مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
[3130]مسألة 23:إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير،و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا(1).
في وجوب القضاء اشكال بل منع،لما تقدم من أن ما يجب قضاؤه عنه هو نذر الاحجاج،و أما نذر الحج فلا دليل على وجوب قضائه اذا فات،و أما اذا نذر الجامع بين نذر الاحجاج و نذر الحج،و تركهما حتى مات،فلا دليل أيضا
و إذا طرأ العجز من أحدهما معينا تعين الآخر،و لو تركه أيضا حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا لأن الواجب كان على وجه التخيير فالفائت هو الواجب المخير و لا عبرة بالتعيين العرضي،فهو كما كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان و كان عاجزا عن بعض الخصال ثم مات فإنه يجب الإخراج عن تركته مخيرا و إن تعين عليه في حال حياته في إحداهما فلا يتعين في ذلك المتعين.
نعم لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا و لم يتمكن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه(1)بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد،لكن الظاهر أن مسألة الخصال ليست كذلك فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته
هذا الاحتمال ضعيف جدا،لفرض أن النذر لم يتعلق بخصوص الفرد غير المقدور حتى يكون باطلا،بل تعلق إما بالجامع بينه و بين الفرد المقدور باعتبار أن الجامع بينهما مقدور،و لا مانع من تعلق النذر به،و لا ينحل الى نذرين لكي يكون أحدهما باطلا من جهة كون متعلقه غير مقدور،أو تعلق بخصوص الفرد المقدور،فعلى الأول اذا ترك الواجب و هو الجامع حتى اذا
متمكنا إلا من البعض أصلا،و ربما يحتمل في الصورة المفروضة(1) و نظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضا بدعوى أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير و مع تعذر أحدهما لا يكون
فيه أن هذا الاحتمال ضعيف جدا،و لا منشأ له أصلا،و ذلك لأن النذر اذا تعلق بالجامع الانتزاعي و هو عنوان أحدهما،كما اذا قيل:(للّه عليّ أن أصوم يوم الجمعة الفلانية،أو اتصدق للفقير)فلا يخلو من أن يكون مرده الى نذر واحد متعلق بالجامع-كما هو الصحيح-أو إلى نذرين مشروطين،فعلى الأول يكون متعلق النذر الجامع دون الفرد بحده الفردي،بدون فرق بين أن يكون كلا الفردين مقدورا للناذر في مقام العمل و التطبيق خارجا،أو يكون أحدهما مقدورا له دون الآخر،و عليه فلا يكون الفرد متعلقا للنذر حتى يحتمل بطلانه في صورة تعذر الآخر.و على الثاني يكون متعلقه الفرد بحده الفردي مشروطا بعدم الاتيان بالفرد الآخر،و هذا يعني ان وجوب الوفاء بكل منهما مشروط بعدم الاتيان بالآخر،و اذا تعذر أحدهما تعين وجوب الوفاء بالآخر بتعين شرطه و امتناع انهدامه،و من المعلوم أن ذلك لا يوجب خروجه عن الواجب المشروط الى الواجب المطلق لكي يقال ببطلان النذر و انتفائه بانتفاء متعلقه،بداهة أن انقلاب الواجب المشروط الى الواجب المطلق غير معقول،لأنهما متقابلان بتقابل الماهية لا بشرط و الماهية بشرط لا،و تحقق الشرط انما يوجب فعلية المشروط لا انقلابه،و الاّ لزم الخلف.
فالنتيجة:انه على كلا القولين في المسألة لا منشأ لهذا الاحتمال.
وجوب الآخر تخييريا،بل عن الدروس قدّس سرّه اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد الأمرين،و فيه:أن مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين(1)من دون اشتراط كونه على وجه التخيير،فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما.
هذا الاشكال مبني على أن الوجوب التخييري هو الوجوب المتعلق بكل من البدائل،و لكن مشروطا بترك البدائل الأخرى،و على هذا فلا بد أن يكون جميع هذه البدائل مقدورا،و الاّ فلا يمكن تعلق الوجوب بها و لو مشروطا.و لكن قد ذكرنا في علم الأصول أن مرد الوجوب التخييري ليس الى جعل وجوبات مشروطة بعدد البدائل مباشرة،بأن يكون وجوب كل منها مشروطا بترك الآخرين،بل مرده الى جعل وجوب واحد متعلق بالجامع الانتزاعي بينها،دون نفس البدائل،و لا يسري منه اليها ثانيا،بل السراية قهرا أمر غير معقول،لأن الوجوب أمر اعتباري و بيد الشارع يجعله حيثما أراد،و لا يعقل تحققه بدون اعتباره و جعله،و عليه فاذا جعله على شيء يستحيل أن يسري بنفسه الى غيره،و على هذا فما ذكره الشهيد قدّس سرّه في الدروس من المثال،فلا مانع من الالتزام بصحة النذر فيه،باعتبار أنه تعلق بالجامع و هو مقدور.
و بكلمة أخرى:ان مرد الوجوب التخييري ان كان الى جعل وجوب واحد على الجامع بين بديلين،فلا يتوقف على أن يكون كلا البديلين مقدورا،بل يكفي كون أحدهما مقدورا دون الآخر،غاية الأمر يتعين حينئذ تطبيق الجامع على المقدور،و إن كان مرده الى جعل وجوبين مشروطين لهما، فعندئذ لا بد من أن يكون كلاهما مقدورا،و قد مر أن الصحيح هو الأول دون الثاني،و لكن الماتن قدّس سرّه قد بنى على الثاني دون الأول،بقرينة أنه اعتبر في انعقاد النذر على وجه التخيير التمكن من كلا البديلين معا.
[3131]مسألة 24:إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام من بلده ثم مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته،و لو اختلفت أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة إلا إذا تبرع الوارث بالزائد أجرة،فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد و إن جعل الميت أمر التعيين إليه(1)،و لو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث.
[3132]مسألة 25:إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضاؤه عنه(2)من غير تعيين و ليس عليه كفارة،و لو
فيه ان الظاهر منه أنه يرجع الى الوصية بالزيادة،على أساس أن ما يخرج من الأصل هو أدنى و أقل فرد من الأجرة المتعارفة حسب مكانة الشخص،و لا يجوز اخراج الاكثر من التركة الاّ باجازة الورثة،و عليه فاذا جعل الميت اختيار تعيين الأجرة زيادة أو نقيصة بيد الوصي،فإن لم يرجع ذلك الى الوصية بالزيادة لكان هذا الجعل لغوا،باعتبار أنه لا يحق للميت تعيين الأجرة الزائدة من الأصل،فاذن لا محالة يرجع الى الوصية بها،و يخرج مقدار الزيادة من الثلث،و على هذا فلا فرق بين التصريح باختيار الأزيد و بين جعل الاختيار بيد الوصي،غاية الأمر يجب عليه في الفرض الأول اختيار الأجرة الزائدة عملا بالوصية،بأن يأخذ الزائد من الثلث،و الأجرة المتعارفة من الأصل،و في الفرض الثاني مخير بين اختيارها و اختيار أدنى فرد الأجرة المتعارفة.
فالنتيجة:انه لا فرق بين الفرضين،الاّ أن الوصية في الفرض الأول انما هي بالزيادة نصا،و لذا يجب العمل بها،و في الفرض الثاني انما هي بالجامع بينها و بين الأجرة المتعارفة.
في الوجوب اشكال بل منع،و الأظهر عدمه،أما في الحج النذري فلما مر من أنه لا دليل على وجوب قضائه عنه،و أما في حجة الإسلام فلا علم باشتغال ذمة الميت بها،لكي يجب قضاؤها عنه،و مقتضى الأصل العدم.
تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا(1)، و حيث إنها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط(2)، و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف.
هذا اذا علم بأنه ترك الوفاء بالنذر أو اليمين عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،و أما إذا احتمل انه كان معذورا في ذلك،فلا علم بثبوت الكفارة عليه.
ثم على تقدير ثبوتها،فهل تخرج من الأصل،أو من الثلث؟فيه قولان:الظاهر هو الثاني،و قد تقدم ذلك في ضمن البحوث السالفة،و قلنا هناك إنه لا دليل على خروجها من الأصل،لأن ما هو ثابت خروجه من الأصل بالدليل هو الدين المالي على ذمة الميت،و لا دليل على أن كل واجب مالي كالكفارات و نحوها خارج من الأصل ما عدا حجة الإسلام،فانها تخرج منه بالنص الخاص.
في اطلاقه اشكال بل منع،اذ لا موضوع للاحتياط بناء على ما قويناه من أن كفارة النذر هي كفارة اليمين،اذ حينئذ تكون في ذمة الميت كفارة واحدة، و يكفي اخراجها عنه إما من الثلث-كما هو الأقوى-أو من الأصل،و قد تقدم تفصيل ذلك في كتاب الصوم.
و أما بناء على أن كفارة النذر غير كفارة اليمين فتكونان متباينتين،لأن كفارة النذر تعلقت بالجامع بين اطعام ستين مسكينا،أو صوم شهرين متتابعين، أو عتق رقبة،و كفارة اليمين تعلقت بالجامع بين إطعام العشرة،أو كسوتهم،أو صيام عشرة أيام،و أما الإطعام فهو فرد من افراد الواجب،و ليس بواجب لكي يكون أمره مرددا بين الأقل و الاكثر،و على هذا فبناء على القول بأنها تخرج من الثلث،فعلى الوصي الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي،إما باطعام ستين مسكينا ناويا به فراغ ذمة الميت من إحدى الكفارتين،أو صيام شهرين متتابعين،أو الجمع بين كسوة عشرة مساكين و العتق.و أما على القول بأنها تخرج من الأصل
[3133]مسألة 26:إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل،لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار و إن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات(1)فإن أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن
كما اذا كان الركوب له في الطريق و قطع المسافة به موجبا لإتاحة الفرصة للدعاء و العبادات أكثر من قطعها بالمشي،و حينئذ يكون الركوب أفضل،كما نص عليه صحيح سيف التمار 1،و الاّ فالمشي أفضل منه،كما نصت
المشي في حد نفسه،و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا مطلقا و لو مع الإغماض من رجحان المشي لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد،إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه،فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له،و أضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقا،لأن المفروض نذر المقيد فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده.
[3134]مسألة 27:لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل،لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده،نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد(1)،لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكبا،و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين،و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بركوب أخت عقبة
فيه أن مجرد كونه أفضل من الركوب لا يوجب بطلان النذر،و عدم انعقاده فيه اذا كان في نفسه راجحا و إن كان المشي أرجح منه،لأن المعيار في صحة النذر انما هو برجحان متعلقه في نفسه،و المفروض ان الركوب للحج في نفسه راجح،كما يظهر ذلك من جملة من الروايات:
منها:موثقة رفاعة قال:«سأل أبا عبد اللّه رجل:الركوب أفضل أم المشي؟ فقال:الركوب أفضل من المشي،لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركب» 1.
و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة سيف التمار:«تركبون أحبّ إليّ،فان ذلك
ابن عامر-مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية-قضية في واقعة(1)يمكن أن يكون المانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك.
