثبت توثيقه،و مجرد كونه من رجال اسناد كامل الزيارات لا يكفي.

و أما ثانيا:إن مجرد خوف كثرة البرد أو كثرة الايام لا يكون مبررا لجواز التأخير،فان المبرر له انما هو لزوم الحرج و لم يفرض ذلك في الرواية.

هذا شريطة أن لا يصدق عليه عرفا التجاوز عن الميقات بدون إحرام، و اما إذا صدق كما هو الظاهر فلا يجوز له أن يتجاوز عن الميقات بدونه،فانه اذا وصل الى مسجد الشجرة قاصدا الحج أو العمرة لم يجز له التجاوز عنه بدون أن يحرم،و من الواضح أن التجاوز عنه يصدق سواء أ كان التجاوز بخط مستقيم افقيا أو بخط منكسر و منحن كذلك،باعتبار أن سيره يكون من كلا الخطين إلى مكة.نعم اذا كان مسجد الشجرة مفترق الطرق،طريق إلى مكة،و طريق إلى بلد آخر و منه إلى مكة مارا من الجحفة،و على هذا فان اختار السير من الطريق الآخر الموصل إلى ذلك البلد فان كان غرضه بذلك الإحرام من الجحفة و تركه من مسجد الشجرة كما هو المفروض صدق عليه عنوان التجاوز،و إن كان غرضه الذهاب إلى ذلك البلد،ثم منه إلى مكة،لا يصدق عليه عنوان التجاوز،فاذن لا بد في المسألة من التفصيل،و ليس لذلك ضابط كلي،فان المعيار انما هو بصدق التجاوز عن الميقات،فان صدق بدون احرام عرفا لم يجز،و الاّ فلا مانع منه.

مرّ أن المعيار انما هو بصدق التجاوز و عدمه عرفا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 179)


منزّل على الكراهة.

[مسألة 3:الحائض تحرم خارج المسجد على المختار]

[3215]مسألة 3:الحائض تحرم خارج المسجد على المختار،و يدل عليه-مضافا إلى ما مر-مرسلة يونس(1)في كيفية احرامها«و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير صلاة»و أما على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد و تحرم في حال الاجتياز(2)إن أمكن،و إن لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت من خارج المسجد(3)
فيه أن الرواية مسندة و موثقة لا مرسلة،و جاءت بهذا النص،يونس ابن يعقوب قال:«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الإحرام،قال:تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب احرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة» 1هذا،و قد تقدم جواز الاحرام من خارج المسجد اختيارا باعتبار أن هذه المنطقة بشعاع ميل افقيا ميقات.

الظاهر عدم جواز دخولها المسجد للإحرام فيه و لو في حال الاجتياز،فان الاجتياز المستثنى في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم 2المعلل بقوله تعالى: وَ لاٰ جُنُباً إِلاّٰ عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا 3هو أن يتّخذ المسجد طريقا و سبيلا،و لا يصدق على الدخول فيه بغاية اخرى اجتيازا،فاذن تكون الحائض ممن لا يقدر على الإحرام من مسجد الشجرة،فوظيفتها أن تحرم من الجحفة بناء على أن المسجد هو الميقات فحسب.

على الأحوط الأولى،لما مر من أنها لما لم تكن قادرة على الإحرام


 

1) <page number=”179″ />الوسائل باب:48 من أبواب الاحرام الحديث:2.
2) الوسائل باب:15 من أبواب الجنابة الحديث:10.
3) النساء:43/4.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 180)


و جددت في الجحفة(1)أو محاذاتها(2).

[مسألة 4:إذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم من خارج المسجد]

[3216]مسألة 4:إذا كان جنبا و لم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم من خارج المسجد(3)،و الأحوط أن يتيمم للدخول و الإحرام،و يتعين ذلك
من الميقات الأول و هو مسجد الشجرة-بناء على هذا القول-فوظيفتها الإحرام من الميقات الأمامي كالجحفة،لأنها حينئذ تكون مشمولة لإطلاقات الروايات المتقدمة التي تنص على أنه لا يسوغ التجاوز عن الميقات الاّ من علة،و لا وجه حينئذ للإحرام من خارج المسجد بعد افتراض أنه ليس بميقات كما هو المفروض على هذا القول.

بل يحرم منها ابتداء في مفروض المسألة.

سوف يأتي الاشكال في كفاية الاحرام من محاذاة سائر المواقيت غير مسجد الشجرة.

مر أنه بناء على ما هو الصحيح من أن خارج المسجد ميقات إلى شعاع الميل،فالإحرام منه جائز اختيارا و إن لم يكن جنبا و لا حائضا،و به يظهر أن التيمم غير مشروع للدخول فيه و الإحرام منه.نعم بناء على القول بأن المسجد هو الميقات،قد يقال كما قيل بأنه لا يسوغ للجنب أو الحائض بعد انقطاع الدم أن يتيمّم للدخول في المسجد من أجل الإحرام،بل أن وظيفته تأخير الاحرام إلى الجحفة.

بيان ذلك:ان التيمم للدخول في المسجد من أجل الاحرام منه غير مشروع،لأن الجنب أو الحائض لا يكون قادرا على الإحرام منه من جهة عدم القدرة على الدخول فيه،و عليه فلا يكون الإحرام منه واجبا عليه،لأن وجوبه مشروط بجواز دخوله فيه،و الفرض أنه لا يجوز و لا يمكن اثبات هذا الجواز بالتيمم،لأن التيمم يتوقف على وجود مسوّغ له،و المسوّغ لا يخلو من أن يكون ضيق وقت العمل أو سبب آخر كاشتراط العبادة الموقتة بالطهارة سواء أ كانت

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 181)


……….

