مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
إذا كان مضيقا،و أما في الحج المندوب فيشترط إذنه(1)،و كذا في الواجب
هذا لا من جهة أنه منهي عنه بدون اذنه،بل من جهة أن خروجها من بيتها بدون إذن محرم،و تدل عليه مجموعة من الروايات،
منها:صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما حق الزوج على المرأة؟فقال لها:أن تطيعه و لا تعصيه،و لا تصدق من بيته الاّ باذنه،و لا تصوم تطوعا الاّ باذنه،و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب،و لا تخرج من بيتها الاّ باذنه..الحديث» 1.فان قوله عليه السّلام فيها:«و لا تخرج من بيتها الاّ باذنه»ظاهر في حرمة الخروج منه بدون إذنه و إن لم يكن منافيا لحقه،كالاستمتاع أو نحوه،كما هو مقتضى اطلاقه، و على هذا فلا يجوز لها الخروج من بيتها بدون الإذن لغير العمل الواجب عليها كحجة الإسلام أو نحوها،و اما إذا خرجت للحج المندوب بدون ذلك،فهي و إن
الموسع قبل تضيقه على الأقوى(1)،بل في حجة الإسلام يجوز له منعها من الخروج مع أول الرفقة مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدة بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه،و كذا المعتدة للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا،و الظاهر أن المنقطعة كالدائمة في اشتراط الإذن،و لا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعا من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،لأن حكمه حكم الحج المندوب باعتبار عدم وجوبه قبل تضييق وقته،و عليه فاذا أتت به بدون إذن زوجها فقد ارتكبت خطاء،و هو خروجها من بيت زوجها بدون إذن منه،و عصمت،و لكن حجها محكوم بالصحة تطبيقا لقاعدة الترتب.و به يظهر حال ما بعده.
[3077]مسألة 80:لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها كما دلت عليه جملة من الأخبار،و لا فرق بين كونها ذات بعل أو لا،و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة مع تمكنها منها،و مع عدمه لا تكون مستطيعة،و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟وجهان(1)و لو كانت ذات زوج و ادعى عدم الأمن عليها و أنكرت قدم قولها مع عدم البينة أو القرائن الشاهدة(2)،
الظاهر هو الوجوب،شريطة أن لا يكون ذلك حرجيا عليه،لما تقدم من أن من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة على نفسه و عرضه و ماله في الطريق،فاذا كان الشخص متمكنا من ايجاد الأمن في الطريق بايجار مركبة مأمونة،أو ايجار شخص يذهب معه،او استصحاب محرم وجب عليه ذلك اذا لم يكن حرجيا،كما اذا توقف سفره الى الحج على ايجاد وسيلة،فانه اذا كان متمكنا منه لزم،و كذلك اذا تمكنت المرأة من ايجاد الأمن و السلامة على نفسها و عرضها و مالها في الطريق و لو بتزويج نفسها من شخص وجب اذا لم يكن ذلك حرجيا عليه.
فيه ان الزوج ان ادعى خوفه عليها و عدم الأمن،فلا أثر له و إن علم به بالبيّنة بل بالعلم الوجداني ما لم ترجع دعواه الخوف الى دعوى وجود الخطر في الطريق،أو عند ممارسة اعمال الحج،فان خوفه لا يكون موضوعا للأثر الشرعي.و عليه فلا ترتبط المسألة بمسألة المدعي و المنكر،على أساس أن المرأة اذا كانت واثقة و متأكدة بالأمن و السلامة على نفسها و عرضها و مالها في الطريق و عند ممارسة اعمال الحج،وجب عليها الحج و ان كان زوجها خائفا عليها،فانه لا قيمة له و لا موضوع لأثر شرعي.نعم اذا كانت خائفة على نفسها أو عرضها أو مالها في الواقع لم تكن مستطيعة،فان من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة في الطريق و عند ممارسة الأعمال و إن لم يكن زوجها خائفا عليها،بأن
و الظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها(1)إلا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها بدعوى أن حجها حينئذ مفوّت لحقه مع عدم وجوبه عليها فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف(2)،و هل للزوج مع هذه الحالة منعها عن الحج باطنا إذا أمكنه ذلك؟وجهان(3)في صورة
ظهر حاله مما مر.
فيه اشكال بل منع،لما مر من أنه لا أثر لدعوى الزوج كذب زوجته في دعواها الأمن و السلامة في الطريق و عند ممارسة اعمال الحج،الاّ أن ترجع الى دعوى تفويت حقه،و هو الاستمتاع بسفرها الى الحج،و عندئذ فله إحلافها على نفي حق الاستمتاع له في تلك المدة،و إذا مارست المرأة السفر اليه و كان باعتقاد زوجها أنها غير مستطيعة،فله الامتناع عن نفقتها أيام الحج إلى أن ترجع الى بيتها،كما أن لها مطالبته بها،و حينئذ ترفع الدعوى الى الحاكم الشرعي.
مر أن له المنع عن السفر الى الحج اذا كان واثقا و متأكدا بكذبها في دعواها الأمن و عدم الخوف على نفسها،أو أنها مشتبهة و لا تعلم بالحال.
عدم تحليفها،و أما معه فالظاهر سقوط حقه(1)،و لو حجت بلا محرم مع عدم الأمن صح حجها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام،و إلا ففي الصحة إشكال و إن كان الأقوى الصحة(2).
[3078]مسألة 81:إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها صار دينا عليه و وجب الإتيان به بأي وجه تمكن(3)و إن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة،و يصح التبرع عنه،و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال:فالمشهور مضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو إلى اليوم الثاني
تقدم أن له احلافها على نفي حق الاستمتاع له في فترة أيام الحج،أو على استحقاقها النفقة عليه في هذه الفترة،و أما احلافها على نفي الخوف و أنها صادقة في دعواها،فان رجع الى الأول فهو،و الاّ فلا يحق له هذا الإحلاف،لأنه في نفسه لا أثر له،و لا يثبت لوازمه و هي عدم حق الاستمتاع له عليها في أيام سفر الحج،و استحقاق النفقة عليه في تلك الأيام.
بل الأقوى البطلان،لما تقدم من أن الأمن و السلامة في الطريق و عند ممارسة اعمال الحج على نفسه و عرضه و ماله من أحد عناصر الاستطاعة،و على هذا فان كان الخوف لديها في الطريق قبل الميقات و لا خوف بعد الوصول اليه و عند ممارسة الأعمال فلا شبهة في صحة حجّها،لأنها بعد الوصول الى الميقات اصبحت مستطيعة بالكامل،فتجب عليها حجة الإسلام.نعم لا تكون مستطيعة في هذا الفرض من البلد،و لا يجب عليها السفر الى الحج،و إن كان الخوف عندها في الطريق و عند ممارسة أعمال الحج معا،أو عند ممارسة اعماله فقط،فلا يكون حجّها حجة الإسلام.
اي و إن كان حرجيا،فإن بقاء الحج في الذمة بعد زوال الاستطاعة انما
……….
عشر من ذي الحجة،و قيل باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي،و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة،و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم،و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة فلو أهمل استقر عليه و إن فقدت بعض ذلك لأنه كان مأمورا بالخروج معهم،و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه(1)بالنسبة إلى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية،و أما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال،و ذلك لأن فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعا و أن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريا،و لذا لو علم من الأول أن الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه،
هذا شريطة أن يكون متمكنا بعد العود اليه من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج بسبب ما أنفقه على سفر الحج،و الاّ فلا يكون مستطيعا من الأول،مثال ذلك:اذا اعتقد شخص أنه مستطيع و ذهب الى الحج،و واصل ممارسة أعماله،و بعد الانتهاء منها اذا تبيّن عدم وجود ما به الكفاية عنده،أي ما يتمكن به من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون أن يقع في حرج بسبب ما انفقه من المال عنده على الحج يكشف عن عدم استطاعته من الأول،و لا يكون حجه حينئذ حجة الإسلام،و كذلك اذا تبين أنه لا يتمكن من العود الى وطنه لعدم امكانيته المالية لنفقات سفر الحج ايابا،او لعدم الأمن في الطريق كذلك.و من هنا اذا علم من الأول ان ما عنده لا يكفي لنفقات العود الى بلده لم تجب عليه حجة الإسلام لعدم استطاعته،فان من عناصرها نفقة الاياب و وجود ما به الكفاية بعد الرجوع الى بلده،فاذا لم تكن عنده نفقة
نعم لو فرض تحقق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود و الرجوع إلى كفاية و تخلية السرب و نحوها،و لو علم من الأول بأنه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي،و إن كان بعده وجب عليه،هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا إلى ترك المشي،و إلا استقر عليه كما إذا علم أنه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا فإنه حينئذ يستقر عليه الوجوب لأنه بمنزلة تفويت الشرائط على نفسه،و أما لو شك
في أن الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا فالظاهر عدم الاستقرار(1)للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا،هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، و أما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجه عن حجة الإسلام(2)إذا لم يكن المفقود مثل العقل بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية أو السربية و نحوها على الأقوى.
في الظهور اشكال بل منع،و الأظهر استقرار الحج عليه في هذه الحالة،لاستصحاب بقاء الشروط فيه،و عدم فقدها،و به يحرز موضوع وجوب المشي عليه،و لا يكون معذورا في تركه،فلو تركه و الحال هذه استقر في ذمته، و على الجملة فكما لا يجوز مخالفة التكليف الواقعي،كذلك لا تجوز مخالفة التكليف الظاهري الثابت بالاستصحاب،و عليه فلو ترك المشي و الحال هذه و فقدت الشرائط لم يكن معذورا لاحتمال أنه لو ذهب الى الحج و مارس أعماله لم تفقد،و إن فقدانها مستند الى ترك الذهاب و المشي اليه،كما اذا سرق ماله سارق و ذهبت استطاعته،فانه لو مشى الى الحج لم يسرق،و في مثل هذه الحالة مقتضى الاستصحاب بقاء تلك الشروط فيه و وجوب المشي عليه،و مع ذلك لو ترك المشي كان مقصرا إذ لم يتبين أنه غير متمكن من اتمام اعمال الحج و اكمالها واجدا للشروط،فاذا كان تركه في السنة الأولى مستندا إلى تقصيره استقر عليه.
