قائمة

تخطى إلى المحتوى

مولفات سماحة مرج​ع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸

جلد

8

قائمة

قائمة

الصفحة الرئيسية مكتبة تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ صفحة 4

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 301)


[مسألة 23:إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير]

[3130]مسألة 23:إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير،و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا(1).

يتيح له الاتيان بها ندبا الا بالبناء عليه تشريعا،و على هذا فلا محالة تقع فاسدة،لا من جهة المزاحمة،و الاّ لأمكن الحكم بالصحة ندبا بالترتب،بل من جهة أنه تشريع و محرم،حيث انه يعلم بأنها واجبة عليه في الواقع،و مع ذلك بنى على أنها مستحبة تشريعا،و أتى بها بنية الاستحباب،و من المعلوم أن الاتيان بها كذلك مبغوض،فلا يمكن التقرب به.

و ان كان جاهلا بالحال و لا يكون ملتفتا الى تلك الخصوصية،و حينئذ فإن أتى باسم حجة الإسلام معتقدا أن الأمر المتعلق بها ندبي صحت،لأن ما أتى به مصداق لها،غاية الأمر انه لما كان جاهلا بالحال فقد أتى بها باسمها الخاص بداعي أمر استحبابي خيالي مخطئا في التطبيق،و من الواضح أن هذا لا يضر بالواقع و لا يؤثر فيه،و إن أتى بها بعنوان أنها مندوبة لم تصح لا بعنوان الحج المستحب و لا بعنوان حجة الإسلام،أما الأول فلا موضوع له باعتبار أنه لا يكون مأمورا بالحج المستحب استحبابا عاما،و أما الثاني فلما مر من أن صحتها مرتبطة بالاتيان بها باسمها الخاص المميز لها شرعا،كما هو الحال في كل عبادة يكون لها اسم خاص مميز لها و إن كانت فريدة في نوعها.

فالنتيجة:ان المعتبر في صحة العبادة انما هو قصد اسمها الخاص،فاذا أتى بها كذلك بأمل التقرب الى اللّه تعالى صحت،و أما قصد أمرها فهو غير معتبر في صحتها،لأنه طريق الى الإتيان بها مضافة اليه سبحانه و تعالى،و لا موضوعية له،و من هنا إذا أتى بها بداعي محبوبيتها صحت.

في وجوب القضاء اشكال بل منع،لما تقدم من أن ما يجب قضاؤه عنه هو نذر الاحجاج،و أما نذر الحج فلا دليل على وجوب قضائه اذا فات،و أما اذا نذر الجامع بين نذر الاحجاج و نذر الحج،و تركهما حتى مات،فلا دليل أيضا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 302)


و إذا طرأ العجز من أحدهما معينا تعين الآخر،و لو تركه أيضا حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا لأن الواجب كان على وجه التخيير فالفائت هو الواجب المخير و لا عبرة بالتعيين العرضي،فهو كما كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان و كان عاجزا عن بعض الخصال ثم مات فإنه يجب الإخراج عن تركته مخيرا و إن تعين عليه في حال حياته في إحداهما فلا يتعين في ذلك المتعين.

نعم لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا و لم يتمكن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه(1)بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد،لكن الظاهر أن مسألة الخصال ليست كذلك فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته
على وجوب قضائه عنه،لأن ما دل على وجوب قضاء نذر الاحجاج لا يعم ذلك حتى اذا تعين الاحجاج عليه في مفروض المسألة من جهة تعذر الفرد الآخر،لأن مورد ما دل على وجوب القضاء هو ما اذا كان وجوب الاحجاج بسبب النذر،لا من جهة أخرى،كحكم العقل بتعينه بملاك عجزه عن امتثال الواجب في ضمن فرد آخر،و التعدي عنه اليه بحاجة الى قرينة بعد ما يكون الحكم على خلاف القاعدة.

هذا الاحتمال ضعيف جدا،لفرض أن النذر لم يتعلق بخصوص الفرد غير المقدور حتى يكون باطلا،بل تعلق إما بالجامع بينه و بين الفرد المقدور باعتبار أن الجامع بينهما مقدور،و لا مانع من تعلق النذر به،و لا ينحل الى نذرين لكي يكون أحدهما باطلا من جهة كون متعلقه غير مقدور،أو تعلق بخصوص الفرد المقدور،فعلى الأول اذا ترك الواجب و هو الجامع حتى اذا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 303)


متمكنا إلا من البعض أصلا،و ربما يحتمل في الصورة المفروضة(1) و نظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضا بدعوى أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير و مع تعذر أحدهما لا يكون
مات فعلى القول بوجوب القضاء عنه وجب في ضمن أحد فرديه دون خصوص الفرد المقدور لأنه ليس بواجب على الفرض،و لا فرق في ذلك بين طرو العجز عن أحدهما بعد النذر،أو أنه عاجز عنه حين النذر.و على الثاني وجب قضاء الفرد على تقدير القول به،و بذلك يظهر حال ما في المتن.

فيه أن هذا الاحتمال ضعيف جدا،و لا منشأ له أصلا،و ذلك لأن النذر اذا تعلق بالجامع الانتزاعي و هو عنوان أحدهما،كما اذا قيل:(للّه عليّ أن أصوم يوم الجمعة الفلانية،أو اتصدق للفقير)فلا يخلو من أن يكون مرده الى نذر واحد متعلق بالجامع-كما هو الصحيح-أو إلى نذرين مشروطين،فعلى الأول يكون متعلق النذر الجامع دون الفرد بحده الفردي،بدون فرق بين أن يكون كلا الفردين مقدورا للناذر في مقام العمل و التطبيق خارجا،أو يكون أحدهما مقدورا له دون الآخر،و عليه فلا يكون الفرد متعلقا للنذر حتى يحتمل بطلانه في صورة تعذر الآخر.و على الثاني يكون متعلقه الفرد بحده الفردي مشروطا بعدم الاتيان بالفرد الآخر،و هذا يعني ان وجوب الوفاء بكل منهما مشروط بعدم الاتيان بالآخر،و اذا تعذر أحدهما تعين وجوب الوفاء بالآخر بتعين شرطه و امتناع انهدامه،و من المعلوم أن ذلك لا يوجب خروجه عن الواجب المشروط الى الواجب المطلق لكي يقال ببطلان النذر و انتفائه بانتفاء متعلقه،بداهة أن انقلاب الواجب المشروط الى الواجب المطلق غير معقول،لأنهما متقابلان بتقابل الماهية لا بشرط و الماهية بشرط لا،و تحقق الشرط انما يوجب فعلية المشروط لا انقلابه،و الاّ لزم الخلف.

فالنتيجة:انه على كلا القولين في المسألة لا منشأ لهذا الاحتمال.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 304)


وجوب الآخر تخييريا،بل عن الدروس قدّس سرّه اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد الأمرين،و فيه:أن مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين(1)من دون اشتراط كونه على وجه التخيير،فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما.

هذا الاشكال مبني على أن الوجوب التخييري هو الوجوب المتعلق بكل من البدائل،و لكن مشروطا بترك البدائل الأخرى،و على هذا فلا بد أن يكون جميع هذه البدائل مقدورا،و الاّ فلا يمكن تعلق الوجوب بها و لو مشروطا.و لكن قد ذكرنا في علم الأصول أن مرد الوجوب التخييري ليس الى جعل وجوبات مشروطة بعدد البدائل مباشرة،بأن يكون وجوب كل منها مشروطا بترك الآخرين،بل مرده الى جعل وجوب واحد متعلق بالجامع الانتزاعي بينها،دون نفس البدائل،و لا يسري منه اليها ثانيا،بل السراية قهرا أمر غير معقول،لأن الوجوب أمر اعتباري و بيد الشارع يجعله حيثما أراد،و لا يعقل تحققه بدون اعتباره و جعله،و عليه فاذا جعله على شيء يستحيل أن يسري بنفسه الى غيره،و على هذا فما ذكره الشهيد قدّس سرّه في الدروس من المثال،فلا مانع من الالتزام بصحة النذر فيه،باعتبار أنه تعلق بالجامع و هو مقدور.

و بكلمة أخرى:ان مرد الوجوب التخييري ان كان الى جعل وجوب واحد على الجامع بين بديلين،فلا يتوقف على أن يكون كلا البديلين مقدورا،بل يكفي كون أحدهما مقدورا دون الآخر،غاية الأمر يتعين حينئذ تطبيق الجامع على المقدور،و إن كان مرده الى جعل وجوبين مشروطين لهما، فعندئذ لا بد من أن يكون كلاهما مقدورا،و قد مر أن الصحيح هو الأول دون الثاني،و لكن الماتن قدّس سرّه قد بنى على الثاني دون الأول،بقرينة أنه اعتبر في انعقاد النذر على وجه التخيير التمكن من كلا البديلين معا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 305)


[مسألة 24:إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام من بلده ثم مات قبل الوفاء بنذره]

[3131]مسألة 24:إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين عليه السّلام من بلده ثم مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته،و لو اختلفت أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة إلا إذا تبرع الوارث بالزائد أجرة،فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد و إن جعل الميت أمر التعيين إليه(1)،و لو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث.

[مسألة 25:إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر]

[3132]مسألة 25:إذا علم أن على الميت حجا و لم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضاؤه عنه(2)من غير تعيين و ليس عليه كفارة،و لو
فيه ان الظاهر منه أنه يرجع الى الوصية بالزيادة،على أساس أن ما يخرج من الأصل هو أدنى و أقل فرد من الأجرة المتعارفة حسب مكانة الشخص،و لا يجوز اخراج الاكثر من التركة الاّ باجازة الورثة،و عليه فاذا جعل الميت اختيار تعيين الأجرة زيادة أو نقيصة بيد الوصي،فإن لم يرجع ذلك الى الوصية بالزيادة لكان هذا الجعل لغوا،باعتبار أنه لا يحق للميت تعيين الأجرة الزائدة من الأصل،فاذن لا محالة يرجع الى الوصية بها،و يخرج مقدار الزيادة من الثلث،و على هذا فلا فرق بين التصريح باختيار الأزيد و بين جعل الاختيار بيد الوصي،غاية الأمر يجب عليه في الفرض الأول اختيار الأجرة الزائدة عملا بالوصية،بأن يأخذ الزائد من الثلث،و الأجرة المتعارفة من الأصل،و في الفرض الثاني مخير بين اختيارها و اختيار أدنى فرد الأجرة المتعارفة.

فالنتيجة:انه لا فرق بين الفرضين،الاّ أن الوصية في الفرض الأول انما هي بالزيادة نصا،و لذا يجب العمل بها،و في الفرض الثاني انما هي بالجامع بينها و بين الأجرة المتعارفة.

في الوجوب اشكال بل منع،و الأظهر عدمه،أما في الحج النذري فلما مر من أنه لا دليل على وجوب قضائه عنه،و أما في حجة الإسلام فلا علم باشتغال ذمة الميت بها،لكي يجب قضاؤها عنه،و مقتضى الأصل العدم.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 306)


تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا(1)، و حيث إنها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط(2)، و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف.

هذا اذا علم بأنه ترك الوفاء بالنذر أو اليمين عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،و أما إذا احتمل انه كان معذورا في ذلك،فلا علم بثبوت الكفارة عليه.

ثم على تقدير ثبوتها،فهل تخرج من الأصل،أو من الثلث؟فيه قولان:الظاهر هو الثاني،و قد تقدم ذلك في ضمن البحوث السالفة،و قلنا هناك إنه لا دليل على خروجها من الأصل،لأن ما هو ثابت خروجه من الأصل بالدليل هو الدين المالي على ذمة الميت،و لا دليل على أن كل واجب مالي كالكفارات و نحوها خارج من الأصل ما عدا حجة الإسلام،فانها تخرج منه بالنص الخاص.

في اطلاقه اشكال بل منع،اذ لا موضوع للاحتياط بناء على ما قويناه من أن كفارة النذر هي كفارة اليمين،اذ حينئذ تكون في ذمة الميت كفارة واحدة، و يكفي اخراجها عنه إما من الثلث-كما هو الأقوى-أو من الأصل،و قد تقدم تفصيل ذلك في كتاب الصوم.

و أما بناء على أن كفارة النذر غير كفارة اليمين فتكونان متباينتين،لأن كفارة النذر تعلقت بالجامع بين اطعام ستين مسكينا،أو صوم شهرين متتابعين، أو عتق رقبة،و كفارة اليمين تعلقت بالجامع بين إطعام العشرة،أو كسوتهم،أو صيام عشرة أيام،و أما الإطعام فهو فرد من افراد الواجب،و ليس بواجب لكي يكون أمره مرددا بين الأقل و الاكثر،و على هذا فبناء على القول بأنها تخرج من الثلث،فعلى الوصي الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي،إما باطعام ستين مسكينا ناويا به فراغ ذمة الميت من إحدى الكفارتين،أو صيام شهرين متتابعين،أو الجمع بين كسوة عشرة مساكين و العتق.و أما على القول بأنها تخرج من الأصل

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 307)


……….

كما هو مختار السيد الماتن قدّس سرّه فلا يمكن الاحتياط لا بالجمع بين الكسوة و العتق،و لا بغيره،أما الأول فلأنه يستلزم التصرف في مال الورثة جزما، باعتبار أن ما في ذمة الميت اما العتق او الكسوة،فكلاهما غير محتمل،و أما الثاني فلأن اخراج مؤنة إطعام ستين مسكينا من التركة،أو أجرة صيام شهرين متتابعين منها يكون على خلاف الاحتياط،لاحتمال أن ذمة الميت مشغولة بما ينطبق على اطعام عشرة مساكين،أو صيام عشرة أيام،و الزائد تصرف في مال الورثة.

فالنتيجة:ان مقتضى العلم الإجمالي في المقام و إن كان الاحتياط،الاّ أنه في المقام لا يمكن،إما من جهة استلزامه المخالفة القطعية العملية،أو خلاف الاحتياط.و على هذا فهل يمكن الرجوع الى القرعة لتعيين اشتغال ذمة الميت بها،أو لا؟الظاهر أنه لا يمكن،فان المقام ليس من موارد الرجوع اليها،و ذلك لأن روايات القرعة بتمام اصنافها لا تعم المقام،فان موردها إما دعوى النسب و اشتباهها،أو العبد المعتق المشتبه بين عبدين أو أكثر،أو دعوى المال،أو اشتباه الشاة الموطوءة بين الشياه،و شيء منها لا ينطبق على المقام.نعم قد ورد في بعض الرواية:«ان في كل مجهول قرعة»و هو بعمومه يشمل المقام،و لكنه ضعيف سندا،فلا يمكن الاعتماد عليه،و على هذا فبما أن الاحتياط في المسألة بمقتضى العلم الإجمالي لا يمكن،و الدليل اللفظي غير موجود فيها حتى نرجع اليه،فلا بد من الرجوع الى الأصول الأخرى.

و أما أصالة البراءة عن وجوب كلتا الكفارتين فهي لا تجري لسقوطها في اطراف العلم الإجمالي بالمعارضة الداخلية بين أفرادها،و كذلك استصحاب عدم وجوبهما.و أما بالنسبة إلى تعلق حق الميت بالمقدار الزائد على المتيقن فلا يمكن الرجوع الى الأصل العملي فيه أيضا بدون فرق بين القول بأن مقدار حق الميت من التركة يظل باقيا في ملكه و لا ينتقل الى الورثة،و القول بانتقاله اليهم و لكن متعلقا لحقه.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 308)


[مسألة 26:إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل]

[3133]مسألة 26:إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل،لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار و إن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات(1)فإن أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن
اما على القول الأول،فان الولي أو الوصي و إن كان يشك في المسألة أن الباقي في ملك الميت من التركة هل هو ما يوازي أدنى فرد الجامع بين الخصال الثلاث الأولى،أو ما يوازي أدنى فرد الجامع بين الخصال الثلاث الثانية؟الاّ أن استصحاب بقاء الأول في ملكه لا يجري الاّ على نحو مثبت،لأنه لا يثبت أن ذمته مشغولة بالجامع بين الخصال الثلاث الأولى حتى ينحل العلم الإجمالي به حكما،فمن أجل ذلك لا أثر له.

و اما على القول الثاني،و هو أن التركة جميعا تنتقل الى الورثة،غاية الأمر يبقى ما يوازي دين الميت من التركة متعلقا لحقه،ففي مثل ذلك و إن كان في مفروض المسألة مقدار ما يوازي نفقات أدنى فرد الجامع بين الخصال الثلاث الثانية متعلقا للحق جزما،و الزائد عليه مشكوك فيه،و لكن مع ذلك لا يمكن الرجوع الى أصالة البراءة عنه،لأنها لا تثبت أن ذمته مشغولة بالجامع بين الخصال الثلاث الثانية حتى يترتب عليه انحلال العلم الإجمالي حكما.

فالنتيجة:انه لا يمكن الرجوع في المسألة لا الى أصالة الاحتياط و لا الى الأصول المؤمنة،فاذن لا بد فيها من التراضي و التصالح مع الورثة.و به يظهر حال ما في المتن.

كما اذا كان الركوب له في الطريق و قطع المسافة به موجبا لإتاحة الفرصة للدعاء و العبادات أكثر من قطعها بالمشي،و حينئذ يكون الركوب أفضل،كما نص عليه صحيح سيف التمار 1،و الاّ فالمشي أفضل منه،كما نصت


 

1) <page number=”308″ />الوسائل باب:33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 309)


المشي في حد نفسه،و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا مطلقا و لو مع الإغماض من رجحان المشي لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد،إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه،فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له،و أضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقا،لأن المفروض نذر المقيد فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده.

[مسألة 27:لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل]

[3134]مسألة 27:لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب و لا يجوز حينئذ المشي و إن كان أفضل،لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده،نعم لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد(1)،لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكبا،و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين،و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا، و ما في صحيحة الحذاء من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بركوب أخت عقبة
عليه مجموعة من الروايات الأخرى.

فيه أن مجرد كونه أفضل من الركوب لا يوجب بطلان النذر،و عدم انعقاده فيه اذا كان في نفسه راجحا و إن كان المشي أرجح منه،لأن المعيار في صحة النذر انما هو برجحان متعلقه في نفسه،و المفروض ان الركوب للحج في نفسه راجح،كما يظهر ذلك من جملة من الروايات:

منها:موثقة رفاعة قال:«سأل أبا عبد اللّه رجل:الركوب أفضل أم المشي؟ فقال:الركوب أفضل من المشي،لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ركب» 1.

و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة سيف التمار:«تركبون أحبّ إليّ،فان ذلك


 

1) <page number=”309″ />الوسائل باب:33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 310)


ابن عامر-مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية-قضية في واقعة(1)يمكن أن يكون المانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها أو تضررها أو غير ذلك.

أقوى على الدعاء و العبادة» 1.و منها غير ذلك.

فالنتيجة:انه لا شبهة في أن الركوب للحج راجح في نفسه،و معه لا مانع من صحة نذره.

فيه ان حمل الصحيحة على أنها وردت في قضية شخصية لا اطلاق لها خلاف الظاهر جدا،فان الظاهر من مجموعها أنها في مقام بيان الحكم الكلي،و إليك نصّها:«قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام:عن رجل نذر أن يمشي الى مكة حافيا؟فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل،فقال:من هذه؟فقالوا:أخت عقبة بن عامر،نذرت أن تمشي الى مكة حافية،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا عقبة انطلق الى أختك فمرها فلتركب، فان اللّه غنى عن مشيها و حفاها،قال:فركبت» 2فانها ظاهرة في عدم وجوب الوفاء بنذر المشي للحج حافيا،لأن الاستشهاد بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انما هو لبيان ذلك،لا أن ما صدر منه صلّى اللّه عليه و آله حكم شخصي في مورد خاص لسبب من الأسباب،و الاّ فلا يرتبط الجواب بالسؤال أصلا،و هو خلاف الظاهر،و لا يمكن حمل الجواب فيها على الاستدراك و بقاء السؤال بدون جواب،فانه بحاجة الى قرينة.

فالنتيجة:انه لا شبهة في أن الصحيحة سؤالا و جوابا ظاهرة في بيان الحكم الكلي،نعم لو كان الاستشهاد بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله ابتداء بدون كونه


 

1) <page number=”310″ />الوسائل باب:33 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.
2) الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:4.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 311)


……….

مسبوقا بالسؤال عن حكم المسألة في الشريعة المقدسة لأمكن حمله على حكم في مورد خاص لسبب أو آخر.

و الصحيح في الجواب أمران:

أحدهما:ان الظاهر من الصحيحة كون متعلق النذر المشي حافيا إلى مكة،لا الحج حافيا،و لا دليل على أنه محبوب في نفسه،لأن الروايات التى تنص على أن المشي محبوب لا اطلاق لها من هذه الناحية،باعتبار أنها مسوقة لبيان أنه أفضل من الركوب،و لا تدل على أن كل حصة منه محبوبة،فان القدر المتيقن منها أن الحج حافيا محبوب بكل حصصه،و أما المشي حافيا فلا دليل على أنه محبوب في نفسه،و على هذا فاذا نذر الحج حافيا صح،و أما إذا نذر المشي حافيا الى مكة فلا دليل على صحته،فان رجحان المشي حافيا في نفسه غير معلوم حتى يحكم بصحة نذره.

و الآخر:أنها معارضة بصحيحة رفاعة و حفص:قالا:«سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نذر أن يمشي الى بيت اللّه حافيا؟قال:فليمش،فاذا تعب فليركب» 1فانها تدل على صحة نذر المشي حافيا الى بيت اللّه الحرام، و وجوب الوفاء به،و لا يمكن الجمع بينهما بحملها على الاستحباب بقرينة الصحيحة الأولى الناصة في البطلان،و ذلك لأنه لا معنى لحمل الأمر بالوفاء بالنذر على الاستحباب،فان النذر إن كان صحيحا وجب الوفاء به،و الاّ فلا، و بما أن الصحيحة الأولى تدل على بطلانه،و الثانية تدل على صحته،فلا يمكن الجمع بينهما عرفا،فاذن يسري التعارض إلى دليل الحجية،فتسقطان معا من جهة المعارضة،فيرجع حينئذ إلى الأصل العملي في المسألة، و مقتضاه عدم وجوب الوفاء به،و لا يمكن التمسك بعموم وجوب الوفاء بالنذر،للشك في أن متعلقه راجح أو لا،و من المعلوم أن عموم وجوب الوفاء به لا يثبت أنه راجح،فلذلك يكون التمسك به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.


 

1) <page number=”311″ />الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:10.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 312)


[مسألة 28:يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما]

[3135]مسألة 28:يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد،نعم لا مانع منه(1)إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر(2)
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن العمل اذا كان حرجيا حين النذر، و لكن لم يبلغ حرجه الى حد الحرمة،فحينئذ إن كان محبوبا في نفسه حتى في هذه الحالة-كالوضوء الحرجي مثلا إذا لم يبلغ حرجه الى درجة خطيرة يحرم ارتكابه-فلا مانع من الحكم بصحة نذره،و وجوب الوفاء به،و لا يكون مشمولا للقاعدة،لانصرافها عرفا الى الأحكام التي لا تكون متعلقاتها حرجية بطبعها و ان حرجيتها أمر تصادفي بسبب أو آخر،كما هو الحال في قاعدة لا ضرر،فانها ناظرة الى الأحكام التي لا تكون متعلقاتها ضررية بطبعها،و لا تعم الأحكام المجعولة في موارد الضرر،و من هنا يصح الوضوء الضرري اذا كان ضرره يسيرا لا يحرم ارتكابه شرعا،باعتبار استحبابه النفسي،و اذا نذر هذا الوضوء فلا مانع من وجوب الوفاء به،و لا يمكن نفيه بقاعدة لا ضرر،لأنه حكم مجعول في مورده،و أما إذا لم يحرز كونه محبوبا في نفسه حتى في هذه الحالة لم يحكم بصحة نذره،و من هنا يظهر أن الحرج اذا كان طارئا بعد النذر و حين العمل فهو رافع لوجوبه و كاشف عن عدم انعقاده على أساس أن متعلقه لم يكن حرجيا بطبعه،و إنما طرأ عليه الحرج اتفاقا،و مثل ذلك يكون مشمولا للقاعدة،لأنها كما تعم الأحكام الأولية المجعولة من قبل اللّه تعالى ابتداء،تعم الأحكام الثانوية المجعولة من قبله تعالى في المرتبة الثانية،كوجوب الوفاء بالنذور و العهود و الشروط و الأيمان و نحوها.