واجبة أم كانت مستحبة،فانه إذا لم يجد الماء أو لم يتيسّر استعماله في وقتها بكامله فعليه أن يتيمم فيكون التيمم في هذه الحالة شرطا،و قد يكون شرطا كماليا في العبادة كصلاة الأموات،فانها صحيحة بدون طهارة و لكنها مع الطهارة أفضل و أكمل،و قد يكون لممارسة ما يحرم على غير المتوضئ أو غير المغتسل،كما إذا كانت هناك غاية مشروعة تدعو الجنب للدخول في المساجد، فانه يتمم للدخول فيها من أجل تلك الغاية.و اما في المقام فليس هنا غاية تدعو الجنب أو الحائض بعد النقاء للدخول في المسجد من أجلها،و أما الإحرام فيه فهو لا يصلح أن يكون غاية تتطلب مشروعية التيمم للدخول فيه من أجله باعتبار أن توجه الأمر بالاحرام فيه إليه و كونه مشروعا في حقه متوقف عليها، فلو كانت تلك متوقفة عليه لزم الدور،فمن أجل ذلك لا يمكن أن يكون الأمر بالاحرام فيه مسوغا للتيمم،بل لا بد أن يكون سائغا في نفسه و بقطع النظر عنه في المرتبة السابقة،كما إذا تيمم للصلاة من جهة عدم تيسر استعمال الماء،فإنه حينئذ يجوز له الدخول في المسجد و الإحرام منه،و على هذا فالجنب أو الحائض داخل في المعذور عن الإحرام من المسجد،فيسوغ له التجاوز عنه و الإحرام من الجحفة بمقتضى اطلاق الروايات التي تنص على عدم التجاوز عنه الاّ من علة،و الجنابة و الحيض علة.

و بكلمة ان الجنب لا يكون مأمورا بالاحرام من المسجد،فاذا لم يكن الاحرام مشروعا في حقه،فان مشروعيته له تتوقف على جواز دخوله فيه، و هو يتوقف على التيمم،و لا مسوّغ له،لأن التيمم للدخول فيه لا بد أن يكون من أجل غاية مشروعة بقطع النظر عنه،و الفرض عدم وجودها،لأن مشروعية الاحرام فيه تتوقف على التيمم،و لا يكون مشروعا بقطع النظر عنه و في نفسه، باعتبار أنه لا أمر به بدونه،هذا نظير ما إذا تيمم الجنب للدخول في المسجد من أجل الصلاة باعتبار أن الأمر بالصلاة فيه لا يكون متوجها إليه،و هو يتوقف على مشروعية التيمم للدخول فيه من أجلها،و المفروض أن مشروعيته تتوقف على

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 182)


على القول بتعيين المسجد(1)،و كذا الحائض إذا لم يكن لها ماء بعد نقائها.

[الثاني:العقيق]

الثاني:العقيق،و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمرّ عليه من غيرهم،و أوّله المسلخ،و أوسطه غمرة،و آخره ذات عرق(2)، و المشهور جواز الإحرام من جميع مواضعه اختيارا و أن الأفضل
أن يكون الأمر بالصلاة فيه متوجها إليه و تكون مشروعة في حقه بقطع النظر عنه،فلذلك لا يكون التيمم مشروعا للجنب او الحائض بعد انقطاع دمها للدخول في المساجد من أجل الصلاة فيها،هذا كله على القول بعدم استحباب التيمم في نفسه اي بعنوان أنه طهور،و أما بناء على استحبابه كذلك كما هو الأظهر على أساس أنه قد ورد في الروايات أن التيمم أحد الطهورين و الفرض أن الطهور محبوب في نفسه شرعا،فاذن يكون التيمم من أجل الكون على الطهارة محبوب،فلا مجال لهذا الاشكال حينئذ،لأن الجنب او الحائض على هذا قادر على الدخول في المسجد من جهة قدرته على التيمم من اجل الكون على الطهارة،فاذا كان قادرا عليه وجب،فيجب عليه عندئذ أن يتيمم و يدخل فيه و يحرم منه و لا يكون معذورا.

هذا هو الأظهر بناء على ما قويناه من أن التيمم مستحب من أجل أنه طهور،فإذا أتى به من أجل كونه على الطهارة فقد أتى بتيمم مشروع.

هذا هو المعروف و المشهور بين الأصحاب،و قد استدل على ذلك برواية أبي بصير قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:حد العقيق أوله المسلخ، آخره ذات عرق» 1فانها تحدد العقيق من حيث المبدأ و المنتهى بوضوح، و بمرسلة الصدوق قال:«و قال الصادق عليه السّلام:وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق


 

1) <page number=”182″ />الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:7.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 183)


……….

العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق،و أوله أفضل» 1و لكن للنظر في ذلك مجال.أما المرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها من جهة إرسالها.

و دعوى:أن ضعفها منجبر بعمل المشهور بها.

مدفوعة:بما ذكرناه غير مرة من المناقشة في كون عمل المشهور برواية ضعيفة جابرا لضعفها نظريا و تطبيقيا،و أما رواية أبي بصير فان الراوي عنه عمار ابن مروان و هو مردد بين اليشكري و بين الكلبي،و هو بعنوان اليشكري ثقة دون الكلبي،و لم يثبت أنهما عنوانان لشخص واحد،اذ لا دليل على الاتحاد و على التعدد،فهل المراد منه في الرواية اليشكري الثقة حتى تكون الرواية معتبرة،أو المراد منه الكلبي حتى تكون الرواية ضعيفة.

و دعوى:أن المراد منه الأول للانصراف من جهة أنه المعروف و المشهور.

مدفوعة:بأن شهرة عمار بن مروان بعنوان اليشكري لم تصل إلى درجة كلما أطلق عمار بن مروان كان المنصرف منه اليشكري،فانه ليس من الرواة المعروفين و المشهورين،حيث أن وقوعه بعنوان اليشكري في اسناد الروايات قليل.