الظاهر عدم الكفاية،لأن حجة الإسلام اسم خاص لأول حجة واجبة على المستطيع،فاذا زالت استطاعته في الأثناء كشف زوالها عن عدم وجوبها عليه من الأول،سواء أ كان الزائل الامكانية المالية،أم الأمن و السلامة على نفسه و ماله و عرضه في الطريق و عند ممارسة اعمال الحج،أم التمكن بعد الانفاق على سفر الحج من استئناف وضعه المعاشي اللائق بحاله و مكانته بدون
[3079]مسألة 82:إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الإفراد و القران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضا بأي وجه تمكن(1)،و إن مات يقضى عنه.
[3080]مسألة 83:تقضى حجة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها سواء كانت حج التمتع أو القران أو الإفراد(2)،و كذا إذا كان عليه
هذا هو الصحيح،فانه مقتضى اطلاق روايات التسويف و الإهمال في الحج،على أساس أن موردها حجة الإسلام،و هي اسم للحجة الأولى للمستطيع،بدون فرق بين حجة التمتع و الإفراد و القران،غاية الأمر ان المستطيع اذا كانت بلدته تبعد عن مكة أكثر من ستة و ثمانين كيلومترا تقريبا فوظيفته حجة التمتع بادئا بالعمرة و خاتما بالحج،و اذا كانت أقرب من ذلك فوظيفته حجة الإفراد او القران بادئا بالحج و منتهيا بالعمرة،و تعتبر العمرة فيها عملا مستقلا عن الحج،و بما أن حجة الإسلام اسم لكل من هذه الأقسام الثلاثة فالروايات تشمل الكل بما فيها من العمرة،حتى العمرة المفردة،فانها و إن كانت عملا مستقلا،الاّ أن حجة الافراد في مقابل حج التمتع تطلق على الأعم منها و من عمرتها،و تدل تلك الروايات باطلاقها على أنها لا تسقط عن الذمة بالتسويف و الإهمال و التأخير و إن زالت الاستطاعة.و في ضوء ذلك يحكم العقل بالخروج عن عهدته بأي طريق ميسور و متاح له و ان كان حرجيا، بملاك لزوم التخلص عن العقوبة و الإدانة عليه،كما مر تفصيله في المسألة(81).
لإطلاق نصوص الباب،باعتبار أن موردها حجة الإسلام،و هي تعم كل اقسام الحج كما مر.
عمرتها(1)،و إن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا(2)،و أما إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه و تقدم على الوصايا المستحبة و إن كانت متأخرة عنها في الذكر(3)،
مر أن حجة الإفراد في مقابل حجة التمتع تطلق في الروايات على الأعم من العمرة المفردة.
للنص،و هو صحيحة معاوية بن عمار قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات،فأوصى أن يحج عنه؟قال:ان كان صرورة فمن جميع المال،و إن كان تطوعا فمن ثلثه…» 1.
للنص الخاص،و هو صحيحة معاوية بن عمار،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة أوصت بمال في الصدقة و الحج و العتق؟فقال:ابده بالحج، فإنّه مفروض،فان بقى شيء فاجعل في العتق طائفة و في الصدقة طائفة» 2و مثلها صحيحته الأخرى 3.
ثم ان مقتضى القاعدة-مع الاغماض عن النص-هل هو تقديم الحج أيضا،أو التوزيع على الكل بنسبة واحدة؟الظاهر هو الثاني لسببين:
أحدهما:ان نسبة الوصية الى الكل نسبة واحدة،و المفروض ان وجوب العمل بالكل انما جاء من قبل الوصية،و الاّ فمقتضى القاعدة عدم وجوب العمل بشيء منها بقطع النظر عنها،لأن الحج انما كان واجبا عليه في حال حياته،و بعد الموت سقط وجوبه عنه بسقوط موضوعه،و الوجوب الجائي من قبل الوصية بالنسبة إلى الكل على حد سواء،فلا يكون وجوب العمل بالحج أقوى و أهم بسبب الوصية من وجوب العمل بالعتق و الصدقة بها.نعم اذا كان الوصي واثقا و مطمئنا بأن غرض الموصي تقديم الواجب على المستحب في مقام المزاحمة
و إن لم يف الثلث بها أخذت البقية من الأصل،و الأقوى أن حج النذر أيضا كذلك(1)بمعنى أنه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه،و لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة و قصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدم لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما، و إن كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس،و قد يقال يقدم الحج على غيره(2)و إن كان دين الناس
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر انه يخرج من الثلث لا من الأصل، و ذلك لأن مفاد النذر بحسب الارتكاز العرفي هو التزام الناذر بالعمل المنذور على نفسه للّه تعالى،و لا يكون مفاده تمليكه له تعالى،لوضوح أن صيغة النذر لا تدل عليه،و انما تدل على أن تعهده و التزامه به على نفسه للّه،فمن أجل ذلك يجب الوفاء به.
و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تدل على الملك،الاّ أن معنى هذا الملك هو كون المكلف مديونا للّه تعالى بالعمل في ذمته لا بالمال،كما هو الحال في جميع الواجبات التكليفية كالصلاة و الصيام و نحوهما،و لا دليل على أن مطلق الدين يخرج من الأصل،فان الدليل انما قام على أن الدين يخرج منه اذا كان ماليا،سواء أ كان شرعيا كالخمس و الزكاة،أم كان عرفيا كالقروض و الضمانات و الأعمال المستأجر عليها المملوكة للمستأجر،و اما اذا لم يكن ماليا كالصلاة و الصيام و العمل المنذور و المشروط في ضمن عقد و نحوها،فلا دليل على خروجه من الاصل.
هذا هو الأظهر،و ذلك لصحيحة معاوية بن عمار،قال:«قلت له:رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة،و عليه حجة الإسلام،و ترك ثلاثمائة درهم،فأوصى بحجة الإسلام،و أن يقضى عنه دين الزكاة،قال:يحج عنه من
لخبر معاوية بن عمار الدال على تقديمه على الزكاة و نحوه خبر آخر، لكنهما موهونان بإعراض الأصحاب(1)مع أنهما في خصوص الزكاة،
قد مر في ضمن البحوث السالفة ان الاعراض انما يؤثر في ذلك شريطة توفر أمرين فيه:
أحدهما:ان يكون ذلك الاعراض من الفقهاء المتقدمين الذين يكون عصرهم في نهاية الشوط متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام،لكي يكون بامكانهم تلقي الاعراض منهم يدا بيد و طبقة بعد طبقة.
و الآخر:ان لا يكون في المسألة ما يحتمل أن يكون سببا لاعراضهم.
و كلا الأمرين غير متوفر فيه.
أما الأول:فلا طريق لنا الى احراز أنهم قد أعرضوا عنها رغم صحتهما
و ربما يحتمل تقديم دين الناس(1)لأهميته(2)،و الأقوى ما ذكر من
فيه انه لا وجه لهذا الاحتمال،اذ مضافا إلى ما مر من أن المتفاهم العرفي من صحيحة معاوية بن عمار،أن تقديم الحج على الزكاة بما أنها دين لا بما أنها زكاة،تدل عليه صحيحة بريد العجلي،قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام:عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد،فمات في الطريق؟قال:إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام،و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم،جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام،فان فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين.قلت:أ رأيت ان كانت الحجّة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم،لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال:يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة،الاّ أن يكون عليه دين فيقضى عنه،أو يكون أوصى بوصية،فينفذ ذلك لمن أوصى له،و يجعل ذلك من ثلثه…» 1.
هذا يتم في المستطيع الحي،فانه اذا كان مديونا،و حان وقت وفائه، و الدائن يطالب به،فهو ملزم شرعا بصرف ما لديه من المال في وفاء الدين،لأنه واجب أهم،و أما في الميت اذا كان عليه دين و حج،فأهمية الأول عن الثاني غير
التحصيص(1)،و حينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو،و إلا فإن لم تف إلا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي فالظاهر سقوطه و صرف حصته في الدين أو الخمس أو الزكاة،و مع وجود الجميع توزع عليها،و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الإفراد تصرف فيهما مخيرا بينهما،و الأحوط تقديم الحج(2)،و في حج التمتع الأقوى السقوط و صرفها في الدين و غيره،و ربما يحتمل فيه أيضا التخيير أو ترجيح الحج لأهميته أو العمرة لتقدمها،لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملا
مر أن القوة ممنوعة،و الأظهر تقديم الحج اذا لم يف التركة للكل لا التحصيص و التوزيع.
في التقديم اشكال،بل منع،و الأظهر التخيير و إن فرض أن الحج أهم من العمرة،فان ذلك انما يوجب تقديمه عليها بالنسبة إلى من يكون مكلفا بهما مباشرة،فانه اذا لم تتسع قدرته على الجمع بينهما،تعين عليه صرفها في الأهم، أو ما يحتمل أهميته،و سقط المهم عنه،إما مطلقا،أو على تقدير الاتيان بالأهم، و اما من لا يكون مكلفا بهما مباشرة كالولي أو الوصي،و انما هو مأمور بصرف التركة في النيابة عنه فيهما،و حينئذ فإن لم تف التركة الاّ لأحدهما،فلا يجب عليه صرفها في النيابة للأهم فقط،لأن ذمة الميت كما هي مشغولة به مشغولة بالمهم أيضا،لعدم المزاحمة بينهما،و انما المزاحمة بين الخطابين المتوجهين الى الولي أو الوصي بصرف التركة في النيابة عنه،باعتبار أنها لا تفي الاّ للنيابة في أحدهما،و بما أنه لا يكون أحد هذين الخطابين أهم من الآخر في نفسه،أو لا أقل من احتمال أهميته فتكون النتيجة التخيير و ان كان الاولى و الاجدر صرفها في النيابة للأهم.
واحدا،و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام(1).
[3081]مسألة 84:لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها بل مطلقا على الأحوط(2)إلا إذا كانت واسعة
مر الاشكال فيه بل المنع.
في الاطلاق اشكال بل منع،و الأظهر جواز التصرف في التركة اذا كانت زائدة على نفقات الحج او الدين شريطة التزام الوارث بتهيئة الحجة النيابية المطلوبة،و عدم خوف فوتها،و تدل على ذلك موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«سألته عن رجل يموت و يترك عيالا،و عليه دين،أ ينفق عليهم من ماله؟قال:إن كان يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق،و إن لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال…» 1فانها و ان كانت واضحة الدلالة على جواز التصرف في التركة اذا كانت زائدة،الاّ أن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تتطلب ان جواز التصرف فيها منوط بالتزام الورثة بتهية الحج النيابية له لا مطلقا.