بل و ان بلغ حد الضرر ما دام لم يبلغ درجة خطيرة يحرم ارتكابه،اذ لا دليل على أن ارتكاب مطلق الضرر محرم،فالنتيجة ان الحرج اذا بلغ تلك الدرجة يحرم ارتكابه شرعا،و لا شبهة في بطلان نذره حينئذ،لا من جهة وجود

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 313)


لأن رفع الحرج من باب الرخصة(1)لا العزيمة،هذا إذا كان حرجيا حين النذر و كان عالما به و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطا للوجوب.

[مسألة 29:في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال]

[3136]مسألة 29:في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين إلى الميقات أو مبدأ الشروع في السفر أو أفعال الحج أقوال،و الأقوى أنه تابع للتعيين(2)أو الانصراف و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال:«للّه علي أحج ماشيا»و من حين الشروع في السفر إذا قال:«للّه علي أن أمشي إلى بيت اللّه»أو نحو ذلك،كما أن الأقوى أن منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار لجملة من الأخبار لا طواف النساء كما عن المشهور و لا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار.

الضرر،بل من جهة الحرمة الشرعية،و إن لم يبلغ تلك الدرجة ففيه تفصيل قد مر.

هذا واضح،اذ لا شبهة في أن مفاد لا حرج نفي الإلزام و الضيق، و اثبات الترخيص و التسهيل على الأمة امتنانا،و لا يحتمل أن يكون من باب العزيمة،لأنه إن اريد من العزيمة الحرمة التكليفية،فيرد عليه أنها مبنية على أن تكون كلمة(لا)في لا حرج ناهية لا نافية،مع أنها نافية.و إن أريد من العزيمة أنه لا يجوز ايقاع نفسه في الحرج،فقد مر أنه يختلف باختلاف درجته،فان كانت يسيرة فلا بأس بالوقوع فيها،و إن كانت خطيرة لم يجز.

هذا هو الصحيح،لأن النذر يتبع قصد الناذر في المبدأ و المنتهى،أما في الأول،فإن قصد المشي من بلدته فمبدؤه منها،و إن قصد من الميقات فمبدؤه منه،و هكذا،و أما في الثاني،فان قصد الى بلد مكة انتهى بالوصول اليه، و إن قصد الى عرفة وجب المشي اليها،و إن قصد الى الجمرة فكذلك،و هكذا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 314)


……….

و أما اذا لم يقصد موضعا معينا لا بحسب المبدأ و لا المنتهى،و انما قصد معنى اللفظ و ظهوره،فعندئذ يتبع المبدأ و المنتهى ظهور اللفظ سعة و ضيقا،و هذا هو مقتضى القاعدة.

و اما بحسب الروايات،فقد ورد في جملة منها:أن منتهاه رمي الجمرة.

منها:صحيحة الحلبي:«انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الماشي متى ينقضي مشيه؟قال:إذا رمى الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكبا فقد انقضى مشيه،و إن مشى فلا بأس» 1.

و منها:صحيحة جميل قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:اذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي» 2و منها غيرهما.

و في مقابلهما صحيحة يونس بن يعقوب قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:

متى ينقطع مشي الماشي؟قال:إذا افضت من عرفات» 3فانها تدل على أن حد المشي الى حين الافاضة.

و دعوى:إن المشهور قد أعرضوا عن صحيحة يونس،و لذا لا يعرف قائل بها،فمن أجل ذلك لا تكون حجة.

مدفوعة:نظرية و تطبيقية كما مرت الإشارة اليه في أكثر من مناسبة،فاذن تقع المعارضة بينهما،فان الطائفة الأولى تنص على أن المشي ينتهي برمي الجمرة،و الثانية تنص على أنه ينتهي بالافاضة من عرفات،و تسقطان معا في مورد المعارضة،و هو المشي من عرفات الى الجمرة،فان الأولى تدل على وجوب المشي الى الجمرة،و الثانية تدل على عدم وجوبه،و كفاية المشي الى حين الإفاضة منها،و على هذا فلم يثبت وجوب المشي الى رمي الجمرة، و الثابت انما هو وجوبه الى حين الافاضة،حيث لا معارضة بينهما في وجوب المشي الى وقت الافاضة،و انما المعارضة بينهما في الزائد.


 

1) <page number=”314″ />الوسائل باب:35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.
2) الوسائل باب:35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
3) الوسائل باب:35 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 315)


[مسألة 30:لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره]

[3137]مسألة 30:لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره،و إن اضطر إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره(1)،كما أنه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد،و لو كان في
و إن شئت قلت:ان صحيحة يونس بما أنها في مقام التحديد،فلها دلالة ايجابية،و دلالة سلبية،أما الأولى فهي دلالتها على وجوب المشي الى حد الافاضة من عرفات،و اما الثانية فهي دلالتها على انقطاعه و انتهائه بها، و كذلك الطائفة الأولى من الروايات،فالمعارضة انما هي بين الدلالة السلبية من الصحيحة و الدلالة الايجابية من الطائفة الأولى،فتسقطان،فالمرجع هو الصحيحة في مدلولها الايجابي،و هو وجوب الوفاء بنذر المشي الى وقت الافاضة من عرفات،و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون الناذر ناويا المشي الى الجمرة،أو إلى طواف الحج،أو لا،و أما حمله على أنه في مقام تحديد النذر المجمل،و هو الذي لم يقصد الناذر تعيينه كما و لا كيفا،فانه بعيد،و بحاجة الى قرينة،و لعل تحديد المشي المنذور الى زمن الإفاضة من عرفات في الصحيحة انما هو بنكتة أن عرفات هي الحد الأقصى للمسافة من بلدة الناذر،و كيف كان فلا مانع من الالتزام بظاهرها و إن كان على خلاف قصد الناذر،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به أن لا يركب الى الجمرة.

بل بطل،فان اضطراره الى الركوب في السفينة كاشف عن أنه لم يكن قادرا على الحج ماشيا في الواقع،و مع عدم القدرة عليه كذلك كان نذره باطلا من الأول،باعتبار أن صحته مرتبطة بكون العمل المنذور مقدورا للناذر في ظرفه،لا أنه وقع صحيحا و لكن حين الاضطرار سقط أمره،كما هو ظاهر المتن، فانه لا يرجع الى معنى محصل،لأن التمكن منه في الواقع لا يخلو من أن يكون شرطا في صحته أو لا،فعلى الأول لا شبهة في بطلانه و عدم انعقاده من البداية،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 316)


طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه(1) لخبر السكوني،و الأقوى عدم وجوبه،لضعف الخبر عن إثبات الوجوب، و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له،و على فرضه فالميسور هو التحرك لا القيام.

باعتبار أنه فاقد للشرط،و على الثاني فلازمه صحته،و هذا كما ترى،بداهة أنه لا يمكن الحكم بصحة النذر للعمل غير المقدور في الواقع في ظرفه.

فيه اشكال بل منع،أما أولا:فلأن من نذر المشي في الحج،أو الحج ماشيا فبطبيعة الحال يكون نظره الى ما عدا العبور من الشطوط و الأنهار الموجودة في الطريق،و يكون المنذور من الأول حصة خاصة من المشي.

و ثانيا:ان نظره و إن لم يكن إلى ذلك حين النذر،بأن يكون غافلا أو جاهلا،و لا يدري بوجودها في الطريق،الاّ أنه لا شبهة في أن المنذور هو المشي على الأرض ارتكازا دون الأعم منه و من القيام في المركب المار على الشط أو النهر أو البحر في الطريق.

و ثالثا:ان المنذور لو كان هو الحج ماشيا على طول الطريق افقيا الى مكة المكرمة بالخطوات المتصلة،لكان ذلك كاشفا عن بطلانه من الأول،باعتبار أن المنذور حينئذ غير مقدور له،لا أنه صحيح و لكن في حال العبور عن الشط أو النهر بالمركب في الطريق يقوم فيه بدلا عن المشي تطبيقا لقاعدة الميسور،فان هذه القاعدة لو تمت.نظرية فلا يمكن تطبيقها على العمل المنذور في المقام، لأنه إن كان مقدورا صح النذر،و الاّ بطل،فلا موضوع لها،و لا يمكن الحكم بصحته في هذه الحالة و الانتقال الى بدله بعنوان الميسور منه تطبيقا لهذه القاعدة.

و أما رواية السكوني:«أن عليا عليه السّلام سئل عن رجل نذر أن يمشي الى

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 317)


[مسألة 31:إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا]

[3138]مسألة 31:إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا فإن كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة و لا كفارة إلا إذا تركها أيضا،و إن كان المنذور الحج ماشيا في سنة معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء(1)و الكفارة،و إذا كان المنذور المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء لفوات محل النذر.

و الحج صحيح في جميع الصور خصوصا الأخيرة(2)لأن النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج،و عدم الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل فيكفي في صحته الإتيان به بقصد القربة.

البيت،فعبر في المعبر؟قال:فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه» 1فهي و إن كانت تامة دلالة،الاّ أنها ضعيفة سندا،فان في سندها النوفلي،و هو لم يثبت توثيقه غير وروده في رجال اسناد كامل الزيارات،و هو لا يكفي.

في الوجوب اشكال بل منع،و لا دليل عليه الاّ في نذر الاحجاج-كما مر-.

بل الأولى،حيث ان الاشكال الموهم في الثانية و الأخيرة لا يوهم في الأولى،باعتبار أنه في الصورة الأولى إذا حجّ راكبا صح حجه و لا شيء عليه،لأن الوفاء بنذره بما أنه غير مقيد بسنة معينة فلا يكون في تركه في هذه السنة إثم و لا كفارة.و من هنا يظهر أن تعبير الماتن قدّس سرّه بمخالفه النذر و الإعادة في هذه الصورة مبني على المسامحة،اذ لا مخالفة للنذر فيها و لا اعادة للحج المنذور،لأن ما أتى به من الحج لا يرتبط بالحج المنذور حتى يكون الاتيان به اعادة له،فلذلك لا اشكال في صحة الحج في هذه الصورة.

و أما في الصورة الأخيرة،و هي ما اذا نذر المشي في حج معين ذاتا كحجة


 

1) <page number=”317″ />الوسائل باب:37 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 318)


……….

الإسلام،أو عرضا كالحج في سنة معينة،فاذا حج راكبا فقد يستشكل في صحته، بدعوى أن ما يكون مقصوده كحجة الإسلام ماشيا لم يتحقق،و ما تحقق و هو حجة الإسلام راكبا لم يكن مقصودا له،فمن أجل ذلك لم يصح تطبيقا لقاعدة أن ما قصد لم يقع،و ما وقع لم يقصد،هذا.

و لكن من الواضح أن هذا الاشكال نشأ من الخلط في تطبيق هذه القاعدة على المقام رغم أنه ليس من عناصرها،فان من عناصر هذه القاعدة ما اذا كان المنذور الحج المقيد،و الفرد المأتي به في الخارج هو غير المقيد،فاذن ما يكون مقصودا لم يقع،و ما وقع لم يكن مقصودا،و أما في المقام فلا يكون المنذور الحج المقيد بالمشي حتى يكون من افراد القاعدة،بل المنذور المشي في حج خاص كحجة الإسلام-مثلا-فيكون الحج ظرفا للمشي المنذور فيه،لا أنه قيد له،و على هذا فكل من الظرف و المظروف مقصود،فكما أن المشي مقصود في ذلك الحج الخاص،فكذلك الحج مقصود.نعم لو مشى في حج آخر غير ذلك الحج لكان من عناصر القاعدة،و أما إذا أتى بالحج كحجة الإسلام راكبا فقد أتى بما هو مقصود له مستقلا،لا أنه مقصود له ضمنا،فانه مبني على أن يكون المشي المنذور فيه قيدا للحج،و أما إذا كان مظروفا و الحج ظرفا له-كالقنوت في الصلاة-فالمقصود بالذات هو الحج سواء و في بنذره أيضا في ضمنه أم لا، و هذا نظير ما اذا نذر القنوت في الصلاة.

و أما في الثانية،فقد يقال كما قيل:ان الحج راكبا منهي عنه بمقتضى أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده،فاذا كان المنذور الحج المقيد بالمشي في سنة معينة،فاذا حج فيها راكبا فهو منهي عنه،و النهي عن العبادة يقتضي الفساد و إن كان غيريا.

و قد أجاب السيّد الماتن قدّس سرّه عن ذلك:أولا:بأن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده.و ثانيا:على تقدير تسليم أنه يقتضي النهي عنه،الاّ أنه لما كان غيريا فلا يستلزم الفساد،باعتبار أنه لا يكشف عن مبغوضية متعلقه،فاذن لا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 319)


و قد يتخيل البطلان من حيث إن المنوي و هو الحج النذري لم يقع و غيره لم يقصد،و فيه أن الحج في حد نفسه مطلوب و قد قصده في ضمن قصد النذر و هو كاف،ألا ترى أنه لو صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا(1)و إنما تبطل من حيث كونها
مانع من الحكم بالصحة.

و فيه:انه لا يمكن الحكم بصحة الضد الاّ على القول بالترتب و إن قلنا بأن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده-كما هو الصحيح-فإنه لا شبهة في أنه يقتضي عدم الأمر به،على أساس استحالة الأمر بالضدين معا،فاذا لم يكن الضد متعلقا للأمر فلا يمكن الحكم بالصحة،لأن الحكم بها يتوقف اما على وجود الأمر به الكاشف عن وجود الملاك فيه الذي هو حقيقة الأمر و روحه،أو على احراز اشتماله على الملاك،و حيث انه لا أمر به فلا طريق لنا الى احراز اشتماله عليه و الطريق الآخر غير موجود،فمن أجل ذلك لا يمكن الحكم بالصحة.

و أما ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن النهي الغيري لا يكشف عن مبغوضية متعلقه،و إن كان صحيحا،الاّ أن ذلك لا يكفي في الحكم بالصحة،بل هو يتوقف على احراز الملاك فيه،و لا طريق الى احرازه في هذه الحالة.

فالنتيجة:انه لا يمكن الحكم بالصحة الاّ على القول بالترتب.

الأظهر هو البطلان،فانها كما لا تقع كفارة باعتبار أن صحتها مشروطة بالتتابع،و مع الاخلال به تبطل،كذلك لا تقع مستحبة،لأنه بحاجة الى دليل يدل على الانقلاب،أي انقلاب الصوم الذي أتى به باسم الكفارة مستحبا عاما،و لا دليل على ذلك.و ما دل على استحباب الصوم استحبابا عاما لا يشمل هذا الصوم،لأن مورده الصوم المطلق الذي ليس له اسم خاص،و صوم الكفارة كغيره من انواع الصيام الخاصة له اسم خاص المميز له شرعا،و هو عنوان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 320)


صيام كفارة،و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره(1)التي أتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا.

التكفير،فاذا صام المكلف صوم كفارة فلا بد أن يكون باسمه الخاص،و الاّ لم يقع كفارة،و اما اذا كان باسمه الخاص و لكن بطل من جهة عدم توفر شروطه، فلا يقع مصداقا للصوم المستحب العام،و الاّ فلازم هذا ان كل صوم خاص اذا بطل من جهة انتفاء شرطه وقع صوما مستحبا عاما،و هو كما ترى.و من هنا يظهر أن ما نحن فيه ليس من قبيل صيام أيام بقصد الكفارة ثم أخل بالتتابع، وجه الظهور أنه فيما نحن فيه كان قاصدا للحج راكبا من أول الأمر،و لم يأت به بداعي الوفاء بالنذر،و هذا بخلاف صوم الكفارة،فانه من الأول كان قاصدا اسمه الخاص المميز له شرعا،ثم أخل بشرط من شروطه كالتتابع.

لا شبهة في بطلانهما بعنوان كونهما من أجزاء الصلاة و واجباتها، و أما بعنوان كونهما قرآنا و ذكرا،فإن اريد بذلك ترتيب آثار قراءة القرآن و الذكر عليهما،فيرده أنه مبني على أن قراءتهما كذلك مطلوبة في ضمن الصلاة بنحو تعدد المطلوب،و لكن الأمر ليس كذلك،فان قراءة القرآن أو الذكر و إن كانت مطلوبة في ضمن الصلاة،الاّ أنها بنحو وحدة المطلوب،بمعنى أنها مطلوبة بعنوان واجبات الصلاة و اجزائها،لا بعنوان قراءة القرآن،فاذا بطلت بهذا العنوان لم تقع مصداقا لقراءة القرآن أو الذكر.و إن أريد به أنها قرآن أو ذكر ذاتا،فيرد عليه أن كونها كذلك مما لا كلام فيه،بداهة أن من أتى بفاتحة الكتاب بنية أنها من واجبات الصلاة قد أتى بالقرآن ذاتا،و لكن الكلام ليس في ذلك،و انما هو في أنه أتى بها بعنوان قراءة القرآن لكي تترتب عليها آثارها،أو لا،و قد مر أنه لم يأت بها كذلك،و انما أتى بها بعنوان أنها من واجبات الصلاة.

فالنتيجة:انه اذا بطلت صلاته لم تترتب على قراءته و أذكاره آثار قراءة القرآن و الذكر،فانهما من العناوين القصدية كعنوان الصلاة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 321)


و قد يستدل للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأن الأمر بإتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا،و فيه منع كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده،و منع استلزامه البطلان على القول به(1)،مع أنه لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا مطلقا من غير تقييد بسنة معينة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة.

[مسألة 32:لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو]

[3139]مسألة 32:لو ركب بعضا و مشى بعضا فهو كما لو ركب الكل لعدم الإتيان بالمنذور،فيجب عليه القضاء(2)أو الإعادة ماشيا(3)،
تقدم أن صحة العبادة تتوقف على وجود أحد عنصرين:الأول:

وجود الأمر بها.الثاني:وجود الملاك فيها.و في المقام بما أنه لا أمر بها، لاستحالة الأمر بالضدين معا،فلا يمكن الحكم بصحتها من ناحية الأمر بها،و اما الملاك فلا طريق لنا الى احرازه فيها،فان سقوط الأمر عنها كما يمكن أن يكون من جهة وجود المانع،كذلك يمكن أن يكون من جهة عدم المقتضي له في هذه الحالة،و عليه فصحتها تتوقف على مسألة أخرى و هي مسألة الترتب،فان قلنا بها حكم بصحتها على أساس الأمر الترتبي،و الاّ فلا.

فالنتيجة:انه على القول بعدم امكان الترتب لا يمكن الحكم بصحة الضد العبادي،بدون فرق في ذلك بين القول بالاقتضاء،و القول بعدمه.

في الوجوب اشكال بل منع،لما مر من أنه لا دليل عليه،و حينئذ فان كان متمكنا من الحج ماشيا،و مع هذا اذا ركب في بعض الطريق و مشى في بعضه الآخر،فقد خالف النذر،و عليه الإثم و الكفارة دون القضاء،و إن لم يكن متمكنا منه ماشيا و كان مقيدا بسنة معينة،كشف ذلك عن بطلانه من الأول.

هذا شريطة أن يكون نذره مطلقا و غير مقيد بسنة خاصة،و الاّ فلا موضوع للإعادة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 322)


و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له.

[مسألة 33:لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكنه منه أو رجائه سقط]

[3140]مسألة 33:لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره(1)لتمكنه منه أو رجائه سقط،و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أو لا،بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال:

أحدها:وجوبه راكبا مع سياق بدنة.

الثاني:وجوبه بلا سياق.

الثالث:سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة أو كان مطلقا مع اليأس عن التمكن بعد ذلك،و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس.

الرابع:وجوب الركوب مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس.

الخامس:وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام،و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين و توقع المكنة مع الإطلاق.

و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث(2)،إلا أن الأقوى بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من
فيه ان العجز الطارئ عن الوفاء بالعمل المنذور في وقته كاشف عن عدم انعقاده من الأول،لا أنه انعقد و لكن سقط وجوبه حين طرو العجز،لفرض أن صحة النذر مشروطة بتمكن الناذر من الاتيان به في ظرفه،و الاّ فهو باطل و غير منعقد من الأصل.

هذا هو الصحيح،لأن النذر إن كان مقيدا بسنة خاصة فالعجز عن الوفاء به كاشف عن بطلانه و عدم انعقاده من الأول،و إن كان مطلقا فمع اليأس عن الوفاء به في المستقبل،كما اذا اصيب بمرض أو شيخوخة يمنعه عن القيام بالحج المباشر النذري فقد يقال بالتفصيل بين أن يكون العجز عن المشي قبل

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 323)


……….

الإحرام أو بعده،فعلى الأول يكون نذره باطلا و غير منعقد و لا شيء عليه،و على الثاني يجب عليه اتمام الحج و العمرة راكبا بمقتضى الآية الشريفة،و لكن هذا الوجوب غير وجوب الوفاء بالنذر و لا يجزى عنه،لأن وجوب الوفاء بالنذر قد سقط عنه بسقوط موضوعه و هو القدرة.

فالنتيجة:ان الساقط انما هو الأمر النذري المتعلق بالحج ماشيا للعجز، دون الأمر الحجيّ،فانه يجب عليه اتمام الحج راكبا.

و الجواب:ان المكلف قد احرم للحج قاصدا به الوفاء بالنذر المميز له شرعا،و قد تقدم في ضمن البحوث السالفة أن عنوان الوفاء بالنذر من العناوين القصدية،و على هذا فاذا طرأ العجز عن اتمام الحج ماشيا كشف ذلك عن بطلان نذره و عدم انعقاده من الأول،فاذن لا يتمكن من اتمام احرامه بعنوان الوفاء بالنذر،و حينئذ فان كان الحج المنذور حجة الإسلام وجب عليه إتمام احرامه بنية حجة الإسلام،لأنها واجبة عليه سواء أ كان ناذرا لها أم لا.

و إن شئت قلت:ان الداعي للإتيان بها أمران:أحدهما:الأمر المتعلق بها باسم حجة الإسلام.و الآخر:الأمر المتعلق بها بعنوان الوفاء بالنذر الذي هو في طول الأمر الأول،فاذا سقط الأمر الثاني بسبب العجز و بطل النذر ظل الأمر الأول ثابتا و محركا للمكلف نحو امتثاله،و إن كان المنذور الحج المستحب فطروّ المانع عن اتمامه كاشف عن بطلان النذر،و معه بطل احرامه أيضا،و اما صحته بعنوان الحج المستحب باستحباب عام،فهي بحاجة الى دليل،على أساس أن المكلف كان قاصدا حصة خاصة من الإحرام،و هي الاحرام بعنوان الوفاء بالنذر،و الفرض أن هذه الحصة لم تقع في الخارج،و اما وقوع حصة أخرى منه و وجوب اتمامها فهو بحاجة الى دليل،و لا دليل على وقوعها بدلا عنها،هذا نظير ما اذا صلّى ركعتين بعنوان نافلة الصبح،ثم انكشف بطلانها،فانها لا تقع مستحبة باستحباب عام لانتفاء القصد.و على هذا فلا مجال للتمسك بالآية

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 324)


……….

الشريفة: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ… 1لوضوح أن موضوع وجوب الاتمام هو الإحرام الصحيح.و من هنا يظهر أنه لا فرق في العجز الطارئ بين أن يكون قبل الإحرام أو بعده،فانه كاشف عن بطلان النذر من الأول،و حينئذ إن كان الحج المنذور حجة الإسلام وجب الاتيان بها راكبا بملاك أمرها،و إن كان حجا مستحبا لم يجب عليه شيء.

فالنتيجة:انه لا أساس لهذا التفصيل المتمثل في القول الخامس،و مقتضى القاعدة هو القول الثالث،هذا كله حسب ما تقتضيه القاعدة.

و اما الروايات في المسألة،فهي تصنف الى ثلاث طوائف:

الأولى:هي الروايات التي تنص على وجوب الحج راكبا مع سوق بدنة.

منها:صحيحة الحلبي قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل نذر أن يمشي الى بيت اللّه و عجز عن المشي،قال:فليركب و ليسق بدنة،فان ذلك يجزئ عنه اذا عرف اللّه منه الجهد» 2.

و منها:صحيحة ذريح المحاربي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حلف ليحجنّ ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه،قال:فليركب و ليسق الهدي» 3فان موردها و إن كان الحلف الاّ أنه لا خصوصية له عرفا.

الطائفة الثانية:تدل على وجوب الحج راكبا مع سكوتها عن سوق الهدي.

منها:صحيحة رفاعة بن موسى قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه،قال:فليمش،قلت:فانه تعب،قال:فاذا تعب ركب» 4.

و منها:صحيحة محمد بن مسلم قال:«سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت اللّه فلم يستطع،قال:يحج راكبا» 5.و مثلها صحيحته الأخرى.

الطائفة الثالثة:متمثلة في رواية عنبسة بن مصعب قال:«نذرت في ابن


 

1) <page number=”324″ />البقرة آية 196.
2) الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:3.
3) الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
4) الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.
5) الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:9.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 325)


……….