فيه ان حمل الصحيحة على أنها وردت في قضية شخصية لا اطلاق لها خلاف الظاهر جدا،فان الظاهر من مجموعها أنها في مقام بيان الحكم الكلي،و إليك نصّها:«قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام:عن رجل نذر أن يمشي الى مكة حافيا؟فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل،فقال:من هذه؟فقالوا:أخت عقبة بن عامر،نذرت أن تمشي الى مكة حافية،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا عقبة انطلق الى أختك فمرها فلتركب، فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها،قال:فركبت» 2فانها ظاهرة في عدم وجوب الوفاء بنذر المشي للحج حافيا،لأن الاستشهاد بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انما هو لبيان ذلك،لا أن ما صدر منه صلّى اللّه عليه و آله حكم شخصي في مورد خاص لسبب من الأسباب،و الاّ فلا يرتبط الجواب بالسؤال أصلا،و هو خلاف الظاهر،و لا يمكن حمل الجواب فيها على الاستدراك و بقاء السؤال بدون جواب،فانه بحاجة الى قرينة.
فالنتيجة:انه لا شبهة في أن الصحيحة سؤالا و جوابا ظاهرة في بيان الحكم الكلي،نعم لو كان الاستشهاد بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله ابتداء بدون كونه
……….
[3135]مسألة 28:يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد،نعم لا مانع منه(1)إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر(2)
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن العمل اذا كان حرجيا حين النذر، و لكن لم يبلغ حرجه الى حد الحرمة،فحينئذ إن كان محبوبا في نفسه حتى في هذه الحالة-كالوضوء الحرجي مثلا إذا لم يبلغ حرجه الى درجة خطيرة يحرم ارتكابه-فلا مانع من الحكم بصحة نذره،و وجوب الوفاء به،و لا يكون مشمولا للقاعدة،لانصرافها عرفا الى الأحكام التي لا تكون متعلقاتها حرجية بطبعها و ان حرجيتها أمر تصادفي بسبب أو آخر،كما هو الحال في قاعدة لا ضرر،فانها ناظرة الى الأحكام التي لا تكون متعلقاتها ضررية بطبعها،و لا تعم الأحكام المجعولة في موارد الضرر،و من هنا يصح الوضوء الضرري اذا كان ضرره يسيرا لا يحرم ارتكابه شرعا،باعتبار استحبابه النفسي،و اذا نذر هذا الوضوء فلا مانع من وجوب الوفاء به،و لا يمكن نفيه بقاعدة لا ضرر،لأنه حكم مجعول في مورده،و أما إذا لم يحرز كونه محبوبا في نفسه حتى في هذه الحالة لم يحكم بصحة نذره،و من هنا يظهر أن الحرج اذا كان طارئا بعد النذر و حين العمل فهو رافع لوجوبه و كاشف عن عدم انعقاده على أساس أن متعلقه لم يكن حرجيا بطبعه،و إنما طرأ عليه الحرج اتفاقا،و مثل ذلك يكون مشمولا للقاعدة،لأنها كما تعم الأحكام الأولية المجعولة من قبل اللّه تعالى ابتداء،تعم الأحكام الثانوية المجعولة من قبله تعالى في المرتبة الثانية،كوجوب الوفاء بالنذور و العهود و الشروط و الأيمان و نحوها.
بل و ان بلغ حد الضرر ما دام لم يبلغ درجة خطيرة يحرم ارتكابه،اذ لا دليل على أن ارتكاب مطلق الضرر محرم،فالنتيجة ان الحرج اذا بلغ تلك الدرجة يحرم ارتكابه شرعا،و لا شبهة في بطلان نذره حينئذ،لا من جهة وجود
لأن رفع الحرج من باب الرخصة(1)لا العزيمة،هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب.
[3136]مسألة 29:في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال،و الأقوى أنه تابع للتعيين(2)أو الانصراف و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال:«للّه علي أحج ماشيا»و من حين الشروع في السفر إذا قال:«للّه علي أن أمشي إلى بيت اللّه»أو نحو ذلك،كما أن الأقوى أن منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور و لا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار.
هذا واضح،اذ لا شبهة في أن مفاد لا حرج نفي الإلزام و الضيق، و اثبات الترخيص و التسهيل على الأمة امتنانا،و لا يحتمل أن يكون من باب العزيمة،لأنه إن اريد من العزيمة الحرمة التكليفية،فيرد عليه أنها مبنية على أن تكون كلمة(لا)في لا حرج ناهية لا نافية،مع أنها نافية.و إن أريد من العزيمة أنه لا يجوز ايقاع نفسه في الحرج،فقد مر أنه يختلف باختلاف درجته،فان كانت يسيرة فلا بأس بالوقوع فيها،و إن كانت خطيرة لم يجز.
هذا هو الصحيح،لأن النذر يتبع قصد الناذر في المبدأ و المنتهى،أما في الأول،فإن قصد المشي من بلدته فمبدؤه منها،و إن قصد من الميقات فمبدؤه منه،و هكذا،و أما في الثاني،فان قصد الى بلد مكة انتهى بالوصول اليه، و إن قصد الى عرفة وجب المشي اليها،و إن قصد الى الجمرة فكذلك،و هكذا.
……….
[3137]مسألة 30:لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره،و إن اضطر إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره(1)،كما أنه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد،و لو كان في
بل بطل،فان اضطراره الى الركوب في السفينة كاشف عن أنه لم يكن قادرا على الحج ماشيا في الواقع،و مع عدم القدرة عليه كذلك كان نذره باطلا من الأول،باعتبار أن صحته مرتبطة بكون العمل المنذور مقدورا للناذر في ظرفه،لا أنه وقع صحيحا و لكن حين الاضطرار سقط أمره،كما هو ظاهر المتن، فانه لا يرجع الى معنى محصل،لأن التمكن منه في الواقع لا يخلو من أن يكون شرطا في صحته أو لا،فعلى الأول لا شبهة في بطلانه و عدم انعقاده من البداية،
طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه(1) لخبر السكوني،و الأقوى عدم وجوبه،لضعف الخبر عن إثبات الوجوب، و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له،و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.
فيه اشكال بل منع،أما أولا:فلأن من نذر المشي في الحج،أو الحج ماشيا فبطبيعة الحال يكون نظره الى ما عدا العبور من الشطوط و الأنهار الموجودة في الطريق،و يكون المنذور من الأول حصة خاصة من المشي.
و ثانيا:ان نظره و إن لم يكن إلى ذلك حين النذر،بأن يكون غافلا أو جاهلا،و لا يدري بوجودها في الطريق،الاّ أنه لا شبهة في أن المنذور هو المشي على الأرض ارتكازا دون الأعم منه و من القيام في المركب المار على الشط أو النهر أو البحر في الطريق.
و ثالثا:ان المنذور لو كان هو الحج ماشيا على طول الطريق افقيا الى مكة المكرمة بالخطوات المتصلة،لكان ذلك كاشفا عن بطلانه من الأول،باعتبار أن المنذور حينئذ غير مقدور له،لا أنه صحيح و لكن في حال العبور عن الشط أو النهر بالمركب في الطريق يقوم فيه بدلا عن المشي تطبيقا لقاعدة الميسور،فان هذه القاعدة لو تمت.نظرية فلا يمكن تطبيقها على العمل المنذور في المقام، لأنه إن كان مقدورا صح النذر،و الاّ بطل،فلا موضوع لها،و لا يمكن الحكم بصحته في هذه الحالة و الانتقال الى بدله بعنوان الميسور منه تطبيقا لهذه القاعدة.
و أما رواية السكوني:«أن عليا عليه السّلام سئل عن رجل نذر أن يمشي الى
[3138]مسألة 31:إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا فإن كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة إلا إذا تركها أيضا،و إن كان المنذور الحج ماشيا في سنة معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء(1)و الكفارة،و إذا كان المنذور المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء لفوات محل النذر.
و الحج صحيح في جميع الصور خصوصا الأخيرة(2)لأن النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج،و عدم الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل فيكفي في صحته الإتيان به بقصد القربة.
في الوجوب اشكال بل منع،و لا دليل عليه الاّ في نذر الاحجاج-كما مر-.
بل الأولى،حيث ان الاشكال الموهم في الثانية و الأخيرة لا يوهم في الأولى،باعتبار أنه في الصورة الأولى إذا حجّ راكبا صح حجه و لا شيء عليه،لأن الوفاء بنذره بما أنه غير مقيد بسنة معينة فلا يكون في تركه في هذه السنة إثم و لا كفارة.و من هنا يظهر أن تعبير الماتن قدّس سرّه بمخالفه النذر و الإعادة في هذه الصورة مبني على المسامحة،اذ لا مخالفة للنذر فيها و لا اعادة للحج المنذور،لأن ما أتى به من الحج لا يرتبط بالحج المنذور حتى يكون الاتيان به اعادة له،فلذلك لا اشكال في صحة الحج في هذه الصورة.
و أما في الصورة الأخيرة،و هي ما اذا نذر المشي في حج معين ذاتا كحجة
و قد يتخيل البطلان من حيث إن المنوي و هو الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد،و فيه أن الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف،ألا ترى أنه لو صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا(1)و إنما تبطل من حيث كونها
الأظهر هو البطلان،فانها كما لا تقع كفارة باعتبار أن صحتها مشروطة بالتتابع،و مع الاخلال به تبطل،كذلك لا تقع مستحبة،لأنه بحاجة الى دليل يدل على الانقلاب،أي انقلاب الصوم الذي أتى به باسم الكفارة مستحبا عاما،و لا دليل على ذلك.و ما دل على استحباب الصوم استحبابا عاما لا يشمل هذا الصوم،لأن مورده الصوم المطلق الذي ليس له اسم خاص،و صوم الكفارة كغيره من انواع الصيام الخاصة له اسم خاص المميز له شرعا،و هو عنوان
صيام كفارة،و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره(1)التي أتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا.
لا شبهة في بطلانهما بعنوان كونهما من أجزاء الصلاة و واجباتها، و أما بعنوان كونهما قرآنا و ذكرا،فإن اريد بذلك ترتيب آثار قراءة القرآن و الذكر عليهما،فيرده أنه مبني على أن قراءتهما كذلك مطلوبة في ضمن الصلاة بنحو تعدد المطلوب،و لكن الأمر ليس كذلك،فان قراءة القرآن أو الذكر و إن كانت مطلوبة في ضمن الصلاة،الاّ أنها بنحو وحدة المطلوب،بمعنى أنها مطلوبة بعنوان واجبات الصلاة و اجزائها،لا بعنوان قراءة القرآن،فاذا بطلت بهذا العنوان لم تقع مصداقا لقراءة القرآن أو الذكر.و إن أريد به أنها قرآن أو ذكر ذاتا،فيرد عليه أن كونها كذلك مما لا كلام فيه،بداهة أن من أتى بفاتحة الكتاب بنية أنها من واجبات الصلاة قد أتى بالقرآن ذاتا،و لكن الكلام ليس في ذلك،و انما هو في أنه أتى بها بعنوان قراءة القرآن لكي تترتب عليها آثارها،أو لا،و قد مر أنه لم يأت بها كذلك،و انما أتى بها بعنوان أنها من واجبات الصلاة.
فالنتيجة:انه اذا بطلت صلاته لم تترتب على قراءته و أذكاره آثار قراءة القرآن و الذكر،فانهما من العناوين القصدية كعنوان الصلاة.