ثم ان الموثقة و ان لم تدل على أن ما يوازي الدين من التركة يظل باقيا في ملك الميت،و انما تدل على عدم جواز التصرف فيه،و هو أعم من أن يكون باقيا في ملكه أو انتقل الى الورثة متعلقا لحق الغير،الا أن الآية الشريفة التي تنص على أن الارث بعد الدين و الوصية ظاهرة في انه باق في ملكه،و كذلك الروايات التي تنص على ذلك،هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى انه لا اشكال في ظهور الآية الشريفة و الروايات في أن مقدار الدين من التركة يظل باقيا في ملك الميت،و لا ينتقل الى الورثة و كذلك نفقة حجة الإسلام بمقتضى الروايات،و انما الكلام في نسبة هذا المقدار الى
……….
جدا(1)فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين،فحاله حال الدين.
[3082]مسألة 85:إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره الآخرون لم يجب عليه إلا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع(2)،
ظهر مما مر أنه لا منشأ لهذا التقييد،فان مقتضى اطلاق النص عدم الفرق بين كون التركة واسعة أو لا،فالمعيار في جواز التصرف فيما اذا كانت التركة زائدة على الدين او نفقات الحج انما هو بالتزام الورثة باخراج الدين،أو بالحجة النيابية لا مطلقا.
هذا هو الأظهر كما مرت الاشارة اليه اجمالا،و سوف يأتي توضيحه في المسألة(101)،هذا.
و ذهب جماعة منهم السيد الاستاذ قدّس سرّه الى أن على المقر من الورثة بالدين أو الحج أن يؤدي تمام الدين من حصته،أو كل نفقات الحج منها،شريطة أن تكون وافية،و الاّ فلا شيء عليه،ثم يرجع الى الآخر و يطالبه بحصته من الإرث،
و إن لم يف ذلك بالحج(1)لا يجب عليه تتميمه من حصته،كما إذا أقر بدين و أنكره غيره من الورثة فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد،فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب(2)حيث إنه
فيه ان الوفاء على ضوء نظرية التوزيع غير متصور،فان نفقات الحج اذا وزعت بين الورثة تبعا لتوزيع التركة،فمن المعلوم أنه لا يكفي ما يخص من تلك النفقات حصة المقر،لأنه جزؤها،فلا يتصور أن يفي بتمامها و الا لزم خلف الفرض.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان مسألتنا هذه نظير هذه المسألة من جهة،و لا تكون نظيرها من جهة أخرى،اما من الجهة الأولى،فلأنه لا يجب على المقر في كلتا المسألتين الا دفع ما يخص حصته فحسب دون الأكثر.و اما من الجهة الثانية فلما مر في المسألة الأولى من أن حق الميت الذي تكون نسبته الى التركة نسبة الكلي في المعين اذا وزع بتوزيع التركة على الورثة كانت نسبة ما يخص منه حصة كل منهم نفس تلك النسبة،و هي نسبة الكلي في المعين،و اما في هذه المسألة و هي مسألة الإقرار فيكون توزيع حق المقر له على المقر و المنكر على نحو الإشاعة دون الكلي في المعين،باعتبار أن نسبة المقر و المقر له و المنكر الى التركة نسبة واحدة،و هي نسبة الثلث بطريقة الاشاعة،و على هذا فاذا كان الوارث أخوين و قاما بتقسيم التركة بينهما نصفين،ثم أقر أحدهما بأخ ثالث لهما و انكره الآخر،فمعنى ذلك أن المقر له شريك معهما في التركة اثلاثا
إذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر و أنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته فيكفي دفع ثلث ما في يده و لا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص(1).
[3083]مسألة 86:إذا كان على الميت الحج و لم تكن تركته وافية به و لم يكن دين فالظاهر كونها للورثة و لا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت، لكن الأحوط التصدق عنه(2)،للخبر عن الصادق عليه السّلام:«عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا:تصدق بها،فقال عليه السّلام:ما صنعت بها؟قلت:
فيه ان النص و هو خبر ابي البختري وهب بن وهب ضعيف،فلا يمكن الاعتماد عليه،و لكن الحكم بأن المقر له شريك في ثلث حصة كل منهما يكون على القاعدة،و لا مبرر لتنزيل اقراره على الإشاعة في حصته فقط،لأنه قد أقر باشتراكه معهما في أصل التركة لا في خصوص حصته.
الاحتياط ضعيف جدا،و لا منشأ له،لعدم ثبوت الخبر سندا أولا، و كون مورده الوصية ثانيا،و محل الكلام في المقام انما هو في غير مورد الوصية،
تصدقت بها؛فقال عليه السّلام:ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة،فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان»نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها(1).
في الوجوب اشكال بل منع،لأنه مبني على أن مردّ هذا الشك في المقام الى الشك في القدرة،و المرجع فيه أصالة الاشتغال دون البراءة.
و لكن يرد عليه:أولا:ان الشك في المقام لا يرجع الى الشك في القدرة العقلية،بل يرجع الى الشك في كفاية التركة لنفقات الحج من جهة احتمال وجود متبرع للتتمة لها،أو احتمال كفايتها في السنة القادمة و إن لم تكف في هذه السنة لسبب أو آخر،و في مثل ذلك لا مانع من الرجوع الى استصحاب عدم الكفاية في السنة القادمة أيضا،أو عدم وجود متبرع لها،بناء على ما هو الصحيح من عدم الفرق في جريانه بين أن يكون المتيقن سابقا و المشكوك لاحقا،و بين العكس.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك،و تسليم ان الشك في المقام انما هو في وجوب الحج من ناحية الشك في القدرة،الاّ أن الصحيح عدم الفرق بين أن
[3084]مسألة 87:إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة سواء عينها الميت أو لا(1)،و الأحوط صرفها في
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الأجرة انما ترجع الى الورثة اذا لم
وجوه البر أو التصدق عنه خصوصا فيما إذا عينها الميت للخبر المتقدم.
[3085]مسألة 88:هل الواجب الاستئجار عن الميت من الميقات أو البلد؟المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن،و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب،و ذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب،و ربما يحتمل قول ثالث و هو الوجوب من البلد مع سعة المال و إلا فمن الميقات و إن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب،و الأقوى هو القول الأول(1)و إن كان الأحوط القول الثاني لكن
هذا هو الصحيح،لأن المستثنى في الروايات انما هو نفقات حجة الإسلام من صلب المال،و الحج بما أنه اسم لنفس الأعمال و الواجبات التي يكون أولها الإحرام من الميقات،فمقتضى ذلك أن المستثنى انما هو نفقات تلك الأعمال دون مقدماتها التي هي خارجة عنها،و عليه فالواجب هو الاستئجار من الميقات.
فالنتيجة:إن من وجب عليه الحج بسبب الاستطاعة،و لم يحج الى أن توفى،و لم يوص به،فلا حق له الاّ في نفقات الحجة الميقاتية فقط،دون الأكثر.
نعم،قد يتوهم أن صحيحة بريد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن رجل استودعني مالا،و هلك،و ليس لولده شيء،و لم يحج حجة الإسلام؟ قال:حجّ عنه،و ما فضل فاعطهم» 1تدل على وجوب الحجة البلدية عنه.
و الجواب:ان الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الناحية،بل هي
لا يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة،و لو أوصى بالاستئجار من البلد وجب و يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث(1)،
بل من الأصل شريطة عدم تقييد الحج من الميقات في الوصية،و تدل عليه موثقة عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه:«إنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج،فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده؟قال:فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه» 1فانها ظاهرة في أن الامام عليه السّلام لم يردع ما كان مرتكزا في ذهن السائل، و هو أن ما تركه من المال اذا كان وافيا بنفقات الحج من البلد،وجب أن يحج عنه من بلده،و اذا لم يكن وافيا بنفقاته منه وجب أن يحج عنه من المكان الذي كان وافيا بها،و إن كان ذلك المكان دون الميقات.و قريب منها صحيحة علي بن رئاب 2.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات،فأوصى أن يحج عنه؟قال:إن كان صرورة فمن جميع المال،و إن كان تطوعا فمن ثلثه» 3بتقريب أنها في مقام البيان،أن الحج الموصى به إن كان حجة الإسلام فهي من جميع المال،و إن كان تطوعا فمن الثلث،و بما أن نفقات حج التطوع التي جعلتها من الثلث بلدية،فيكون ذلك قرينة بملاك المقابلة بينهما،أن نفقات حجة الإسلام التي جعلتها من الأصل بلدية أيضا،و الاّ لكان اللازم تقييدها بالميقات.
و منها:صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«عن رجل مات،فأوصى أن
و لو أوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية(1)إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها كما إذا عين مقدارا يناسب البلدية.
هذا لا كلام فيه بالنسبة الى سقوط الحج عن ذمة الميت،و انما الكلام بالنسبة الى الوصية،فالظاهر عدم العمل بها،لما مر من أن الواجب في صورة الوصية هو الاستيجار من البلد،و بما أن الخارج من التركة في هذه الصورة هو نفقات الحجة البلدية،فاذا خالف الوصية و استأجر من الميقات فعليه ان يصرف نفقات ما بين البلد و الميقات في وجوه البر للميت.
[3086]مسألة 89:لو لم يمكن الاستئجار إلا من البلد وجب و كان جميع المصرف من الأصل(1).
[3087]مسألة 90:إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استؤجر من الميقات أو تبرع عنه متبرع منه برأت ذمته و سقط الوجوب من البلد(2)،و كذا لو لم يسع المال إلا من الميقات.
هذا هو الصحيح،اما في صورة الوصية فقد مر أن الواجب في هذه الصورة هو الحجة البلدية و إن أمكنت الميقاتية،و أما في صورة عدم الوصية، فإن قلنا بأن الواجب فيها أيضا الحجة البلدية دون الميقاتية،فلا اشكال في المسألة،و أما إذا قلنا بأن الواجب فيها الحجة الميقاتية دون البلدية-كما هو الظاهر-فأيضا الأمر كذلك،لأن الاستئجار من الميقات اذا تعذر،وجب أن يكون من البلد،و يخرج تمام نفقاته من الأصل،لفرض أن تعذره من الميقات لا يوجب سقوطه عن ذمته.