لي إن عافاه اللّه أن أحج ماشيا،فمشيت حتى بلغت العقبة،فاشتكيت فركبت،ثم وجدت راحة فمشيت،فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ذلك،فقال:إني أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة،فقلت:معي نفقة،و لو شئت أن أذبح لفعلت،فقال:إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة،فقلت:أ شيء واجب أفعله؟قال:لا،من جعل للّه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شيء» 1.

ثم إن هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة على عدم وجوب الهدي، و تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى في الوجوب،و حملها على الاستحباب،الاّ أنها ضعيفة سندا،اذ لم يثبت توثيق عنبسة بن مصعب غير وروده في اسناد كامل الزيارات،و هو لا يكفي كما ذكرناه غير مرة.

و اما الطائفة الثانية فهي لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى في الوجوب،بل الأمر بالعكس،و أن الطائفة الأولى تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن اطلاق الطائفة الثانية،و النكتة في ذلك ما ذكرناه في علم الأصول،من أن الدلالة الناشئة من السكوت في مقام البيان بما أنها من أضعف مراتب الدلالات و الظهورات فيتقدم عليها كل ظهور لفظي،و بما أن دلالة الطائفة الثانية على عدم وجوب سوق الهدي ناشئة من سكوت المولى في مقام البيان،فتصلح الطائفة الأولى أن تكون بيانا على الوجوب،و هادمة للسكوت.

فالنتيجة:ان مقتضى الصناعة الفنية هو الأخذ بالطائفة الأولى الدالة على وجوب السوق دون الطائفة الثانية و الثالثة.

ثم إن الظاهر من الطائفة الأولى هو وجوب سوق البدنة،فانه مقتضى الصحيحة الأولى،و أما الصحيحة الثانية فهي و إن كانت مطلقة من هذه الناحية، الاّ أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بقرينة الأولى،و حمل السوق فيها على سوق البدنة،كما أن المراد من العجز فيها أعم من التكويني و التشريعي،و هو


 

1) <page number=”325″ />الوسائل باب:8 من أبواب كتاب النذر و العهد الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 326)


الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه(1)في بعضها الآخر مع كونه في مقام البيان،مضافا إلى خبر عنبسة(2)الدال على عدم وجوبه صريحا فيه،من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده و قبل الدخول في الإحرام أو بعده،و من غير فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة مع توقع المكنة و عدمه،و إن كان الأحوط(3)في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة و كونه قبل الشروع في الذهاب،الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة(4)،و الأحوط إعمال قاعدة الميسور
الحرج و المشقة بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة رفاعة:«فانه تعب» 1.

ظهر أن الروايات الساكتة عن وجوب الهدي و هي الطائفة الثانية لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الطائفة الأولى في الوجوب عرفا، بل الأمر بالعكس تماما كما عرفت،فاذن لا وجه لحمل الهدي فيها على الاستحباب.

مر أنه ضعيف سندا فلا يمكن الاعتماد عليه.

بل الأظهر ذلك،لأن النذر اذا كان مطلقا و غير مقيد بوقت خاص،فاذا لم يتمكن في السنة الأولى ففي الثانية و هكذا،اذ سقوط المشي و وجوب الحج راكبا بدلا عنه بحاجة الى دليل،و الروايات التي تدل على أنه اذا عجز عن المشي حج راكبا تختص بما اذا شرع في السفر الى الحج ماشيا،و لا تعم ما اذا طرأ عليه العجز عن المشي قبل الشروع فيه.

بل لا شبهة في ظهور الأخبار في طرو العجز عن المشي بعد الشروع في سفر الحج،و لا تعم العجز الطارئ عنه قبل الشروع فيه.


 

1) <page number=”326″ />الوسائل باب:34 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 327)


أيضا بالمشي بمقدار المكنة،بل لا يخلو عن قوة للقاعدة(1)مضافا إلى الخبر عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافيا قال عليه السّلام:«فليمش فإذا تعب فليركب»و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حد العجز،و في مرسل حريز«إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب».

[مسألة 34:إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟]

[3141]مسألة 34:إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض أو خوف أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر أو لا لكون الحكم على خلاف القاعدة؟وجهان،و لا يبعد التفصيل(2)بين المرض و مثل العدوّ باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني،و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقا.

لا أصل لها،فان الروايات التي تنص عليها بأجمعها ضعاف،و لا يمكن الاعتماد على شيء منها.

بل هو بعيد،لأن الظاهر من العناوين الخاصة الواردة في الروايات كعنوان التعب و العجز و عدم الاستطاعة عرفا هو عدم التمكن من الحج ماشيا، سواء أ كان لإصابته بمرض أو شيخوخة،أم كان لوجود مانع في الطريق،أو خوف من عدو فيه.

فالنتيجة:ان المعيار انما هو بعجزه عن الحج ماشيا تكوينيا كان أم تشريعيا،كما اذا كان حرجيا عليه.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 328)


[فصل في النيابة]

فصل في النيابة لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب، و عن الحي في المندوب مطلقا و في الواجب في بعض الصور.

[مسألة 1:يشترط في النائب أمور]

[3142]مسألة 1:يشترط في النائب أمور:

أحدها:البلوغ على المشهور،فلا يصح نيابة الصبي عندهم و إن كان مميزا،و هو الأحوط(1)،لا لما قيل من عدم صحة عباداته لكونها تمرينية،
بل هو الأقوى،و ذلك لأن مشروعية النيابة بحاجة الى دليل،حيث أنها كانت على خلاف القاعدة،فمقتضاها عدم سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره عنه،فانه لا يكون مصداقا للواجب و لا ينطبق عليه انطباق الطبيعي على فرده،بل سقوطه عن ذمته منوط بقيامه المباشر بالاتيان به،لكي يكون منطبقا عليه الواجب و مجزيا،هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة.

و أما بحسب الروايات،فهي تدل على مشروعية النيابة في الجملة،أي بنحو القضية المهملة،و ذلك لعدم اطلاق لها من هذه الناحية لكي تدل باطلاقها على مشروعيتها كذلك،و هذه الروايات تكون على طوائف:

منها:ما يكون موردها البالغ،و التعدي منه الى غير البالغ بحاجة الى قرينة.

و منها:ما يكون موردها الرجل و المرأة،و الظاهر أن المنصرف منهما البالغ دون الأعم منه و من غير البالغ.

و منها:ما يكون في مقام بيان أحكام أخرى دون مشروعية نيابة النائب.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 329)


لأن الأقوى كونها شرعية،و لا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه،لأنه اخص من المدعى،بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة(1)خصوصا مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ
و منها:ما يدل على عدم اعتبار كون النائب رجلا فيجوز أن يكون امرأة.

و منها:ما يدل على اعتبار كون النائب صرورة لا مال له.

و منها:أن لا يكون عليه حجة الإسلام.

و منها:أنه لا يعتبر أن يكون النائب أجنبيا،فيجوز أن يكون من أقرباء الميت،كالأب أو الابن أو الأم أو الأخ أو الأخت.

و منها:أن يحج عنه من بلده اذا أوصى به،شريطة أن تكون التركة وافية بنفقة الحجة البلدية،و الاّ فمن الميقات.

و منها:أن يحج عنه ما دام له مال اذا أوصى بشيء مبهم و لم يسمّ شيئا.

و منها:ما اذا فضل من الأجرة شيء فانه للأجير،و لا يجب عليه رده.

و منها:ان النائب اذا حج من غير البلد الذي عيّن في الاجارة كفى اذا أتى بالحج بكامل اجزائه و شروطه.

و منها:ان من كان عنده مال للميت و يعلم بأن عليه حجة الإسلام و يخاف من الورثة أن لا يؤدوها فعليه أن يحج عنه و يرد الباقي اليهم.

و منها:ان من يعطى الحجة يجوز له أن يدفعها الى غيره شريطة عدم اشتراط المباشرة.

و منها:غير ذلك،و لا يوجد في شيء من تلك الروايات ما يكون في مقام بيان ثبوت مشروعية النيابة للطبيعي الجامع بين البالغ و غيره حتى يمكن التمسك باطلاقه.

فيه أنه لا وجه لهذه الدعوى،لما مر من أنه لا اطلاق لها من هذه الناحية،لكي يدعى انصرافه عن الصبي،هذا اضافة الى أنه لو كان لها اطلاق من هذه الناحية فلا وجه لدعوى الانصراف،اذ لا منشأ لها في المقام،لأن منشأه أحد

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 330)


الرجل،و لا فرق بين أن يكون حجه بالإجارة أو بالتبرع بإذن الولي(1)أو عدمه،و إن كان لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحج المندوب(2)بإذن الولي.

الثاني:العقل،فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد، مطبقا كان جنونه أو أدواريا في دور جنونه،و لا بأس بنيابة السفيه.

الثالث:الإيمان،لعدم صحة عمل غير المؤمن و إن كان معتقدا بوجوبه و حصل منه نية القربة،و دعوى أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى.

أمرين:اما كثرة الاستعمال،أو مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،و كلا الأمرين غير متوفر فيه.اما الأول،فلأن المطلق مستعمل في الجامع دون حصة خاصة لكي يقال أن كثرة استعماله فيها توجب انصرافه اليها عند الاطلاق.و اما الثاني،فلأنه ليس هناك مناسبة ارتكازية تقتضي عرفا أن يكون المتبادر منها كون النائب بالغا،بعد فرض أن عبادات الصبي المميز مشروعة و صحيحة.

فيه اشكال بل منع،اذ لا دليل على أن صحة حج الصبي بالتبرع عن غيره تتوقف على إذن الولي،نعم لو كانت نيابته بالاجارة مشروعة فهي تتوقف على اذن الولي،بملاك أن صحة معاملاته مرتبطة به.

فالنتيجة:ان نيابة الصبي في مورد تكون مشروعة كما في الحج الاستحبابي،فإن كانت بالاجارة كانت صحتها متوقفة على اذن الولي،تطبيقا لما مر،و إن كانت بالتبرع لم تكن متوقفة على إذنه،باعتبار أنه لا معاملة في البين.

بل هي الأظهر،لأن الروايات التي تنص على استحباب النيابة عن الغير في الحج و العمرة و الطواف حتى من المعصومين عليهم السّلام،و إن كانت لا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 331)


……….

اطلاق لها،الاّ أن المستفاد من سياق تلك الروايات عرفا أن الغرض من تشريع ذلك انما هو ايصال الثواب اليه.و من المعلوم أن هذا الغرض يتحقق بحج الصبي المميز عن غيره بناء على ما هو الصحيح من أن عباداته مشروعة.أو فقل إن صحة نيابة الصبي في المستحبات متقومة بشرعية عباداته،و في ضوئها يصح له الاتيان بالحج من قبل غيره تبرعا أو اجارة.

ثم أن حقيقة النيابة متمثلة في قصد النائب الإتيان بعمل يرى أنه مصداق لما في ذمة المنوب عنه تنزيلا،فمن أجل ذلك تتوقف صحة النيابة على عناية زائدة ثبوتا و اثباتا.اما ثبوتا فلا بد من افتراض أن فعل النائب مشتمل على تمام ملاك فعل المنوب عنه و آثاره لكي يقوم مقامه،و يكون بمنزلته حكومة،و اما اثباتا فلا بد من افتراض وجود دليل يدل على هذا التنزيل و الحكومة.

ثم ان النيابة في المستحب تفترق عن النيابة في الواجب بمجموعة من الأمور:

الأول:انه يعتبر في النائب اذا كان في الواجبات أن يكون بالغا، فلا تصح نيابة الصبي فيه،كما مر،و في المستحبات لا يعتبر أن يكون بالغا.

الثاني:انه لا شبهة في أن النيابة في الواجب تكون مشروعة عن الميت بدون فرق بين أن يكون الواجب متمثلا في حجة الإسلام أو في غيرها من الواجبات كالصلاة و الصيام و نحوهما،فاذا وجب الحج على المكلف بالاستطاعة،و بامكانه أن يقوم بعملية الحج،و لكنه تسامح و تساهل،و لم يقم بها الى أن مات وجب أن يستنيب،شخصا من تركته لأن يحج عنه،فان أوصى بأن يحج عنه من تركته وجب الانفاق من التركة على حجة بلدية عنه.و إن لم يكن قد أوصى بأن يحج عنه فلا حق له في هذه الحالة الاّ في نفقات حجة ميقاتية من التركة.و تفصيل الكلام في هذه المسائل يأتي في باب الوصية،و اما النيابة عن الحي فهي غير مشروعة الاّ في الحج في حالة واحدة،و هي ما اذا كان الانسان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 332)


الرابع:العدالة أو الوثوق بصحة عمله(1)و هذا الشرط إنما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله.

مستطيعا و لم تتح الفرصة له لأن يقوم بعملية الحج،لإصابته بمرض يمنعه عن القيام بها،أو أي عائق آخر،أو اتيحت الفرصة له للقيام بها و لكنه تساهل و لم يقم بالحج الى أن أصابه مرض الشيخوخة أو نحوه من العوائق و عجز عن القيام المباشر به،فعليه اذا انقطع أمله و صار مأيوسا من القيام به مباشرة أن يرسل شخصا ليحج عنه نيابة.و أما في المستحب فهي مشروعة عن الأموات و الأحياء على حد سواء كما مر.

الثالث:اعتبار اسلام المنوب عنه اذا كانت النيابة في الواجبات،سواء أ كان شيعيا أم سنيا،و عدم اعتباره اذا كانت في المستحبات،و سوف نشير الى ذلك عن قريب.

الرابع:يصح نيابة شخص واحد عن جماعة في المستحب كالحج المستحب أو نحوه،بدون فرق في ذلك بين الأحياء و الأموات،و تنص على ذلك مجموعة من الروايات،و لا يصح ذلك في الواجب،فاذا كان الحج واجبا على شخصين أو أشخاص احتاج كل منهم الى نائب مستقل،سواء أ كانوا من الأحياء أم الأموات.

الخامس:يجوز لجماعة أن ينوبوا في عام واحد عن شخص واحد، فيحج كل واحد منهم نيابة عنه في واجب أو مستحب،كما اذا قصد الكل النيابة عنه في حجة الإسلام احتياطا،على أساس أن كل واحد منهم يحتمل أن عمل الآخرين ناقص في الواقع،أو قصد أحدهم النيابة عنه في حج مستحب،و الآخر في حج واجب،و لا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك الشخص حيا أو ميتا،غاية الأمر اذا كان حيا و كانت النيابة عنه في حجة الإسلام اعتبر أن يكون مأيوسا عن القيام المباشر بالحج،و منقطعا أمله عن استعادة قوته عليه مرة ثانية.

في اعتباره اشكال بل منع،اذ لا دليل عليه،فانه على تقدير اعتبار أن

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 333)


……….

يكون النائب عادلا أو ثقة فلا يعتبر الوثوق بصحة عمله،بل يكفي احرازها بأصالة الصحة بعد وقوعه في الخارج،فاذا شككنا في أن العمل الصادر من النائب العادل أو الثقة صحيح أو لا،فلا مانع من التمسك بها لإحراز صحته.

ثم ان العدالة غير معتبرة في النائب جزما،بل لا مقتضى لاعتبارها فيه،و اما الوثاقة و الأمانة فهل هي معتبرة فيه؟الظاهر هو الاعتبار،على أساس أن الغرض من النيابة انما هو حصول براءة ذمة المنوب عنه عن الواجب،و من المعلوم ان ذمته لا تبرأ عنه الا بقيام النائب بالحج،و الاتيان به على الوجه الصحيح،فاذن لا بد أن يستنيب شخصا مأمونا و ثقة حتى يكون واثقا بأدائه العمل.

و إن شئت قلت:ان وظيفة الوصي أو الولي هي أن يستنيب شخصا يكون واثقا و مطمئنا بأنه يؤدي العمل على الوجه الصحيح،و لا يجوز له أن يستنيب شخصا لا يثق به،و كذلك الحي العاجز عن القيام المباشر بالحج،فان وظيفته أن يستنيب شخصا يكون واثقا و متأكدا بأنه يقوم بالعمل على الوجه المطلوب،و لا يكتفي باستنابة من لا يثق به.

فالنتيجة:ان ذلك وظيفة الوصي أو الولي بحكم العقل،لا أنه معتبر شرعا في صحة الاجارة،فانها صحيحة و إن لم يكن الأجير ثقة و مأمونا، غاية الأمر إن حصل له اليقين أو الاطمئنان بأنه أداه على الوجه الصحيح فهو،و الاّ فعليه أن يستأجر ثانيا من ماله الخاص،على أساس أنه اتلف مال الميت عامدا و ملتفتا الى أنه لا يجوز له أن يستأجره.و كذلك الحال بالنسبة الى الحي العاجز المأيوس نهائيا من التمكن على العمل مباشرة،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى انه يعتبر في النائب أن يكون متمكنا من القيام بكل واجبات الحج،و أما إذا كان معذورا في بعضها كالطواف أو صلاته لمرض أو نحوه،فلا يعلم بكفاية نيابته عن غيره في الحج الواجب،لعدم اطلاق أو عموم في أدلة النيابة،فاذن مقتضى القاعدة عدم سقوطه عن ذمة المنوب عنه،فلذلك لا يجوز أن يستأجره لأداء الحج الواجب عن غيره،كما اذا بادر و تبرع بأدائه عن الغير فلا يكتفى بذلك.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 334)


الخامس:معرفته بأفعال الحج و أحكامه و إن كان بإرشاد معلم حال كل عمل(1).

السادس:عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام،فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكنه من إتيانه،و أما مع عدم تمكنه لعدم المال فلا بأس،فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور،لكن الأقوى أن هذا الشرط إنما هو لصحة الاستنابة و الإجارة و إلا فالحج صحيح و إن لم يستحق الأجرة(2)،
أو بالاحتياط اذا لم يعلم حكمه.

فالنتيجة:ان النائب لا بد أن يكون جديرا بالثقة و الاعتماد على نحو يثق الانسان بأنه يؤدي الحج على الوجه الصحيح،سواء أ كان بالتعرف على واجباته تفصيلا،أم كان بالاحتياط.

ثم إن هذا الشرط كشرط الأمانة و الثقة ليس من شروط صحة الاجارة،بل هو من شروط جواز استئجار شخص لأداء الحج من قبل الميت أو الحي،حيث انه لا يجوز تكليفا استئجار من لا يثق بأنه يؤدي الحج على الوجه الصحيح،اما من ناحية عدم مبالاته،أو من ناحية عدم التعرف على واجباته.

يعني الأجرة المسمّاة،باعتبار أن اجارة الشخص المكلف بالحج عالما بأنه مكلف به و ملتفتا الى ذلك باطلة،على أساس أن الحج الواجب عليه مباشرة إن كان حجة الإسلام فصرف وجوبه رافع لوجوب الوفاء بالاجارة و وارد عليه،بمقتضى قوله عليه السّلام:«إن شرط اللّه قبل شرطكم»فان المتفاهم العرفي منه أن وجوب الوفاء بشروطكم و التزاماتكم كالإجارة و النذر و العهد و نحوها مقيد بأن لا يكون شرط اللّه ثابتا في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه،و الاّ فلا يصل الدور اليه.و إن كان غيرها كالحج النذري،فان قلنا بأن وجوب الوفاء فعلي،و الواجب متأخر على نحو الواجب المعلق و الشرط المتأخر،فهو مانع عن صحة الاجارة،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 335)


……….

باعتبار أنه يلزم المكلف بحفظ قدرته على الوفاء بالنذر في ظرفه الكاشف عن أن ملاكه تام فيه،و عدم جواز تفويتها،و معه لا يكون قادرا على تسليم العمل المستأجر عليه،فاذن لا تصح الاجارة لانتفاء شرط صحتها،و إن قلنا بأن وجوب الوفاء بالنذر لا يكون فعليا الاّ في ظرفه-كما هو الصحيح-وقع التعارض بين اطلاق دليل وجوب الوفاء بها و اطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر،و حيث انه لا ترجيح في البين فيسقطان معا،فاذن لا دليل على الصحة.و أما وجوب الوفاء بكل منهما مقيدا بعدم الوفاء بالآخر لبا فلا يكون منشأ حتى يجب الوفاء به.

و إن شئت قلت:إن مقتضى اطلاق دليل الامضاء هو وجوب الوفاء بما وقع عليه عقد الايجار،و حيث ان ما وقع عليه العقد بين المؤجر و المستأجر هو الحج في سنة خاصة،فيجب عليه الوفاء به فيها،و بما أن الحج في نفس تلك السنة واجب على المؤجر بالنذر،فمقتضى اطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر هو الوفاء به فيها أيضا،و عليه فيقع التعارض بين اطلاق دليل وجوب الوفاء بالاجارة،و اطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر،فيسقطان معا من جهة المعارضة، فلا دليل على صحة الاجارة،و لا على صحة النذر.

و دعوى:ان الأخذ بكلا الاطلاقين لا يمكن،و أما الأخذ بكل منهما مقيدا بعدم الوفاء بالآخر لبا،على أساس التقييد اللبي العام،فلا مانع منه،فاذن لا موجب لرفع اليد عن أصل وجوب الوفاء بكل منهما.

مدفوعة:بأنها انما تتم في الخطابات الشرعية الابتدائية،فان كان خطاب شرعي مقيد لبا بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه في الأهمية،على ضوء التقييد اللبي العام الثابت بحكم العقل،و لا تتم في الأحكام الشرعية المترتبة على التزامات المكلفين و شروطهم،كالعقود و الايقاعات و النذور و العهود و غير ذلك،فإنها تتبع تلك الالتزامات سعة و ضيقا،باعتبار أنها بمثابة الموضوع لها و أمرها بيدهم كذلك،و على هذا ففي المقام ما وقع عليه عقد الايجار،و هو

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 336)


……….

الحج في ذمة المؤجر في سنة معينة،فلا يمكن أن يكون مشمولا لإطلاق دليل الامضاء من جهة المعارضة،باعتبار أن ذمته مشغولة بالحج النذري أيضا في نفس تلك السنة،و ما هو قابل لأن يكون مشمولا لإطلاقه و هو الحج المقيد بعدم الوفاء بالنذر لبا،فلا يكون موردا لعقد الايجار و منشأ به لكي يجب الوفاء بذلك بمقتضى اطلاق دليل الامضاء،و كذلك الحال في الحج النذري،فان ما هو متعلق النذر و هو الحج المطلق لا يكون مشمولا للإطلاق،و ما يمكن أن يكون مشمولا له و هو المقيد لا يكون متعلقا للنذر.

فالنتيجة:إن الإجارة باطلة،سواء أ كان الحج الواجب على الأجير حجة الإسلام،أم كان غيرها كالحج النذري أو العهدي،غاية الأمر في الحالة الثانية يبطل النذر أيضا بناء على ما هو الصحيح من أن وجوب الوفاء به لا يكون فعليا الاّ في ظرف العمل به.و في كلتا الحالتين.

قد تسأل:إذا وقعت هذه الاجارة،و أتى الأجير بالحج نيابة،فهل يحكم بصحته؟

و الجواب:انه يحكم بصحته في كلتا الحالتين،أما في الحالة الأولى،فبناء على القول بالترتب،فإن وجوب الحج نيابة و إن سقط،باعتبار أن وجوب حجة الإسلام رافع له كما مر،و اما استحبابه نيابة فلا موجب لسقوطه نهائيا،و انما الساقط هو اطلاقه،لأنه مقيد لبا بعدم الاشتغال بحجة الإسلام،و مع الاشتغال بها فلا استحباب،و أما اذا عصى و ترك حجة الإسلام فلا مانع من ثبوته بناء على الترتب.

و اما في الحالة الثانية،فلا تتوقف صحته على القول بالترتب،لما مرّ من أن وجوب الوفاء بالنذر سقط من جهة المعارضة،مع وجوب الوفاء بالاجارة، فاذن لا مزاحم للأمر الاستحبابي بالنيابة.

و قد تسأل:اذا أدى الأجير الحج نيابة،فهل يستحق شيئا على المستأجر؟ و الجواب:انه يستحق أجرة المثل،و هي الأجرة التي يتقاضها الأجراء

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 337)


و تبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده،مع أن ذلك على القول به و إيجابه للبطلان إنما يتم مع العلم و العمد و أما مع الجهل(1)و الغفلة فلا،بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير لأن البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي و مع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنه قادر شرعا.

عادة للقيام بمثل ذلك العمل.

هذا اذا كان جهله مركبا،أو بسيطا شريطة أن يكون معذورا فيه،و أما اذا لم يكن معذورا فحاله حال العامد و الملتفت،باعتبار أن الواقع منجز عليه على تقدير ثبوته،و معه لا تصح الاجارة تطبيقا لما تقدم.