و قد يستدل للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأن الأمر بإتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا،و فيه منع كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده،و منع استلزامه البطلان على القول به(1)،مع أنه لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا مطلقا من غير تقييد بسنة معينة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة.
[3139]مسألة 32:لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل لعدم الإتيان بالمنذور،فيجب عليه القضاء(2)أو الإعادة ماشيا(3)،
تقدم أن صحة العبادة تتوقف على وجود أحد عنصرين:الأول:
وجود الأمر بها.الثاني:وجود الملاك فيها.و في المقام بما أنه لا أمر بها، لاستحالة الأمر بالضدين معا،فلا يمكن الحكم بصحتها من ناحية الأمر بها،و اما الملاك فلا طريق لنا الى احرازه فيها،فان سقوط الأمر عنها كما يمكن أن يكون من جهة وجود المانع،كذلك يمكن أن يكون من جهة عدم المقتضي له في هذه الحالة،و عليه فصحتها تتوقف على مسألة أخرى و هي مسألة الترتب،فان قلنا بها حكم بصحتها على أساس الأمر الترتبي،و الاّ فلا.
فالنتيجة:انه على القول بعدم امكان الترتب لا يمكن الحكم بصحة الضد العبادي،بدون فرق في ذلك بين القول بالاقتضاء،و القول بعدمه.
في الوجوب اشكال بل منع،لما مر من أنه لا دليل عليه،و حينئذ فان كان متمكنا من الحج ماشيا،و مع هذا اذا ركب في بعض الطريق و مشى في بعضه الآخر،فقد خالف النذر،و عليه الإثم و الكفارة دون القضاء،و إن لم يكن متمكنا منه ماشيا و كان مقيدا بسنة معينة،كشف ذلك عن بطلانه من الأول.
هذا شريطة أن يكون نذره مطلقا و غير مقيد بسنة خاصة،و الاّ فلا موضوع للإعادة.
و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له.
[3140]مسألة 33:لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره(1)لتمكنه منه أو رجائه سقط،و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أو لا،بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال:
أحدها:وجوبه راكبا مع سياق بدنة.
الثاني:وجوبه بلا سياق.
الثالث:سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك،و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس.
الرابع:وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس.
الخامس:وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام،و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين و توقع المكنة مع الإطلاق.
و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث(2)،إلا أن الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من
فيه ان العجز الطارئ عن الوفاء بالعمل المنذور في وقته كاشف عن عدم انعقاده من الأول،لا أنه انعقد و لكن سقط وجوبه حين طرو العجز،لفرض أن صحة النذر مشروطة بتمكن الناذر من الاتيان به في ظرفه،و الاّ فهو باطل و غير منعقد من الأصل.
هذا هو الصحيح،لأن النذر إن كان مقيدا بسنة خاصة فالعجز عن الوفاء به كاشف عن بطلانه و عدم انعقاده من الأول،و إن كان مطلقا فمع اليأس عن الوفاء به في المستقبل،كما اذا اصيب بمرض أو شيخوخة يمنعه عن القيام بالحج المباشر النذري فقد يقال بالتفصيل بين أن يكون العجز عن المشي قبل
……….
……….
الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه(1)في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان،مضافا إلى خبر عنبسة(2)الدال على عدم وجوبه صريحا فيه،من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده و قبل الدخول في الإحرام أو بعده،و من غير فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة مع توقع المكنة و عدمه،و إن كان الأحوط(3)في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة و كونه قبل الشروع في الذهاب،الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة(4)،و الأحوط إعمال قاعدة الميسور
ظهر أن الروايات الساكتة عن وجوب الهدي و هي الطائفة الثانية لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى في الوجوب عرفا، بل الأمر بالعكس تماما كما عرفت،فاذن لا وجه لحمل الهدي فيها على الاستحباب.
مر أنه ضعيف سندا فلا يمكن الاعتماد عليه.
بل الأظهر ذلك،لأن النذر اذا كان مطلقا و غير مقيد بوقت خاص،فاذا لم يتمكن في السنة الأولى ففي الثانية و هكذا،اذ سقوط المشي و وجوب الحج راكبا بدلا عنه بحاجة الى دليل،و الروايات التي تدل على أنه اذا عجز عن المشي حج راكبا تختص بما اذا شرع في السفر الى الحج ماشيا،و لا تعم ما اذا طرأ عليه العجز عن المشي قبل الشروع فيه.
بل لا شبهة في ظهور الأخبار في طرو العجز عن المشي بعد الشروع في سفر الحج،و لا تعم العجز الطارئ عنه قبل الشروع فيه.
أيضا بالمشي بمقدار المكنة،بل لا يخلو عن قوة للقاعدة(1)مضافا إلى الخبر عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافيا قال عليه السّلام:«فليمش فإذا تعب فليركب»و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حد العجز،و في مرسل حريز«إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب».
[3141]مسألة 34:إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟وجهان،و لا يبعد التفصيل(2)بين المرض و مثل العدوّ باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني،و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقا.
لا أصل لها،فان الروايات التي تنص عليها بأجمعها ضعاف،و لا يمكن الاعتماد على شيء منها.
بل هو بعيد،لأن الظاهر من العناوين الخاصة الواردة في الروايات كعنوان التعب و العجز و عدم الاستطاعة عرفا هو عدم التمكن من الحج ماشيا، سواء أ كان لإصابته بمرض أو شيخوخة،أم كان لوجود مانع في الطريق،أو خوف من عدو فيه.
فالنتيجة:ان المعيار انما هو بعجزه عن الحج ماشيا تكوينيا كان أم تشريعيا،كما اذا كان حرجيا عليه.
فصل في النيابة لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب، و عن الحي في المندوب مطلقا و في الواجب في بعض الصور.
[3142]مسألة 1:يشترط في النائب أمور:
أحدها:البلوغ على المشهور،فلا يصح نيابة الصبي عندهم و إن كان مميزا،و هو الأحوط(1)،لا لما قيل من عدم صحة عباداته لكونها تمرينية،
بل هو الأقوى،و ذلك لأن مشروعية النيابة بحاجة الى دليل،حيث أنها كانت على خلاف القاعدة،فمقتضاها عدم سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره عنه،فانه لا يكون مصداقا للواجب و لا ينطبق عليه انطباق الطبيعي على فرده،بل سقوطه عن ذمته منوط بقيامه المباشر بالاتيان به،لكي يكون منطبقا عليه الواجب و مجزيا،هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة.
و أما بحسب الروايات،فهي تدل على مشروعية النيابة في الجملة،أي بنحو القضية المهملة،و ذلك لعدم اطلاق لها من هذه الناحية لكي تدل باطلاقها على مشروعيتها كذلك،و هذه الروايات تكون على طوائف:
منها:ما يكون موردها البالغ،و التعدي منه الى غير البالغ بحاجة الى قرينة.
و منها:ما يكون موردها الرجل و المرأة،و الظاهر أن المنصرف منهما البالغ دون الأعم منه و من غير البالغ.
و منها:ما يكون في مقام بيان أحكام أخرى دون مشروعية نيابة النائب.
لأن الأقوى كونها شرعية،و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه،لأنه اخص من المدعى،بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة(1)خصوصا مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ
فيه أنه لا وجه لهذه الدعوى،لما مر من أنه لا اطلاق لها من هذه الناحية،لكي يدعى انصرافه عن الصبي،هذا اضافة الى أنه لو كان لها اطلاق من هذه الناحية فلا وجه لدعوى الانصراف،اذ لا منشأ لها في المقام،لأن منشأه أحد
الرجل،و لا فرق بين أن يكون حجه بالإجارة أو بالتبرع بإذن الولي(1)أو عدمه،و إن كان لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحج المندوب(2)بإذن الولي.
الثاني:العقل،فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد، مطبقا كان جنونه أو أدواريا في دور جنونه،و لا بأس بنيابة السفيه.
الثالث:الإيمان،لعدم صحة عمل غير المؤمن و إن كان معتقدا بوجوبه و حصل منه نية القربة،و دعوى أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى.
فيه اشكال بل منع،اذ لا دليل على أن صحة حج الصبي بالتبرع عن غيره تتوقف على إذن الولي،نعم لو كانت نيابته بالاجارة مشروعة فهي تتوقف على اذن الولي،بملاك أن صحة معاملاته مرتبطة به.
فالنتيجة:ان نيابة الصبي في مورد تكون مشروعة كما في الحج الاستحبابي،فإن كانت بالاجارة كانت صحتها متوقفة على اذن الولي،تطبيقا لما مر،و إن كانت بالتبرع لم تكن متوقفة على إذنه،باعتبار أنه لا معاملة في البين.
بل هي الأظهر،لأن الروايات التي تنص على استحباب النيابة عن الغير في الحج و العمرة و الطواف حتى من المعصومين عليهم السّلام،و إن كانت لا
الرابع:العدالة أو الوثوق بصحة عمله(1)و هذا الشرط إنما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله.
في اعتباره اشكال بل منع،اذ لا دليل عليه،فانه على تقدير اعتبار أن
الخامس:معرفته بأفعال الحج و أحكامه و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل(1).
السادس:عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام،فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكنه من إتيانه،و أما مع عدم تمكنه لعدم المال فلا بأس،فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور،لكن الأقوى أن هذا الشرط إنما هو لصحة الاستنابة و الإجارة و إلا فالحج صحيح و إن لم يستحق الأجرة(2)،
أو بالاحتياط اذا لم يعلم حكمه.
فالنتيجة:ان النائب لا بد أن يكون جديرا بالثقة و الاعتماد على نحو يثق الانسان بأنه يؤدي الحج على الوجه الصحيح،سواء أ كان بالتعرف على واجباته تفصيلا،أم كان بالاحتياط.
ثم إن هذا الشرط كشرط الأمانة و الثقة ليس من شروط صحة الاجارة،بل هو من شروط جواز استئجار شخص لأداء الحج من قبل الميت أو الحي،حيث انه لا يجوز تكليفا استئجار من لا يثق بأنه يؤدي الحج على الوجه الصحيح،اما من ناحية عدم مبالاته،أو من ناحية عدم التعرف على واجباته.
يعني الأجرة المسمّاة،باعتبار أن اجارة الشخص المكلف بالحج عالما بأنه مكلف به و ملتفتا الى ذلك باطلة،على أساس أن الحج الواجب عليه مباشرة إن كان حجة الإسلام فصرف وجوبه رافع لوجوب الوفاء بالاجارة و وارد عليه،بمقتضى قوله عليه السّلام:«إن شرط اللّه قبل شرطكم»فان المتفاهم العرفي منه أن وجوب الوفاء بشروطكم و التزاماتكم كالإجارة و النذر و العهد و نحوها مقيد بأن لا يكون شرط اللّه ثابتا في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه،و الاّ فلا يصل الدور اليه.و إن كان غيرها كالحج النذري،فان قلنا بأن وجوب الوفاء فعلي،و الواجب متأخر على نحو الواجب المعلق و الشرط المتأخر،فهو مانع عن صحة الاجارة،
و تبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده،مع أن ذلك على القول به و إيجابه للبطلان إنما يتم مع العلم و العمد و أما مع الجهل(1)و الغفلة فلا،بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير لأن البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي و مع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنه قادر شرعا.