هذا مما لا اشكال فيه،فان الوصي أو الوارث اذا خالف و استأجر شخصا لحجة ميقاتية من أجل أنها أرخص برئت ذمة الميت،و لا تجب اعادة الحج،و انما الكلام في صحة الاجارة و فسادها،و حينئذ فنقول:ان الوصية بالحجة البلدية إن كان معناها وقوع الإجارة على مقدمات الحج و أعماله معا، فالإجارة فاسدة،لأن ما وقعت الإجارة عليه و هو نفس الأعمال فقط لم يكن موردا للوصية،و ما هو مورد لها لم تقع الإجارة عليه،فمن أجل ذلك تكون باطلة،و إن كان الغرض منها أن الحجة البلدية أكثر ثوابا و أجرا من الحجة الميقاتية،باعتبار أنها تتوقف على مقدمات متعبة من دون كون تلك المقدمات موردا للإجارة،بل هي شرط خارجي،فالإجارة صحيحة،لأن موردها نفس الاعمال،غاية الأمر أنها مشروطة بكونها مسبوقة بالمقدمات و على هذا فاذا أوقع الوصي أو الوارث الاجارة على الحجة الميقاتية فقد خالف الشرط،و هو لا
[3088]مسألة 91:الظاهر أن المراد من البلد(1)هو البلد الذي مات فيه(2)،كما يشعر به خبر زكريا بن آدم-رحمهما اللّه-:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزئه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟فقال عليه السّلام:ما كان دون الميقات فلا بأس به»مع أنه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج،و ربما يقال:إنه بلد الاستيطان لأنه المنساق من النص و الفتوى،و هو كما ترى،و قد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه، و يحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة،و الأقوى ما ذكرنا
تقدم أن الواجب هو الحجة الميقاتية اذا لم يوص الميت بالحج، و هي الحجة التي لا تكلف النائب السفر الاّ من الميقات الذي يجب الاحرام منه،و هو بمثابة تكبيرة الإحرام في الصلاة،و لذا تكون نفقاتها أقل من نفقات الحجة البلدية التي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه،نعم اذا أوصى بالحج فقد مر أن الأظهر وجوب الحجة البلدية عنه،و أنها تخرج من جميع التركة.
فيه أن المراد منه البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه و إن كان موته.
وفاقا لسيد المدارك قدّس سرّه و نسبه إلى ابن ادريس رحمه اللّه أيضا،و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويا جدّا.
[3089]مسألة 92:لو عين بلدة غير بلده كما لو قال:استأجروا من النجف أو من كربلاء؛تعين(1).
[3090]مسألة 93:على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب بل يكفي كل بلد دون الميقات، لكن الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستئجار منه لا يخرج
هذا صحيح حتى على القول بأن الواجب على الوارث الاستئجار من البلد،و ذلك لأن الحج الواجب على الميت في زمن حياته هو الحجة الميقاتية، و اذا مات و كانت عليه حجة الإسلام وجب الاستئجار من بلده الذي كان يعيش فيه،على أساس أن نفقات الحجة البلدية تظل باقية في ملك الميت،و حينئذ فعلى الوارث أن يقوم باخراج نفقات الحجة البلدية من أصل التركة،و استئجار من يأتي بها عنه،لأن ذلك حقه عليه،و على ضوء ذلك،فاذا أوصى الميت بالحج عنه من البلد الفلاني،أو من الميقات،فالوصية نافذة باعتبار أن ذلك حقه و له تعيين ذلك،كما أن له تعيين من يحج عنه،كما اذا أوصى أن يحج عنه من ثلثه،فان الوصية نافذة،مع أن الواجب هو الحج من أصل التركة،فلا تكون هذه الوصية على خلاف السنة،فما في بعض الكلمات من أن الحج الواجب اذا كان الحج البلدي كانت هذه الوصية على خلاف السنة،غريب جدا،فان وجوب الاستئجار على الوارث أو الوصي من البلد انما هو على أساس حق الميت عليه، و إذا عين الميت حقه في مال خاص،أو شخص مخصوص أو بلدة معينة، تعينت تلك الكيفية،و لا تجوز مخالفتها.
فالنتيجة:ان وجوب الاستئجار من الأصل انما هو في فرض عدم تعيين
من الأصل(1)و لا من الثلث(2)إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد إلا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعين مصرفه و من دون أن يزاحم واجبا ماليا(3)عليه.
[3091]مسألة 94:إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب(4)و إن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة،فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما بمعنى أنها توزع عليهما بالنسبة(5).
[3092]مسألة 95:إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري كمكة أو ادنى الحل وجب(6)،نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد،و يخرج من أصل التركة لأنه لا اضطرار للميت مع سعة ماله.
هذا في غير الوصية،و أما فيها فيخرج من الأصل،كما مر.
بل من حصته اذا زادت اجرة الاستئجار من دون الميقات عن الاستئجار منه،الاّ اذا أوصى بذلك،فانه حينئذ تخرج الزيادة من الأصل.
الظاهر أنه قدّس سرّه أراد من الواجب المالي ما يصرف بازائه المال كالصلاة و الصيام و نحوهما.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،و يظهر وجهه مما مر في المسألة(89).
مر أن الحج مقدم على الدين للنص،و لا معنى للتوزيع في فرض عدم الكفاية للكل،كما تقدم في المسألة(83).
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه انما يتم لو كان أدنى الحل من أحد
[3093]مسألة 96:بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حي أو ميت(1)،فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى زواله أن يجهز رجلا من الميقات كما ذكرنا سابقا أيضا،فلا يلزم أن
هذا اذا لم تكن وصيته بالحج،و الاّ فلا بد أن يكون من البلد،كما تقدم
يستأجر من بلده على الأقوى،و إن كان الأحوط ذلك.
[3094]مسألة 97:الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت(1)خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من الميت،و حينئذ فلو لم يمكن إلا من البلد وجب و خرج من الأصل،و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى و لو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيرا على الورثة، كما أنه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيرا عليهم.
[3095]مسألة 98:إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن(2)،كما أنه لو كان على الميت
الأمر كما أفاده قدّس سرّه على أساس أن مصارف حجة الإسلام تظل ثابتة في ملك الميت،و لا تنتقل الى الورثة فتكون أمانة في يد الوارث أو الوصي،و عليه فتجب المبادرة الى الاستئجار عنه في سنة موته إن أمكن،و لا يجوز التأجيل الى سنة آتية،و لا يبرر التأخير أن لا يجد الوارث أو الوصي في سنة الموت من يقبل بأجور الحجة الميقاتية،بل يجب عليه دفع أجور الحجة البلدية من تركته في هذه الحالة-كما مر-.و كذلك الحال إذا اقترح الأجير أجرة أكبر مما هو متعارف عادة للنيابة في الحج،و لم يوجد من يقبل باقل من ذلك،فان الواجب عليه تلبية اقتراحه،و لا يجوز التأخير الى سنة أخرى توفيرا على الورثة.
هذا في صورة التلف،و أما في صورة نقص القيمة و تنزلها لأسباب خارجية بدون ورود النقص على العين لا ذاتا و لا صفة،فالظاهر عدم الضمان لعدم الموجب له،فان الموجب اما اليد،و الفرض ان اليد انما هي على العين و ما لها من الصفات الخارجية دون القيمة التي لا واقع موضوعي لها في الخارج، و انما هي اعتبار من العقلاء مرتبطا بقانون العرض و الطلب أو سبب آخر،و من
دين و كانت التركة وافية و تلفت بالإهمال ضمن.
[3096]مسألة 99:على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة(1)إلا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد،نعم مع عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.
[3097]مسألة 100:بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب فلا اختصاص بحجة الإسلام،فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد و لا بالميقات يجب الاستئجار من البلد(2)بل و كذا لو أوصى بالحج ندبا اللازم الاستئجار من البلد(3)إذا خرج من الثلث.
[3098]مسألة 101:إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو
الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الخارج من التركة نفقات الحج تماما،فاذا دار أمرها بين الأقل و الأكثر،فبطبيعة الحال يكون الواجب هو الأقل.
فيه ان النذر يتبع نية الناذر،فان نوى الحج من الميقات وجب الاستئجار منه،و إن نواه من البلد وجب من البلد،و ان نوى الجامع بدون خصوصية كونه من الميقات أو من البلد،فعندئذ على القول بأن الحج الواجب بالنذر يخرج من الأصل يجب الاستئجار من الميقات،تطبيقا لما تقدم في المسألة السابقة،من أن أجور الحج اذا دارت بين الأقل و الأكثر تعيّن الأقل، و على القول بأنه يخرج من الثلث-كما هو الصحيح-يجوز الاستئجار من البلد، باعتبار أن الثلث كله ملك للميت،فللوصي أو الوارث أن يصرفه في شئونه و وجوه الخير منها الاستئجار للحج الواجب بالنذر.
هذا شريطة أن تكون الوصية ظاهرة في ذلك،و الاّ فيجوز الاستئجار
الميقاتية فالمدار على تقليد الميت(1)،و إذا علم أن الميت لم يكن مقلدا
فيه أنه مبني على أن تكون حجية فتوى المجتهد من باب السببية و الموضوعية،اذ على هذا لا مناص للوارث من العمل على طبق تقليد الميت او اجتهاده،و أما بناء على ما هو الصحيح من أن حجيتها من باب الطريقية و الكاشفية فلا قيمة لنظر الميت اجتهادا أو تقليدا إذا كان نظر الوارث كذلك على خلافه،بأن يرى بطلان نظره في الشريعة،و عدم ثبوته فيها من الأول.مثلا إذا كان الميت يرى وجوب الحج البلدي اجتهادا أو تقليدا،و يرى الوارث وجوب الحج الميقاتي كذلك،كان الثابت بنظر الوارث في ذمة الميت الحج الميقاتي في الشريعة المقدسة دون البلدي،و كذلك الحال اذا كان الأمر بالعكس،بأن يرى الميت اجتهادا أو تقليدا وجوب الحج الميقاتي،و يرى الوارث وجوب البلدي، و معنى ذلك أن الوارث يرى خطأ ما اعتقده الميت،و عدم مطابقته للواقع،و لكن مع ذلك لا تظهر الثمرة في مثل هذه الموارد،فان الوارث لو عمل على خلاف وظيفته،بان استأجر شخصا يسكن في الميقات،أو كان على مقربة منه كالمدينة المنورة برئت ذمة الميت،و لكن لا بد حينئذ من صرف ما به التفاوت بين أجرتي البلدية و الميقاتية في وجوه البر و الإحسان،و اما إذا كان الاختلاف بينهما على
في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث(1)أو الوصي(2)
نعم المدار انما هو على تقليده،باعتبار أنه لا يرى اشتغال ذمة المورث باكثر مما يراه اجتهادا أو تقليدا،فيجوز له حينئذ الاكتفاء به،الاّ اذا كان تقليد الميت موافقا للاحتياط،دون الوارث و كان مبنيا على الأصل العملي كما مر.