بيان ذلك:انا قد ذكرنا في علم الأصول ان الخطابين المتعلقين بالضدين اذا كان أحدهما مجهولا و غير منجز،فلا تزاحم بينهما حقيقة،و حينئذ فلا مانع من الأخذ باطلاق الخطاب الثاني و عدم تقييده لبا بعدم الاشتغال بالمجهول، و ذلك لأن المانع منه انما هو وصول الخطاب الأول و تنجزه،فانه اذا كان كذلك فهو مانع عنه،سواء أ كان مساويا له،أم كان أهم منه،غاية الأمر فعلى الأول لا بد من تقييد اطلاق كل منهما بعدم الاشتغال بالآخر لبا،على أساس حكم العقل بالتقييد اللبي العام لكل خطاب شرعي بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه في الأهمية،و على الثاني لا بد من تقييد اطلاقه بعدم الاشتغال بالأهم دون العكس،و أما إذا لم يكن واصلا و منجزا فلا يحكم العقل بلزوم امتثاله و استحقاق العقوبة و الادانة على مخالفته،فاذا لم يحكم العقل بذلك فلا مبرر لرفع اليد عن اطلاق الخطاب الثاني و تقييده بعدم الاشتغال بالأول،لأن هذا التقييد غير معقول،حيث ان لازمه جواز ترك امتثال الخطاب المنجز بدون مبرر،لفرض أن الاشتغال بالأول بما أنه غير واجب فلا يصلح أن يكون مبررا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 338)


……….

له لأن هذا الاشتراط اللبي العام انما جاء من ناحية التزاحم بين اطلاقي الخطابين،و عدم امكان الجمع بينهما في مقام الامتثال،و الفرض أنه لا تزاحم بينهما،لأن الخطاب المجهول لا يقتضي استحقاق الامتثال حتى يكون مزاحما لاقتضاء الخطاب المعلوم المنجز و على هذا فلا مانع من الحكم بصحة الاجارة أيضا على الضد المعلوم،باعتبار أنه مقدور عقلا و شرعا،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى:كما أنه لا تزاحم بين الخطابين المذكورين،كذلك لا تعارض بينهما أيضا،لا بلحاظ مرحلة المبادئ،و هي مرحلة الارادة و الكراهة، و الحب و البغض،و المفسدة و المصلحة،و لا بلحاظ مرحلة الفعلية،و هي مرحلة استتباع الحكم اقتضاء التحريك و البعث نحو الاطاعة و الامتثال.

اما في المرحلة الأولى فلا يلزم اجتماع الارادة و الكراهة،و لا الحب و البغض على شيء واحد حتى يكون مستحيلا،لوضوح أنه لا يلزم من ارادة الضدين اجتماع المثلين،و من ارادة أحدهما و كراهة الآخر اجتماع الضدين، باعتبار أن مبادئ الأحكام من الارادة و الكراهة،و الحب و البغض من الأمور التكوينية فلا مانع من تعلقهما بالضدين.

و اما في مرحلة الفعلية،فلأن جعل الحكم من المولى انما هو بغاية ايجاد الداعي الامكاني في ذهن المكلف و انبعاثه الاقتضائي شريطة وصوله اليه،و من المعلوم أنه لا تنافي بين الحكمين المجعولين للضدين ذاتا،أي في ذات الداعوية و الاقتضائية،و انما التنافي بينهما في وصفهما الفعلي،لوضوح أن الداعوية ثابتة للحكم المجهول و غير المنجز ذاتا لا وضعا،فالمولى أوجد الداعي في عالم الاعتبار ذاتا،و أما اتصافه بالداعوية فهو مرتبط بوصوله الى المكلف في مرحلة الفعلية و تنجزه فيها،و نتيجة ذلك ان التنافي بينهما في اقتضاء كل منهما استحقاق الامتثال في مرحلة الفعلية،و داعوية كل منهما للمكلف اليه في تلك المرحلة،و من المعلوم أن ذلك منوط بالوصول و التنجز

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 339)


[مسألة 2:لا يشترط في النائب الحرية،فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه]

[3143]مسألة 2:لا يشترط في النائب الحرية،فتصح نيابة المملوك بإذن مولاه،و لا تصح استنابته بدونه،و لو حج بدون إذنه بطل(1).

في هذه المرحلة،و بما أن الحكم المجهول غير منجز فيها فلا يقتضي استحقاق الامتثال.

قد تحصل من ذلك أنه لا تنافي بين الحكمين المجعولين للضدين اذا كان أحدهما مجهولا و غير منجز لا بلحاظ مرحلة المبادي،و لا بلحاظ مرحلة الفعلية،و على هذا فلا مانع من جعل الحكمين للضدين في موارد الجهل بأحدهما المانع عن تنجزه.

و من هنا يظهر أن قياس المقام بمسألة الاجتماع على القول بالامتناع و وحدة المجمع،قياس مع الفارق،فان الامتناع في باب الاجتماع على هذا القول انما هو في المرتبة السابقة على الحكم،و هي مرتبة المبادئ،لاستحالة اجتماع الإرادة و الكراهة و الحب و البغض على شيء واحد،فمن أجل ذلك تدخل المسألة على هذا القول في باب التعارض،و هذا بخلاف المقام،لما مر من أنه لا تنافي بينهما في مرحلة المبادي.

فيه ان الأمر كما افاده قدّس سرّه،الاّ أن الكلام في اذنه اللاحق،هل أنه يجدي في صحّة حجّه أو لا؟فيه و جهان:الظاهر هو الثاني،و ذلك لأن الحج من الأفعال الخارجية،فاذا صدر من العبد في الخارج بدون اذنه كان مبغوضا،باعتبار أنه مصداق للتصرف في مال الغير بدون إذنه،و من المعلوم ان الإذن اللاحق لا يوجب انقلاب الواقع و جعل ما وقع مبغوضا محبوبا،و لا يقاس هذا بالنكاح الصادر من العبد بدون إذن سيده،فان المعاملات تختلف عن العبادات في نقطتين:

الأولى:ان المعاملات أمور اعتبارية لا واقع موضوعي لها،و لا مانع من اعتبارها و إنشائها من سبب مبغوض و محرم،و لا تسري حرمته اليه،و على

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 340)


[مسألة 3:يشترط في المنوب عنه الإسلام،فلا تصح النيابة عن الكافر]

[3144]مسألة 3:يشترط في المنوب عنه الإسلام،فلا تصح النيابة عن الكافر(1)،لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه،لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه،بل لانصراف الأدلة،فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استئجاره عنه.

و يشترط فيه أيضا كونه ميتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب،فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب إلا إذا كان عاجزا،و أما في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميت تبرعا أو بالإجارة.

تقدير السراية فهي لا توجب فساده،و العبادات كالصلاة و الصيام و الحج و غيرها أمور تكوينية خارجية،فاذا تعلق النهي بها تعلق بنفس تلك الأفعال،و معه لا يمكن الحكم بصحتها.

الثانية:ان الصحة في باب المعاملات ترتبط بكونها مشمولة لإطلاقات أدلة الامضاء،و لذلك تكون صحتها بالاجازة المتأخرة على القاعدة،فاذا صدر معاملة فضولة ثم أجاز أهلها،حكم بصحتها من حين الاجارة،باعتبار أنها من هذا الحين قد أصبحت مشمولة لإطلاق دليل الامضاء و الصحة في باب العبادة ترتبط بمدى انطباقها على الفرد المأتي به في الخارج،فاذا كان ذلك الفرد مبغوضا و محرما فلا يمكن انطباقها عليه،بملاك استحالة انطباق المحبوب على المبغوض و الواجب على الحرام،و من الواضح أن الاجازة المتأخرة لا توجب انقلاب الواقع بأن تجعل المبغوض محبوبا،فاذن قياس المقام بالنكاح الصادر من العبد بدون اذن سيده قياس مع الفارق،فان النكاح كغيره من المعاملات قابل للاتصاف بالصحة بالاجازة المتأخرة،و لا فرق بينه و بين سائر المعاملات من هذه الناحية.

أما بناء على القول بأن الكفار لا يكونون مكلفين بالفروع فلا موضوع لها،و أما على القول بأنهم مكلفون بالفروع،فذمتهم و إن كانت مشغولة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 341)


[مسألة 4:تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون]

[3145]مسألة 4:تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون(1)،بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا.

[مسألة 5:لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة]

[3146]مسألة 5:لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة،فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس،نعم الأولى
بالعبادات،الاّ أن صحة النيابة عنهم بحاجة الى دليل،و لا اطلاق لأدلة النيابة حتى تشمل باطلاقها النيابة عنهم،و لا يوجد دليل آخر على ذلك،و عليه فاذا كان للكافر وارث مسلم يجب عليه استئجار شخص عنه من تركته،و على الجملة فالمنصرف عرفا من الروايات التي تنص على أن من مات و لم يحج حجة الإسلام يجب على وليه أن يستنيب عنه من تركته خصوص من كان يعتقد بالحج،و يرى نفسه مكلفا به،و لكنه تسامح الى أن مات و لم يحج،و كذلك الحال في الروايات التي تنص على وجوب الاستنابة على من عجز عن القيام المباشر بالحج،لإصابته بشيخوخة أو مرض انقطع امله بالشفاء عنه،فانها لا تعم الكافر.

و لكن مع الاغماض عن ذلك،و تسليم ان لروايات النيابة اطلاقا في كلا الموردين،فلا مانع من التمسك به و الحكم بصحة النيابة عن الكافر فيهما.

هذا هو الصحيح،لأن الروايات التي تدل على استحباب النيابة عن غيره في الحج و نحوه من العبادات تعم باطلاقها المجنون أيضا،و لا سيما الروايات التي تنص على جواز اشراك جماعة في الحج المستحب،فان اطلاقها يعم ما اذا كان بين هؤلاء الجماعة مجنون،اذ لا يلزم في صحة النيابة عن شخص أن يكون الحج مستحبا عليه،فان نيابة شخص واحد عن جماعة جائز،مع أن الحج الواحد لا يكون مستحبا على هؤلاء الجماعة كفرد واحد،و عليه فمعنى النيابة هو ايصال ثواب العمل اليهم،لا أنه مصداق تنزيلي لفعلهم كما هو الحال في النيابة عن الواجب.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 342)


المماثلة(1).

[مسألة 6:لا بأس باستنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة]

[3147]مسألة 6:لا بأس باستنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل(2)أو امرأة،و القول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقا،أو مع
هذا لا من جهة اعتبار عرفي،بل من جهة النص الشرعي،و هو موثقة عبيد بن زرارة قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه،هل تجزي عنه امرأة؟قال:لا كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان؟قال:

انما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل،و قال:لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة» 1فان صدرها و إن دل على عدم الجواز،الا أن قوله عليه السّلام في ذيلها:«انما هي ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة»يدل على أن هذا الحكم استحبابي لا وجوبي،لأن الظاهر من كلمة(ينبغي)هو الاستحباب دون الوجوب،هذا اضافة الى أن الروايات التي تنص على جواز نيابة المرأة عن الرجل،كصحيحة أبي أيوب و صحيحة معاوية بن عمار و غيرهما 2قرينة على رفع اليد عن ظهور هذه الموثقة في عدم الجواز و حملها على الكراهة.

هذا هو الأظهر و إن كان الأولى و الأجدر أن يكون النائب عنه رجلا صرورة،و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(72)من شرائط وجوب الحج.

ثم ان المنوب عنه قد يكون رجلا،و قد يكون امرأة،و على كلا التقديرين،فمرة يكون صرورة،و أخرى غير صرورة،و على جميع التقادير، فمرة يكون حيا،و أخرى يكون ميتا،هذا بالنسبة إلى المنوب عنه.

و اما النائب فهو قد يكون رجلا،و قد يكون امرأة،و على كلا التقديرين، فيسوغ له أن يستنيب عن كل من المرأة و الرجل في تمام تلك التقادير،و تؤكد ذلك صحيحة حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يحج الرجل عن


 

1) <page number=”342″ />الوسائل باب:9 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.
2) راجع الوسائل باب:8 من أبواب النيابة في الحج.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 343)


……….

المرأة،و المرأة عن الرجل،و المرأة عن المرأة» 1بتقريب أنها تنص على جواز نيابة الرجل عن المرأة،و المرأة عن المرأة،و المرأة عن الرجل،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون المنوب عنه ميتا أو حيا،صرورة أو غير صرورة،رجلا أو امرأة،كما أن مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون النائب صرورة أو غير صرورة،و اما سكوتها عن الصورة الرابعة و هي نيابة الرجل عن الرجل،فالظاهر أنه لوضوحها و عدم الحاجة الى بيانها.

و اما ما ورد في بعض الروايات كرواية مصادف،و زيد الشحام،و سليمان ابن جعفر 2،من النهي عن استنابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة و المرأة الصرورة،فبما أنها ضعاف من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليها،و اما مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تامة سندا فلا وجه لحملها على الكراهة، و ذلك لأن النهي عن نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة و المرأة الصرورة ليس نهيا مولويا تكليفيا حتى يمكن رفع اليد عن ظهوره في الحرمة،و حمله على الكراهة،بل هو ارشاد الى عدم مشروعية نيابة المرأة الصرورة عن الرجل و المرأة الصرورتين،و ليس في قبالها روايات تدل على جواز نيابتها عنهما،و لو كانت لوقع التعارض بينهما،لا أنها قرينة على حمل تلك الروايات على الكراهة تطبيقا للجمع الدلالي العرفي،لما عرفت من أنه لا مجال لهذا الحمل،مع أنه ليس في مقابلها الا الروايات المطلقة الدالة على جواز نيابة المرأة عن الرجل و المرأة،كما في صحيحة حكم بن حكيم المتقدمة و غيرها 3،و هي قابلة للتقييد بتلك بالروايات،فاذن يتعين الأخذ بها،و لا مجال للقول بكراهة نيابة المرأة الصرورة للرجل الصرورة و لا للمرأة الصرورة.


 

1) <page number=”343″ />الوسائل باب:8 من أبواب النيابة في الحج الحديث:6.
2) راجع الوسائل باب:8 الحديث:4 و 7 و باب:9 الحديث:1 و 3 من أبواب النيابة <nl />في الحج.
3) راجع الوسائل باب:8 من أبواب النيابة في الحج.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 344)


……….

لحد الآن قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة،و هي جواز نيابة المرأة سواء أ كانت صرورة أم لا عن الرجل و المرأة بدون فرق بين كونهما ضرورتين أو غير ضرورتين،حيين أو ميتين،و إن كان الأولى و الأجدر أن تكون المرأة نائبة عن المرأة بمقتضى موثقة عبيد بن زرارة المتقدمة 1.

قد يقال:إن المنوب عنه اذا كان ميتا و صرورة اعتبر أن يكون النائب عنه أيضا صرورة،و قد استدل على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل صرورة مات،و لم يحج حجة الإسلام،و له مال،قال:

يحج عنه صرورة لا مال له» 2بدعوى أنها تدل على اعتبار الصرورة في النائب اذا كان المنوب عنه ميتا و صرورة.

و الجواب:إن غاية ما تدل الصحيحة على أساس مفهوم الوصف هو عدم جواز نيابة غير الصرورة في الجملة،لما ذكرناه في علم الأصول من أن الوصف لا يدل على المفهوم الاّ بنحو القضية السالبة الجزئية،بتقريب أن تقييد جواز استنابة الرجل بالصرورة في المقام يدل عرفا على عدم جوازها لغير الصرورة، اذ لو كانت جائزة و لو بفرد آخر من الجواز و بجعل مستقل لكان تقييد الرجل بها لغوا،باعتبار أن نيابته جائزة سواء أ كان صرورة أم لا،فاذن لا فائدة في هذا القيد.

و لكن بما أن منشأ هذه الدلالة هو الحفاظ على ظهور القيد في الاحتراز،و عدم كونه لغوا،فلا يكون شعاعها أكثر من السالبة الجزئية،و هي انتفاء الحكم عن بعض حالات الموضوع عند انتفاء هذا القيد عنه،فانه يكفي في الحفاظ على ظهوره في الاحترازية،و خروجه عن اللغوية،و لا يتوقف ذلك على انتفاء الحكم عن كل حالاته عند انتفائه لكي يكون مفهومه سالبة كلية،فاذن لا تدل الصحيحة على عدم جواز نيابة غير الصرورة مطلقا،و لا مانع من الالتزام بجواز نيابته في الجملة،هذا اضافة الى أن الوصف في الصحيحة و هو الصرورة قد ذكر


 

1) <page number=”344″ />الوسائل باب:9 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.
2) الوسائل باب:5 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 345)


……….

مستقلا بدون ذكر موصوفه،و مثله لا يدل على المفهوم،فان حاله حال اللقب.

نعم يدل على أنه دخيل في شخص الحكم المجعول في القضية،على أساس ظهور حال المتكلم في أن كل ما أخذه في كلامه فهو دخيل في مراده الجدي،و لا يكون أخذه لغوا و بدون أي مبرر،و نتيجة ذلك انتفاء شخص هذا الحكم بانتفائه،لا انتفاء طبيعي الحكم الذي هو معنى المفهوم.

و مع الإغماض عن ذلك،إن هذه الصحيحة معارضة بصحيحتين أخريين:

احداهما:صحيحة أبي أيوب،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:امرأة من أهلنا مات اخوها،فأوصى بحجّة و قد حجّت المرأة،فقالت:إن كان يصلح حججت أنا عن أخي و كنت أنا احق بها من غيري،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا بأس بأن تحج عن أخيها،و إن كان لها مال فلتحج من مالها فإنه أعظم لأجرها» 1فانها ناصة على جواز نيابة غير الصرورة،فاذن تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور صحيحة معاوية بن عمار في اعتبار الصرورة في النائب،و حملها على الأولوية.

و الأخرى:صحيحة حكم بن حكيم قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:انسان هلك و لم يحج و لم يوص بالحج،فاحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة،هل يجزي ذلك و يكون قضاء عنه،و يكون الحج لمن حج و يؤجر من احج عنه؟ فقال:إن كان الحاج غير صرورة اجزأ عنهما جميعا،و أجر الذي أحجّه» 2فانها صريحة في صحة نيابة غير الصرورة للصرورة،و تصلح أن تكون قرينة لرفع اليد عن ظهورها و حملها على الأجدر.

فالنتيجة:ان مقتضى الجمع الدلالي العرفي بينها و بين هاتين الصحيحتين


 

1) <page number=”345″ />الوسائل باب:8 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.
2) الوسائل باب:28 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 346)


كون المنوب عنه رجلا ضعيف،نعم يكره ذلك(1)خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا(2)،بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة و لو كان رجلا عن رجل(3).

هو عدم اعتبار الصرورة في صحة النيابة.نعم أنها أولى و أجدر فيها من غير الصرورة.و بذلك يظهر أن التعارض بينهما غير مستقر.

في الكراهة اشكال بل منع،لأن الروايات التي تدل على عدم جواز نيابة المرأة الصرورة فقد مر أنها لم تثبت سندا،فلا يمكن الاعتماد عليها،و لا يوجد دليل آخر يدل عليها،و على تقدير تماميتها سندا فلا مناص من الأخذ بها لعدم المعارض لها.

مر أنه لا خصوصية له.

فيه اشكال،و الأظهر عدم ثبوت الكراهة،بل الثابت هو استحباب نيابة الصرورة بمقتضى صحيحة معاوية بن عمار 1المتقدمة.نعم،قد يستدل على الكراهة بروايتين:

احداهما:رواية ابراهيم بن عقبة،قال:«كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط،أ يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟بين لي ذلك يا سيدي إن شاء اللّه.فكتب عليه السّلام:لا يجزي ذلك» 2.

و الجواب،أولا:ان الرواية غير تامة سندا،فان ابراهيم بن عقبة لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات،و قد مر في غير مورد أن مجرد وروده فيها لا يكفي في توثيقه.

و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تامة سندا،الاّ أنها ساقطة


 

1) <page number=”346″ />الوسائل باب:5 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.
2) الوسائل باب:6 من أبواب النيابة في الحج الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 347)


……….

دلالة،فان السؤال فيها عن اجزاء هذه الحجة عن حجة الإسلام عن كل واحد منهما،و من المعلوم أن حجة الإسلام لا تقبل الشركة،و لا يمكن أن تجزي حجة واحدة عن حجتين اسلاميتين،فاذن قوله عليه السّلام:«لا يجزي ذلك»أي لا تجزي عن كل واحد منهما،و أما أنها تجزي أو لا تجزي عن المنوب عنه،فالرواية ساكتة من هذه الناحية،و المرجع فيها سائر الروايات التي تدل على الاجزاء.

و قد تحمل هذه الرواية على صورة التبرع بالحج عن الحي،بدعوى أنها و إن كانت مطلقة،الاّ أنه لا بد من تقييد اطلاقها بما اذا كان المنوب عنه حيا، بقرينة صحيحة معاوية 1المتقدمة التي يكون موردها الميت،و تنص على صحة النيابة عنه،و بما أن الحج في صورة التبرع لا يكون بأمر الحي العاجز و ارساله فلا يكون مشمولا للروايات التي تنص على أن وظيفة الحي العاجز عن القيام المباشر به أن يجهز رجلا و يرسله ليحج عنه.

و الجواب،أولا:ان الرواية مطلقة من هذه الناحية،و لا تختص بصورة التبرع.

و ثانيا:ان المتفاهم العرفي من تلك الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،أن الواجب على الحي العاجز هو استنابة رجل ليحج عنه،و لا يجب عليه أن يوفر جميع وسائل سفره من الزاد و الراحلة أو بطاقات السفر و منح تأشير الدخول في الجواز و غير ذلك،بل عليه اتاحة الفرصة له و تمهيد الطريق، و هو يقوم مباشرة بتوفير هذه الوسائل.

و إن شئت قلت:ان الغرض الأصلي انما هو الحج عنه بعد ما عجز عن القيام المباشر به،و توفير كل تلك الوسائل حتى الاستنابة مقدمة لذلك،فوجوبه وجوب مقدمي،و على هذا فاذا قام شخص بالحج نيابة عنه تبرعا كفى،لأن الروايات المذكورة تدل على مشروعية النيابة في المرتبة السابقة،و أنها كافية في اسقاط الحج عن ذمته،لوضوح أنها لو لم تكن مشروعة و كافية في اسقاط الحج


 

1) <page number=”347″ />الوسائل باب:5 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 348)


……….

الواجب عن ذمته لم تصح الإجارة،لأنها لا تكون مشرعة،و لا تجعل ما ليس بمسقط شرعا مسقطا.

فالنتيجة:أن هذه الروايات بنفسها تدل على كفاية النيابة التبرعية.

و دعوى:ان حج المتبرع عنه لا يستند اليه،و ظاهر الروايات أن حج النائب لا بد أن يكون بأمره و ارساله ليحج عنه،و الاّ فلا يكون مجزيا.

مدفوعة أولا:ما عرفت من أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن أمره بالحج عنه و ارساله اليه انما يلحظ بنحو الطريقية الصرفة،و لا موضوعية له.

و ثانيا:أنه لا يعتبر في النيابة أن يكون فعل النائب فعلا للمنوب عنه، كما يعتبر ذلك في الوكالة،لأن الوكالة معنى حرفي،حيث ان الوكيل مجرد وسيلة للموكل،و بمثابة الآلة له،و يفعل بواسطته،و أما النيابة فهي معنى اسمي،و الفعل مستند الى النائب حقيقة لا الى المنوب عنه،و لا يعتبر في صحة النيابة أن يكون فعل النائب مستندا الى المنوب عنه،و على هذا فاذا تبرع أحد بالحج عنه نيابة فلا تتوقف صحتها على استناد فعله اليه،لوضوح أن فعله ليس فعلا له و إن كان باذنه و أمره و ان كان الاحوط و الاجدر بالحي العاجز عدم الاكتفاء بالتبرع.

و ثالثا:مع الاغماض عن كل ذلك،إن مقتضى هذه الرواية عدم صحة استئجار الصرورة لا كراهته،فالحمل على الكراهة بحاجة الى قرينة،و لا قرينة عليه،لا في نفس الرواية و لا من الخارج.

و الأخرى:رواية بكر بن صالح قال:«كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام:أن ابني معي و قد أمرته أن يحج عن أمّي،أ يجزي عنها حجّة الإسلام؟فكتب:لا،و كان ابنه صرورة،و كانت أمه صرورة» 1.

و الجواب:أن الرواية ضعيفة سندا،فان في سندها بكر بن صالح،و هو لم


 

1) <page number=”348″ />الوسائل باب:6 من أبواب النيابة في الحج الحديث:4.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 349)


[مسألة 7:يشترط في صحة النيابة قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال]

[3148]مسألة 7:يشترط في صحة النيابة قصد النيابة(1)و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال و لا يشترط ذكر اسمه و إن كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف.