فالنتيجة:انه لا يمكن حصول الوثوق و الاطمئنان بأن المراد منه اليشكري،غاية الأمر حصول الظن به و لا قيمة له.هذا اضافة إلى أنها معارضة بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:أول العقيق بريد البعث، و هو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراق،و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان» 2فانها تنص على أن أوله بريد البعث لا المسلخ،و بينه و بين غمرة بريدان،و مثلها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة -الحديث-» 3و على هذا فان قلنا بأن رواية أبي بصير لم يثبت اعتبارها كما هو


 

1) <page number=”183″ />الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:9.
2) الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:2.
3) الوسائل باب:1 من أبواب المواقيت الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 184)


……….

الأظهر فالمرجع حينئذ هو صحيحة معاوية،و مقتضاها أن أول العقيق بريد البعث ثم المسلخ.نعم انها ساكتة عن آخره،و لكن صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:آخر العقيق بريد أوطاس،و قال:بريد البعث دون غمرة ببريدين» 1تنص على أن آخره بريد أوطاس.

و دعوى:أن كلتا الصحيحتين مخالفة للمشهور المصرح به في كلماتهم من أن أول العقيق المسلخ و آخره ذات عرق،باعتبار أن الاولى مخالفة لهم في أوله،و تنص على أنه بريد البعث دون المسلخ و الثانية مخالفة لهم في آخره و تنص على أنه بريد أوطاس لا ذات عرق،فلذلك كانتا مهجورتين لديهم، و ذلك موجب لسقوطهما عن الحجية.

مدفوعة:بما ذكرناه غير مرة من أن الرواية إذا كانت معتبرة لا تسقط عن الحجية بمخالفة المشهور و عدم عملهم بها،فاذن لا مناص من العمل بها، و يكون الناتج من ضمها إلى صحيحته الاولى أن أوله بريد البعث و آخره بريد أوطاس،و أما ذات عرق فقد ورد في موثقة عمار قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجيء فيقضي متعة،ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن،قال:يرجع إلى مكة بعمرة..إلى أن قال:كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء،فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج» 2فانها تدل على أنه من الميقات،و أما الاحرام من غمره فمضافا إلى هاتين الصحيحتين فقد ورد في موثقة اسحاق بن عمار قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الاحرام من غمرة قال:

ليس به بأس و كان بريد العقيق أحب إلي» 3.

و أما على تقدير أن رواية أبي بصير معتبرة فيقع التعارض بينها و بين صحيحة معاوية في تحديد أول العقيق،فان مقتضى رواية أبي بصير أن أوله


 

1) <page number=”184″ />الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:22 من أبواب أقسام الحج الحديث:8.
3) الوسائل باب:3 من أبواب المواقيت الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 185)


……….

المسلخ،و مقتضى الصحيحة أن أوله بريد البعث،و بعد سقوطهما فيه بالمعارضة لم يثبت عنوان الأولية لكل من المسلخ و بريد البعث،و أما أصل ميقاتية كل منهما فهو ثابت و لا معارضة فيه باعتبار أن التعارض انما هو في عنوان الأولية،و نتيجة ذلك أنه يجوز الإحرام من كل من المسلخ و من غمرة و من ذات عرق.

و أما ذات عرق؛فقد قيل إنها كانت اسما لقرية فخربت،و أما غمرة؛فهي داخلة في عمق العقيق،و أما بريد البعث،فهو اسم لمبدإه بناء على ما هو الصحيح من عدم اعتبار رواية أبي بصير،و أما في الصحيحة الثانية لمعاوية من أن آخر العقيق بريد أوطاس فلم يرد في شيء من الروايات جواز الإحرام منه، و أما الإحرام من بريد البعث الذي هو أول العقيق فهو الأفضل بمقتضى جملة من الروايات.

و أما الصحيحة الثالثة لمعاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها الاّ و أنت محرم،فانه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق -الحديث-» 1فهي تدل على أن الميقات بطن العقيق أي وسطه،فاذن تكون منافية لما دل من أن أوله و هو بريد البعث ميقات،و لكن الظاهر أنه لا تنافي بينهما،فان المتفاهم العرفي من بطن العقيق بمناسبة الحكم و الموضوع هو داخله في مقابل الخارج عنه،باعتبار أن العقيق محدود بحد معين و بمسافة محددة،فاذا وصل إلى ذلك الحد و دخل في محدوده دخل في باطنه،فاذن لا تنافي بينه و بين كون أوله و هو بريد البعث ميقات،باعتبار أنه داخل في العقيق.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن بطن العقيق ظاهر في وسطه الاّ أنه لا بد من رفع اليد عنه بنص الروايات الداله على أن بريد البعث الذي هو أول العقيق ميقات،و يجوز الاحرام منه تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر


 

1) <page number=”185″ />الوسائل باب:1 من أبواب المواقيت الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 186)


……….

على الأظهر او النص.

و بكلمة:إن هذه الصحيحة لا تكون مخالفة لسائر الروايات التي تدل على أن العقيق ميقات،فان الظاهر منها أن حدوده خارجة منه.

لحد الآن قد تبين أن المستفاد من مجموعة من روايات الباب بضم بعضها إلى بعض أن العقيق الذي هو ميقات لأهل العراق محدد من حيث المبدأ ببريد البعث و المنتهى ببريد أوطاس،و المسلخ بينهما،و أما غمرة فهل هي نهاية العقيق و أن بريد أوطاس داخل فيها،أو أن نهايته بريد أوطاس بعد غمرة؟فلا يمكن استفادة ذلك من الروايات،فاذن تطبيق ذلك خارجا يتطلب الرجوع إلى أهل الخبرة من المنطقة و السؤال عنهم،و ترشد إلى ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يجزيك اذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب عن ذلك» 1.