هذا اذا كان جهله مركبا،أو بسيطا شريطة أن يكون معذورا فيه،و أما اذا لم يكن معذورا فحاله حال العامد و الملتفت،باعتبار أن الواقع منجز عليه على تقدير ثبوته،و معه لا تصح الاجارة تطبيقا لما تقدم.
بيان ذلك:انا قد ذكرنا في علم الأصول ان الخطابين المتعلقين بالضدين اذا كان أحدهما مجهولا و غير منجز،فلا تزاحم بينهما حقيقة،و حينئذ فلا مانع من الأخذ باطلاق الخطاب الثاني و عدم تقييده لبا بعدم الاشتغال بالمجهول، و ذلك لأن المانع منه انما هو وصول الخطاب الأول و تنجزه،فانه اذا كان كذلك فهو مانع عنه،سواء أ كان مساويا له،أم كان أهم منه،غاية الأمر فعلى الأول لا بد من تقييد اطلاق كل منهما بعدم الاشتغال بالآخر لبا،على أساس حكم العقل بالتقييد اللبي العام لكل خطاب شرعي بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه في الأهمية،و على الثاني لا بد من تقييد اطلاقه بعدم الاشتغال بالأهم دون العكس،و أما إذا لم يكن واصلا و منجزا فلا يحكم العقل بلزوم امتثاله و استحقاق العقوبة و الادانة على مخالفته،فاذا لم يحكم العقل بذلك فلا مبرر لرفع اليد عن اطلاق الخطاب الثاني و تقييده بعدم الاشتغال بالأول،لأن هذا التقييد غير معقول،حيث ان لازمه جواز ترك امتثال الخطاب المنجز بدون مبرر،لفرض أن الاشتغال بالأول بما أنه غير واجب فلا يصلح أن يكون مبررا
[3143]مسألة 2:لا يشترط في النائب الحرية،فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه،و لا تصح استنابته بدونه،و لو حج بدون إذنه بطل(1).
فيه ان الأمر كما افاده قدّس سرّه،الاّ أن الكلام في اذنه اللاحق،هل أنه يجدي في صحّة حجّه أو لا؟فيه و جهان:الظاهر هو الثاني،و ذلك لأن الحج من الأفعال الخارجية،فاذا صدر من العبد في الخارج بدون اذنه كان مبغوضا،باعتبار أنه مصداق للتصرف في مال الغير بدون إذنه،و من المعلوم ان الإذن اللاحق لا يوجب انقلاب الواقع و جعل ما وقع مبغوضا محبوبا،و لا يقاس هذا بالنكاح الصادر من العبد بدون إذن سيده،فان المعاملات تختلف عن العبادات في نقطتين:
الأولى:ان المعاملات أمور اعتبارية لا واقع موضوعي لها،و لا مانع من اعتبارها و إنشائها من سبب مبغوض و محرم،و لا تسري حرمته اليه،و على
[3144]مسألة 3:يشترط في المنوب عنه الإسلام،فلا تصح النيابة عن الكافر(1)،لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه،لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه،بل لانصراف الأدلة،فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استئجاره عنه.
و يشترط فيه أيضا كونه ميتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب،فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب إلا إذا كان عاجزا،و أما في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميت تبرعا أو بالإجارة.
أما بناء على القول بأن الكفار لا يكونون مكلفين بالفروع فلا موضوع لها،و أما على القول بأنهم مكلفون بالفروع،فذمتهم و إن كانت مشغولة
[3145]مسألة 4:تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون(1)،بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا.
[3146]مسألة 5:لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة،فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس،نعم الأولى
هذا هو الصحيح،لأن الروايات التي تدل على استحباب النيابة عن غيره في الحج و نحوه من العبادات تعم باطلاقها المجنون أيضا،و لا سيما الروايات التي تنص على جواز اشراك جماعة في الحج المستحب،فان اطلاقها يعم ما اذا كان بين هؤلاء الجماعة مجنون،اذ لا يلزم في صحة النيابة عن شخص أن يكون الحج مستحبا عليه،فان نيابة شخص واحد عن جماعة جائز،مع أن الحج الواحد لا يكون مستحبا على هؤلاء الجماعة كفرد واحد،و عليه فمعنى النيابة هو ايصال ثواب العمل اليهم،لا أنه مصداق تنزيلي لفعلهم كما هو الحال في النيابة عن الواجب.
المماثلة(1).
[3147]مسألة 6:لا بأس باستنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل(2)أو امرأة،و القول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقا،أو مع
هذا لا من جهة اعتبار عرفي،بل من جهة النص الشرعي،و هو موثقة عبيد بن زرارة قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه،هل تجزي عنه امرأة؟قال:لا كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟قال:
انما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل،و قال:لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة» 1فان صدرها و إن دل على عدم الجواز،الا أن قوله عليه السّلام في ذيلها:«انما هي ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة»يدل على أن هذا الحكم استحبابي لا وجوبي،لأن الظاهر من كلمة(ينبغي)هو الاستحباب دون الوجوب،هذا اضافة الى أن الروايات التي تنص على جواز نيابة المرأة عن الرجل،كصحيحة أبي أيوب و صحيحة معاوية بن عمار و غيرهما 2قرينة على رفع اليد عن ظهور هذه الموثقة في عدم الجواز و حملها على الكراهة.
هذا هو الأظهر و إن كان الأولى و الأجدر أن يكون النائب عنه رجلا صرورة،و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(72)من شرائط وجوب الحج.
ثم ان المنوب عنه قد يكون رجلا،و قد يكون امرأة،و على كلا التقديرين،فمرة يكون صرورة،و أخرى غير صرورة،و على جميع التقادير، فمرة يكون حيا،و أخرى يكون ميتا،هذا بالنسبة إلى المنوب عنه.
و اما النائب فهو قد يكون رجلا،و قد يكون امرأة،و على كلا التقديرين، فيسوغ له أن يستنيب عن كل من المرأة و الرجل في تمام تلك التقادير،و تؤكد ذلك صحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يحج الرجل عن
……….
……….
……….
كون المنوب عنه رجلا ضعيف،نعم يكره ذلك(1)خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا(2)،بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلا عن رجل(3).
في الكراهة اشكال بل منع،لأن الروايات التي تدل على عدم جواز نيابة المرأة الصرورة فقد مر أنها لم تثبت سندا،فلا يمكن الاعتماد عليها،و لا يوجد دليل آخر يدل عليها،و على تقدير تماميتها سندا فلا مناص من الأخذ بها لعدم المعارض لها.
مر أنه لا خصوصية له.
فيه اشكال،و الأظهر عدم ثبوت الكراهة،بل الثابت هو استحباب نيابة الصرورة بمقتضى صحيحة معاوية بن عمار 1المتقدمة.نعم،قد يستدل على الكراهة بروايتين:
احداهما:رواية ابراهيم بن عقبة،قال:«كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط،أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟بين لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه.فكتب عليه السّلام:لا يجزي ذلك» 2.
و الجواب،أولا:ان الرواية غير تامة سندا،فان ابراهيم بن عقبة لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات،و قد مر في غير مورد أن مجرد وروده فيها لا يكفي في توثيقه.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تامة سندا،الاّ أنها ساقطة
……….
……….
[3148]مسألة 7:يشترط في صحة النيابة قصد النيابة(1)و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف.
[3149]مسألة 8:كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة(2)،و لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا باتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرد الإجارة،و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الإجارة في فراغها(3)منزّلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان،أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.
الأمر كما افاده قدّس سرّه حيث ان قصدها هو المميّز لها شرعا،لأن عنوان النيابة عنوان تقييدي لعمل النائب،و متقوم بالقصد،فان قصد النيابة حين العمل صح،و الاّ لم يقع عن المنوب عنه.أو فقل:ان النيابة عناية زائدة،و هي عبارة عن اتيان الشخص العمل ناويا كونه بديلا عن عمل غيره،و لو لا هذه النية لم يقع منه،فمن أجل ذلك تكون النيابة من العناوين القصدية.
لإطلاق أدلتها.
فيه ان الروايات الواردة في المسألة لا تدل على فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الايجار و انتقال العمل من ذمته الى ذمة الأجير.
بيان ذلك:إن هذه الروايات على طوائف:
الأولى:الروايات التي تنص على أن الأجير الذي اعطاه مالا ليحج عنه، اذا حج عن نفسه فهو لصاحب المال.
……….
……….
……….
……….
[3150]مسألة 9:لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال،بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء(1)به.
[3151]مسألة 10:إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه،لما مر من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه(2).و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه،لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دل عليه به،و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق،بل لموثقة إسحاق بن عمار المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان و حسين بن يحيى الدالة على أن النائب إذا مات
الأظهر عدم الاكتفاء،فاذا بادر المعذور و تبرع بأداء الحج عن غيره فلا يكتفى به،لما تقدم من أن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره بما أنه يكون على خلاف القاعدة فيحتاج الى دليل،و القدر المتيقن منه ما اذا لم يكن النائب معذورا في بعض واجبات الحج،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم الكفاية، بدون فرق في ذلك بين التبرع و الإجارة.
لم يشر السيد الماتن قدّس سرّه الى معنى الضمان سابقا،فان الموجود في المسألة السابقة قوله:(و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الاجارة في فراغها منزلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج اذا قصر النائب في الاتيان…)و من المعلوم أن هذا ليس تفسيرا لمعنى الضمان في الموثقة،و لذلك فالصحيح ما ذكرناه من أن المراد من الضمان في الموثقة هو ضمان المعاوضة، و هو مقتضى عقد الاجارة.
في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة(1)«من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه
فيه ان المرسلة باعتبار ضعفها سندا لا تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الموثقة،و على هذا فلا بد من النظر الى نفس الموثقة،و هل أنها مطلقة في نفسها أو مقيدة بما اذا مات بعد الإحرام؟فيه و جهان:الأظهر هو الثاني،بتقريب أن قوله عليه السّلام فيها:«قبل أن يقضي مناسكه»قرينة على أن موته كان بعد التلبس بها، على أساس أن معنى القضاء الإنهاء عن الشيء،و هو بنفسه يدل على أنه تلبس بأعمال الحج،و لكنه مات قبل الفراغ و الإنهاء منها،و عليه فلا يصح هذا التعبير عرفا اذا كان موته قبل الإحرام و التلبس بالمناسك،مثلا اذا مات المكلف في أثناء الصلاة صح أن يقال انه مات قبل أن يقضي صلاته و يفرغ منها،و اذا مات قبل الدخول فيها لم يصح أن يقال عرفا انه مات قبل أن يقضيها و يفرغ منها،لأن التعبير عن أن فلانا لم يفرغ عن صلاته معناه أنه شرع فيها،نعم لو كان بدل كلمة (أن يقضي)كلمة(أن يأتي)لم يكن له هذا الظهور.
فالنتيجة:انه لا اطلاق للموثقة في نفسها.
قد يقال كما قيل:إن قوله عليه السّلام:«قبل أن يقضي مناسكه»يرجع الى القيد الأخير،و هو الدخول في مكة،و لا أقل أنه متيقن،فاذن تدل الموثقة على الاجزاء اذا كان موته بعد الاحرام و دخول مكة،و اما اذا كان موته في الطريق و لو كان بعد الإحرام و قبل دخول مكة فلا يجزي.