[مسألة 8:كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة]

[3149]مسألة 8:كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة(2)،و لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا باتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرد الإجارة،و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الإجارة في فراغها(3)منزّلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصّر النائب في الإتيان،أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.

يثبت توثيقه،و قد مر أن مجرد وروده في اسناد كامل الزيارات لا يجدي.

فالنتيجة:انه لا دليل على كراهة استئجار الصرورة،بل الأولى و الأجدر أن يكون النائب عن الحي العاجز صرورة.

الأمر كما افاده قدّس سرّه حيث ان قصدها هو المميّز لها شرعا،لأن عنوان النيابة عنوان تقييدي لعمل النائب،و متقوم بالقصد،فان قصد النيابة حين العمل صح،و الاّ لم يقع عن المنوب عنه.أو فقل:ان النيابة عناية زائدة،و هي عبارة عن اتيان الشخص العمل ناويا كونه بديلا عن عمل غيره،و لو لا هذه النية لم يقع منه،فمن أجل ذلك تكون النيابة من العناوين القصدية.

لإطلاق أدلتها.

فيه ان الروايات الواردة في المسألة لا تدل على فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الايجار و انتقال العمل من ذمته الى ذمة الأجير.

بيان ذلك:إن هذه الروايات على طوائف:

الأولى:الروايات التي تنص على أن الأجير الذي اعطاه مالا ليحج عنه، اذا حج عن نفسه فهو لصاحب المال.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 350)


……….

الثانية:الروايات التي تنص على أن من أخذ مالا من غيره ليحج عنه و لم يحج الى أن مات فان كان قد حج أخذت حجته و دفعت الى صاحب المال.

الثالثة:ما يدل على أن الأجير ضامن للحج.

اما الطائفة الأولى فهي متمثلة في روايتين:

احداهما:رواية أبي حمزة و الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل اعطاه رجل مالا ليحج عنه فحج عنه نفسه،فقال:هي عن صاحب المال» 1.

و الأخرى:مرفوعة محمد بن يحيى قال:«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اعطى مالا يحج عنه فيحج عن نفسه،فقال:هي عن صاحب المال» 2.

و الجواب أولا:إن الروايتين ضعيفتان من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليهما.

و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنهما تامتان سندا،الاّ أنه لا بد من حملهما على الحج الاستحبابي،و المراد أنه لصاحب المال يعني ثوابه،و لا يمكن أن يكون موردهما حجة الإسلام بقرينة أن النائب اذا أتى بها لنفسه فلا يعقل انقلابها و وقوعها للمنوب عنه،مع أنه غير ناو له،هذا اضافة الى أن المتفاهم العرفي منهما الحج المستحب،على أساس ان النيابة فيهما انما هي عن الحيّ بدون افتراض أنه عاجز عنه،فيكون ذلك قرينة على أن المراد من الحج عنه الحج المستحب.

و ثالثا:أنهما لا تدلان على فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الاجارة، باعتبار أنهما ليستا في مقام البيان من هذه الناحية.

و أما الطائفة الثانية:فهي متمثلة في ثلاث روايات:

منها:مرسلة ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في


 

1) <page number=”350″ />الوسائل باب:22 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.
2) الوسائل باب:22 من أبواب النيابة في الحج الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 351)


……….

رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه،و مات و لم يخلف شيئا،فقال:إن كان حج الأجير أخذت حجته و دفعت الى صاحب المال،و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج…» 1.

و الجواب أولا:ان الرواية ضعيفة سندا لمكان الإرسال.

و ثانيا:على تقدير تسليم أنها حجة،بناء على أن مرسلات ابن أبي عمير حجة على حساب الاحتمالات،الاّ أنه لا بد من حملها على الاستنابة من الحي في الحج الاستحبابي بقرينة أن المراد من الحج فيها لو كان حجة الإسلام فلا يعقل أخذها من الأجير و دفعها الى صاحب المال الاّ بلحاظ ثوابها،فان الرجل اذا حج بدون أن ينوي النيابة عن غيره لم يعقل وقوع حجه عنه،لما مر من أن عنوان النيابة عنوان قصدي و مقوم للحج النيابي فلا يعقل وقوعه بدون أن يقصد به عنوانه الخاص المميز له شرعا،فاذن لا محالة يكون المراد من الأخذ و الدفع فيها هو الحج المستحب بلحاظ ثوابه و أجره،و يؤكد ذلك قوله عليه السّلام في ذيلها:

«و إن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج»فانه يدل على أن المراد منه الحج الاستحبابي،فاذا لم يأت به النائب كتب ثوابه للمنوب عنه تفضلا منه تعالى،و من المعلوم أن هذا لا ينسجم مع كون الحج في موردها حجة الإسلام، فان المعيار فيها انما هو بسقوطها عن الذمة و عدم سقوطها عنها،هذا اضافة الى أنها لا تدل على أن ذمة الميت قد فرغت بنفس عقد الاجارة.

و منها:مرسلة الصدوق،قال:«قيل لأبي عبد اللّه:الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت،فلا يترك شيئا،فقال:أجزأت عن الميت و إن كان له عند اللّه حجّة اثبتت لصاحبه» 2.فيه مضافا إلى ضعفها سندا،يرد عليها نفس ما مر في الرواية الأولى.

و منها:موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«عن رجل أخذ دراهم


 

1) <page number=”351″ />الوسائل باب:23 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.
2) الوسائل باب:23 من أبواب النيابة في الحج الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 352)


……….

رجل فانفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شيء،قال:يحتال و يحج عن صاحبه كما ضمن.سئل:إن لم يقدر،قال:إن كانت له عند اللّه حجّة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» 1بدعوى أنها تدل على أن النائب و الأجير ضمن الحج بعقد الاجارة،و معنى الضمان هو انتقال الحج من ذمة المنوب عنه الى ذمة النائب،و لازم ذلك فراغ ذمته و اشتغال ذمة الأجير بمجرد العقد.

و الجواب:ان المراد من الضمان هنا ليس هو انتقال الحج من ذمة المنوب عنه الى ذمة النائب كما هو الحال في ضمان الدين،فانه عبارة عن نقل ذمة الى ذمة،فان الضمان بهذا المعنى غير متصور في المقام،لأن مقتضى عقد الإجارة تملك المستأجر العمل المستأجر عليه في ذمة الأجير،في مقابل تملك الأجير الأجرة على ذمة المستأجر.

مثال ذلك:اذا استأجر وصي أو ولي من قبل الميت زيدا-مثلا-على الحج لقاء أجرة معينة،فهو يملك الحج على ذمة زيد ولاية أو وصاية من قبل الميت،و زيد يملك الأجرة عليه،و كل منهما ضامن للآخر،فالمستأجر ضامن للأجرة،و الأجير ضامن للعمل،و يجب على كل منهما تسليم ما عنده للآخر، و إن أتلف فبدله،كما هو الحال في سائر المعاوضات كالبيع و الصلح و نحوهما، و يسمى هذا الضمان بضمان المعاوضة،و هذا هو معنى أن الأجير ضامن للعمل، و لا يرتبط هذا الضمان بالضمان في باب الدين،فانه عبارة عن نقل الدين من ذمة المديون الى ذمة الضامن،لوضوح أن عقد الايجار لا يقتضي انتقال الواجب كالحج أو نحوه من ذمة المستأجر الى ذمة الأجير،و فراغ ذمته عنه بمجرد العقد، و الاّ فلازمه أن تكون ذمة الأجير مشغولة للّه تعالى لا للمستأجر،و هو كما ترى، بل مقتضاه أن ذمة الأجير مشغولة للمستأجر للعمل الواقع عليه العقد الذي هو بديل لعمله الثابت في ذمته،باعتبار أن الواجب على المستأجر أن يقوم بالحج


 

1) <page number=”352″ />الوسائل باب:23 من أبواب النيابة في الحج الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 353)


……….

بنفسه و مباشرة،و إن لم يتمكن من ذلك يقوم به بنائبه،فيكون فعله بديلا لفعله و مصداقا تنزيليا للواجب،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان تفسير الضمان هنا بضمان الأجير للحج من جهة إفساده له تفسير خاطئ،اذ لا يمكن حمل الضمان في الموثقة على ذلك،حيث لم يفرض فيها افساد الحج بل هو ضمان بالمعاوضة كما مر.

فالنتيجة:أن الضمان في باب المعاوضات أجنبي عن الضمان في باب الدين،و لا صلة لأحدهما بالآخر،فاذن لا تدل الموثقة على فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد النيابة و عدم توقفه على العمل.هذا اضافة الى أن الموثقة غير ظاهرة في أن المراد من الحج في موردها هو حجة الإسلام،بل قوله عليه السّلام في ذيلها:«إن كانت له عند اللّه حجّة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة» 1يناسب كون الحجة حجة استحبابية،و المراد من أخذها أخذ ثوابها،باعتبار أن غرض المستأجر من الاجارة على الحج الاستحبابي هو الثواب،و اما اذا كانت الحجة حجة وجوبية،فأخذها من النائب و جعلها للمنوب عنه،لا يرجع الى معنى محصل.

و اما الطائفة الثالثة:فهي متمثلة في موثقة اسحاق بن عمار،قال:«سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة،فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه،فيموت قبل أن يحج،ثم أعطي الدراهم غيره،فقال:إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فانه يجزي عن الأول،قلت:فان ابتلى بشيء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟قال:نعم.قلت:لأن الأجير ضامن للحج،قال:نعم» 2بتقريب أن الأجير ضامن للحج،و معنى الضمان هو اشتغال ذمته بالحج بديلا عن ذمة المنوب عنه.

و الجواب:قد ظهر مما تقدم من أن المراد من الضمان هنا هو ضمان المعاوضة،و لا يرتبط بالضمان في باب الدين.


 

1) <page number=”353″ />الوسائل باب:23 من أبواب النيابة في الحج الحديث:3.
2) الوسائل باب:15 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 354)


[مسألة 9:لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال]

[3150]مسألة 9:لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال،بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء(1)به.

[مسألة 10:إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك]

[3151]مسألة 10:إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عن المنوب عنه،لما مر من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على ما أشرنا إليه(2).و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه،لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لاختصاص ما دل عليه به،و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق،بل لموثقة إسحاق بن عمار المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان و حسين بن يحيى الدالة على أن النائب إذا مات
فالنتيجة:أن هذه الروايات بكل اصنافها و طوائفها لا تدل على فراغ ذمة المنوب عنه بمجرد عقد الايجار.

الأظهر عدم الاكتفاء،فاذا بادر المعذور و تبرع بأداء الحج عن غيره فلا يكتفى به،لما تقدم من أن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره بما أنه يكون على خلاف القاعدة فيحتاج الى دليل،و القدر المتيقن منه ما اذا لم يكن النائب معذورا في بعض واجبات الحج،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم الكفاية، بدون فرق في ذلك بين التبرع و الإجارة.

لم يشر السيد الماتن قدّس سرّه الى معنى الضمان سابقا،فان الموجود في المسألة السابقة قوله:(و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا و كفاية الاجارة في فراغها منزلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج اذا قصر النائب في الاتيان…)و من المعلوم أن هذا ليس تفسيرا لمعنى الضمان في الموثقة،و لذلك فالصحيح ما ذكرناه من أن المراد من الضمان في الموثقة هو ضمان المعاوضة، و هو مقتضى عقد الاجارة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 355)


في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة(1)«من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه
فيه ان المرسلة باعتبار ضعفها سندا لا تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الموثقة،و على هذا فلا بد من النظر الى نفس الموثقة،و هل أنها مطلقة في نفسها أو مقيدة بما اذا مات بعد الإحرام؟فيه و جهان:الأظهر هو الثاني،بتقريب أن قوله عليه السّلام فيها:«قبل أن يقضي مناسكه»قرينة على أن موته كان بعد التلبس بها، على أساس أن معنى القضاء الإنهاء عن الشيء،و هو بنفسه يدل على أنه تلبس بأعمال الحج،و لكنه مات قبل الفراغ و الإنهاء منها،و عليه فلا يصح هذا التعبير عرفا اذا كان موته قبل الإحرام و التلبس بالمناسك،مثلا اذا مات المكلف في أثناء الصلاة صح أن يقال انه مات قبل أن يقضي صلاته و يفرغ منها،و اذا مات قبل الدخول فيها لم يصح أن يقال عرفا انه مات قبل أن يقضيها و يفرغ منها،لأن التعبير عن أن فلانا لم يفرغ عن صلاته معناه أنه شرع فيها،نعم لو كان بدل كلمة (أن يقضي)كلمة(أن يأتي)لم يكن له هذا الظهور.

فالنتيجة:انه لا اطلاق للموثقة في نفسها.

قد يقال كما قيل:إن قوله عليه السّلام:«قبل أن يقضي مناسكه»يرجع الى القيد الأخير،و هو الدخول في مكة،و لا أقل أنه متيقن،فاذن تدل الموثقة على الاجزاء اذا كان موته بعد الاحرام و دخول مكة،و اما اذا كان موته في الطريق و لو كان بعد الإحرام و قبل دخول مكة فلا يجزي.

و الجواب:انه لا شبهة في ظهور رجوع القيد الى أحد الأمرين،و هما الموت في الطريق،و الدخول في مكة،و ذلك لأن احتمال رجوع القيد الى خصوص الجملة الأخيرة انما هو اذا كان عطفها على الجملة الأولى بكلمة (الواو)،و اما اذا كان عطفها عليها بكلمة(أو)كما في المقام،فيرجع القيد الى الجامع بينهما و هو عنوان أحدهما،و لا موجب حينئذ لتوهم الاختصاص.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 356)


الحجة»الشاملة للحاج عن غيره(1)أيضا،و لا يعارضها موثقة عمار الدالة
و أما موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل حج عن آخر و مات في الطريق،قال:و قد وقع أجره على اللّه،و لكن يوصي فان قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل» 1فهي تدل باطلاقها على عدم الاجزاء و إن كان موته بعد الاحرام،و لكن بما أن نسبتها الى موثقة اسحاق بن عمار نسبة المطلق الى المقيد،فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها و حملها على ما اذا كان موته قبل الإحرام.

فالنتيجة:ان النائب اذا مات في الطريق قبل الإحرام لم يجز،و اذا مات بعد الإحرام اجزأ،سواء أ كان بعد دخول الحرم أو مكة أو قبله،و من هنا يمتاز النائب عن المستطيع الحاج لنفسه،فانه اذا مات في الطريق فان كان بعد الاحرام و دخول الحرم أجزأ،و اما اذا مات قبل دخول الحرم لم يجزئ و إن كان بعد الإحرام،و هذا بخلاف النائب فانه اذا مات بعد الاحرام اجزأ،و إن كان قبل دخول الحرم فالمعيار في النائب انما هو بموته بعد الإحرام،كما أن المعيار في الحاج لنفسه انما هو بموته بعد الاحرام و دخول الحرم معا.

فيه انه لا يبعد اختصاص المرسلة بالحاج لنفسه،و لا تعم الحاج عن غيره،و على تقدير تسليم أنها تعم النائب أيضا،فحينئذ تكون النسبة بينها و بين الموثقة عموما من وجه،لأن الموثقة عامة من جهة أن موت النائب كان قبل الإحرام أو بعده،و خاصة بالنائب.و المرسلة عامة من جهة أن الحاج كان لنفسه أو لغيره،و خاصة بما اذا كان موته في الحرم،و يكون مورد الالتقاء بينهما ما اذا مات النائب قبل دخول الحرم،فان مقتضى اطلاق الموثقة الاجزاء،و مقتضى اطلاق المرسلة عدم الاجزاء،فاذن لا تصلح المرسلة أن تكون مقيدة لإطلاق الموثقة تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.


 

1) <page number=”356″ />الوسائل باب:15 من أبواب النيابة في الحج الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 357)


على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي،لأنها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام أو على الاستحباب(1)،مضافا إلى الإجماع(2)على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق،و ضعفها سندا بل و دلالة(3)منجبر بالشهرة و الإجماعات المنقولة فلا ينبغي الإشكال في الإجزاء في الصورة المزبورة.

و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان، و لا يبعد الإجزاء و إن لم نقل به في الحاج عن نفسه،لإطلاق الأخبار في المقام و القدر المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام،
فيه انه لا مقتضى لهذا الحمل،حيث أنه بحاجة الى قرينة عرفا،و لا قرينة عليه،و بدونها لا يمكن رفع اليد عن ظهورها في الوجوب،بل مقتضى الجمع الدلالي العرفي،و هو حمل المطلق على المقيد.

فيه أن مقتضى القاعدة عدم الكفاية اذا مات النائب في الطريق و إن كان بعد الاحرام و دخول الحرم و رفع اليد عنه بالنص اذا كان موته بعد الإحرام، و لا يحتاج ذلك الى دعوى الاجماع عليه،هذا اضافة الى أنا لو سلّمنا ثبوت الاجماع في المقام،الاّ أنه لا أثر له في المسألة التي يتلقى حكمها من مقتضى القاعدة.

مرت الاشارة في غير مورد الى أن ضعف الرواية سندا و دلالة لا ينجبر بعمل المشهور،و لا بالإجماعات المنقولة.فدعوى الانجبار لا أساس لها لا نظرية و لا تطبيقية،و لا سيما في دلالتها باعتبار أن حجية دلالتها مبنية على تحقق ظهورها التصديقي بلحاظ الارادة الجدية،و لا يمكن رفع اليد عن حجية هذا الظهور الاّ بسبب قيام قرينة على خلافه،و المفروض أن عمل المشهور بما أنه لا يكون حجة في نفسه،فلا يصلح ان يكون قرينة مانعة عن حجيته،كما أنه لا يوجب انقلابه موضوعا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 358)


لكن الأقوى عدمه(1)فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء(2).

و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج(3)، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع.

[مسألة 11:إذا مات الأجير بعد الاحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة]

[3152]مسألة 11:إذا مات الأجير بعد الاحرام و دخول الحرم(4)يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة،و بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة،و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا سواء مات قبل الشروع في المشي أو بعده و قبل الإحرام أو بعده(5)و قبل الدخول في الحرم،لأنه لم يأت بالعمل
مر أن الأظهر هو الإجزاء اذا مات النائب بعد الإحرام،و إن كان قبل دخول الحرم،و قد مر أن هذه المسألة تختلف عن مسألة الحاج عن نفسه.

في اطلاقه اشكال بل منع،لما تقدم من أن حال النائب ليس كحال الحاج عن نفسه،حيث أن الحج عن المنوب عنه يجزي اذا مات النائب بعد الاحرام و إن كان قبل دخول الحرم،و عن الحاج عن نفسه لا يجزئ الاّ اذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم معا.

هذا انما يتم في النائب فقط،لإطلاق النصوص فيه و مقتضاها عدم الفرق بينهما،و أما في الحاج عن نفسه فلا يتم،لأن مورد النصوص فيه حجة الإسلام،و لا تعم غيرها،و لا يمكن التعدي عن موردها الى سائر الموارد،فانه بحاجة الى قرينة باعتبار أن الحكم يكون على خلاف القاعدة.

مر عدم اعتباره في الأجير،فانه إذا مات بعد الاحرام و ان كان قبل دخول الحرم فالأظهر هو الاجزاء،غاية الأمر إن كانت الإجارة على تفريغ ذمة الميت استحق تمام الأجرة و إن كانت على الأعمال و النسك توزع الاجرة عليها بالنسبة.

تقدم ان الأظهر هو الاجزاء اذا مات النائب بعد الاحرام و إن كان قبل

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 359)


المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا بعد فرض عدم إجزائه،من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدمات من المشي و نحوه.

نعم لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا استحق مقدار ما يقابله من الأجرة بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا أو كان داخلا فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية،فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له،كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام،إذ هو نظير ما إذا استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت صلاته فإنه لا إشكال في أنه لا يستحق الأجرة على ما أتى به،و دعوى أنه و إن كان لا يستحق من المسمى بالنسبة لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به حيث إن عمله محترم،مدفوعة بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه(1)
دخول الحرم،و يستحق تمام الأجرة شريطة أن تكون الإجارة على تفريغ ذمة الميت و توزع إن كانت على الأعمال و النسك بالنسبة.نعم لو قلنا بعدم الاجزاء لم يستحق شيئا من الأجرة لفرض أن الاجارة لم تكن على الإحرام فقط،و انما تكون عليه شريطة أن لا يتعقب بسائر اعمال الحج و نسكه،فاذن يكون وجوده كالعدم و لا قيمة له.

مجرد هذا لا يصلح أن يكون سببا لعدم استحقاق الأجير الأجرة التي يتقاضها الأجراء عادة للقيام بمثل ذلك العمل،فان سبب استحقاقه أحد أمرين:

الأول:أن يكون ما أتى به بأمر المستأجر.

الثاني:أن تكون له مالية لدى العرف و العقلاء على نحو يبذل المال بازائه.

فاذا توفر أحد هذين الأمرين فيه استحق اجرة المثل بالنسبة،سواء انتفع

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 360)


و المفروض أنه لم يكن مغرورا من قبله،و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة(1)،من غير استحقاق لشيء على التقديرين.

المستأجر به أم لا.و لكن كلا الأمرين غير متوفر فيه.

اما الأول:فلأن المستأجر إنما أمر بالاحرام في ضمن أمره بالحج بكامل اجزائه و شروطه لا مستقلا،فاذا سقط أمره بالحج بموت النائب سقط أمره بالاحرام أيضا،اذ لا يعقل بقاء الأمر الضمني و سقوط الأمر الاستقلالي.

و اما الثاني:فلأنه لا أثر للإحرام وحده و لا قيمة له.

لا يخفى ما في العبارة من المسامحة،بل لعلّها من سهو القلم،باعتبار أن المفروض في المسألة هو موت الأجير،و معه لا معنى لقول الماتن(يجب عليه الاتيان به اذا كانت مطلقة).و من هنا كان ينبغي للماتن قدّس سرّه أن يقول هكذا (إن كانت الاجارة مقيدة بقيام النائب بالحج مباشرة،انفسخت الاجارة بموته، سواء أ كانت مقيدة بسنة خاصة أم كانت مطلقة.و إن لم تكن مقيدة بقيامه كذلك وجب الاستئجار من تركة الأجير إن أمكن و إن كانت في سنة معينة)هذا.

و لكن ذلك غير صحيح،فان النائب على الأول و هو اعتبار قيامه المباشر بالحج إن مات قبل الإحرام بطلت الإجارة،فان موته يكشف عن عدم قدرته على الوفاء بها في ظرفه،بدون فرق بين أن تكون الاجارة مقيدة بسنة معينة أو مطلقة،و إن مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم،فعلى القول بعدم الاجزاء فالأمر أيضا كذلك،و على القول بالاجزاء-كما استظهرناه- فعندئذ إن كانت الإجارة على تفريغ الذمة صحت،و استحق الأجير تمام الأجرة المسماة،و لا موجب لانفساخها بدون فرق بين أن تكون الاجارة مقيدة أو مطلقة،و إن كانت على الأعمال و النسك انفسخت بالنسبة إلى الاعمال الباقية، و صحت بالنسبة إلى الأعمال الماضية،بلا فرق بين نحوين من الاجارة أيضا،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 361)


[مسألة 12:يجب في الإجارة تعيين نوع الحج من تمتع أو قران أو إفراد]

[3153]مسألة 12:يجب في الإجارة تعيين نوع الحج(1)من تمتع أو قران أو إفراد،و لا يجوز للموجر العدول عما عيّن له و إن كان إلى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول،إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيرا بين النوعين أو الأنواع كما في الحج المستحبي و المنذور المطلق أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها،و أما إذا كان ما عليه
و توزع الأجرة عليهما بالنسبة.

و أما على الثاني،و هو عدم اعتبار قيد المباشرة في العمل،فان مات الأجير بعد الإحرام و قبل دخول الحرم،فعلى القول بعدم الاجزاء فلا موجب لانفساخها و لا لبطلانها،بل يجب الاستئجار من تركته بدون فرق بين ان تكون الاجارة مقيدة بسنة معينة أو مطلقة،غاية الأمر في الصورة الاولى اذا لم يتمكن من الاستئجار من تركته لضيق الوقت،أو لم يوجد من يستأجره انكشف عن بطلان الاجارة من الأول،لعدم التمكن من الوفاء بها في ظرفه،و على القول بالاجزاء-كما هو الأقوى و الأظهر-فعندئذ إن كانت الاجارة على تفريغ الذمة فقد و في بها و استحق تمام الأجرة،و لا مبرر للقول بالانفساخ،بدون فرق بين أن تكون الاجارة مقيدة أو مطلقة.