فظهر مما مر أن آخره بريد أوطاس على ما نص عليه في صحيحة معاوية بن عمار 2المتقدمة.

و أما ذات عرق،فقد ورد في روايتين أن آخر العقيق ذات عرق،احداهما رواية أبي بصير 3المتقدمة،و الاخرى مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام:«قال:

وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق،و أوله أفضل» 4و لكن كلتا الروايتين لا يمكن الاعتماد عليها، أما الأولى فقد مر أنه لم يثبت صحتها،و أما الثانية فلإرسالها.نعم ورد في موثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قوله:«كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج» 5الاّ أنه لا يدل على أنه آخر العقيق،و انما يدل على أنه من الميقات.


 

1) <page number=”186″ />الوسائل باب:5 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:1.
3) الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:7.
4) الوسائل باب:2 من أبواب المواقيت الحديث:9.
5) الوسائل باب:22 من أبواب القسام الحج الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 187)


الإحرام من المسلخ(1)ثم من غمرة،و الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلا لمرض أو تقية فإنه ميقات العامة،لكن الأقوى ما هو المشهور،و يجوز في حال التقية الإحرام من أوله قبل ذات عرق سرّا من غير نزع ما عليه من الثياب(2)إلى ذات عرق ثم إظهاره و لبس ثوبي الإحرام هناك،بل هو الأحوط،و إن أمكن تجرده و ليس الثوبين سرا ثم نزعهما و لبس ثيابه إلى ذات عرق ثم التجرد و لبس الثوبين فهو أولى.

[الثالث:الجحفة]

الثالث:الجحفة،و هي لأهل الشام و مصر و مغرب و من يمرّ عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها(3).

بل الافضل من بريد البعث فانه أول العقيق كما مر،و تدل على أن الاحرام من أوله أفضل جملة من الروايات..

منها:صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الإحرام من أي العقيق أفضل أن أحرم؟قال:من أوله و هو أفضل» 1.

و منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الاحرام من غمرة،قال:ليس به بأس و كان بريد العقيق أحبّ إلي» 2.

هذا باعتبار أن لبس ثوبي الاحرام غير داخل في حقيقة الاحرام،بل هو واجب مستقل،فإذا اضطر اليه تقية أو بسبب آخر سقط وجوبه،و أما الكفارة فهي مبنية على الاحتياط.

هذا بدون فرق بين أن يكون ترك الإحرام من الميقات السابق عن عذر كالمرض أو نحوه،أو يكون عن جهل بالحال أو غفلة،و حينئذ فيجوز له أن يحرم من الميقات الأمامي و هو الجحفة،و لا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات


 

1) <page number=”187″ />الوسائل باب:3 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:3 من أبواب المواقيت الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 188)


[الرابع:يلملم]

الرابع:يلملم،و هو لأهل اليمن.

[الخامس:قرن المنازل]

الخامس:قرن المنازل،و هو لأهل الطائف.

[السادس:مكة]

السادس:مكة،و هي لحج التمتع.

[السابع:دويرة الأهل]

السابع:دويرة الأهل أي المنزل،و هي لمن كان منزله دون الميقات(1)
السابق و الاحرام منه،و ذلك لإطلاق النص الخاص الوارد في المسألة،و الاّ فمقتضى القاعدة هو وجوب الرجوع إلى الميقات السابق كما سوف يأتي تفصيله في ضمن البحوث القادمة،بل لا يبعد ذلك إذا كان تركه من الميقات السابق عن عمد و التفات،و لكن الاحتياط بالرجوع إليه و الإحرام منه في هذه الصورة لا يترك،كما سيأتي بيانه

بأن يكون بينه و بين مكة،و تنص على ذلك صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله» 1و صحيحة أبي سعيد قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة،قال:يحرم منه» 2هذا اضافة إلى أن المتفاهم العرفي من الروايات المطلقة أيضا ذلك،كقوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:«من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله» 3و عليه فاحتمال أن يكون المراد من كون منزله دون الميقات أي دون تمام الميقات في أطراف مكة ضعيف جدا،بل انه غير محتمل عرفا.

ثم إنه هل يتعين عليه الاحرام من منزله،أو يجوز له أن يذهب إلى الميقات و يحرم منه؟الظاهر هو الجواز،و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الأمر بالاحرام الوارد في هذه الروايات هو الترخيص في الإحرام من المنزل إذا كان دون الميقات،باعتبار أنه وارد في مقام توهم الحظر،على أساس أن المرتكز في


 

1) <page number=”188″ />الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:3.
2) الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:4.
3) الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 189)


إلى مكة،بل لأهل مكة أيضا على المشهور الأقوى(1)-و إن استشكل فيه
الأذهان أن الإحرام بعد الميقات كالإحرام قبله غير مشروع في نفسه،فاذن لا يدل الأمر به الاّ على رفع هذا التوهم دون الوجوب،هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى ان مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق في ذلك بين أن يكون الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام أو العمرة المفردة أو حج الإفراد أو القران.

في القوة اشكال بل منع،و الأظهر أن ميقات أهل مكة الجعرانة، و ذلك لأن روايات دويرة الأهل ظاهرة فيمن كان منزله بين الميقات و مكة المكرمة،و لا تعم أهل مكة،لأن قوله عليه السّلام:«من كان منزله دون الوقت إلى مكة…» 1ظاهر في أن مكة خارجة عنه و أن دون الوقت محدد بما بين مكة و الميقات.

و دعوى:أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو أنه لا خصوصية لمن كان منزله بين الميقات و مكة المكرمة،و أن المعيار انما هو بكون منزله دون الوقت الشامل لأهل مكة أيضا.