و الجواب:انه لا شبهة في ظهور رجوع القيد الى أحد الأمرين،و هما الموت في الطريق،و الدخول في مكة،و ذلك لأن احتمال رجوع القيد الى خصوص الجملة الأخيرة انما هو اذا كان عطفها على الجملة الأولى بكلمة (الواو)،و اما اذا كان عطفها عليها بكلمة(أو)كما في المقام،فيرجع القيد الى الجامع بينهما و هو عنوان أحدهما،و لا موجب حينئذ لتوهم الاختصاص.
الحجة»الشاملة للحاج عن غيره(1)أيضا،و لا يعارضها موثقة عمار الدالة
فيه انه لا يبعد اختصاص المرسلة بالحاج لنفسه،و لا تعم الحاج عن غيره،و على تقدير تسليم أنها تعم النائب أيضا،فحينئذ تكون النسبة بينها و بين الموثقة عموما من وجه،لأن الموثقة عامة من جهة أن موت النائب كان قبل الإحرام أو بعده،و خاصة بالنائب.و المرسلة عامة من جهة أن الحاج كان لنفسه أو لغيره،و خاصة بما اذا كان موته في الحرم،و يكون مورد الالتقاء بينهما ما اذا مات النائب قبل دخول الحرم،فان مقتضى اطلاق الموثقة الاجزاء،و مقتضى اطلاق المرسلة عدم الاجزاء،فاذن لا تصلح المرسلة أن تكون مقيدة لإطلاق الموثقة تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.
على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي،لأنها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب(1)،مضافا إلى الإجماع(2)على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق،و ضعفها سندا بل و دلالة(3)منجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة.
و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان، و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه،لإطلاق الأخبار في المقام و القدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام،
فيه انه لا مقتضى لهذا الحمل،حيث أنه بحاجة الى قرينة عرفا،و لا قرينة عليه،و بدونها لا يمكن رفع اليد عن ظهورها في الوجوب،بل مقتضى الجمع الدلالي العرفي،و هو حمل المطلق على المقيد.
فيه أن مقتضى القاعدة عدم الكفاية اذا مات النائب في الطريق و إن كان بعد الاحرام و دخول الحرم و رفع اليد عنه بالنص اذا كان موته بعد الإحرام، و لا يحتاج ذلك الى دعوى الاجماع عليه،هذا اضافة الى أنا لو سلّمنا ثبوت الاجماع في المقام،الاّ أنه لا أثر له في المسألة التي يتلقى حكمها من مقتضى القاعدة.
مرت الاشارة في غير مورد الى أن ضعف الرواية سندا و دلالة لا ينجبر بعمل المشهور،و لا بالإجماعات المنقولة.فدعوى الانجبار لا أساس لها لا نظرية و لا تطبيقية،و لا سيما في دلالتها باعتبار أن حجية دلالتها مبنية على تحقق ظهورها التصديقي بلحاظ الارادة الجدية،و لا يمكن رفع اليد عن حجية هذا الظهور الاّ بسبب قيام قرينة على خلافه،و المفروض أن عمل المشهور بما أنه لا يكون حجة في نفسه،فلا يصلح ان يكون قرينة مانعة عن حجيته،كما أنه لا يوجب انقلابه موضوعا.
لكن الأقوى عدمه(1)فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء(2).
و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج(3)، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع.
[3152]مسألة 11:إذا مات الأجير بعد الاحرام و دخول الحرم(4)يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة،و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة،و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده و قبل الإحرام أو بعده(5)و قبل الدخول في الحرم،لأنه لم يأت بالعمل
مر أن الأظهر هو الإجزاء اذا مات النائب بعد الإحرام،و إن كان قبل دخول الحرم،و قد مر أن هذه المسألة تختلف عن مسألة الحاج عن نفسه.
في اطلاقه اشكال بل منع،لما تقدم من أن حال النائب ليس كحال الحاج عن نفسه،حيث أن الحج عن المنوب عنه يجزي اذا مات النائب بعد الاحرام و إن كان قبل دخول الحرم،و عن الحاج عن نفسه لا يجزئ الاّ اذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم معا.
هذا انما يتم في النائب فقط،لإطلاق النصوص فيه و مقتضاها عدم الفرق بينهما،و أما في الحاج عن نفسه فلا يتم،لأن مورد النصوص فيه حجة الإسلام،و لا تعم غيرها،و لا يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد،فانه بحاجة الى قرينة باعتبار أن الحكم يكون على خلاف القاعدة.
مر عدم اعتباره في الأجير،فانه إذا مات بعد الاحرام و ان كان قبل دخول الحرم فالأظهر هو الاجزاء،غاية الأمر إن كانت الإجارة على تفريغ ذمة الميت استحق تمام الأجرة و إن كانت على الأعمال و النسك توزع الاجرة عليها بالنسبة.
تقدم ان الأظهر هو الاجزاء اذا مات النائب بعد الاحرام و إن كان قبل
المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا بعد فرض عدم إجزائه،من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدمات من المشي و نحوه.
نعم لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا استحق مقدار ما يقابله من الأجرة بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا أو كان داخلا فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية،فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له،كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام،إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت صلاته فإنه لا إشكال في أنه لا يستحق الأجرة على ما أتى به،و دعوى أنه و إن كان لا يستحق من المسمى بالنسبة لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به حيث إن عمله محترم،مدفوعة بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه(1)
مجرد هذا لا يصلح أن يكون سببا لعدم استحقاق الأجير الأجرة التي يتقاضها الأجراء عادة للقيام بمثل ذلك العمل،فان سبب استحقاقه أحد أمرين:
الأول:أن يكون ما أتى به بأمر المستأجر.
الثاني:أن تكون له مالية لدى العرف و العقلاء على نحو يبذل المال بازائه.
فاذا توفر أحد هذين الأمرين فيه استحق اجرة المثل بالنسبة،سواء انتفع
و المفروض أنه لم يكن مغرورا من قبله،و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة(1)،من غير استحقاق لشيء على التقديرين.
لا يخفى ما في العبارة من المسامحة،بل لعلّها من سهو القلم،باعتبار أن المفروض في المسألة هو موت الأجير،و معه لا معنى لقول الماتن(يجب عليه الاتيان به اذا كانت مطلقة).و من هنا كان ينبغي للماتن قدّس سرّه أن يقول هكذا (إن كانت الاجارة مقيدة بقيام النائب بالحج مباشرة،انفسخت الاجارة بموته، سواء أ كانت مقيدة بسنة خاصة أم كانت مطلقة.و إن لم تكن مقيدة بقيامه كذلك وجب الاستئجار من تركة الأجير إن أمكن و إن كانت في سنة معينة)هذا.
و لكن ذلك غير صحيح،فان النائب على الأول و هو اعتبار قيامه المباشر بالحج إن مات قبل الإحرام بطلت الإجارة،فان موته يكشف عن عدم قدرته على الوفاء بها في ظرفه،بدون فرق بين أن تكون الاجارة مقيدة بسنة معينة أو مطلقة،و إن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم،فعلى القول بعدم الاجزاء فالأمر أيضا كذلك،و على القول بالاجزاء-كما استظهرناه- فعندئذ إن كانت الإجارة على تفريغ الذمة صحت،و استحق الأجير تمام الأجرة المسماة،و لا موجب لانفساخها بدون فرق بين أن تكون الاجارة مقيدة أو مطلقة،و إن كانت على الأعمال و النسك انفسخت بالنسبة إلى الاعمال الباقية، و صحت بالنسبة إلى الأعمال الماضية،بلا فرق بين نحوين من الاجارة أيضا،
[3153]مسألة 12:يجب في الإجارة تعيين نوع الحج(1)من تمتع أو قران أو إفراد،و لا يجوز للموجر العدول عما عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول،إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيرا بين النوعين أو الأنواع كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها،و أما إذا كان ما عليه
فيه أنه لا يعتبر في صحة الإجارة تعيين نوع الحج،فتصح الاجارة على الجامع حتى اذا كانت ذمة المنوب عنه مشغولة بقسم منه كحج التمتع -مثلا-غاية الأمر اذا قام الأجير بالاتيان بحج التمتع سقط عن ذمة المنوب عنه، و الاّ فلا،و لا يحق للمستأجر الزام الأجير بالاتيان به،باعتبار أن الواجب عليه العمل بما وقع عليه عقد الايجار،و المفروض أن ما وقع عليه العقد هو الجامع دون الفرد،و لعل الماتن قدّس سرّه أراد من اعتبار التعيين اعتباره في استئجار الوصي أو الولي شخصا من قبل الميت للقيام بما كان واجبا عليه من الحج،بلحاظ أن ما كان واجبا عليه من الحج نوع خاص منه كالتمتع او الافراد،فانه لا بد حينئذ من
من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول إلى غيره(1)،و في صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية(2)،و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية،
هذا بالنسبة إلى براءة ذمة المنوب عنه،فانها اذا كانت مشغولة بحج التمتع-مثلا-و رضي المستاجر بالعدول إلى حج الافراد أو القران،و عدل الأجير اليه و أتى به لم ينفع في براءة ذمته عنه،بل ظلت مشغولة به،و أما بالنسبة إلى الأجرة فهو يستحق الأجرة المسماة باعتبار أن العدول الى عمل آخر إذا كان باذن المستأجر و رضاه بنفس الأجرة المعينة استحقها.
و إن شئت قلت:إن عدول النائب من العمل المستأجر عليه كحج التمتع -مثلا-الى عمل آخر كحج الافراد اذا كان باذن المستأجر و رضاه فانه في الحقيقة فسخ للعقد الأول و تجديد للعقد ثانيا بنفس الأجرة التي كانت في العقد الأول،فمن أجل ذلك يستحق تلك الأجرة بكاملها.
فالنتيجة:ان قيام الأجير بالاتيان بالعمل الآخر كحج الافراد-مثلا-برضى المستأجر و اذنه لا يجدى في فراغ ذمته عن العمل المستأجر عليه أولا كحج التمتع،فانه مرتبط بالاتيان به لكي ينطبق عليه،لا بالعمل الآخر الذي لا يكون من افراده و مصاديقه،و لكن بما أن هذا العدول كان باذنه و لم يكن مجانا و لم يعين الاجرة له،فبطبيعة الحال كان اذنه بالعدول اليه و القيام به بنفس الأجرة السابقة،باعتبار أن ذلك في الحقيقة معاوضة جديدة بينها و بين العمل المعدول اليه.
فيه ان الشرطية في المقام ليست بمعناها الحقيقي و هو ما يكون
و على أيّ تقدير يستحق الأجرة المسماة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني،لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ما له على المؤجر كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه.
و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول،هذا و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل كالعدول إلى التمتع تعبدا من الشارع لخبر أبي بصير(1)عن أحدهما«في رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ
أي صحيحة أبي بصير 1،و هي تدل على أن من استأجره لحجة مفردة يسوغ له أن يعدل إلى حجة التمتع،معللا بأنه انما خالف الى الأفضل،و مقتضى اطلاق هذا التعليل أنه يجوز للأجير أن يعدل من العمل المستأجر عليه الى عمل آخر مطلقا و إن كان مباينا له شريطة أن يكون أفضل منه.