فيه ان الوصي ليس كالوارث مطلقا،لأن على الوصي تنفيذ الوصية حرفيا،و لا يجوز له تبديلها الاّ اذا علم الوصي عدم مشروعية العمل الموصى
أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعينا و التخيير مع تعدد المجتهدين و مساواتهم؟وجوه(1)،و على الأول فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده،فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد،و يحتمل الرجوع إلى الحاكم(2)لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة،و إذا
ظهر حالها مما مر،كما ظهر الفرق بين الوارث و الوصي في بعض فروض المسألة.
الاحتمال ضعيف،و الاقوى هو الأول و إن قلنا بأن نسبة ما يظل باقيا من التركة في ملك الميت الى مجموعها نسبة الكلي في المعين،الاّ أن الواجب
اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه بأن يكون الميت مقلدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج و الوارث مقلدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه أو بالعكس فالمدار على تقليد الميت(1).
[3099]مسألة 102:الأحوط في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحة عمله مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية،و إن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت(2)من حيث الفضل و الأوثقية مع عدم قبوله إلا
ظهر مما مر تفصيلا أن المدار انما هو على تقليد الوارث،فانه اذا رأى عدم وجوب الحج عليه شرعا في الواقع اجتهادا أو تقليدا،فمعناه أنه يرى انتقال كل التركة اليه،فاذن لا مقتضى لاستنابة الحج من قبله الا في بعض الفروض كما تقدم.
هذا هو الظاهر من الروايات التي تنص على ذلك،على ضوء مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،و أما الاستئجار بالأقل الذي لا يناسب مكانة
بالأزيد و خروجه من الأصل،كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة و إن كانت أحوط.
[3100]مسألة 103:قد عرفت أن الأقوى كفاية الميقاتية،لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار(1)من الورثة بمعنى عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصّر إن كان فيهم قاصر.
[3101]مسألة 104:إذا علم أنه كان مقلدا و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط(2)أو المدار على تقليد الوصي(3)
فيه أن هذا الاحتياط لا ينسجم مع ما ذكره قدّس سرّه في المسألة(101)،فان مقتضى ما ذكره هناك أن يبذل الكبار من حصتهم ما به التفاوت بين الميقاتية و البلدية بالنسبة،لإتمام ما به التفاوت حتى ما يتعلق بحصة الصغار،كما هو مقتضى ما ذكره قدّس سرّه من الاحتياط في هذه المسألة.
الظاهر وجوبه اذا لم يعلم أن نظر الميت اجتهادا أو تقليدا مطابق للاحتياط في اعمال الحج و واجباته أو لا،بدون الفرق بين أن يكون نظر الوصي اجتهادا أو تقليدا موافقا للاحتياط فيها أو مخالفا له،كما إذا رأى كفاية الطواف من خلف المقام،أو رأى جواز الرمي من الطابق الثاني،أو غير ذلك،و السبب فيه أن الظاهر من الوصية بالحج بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو الحج الموافق للاحتياط،حتى يكون على يقين من براءة ذمته بالاتيان به.
هذا شريطة أن يكون تقليده موافقا للاحتياط،و الاّ فعليه الاتيان بما يوافق الاحتياط بمقتضى الوصية.
أو الوارث(1)؟وجهان(2)أيضا.
[3102]مسألة 105:إذا علم استطاعة الميت مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه فلا يجب القضاء عنه(3)،لعدم العلم بوجوب الحج عليه لاحتمال فقد بعض الشرائط.
تقدم أن للوارث أن يعمل على طبق نظره اجتهادا أو تقليدا،سواء أ كان موافقا للاحتياط أم لا،فاذا جاز الطواف عنده من خلف المقام جاز الاستئجار عليه،و كان مبرءا للذمة عنده و لا يجب عليه أكثر من ذلك،و لا مقتضى لأن يمارس اعمال الحج نيابة عنه بما يوافق الاحتياط،على الرغم من أن نظره كفاية خلافه الا في بعض الفروض كما مر.
ظهر أنه ليس في المسألة وجهان،لا بالنسبة إلى الوصي و لا الوارث.
في اطلاقه اشكال بل منع،و ذلك لما مر من أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة و هي تتكون من العناصر التالية:
1-الامكانية المالية لنفقات الحج.
2-الأمن و السلامة في الطريق،و عند ممارسة اعمال الحج على نفسه و عرضه و ماله.
3-التمكن من استعادة وضعه المعاشي العادي بعد الانفاق على الحج.
و على هذا،فإن كانت هذه العناصر متوفرة في الميت،و مع ذلك ترك الحج الى أن مات فلا شبهة في وجوب القضاء عنه،و اما إذا كان العنصر الأول موجودا فيه-مثلا-و شك في العنصر الثاني،فان علم بوجوده فيه قبل وجود العنصر الأول و شك في بقائه بعده،فلا مانع من استصحابه،و به يحرز وجوده فيه،فاذن يكون تمام الشروط متوفرا فيه،غاية الأمر يكون بعضها بالوجدان، و بعضها بالاستصحاب،و يترتب عليه وجوب القضاء عنه،و إن لم يعلم بوجوده فيه من الأول،فلا طريق الى احرازه،و كذلك الحال في الشرط الثالث.
[3103]مسألة 106:إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنه أتى به أم لا فالظاهر وجوب القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمته،و يحتمل عدم وجوبه عملا بظاهر حال المسلم(1)و أنه لا يترك ما وجب عليه فورا،و كذا الكلام
لا قيمة لهذا الظهور،و لا دليل على حجيته،الا اذا كان موجبا للوثوق و الاطمئنان بالأداء،فاذن العبرة انما هي به لا بظهور الحال.
و دعوى:أن الحج دين-كما في جملة من النصوص-و الدين على الميت لا يثبت باستصحاب عدم الاتيان به الاّ بضم اليمين اليه،فما دل على ضمها يكون مخصصا لإطلاق دليل الاستصحاب في المقام،كما أنه مخصص لإطلاق دليل الشهادة فيه.مدفوعة:أولا:ان مورد دليل ضم اليمين انما هو الدين المالي، فلا يعم الحج،و التعدي بحاجة الى دليل،و لا يوجد دليل لا من الداخل و لا من الخارج،و مجرد اطلاق الدين على الحج لا يكون دليلا،لأنه اطلاق تنزيلي بلحاظ أنه ثابت في الذمة،و لذا يطلق الدين على الصلاة و الصيام و نحوهما أيضا بنفس الملاك،غاية الأمر ان الحج يشترك مع الدين المالي في الخروج من أصل التركة قبل الإرث،و هذا ثابت بالنص،و لا دليل على اشتراكه معه في كل الأحكام.
و ثانيا:إن مورده دعوى ثبوت الدين على الميت،و هي لا تثبت بالبينة الاّ بعد ضم اليمين اليها،و أما في المقام فأصل الدين ثابت،و الشك انما هو في الأداء،و في مثل ذلك لا مانع من استصحاب بقائه في الذمة و عدم ادائه،لأنه خارج عن مورد النص،فإن مورده دعوى ثبوت الدين على الميت لا بقاؤه عليه.
و من هنا اذا كان الدين ثابتا على ذمة الميت و شك في أدائه،فلا مانع من استصحاب بقائه فيها،و يترتب عليه وجوب اخراجه من أصل التركة.
إذا علم أنه تعلق به خمس أو زكاة أو قضاء صلوات أو صيام و لم يعلم أنه أداها أو لا(1).
[3104]مسألة 107:لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت و الوارث بل يتوقف على الأداء،و لو علم أن الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا، و يخرج من الأصل(2)ان لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.
في اطلاقه اشكال بل منع بالنسبة إلى الواجبات المالية كالخمس و الزكاة،فان الشك في الأداء إن كان من الأعيان الموجودة في الخارج عند المالك،فمقتضى الاستصحاب عدم الأداء و بقائهما فيها الى أن مات،و نتيجة ذلك أن على الوارث اخراج الزكاة عنها،و أما اخراج الخمس فهو مبني على الاحتياط،على تفصيل تقدم في كتاب الخمس.و إن كان الشك فيه من الأعيان التالفة عنده،كما اذا شك في أن مالكها قد أدى زكاتها،أو أتلفها قبل أن يؤدي زكاتها،ففي مثل ذلك لا أثر للاستصحاب،لأنه لا يثبت الضمان الاّ على نحو مثبت،و أما بالنسبة الى الواجبات البدنية كالصلاة و الصيام،فالأمر فيها كما أفاده قدّس سرّه،لأنه إذا علم باشتغال ذمته بقضائهما،و شك في خروجه عن عهدته، فمقتضى الاستصحاب بقاؤه على ذمته و عدم فراغها منه.
نعم اذا شك في أصل الإتيان بهما في الوقت لم يجر الاستصحاب الاّ على القول بالأصل المثبت،باعتبار أن موضوع وجوب القضاء عنوان الفوت، و لا يمكن اثباته باستصحاب عدم الاتيان في الوقت.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،لأن المستأجر لما لم يأت بالحج،فمعناه أنه قد أخذ الأجرة من التركة غصبا،و من المعلوم أنه لا يحسب على الميت،و انما
[3105]مسألة 108:إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية(1)للورثة أو لبقيتهم.
[3106]مسألة 109:إذا لم يكن للميت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شيء(2)و إن كان يستحب على وليه،بل قد يقال بوجوبه للأمر به في بعض الأخبار.