مدفوعة:بأن المتفاهم العرفي من الروايات ليس ذلك،و لا يكون فيها ما يوجب ظهورها في كون الغاية داخلة في المغيّى،و التعدي عن موردها اليها بحاجة إلى قرينة و لا قرينة لا في نفس هذه الروايات و لا من الخارج.

و أما مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام:«عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟قال:من منزله» 2فلا تصلح أن تكون شاهدة على ذلك..

أما أولا:فلأنها ضعيفة سندا للإرسال.

و أما ثانيا:فلأن الروايات المتقدمة بما أنها خاصة بغير أهل مكة فتصلح أن تكون قرينة لتقييد اطلاقها بغير أهل مكة.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم


 

1) <page number=”189″ />الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 190)


……….

أن هذه الروايات لا تدل على خروج أهل مكة عن هذا الحكم،الاّ أن هناك روايتين تدلان على ذلك:

الاولى:صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

إني اريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟فقال:إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها بالحج-الحديث-» 1.

الثانية:صحيحة أبي الفضل قال:«كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:من أين احرم بالحج؟فقال:من حيث أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجعرانة،أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح -الحديث-» 2.

و دعوى:اختصاصها بالمجاور و عدم شمولها المتوطن.

مدفوعة:بأن المجاورة أعم من الاستيطان،فلا تختص بالموقت،فاذا قال أحد أنا اخترت المجاورة بمكة كان المتفاهم منه عرفا أعم من الموقت و الدائم، فالمستفاد منهما عرفا أن ميقات أهل مكة الجعرانة.


 

1) <page number=”190″ />الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:5.
2) الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 191)


تطبيق و تكميل

لتوضيح ما ذكرناه و تكميله نستعرض عدة مسائل:

الاولى:قد تسأل أن من كان منزله دون الميقات إلى مكة،فهل تلحظ المسافة بينه و بين مكة بالنسبة إلى جميع المواقيت في كل اطرافها،أو بالنسبة إلى الميقات في طرفه فحسب؟!فعلى الأول بما أن أقرب الميقات إلى مكة قرن المنازل باعتبار أن المسافة بينه و بين مكة لا تتجاوز عن مرحلتين فكل من كان منزله دون دائرة موهومة حول مكة بعمق مرحلتين اليها فميقاته منزله،و كل من كان منزله خارج هذه الدائرة فعلية أن يحرم من الميقات و لو بالرجوع إليه.

و على الثاني يحرم من منزله إذا كان دون الميقات بالنسبة إلى طرفه فحسب.

و بكلمة ان عنوان دون الميقات المأخوذ في موضوع الحكم فهل يؤخذ بمعنى نسبي و هذا يعني أنه مشتمل على نسبة،أو بمعنى مطلق أي لا يكون مشتملا على نسبة.

و الجواب ان الظاهر من الروايات هو المعنى الأول أي المعنى النسبي دون المعنى الثاني لوضوح أن قوله عليه السّلام في صحيحة أبي سعيد المتقدمة:«عن كان منزله دون الجحفة إلى مكة،قال:يحرم منه» 1ظاهر في أن المعيار انما هو بكون منزله دون الميقات الذي في طرفه إلى مكة و إن لم يكن دون الميقات الذي في طرف آخر إليها،و كذلك قوله عليه السّلام في صحيحة مسمع المتقدمة:«إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله» 2.

فالنتيجة:انه لا شبهة في ظهور الروايات في المعنى النسبي و أن منزل كل


 

1) <page number=”191″ />الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:4.
2) الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 192)


……….

فرد في كل طرف إذا كان دون الميقات في ذلك الطرف إلى مكة فميقاته منزله و إن لم يكن دونه في الطرف الآخر إليها.

الثانية:قد تسأل أن من كان منزله دون مسجد الشجرة و قبل الجحفة،فهل يكون ميقاته منزله أو مسجد الشجرة أو الجحفة؟

و الجواب:إنه الجحفة،لأن الروايات التي تنص على أن من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم منه،لا تشمل هذه الصورة،لوضوح أن الظاهر منها أن المنزل انما يكون ميقاتا إذا لم يكن أمامه ميقات آخر من المواقيت المعينة، و الاّ فعليه أن يحرم منه،و لا يسوغ له أن يحرم قبله.

الثالثة:قد تسأل أن من كان منزله في مكة المكرمة،فهل هو خارج عن هذه الروايات،أو أنه مشمول لها؟

و الجواب:إن الظاهر من هذه الروايات هو عدم شمولها له،فان تحديد المسافة فيها بقوله عليه السّلام:«…إلى مكة»ظاهر في خروجها عنها،على أساس ظهور القضية المغياة في خروج الغاية عن حكم المغيّى،أو لا أقل من الاجمال و عدم ظهورها في أنها داخلة فيها أو خارجة عنها،فاذن العمدة في المسألة روايات الباب و قد مر أنها تنص على أن ميقات أهل مكة الجعرانة.

الرابعة:قد تسأل أن من كان منزله في بلدة دون الوقت إلى مكة،فهل يختص الحكم بمن كان أهلا لتلك البلدة،أو يعم المقيم فيها أيضا،و إن لم يصدق عليه عنوان الأهل؟

و الجواب:إنه يعم المقيم فيها أيضا،و لا يختص الحكم بمن يكون أهلا لها،و السبب فيه أن الوارد في لسان الروايات«من كان منزله دون الوقت» 1لا أهله،فاذن المعيار في ثبوت الحكم انما هو بصدق هذا العنوان،و من الواضح أن صدقه لا يتوقف على أن يكون من أهلها.