فيه أنه لا يعتبر في صحة الإجارة تعيين نوع الحج،فتصح الاجارة على الجامع حتى اذا كانت ذمة المنوب عنه مشغولة بقسم منه كحج التمتع -مثلا-غاية الأمر اذا قام الأجير بالاتيان بحج التمتع سقط عن ذمة المنوب عنه، و الاّ فلا،و لا يحق للمستأجر الزام الأجير بالاتيان به،باعتبار أن الواجب عليه العمل بما وقع عليه عقد الايجار،و المفروض أن ما وقع عليه العقد هو الجامع دون الفرد،و لعل الماتن قدّس سرّه أراد من اعتبار التعيين اعتباره في استئجار الوصي أو الولي شخصا من قبل الميت للقيام بما كان واجبا عليه من الحج،بلحاظ أن ما كان واجبا عليه من الحج نوع خاص منه كالتمتع او الافراد،فانه لا بد حينئذ من

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 362)


من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول إلى غيره(1)،و في صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية(2)،و من باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية،
الاستئجار عليه،و لكن ذلك خلاف الظاهر منه،فان الظاهر أنه في مقام بيان ما هو معتبر في صحة الاجارة و شروطها،لا في مقام بيان ما هو وظيفة الوصي أو الولي أو الحي العاجز.

هذا بالنسبة إلى براءة ذمة المنوب عنه،فانها اذا كانت مشغولة بحج التمتع-مثلا-و رضي المستاجر بالعدول إلى حج الافراد أو القران،و عدل الأجير اليه و أتى به لم ينفع في براءة ذمته عنه،بل ظلت مشغولة به،و أما بالنسبة إلى الأجرة فهو يستحق الأجرة المسماة باعتبار أن العدول الى عمل آخر إذا كان باذن المستأجر و رضاه بنفس الأجرة المعينة استحقها.

و إن شئت قلت:إن عدول النائب من العمل المستأجر عليه كحج التمتع -مثلا-الى عمل آخر كحج الافراد اذا كان باذن المستأجر و رضاه فانه في الحقيقة فسخ للعقد الأول و تجديد للعقد ثانيا بنفس الأجرة التي كانت في العقد الأول،فمن أجل ذلك يستحق تلك الأجرة بكاملها.

فالنتيجة:ان قيام الأجير بالاتيان بالعمل الآخر كحج الافراد-مثلا-برضى المستأجر و اذنه لا يجدى في فراغ ذمته عن العمل المستأجر عليه أولا كحج التمتع،فانه مرتبط بالاتيان به لكي ينطبق عليه،لا بالعمل الآخر الذي لا يكون من افراده و مصاديقه،و لكن بما أن هذا العدول كان باذنه و لم يكن مجانا و لم يعين الاجرة له،فبطبيعة الحال كان اذنه بالعدول اليه و القيام به بنفس الأجرة السابقة،باعتبار أن ذلك في الحقيقة معاوضة جديدة بينها و بين العمل المعدول اليه.

فيه ان الشرطية في المقام ليست بمعناها الحقيقي و هو ما يكون

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 363)


……….

خارجا عن حقيقة المشروط،بل بمعنى أنه مقوم لها فاذا استأجر شخصا على حج التمتع،ثم أذن له بالعدول الى حج الافراد،فعدل اليه،فانه ليس من اسقاط حق الشرط،فان حج التمتع الذي له اسم خاص المميز له شرعا لا يتحقق بدون قصد ذلك الاسم،لأنه مقوم له،بل هو إذن بالعدول من عمل مباين الى عمل مباين آخر،و في مثل ذلك لا شبهة في عدم اجزاء الاتيان بالعمل المعدول اليه عن العمل المعدول منه الثابت في ذمة المستأجر لعدم انطباقه عليه،باعتبار أن عنوان التمتع او الافراد بما أنه من العناوين المقومة فهو يوجب تحصيص العمل المستأجر عليه بحصة خاصة،و هي لا تنطبق على حصة أخرى مباينة لها.

فالنتيجة:أن مقتضى القاعدة في هذا الفرض عدم الاجزاء،و أما استحقاق الأجير الاجرة المسماة فهو و إن كان على خلاف القاعدة أيضا،الاّ أنه مبني على ما ذكرناه من التخريج الفني،و هذا بخلاف ما اذا كان الإذن بالعدول عن العمل الواجد للشرط الى الفاقد له،و الغاء المستأجر الشرط،فانه خارج عن محل الكلام،اذ لا شبهة في الاجزاء و في استحقاقه الأجرة المسماة،كما اذا استأجر شخصا على صلاة الميت-مثلا-و اشترط عليه في ضمن العقد أن يأتي بها في المسجد أو في الجماعة أو في الحرم أو مع الأذان و الإقامة أو غير ذلك،ثم ألغى هذا الشرط و أذن بالصلاة مطلقا،فان هذا ليس إذنا بالعدول إلى عمل آخر،بل هو إذن بالغاء ما هو خارج عن العمل المستأجر عليه،و لا يكون دخيلا في حقيقته و لا في صحته،حيث أنه صحيح سواء أ كان واجدا له أم فاقدا،و من هنا لا يضر تركه عامدا و ملتفتا و بدون اذن المستأجر و لا ينقص من الأجرة.

ثم إنه لا فرق في العنوان المقوم للعمل و المميز له شرعا بين أن يكون مأخوذا في عقد الايجار بنحو الشرطية أو القيدية،فان الأول يرجع الى الثاني لبا و بحسب مقام الثبوت و الواقع،و لا فرق بينهما الاّ في صيغة التعبير فقط،فان عنوان التمتع او الافراد عنوان مقوم لحقيقة الحج،و بانتفائه ينتفي الحج بدون فرق بين أن يكون مأخوذا في الاجارة بنحو الشرطية،بأن يقول:(استأجرتك

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 364)


و على أيّ تقدير يستحق الأجرة المسماة و إن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني،لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عيّنه فقد وصل إليه ما له على المؤجر كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه.

و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول،هذا و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل كالعدول إلى التمتع تعبدا من الشارع لخبر أبي بصير(1)عن أحدهما«في رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ
للحج على أن يكون تمتعا)أو بنحو القيدية بأن يقول:(استأجرتك لحج التمتع او الافراد).فان الأول يرجع الى الثاني لبا.و إن أخذ بنحو الشرطية،فاذا خالف و أتى بحج الافراد فقد أتى بعمل آخر مباين للعمل المستأجر عليه،و بذلك يظهر أن ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن المستأجر اذا أذن بحج الافراد بدلا عن التمتع، فان كان التمتع مأخوذا بنحو الشرطية،فهو من باب اسقاط حق الشرط،و إن كان مأخوذا بنحو القيدية فهو من باب الرضا بالوفاء بجنس آخر لا يرجع الى معنى محصل،فانه على كلا التقديرين من باب الإذن بالوفاء بجنس آخر،و الفرق انما هو في التعبير فقط لا في الواقع و مقام الثبوت.

أي صحيحة أبي بصير 1،و هي تدل على أن من استأجره لحجة مفردة يسوغ له أن يعدل إلى حجة التمتع،معللا بأنه انما خالف الى الأفضل،و مقتضى اطلاق هذا التعليل أنه يجوز للأجير أن يعدل من العمل المستأجر عليه الى عمل آخر مطلقا و إن كان مباينا له شريطة أن يكون أفضل منه.

و الجواب:أن مقتضى القاعدة عدم جواز العدول عما عيّنه المستأجر على الموجر في عقد الاجارة،فلو عدل لم يستحق شيئا من الأجرة،باعتبار أنه لم


 

1) <page number=”364″ />الوسائل باب:12 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 365)


بها مفردة أ يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال عليه السّلام:نعم إنما خالف إلى الأفضل»و الأقوى ما ذكرناه و الخبر منزّل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين،جمعا بينه و بين خبر آخر(1)
يف بما يتطلبه عقد الايجار،و لا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة على الواجب أو المستحب.

و اما بحسب النص،فمقتضى صحيحة أبي بصير جواز العدول إلى الأفضل،و لا يمكن حمل ذلك على التعبد المحض،باعتبار أن التعليل فيها ظاهر في أنه تعليل بأمر ارتكازي لا تعبدي،على أساس أن العدول إلى الأفضل موافق للارتكاز العرفي،فاذن ارتكازية التعليل و مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تتطلبان حمل الصحيحة على الإجارة على المستحب بأمل ان يكتسب الثواب،فاذا علم المؤجر أن غرض المستأجر ذلك جاز له العدول الى عمل آخر أكثر ثوابا،و يقوم به نيابة عنه بديلا عن العمل المستأجر عليه،و مما يؤكد هذا الحمل أن الصحيحة ظاهرة في أن الإجارة في موردها انما هي من الرجل الحي،و قد تقدم أن الاجارة منه لا تكون مشروعة الاّ اذا كان عاجزا و مأيوسا عن القيام المباشر بالحج،فاذن مقتضى اطلاقها جواز الاستئجار منه و إن كان متمكنا،و هذا لا يمكن الاّ أن يكون الاستئجار على المستحب،هذا اضافة الى إمكان حمل اطلاقها على ما اذا كان العدول باذن المستأجر.

فالنتيجة:ان الرواية لا تدل على جواز العدول إلى الأفضل مطلقا حتى في الواجب و إن كان بدون رضى المستأجر.

فيه ان الخبر ضعيف سندا،فان الحسن بن محبوب روى عن علي، فان كان المراد منه علي بن أبي طالب عليه السّلام فالخبر مرسل،لأن ابن محبوب لا يمكن أن يروي عنه عليه السّلام بلا واسطة،و ان كان غيره فهو مردد بين علي بن موسى الرضا عليه السّلام و بين غيره،هذا و لكن في المدارك استظهر أن المروي عنه هو علي

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 366)


«في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال عليه السّلام:ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم»و على ما ذكرنا من عدم جواز العدول إلا مع العلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية و إن كان حجه صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عيّن،و أما إذا كان على وجه الشرطية(1)فيستحق إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ حينئذ لا يستحق المسمى بل أجرة المثل.

[مسألة 13:لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي]

[3154]مسألة 13:لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و إن كان في الحج البلدي لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا،و لكن لو عيّن تعين و لا يجوز العدول عنه إلى غيره،إلا إذا علم أنه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و إنما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان،فحينئذ لو عدل صح و استحق تمام الأجرة،و كذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه،فالقول بجواز العدول مطلقا أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية(2)ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز«عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من
ابن رئاب،و كيف كان فالرواية لم تثبت عن المعصوم عليه السّلام،فمن أجل ذلك لا تصلح أن تعارض صحيحة أبي بصير،فالعمدة ما أشرنا اليه من أن الرواية الأولى و إن كانت تامة سندا،الاّ أنها ضعيفة دلالة.

مر أن مرجع الشرط في المقام إلى التقييد لبا،و لا فرق بينهما في مقام الثبوت و الواقع و إن كان مأخوذا في عقد الاجارة في مقام الاثبات بنحو الشرطية.

فيه أنه لا بأس بالعدول في هذا الفرض اذ مع الشك في اعتبار الخصوصية في طريق خاص لا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عنه و الذهاب من طريق آخر أو من بلدة أخرى.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 367)


الكوفة فحج عنه من البصرة فقال:لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه»إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض(1)كما هو الغالب، مع أنها إنما دلت على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى،و ربما تحمل على محامل أخر(2)،و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعين(3)،إنما الكلام في استحقاقه الأجرة
فيه أنه لا شاهد على هذا الحمل لا في نفس الرواية و لا من الخارج، بل انها ظاهرة في أن هذه المخالفة لا تضر بصحة الحج اذا أتى به بكامل واجباته،كما هو ظاهر تفريغ تمامية الحج بقضاء جميع المناسك.

فالنتيجة:أن الاستدلال بالصحيحة على جواز العدول مطلقا حتى مع التعيين لا أساس له أصلا فانها غير ناظرة الى هذه الناحية،بل ناظرة الى أن هذه المخالفة بما أنها مخالفة في المقدمات الخارجية غير المقومة،فلا تضر بصحة الحج اذا أتى به بكل واجباته،و لا شبهة في ظهورها في ذلك.

منها:أن قوله(من الكوفة)متعلق بقوله(أعطى)،فيكون مفاده أن رجلا استجار رجلا من الكوفة ليحج عنه.

و منها:ان قوله(من الكوفة)صفة لقوله(رجلا)،فيكون معناه ان الاجير هو الرجل الموصوف من الكوفة.

و منها:ان قيد(الكوفة)شرط خارج عن عقد الاجارة.

و لكن من المعلوم أن كل هذه المحامل بعيدة عن الرواية جدا،و لا شاهد عليها أصلا،لا من الداخل و لا من الخارج،فلا يمكن حملها على شيء منها.

فالصحيح فيها ما مر من أنها ظاهرة في أن مخالفة هذا الشرط لا تضر بصحة الحج.

بل و إن كان مقيدا بها،و مع هذا اذا حج من طريق آخر صح و برئت

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 368)


……….

ذمة المنوب عنه و إن خالف مقتضى عقد الإجارة،و ذلك لأن تعيين الطريق الخاص و المعين للذهاب الى الحج في عقد الإجارة،سواء أ كان بنحو التقييد بأن يكون متعلق العقد حصة خاصة من طبيعي الحج،و هي الحصة المقيدة بخصوصية الطريق،أم كان بنحو التركيب،بأن يكونا متعلقه مركبا منهما لا يضر بصحة الحج اذا أتى به من طريق آخر و في ضمن حصة أخرى،و براءة ذمة المنوب عنه،غاية الأمر انه لم يف بمقتضى عقد الايجار باعتبار عدم اتيانه بالحج المستأجر عليه،إما لانتفاء قيدها المقوم لها أو جزئها،و لكن بما أن الحج الثابت في ذمة المستأجر طبيعي الحج بدون تحصصه بهذه الحصة أو بتلك، باعتبار أن طي المسافة من أي طريق كان فهو من المقدمات الخارجية،و لا يعقل أن يكون قيدا أو جزءا له،فلذلك ينطبق ما في ذمته على ما أتى به الأجير،فاذا انطبق صح و برئت ذمته.

و بكلمة:ان متعلق الاجارة مرة يكون حصة خاصة من الحج،و هي المقيدة بطيّ المسافة من الطريق المعين او البلدة المعينة،و أخرى يكون مركبا منها و من طي المسافة من ذلك الطريق او تلك البلدة،و ثالثة يكون طبيعي الحج و تعيين الطريق إنما هو بنحو الاشتراط.

اما على الأول،فاذا خالف الأجير،و أتى بالحج من طريق آخر أو بلدة أخرى بكامل اجزائه و شروطه فلا شبهة في صحته و براءة ذمة المنوب عنه عنه، لانطباق ما في ذمته على ما أتى به الأجير تنزيلا و حكومة،باعتبار أن الثابت في ذمته نفس طبيعي اعمال الحج بواجباتها،و المفروض ان الأجير قد أتى بها كذلك،و لكنه لا يكون مصداقا للوفاء بالاجارة،لعدم انطباق متعلقها عليه،لأنه حصة أخرى مباينة للحصة التي وقعت عليها الإجارة،فمن أجل ذلك لا يستحق شيئا،لا الأجرة المسمّاة لا كلا و لا بعضا،و لا أجرة المثل و هي الاجرة التي يتقاضها الأجراء للقيام بمثل ذلك العمل عادة،أما الأول فهو ظاهر،لأنه لم يف بالاجارة.و اما الثاني فلأن ما أتى به لم يكن باذن المستأجر و أمره،فاذن لا محالة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 369)


المسماة على تقدير العدول و عدمه،و الأقوى أنه يستحق من المسمى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية،و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ و إن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به لأنه حينئذ متبرع بعمله،و دعوى أنه يعدّ في العرف أنه أتى ببعض ما
يكون مصداقا للنيابة التبرعية.

و أما على الثاني،و هو ما اذا كان متعلق الإجارة مركبا من طي المسافة من الطريق المعين أو البلدة المعينة الى الميقات و اعمال الحج بواجباتها،فالظاهر أن الأجرة توزع عليهما بالنسبة،فيستحق منها ما يوازي اعمال الحج دون ما يوازي الطريق الى الميقات.

و أما على الثالث،و هو ما اذا اشترط على الأجير أن يحج من الطريق الفلاني أو من البلدة الفلانية،فانه اذا حج من طريق آخر أو من بلدة أخرى فقد خالف الشرط فقط دون العمل بالاجارة،و لذلك يستحق تمام الأجرة،غاية الأمر يثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط.

ثم إنه كما يثبت الخيار له في هذه الصورة،كذلك يثبت له الخيار في الصورتين الأوليين أيضا،أما في الصورة الأولى فمن جهة عدم تسليم العمل، و أما في الصورة الثانية فمن جهة تبعض الصفقة،و على هذا فاذا فسخ المستأجر الإجارة في الصورة الأولى،فله أن يطالب الأجير بتمام الاجرة المسماة،و إن لم يفسخها فله أن يطالبه بقيمة العمل التالف،و إن فسخ في الصورة الثانية فله أن يطالب الأجير بتمام الأجرة،كما أن للأجير أن يطالبه بأجرة المثل للعمل الذي قام بتسليمه اليه و إن لم يفسخ فحينئذ إن قلنا بأن الاجارة انفسخت بالنسبة الى الجزء الذي لم يف الأجير بالاجارة فيه و صحت بالنسبة إلى الجزء الذي و في بها،فله أن يطالب الأجير بنفس الاجرة المسماة على ذلك الجزء فقط،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 370)


استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الأجزاء-كما ذهب إليه في الجواهر-لا وجه لها،و يستحق تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية بمعنى الالتزام في الالتزام،نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط فيرجع إلى أجرة المثل.

[مسألة 14:إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا]

[3155]مسألة 14:إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا بطلت الإجارة الثانية(1)لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى،و مع عدم
لاستحقاقه الاجرة المسماة على الجزء الذي و في بالاجارة فيه،و إن قلنا بأنها لم تنفسخ-كما هو الصحيح،اذ لا موجب للانفساخ-فله أن يطالب الأجير بقيمة ذلك الجزء التالف.

في بطلان خصوص الثانية اشكال،و الأظهر بطلان كليتهما معا، و السبب فيه ان كلا من الإجارتين في نفسها مشمولة لإطلاق دليل الامضاء، و مجرد السبق الزمني للأولى على الثانية لا يمنع عن شموله للثانية،فان ما يتوهم كونه مانعا عنه في المقام-كما ادعي-هو أن متعلق الثانية غير مقدور للمؤجر شرعا،فاذا لم يكن مقدورا له كذلك لم تصح الإجارة عليه،على أساس أن صحة الاجارة مشروطة بالقدرة على الوفاء بها في ظرفها عقلا و شرعا.

و الجواب:ان الكبرى و إن كانت تامة نظرية،الاّ أنها غير تامة تطبيقية نظرا إلى أن المقام ليس من عناصر هذه الكبرى،لأن وجوب الوفاء بالاجارة الأولى الذي هو مفاد دليل الامضاء لا يصلح أن يكون بنفسه مانعا عن الإجارة الثانية و رافعا لموضوعها و هو القدرة،و ذلك لأنه انما يكون مانعا عنها و رافعا لموضوعها اذا افترض أن مردّه الى الزام الموجر بالحفاظ على قدرته للوفاء بالأولى في ظرفها و عدم جواز تفويتها إن كان واجدا لها،و تحصيلها على الوفاء بها كذلك إن كان فاقدا لها،فانه حينئذ يكون معجزا مولويا عن صرف قدرته في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 371)


……….

الوفاء بالاجارة الثانية،فلا يكون الوفاء بها مقدورا له شرعا،فلذلك تبطل.

مثال ذلك:اذا أجار شخص نفسه للحج في سنة معينة من زيد،ثم بعد ذلك أجار نفسه للحج في نفس هذه السنة من خالد،فان وجوب الوفاء بالإجارة الأولى إن كان مرده إلى الزام المؤجر بالوفاء بها في ظرفها مطلقا و لو بالحفاظ على قدرته الى وقت الوفاء بها و عدم تفويتها،بل تحصيلها اذا كان فاقدا لها كان معجزا مولويا عن صرف قدرته في الوفاء بالاجارة الثانية،فيكون متعلقها غير مقدور له شرعا،فلذلك تبطل.

و لكن من الواضح ان هذا مجرد افتراض لا واقع له،حيث انه مبني على أن يكون وجوب الوفاء بالاجارة الأولى فعليا و منجزا،فحينئذ يكون مانعا عن الاجارة الثانية بالمنع عن تحقق موضوعها،مع ان الأمر ليس كذلك،فان وجوب الوفاء بها مشروط بالقدرة عليه في ظرفه،و من المعلوم أن هذا الوجوب المشروط لا يكون مانعا عنها،أو فقل:إن ذلك مبني على أن تكون الإجارة الأولى مشمولة لإطلاق دليل الامضاء فعلا و منجزا،و من الواضح أن الأمر ليس كذلك لوضوح أنها مشمولة له مشروطة بالقدرة على الوفاء بها في ظرفه لا مطلقا،و الاّ فلا تكون مشمولة له من الأول،و على هذا ففي المثال المتقدم اذا كان الأجير قادرا على الحج بكامل واجباته في وقته و موسمه كان اطلاقه شاملا لها،و إلا انكشف عن عدم شموله لها من الأول،حيث قد مر أن القدرة المعتبرة فيه انما هي القدرة الخاصة و هي القدرة في ظرف العمل لا مطلقا،فاذن لا يكون الموجر في المقام ملزما بصرف قدرته على الوفاء بالاجارة الأولى و الحفاظ عليها لأجلها،بل له تفويت هذه القدرة و صرفها في شيء آخر قبل وقت الوفاء بها.

فالنتيجة:إن متعلق الاجارة الثانية مقدور للأجير عقلا و شرعا،أما عقلا فهو واضح،و أما شرعا فلعدم المانع الشرعي منه فعلا،لأن المانع الشرعي المتوهم في المقام كما عرفتم هو أن وجوب الوفاء بالاجارة الأولى يقتضي منع

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 372)


……….

صرفها في الوفاء بالثانية،و قد مر أنه لا واقع لهذا التوهم أصلا،و على هذا الأساس فلا مانع من كون الإجارة الثانية مشمولة لإطلاق دليل الامضاء في نفسها،فاذن يقع التعارض بين شمول الاطلاق للإجارة الأولى،و شموله للإجارة الثانية،فيسقطان معا من جهة المعارضة،و حينئذ فلا دليل على صحة شيء منهما.

و بكلمة:إن نسبة اطلاق دليل الامضاء بالنسبة إلى كل من الإجارتين على حد سواء،و لا مانع من شموله لكل منهما في نفسها،كما اذا كانتا في عرض واحد،اذ لا أثر للسبق الزمني-كما مر-.و لكن لا يمكن شموله لكلتيهما معا للتعارض.

لحد الآن قد تبين أن بطلان الاجارة الثانية مبني على نقطة خاطئة،و هي أن صحة الاجارة مشروطة بالقدرة المطلقة على الوفاء بها لا القدرة الخاصة في ظرف الوفاء و العمل،و لكن قد مر أن الأمر ليس كذلك،و أنها مشروطة بالقدرة الخاصة،اي القدرة في ظرف العمل لا القدرة المطلقة،فاذا كان الموجر عاجزا حين الاجارة لم يجب عليه تحصيل القدرة على الوفاء بها في ظرفها،فان تمكن من الوفاء بها وجب،و الاّ انكشف عن بطلانها من الأول.نعم لو كانت الاجارة الثانية في زمن تنجز وجوب الوفاء بالاجارة الأولى و تسليم العمل المستأجر عليه و أدائه كانت باطلة،لأن وجوب التسليم اذا صار فعليا و منجزا كان معجزا مولويا عن الوفاء بالاجارة الثانية،هذا كله اذا كانت الاجارة الثانية مشروطة بالمباشرة،و الاّ فلا مانع من الحكم بصحة كلتا الاجارتين،لأن الموجر قادر على الوفاء بهما معا،غاية الأمر على الأولى بالمباشرة،و على الثانية بالتسبيب.

ثم إنه لا فرق في صحة الإجارة على الجامع بين أن يكون الموجر قادرا على القيام المباشر بالعمل أو لا،أما على الأول فظاهر،و كذلك على الثاني،لأن الجامع مقدور بالقدرة على أحد أفراده،و من هنا تصح اجارة الأعمى على قراءة القرآن اذا لم يشترط قيامه المباشر بالقراءة و اجارة الجنب لكنس المسجد اذا لم

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 373)


اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معا،و دعوى بطلان الثانية و إن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى لأنه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و إن لم يشترط المباشرة ممنوعة،فالأقوى الصحة،هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة،و أما إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه،و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين أو مع توسعة الإجارتين أو توسعة إحداهما،بل و كذا مع إطلاقهما أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل.