في اطلاقه اشكال بل منع،للفرق بين أن يكون الاستئجار من الوارث،أو من الوصي،فان كان من الوارث سواء أ كان غفلة أو عامدا و ملتفتا ضمن ما زاد عن الأجرة الميقاتية،باعتبار أن المستثنى في صورة عدم الوصية بالحج هو نفقات الحجة الميقاتية فحسب-كما مر-و إن كان من الوصي فلا ضمان عليه،لما تقدم من أن المستثنى في فرض الوصية هو نفقات الحجة البلدية.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،لأن الروايات التي تنص على وجوب الحجة النيابية المطلوبة للميت على الوارث أو الوصي،تنص على أنها من صلب التركة،و على هذا فان كانت له تركة تكفي و لو للحد الأدنى من نفقات الحج، وجب صرفها فيها،و الاّ سقط الوجوب عنه،و لا شيء عليه،اذ لا يجب على الورثة بذل نفقة الحج من ماله الخاص،بدون فرق بين أن يوصي به أو لا،بل لا يجب عليهم تكميل النفقة من مالهم الخاص،و أما ما ورد في صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«في رجل خرج حاجا حجة الإسلام،فمات في الطريق، فقال:إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام،و إن مات دون الحرم
[3107]مسألة 110:من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة،و كذا ليس له أن يحج تطوعا،و لو خالف فالمشهور البطلان بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه و بعضهم الإجماع عليه،و لكن عن سيد المدارك التردد في البطلان،و مقتضى القاعدة الصحة و إن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد،إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده،و هي محل منع،و على تقديره لا يقتضي البطلان لأنه نهي تبعي،و دعوى أنه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر مدفوعة بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحة(1)كما في مسألة ترك الأهم
فيه ان المحبوبية و إن كانت كافية في صحة العبادة،بل هي من أركانها المقومة لها،فان الأمر بما هو اعتبار لا قيمة له الاّ بلحاظ أنه كاشف عنها و مبرز لها،و على ضوء هذا الأساس،فاذا لم يكن أمر به في المقام،لا من جهة أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده،لكي يقال أنه لا يقتضي،بل من جهة أن الأمر بالضدين معا لا يمكن،فلا طريق الى كونه محبوبا في هذه الحالة،و اما اطلاق المادة،أو الدلالة الالتزامية،فقد ذكرنا في علم الأصول أنها لا تصلح أن تكون طريقا الى ملاكات الأحكام الشرعية في مرحلة المبادئ،فاذن لا يمكن الحكم بصحة الحج في المقام الاّ على القول بالترتب.
و الإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين أو دعوى أن الزمان مختص بحجته عن نفسه فلا يقبل لغيره،و هي أيضا مدفوعة بالمنع إذ مجرد الفورية لا يوجب الاختصاص،فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث إنه غير قابل لصوم آخر(1)،و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى عليه السّلام:عن الرجل الصرورة يحج عن الميت، قال عليه السّلام:«نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه،فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله،و هي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال»و قريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و هما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى فإن غاية ما يدلان عليه أنه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره و أما عدم الصحة فلا(2)،
تقدم في أول كتاب الصوم أن شهر رمضان في نفسه يصلح لصوم آخر،و انما لا يصلح أن يزاحم صومه فيه صوم آخر،و أما إذا لم يكن صومه واجبا،كما في حال السفر فالظاهر انه لا مانع من أن يصوم فيه صوما آخر، كصوم نذري شريطة أن يكون نذره مقيدا بالسفر،و لم يكن مقيدا بغير شهر رمضان.
بل تدلان على صحة الحج عن المنوب عنه،و عدم صحته عن
نعم يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه فتردد صاحب المدارك في محله، بل لا يبعد الفتوى بالصحة لكن لا يترك الاحتياط،هذا كله لو تمكن من حج نفسه،و أما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز و الصحة عن غيره،بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه لعدم علمه باستطاعته مالا أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه(1)
هذا شريطة توفر أحد أمرين فيه:
الأول:أن يكون جهله به جهلا مركبا على نحو يكون قاطعا جزميا بعدم وجوب الحج،أو بعدم فوريته،و عندئذ فلا يكون مكلفا به واقعا،باعتبار أنه كالغافل،فيكون توجيه الخطاب اليه لغوا،فاذن يبقى اطلاق خطاب الواجب المهم الواصل اليه بحاله،و لا موجب لرفع اليد عنه،و حينئذ تكون صحته على القاعدة،و لا تتوقف على القول بالترتب.
الثاني:أن يكون جهله به بسيطا،و لكنه معذور فيه،و عندئذ فالتكليف بالأهم و إن كان ثابتا في الواقع،الاّ أنه لما لم يكن منجزا لم يصلح للتحريك و البعث فعلا،و معه لا موجب لرفع اليد عن اطلاق الخطاب الواصل الى المكلف،و هو المهم،اذ مجرد كون الخطاب الأهم في الواقع صالحا للداعوية لا
فحج عن غيره أو تطوعا،ثم على فرض صحة الحج عن الغير و لو مع التمكن و العلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير؟الظاهر بطلانها(1)، و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه لأن المفروض وجوبه عن نفسه فورا،و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة،خصوصا على القول بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده،لأن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه و إن كانت الحرمة تبعية،
هذا هو الصحيح شريطة أن يكون الشخص الأجير عالما بوجوب حجة الإسلام على نفسه و ملتفتا اليه،فانه حينئذ لا يمكن الحكم بصحة الإجارة، لأن صحتها مشروطة بالقدرة على التسليم،و بما أنه مأمور بحجة الإسلام عن
فإن قلت:ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد؟مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبدا و شرط عليه أن يعتقه فباعه حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط.قلت:الفرق أن في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط،فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له،بخلاف المقام حيث إنا لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة و إن قلنا إن النهي التبعي لا يوجب البطلان،فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لأجل النهي عن الإجارة،نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره،و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج(1) عن نفسه لا تبطل إجارته بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته
كما إذا وصل اليه مال بإرث أو هبة أو نحو ذلك بقدر يوجب
أو لم يعلم بفورية الحج(1)عن نفسه فآجر نفسه للنيابة و لم يتذكر إلى أن فات محل استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال.ثم لا إشكال في أن حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل إما باطل كما عن المشهور أو صحيح عمن نوى عنه كما قويناه،و كذا لو حج تطوعا لا يجزئه عن حجة الإسلام(2)في الصورة المفروضة بل إما باطل أو صحيح و يبقى عليه حجة الإسلام،فما عن الشيخ من أنه يقع عن حجة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه،و دعوى أن حقيقة الحج واحدة و المفروض إتيانه بقصد القربة فهو منطبق على ما عليه من حجة الإسلام مدفوعة بأن وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب هو الإتيان
بل لا اشكال في الصحة اذا كان جهله بها مركبا،أو بسيطا و لكن كان معذورا فيه،و الاّ فالصحة محل اشكال،بل منع شريطة أن لا يكون واثقا و متأكدا بعدم الفوت اذا أخر.
لا يبعد الكفاية،و ذلك لأن حجة الإسلام هي الحجة الأولى للمستطيع الواجد لسائر الشروط العامة،من البلوغ،و العقل،و الحرية،و على هذا فاذا حج المستطيع الذي لم يحج لحد الآن ناويا به التطوع و الاستحباب جاهلا
بقصد ما عليه،و ليس المقام من باب التداخل بالإجماع،كيف و إلا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا عن حجة الإسلام،بل لا بد من تعدد الامتثال مع تعدد الأمر وجوبا و ندبا أو مع تعدد الواجبين،و كذا ليس المراد من حجة الإسلام الحج الأول بأي عنوان كان كما في صلاة التحية و صوم الاعتكاف، فلا وجه لما قاله الشيخ قدّس سرّه أصلا،نعم لو نوى الأمر المتوجه إليه فعلا و تخيل أنه أمر ندبي غفلة عن كونه مستطيعا أمكن القول بكفايته عن حجة الإسلام لكنه خارج عما قاله الشيخ،ثم إذا كان الواجب عليه حجا نذريا أو غيره و كان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام من عدم جواز حج غيره و أنه لو حج صح أولا و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.
فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار،فلا تنعقد من الصبي و إن بلغ عشرا و قلنا بصحة عباداته و شرعيتها،لرفع قلم الوجوب عنه،و كذا لا تصح من المجنون و الغافل و الساهي و السكران و المكره، و الأقوى صحتها من الكافر وفاقا للمشهور في اليمين خلافا لبعض و خلافا للمشهور في النذر وفاقا لبعض،و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر و لا تتحقق القربة في الكافر، و فيه أولا أن القربة لا تعتبر في النذر بل هو مكروه و إنما تعتبر في متعلقه حيث إن اللازم كونه راجحا شرعا،و ثانيا أن متعلق اليمين أيضا قد يكون من العبادات،و ثالثا أنه يمكن قصد القربة من الكافر أيضا، و دعوى عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام(1)،مدفوعة بإمكان إسلامه ثم إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات و يعاقب على مخالفته و يترتب عليها وجوب الكفارة فيعاقب على تركها أيضا،و إن أسلم صح إن أتى به و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لانصرافها عن المقام(2)،
تقدم الاشكال في شرطية الإسلام في صحة العبادات.
هذا لا من جهة الانصراف،فان حديث:«إن الإسلام يجب ما قبله»لم
نعم لو خالف و هو كافر و تعلق به الكفارة فأسلم لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل.
[3108]مسألة 1:ذهب جماعة(1)إلى أنه يشترط في انعقاد اليمين من
هذا هو الظاهر من صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا يمين للولد مع والده،و لا لمملوك مع مولاه،و لا للمرأة مع زوجها» 1.بتقريب أن المتفاهم العرفي منها أن يمين الولد لا يتحقق مع وجود والده الاّ إذا أذن به،و يمين المملوك لا يتحقق مع وجود مالكه كذلك، و كذا الحال في يمين الزوجة مع زوجها،و لا يكون المتفاهم منها عرفا أن يمين الولد لا يتحقق مع منع الوالد،و يمين المملوك مع منع المالك،و يمين الزوجة مع منع الزوج،فانه بحاجة إلى تقدير كلمة(منع)فيها،و هو خلاف الظاهر و بحاجة إلى قرينة.
و إن شئت قلت:إن كلمة(لا)في الصحيحة ظاهرة في نفي وجود يمين الولد مع وجود الوالد،و نفي وجود يمين المملوك مع وجود المالك،و هكذا، و بما أن النفي نفي شرعي فمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي ان
المملوك إذن المولى،و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج،و في انعقاده من الولد إذن الوالد،لقوله عليه السّلام:«لا يمين للولد مع والده و لا للزوجة مع زوجها و لا للمملوك مع مولاه»فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد، و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق فلا تكفي الإجازة بعده(1)
الظاهر هو الكفاية،لا من جهة اطلاق النص حيث انه لا اطلاق له من هذه الناحية،لأنه ناظر الى نفي صحة يمين الولد مع وجود الوالد،و نفي صحة يمين المملوك مع وجود المالك،و يمين الزوجة مع وجود الزوج،و لا نظر له
مع أنه من الإيقاعات،و ادّعي الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها و إن كان يمكن دعوى أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير مثل الطلاق و العتق و نحوهما لا مثل المقام مما كان في مال نفسه غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق خصوصا إذا قلنا إن الفضولي على القاعدة.