مثال ذلك:إن من هاجر من المدينة المنورة-مثلا-و سكن في بلدة دون


 

1) <page number=”192″ />الوسائل باب:17 من أبواب المواقيت الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 193)


استشكل فيه بعضهم-فإنهم يحرمون لحج القران و الإفراد من مكة(1)،بل و كذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة،و إن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة-و هي أحد مواضع أدنى الحل-للصحيحين الواردين فيه المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل،و إن كان القدر المتيقن الثاني(2)فلا يشمل ما نحن فيه،لكن الأحوط ما ذكرنا عملا
الجحفة،فإذا جاء وقت الحج صدق عليه أن منزله دون الوقت،فإذا صدق ذلك كان ميقاته منزله.

الخامسة:قد تسأل أن الاحرام من المنزل هل هو متعين عليه،أو أنه يجوز له أن يرجع إلى الميقات و الإحرام منه؟

و الجواب:إنه يجوز له أن يرجع إلى أحد المواقيت و الإحرام منه،لما تقدم من أن روايات الباب لا تدل على تعين الإحرام من المنزل،لأن الأمر الوارد به فيها لا يدل على الوجوب،باعتبار وقوعه في مظان توهم الحظر.

السادسة:قد تسأل أن منزل من كان دون الوقت فهل يلحظ قربه مسافة إلى مكة أو إلى عرفات؟

و الجواب:إن المعيار انما هو بقربه إلى مكة دون عرفات،بدون فرق في ذلك بين العمرة و الحج،و ذلك لتحديد الروايات المسافة بين المنزل و مكة،و لا يرد في شيء من هذه الروايات تحديدها إلى عرفات،كما أنه لم يرد في شيء منها التفصيل بين العمرة و الحج.

مر أن ميقات أهل مكة الجعرانة.

فيه ان الأخذ بالقدر المتيقن انما هو فيما إذا كان الدليل مجملا،و لا يكون حجة الاّ فيه،و أما إذا كان مطلقا و كان ظاهرا فيه فلا معنى للأخذ به و الغاء اطلاقه رغم أنه حجة فيه،ضرورة أن وجود القدر المتيقن فيه لا يمنع من الأخذ باطلاقه،و الاّ فلازمه الغاء جميع الاطلاقات،إذ لا يخلو مطلق عن وجود القدر

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 194)


بإطلاقهما،و الظاهر أن الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة و إلا فيجوز له الإحرام من أحد المواقيت،بل لعله أفضل لبعد المسافة و طول زمان الإحرام.

[الثامن:فخّ]

الثامن:فخّ،و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة، بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان لا أنه يتعين ذلك و لكن الأحوط ما عن آخرين من وجوب كون إحرامهم من الميقات لكن لا يجرّدون إلا في فخّ(1)،ثم إن جواز التأخير على القول الأول إنما هو إذا
المتيقن فيه،و على هذا فبما أن للصحيحتين المذكورتين اطلاق فلا بد من الأخذ به،و لا وجه للاقتصار على المقدار المتيقن منهما.

بل الظاهر أن احرامهم منه،لا أن احرامهم من الميقات و تجريدهم من الثياب فيه و ذلك لأن المستفاد عرفا من صحيحة أيوب أخي أديم قال:«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام:من أين تجرد الصّبيان؟قال:كان أبي يجردهم من فخ» 1و كذلك من صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام 2بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن احرامهم منه و كون تجريدهم كناية عن ذلك.

و بكلمة:إن الصحيحة سؤالا و جوابا ظاهرة فيه،و حملها على أن احرامهم كان من الميقات و تجريدهم من الثياب كان من فخ بحاجة إلى قرينة.و مع الاغماض عن ذلك،فلا شبهة في أنها غير ظاهرة في التجريد المحض،و كون إحرامهم من الميقات فتكون مجملة من هذه الناحية،و عندئذ يرجع إلى صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم


 

1) <page number=”194″ />الوسائل باب:18 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:18 من أبواب المواقيت الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 195)


مرّوا على طريق المدينة،و أما إذا سلكوا طريقا لا يصل إلى فخّ(1)فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين.

[التاسع:محاذاة أحد المواقيت الخمسة]

التاسع:محاذاة أحد المواقيت الخمسة(2)،و هي ميقات من لم يمرّ على أحدهما،و الدليل عليه صحيحتا ابن سنان،و لا يضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل، و مقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي اثنين، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة.

و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» 1فانها ظاهرة في جواز تأخير احرامهم إلى الجحفة أو إلى بطن مر،و لا يمكن حملها على تأخير تجريد ثيابهم اليها دون احرامهم الاّ بقرينة.

لا يكفي عدم وصول الطريق إلى فخ في لزوم احرامهم من ميقات البالغين،فانه إذا لم يصل إليه و وصل إلى الجحفة أو بطن مر جاز التأخير إليها و القيام باحرامهم منها.

في كفاية المحاذاة لمطلق المواقيت اشكال،و لا يبعد عدم الكفاية و اختصاصها بمحاذاة مسجد الشجرة،فلنا دعويان:

الاولى:عدم كفاية محاذاة مطلق المواقيت.

الثانية:كفاية محاذاة خصوص مسجد الشجرة.

أما الدعوى الاولى:فلأن صحة الإحرام عن نقطة محاذية لكل ميقات من المواقيت بحاجة إلى دليل،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم الصحة،و بما أنه لا دليل على الكفاية مطلقا فلا يمكن الحكم بها.

و أما الدعوى الثانية:و هي كفاية محاذاة خصوص مسجد الشجرة،فقد


 

1) <page number=”195″ />الوسائل باب:17 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 196)


……….