و الجواب:أن مقتضى القاعدة عدم جواز العدول عما عيّنه المستأجر على الموجر في عقد الاجارة،فلو عدل لم يستحق شيئا من الأجرة،باعتبار أنه لم
بها مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال عليه السّلام:نعم إنما خالف إلى الأفضل»و الأقوى ما ذكرناه و الخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين،جمعا بينه و بين خبر آخر(1)
فيه ان الخبر ضعيف سندا،فان الحسن بن محبوب روى عن علي، فان كان المراد منه علي بن أبي طالب عليه السّلام فالخبر مرسل،لأن ابن محبوب لا يمكن أن يروي عنه عليه السّلام بلا واسطة،و ان كان غيره فهو مردد بين علي بن موسى الرضا عليه السّلام و بين غيره،هذا و لكن في المدارك استظهر أن المروي عنه هو علي
«في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال عليه السّلام:ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم»و على ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية و إن كان حجه صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عيّن،و أما إذا كان على وجه الشرطية(1)فيستحق إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ حينئذ لا يستحق المسمى بل أجرة المثل.
[3154]مسألة 13:لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا،و لكن لو عيّن تعين و لا يجوز العدول عنه إلى غيره،إلا إذا علم أنه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و إنما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان،فحينئذ لو عدل صح و استحق تمام الأجرة،و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه،فالقول بجواز العدول مطلقا أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية(2)ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز«عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من
مر أن مرجع الشرط في المقام إلى التقييد لبا،و لا فرق بينهما في مقام الثبوت و الواقع و إن كان مأخوذا في عقد الاجارة في مقام الاثبات بنحو الشرطية.
فيه أنه لا بأس بالعدول في هذا الفرض اذ مع الشك في اعتبار الخصوصية في طريق خاص لا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عنه و الذهاب من طريق آخر أو من بلدة أخرى.
الكوفة فحج عنه من البصرة فقال:لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه»إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض(1)كما هو الغالب، مع أنها إنما دلت على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى،و ربما تحمل على محامل أخر(2)،و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعين(3)،إنما الكلام في استحقاقه الأجرة
فيه أنه لا شاهد على هذا الحمل لا في نفس الرواية و لا من الخارج، بل انها ظاهرة في أن هذه المخالفة لا تضر بصحة الحج اذا أتى به بكامل واجباته،كما هو ظاهر تفريغ تمامية الحج بقضاء جميع المناسك.
فالنتيجة:أن الاستدلال بالصحيحة على جواز العدول مطلقا حتى مع التعيين لا أساس له أصلا فانها غير ناظرة الى هذه الناحية،بل ناظرة الى أن هذه المخالفة بما أنها مخالفة في المقدمات الخارجية غير المقومة،فلا تضر بصحة الحج اذا أتى به بكل واجباته،و لا شبهة في ظهورها في ذلك.
منها:أن قوله(من الكوفة)متعلق بقوله(أعطى)،فيكون مفاده أن رجلا استجار رجلا من الكوفة ليحج عنه.
و منها:ان قوله(من الكوفة)صفة لقوله(رجلا)،فيكون معناه ان الاجير هو الرجل الموصوف من الكوفة.
و منها:ان قيد(الكوفة)شرط خارج عن عقد الاجارة.
و لكن من المعلوم أن كل هذه المحامل بعيدة عن الرواية جدا،و لا شاهد عليها أصلا،لا من الداخل و لا من الخارج،فلا يمكن حملها على شيء منها.
فالصحيح فيها ما مر من أنها ظاهرة في أن مخالفة هذا الشرط لا تضر بصحة الحج.
بل و إن كان مقيدا بها،و مع هذا اذا حج من طريق آخر صح و برئت
المسماة على تقدير العدول و عدمه،و الأقوى أنه يستحق من المسمى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية،و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ و إن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به لأنه حينئذ متبرع بعمله،و دعوى أنه يعدّ في العرف أنه أتى ببعض ما
استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الأجزاء-كما ذهب إليه في الجواهر-لا وجه لها،و يستحق تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية بمعنى الالتزام في الالتزام،نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط فيرجع إلى أجرة المثل.
[3155]مسألة 14:إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا بطلت الإجارة الثانية(1)لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى،و مع عدم
في بطلان خصوص الثانية اشكال،و الأظهر بطلان كليتهما معا، و السبب فيه ان كلا من الإجارتين في نفسها مشمولة لإطلاق دليل الامضاء، و مجرد السبق الزمني للأولى على الثانية لا يمنع عن شموله للثانية،فان ما يتوهم كونه مانعا عنه في المقام-كما ادعي-هو أن متعلق الثانية غير مقدور للمؤجر شرعا،فاذا لم يكن مقدورا له كذلك لم تصح الإجارة عليه،على أساس أن صحة الاجارة مشروطة بالقدرة على الوفاء بها في ظرفها عقلا و شرعا.
و الجواب:ان الكبرى و إن كانت تامة نظرية،الاّ أنها غير تامة تطبيقية نظرا إلى أن المقام ليس من عناصر هذه الكبرى،لأن وجوب الوفاء بالاجارة الأولى الذي هو مفاد دليل الامضاء لا يصلح أن يكون بنفسه مانعا عن الإجارة الثانية و رافعا لموضوعها و هو القدرة،و ذلك لأنه انما يكون مانعا عنها و رافعا لموضوعها اذا افترض أن مردّه الى الزام الموجر بالحفاظ على قدرته للوفاء بالأولى في ظرفها و عدم جواز تفويتها إن كان واجدا لها،و تحصيلها على الوفاء بها كذلك إن كان فاقدا لها،فانه حينئذ يكون معجزا مولويا عن صرف قدرته في
اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معا،و دعوى بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى لأنه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة ممنوعة،فالأقوى الصحة،هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة،و أما إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه،و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما،بل و كذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل.
و لو اقترنت الإجارتان كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد بطلتا معا(1)
لعدم امكان شمول اطلاق دليل الامضاء لكلتيهما معا من جهة المعارضة فيسقط،و قد تقدم أنه لا فرق فيه بين أن تكون الاجارتان في عرض واحد،أو تكون احداهما في طول الأخرى شريطة أن لا تكون الثانية في وقت تسليم العمل في الأولى،و الاّ بطلت الثانية فقط.
فالنتيجة:إن كلتا الإجارتين محكومة بالفساد،و لا يجب على المؤجر الوفاء بشيء منهما،نعم لو تبرع المؤجر و حج عن أحدهما نيابة بداعي أمر استحبابي صح،و لكنه لا يستحق شيئا على المنوب عنه،لا الاجرة المسماة لعدم العقد،و لا أجرة المثل لأن قيامه بهذا العمل لا يكون بأمره و إذنه.
مع اشتراط المباشرة فيهما.
و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران،و لو آجر نفسه من شخص ثم علم أنه آجره فضولي من شخص آخر سابقا على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة(1)بدعوى أنها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه،لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الإجازة(2)حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك.
قد حققنا في محله أن الصحيح كون الاجازة في باب الفضولي ناقلة لا كاشفة،بمعنى أن العقد الواقع من الفضولي يستند الى المجيز من حين الاجازة،ضرورة أن هذا العقد عقد له بها،و عليه فبطبيعة الحال يكون مشمولا لإطلاق دليل الإمضاء من الآن،و محكوما بالصحة و موضوعا لترتيب الآثار كذلك.
و بكلمة:أن العقد الممضى و إن كان من السابق الاّ أن امضاءه من حين الاجازة،فانه من هذا الحين يكون مشمولا للإطلاق و محكوما بالصحة لا من السابق،و فرق بين كونه ممضي من السابق و كونه ممضي من الآن،فالكشف مبني على الأول،و النقل على الثاني،و بما أن شمول الاطلاق له من حين الإجازة فالمتعين هو الثاني،و لا مجال للأول على تفصيل ذكرناه هناك.
ثم إن اجازة الإجارة الفضولية إن كانت قبل وقت العمل بالإجارة الأصلية وقع التعارض بين اطلاق دليل الامضاء باعتبار أن نسبته الى كلتا الإجارتين على حد سواء،و قد مر أنه لا أثر للسبق الزمني لإحداهما على الأخرى،و إن كانت في وقت العمل بها فلا أثر لإجازتها،لأنها فاقدة لشرط صحتها و هو القدرة على الوفاء بها عقلا و شرعا،فان وجوب العمل بالاجارة الأصلية في وقته مانع عن العمل بها شرعا.
ظهر مما مر أن مجرد اجارته نفسه لا تكون مانعة عن صحة الإجازة
[3156]مسألة 15:إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير بل و لا التقديم إلا مع رضا المستأجر،و لو أخر لا لعذر أثم،و تنفسخ الإجارة(1)إن كان التعيين على وجه التقييد،و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية(2)و إن أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على
في الانفساخ اشكال،بل منع لأن التأخير إن كان عن عذر من مرض أو عائق آخر يمنعه من القيام المباشر بالحج في وقته،كان ذلك كاشفا عن بطلان الإجارة من الأول،شريطة أن تكون على حصة خاصة من الحج و هي الحج في سنة معينة،كما هو المفروض في المسألة بملاك أن صحتها مشروطة بأن يكون العمل بها مقدورا في ظرفه،و إن كان التأخير عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي مع كونه قادرا عليه في وقته لم يكن ذلك كاشفا عن بطلانها لعدم الموجب له، لأنه باختياره اذا ترك العمل بالاجارة و لم يقم بالوفاء بها في ظرفه،فلا مبرر لبطلانها،غاية الأمر يثبت الخيار للمستأجر من جهة عدم قيام الموجر بتسليم العمل اليه في وقته،و حينئذ فان فسخ العقد طالب الأجير بالأجرة المسماة،و الاّ طالبه بقيمة العمل في ذمته.
فالنتيجة:إن التأخير من الأجير اذا كان عن عذر كشف ذلك عن بطلان الاجارة من الأول،لا أنها انفسخت من حين طرو العذر،و اذا كان عن عمد و التفات ظلت الاجارة صحيحة،و لا موجب لبطلانها و لا لانفساخها،غاية الأمر يثبت الخيار للمستأجر كما مر.و بذلك يظهر حال ما في المتن.
فيه ان مردها الى القيدية،فاذا اشترط على الموجر أن يحج عنه في سنة معينة،فهو و إن كان بصورة الشرط،الاّ أنه في الحقيقة قيد مقوم للعمل،لأن مرجعه الى أن العمل المستأجر عليه حصة خاصة من الحج،و هي الحج في تلك السنة المعينة،فاذن لا فرق بحسب مقام اللب و الواقع بين أن يجعل السنة المعينة في عقد الايجار بنحو القيدية أو يجعلها بنحو الشرطية لأن مرد الثانية
الأول و إن برئت ذمة المنوب عنه به،و يستحق المسماة على الثاني(1) إلا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل،و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال(2)،و في ثبوت الخيار
هذا مبني على أن يكون الشرط في مقابل القيد،و لكن قد مر أنه لا فرق بينهما في المقام الاّ في الصورة،فاذن لا يستحق الأجرة المسماة على كلا التقديرين،لأن ما وقعت عليه الإجارة و هو حصة خاصة من حجة الإسلام لم يأت به،و ما أتى به في سنة أخرى لم تقع الاجارة عليه،و من هنا لا يستحق عليه أجرة المثل أيضا،باعتبار أن اتيانه بحصة أخرى لم يكن بأمر المستأجر و اذنه.