و ذهب جماعة إلى أنه لا يشترط الإذن في الانعقاد لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو إذن،بدعوى أن المنساق من الخبر المذكور و نحوه أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه جواز حلهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به،و على هذا فمع النهي السابق لا ينعقد و مع الإذن يلزم و مع عدمهما ينعقد و لهم حله.
و لا يبعد قوة هذا القول(1)،مع أن المقدّر(2)كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة أي لا يمين مع منع
مر أن هذا القول بعيد،و الصحيح هو القول الأول.
تقدم ان الأمر لا يدور بين أن يكون المقدر في قوله عليه السّلام:«لا يمين للولد مع والده…الخ»الوجود أو المنع،بل الوجود هو المتفاهم العرفي من الرواية،و انما الكلام في تقدير المنع زائدا على الوجود،و قد مر أنه لا قرينة على هذا التقدير.
المولى مثلا،فمع عدم الظهور في الثاني لا أقل من الإجمال و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة و النهي بعد كون مقتضى العمومات الصحة و اللزوم.
ثم ان جواز الحل او التوقف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم بل إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى(1)،و أما ما لم يكن كذلك فلا،كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى أو حلفت الزوجة أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده،و هذا هو المنساق من الأخبار(2)فلو
الظاهر عدم صحة يمين الولد مع الوالد،و العبد مع المولى،و الزوجة مع الزوج مطلقا و إن لم يكن منافيا لحق هؤلاء،لإطلاق النص،فلو اختص عدم الصحة بالمنافي للحق فلا خصوصية لهم،اذ كل يمين اذا كان منافيا لحق الغير لم يصح،فاذا حلف الزوج على شيء و كان مخالفا لحق زوجته بطل،و من هذا القبيل اذا حلف الراهن على بيع العين المرتهنة بدون اذن المرتهن لم يصح، باعتبار أنه تضييع لحق الغير.
و بكلمة:ان عدم صحة يمين الولد اذا انيط بكونه منافيا لحق والده و ان كان ذلك الحق من الحقوق الراجحة،لم يكن عندئذ للوالد خصوصية،اذ كل يمين اذا كان متعلّقه مرجوحا بسبب أو آخر فهو باطل.
مر أن المنساق منها عدم انعقاد يمين الولد بدون اذن الوالد،و كذلك الحال بالنسبة إلى المملوك و الزوجة.
حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة مثلا لا مانع من انعقاده(1)و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة،فالمراد من الأخبار أنه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين، و لذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح(2)و حكم بالانعقاد فيهما،و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء.
هذا كله في اليمين و أما النذر فالمشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك و الزوجة،و ألحق بعضهم بهما الولد أيضا،و هو مشكل لعدم الدليل عليه(3)خصوصا في الولد إلا القياس على اليمين بدعوى تنقيح المناط و هو ممنوع،أو بدعوى أن المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار منها خبران في كلام الإمام عليه السّلام و منها أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام عليه السّلام له،و هو أيضا كما ترى،
فيه ان انعقاده انما هو بملاك أن أخذه الولد معه الى مكة يدل على اذنه فيه،لا من جهة أنه لا يكون منافيا لحقه.
تقدم أن مقتضى النص عدم صحة يمين هؤلاء بدون الإذن مطلقا، حتى اذا كان على فعل الواجب أو ترك الحرام.
بل لا اشكال في التعدي على ما بنى عليه الماتن قدّس سرّه،من أن عدم صحة يمين الولد مع الوالد منوط بكونه منافيا لحقه،و كذلك يمين المملوك و الزوجة،و ذلك لأن الالحاق حينئذ يكون على القاعدة،على أساس أن صحة النذر مشروطة برجحان متعلقه،فاذا كان نذر الولد منافيا لحق الوالد فبطلانه يكون على القاعدة،و لا يحتاج الى دليل.نعم بناء على ما قويناه من أن بطلانه منوط بعدم اذن الوالد،فالالحاق بحاجة الى دليل.
فالأقوى في الولد عدم الإلحاق،نعم في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق باليمين(1)لخبر قرب الإسناد عن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام:«أن عليا عليه السّلام كان
فيه ان هذا ليس من باب الالحاق،بل هو منصوص،اما في المملوك فهو قوله عليه السّلام في معتبرة الحسين بن علوان:«ليس على المملوك نذر الاّ أن يأذن له سيّده» 1و أمّا في الزوجة فقوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان:«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة،و لا تدبير،و لا هبة،و لا نذر في مالها الاّ باذن زوجها،الاّ في حج أو زكاة أو برّ والديها،أو صلة رحمها…» 2و قد نوقش في الثاني بأمرين:
أحدهما:ان مورده عدم صحة نذر الزوجة في مالها بدون إذن زوجها، و لا يدل على عدم صحته في غير مالها.
و الجواب:ان ذكر المال انما هو بلحاظ الصدقة و التدبير و الهبة فيه دون النذر،حيث ان العرف لا يفهم منه خصوصية للمال بالنسبة إلى نذرها،و لا يحتمل دخله في عدم صحته بدون إذن زوجها.
و الآخر:ان الصحيحة مشتملة على ما لا يمكن القول به،بل هو على خلاف الضرورة الفقهية،و هو الصدقة و الهبة و التدبير من مالها،اذ من الواضح أن لها أن تتصرف في أموالها متى شاءت،و لا تكون ممنوعة عن التصرف فيها بدون اذن زوجها.
و الجواب:انه لا شبهة في أن قوله عليه السّلام:«ليس للمرأة مع زوجها أمر»ظاهر في نفي الأمر لها بدون اذنه،غاية الأمر نرفع اليد عن هذا الظهور بالنسبة إلى بعض هذه الأمور فيه،كالصدقة أو الهبة من أموالها،و هذا لا لدليل خاص،بل للسيرة القطعية الجارية بين الناس،اذ لو لم تكن جائزة بدون اذن زوجها
يقول:ليس على المملوك نذر إلا بإذن مولاه»و صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام:«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها»و ضعف الأول منجبر بالشهرة(1)،و اشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر.
ثم هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟وجهان(2)،و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟كذلك وجهان.
قد تقدم في غير مورد أن الشهرة لا تصلح أن تكون جابرة لا نظرية و لا تطبيقية.
الأظهر عدم الشمول،باعتبار أن الوارد في لسان النص انما هو عنوان الوالد،و هو لا يصدق عرفا على الجد الاّ بالعناية،و عليه فلو أمكن الحاق النذر باليمين لكانت صحته مشروطة باذن الوالد فقط دون الأعم منه و من الجد.
و الأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج و المولى بناء على اعتبار الإذن(1).
و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج،و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟وجهان(2).
ثم على القول بأن لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حل حلفهم أم لا؟وجهان(3).
[3109]مسألة 2:إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف(4)
مر أن هذا هو الأظهر.
الأقوى هو الثاني،لأن اذن المولى عبده بالحلف او النذر على أن يحج لا يكون إذنا له بالتكسب لتحصيل نفقات الحج،لأن معنى ذلك أنه مأذون بالنذر أو الحلف،فاذا حلف أو نذر الحج و تمكن منه في موسمه إما ببذل أحد نفقة الحج له،أو يستصحبه معه،وجب عليه الوفاء به و الا فلا شيء عليه.
فالنتيجة:ان الإذن في التكسب لنفقات الحج ليس من لوازم الإذن بالحلف أو النذر للحج،لعدم الملازمة بينهما،بل لازمه أنه إذا نذر ثم تمكن بسبب من الأسباب وجب الوفاء به.
الظاهر هو الوجه الأول إذ لا دليل على عدم جواز التماس الحل منهم بعد ما كان أمره بيدهم.مثلا اذا نذر أو حلف العبد باذن المولى وجب الوفاء به، و اذا رجع المولى عن اذنه انحل نذره أو حلفه،و من الواضح أنه لا مانع له من هذا الرجوع،لأن أمره بيده،و عليه فلا مانع من التماس العبد الحل من المولى.
هذا لا من جهة الانصراف،لعدم المنشأ له بعد استعمال لفظ الوالد
و نفي السبيل(1).
[3110]مسألة 3:هل المملوك المبعض حكمه حكم القنّ أو لا؟ وجهان(2)،لا يبعد الشمول،و يحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة خصوصا إذا كان وقوع المتعلق في نوبته.
[3111]مسألة 4:الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى،و كذا في المملوك و المالك(3)،لكن لا تلحق الأم بالأب.
فيه ان الظاهر منه بمناسبة ما تقدم عليه من الآيات الشريفة نفي الحجة للكافرين على المؤمنين يوم القيامة،و عند الحساب،و لا يرتبط بالمقام أصلا.
الأظهر هو الوجه الثاني،فان الوارد في لسان النص بما انه عنوان المملوك،فهو لا يصدق على المبعض،كما لا يصدق عليه عنوان الحر،فاذن مقتضى القاعدة فيه صحة نذره و يمينه،و عدم توقفها على اذن من ملك بعضه، لأن الخارج من عموم القاعدة بالنص هو ما اذا كان كله مملوكا،و الاّ فمقتضى عمومها صحة نذره أو يمينه،و به يظهر حال ما في المتن.
فيه ان المملوك و المالك ليس كالولد،حيث أنه يعم الذكر و الانثى، كما في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ… 1دون المملوك،فانه لا يعمهما ضرورة صحة قولنا:زيد مملوك و هند مملوكة،و لا يصح أن يقال:هند مملوك،فاذن ليس عدم الفرق من جهة صحة اطلاق المالك و المملوك على الذكر و الأنثى،بل من جهة أن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن
[3112]مسألة 5:إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثم انتقل إلى غيره بالإرث أو البيع أو نحوه بقي على لزومه(1).