دلت عليها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج،ثم بدا له أن يخرج من غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال،فيكون حذاء الشجرة من البيداء» 1.و مثلها صحيحته الاخرى 2و موردها نقطة محاذية للشجرة من البيداء،و حينئذ فهل يمكن التعدي منها إلى نقطة محاذية لسائر المواقيت أو لا؟! المعروف و المشهور هو التعدي،بدعوى أن المتفاهم العرفي منها عدم خصوصية لها،و أن ذكرها انما هو من باب المثال،بدون فرق بين ميقات و ميقات،و لكن الصحيح هو العدم لأن الظاهر من كل قيد مأخوذ في لسان الدليل هو الموضوعية،و حمله على المثال و الطريقية الصرفة بحاجة إلى قرينة.

و بكلمة:إن المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنائي انما هي متمثلة في خمسة أماكن معيّنة،و أما جعل نقطة محاذية لها ميقاتا فهو بحاجة إلى دليل،و الاّ فمقتضى القاعدة أنها ليست بميقات،و قد دل الدليل على أن الشارع جعل نقطة محاذية للشجرة من البيداء ميقاتا و يصح الإحرام منها،و التعدي عن مورده إلى محاذاة سائر المواقيت بحاجة إلى قرينة،باعتبار أن الحكم يكون على خلاف القاعدة،و حيث لا قرينة عليه لا في معنى هذه الرواية و لا من الخارج فلا يمكن التعدي.

و دعوى:أن العرف لا يفهم من محاذاة الشجرة من البيداء خصوصية،بل يفهم منها أن ذكرها انما هو من باب المثال.

مدفوعة:بأن كل قيد مأخوذ في لسان الدليل في مرحلة الجعل و الاعتبار ظاهر في الموضوعية و دخله في الحكم و الملاك معا،و أما حمله على الطريقية الصرفة فهو بحاجة إلى قرينة كالارتكاز العرفي او القرائن الحالية أو المقالية أو السياقية،و شيء منها غير موجود في المقام،أما الارتكاز العرفي فهو غير متوفر لأن الحكم يكون على خلاف القاعدة،فلا ارتكاز في البين،و القرائن غير متوفرة


 

1) <page number=”196″ />الوسائل باب:7 من أبواب المواقيت الحديث:1.
2) الوسائل باب:7 من أبواب المواقيت الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 197)


……….

فيه،فاذن لا يمكن التعدي.

فالنتيجة:اختصاص الحكم بنقطة محاذية للشجرة دون غيرها.

ثم إن هذا الحكم هل يختص بالمقيم في المدينة شهرا و هو يريد الحج أو لا؟فظاهر الصحيحة و إن كان الاختصاص،باعتبار أن هذين القيدين كليهما مأخوذان في كلام الإمام عليه السّلام فيها،و لكن لا بد من رفع اليد عن هذا الظهور لعدة أسباب:

الأول:إن مناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية العرفية تقتضى عدم خصوصية للمقيم في المدينة،و لا يرى الفرق بينه و بين أهلها في ذلك.

الثاني:إنه لا يحتمل عرفا أن يكون لإقامة شهر خصوصية بحيث لو زاد أو نقص لم يثبت هذا الحكم.

الثالث:إنه لا يحتمل عرفا أن تكون لإرادته الحج منها دخيلة في الحكم.

الرابع:إنه يجوز لكل من كان في المدينة سواء أ كان مقيما فيها أم كان متوطنا أن يخرج منها إلى جهة الغرب و يكون ميقاته الجحفة،أو إلى الشرق و يكون ميقاته وادي العقيق و لا يجب عليه الإحرام من مسيرة ستة أميال المحاذية للشجرة من البيداء،الاّ أن يقال بعدم صدق المحاذاة عرفا،باعتبار بعد المسافة.

فالنتيجة:إن هذه الامور تصلح أن تكون قرينة على أن أخذهما في الروايات انما هو بنكتة اخرى.

و دعوى:أنه على هذا ما هو الفرق بين هذين القيدين و بين محاذاة الشجرة؟

و الجواب:إن الفرق بينهما انما هو بنظر العرف،فانه لا يفهم من الصحيحة أن النقطة المحاذية للشجرة من البيداء إنما أخذت فيها من باب المثال بدون خصوصية لها،إذ يحتمل أن في جعل الشارع تلك النقطة ميقاتا خصوصية لم تكن تلك الخصوصية متوفرة في النقاط المحاذية لسائر

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 198)


و تتحقق المحاذاة بأن يصل في طريقه إلى مكة إلى موضع يكون بينه و بين مكه باب و هي بين ذلك الميقات و مكة بالخط المستقيم(1)
المواقيت،و مع هذا الاحتمال لا يمكن التعدي،و هذا بخلاف هذين القيدين و هما الإقامة في المدينة شهرا و ارادة الحج،فان العرف لا يفهم منهما الاّ كون ذكرهما من باب الغالب،و لا يرى خصوصية فيهما،فمن أجل ذلك لا فرق بين المقيم و المتوطن،و في المقيم لا فرق بين أن يكون شهرا أو أقل أو أكثر،بل يكون مارا من المدينة بدون الإقامة فيها،و كذلك لا فرق بين أن يكون مريدا للحج من الأول أو بعد الاقامة فيها،و من المحتمل قويا أن يكون التقييد في كلامه عليه السّلام ناظرا إلى الحجاج الجائين من سائر بقاع الأرض إلى المدينة المنورة في ذلك العصر،فإنهم غالبا يقيمون فيها شهرا أو نحوه،هذا.

اضافة إلى احتمال أن مسجد الشجرة يمينا و شمالا ميقات بشعاع اقصى نقطة محاذية له،كما أنه ميقات بشعاع ميل افقيا.

قد يورد عليه بأن هذه النسبة لا تختص بما إذا كان الحاج واقفا في نقطة محاذية للميقات على أساس أن مكة إذا كانت مركز دائرة وهمية بسعة الميقات فالخطوط الخارجة من محيطها إلى المركز جميعا خطوط متساوية و على نسبة واحدة،و على هذا فالحاج في بداية أي خط من هذه الخطوط كان و من أي طرف من أطرافها فالنسبة بين موقفه و بين مكة نفس النسبة بين الميقات كمسجد الشجرة و بين مكة،سواء أ كان في رأس خط محاذ له أم مسامت.