و لو اقترنت الإجارتان كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الإجارتين في وقت واحد بطلتا معا(1)
يشترط عليه المباشرة،على أساس أن الجامع مقدور،و لا فرق في ذلك بين أن يكون المستأجر ملتفتا إلى أن الموجر غير قادر على العمل مباشرة أو لا،فانه على كلا التقديرين لا مانع من الاجارة.

لعدم امكان شمول اطلاق دليل الامضاء لكلتيهما معا من جهة المعارضة فيسقط،و قد تقدم أنه لا فرق فيه بين أن تكون الاجارتان في عرض واحد،أو تكون احداهما في طول الأخرى شريطة أن لا تكون الثانية في وقت تسليم العمل في الأولى،و الاّ بطلت الثانية فقط.

فالنتيجة:إن كلتا الإجارتين محكومة بالفساد،و لا يجب على المؤجر الوفاء بشيء منهما،نعم لو تبرع المؤجر و حج عن أحدهما نيابة بداعي أمر استحبابي صح،و لكنه لا يستحق شيئا على المنوب عنه،لا الاجرة المسماة لعدم العقد،و لا أجرة المثل لأن قيامه بهذا العمل لا يكون بأمره و إذنه.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 374)


مع اشتراط المباشرة فيهما.

و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما كما في صورة عدم الاقتران،و لو آجر نفسه من شخص ثم علم أنه آجره فضولي من شخص آخر سابقا على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك العقد و إن قلنا بكون الإجازة كاشفة(1)بدعوى أنها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه،لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الإجازة(2)حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك.

قد حققنا في محله أن الصحيح كون الاجازة في باب الفضولي ناقلة لا كاشفة،بمعنى أن العقد الواقع من الفضولي يستند الى المجيز من حين الاجازة،ضرورة أن هذا العقد عقد له بها،و عليه فبطبيعة الحال يكون مشمولا لإطلاق دليل الإمضاء من الآن،و محكوما بالصحة و موضوعا لترتيب الآثار كذلك.

و بكلمة:أن العقد الممضى و إن كان من السابق الاّ أن امضاءه من حين الاجازة،فانه من هذا الحين يكون مشمولا للإطلاق و محكوما بالصحة لا من السابق،و فرق بين كونه ممضي من السابق و كونه ممضي من الآن،فالكشف مبني على الأول،و النقل على الثاني،و بما أن شمول الاطلاق له من حين الإجازة فالمتعين هو الثاني،و لا مجال للأول على تفصيل ذكرناه هناك.

ثم إن اجازة الإجارة الفضولية إن كانت قبل وقت العمل بالإجارة الأصلية وقع التعارض بين اطلاق دليل الامضاء باعتبار أن نسبته الى كلتا الإجارتين على حد سواء،و قد مر أنه لا أثر للسبق الزمني لإحداهما على الأخرى،و إن كانت في وقت العمل بها فلا أثر لإجازتها،لأنها فاقدة لشرط صحتها و هو القدرة على الوفاء بها عقلا و شرعا،فان وجوب العمل بالاجارة الأصلية في وقته مانع عن العمل بها شرعا.

ظهر مما مر أن مجرد اجارته نفسه لا تكون مانعة عن صحة الإجازة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 375)


[مسألة 15:إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير]

[3156]مسألة 15:إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير بل و لا التقديم إلا مع رضا المستأجر،و لو أخر لا لعذر أثم،و تنفسخ الإجارة(1)إن كان التعيين على وجه التقييد،و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية(2)و إن أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على
الاّ في وقت العمل بها.

في الانفساخ اشكال،بل منع لأن التأخير إن كان عن عذر من مرض أو عائق آخر يمنعه من القيام المباشر بالحج في وقته،كان ذلك كاشفا عن بطلان الإجارة من الأول،شريطة أن تكون على حصة خاصة من الحج و هي الحج في سنة معينة،كما هو المفروض في المسألة بملاك أن صحتها مشروطة بأن يكون العمل بها مقدورا في ظرفه،و إن كان التأخير عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي مع كونه قادرا عليه في وقته لم يكن ذلك كاشفا عن بطلانها لعدم الموجب له، لأنه باختياره اذا ترك العمل بالاجارة و لم يقم بالوفاء بها في ظرفه،فلا مبرر لبطلانها،غاية الأمر يثبت الخيار للمستأجر من جهة عدم قيام الموجر بتسليم العمل اليه في وقته،و حينئذ فان فسخ العقد طالب الأجير بالأجرة المسماة،و الاّ طالبه بقيمة العمل في ذمته.

فالنتيجة:إن التأخير من الأجير اذا كان عن عذر كشف ذلك عن بطلان الاجارة من الأول،لا أنها انفسخت من حين طرو العذر،و اذا كان عن عمد و التفات ظلت الاجارة صحيحة،و لا موجب لبطلانها و لا لانفساخها،غاية الأمر يثبت الخيار للمستأجر كما مر.و بذلك يظهر حال ما في المتن.

فيه ان مردها الى القيدية،فاذا اشترط على الموجر أن يحج عنه في سنة معينة،فهو و إن كان بصورة الشرط،الاّ أنه في الحقيقة قيد مقوم للعمل،لأن مرجعه الى أن العمل المستأجر عليه حصة خاصة من الحج،و هي الحج في تلك السنة المعينة،فاذن لا فرق بحسب مقام اللب و الواقع بين أن يجعل السنة المعينة في عقد الايجار بنحو القيدية أو يجعلها بنحو الشرطية لأن مرد الثانية

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 376)


الأول و إن برئت ذمة المنوب عنه به،و يستحق المسماة على الثاني(1) إلا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل،و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال(2)،و في ثبوت الخيار
الى الأولى واقعا،فلا فرق بينهما الا في صيغة التعبير.

هذا مبني على أن يكون الشرط في مقابل القيد،و لكن قد مر أنه لا فرق بينهما في المقام الاّ في الصورة،فاذن لا يستحق الأجرة المسماة على كلا التقديرين،لأن ما وقعت عليه الإجارة و هو حصة خاصة من حجة الإسلام لم يأت به،و ما أتى به في سنة أخرى لم تقع الاجارة عليه،و من هنا لا يستحق عليه أجرة المثل أيضا،باعتبار أن اتيانه بحصة أخرى لم يكن بأمر المستأجر و اذنه.

في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الاجارة إن كانت مطلقة و غير مقيدة بسنة خاصة،فان اشترط التعجيل بالوفاء بها فورا ففورا،فالاهمال فيه و التأخير إن كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي فهو لا يوجب الاّ مخالفة الشرط دون الإجارة،و يترتب عليها ثبوت خيار تخلف الشرط للمستأجر و إن كان التأخير مستندا إلى العذر من مرض أو عائق آخر فهو كاشف عن بطلان الشرط دون الإجارة و إن لم يشترط التعجيل و كان اطلاق الاجارة منصرفا إليه،و حينئذ فان كان المتفاهم العرفي منه وحدة المطلوب كان الواجب حصة خاصة و هي الحج في السنة الأولى،فاذن لا فرق بين انصراف المطلق الى المقيد بقيد خاص كالسنة الأولى،و بين تقييده به،فالواجب على كلا التقديرين هو المقيد،و عليه فان كان الموجر تاركا للواجب عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي ثبت الخيار للمستأجر من جهة عدم قيام المؤجر بتسليم العمل الواجب عليه،فان فسخ العقد طالب الموجر بنفس الاجرة المسماة،و الاّ طالبه بقيمة العمل التالف،و لا موجب لبطلان العقد في هذا الفرض و إن كان تاركا له لطرو عذر من مرض أو عائق آخر كان ذلك كاشفا عن بطلان الاجارة من الأول،باعتبار أن صحتها

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 377)


للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان:من أن الفورية ليست توقيتا(1)،و من كونها بمنزلة الاشتراط.

[مسألة 16:قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية(2)فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة]

[3157]مسألة 16:قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية(2)فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة،فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟فيه تفصيل(3):و هو أنه إن كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالإجازة لأنه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها،و إن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من حيث الحج أو جميع منافعه له جاز له إجازة الثانية لوقوعها على ماله،و كذا الحال في نظائر المقام فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة العقد الثاني،و أما إذا ملكه منفعته الخياطي فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له إجازة هذا العقد لأنه تصرف في متعلق حقه،و إذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر،
مرتبطة بقدرة الموجر على العمل في ظرفه،و المفروض أنه غير مقدور عليه.

بل هي توقيت اذا كانت مستندة الى انصراف العقد الى المؤقت بوقت خاص-كما مر-.

بل عرفت أن الأظهر عدم صحة كلتا الإجارتين معا،لا خصوص الثانية شريطة أن لا تكون الثانية في وقت الوفاء بالأولى،و الاّ فهي باطلة فقط، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(14).

فيه انه لا موضوع لهذا التفصيل بناء على ما استظهرناه من بطلان كلتا الاجارتين معا اذا كانت الاجارة الثانية واقعة قبل وقت العمل بالأولى،فانها اذا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 378)


……….

كانت باطلة كالثانية فلا يكون المستأجر فيها مالكا لشيء حتى يكون له حق الاجازة للإجارة الثانية باعتبار وقوعها على ماله أو متعلق حقه،نعم اذا كانت الثانية واقعة بعد وقت العمل بالأولى،و تنجز وجوب التسليم فيها على ما وقعت عليه الأولى،كان له حق الإجازة،فإن اجازها صحت و انتقلت الأجرة اليه،و الاّ بطلت.

مثال ذلك:اذا ملّك زيد منافعه الخارجية في فترة زمنية كأسبوع أو أكثر من بكر،ثم ملّك تلك المنافع بعينها في نفس تلك الفترة من خالد،فتكون الاجارة الثانية واقعة على نفس ما وقعت عليه الأولى،فاذن صحة الثانية مرتبطة باذن المستأجر الأول و اجازته،فإن أجازها صحت،و الاّ فلا،و أما اذا لم تكن الثانية واقعة على ما وقعت عليه الأولى،بل وقعت على شيء آخر مضاد له أو مماثل،كما اذا وقعت الاجارة على العمل في الذمة،مثلا اذا أجّر شخص نفسه لبناء دار من زيد في سنة معينة في الذمة،ثم أجر نفسه لبناء دار من بكر في نفس تلك السنة كذلك،فان متعلق الاجارة الثانية غير متعلق الاجارة الأولى،و لكن المؤجر غير قادر على الوفاء بكلتا الإجارتين معا في نفس سنة الإجارة،لأنه من الجمع بين المثلين في موضوع واحد و وقت فارد،و هو لا يمكن،أو اذا أجر نفسه لبناء دار زيد في فترة معينة،ثم أجر نفسه في نفس تلك الفترة للكتابة من بكر،فان متعلق الإجارة الثانية و إن كان غير متعلق الاجارة الأولى،الاّ أنه مضاد له،فلا يقدر الموجر على الجمع بينهما،و على هذا فالاجارة الثانية باطلة في نفسها اذا كان وقوعها في وقت الوفاء بالأولى من جهة انتفاء شرط صحتها،و هو القدرة على الوفاء بها في ظرفه،و لا يمكن تصحيحها باجازة المستأجر الأول، باعتبار أنها لم تقع على ماله أو متعلق حقه بدون إذنه لكي تتوقف صحتها عليه، و لكن بما أن بطلانها مستند الى عدم قدرة الأجير على الوفاء بها شرعا من جهة أنه مأمور بصرف قدرته على تسليم العمل في الاجارة الأولى،فاذا رفع المستأجر الأول يده عن الاجارة الأولى،إما باسقاط حق المباشرة فيها،أو فسخها و اقالتها مع الموجر لا مانع من الحكم بصحة الثانية،باعتبار أن المانع منه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 379)


نعم لو ملك منفعة خاصة كخياطة ثوب معين أو الحج عن ميت معين على وجه التقييد يكون كالأول في عدم إمكان إجازته.

[مسألة 17:إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمهم كالحاج عن نفسه]

[3158]مسألة 17:إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمهم كالحاج عن نفسه(1)
هو الزام الأجير بصرف قدرته فيها،فاذا ارتفع هذا المانع فهو قادر على تسليم العمل المستأجر عليه في الإجارة الثانية،فاذا كان قادرا صحت و مشمولة لأدلة الامضاء.

فالنتيجة:إن الاجارة الثانية إن كانت واقعة على نفس ما وقعت عليه الأولى،فصحتها تتوقف على اجازة المستأجر الأول،فإن اجازها جازت،و الاّ فلا،و إن كانت واقعة على غير ما وقعت عليه الأولى،الاّ ان الأجير لا يتمكن من الجمع بينهما في مقام الوفاء فسدت الثانية اما مطلقا-كما لعله المشهور-أو اذا كانت واقعة في وقت الوفاء بالأولى-كما استظهرناه-و حينئذ فصحة الثانية تتوقف على أحد أمرين:

الأول:أن يتنازل المستأجر الأول عن حق المباشرة،فاذا تنازل عن ذلك فلا تنافي بين الإجارتين،و لا مانع من الحكم بصحة كلتيهما معا بمقتضى اطلاقات أدلة الامضاء.

الثاني:أن يقوم بفسخها و إقالتها مع الأجير.

فاذا تحقق أحد الأمرين توفرت شروط صحة الاجارة الثانية،و حكم بصحتها.

ثم إن السيد الماتن قدّس سرّه قد أكد على أن متعلق الاجارة الثانية اذا كان متحدا مع متعلق الاجارة الأولى صحت الثانية بالاجازة،و اما اذا كان مختلفا فلا قيمة للإجازة،و أما أنها صحيحة بتنازل المستأجر الأول عن حق قيد المباشرة له،أو فسخها و رفع اليد عنها فهو ساكت عن ذلك.

لإطلاق النصوص الدالة على أن وظيفة المصدود الذبح في مكان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 380)


فيما عليه من الأعمال و تنفسخ الإجارة(1)مع كونها مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق،و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد،و لا يجزئ عن المنوب عنه و إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم،لأن ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار،و القياس عليه لا وجه له،و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته،و القول بوجوبه ضعيف، و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال،و هو مشكل(2)
الصدّ،و به يخرج عن الاحرام،و المحصور يبعث بالهدي و يواعد اصحابه ميعادا،فاذا بلغ الهدي احل بدون فرق بين أن يكون المصدود او المحصور حاجا عن نفسه أو عن غيره،و لا قرينة في الرواية على التخصيص بالأول.

بل يكشف عن بطلانها من الأول،لأن صحتها مرتبطة بان يكون الأجير قادرا على تسليم العمل المستأجر عليه في ظرفه،فاذا لم يكن قادرا عليه في الواقع من جهة الحصر أو الصد كشف ذلك عن عدم توفر شروط صحتها،لا أنها صحيحة و لكن بالحصر أو الصد انفسخت،الاّ أن يكون مراده من انفساخها بطلانها و عدم انعقادها من الأول،هذا اذا كانت مقيدة بسنة معينة،و اما اذا كانت مطلقة فهي تظل ثابتة في ذمته،غاية الأمر ان المستأجر إن اشترط على الموجر الوفاء بها في تلك السنة ثبت له خيار تخلف الشرط،فان فسخ العقد طالبه بالأجرة،و الاّ فعليه أن يأتي بها في السنة القادمة،و إن لم يشترط عليه الاتيان بها في السنة الأولى فلا خيار له أيضا بل عليه الوفاء في السنين القادمة.

بل الظاهر عدم الاستحقاق باعتبار أن العمل المستأجر عليه و إن كان عملا مركبا،الا أن التركيب بين أجزائه تركيب ارتباطي ثبوتا و سقوطا،كالصلاة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 381)


لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر(1)و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها،و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر فلا يستحق أجرة المثل أيضا.

[مسألة 18:إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله]

[3159]مسألة 18:إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله(2).

[مسألة 19:إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية]

[3160]مسألة 19:إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية(3)إذ لا دليل عليها،و القول بوجوب
و من هنا لا قيمة للإتيان ببعض أجزائه اذا لم يتمكن من اتمامه،و لا فائدة تترتب عليه،فاذا احرم للعمرة ثم احصر أو صد فلا أثر لإحرامه،نظير ما اذا كبّر الأجير للصلاة المستأجر عليها و قرأ الحمد،ثم عجز عن اتمامها أو مات،فانه لا يستحق الأجرة،لأن ما استوجر عليه لم يأت به،و ما أتى به لم يستأجر عليه،فلا موجب لتقسيط الأجرة،لأنه انما هو اذا كانت للجزء من العمل المستأجر عليه قيمة و كان مطلوبا للمستأجر و متعلقا لغرضه كما مر.

مر أن الأجير اذا لم يتمكن من العمل المستأجر عليه في ظرفه بسبب من الأسباب و ان كان قادرا عليه حين العقد،فهو كاشف عن بطلان الإجارة و عدم انعقادها من الأول،باعتبار أن صحتها مشروطة بالقدرة عليه حين العمل، فاذن لا موضوع للانفساخ،فانه فرع الانعقاد أولا،و به يظهر حال ما بعده.

للروايات التي تنص على أن الكفارات التي تترتب على ممارسة أشياء معينة أوان الاحرام للحج أو العمرة انما هي من أحكام المحرم،فانه اذا احرم حرمت عليه تلك الأشياء المعينة،و اذا مارسها فعليه الإثم و الكفارة.

بل بمعنى أن الاجارة اذا كانت مطلقة كان يحق للمستأجر أن يطالب الموجر بتعجيل تسليم العمل المستأجر عليه في مقابل المؤجل الذي ليس له حق المطالبة به قبل حلول الأجل.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 382)


التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف،فحالها حال البيع في أن إطلاقه يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة و وجوب المبادرة معها.

[مسألة 20:إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها]

[3161]مسألة 20:إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها،كما أنها لو زادت ليس له استرداد الزائد.

نعم يستحب الإتمام كما قيل،بل قيل يستحب على الأجير أيضا رد الزائد،و لا دليل بالخصوص على شيء من القولين.

نعم يستدل على الأول بأنه معاونة على البر و التقوى(1)،و على الثاني بكونه موجبا للإخلاص في العبادة.

[مسألة 21:لو أفسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة]

[3162]مسألة 21:لو أفسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه و الحج من قابل و كفارة بدنة،و هل يستحق الأجرة على الأول أولا؟قولان مبنيان على أن الواجب هو الأول و أن الثاني عقوبة أو هو الثاني و أن الأول عقوبة.

قد يقال بالثاني للتعبير في الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان، و حمله على إرادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه،و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة و لا يستحق الأجرة و يجب عليه الإتيان في القابل بلا أجرة،و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة و يستحق الأجرة
هذا إذا كان في أثناء العمل،و أما إذا كان بعد قيام الموجر بالعمل و اتمامه-كما هو المفروض-فلا يكون اتمام الأجرة بعده مصداقا للمعاونة على البر و التقوى.

نعم هو مصداق للإحسان بالمؤمن،كما أنه ليس لرد الزائد من الأجرة إلى المستأجر بعد العمل بكامل واجباته دخل في الاخلاص به.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 383)


على ما يأتي به في القابل.

و الأقوى صحة الأول و كون الثاني عقوبة لبعض الأخبار الصريحة في ذلك(1)في الحاج عن نفسه و لا فرق بينه و بين الأجير،و لخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمار عن أحدهما عليهما السّلام:«قال قلت:فإن ابتلي بشيء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزئ عن الأول؟قال:نعم قلت:فإن الأجير ضامن الحج قال:نعم»،و في
و هو صحيحة زرارة قال:«سألته عن محرم غشى امرأته و هي محرمة، قال:جاهلين أو عالمين،قلت:أجبني عن الوجهين جميعا،قال:إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما،و ليس عليهما شيء،و إن كان عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه،و عليهما بدنة،و عليهما الحج من قابل،فاذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا،قلت:فأي الحجتين لهما؟قال:الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا،و الأخرى عليهما عقوبة» 1،فانها ناصة في أن الحجة الأولى صحيحة، و الثانية عقوبة،و بما أن موضوع الحكم فيها المحرم،و هو يعم الموجر أيضا، فاذن شمول الصحيحة له ليس على أساس عدم الفرق عرفا بين الحاج عن نفسه و الحاج عن غيره،بل من جهة ظهورها في أن هذا الحكم حكم المحرم بدون موضوعية للحاج عن نفسه،هذا اضافة الى أن موثقتي اسحاق بن عمار 2قد وردتا في الأجير،و تدلان على صحة الحج الأول و أن الثاني كفارة و عقوبة لما فعل، و يترتب على ذلك أن الموجر يستحق الأجرة بكاملها و إن لم يأت بالحجة الثانية عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،باعتبار أنها واجبة عليه عقوبة،و لا دخل لها بالمنوب عنه،فاذا لم يأت بها فهو آثم.


 

1) <page number=”383″ />الوسائل باب:3 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث:9.
2) الوسائل باب:15 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1 و 2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 384)


الثاني سئل الصادق عليه السّلام:«عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال عليه السّلام:هي للأول تامة و على هذا ما اجترح»، فالأقوى استحقاق الأجرة على الأول و إن ترك الإتيان من قابل عصيانا أو لعذر،و لا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معينة.

و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه و بذلك العنوان أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه؟وجهان،لا يبعد الظهور في الأول و لا ينافي كونه عقوبة فإنه يكون الإعادة عقوبة،و لكن الأظهر الثاني،و الأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة(1).

ثم لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معينة و لو على ما يأتي به في القابل لانفساخها(2)و كون وجوب الثاني تعبدا لكونه خارجا عن متعلق الإجارة
لا منشأ لهذا الاحتياط و إن كان استحبابيا،و الوجه في ذلك ظاهر،فان الحجة الثانية بما أنها عقوبة و كفارة لما ارتكبه المحرم من المعصية فيكون حالها حال سائر الكفارات،فكما أنه لا يحتمل أن يكون الواجب عليه الاتيان بها من قبل المنوب عنه،ضرورة أنها واجبة عليه مباشرة،و لا ترتبط به أصلا،فكذلك ما نحن فيه،فان الحجة الثانية واجبة على الموجر بالأصالة بملاك أنها عقوبة و كفارة لما ارتكبه من المحرم،و لا صلة لها بالمنوب عنه أصلا،لإن ذمته قد فرغت بالحجة الأولى فلا تكون مشغولة بشيء.

فالنتيجة:أن موضوع وجوب الكفارات هو ارتكاب المحرم لمحرمات الاحرام سواء كان احرامه لنفسه أم لغيره،و بذلك يظهر حال ما في المتن.

في الانفساخ اشكال بل منع،لأن الاجارة اذا كانت مقيدة بسنة خاصة،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 385)


و إن كان مبرئا لذمة المنوب عنه،و ذلك لأن الإجارة و إن كانت منفسخة(1) بالنسبة إلى الأول لكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا(2)لكونه عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد،فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني.

و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا في تفريغ ذمة المنوب عنه بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين و للأجير أن يحج ثالثا في صورة الإطلاق لأن الحج الأول فاسد و الثاني إنما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث إذ التداخل خلاف الأصل،و فيه أن هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحة
فعلى القول ببطلان الحج بما يحدث في اثنائه من الاستمتاع الجنسي اذا أحدث الموجر فيه ما يوجب بطلانه،فلا موجب لانفساخ الاجارة،باعتبار أنه كان متمكنا من اتمام الحج بكامل واجباته و تسليمه الى المستأجر،و لكنه بسوء اختياره أبطله،و هذا من عناصر اتلاف مال الغير فيكون ضامنا لقيمته،و حينئذ فللمستأجر أن يطالب الموجر بقيمة العمل التالف،أو يفسخ الاجارة بالخيار الثابت له من جهة عدم وفاء الموجر بها عامدا و ملتفتا،و يطالبه برد نفس الأجرة المسماة،أو يستأجره ثانيا للحج في العام القادم بنفس تلك الأجرة،أو بأجرة أخرى.

ظهر أنها لا تنفسخ باتلاف موردها عامدا و ملتفتا.

فيه أن الاجارة في مفروض المسألة انما هي على الحج في السنة الأولى فقط،و عندئذ فلا يعقل بقاؤها بعد انتفاء هذا الفرد،و لو دل دليل على أن الحج في السنة الثانية بدل عن الحج في السنة الأولى و عوض عنه،فيمكن تخريج ذلك بأحد وجهين:

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 386)


……….

الأول:انه يكشف عن أن الاجارة في الواقع و مقام اللب كانت على الجامع بين الحج في السنة الأولى و الحج في السنة الثانية،و التقييد بالأولى انما هو بملاك تمام المطلوب لا أصل المطلوب.