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الاجارة إن كانت مطلقة و غير مقيدة بسنة خاصة،فان اشترط التعجيل بالوفاء بها فورا ففورا،فالاهمال فيه و التأخير إن كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي فهو لا يوجب الاّ مخالفة الشرط دون الإجارة،و يترتب عليها ثبوت خيار تخلف الشرط للمستأجر و إن كان التأخير مستندا إلى العذر من مرض أو عائق آخر فهو كاشف عن بطلان الشرط دون الإجارة و إن لم يشترط التعجيل و كان اطلاق الاجارة منصرفا إليه،و حينئذ فان كان المتفاهم العرفي منه وحدة المطلوب كان الواجب حصة خاصة و هي الحج في السنة الأولى،فاذن لا فرق بين انصراف المطلق الى المقيد بقيد خاص كالسنة الأولى،و بين تقييده به،فالواجب على كلا التقديرين هو المقيد،و عليه فان كان الموجر تاركا للواجب عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي ثبت الخيار للمستأجر من جهة عدم قيام المؤجر بتسليم العمل الواجب عليه،فان فسخ العقد طالب الموجر بنفس الاجرة المسماة،و الاّ طالبه بقيمة العمل التالف،و لا موجب لبطلان العقد في هذا الفرض و إن كان تاركا له لطرو عذر من مرض أو عائق آخر كان ذلك كاشفا عن بطلان الاجارة من الأول،باعتبار أن صحتها
للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان:من أن الفورية ليست توقيتا(1)،و من كونها بمنزلة الاشتراط.
[3157]مسألة 16:قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية(2)فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة،فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟فيه تفصيل(3):و هو أنه إن كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالإجازة لأنه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها،و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من حيث الحج أو جميع منافعه له جاز له إجازة الثانية لوقوعها على ماله،و كذا الحال في نظائر المقام فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني،و أما إذا ملكه منفعته الخياطي فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد لأنه تصرف في متعلق حقه،و إذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر،
بل هي توقيت اذا كانت مستندة الى انصراف العقد الى المؤقت بوقت خاص-كما مر-.
بل عرفت أن الأظهر عدم صحة كلتا الإجارتين معا،لا خصوص الثانية شريطة أن لا تكون الثانية في وقت الوفاء بالأولى،و الاّ فهي باطلة فقط، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(14).
فيه انه لا موضوع لهذا التفصيل بناء على ما استظهرناه من بطلان كلتا الاجارتين معا اذا كانت الاجارة الثانية واقعة قبل وقت العمل بالأولى،فانها اذا
نعم لو ملك منفعة خاصة كخياطة ثوب معين أو الحج عن ميت معين على وجه التقييد يكون كالأول في عدم إمكان إجازته.
[3158]مسألة 17:إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمهم كالحاج عن نفسه(1)
لإطلاق النصوص الدالة على أن وظيفة المصدود الذبح في مكان
فيما عليه من الأعمال و تنفسخ الإجارة(1)مع كونها مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق،و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد،و لا يجزئ عن المنوب عنه و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم،لأن ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار،و القياس عليه لا وجه له،و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته،و القول بوجوبه ضعيف، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال،و هو مشكل(2)
بل يكشف عن بطلانها من الأول،لأن صحتها مرتبطة بان يكون الأجير قادرا على تسليم العمل المستأجر عليه في ظرفه،فاذا لم يكن قادرا عليه في الواقع من جهة الحصر أو الصد كشف ذلك عن عدم توفر شروط صحتها،لا أنها صحيحة و لكن بالحصر أو الصد انفسخت،الاّ أن يكون مراده من انفساخها بطلانها و عدم انعقادها من الأول،هذا اذا كانت مقيدة بسنة معينة،و اما اذا كانت مطلقة فهي تظل ثابتة في ذمته،غاية الأمر ان المستأجر إن اشترط على الموجر الوفاء بها في تلك السنة ثبت له خيار تخلف الشرط،فان فسخ العقد طالبه بالأجرة،و الاّ فعليه أن يأتي بها في السنة القادمة،و إن لم يشترط عليه الاتيان بها في السنة الأولى فلا خيار له أيضا بل عليه الوفاء في السنين القادمة.
بل الظاهر عدم الاستحقاق باعتبار أن العمل المستأجر عليه و إن كان عملا مركبا،الا أن التركيب بين أجزائه تركيب ارتباطي ثبوتا و سقوطا،كالصلاة.
لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر(1)و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها،و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر فلا يستحق أجرة المثل أيضا.
[3159]مسألة 18:إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله(2).
[3160]مسألة 19:إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية(3)إذ لا دليل عليها،و القول بوجوب
مر أن الأجير اذا لم يتمكن من العمل المستأجر عليه في ظرفه بسبب من الأسباب و ان كان قادرا عليه حين العقد،فهو كاشف عن بطلان الإجارة و عدم انعقادها من الأول،باعتبار أن صحتها مشروطة بالقدرة عليه حين العمل، فاذن لا موضوع للانفساخ،فانه فرع الانعقاد أولا،و به يظهر حال ما بعده.
للروايات التي تنص على أن الكفارات التي تترتب على ممارسة أشياء معينة أوان الاحرام للحج أو العمرة انما هي من أحكام المحرم،فانه اذا احرم حرمت عليه تلك الأشياء المعينة،و اذا مارسها فعليه الإثم و الكفارة.
بل بمعنى أن الاجارة اذا كانت مطلقة كان يحق للمستأجر أن يطالب الموجر بتعجيل تسليم العمل المستأجر عليه في مقابل المؤجل الذي ليس له حق المطالبة به قبل حلول الأجل.
التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف،فحالها حال البيع في أن إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة و وجوب المبادرة معها.
[3161]مسألة 20:إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها،كما أنها لو زادت ليس له استرداد الزائد.
نعم يستحب الإتمام كما قيل،بل قيل يستحب على الأجير أيضا رد الزائد،و لا دليل بالخصوص على شيء من القولين.
نعم يستدل على الأول بأنه معاونة على البر و التقوى(1)،و على الثاني بكونه موجبا للإخلاص في العبادة.
[3162]مسألة 21:لو أفسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة،و هل يستحق الأجرة على الأول أولا؟قولان مبنيان على أن الواجب هو الأول و أن الثاني عقوبة أو هو الثاني و أن الأول عقوبة.
قد يقال بالثاني للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان، و حمله على إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه،و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة و لا يستحق الأجرة و يجب عليه الإتيان في القابل بلا أجرة،و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة و يستحق الأجرة
هذا إذا كان في أثناء العمل،و أما إذا كان بعد قيام الموجر بالعمل و اتمامه-كما هو المفروض-فلا يكون اتمام الأجرة بعده مصداقا للمعاونة على البر و التقوى.
نعم هو مصداق للإحسان بالمؤمن،كما أنه ليس لرد الزائد من الأجرة إلى المستأجر بعد العمل بكامل واجباته دخل في الاخلاص به.
على ما يأتي به في القابل.
و الأقوى صحة الأول و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك(1)في الحاج عن نفسه و لا فرق بينه و بين الأجير،و لخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمار عن أحدهما عليهما السّلام:«قال قلت:فإن ابتلي بشيء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزئ عن الأول؟قال:نعم قلت:فإن الأجير ضامن الحج قال:نعم»،و في
و هو صحيحة زرارة قال:«سألته عن محرم غشى امرأته و هي محرمة، قال:جاهلين أو عالمين،قلت:أجبني عن الوجهين جميعا،قال:إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما،و ليس عليهما شيء،و إن كان عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه،و عليهما بدنة،و عليهما الحج من قابل،فاذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،قلت:فأي الحجتين لهما؟قال:الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا،و الأخرى عليهما عقوبة» 1،فانها ناصة في أن الحجة الأولى صحيحة، و الثانية عقوبة،و بما أن موضوع الحكم فيها المحرم،و هو يعم الموجر أيضا، فاذن شمول الصحيحة له ليس على أساس عدم الفرق عرفا بين الحاج عن نفسه و الحاج عن غيره،بل من جهة ظهورها في أن هذا الحكم حكم المحرم بدون موضوعية للحاج عن نفسه،هذا اضافة الى أن موثقتي اسحاق بن عمار 2قد وردتا في الأجير،و تدلان على صحة الحج الأول و أن الثاني كفارة و عقوبة لما فعل، و يترتب على ذلك أن الموجر يستحق الأجرة بكاملها و إن لم يأت بالحجة الثانية عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،باعتبار أنها واجبة عليه عقوبة،و لا دخل لها بالمنوب عنه،فاذا لم يأت بها فهو آثم.
الثاني سئل الصادق عليه السّلام:«عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال عليه السّلام:هي للأول تامة و على هذا ما اجترح»، فالأقوى استحقاق الأجرة على الأول و إن ترك الإتيان من قابل عصيانا أو لعذر،و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معينة.
و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه؟وجهان،لا يبعد الظهور في الأول و لا ينافي كونه عقوبة فإنه يكون الإعادة عقوبة،و لكن الأظهر الثاني،و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة(1).
ثم لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معينة و لو على ما يأتي به في القابل لانفساخها(2)و كون وجوب الثاني تعبدا لكونه خارجا عن متعلق الإجارة
لا منشأ لهذا الاحتياط و إن كان استحبابيا،و الوجه في ذلك ظاهر،فان الحجة الثانية بما أنها عقوبة و كفارة لما ارتكبه المحرم من المعصية فيكون حالها حال سائر الكفارات،فكما أنه لا يحتمل أن يكون الواجب عليه الاتيان بها من قبل المنوب عنه،ضرورة أنها واجبة عليه مباشرة،و لا ترتبط به أصلا،فكذلك ما نحن فيه،فان الحجة الثانية واجبة على الموجر بالأصالة بملاك أنها عقوبة و كفارة لما ارتكبه من المحرم،و لا صلة لها بالمنوب عنه أصلا،لإن ذمته قد فرغت بالحجة الأولى فلا تكون مشغولة بشيء.
فالنتيجة:أن موضوع وجوب الكفارات هو ارتكاب المحرم لمحرمات الاحرام سواء كان احرامه لنفسه أم لغيره،و بذلك يظهر حال ما في المتن.
في الانفساخ اشكال بل منع،لأن الاجارة اذا كانت مقيدة بسنة خاصة،
و إن كان مبرئا لذمة المنوب عنه،و ذلك لأن الإجارة و إن كانت منفسخة(1) بالنسبة إلى الأول لكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا(2)لكونه عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد،فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني.
و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا في تفريغ ذمة المنوب عنه بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين و للأجير أن يحج ثالثا في صورة الإطلاق لأن الحج الأول فاسد و الثاني إنما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث إذ التداخل خلاف الأصل،و فيه أن هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحة
ظهر أنها لا تنفسخ باتلاف موردها عامدا و ملتفتا.
فيه أن الاجارة في مفروض المسألة انما هي على الحج في السنة الأولى فقط،و عندئذ فلا يعقل بقاؤها بعد انتفاء هذا الفرد،و لو دل دليل على أن الحج في السنة الثانية بدل عن الحج في السنة الأولى و عوض عنه،فيمكن تخريج ذلك بأحد وجهين:
الأول وجوب إعادة الأول(1)،و بذلك العنوان فيكفي في التفريغ و لا يكون من باب التداخل فليس الإفساد عنوانا مستقلا،نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا إن الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول و هو خلاف ظاهر الأخبار(2).