فالنتيجة:إن هذه النسبة لا تختص بالخط المحاذي للميقات،بل تعم كل الخطوط الخارجة من محيط الدائرة إلى مركزها،مع أنها جميعا ليست محاذية له،فانها في النصف المقابل مواجهة له،و في النصف المشتمل عليه فإن كانت في طرف يمينه أو يساره فهي محاذية له،و الاّ فلا،فاذن ما افاده الماتن قدّس سرّه من الضابط العام لتحقق المحاذاة و هو تساوي الخطين المستقيمين افقيا إلى مكة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 199)


و بوجه آخر أن يكون الخط من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق(1).

الخارجين من الميقات و موقف الحاج ليس بضابط عام له،باعتبار أن هذه النسبة ثابتة بين الخط الخارج من موقفه و بين سائر الخطوط الوهمية الخارجة من محيط الدائرة إلى مركزها،مع أنها جميعا ليست محاذية للميقات،هذا.

و لكن الظاهر أن ذلك ليس مراد الماتن قدّس سرّه،بل مراده من هذا أن المحاذاة و هي وصول الحاج في نقطة محاذية للميقات انما تتحقق بتساوي الخط الوهمي المار من موقف الحاج إلى مكة للخط الوهمي المار من الميقات إليها، و هذا يعني أن تساوي الخطين يكشف عن أن تلك النقطة محاذية له حقيقة، و ليس مراده أن في كل مورد يكون الخطان الوهميان متساويين كان الحاج محاذيا للميقات حقيقة و بخط هندسي دقيق،فان هذا القيد انما هو بلحاظ أن الحاج إذا كان في نقطة متأخرة عن تلك النقطة أو متقدمة عليها لم يكن الخطان الوهميان الخارجان من الميقات و موقف الحاج متساويين.

فالنتيجة:إن ما ذكره الماتن قدّس سرّه من الضابط لتشخيص نقطة محاذية للميقات حقيقة إنما هو في مقابل ما إذا كان الحاج في نقطة متقدمة على تلك النقطة أو متأخرة عنها،فان ذلك الضابط لا ينطبق عليه،و ليس مقصوده قدّس سرّه ان تساوي الخطين الوهميين الخارجين من موقف الحاج و الميقات إلى مكة منحصر بهما لما مر من أن جميع الخطوط الخارجة من محيط الدائرة إلى مركزها كمكة متساوية.

في هذا الضابط اشكال بل منع.

أما أولا:فلأنه لا يتحد مع ما ذكره آنفا لا عملا و لا خارجا،مع أن ظاهر ما ذكره قدّس سرّه أنه لا فرق بينهما الاّ في التعبير لا في المعنى.

و ثانيا:إنه لا يتم لا في الطريق المستقيم إلى مكة و لا في الطريق المشتمل على الخطوط المنكسرة تفاديا للصخور او الجبال او المياه فيه.

أما في الأول:فإذا افترضنا دائرة بسعة الميقات حول مكة المكرمة،فمن

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹ 200)


ثم إن المدار على صدق المحاذاة عرفا(1)،فلا يكفي إذا كان بعيدا
الواضح أن الخطوط الوهمية الخارجة من محيط الدائرة إلى مركزها بالخطوط المستقيمة متساوية بالدقة الهندسية و أن تلك الخطوط كلما ابتعدت عن محيط الدائرة و قربت إلى مركزها نقصت الفواصل بينها تدريجا إلى أن وصلت إلى حد الصفر،و على هذا الأساس فإذا كان الحاج في نقطة من محيط الدائرة محاذية للميقات ثم دخل في وسط الدائرة بخط مستقيم مواجه إلى مركزها و هو مكة في مفروض المسألة،ففي هذه الحالة فالخط الوهمي بين موقفه في وسط الدائرة و بين الميقات الذي يشكل به الزوايا للمثلث أقصر من الخط الوهمي بين موقفه في نقطة محاذية للميقات و بين الميقات.

فالنتيجة:إنه على الحساب الهندسي الدقيق ليس الخط الوهمي بين موقف الحاج في نقطة محاذية للميقات في محيط الدائرة أقصر الخطوط الوهمية بين موقفه و الميقات في طريقه مواجها إلى مكة.

و أما في الثاني:فقد يكون أقصر الخطوط خلف الميقات،كما إذا كان الحاج يمر على خلفه بمسافة قصيرة بينهما،ثم يبتعد عنه حينما يكون سيره إلى طرف يمينه أو يساره محاذيا له،و قد يكون أقصر الخطوط الوهمية دون الميقات،كما إذا كان يمر على يساره أو يمينه محاذيا له و لكن بمسافة بعيدة ثم يقترب منه حينما يكون سيره إلى ما دونه.

لحد الآن قد تبين أن ما ذكره قدّس سرّه من الضابط لتشخيص النقطة المحاذية للميقات لا يصلح ضابطا عاما له لا في الطريق المشتمل على الخطوط المنكسرة و لا في الطريق المستقيم.

هذا هو الصحيح،لأن المحاذاة كسائر الألفاظ المأخوذة في لسان الدليل،و المرجع في تعيين مدلولها سعة و ضيقا انما هو العرف العام،و من الواضح أن معنى المحاذاة معنى واضح لدى العرف،و ليس فيه أيّ اجمال و تعقيد،و لا يتطلب تحققها خارجا اعمال الخطوط الهندسية الدقيقة لوضوح أن الحاج إذا وصل إلى يمين مسجد الشجرة أو يساره حينما يكون مواجها إلى مكة

الصفحات: 1 2 3 4
Pages ( 2 of 4 ): «1 2 34»