الثاني:انه يكشف عن عدم انفساخ الاجارة بتفويت محلها،من جهة جعل البدل له شرعا،و حينئذ يمكن الوفاء بها بالاتيان بالبدل و العوض عنه،و أما أنها تنفسخ بالنسبة إلى السنة الأولى،و تبقى بالنسبة إلى السنة الثانية،مع أن الاجارة انما هي في السنة الأولى دون الثانية،فهو غريب جدا.

فالنتيجة:ان هاهنا افتراضين:

الأول:ان الحجة الأولى صحيحة و الثانية عقوبة.

الثاني:عكس ذلك تماما.و نذكر لكل من الافتراضين عددا من الحالات.

أما في الافتراض الأول فنذكر أربع حالات:

الأولى:إن مقتضى اطلاق الروايات عدم الفرق بين أن تكون الحجة الأولى حجة الإسلام،أو غيرها من الحج الواجب بالنذر أو الاجارة أو نحوها، بل تعم الحج المستحب أيضا.

الثانية:ان مقتضى بعض هذه الروايات أن الحجة الأولى صحيحة و الثانية عقوبة و كفارة،و قد مر أن هذا هو الصحيح.

الثالثة:إن الحجة الثانية واجبة على الحاج مباشرة و بعنوان العقوبة لما ارتكبه من المعصية الكبيرة و إن كان أجيرا عن غيره،و لا يجب عليه حينئذ أن ينوي النيابة عنه.

الرابعة:إن الأجير يستحق الاجرة على أساس أنه أتى بالعمل المستأجر عليه صحيحا،و لا يستحق شيئا على الحج الواجب عليه عقوبة باعتبار أنه واجب عليه بالأصالة و لا يرتبط بالمنوب عنه.

و أما في الافتراض الثاني فنذكر ثلاث حالات:

الحالة الأولى:ان الحجة الأولى إذا كانت حجة الإسلام و قد أفسدها،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 387)


……….

فهل الحجة الثانية التي تجب عليه تجزي عنها،أو أنها عقوبة صرفة و تجب عليه حجة الإسلام في العام الثالث؟الظاهر أنها تجزي و تنطبق عليها،لما تقدم من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع،و المفروض أن هذا العنوان ينطبق عليها اذا نوى اسمها الخاص،و هو لا يمنع من انطباق عنوان آخر عليها أيضا كالحج عقوبة باعتبار ظهور الروايات في ان الحجة الثانية واجبة بعين ملاك الاولى و هذا لا ينافى كونها عقوبة بلحاظ أن تكاليفها عليه.

الثانية:أن تكون الحجة الأولى حجة استئجارية مقيدة بسنة خاصة كالسنة الأولى،فاذا أفسدها فيها بالجماع قبل المشعر،فقد مر أنه يضمن قيمتها لإتلافها و لا موجب لانفساخ الاجارة.

فالنتيجة:ان الأجير لا يستحق الأجرة لا على الأول لفساده،و لا على الثاني لعدم الأمر بالاتيان به من قبله،و أما اذا كانت مطلقة و لكن اشترط عليه في ضمن العقد الاتيان بها في هذه السنة ثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط،فإن قام باعمال الخيار و فسخها يطالب الأجير بالأجرة المسماة بكاملها،و أما اذا لم يقم بها،فهل تكفى الحجة الثانية في العام القادم للحجة النيابية؟الظاهر الكفاية، لأن الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تدل على أن الحجه الثانية واجبة عليه بعد بطلان الأولى بعين ملاكها،و على هذا فبما أن ذمة الأجير تبقى مشغولة فيأتي بها نيابة عنه في العام القادم،و لا مانع من انطباق عنوان العقوبة عليها أيضا باعتبار ان نفقاتها عليه.

الثالثة:اذا كانت حجته غير حجة الإسلام كالنذر أو نحوه،و أفسدها بالجماع قبل المشعر،ثم استطاع،فهل تجزي حجته الثانية عن حجة الإسلام أو لا؟

و الجواب:إنها تجزي كما مر،باعتبار أن حجة الإسلام تنطبق عليها حيث أنها عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع،و هذا لا ينافي وجوبها بعنوان آخر أيضا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 388)


الأول وجوب إعادة الأول(1)،و بذلك العنوان فيكفي في التفريغ و لا يكون من باب التداخل فليس الإفساد عنوانا مستقلا،نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا إن الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول و هو خلاف ظاهر الأخبار(2).

و قد يقال في صورة التعيين إن الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة(3)يكون لنفسه(4)فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه و لا يكون مبرئا لذمة المنوب عنه فيجب على المستأجر استئجار حج آخر، و فيه أيضا ما عرفت من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الأول(5)،و كون الأول بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و إن كان بدلا عنه(6)لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ، هذا.

بل الظاهر منها وجوبه عليه أصالة لا نيابة.

بل هو ظاهر الأخبار كما عرفت.

مر أنها لا تنفسخ بافساد الأجير الحج فيها عامدا و ملتفتا و لا مبرر له، بل هي تظل باقية،و انما اتلف الموجر مال المستأجر و ملكه فيكون ضامنا لقيمته على تفصيل تقدم.

فيه أنه لا موجب لانقلاب الحج عن المنوب عنه بالافساد الى حج نفسه،بمعنى أنه إن أتى به صحيحا فهو للمنوب عنه،و إن افسده فهو له،لوضوح ان ذلك بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه.

مر أن هذا غير بعيد على القول ببطلان الحجة الأولى،و به يظهر حال ما بعده.

مر أن الروايات لا تدل على أن الثاني بدل عن الأول و عوض عنه،بل ظاهرها أنه واجب عليه مستقلا لا بعنوان أنه بدل له،و به يظهر حال ما في المتن.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 389)


و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا أيضا و إن كان لا يستحق الأجرة أصلا.

[مسألة 22:يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد،لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل]

[3163]مسألة 22:يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد،لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل و لم تكن قرينة على إرادته من انصراف أو غيره،و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو دينا لكن إذا كانت عينا و نمت كان النماء للأجير،و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيا أو وكيلا و سلّمها قبله كان ضامنا لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلا،و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل(1)أو الوارث(2)،و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ(3)
هذا اذا لم يكن وكيلا من قبله مطلقا حتى في اشتراط التعجيل،و الاّ فلا حاجة الى اذنه.

فيه انه لا دخل لإذن الوارث في جواز تصرف الوصي في ملك الميت،فانه يتصرف فيه حسب وصيته،فان أوصى بالحج من الثلث فله أن يتصرف فيه،و يجعل نفقاته منه،و إن أوصى به من الأصل فكذلك،و من المعلوم أن جواز تصرفه في كل ذلك لا يتوقف على اذن الوارث بعد ما كان منصوبا من قبل الميت في تنفيذ وصاياه،لأن الوارث أجنبي عنه.

تقدم أن صحة الاجارة مشروطة بقدرة الأجير على تسليم العمل المستأجر عليه في ظرفه عقلا و شرعا،و الاّ بطلت الإجارة،و بما أن الأجير في المقام لا يقدر على العمل بدون دفع الأجرة فتكون الاجارة باطلة،و الفرض أنه لا يجب على المستأجر دفع الأجرة و ايجاد القدرة فيه.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 390)


و كذا للمستأجر،لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق و يجوز للوكيل و الوصي دفعها من غير ضمان(1).

[مسألة 23:إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلا مع الإذن صريحا أو ظاهرا]

[3164]مسألة 23:إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلا مع الإذن صريحا أو ظاهرا،و الرواية الدالة على الجواز(2) محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر.

لعدم التفريط و التقصير فيه بعد ما كان ذلك أمرا متعارفا،باعتبار أن المستأجر أو الوصي أمين لا يضمن الاّ مع التفريط و التقصير لا مطلقا.

فيه ان الرواية ساقطة سندا و دلالة،و إليك نصّها،عثمان بن عيسى قال:

«قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام:ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟قال:لا بأس» 1.اما سندا فلأن عثمان بن عيسى نقل هذه الرواية في موضع من التهذيب عن أبي جعفر الأحول،و في موضع آخر منه عن الأحول، و في موضع ثالث عن جعفر الأحول،و الأول ثقة دون الثاني و الثالث،و بما أنه لم يثبت روايته عن الأول فلا نحرز حجيتها و صحتها سندا،هذا اضافة الى أن هناك مبعدات أخرى لصحتها.و اما دلالة فلأنها لا تدل على أن اعطاء الحجة لرجل انما هو بنحو الاستنابة و الاستئجار،اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون اعطاؤها له بنحو التوكيل في ارسال أيّ شخص أراد،فكلا الأمرين محتمل،و لا ظهور لها في الاحتمال الأول.

فالنتيجة:أن اطلاق الاجارة و إن كان يقتضي المباشرة اذا لم تكن هناك قرينة حالية أو مقالية تؤدي الى الوثوق و الاطمئنان بعدم الخصوصية،الاّ أن الكلام في مورد الرواية ليس في ذلك،و انما هو في أن اعطاء الحجة لرجل هل


 

1) <page number=”390″ />الوسائل باب:14 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 391)


[مسألة 24:لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا]

[3165]مسألة 24:لا يجوز استئجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا(1)و كانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمن عليه حج التمتع،و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثم اتفق ضيق الوقت فهل يجوز العدول و يجزئ عن المنوب عنه أو لا؟وجهان:من إطلاق أخبار العدول،و من انصرافها إلى الحاج عن نفسه،و الأقوى عدمه(2)،و على تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميت و عدم استحقاق الأجرة عليه لأنه غير ما على الميت و لأنه غير العمل المستأجر عليه.

هو بنحو الاستنابة أو التوكيل،و لا ظهور لها في الأول،لا أنها ظاهرة فيه،و لكن لا يعلم في أنه بنحو المباشرة أو الأعم لكي يقال إن اطلاق الاستنابة يقتضى المباشرة،بل انها مجملة و لا ظهور لها لا في الأول و لا في الثاني.

لما مر من أن من شروط صحة النيابة أن يكون النائب متمكنا من القيام بكل واجبات الحج من الأجزاء و الشروط،و أما اذا كان معذورا في ذلك لمرض أو ضيق وقت أو عائق آخر فلا دليل على كفاية نيابته عن غيره في الحج الواجب،فلو بادر و أجر نفسه لم يجز الاكتفاء به،و مقتضى الأصل عدم الكفاية، و كذلك اذا بادر و تبرع بالحج عن غيره فلا يكتفى به،و على هذا فلا يجوز استئجار من لا يتمكن من اتمام حج التمتع لضيق الوقت و أن وظيفته العدول الى الإفراد.

الظاهر أن الأمر كما افاده قدّس سرّه،لأنه مقتضى القاعدة،حيث ان اجزاء حج الافراد عن حج التمتع بحاجة الى دليل،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء، باعتبار أن ما وقعت عليه الاجارة،و هو حج التمتع لم يأت به،و ما أتى به و هو حج الافراد لم تقع الاجارة عليه،و لا فرق فيه بين أن يكون الموجب للانقلاب ضيق الوقت أو جهة أخرى كالحيض أو نحوه على تفصيل يأتي في ضمن البحوث القادمة،و على هذا الأساس فاذا طرأ العجز على الأجير اتفاقا عن اتمام

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 392)


……….

حج التمتع انكشف عن بطلان الإجارة من الأول باعتبار أن صحتها مشروطة بقدرة الأجير على الوفاء بها في ظرفه،نعم اذا طرأ العجز عليه بسوء اختياره،كما اذا تسامح و أخر السفر الى الحج عامدا و ملتفتا الى أن فات وقت العمرة،فهو لا يكشف عن بطلان الإجارة لأن تفويت القدرة اذا كان مستندا الى اختياره فهو عين قدرته على العمل و الوفاء بها،و هذا نظير من ترك الوفاء بالاجارة عامدا و عالما بالحال و عصيانا،فكما أنه لا يكشف عن بطلان الاجارة،فكذلك في المقام،فان عدم الوفاء بها و إن كان مستندا إلى عدم قدرته و عجزه عنه مباشرة،الاّ أنه مستند الى اختياره،فبالنتيجة عدم الوفاء مستند اليه.

تحصل من ذلك ان صحة الاجارة مشروطة بالقدرة على الوفاء بها في ظرفه في مقابل العجز الاضطراري و إن كان شرعيا لا الأعم منه و من الاختياري، و من هنا لا شبهة في أنه أثم اذا ترك الوفاء بها في ظرفه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،و كذلك اذا قام بتفويت قدرته و تعجيز نفسه عن الوفاء بها في ظرفه بسوء اختياره،فانه في نهاية الشوط تارك للوفاء بها عامدا و ملتفتا،فلذلك لا شبهة في أنه عاص و ضامن لما اتلفه من العمل على المالك و هو المستأجر.

و أما بحسب الروايات فهي و إن كانت كثيرة في المسألة الاّ أنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،و انما هي في مقام بيان تحديد وقت العمرة.

و دعوى:ان جملة من هذه الروايات مطلقة،و تشمل باطلاقها الحاج عن نفسه و الحاج عن غيره.

منها:صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:عن رجل اهل بالحج و العمرة جميعا،ثم قدم مكة و الناس بعرفات،فخشى إن هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف،قال:يدع العمرة،فاذا تم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه» 1.


 

1) <page number=”392″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 393)


……….

و منها:صحيحة زرارة قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام:عن الرجل يكون في يوم عرفة،و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة الى الحج،فقال:يقطع التلبية تلبية المتعة،و يهل بالحج بالتلبية،اذا صلّى الفجر يمضى الى عرفات، فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شيء عليه» 1.و منها غيرهما.بتقريب أن الموضوع فيها المتمتع و هو يعم الممتع لنفسه و المتمتع لغيره.

مدفوعة:بأن الموضوع المأخوذ فيها و إن كان المتمتع،الاّ أنها ليست في مقام بيان حكمه بما هو متمتع،بل هي في مقام بيان حكم حالة طارئة عليه،و هو أن المتمتع اذا ضاق الوقت عليه و خشى أن يفوت عنه الموقف اذا أتى بالعمرة بتمام واجباتها فوظيفته هي العدول الى حج الإفراد،و اما أن المراد من المتمتع طبيعي المتمتع بدون فرق بين أن يكون لنفسه أو لغيره،أو أن المراد منه خصوص الأول دون الأعم،فالروايات ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فاذن لا اطلاق لها.

و إن شئت قلت:إن هذه الروايات انما هي ناظرة الى بيان حكم حالة المتمتع،و هي حالة ضيق الوقت للعمرة الطارئة عليه،فانه في هذه الحالة ينوي الافراد بدل التمتع،و ليست ناظرة الى حكم المتمتع نفسه مباشرة لكي يمكن التمسك باطلاقها.

فالنتيجة:ان المتمتع اذا كان نائبا و ضاق الوقت عليه،و لم يتمكن من اتمام حج التمتع و اكماله،فالأظهر عدم انقلاب وظيفته النيابية من حج التمتع الى حج الافراد،و على هذا فيكون عدم تمكنه منه كاشفا عن بطلان النيابة من الأول.و أما الأجرة فلا يستحق الأجير من الأجرة المسماة شيئا،و عليه أن يرد كلها الى المستأجر،و يستحق أجرة المثل على ما أتى به من المقدمات و الاعمال،باعتبار أن اتيانها كان بأمر المستأجر و اذنه.


 

1) <page number=”393″ />الوسائل باب:21 من أبواب أقسام الحج الحديث:7.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 394)


……….

و نذكر فيما يلي عددا من التساؤلات:

1-قد تسأل عن أن النائب اذا لم يتمكن من حجة التمتع،و لا يكون العدول منها الى حجة الإفراد مشروعا له،فهل تجب عليه أن يأتي بعمرة مفردة بدلا عن عمرة التمتع للخروج عن الإحرام؟و هذا يعني أن وظيفته تنقلب من عمرة التمتع الى العمرة المفردة.

و الجواب:انه لا يجب عليه شيء،لأن عمرة التمتع الواجبة عليه بما أنه لا يتمكن من الاتيان بها فهي باطلة،و معه يبطل احرامها،فلا يكون محرما فعلا حتى تجب عليه العمرة المفردة للخروج منه.

2-قد تسأل عن أن الشخص اذا كان معذورا عن القيام المباشر ببعض اعمال الحج و واجباته كالطواف أو صلاته أو السعي بين الصفا و المروة لمرض أو نحوه،فهل تجوز استنابته؟

و الجواب:الظاهر أنه لا تجوز لأن النيابة بما أنها على خلاف القاعدة، فهي بحاجة الى دليل،و لا يعلم بشمول أدلة النيابة لها،لعدم الاطلاق فيها، و مقتضى الأصل عدم الكفاية.

3-قد تسأل ان الأجير اذا كان متمكنا من القيام المباشر بالحج بتمام واجباته،و لكن طرأ عليه العجز في الأثناء لمرض أو حيض أو عائق آخر لا يتمكن من الطواف مثلا،فهل يكشف ذلك عن بطلان النيابة من الأول؟

و الجواب:إنه لا يكشف عن بطلانها كذلك،لأن أدلة النيابة لا تكون قاصرة عن شمول هذه الصورة على أساس مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،غاية الأمر اذا طرأ عليه العجز عن بعض اعمال الحج في الاثناء انتقلت وظيفته الى البدل،و هو الاستنابة فيه،لأن الروايات التي تنص على مشروعية الاستنابة في الطواف و السعي و رمي الجمار لا تقصر عن شمول النائب،فاذن الناتج من ضم أدلة النيابة الى تلك الروايات هو صحة النيابة في هذه الصورة،و لا يكشف طرو العجز عن بطلانها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 395)


[مسألة 25:يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان و المندوب]

[3166]مسألة 25:يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أيّ واجب كان(1)و المندوب،بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و إن كانت ذمته مشغولة بالواجب(2)و لو قبل الاستئجار عنه للواجب،و كذا يجوز الاستئجار عنه في المندوب كذلك.

و هذا غير بعيد،فان الدليل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار،قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و لم يكن له مال،و لم يحج حجّة الإسلام (فحج)عنه بعض اخوانه،هل يجزي ذلك عنه؟أو هل هي ناقصة؟قال:لا بل هي حجّة تامة» 1و موردها و إن كان حجة الإسلام،الاّ أن العرف لا يفهم لها خصوصية،فان التبرع بالنيابة اذا كان مجزيا في حجة الإسلام،ففي غيرها بالأولوية،و تؤيد ذلك رواية عامر بن عميرة 2.

قد يقال كما قيل:ان موثقة سماعة بن مهران قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت و لم يحج حجّة الإسلام،و لم يوص بها و هو موسر،فقال:

يحج عنه من صلب ماله،لا يجوز غير ذلك» 3.

و الجواب:ان الموثقة لا تدل على عدم جواز التبرع في الحج عن الميت، بل مفادها أن من عليه حجة الإسلام و مات و لم يوص بها فعلى الوارث أن يخرج حجه من صلب ماله و تركته و لا يشرع غير ذلك،و من المعلوم ان هذا انما يجب على الوارث اذا لم يكن هناك متبرع.

فالنتيجة:انه لا اشكال في جواز التبرع في الحج الواجب على الميت، سواء أ كان حجة الإسلام،أم كان بالنذر،أو بالاجارة،أو غير ذلك.

حتى حجة الإسلام بناء على ما هو الصحيح من استحباب الحج استحبابا عاما باستثناء الحجة الأولى للمستطيع،لأنها واجبة.و على هذا فاذا


 

1) <page number=”395″ />الوسائل باب:31 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.
2) الوسائل باب:31 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
3) الوسائل باب:28 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:4.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 396)


و أما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب إلا إذا كان معذورا في المباشرة لمرض أو هرم فإنه يجوز التبرع عنه و يسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مر سابقا(1)،و أما الحج المندوب فيجوز التبرع عنه كما
عصى من عليه حجة الإسلام و تركها و أتى بالحج عن غيره تبرعا بقصد الاستحباب صح على القول بالترتب،نعم لا يمكن له أن يأتي بالحج استحبابا عن نفسه رغم ان عليه حجة الإسلام.

و النكتة في ذلك أن حجة الإسلام بما أن لها اسما خاصا مميزا لها شرعا فيعتبر في صحتها قصد اسمها الخاص كما مر،و عليه فاذا أتى بها المستطيع،فان كان بقصد اسمها الخاص و لكن معتقدا أن الأمر المتعلق بها أمر استحبابي صحت و انطبقت عليه حجة الإسلام التي هي متمثلة في الحجة الأولى للمستطيع،و لا تضر نية الاستحباب،لأنها من الخطأ في التطبيق،و نية الوجوب لا تكون معتبرة في صحتها،لأنها ليست من واجباتها لا جزءا و لا شرطا،و إن كان بقصد استحبابها استحبابا عاما لم تصح لا بعنوان المستحب و لا حجة الإسلام.

اما الأول فلأن الحج لا يكون مستحبا عليه في الواقع.و أما الثاني فلانتفاء القصد، و من هنا يعتبر في صحة كل عبادة لها اسم خاص مميز لها شرعا أمور:

الأول:محبوبيتها في نفسها.

الثاني:قصد القربة.

الثالث:قصد اسمها الخاص.

و إن شئت قلت:ان الحجة الأولى واجبة عليه لا أنها مستحبة،و حينئذ فان كان عالما بوجوبها و مع ذلك نوى استحبابها تشريعا و افتراء عليه تعالى بطلت على أساس التشريع المحرم،و إن كان جاهلا و معتقدا بأنها مستحبة ففيه التفصيل المتقدم.

تقدم ذلك مفصلا في المسألة(6)و قلنا هناك أن هذا هو الصحيح.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 397)


يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا،و أما إن تمكن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل(1)،بل التبرع عنه حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب(2).

[مسألة 26:لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد]

[3167]مسألة 26:لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد،و إن كان الأقوى فيه الصحة،إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج(3)، و أما في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة،كما يجوز بعنوان إهداء الثواب،لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا،فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.

[مسألة 27:يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب]

[3168]مسألة 27:يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام
الظاهر أنه لا اشكال في الحكم بصحته على أساس الترتب،لوجود الأمر الاستحبابي فيه،هذا اضافة الى أنه لا دليل على أن من تكون ذمته مشغولة بالحج الواجب لا يجوز له الاستئجار للحج المندوب.و مقتضى القاعدة الجواز،لأنه مقدور شرعا و عقلا،و الأمر بضده لا يكون معجزا مولويا عنه.

الظاهر أن هذا من سهو القلم منه قدّس سرّه أو من الخطأ في الطبع،فان موضعه في المسألة الآتية مباشرة بعد قوله(فيها في عام واحد)يعني ان عبارة المسألة كانت على النحو التالي:(لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد في الحج الواجب)و موضع قوله(و إن كان الأقوى فيه الصحة)هو موضع قوله(في الحج الواجب)في المسألة المتقدمة،فتكون العبارة كما يلي (أيضا لا يخلو عن اشكال و إن كان الأقوى الصحة).

هذا باعتبار أن النذر تابع لقصد الناذر،فاذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في احجاج شخص واحد وجب الوفاء على كل منهما كذلك.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 398)


واحد في الحج المندوب تبرعا أو بالإجارة،بل يجوز ذلك في الواجب أيضا كما إذا كان على الميت أو الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان مختلفان نوعا كحجة الإسلام و النذر أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد،و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا، بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطا لاحتمال بطلان حج أحدهما،بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب و إن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر(1)،فهو مثل ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد،و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر فإن الذمة مشغولة ما لم يتم العمل فيصح قصد الوجوب من كل منهما(2)و لو كان أحدهما أسبق شروعا.

لا عبرة بذلك فان العبرة في جواز دخول كل منهما في العمل بنية الوجوب انما هي فيما اذا كان واثقا و متأكدا بأن الآخر لا يتم قبله،و أما اذا كان واثقا بأنه يتم العمل قبله فلا يجوز له الدخول فيه بقصد الوجوب،لمكان ارتباطية الواجب،لا أن الوجوب قد سقط عنه بقاء عن الجزء الأخير فقط،فانه خلف فرض كون الواجب ارتباطيا،نعم له أن يدخل فيه حينئذ رجاء و احتياطا لا جازما بالوجوب.

هذا اذا لم يعلم أو لم يطمئن أن الآخر يتم قبله،و الاّ فلا يجوز له الدخول فيه بقصد الوجوب تطبيقا لما مر.

قد تم بعونه تعالى الجزء الاول من كتاب الحج و يليه الجزء الثاني من فصل الوصية في الحج و الحمد للّه رب العالمين

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 399)


Page Is Empty

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 400)


Page Is Empty

 

الصفحات: 1 2 3 4
Pages ( 4 of 4 ): «1 ... 3 4