و قد يقال في صورة التعيين إن الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة(3)يكون لنفسه(4)فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه و لا يكون مبرئا لذمة المنوب عنه فيجب على المستأجر استئجار حج آخر، و فيه أيضا ما عرفت من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الأول(5)،و كون الأول بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلا عنه(6)لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ، هذا.
بل الظاهر منها وجوبه عليه أصالة لا نيابة.
بل هو ظاهر الأخبار كما عرفت.
مر أنها لا تنفسخ بافساد الأجير الحج فيها عامدا و ملتفتا و لا مبرر له، بل هي تظل باقية،و انما اتلف الموجر مال المستأجر و ملكه فيكون ضامنا لقيمته على تفصيل تقدم.
فيه أنه لا موجب لانقلاب الحج عن المنوب عنه بالافساد الى حج نفسه،بمعنى أنه إن أتى به صحيحا فهو للمنوب عنه،و إن افسده فهو له،لوضوح ان ذلك بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه.
مر أن هذا غير بعيد على القول ببطلان الحجة الأولى،و به يظهر حال ما بعده.
مر أن الروايات لا تدل على أن الثاني بدل عن الأول و عوض عنه،بل ظاهرها أنه واجب عليه مستقلا لا بعنوان أنه بدل له،و به يظهر حال ما في المتن.
و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا أيضا و إن كان لا يستحق الأجرة أصلا.
[3163]مسألة 22:يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد،لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل و لم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره،و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو دينا لكن إذا كانت عينا و نمت كان النماء للأجير،و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيا أو وكيلا و سلّمها قبله كان ضامنا لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلا،و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل(1)أو الوارث(2)،و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ(3)
هذا اذا لم يكن وكيلا من قبله مطلقا حتى في اشتراط التعجيل،و الاّ فلا حاجة الى اذنه.
فيه انه لا دخل لإذن الوارث في جواز تصرف الوصي في ملك الميت،فانه يتصرف فيه حسب وصيته،فان أوصى بالحج من الثلث فله أن يتصرف فيه،و يجعل نفقاته منه،و إن أوصى به من الأصل فكذلك،و من المعلوم أن جواز تصرفه في كل ذلك لا يتوقف على اذن الوارث بعد ما كان منصوبا من قبل الميت في تنفيذ وصاياه،لأن الوارث أجنبي عنه.
تقدم أن صحة الاجارة مشروطة بقدرة الأجير على تسليم العمل المستأجر عليه في ظرفه عقلا و شرعا،و الاّ بطلت الإجارة،و بما أن الأجير في المقام لا يقدر على العمل بدون دفع الأجرة فتكون الاجارة باطلة،و الفرض أنه لا يجب على المستأجر دفع الأجرة و ايجاد القدرة فيه.
و كذا للمستأجر،لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق و يجوز للوكيل و الوصي دفعها من غير ضمان(1).
[3164]مسألة 23:إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلا مع الإذن صريحا أو ظاهرا،و الرواية الدالة على الجواز(2) محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر.
لعدم التفريط و التقصير فيه بعد ما كان ذلك أمرا متعارفا،باعتبار أن المستأجر أو الوصي أمين لا يضمن الاّ مع التفريط و التقصير لا مطلقا.
فيه ان الرواية ساقطة سندا و دلالة،و إليك نصّها،عثمان بن عيسى قال:
«قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟قال:لا بأس» 1.اما سندا فلأن عثمان بن عيسى نقل هذه الرواية في موضع من التهذيب عن أبي جعفر الأحول،و في موضع آخر منه عن الأحول، و في موضع ثالث عن جعفر الأحول،و الأول ثقة دون الثاني و الثالث،و بما أنه لم يثبت روايته عن الأول فلا نحرز حجيتها و صحتها سندا،هذا اضافة الى أن هناك مبعدات أخرى لصحتها.و اما دلالة فلأنها لا تدل على أن اعطاء الحجة لرجل انما هو بنحو الاستنابة و الاستئجار،اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون اعطاؤها له بنحو التوكيل في ارسال أيّ شخص أراد،فكلا الأمرين محتمل،و لا ظهور لها في الاحتمال الأول.
فالنتيجة:أن اطلاق الاجارة و إن كان يقتضي المباشرة اذا لم تكن هناك قرينة حالية أو مقالية تؤدي الى الوثوق و الاطمئنان بعدم الخصوصية،الاّ أن الكلام في مورد الرواية ليس في ذلك،و انما هو في أن اعطاء الحجة لرجل هل
[3165]مسألة 24:لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا(1)و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمن عليه حج التمتع،و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثم اتفق ضيق الوقت فهل يجوز العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟وجهان:من إطلاق أخبار العدول،و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه،و الأقوى عدمه(2)،و على تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميت و عدم استحقاق الأجرة عليه لأنه غير ما على الميت و لأنه غير العمل المستأجر عليه.
لما مر من أن من شروط صحة النيابة أن يكون النائب متمكنا من القيام بكل واجبات الحج من الأجزاء و الشروط،و أما اذا كان معذورا في ذلك لمرض أو ضيق وقت أو عائق آخر فلا دليل على كفاية نيابته عن غيره في الحج الواجب،فلو بادر و أجر نفسه لم يجز الاكتفاء به،و مقتضى الأصل عدم الكفاية، و كذلك اذا بادر و تبرع بالحج عن غيره فلا يكتفى به،و على هذا فلا يجوز استئجار من لا يتمكن من اتمام حج التمتع لضيق الوقت و أن وظيفته العدول الى الإفراد.
الظاهر أن الأمر كما افاده قدّس سرّه،لأنه مقتضى القاعدة،حيث ان اجزاء حج الافراد عن حج التمتع بحاجة الى دليل،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء، باعتبار أن ما وقعت عليه الاجارة،و هو حج التمتع لم يأت به،و ما أتى به و هو حج الافراد لم تقع الاجارة عليه،و لا فرق فيه بين أن يكون الموجب للانقلاب ضيق الوقت أو جهة أخرى كالحيض أو نحوه على تفصيل يأتي في ضمن البحوث القادمة،و على هذا الأساس فاذا طرأ العجز على الأجير اتفاقا عن اتمام
……….
……….
[3166]مسألة 25:يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان(1)و المندوب،بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و إن كانت ذمته مشغولة بالواجب(2)و لو قبل الاستئجار عنه للواجب،و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك.
و هذا غير بعيد،فان الدليل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار،قال:
«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و لم يكن له مال،و لم يحج حجّة الإسلام (فحج)عنه بعض اخوانه،هل يجزي ذلك عنه؟أو هل هي ناقصة؟قال:لا بل هي حجّة تامة» 1و موردها و إن كان حجة الإسلام،الاّ أن العرف لا يفهم لها خصوصية،فان التبرع بالنيابة اذا كان مجزيا في حجة الإسلام،ففي غيرها بالأولوية،و تؤيد ذلك رواية عامر بن عميرة 2.
قد يقال كما قيل:ان موثقة سماعة بن مهران قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام،و لم يوص بها و هو موسر،فقال:
يحج عنه من صلب ماله،لا يجوز غير ذلك» 3.
و الجواب:ان الموثقة لا تدل على عدم جواز التبرع في الحج عن الميت، بل مفادها أن من عليه حجة الإسلام و مات و لم يوص بها فعلى الوارث أن يخرج حجه من صلب ماله و تركته و لا يشرع غير ذلك،و من المعلوم ان هذا انما يجب على الوارث اذا لم يكن هناك متبرع.
فالنتيجة:انه لا اشكال في جواز التبرع في الحج الواجب على الميت، سواء أ كان حجة الإسلام،أم كان بالنذر،أو بالاجارة،أو غير ذلك.
حتى حجة الإسلام بناء على ما هو الصحيح من استحباب الحج استحبابا عاما باستثناء الحجة الأولى للمستطيع،لأنها واجبة.و على هذا فاذا
و أما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب إلا إذا كان معذورا في المباشرة لمرض أو هرم فإنه يجوز التبرع عنه و يسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مر سابقا(1)،و أما الحج المندوب فيجوز التبرع عنه كما
تقدم ذلك مفصلا في المسألة(6)و قلنا هناك أن هذا هو الصحيح.
يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا،و أما إن تمكن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل(1)،بل التبرع عنه حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب(2).
[3167]مسألة 26:لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد،و إن كان الأقوى فيه الصحة،إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج(3)، و أما في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة،كما يجوز بعنوان إهداء الثواب،لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا،فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.
[3168]مسألة 27:يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام
الظاهر أنه لا اشكال في الحكم بصحته على أساس الترتب،لوجود الأمر الاستحبابي فيه،هذا اضافة الى أنه لا دليل على أن من تكون ذمته مشغولة بالحج الواجب لا يجوز له الاستئجار للحج المندوب.و مقتضى القاعدة الجواز،لأنه مقدور شرعا و عقلا،و الأمر بضده لا يكون معجزا مولويا عنه.
الظاهر أن هذا من سهو القلم منه قدّس سرّه أو من الخطأ في الطبع،فان موضعه في المسألة الآتية مباشرة بعد قوله(فيها في عام واحد)يعني ان عبارة المسألة كانت على النحو التالي:(لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحج الواجب)و موضع قوله(و إن كان الأقوى فيه الصحة)هو موضع قوله(في الحج الواجب)في المسألة المتقدمة،فتكون العبارة كما يلي (أيضا لا يخلو عن اشكال و إن كان الأقوى الصحة).
هذا باعتبار أن النذر تابع لقصد الناذر،فاذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في احجاج شخص واحد وجب الوفاء على كل منهما كذلك.
واحد في الحج المندوب تبرعا أو بالإجارة،بل يجوز ذلك في الواجب أيضا كما إذا كان على الميت أو الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان مختلفان نوعا كحجة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد،و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطا لاحتمال بطلان حج أحدهما،بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب و إن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر(1)،فهو مثل ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد،و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر فإن الذمة مشغولة ما لم يتم العمل فيصح قصد الوجوب من كل منهما(2)و لو كان أحدهما أسبق شروعا.
لا عبرة بذلك فان العبرة في جواز دخول كل منهما في العمل بنية الوجوب انما هي فيما اذا كان واثقا و متأكدا بأن الآخر لا يتم قبله،و أما اذا كان واثقا بأنه يتم العمل قبله فلا يجوز له الدخول فيه بقصد الوجوب،لمكان ارتباطية الواجب،لا أن الوجوب قد سقط عنه بقاء عن الجزء الأخير فقط،فانه خلف فرض كون الواجب ارتباطيا،نعم له أن يدخل فيه حينئذ رجاء و احتياطا لا جازما بالوجوب.
هذا اذا لم يعلم أو لم يطمئن أن الآخر يتم قبله،و الاّ فلا يجوز له الدخول فيه بقصد الوجوب تطبيقا لما مر.
قد تم بعونه تعالى الجزء الاول من كتاب الحج و يليه الجزء الثاني من فصل الوصية في الحج و الحمد للّه رب العالمين