في البقاء اشكال،بل منع،بناء على ما هو الصحيح من أن صحة نذر المملوك حدوثا و بقاء مرتبطة باذن المالك كذلك،فاذا أذن فيه ثم نذر حكم بصحته،و اذا رجع عن اذنه انحل نذره و ارتفع وجوب الوفاء به بارتفاع موضوعه،و قد مر أنه لا مانع من رجوع المالك عن اذنه،و لا فرق في ذلك بين المالك الأول و الثاني،فاذا اذن الأول بالنذر و نذر صح،شريطة أن يبقى على اذنه،و في هذه الحالة اذا انتقل الى الثاني فان رضى بنذره بقى عليه،و الاّ انحل.
و إن شئت قلت:انه لا فرق من هذه الناحية بين أن يكون العبد مملوكا لمالك-واحد أو متعدد،فكما أن صحة نذره أو حلفه على الأول مشروطة حدوثا و بقاء باذنه،فإن رجع عن اذنه بقاء انحلّ و لو بعد دخول وقته اذا كان موسعا،فكذلك على الثاني،فان بقاء صحته مشروطة باذن الثاني و رضاه،و الاّ انجل،و هذا المعنى هو المستفاد من النص في المسألة،لأن قوله عليه السّلام في معتبرة الحسين بن علوان:«ليس على المملوك نذر الاّ أن يأذن له سيّده» 1ظاهر في أن ثبوت النذر على ذمّة المملوك مرتبط باذن السيد حدوثا و بقاء،و كذلك قوله عليه السّلام في صحيحة منصور بن حازم المتقدمة:«لا يمين للولد مع والده،و لا لمملوك مع مولاه،و لا للمرأة مع زوجها» 2فان المتفاهم العرفي منهما بمناسبة
……….
[3113]مسألة 6:لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثم تزوجت وجب عليها العمل به و إن كان منافيا للاستمتاع بها(1)،
الظاهر عدم وجوب العمل عليها،و ذلك لأمرين:
أحدهما:ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه لا يصلح أن يزاحم أيّ وجوب آخر مجعول في الشرع من قبل اللّه تعالى،لما ذكرناه في علم الأصول من أن التعليل الوارد في صحيحة محمد بن قيس:«إن شرط اللّه قبل شرطكم» 1يدل على أن كل شرط من شروطه تعالى المفروضة في الشريعة المقدسة لا بد و أن يلحظ في المرتبة السابقة على شروطكم و التزاماتكم،و بقطع النظر عنها،فان كان ثابتا كذلك فلا تصل النوبة الى شروطكم،و نتيجة ذلك أن ثبوت كل حكم شرعي الزامي في الشرع في نفسه مانع عن وجوب الوفاء بالنذر،و رافع له.
و الآخر:ان وجوب الوفاء بالنذر انما هو فعلي و منجز في وقت العمل، و بما أنها في ذلك الوقت متزوجة،فوجوب الوفاء به مرتبط باذن زوجها،و يدل على ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان:«و لا نذر في مالها الاّ باذن زوجها» 2بتقريب أن المتفاهم العرفي منه أنه لا يجب عليها الوفاء بالنذر الاّ باذنه،و من المعلوم أن وجوب الوفاء به عليها انما هو في وقت العمل، و المفروض أنها في ذلك الوقت متزوجة.
و إن شئت قلت:ان المرأة إذا نذرت قبل تزويجها فان كان وقت الوفاء و العمل به قبله،فهو خارج عن محل الكلام،اذ لا نذر عليها حينما تزوجت.و إن كان وقت الوفاء و العمل به بعده،فوجوب الوفاء به منوط باذن زوجها،باعتبار أنه لا وجوب قبل بلوغ وقت العمل،و بعده أصبحت متزوجة،فاذا اصبحت
و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل كالحج و نحوه،بل و كذا لو نذرت أنها لو تزوجت بزيد مثلا صامت كل خميس و كان المفروض أن زيدا أيضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها فإن حلفها أو نذرها مقدم على حلفه(1)
بل الأمر بالعكس،لا من جهة ان حلفه أو نذره بما هو مقدم على
و إن كان متأخرا في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها بخلاف نذرها فإنه يوجب الصوم عليها لأنه متعلق بعمل نفسها فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.
[3114]مسألة 7:إذا نذر الحج من مكان معين كبلده أو بلد آخر معين فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و وجب عليه ثانيا،نعم لو عينه في سنة فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة لعدم إمكان التدارك،و لو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ثم نذر نذرا آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا(1)و خالف فحج من غير ذلك المكان برئ من النذر الأول و وجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني،كما أنه لو نذر أن يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنه يجزئه عن حجة الإسلام و وجب عليه الكفارة لخلف النذر.
هذا شريطة أن يكون الحج من ذلك المكان راجحا بالنسبة إلى غيره، و أما اذا كان مساويا و لم يكن فرق بينه و بين غيره فلا ينعقد النذر،هذا نظير ما اذا نذر أنه متى أراد أن يصلي في المسجد الفلاني يصلي في نقطة خاصة منه،مع أنه لا فرق بينها و بين سائر النقاط في الفضيلة،و حيث أن السفر الى الحج مقدمة له،فلا فرق بين أن يكون من النجف الأشرف،أو كربلاء،أو بغداد،أو الحلة،أو البصرة،أو نحوها،لأنه بما هو سفر اليه فلا فرق بين هذه البلدان،و لا يكون السفر اليه بما هو سفر من النجف أفضل و أرجح من السفر اليه من بغداد أو البصرة،نعم لو نذر الصلاة بدون التقييد بمكان خاص،ثم نذر أن يصلي تلك الصلاة في المسجد أو الحرم الشريف أو الجماعة انعقد.
[3115]مسألة 8:إذا نذر أن يحج و لم يقيده بزمان فالظاهر جواز التأخير إلى ظن الموت أو الفوت(1)،فلا يجب عليه المبادرة إلا إذا كان هناك انصراف،فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصيا، و القول بعصيانه مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير لا وجه له،و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة،فلو
لا أثر للظن و لا قيمة له،فان المعيار انما هو بالوثوق و الاطمئنان،فان كان واثقا و مطمئنا بعدم الفوت اذا أخر جاز،و الاّ فلا و إن كان ظانا بعدم الفوت.
و السبب فيه ان ذمته مشغولة بالحج،و العقل يحكم بالخروج عن عهدته و عدم التسامح و التساهل فيه،و على هذا فان كان مطمئنا بعدم الفوت اذا أخر جاز،و حينئذ فاذا فات اتفاقا لم يصدق أنه تسامح فيه،و لذلك يكون معذورا، و إن لم يكن مطمئنا به لم يجز،و حينئذ اذا أخر وفات و الحال هذه لم يكن معذورا.
و دعوى:ان الظن و إن لم يكن حجة،الاّ أنه لا مانع في المقام من التمسك باستصحاب بقاء القدرة عليه و التمكن منه الى السنة القادمة.
مدفوعة:بأن الاستصحاب لا يجري الاّ على نحو مثبت،حيث ان الأثر
أخر عصى و عليه القضاء(1)و الكفارة و إذا مات وجب قضاؤه عنه،كما أن في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، و القول بعدم وجوبه بدعوى أن القضاء بفرض جديد،ضعيف لما يأتي.
و هل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث؟قولان.
فذهب جماعة إلى القول بأنه من الأصل لأن الحج واجب مالي و إجماعهم قائم على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل.
و ربما يورد عليه بمنع كونه واجبا ماليا و إنما هو أفعال مخصوصة بدنية و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته كما أن الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك.
و فيه أن الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية فإن كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعا.
و أجاب صاحب الجواهر رحمه اللّه بأن المناط في الخروج من الأصل كون
في القضاء اشكال بل منع،لأنه بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه الاّ في نذر صوم يوم معين،و أما في غيره من النذور،كنذر الحج في سنة معينة،أو نذر صلاة الليل أو غيرها،فلا دليل على وجوب القضاء فيها.
و دعوى:ان الواجبات الشرعية الثابتة في الذمة كالديون المالية،و لا تفرغ الذمة عنها الاّ بالاتيان بها،سواء أ كان بنفسه و مباشرة أم كان بالنيابة،فاذن يكون وجوب القضاء على القاعدة،فلا يحتاج الى دليل،و يؤيد ذلك ما ورد في رواية الخثعمية:«إن دين اللّه أحق أن يقضى».
……….
الواجب دينا و الحج كذلك فليس تكليفا صرفا كما في الصلاة و الصوم بل للأمر به جهة وضعية فوجوبه على نحو الدينية بخلاف سائر العبادات البدنية فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنه دين أو بمنزلة الدين.
قلت:التحقيق أن جميع الواجبات الإلهية ديون اللّه تعالى سواء كانت مالا أو عملا ماليا أو عملا غير مالي،فالصلاة و الصوم أيضا ديون للّه و لهما جهة وضع فذمة المكلف مشغولة بهما و لذا يجب قضاؤهما فإن القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت،و ليس القضاء من باب التوبة أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل،بل مثل قوله:«للّه عليّ أن أعطي زيدا درهما»دين إلهي لا خلقي فلا يكون الناذر مديونا لزيد بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد،و لا فرق بينه و بين أن يقول:«للّه عليّ أن أحجّ»أو«أن أصلي ركعتين»فالكل
دين اللّه و دين اللّه أحق أن يقضى كما في بعض الأخبار،و لازم هذا كون الجميع من الأصل،نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته سواء كان مالا أو عملا مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة،فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء لأن الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته،و كما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه لأن الواجب سدّ الخلّة و إذا فات لا يتدارك.
فتحصل أن مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكن و ترك حتى مات وجوب قضائه من الأصل لأنه دين إلهي،إلا أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات،و هو محل منع،بل دين اللّه أحق أن يقضى.
و أما الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث فاستدلوا بصحيحة ضريس و صحيحة ابن أبي يعفور الدالتين على أن من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه،و إذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه ماليا قطعا فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل.
و فيه أن الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما(1)فكيف يعمل بهما في غيره.
مر أنه لا مناص من العمل بهما في موردهما.نعم لا يمكن التعدي عنه الى سائر الموارد و الحكم بوجوب القضاء فيها.
و أما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناء على خروج المنجزات من الثلث فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل.
و ربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة،أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات،و فيهما ما لا يخفى خصوصا الأول.
[3116]مسألة 9:إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة و لم يتمكن من الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه(1)،لعدم وجوب الأداء عليه حتى يجب القضاء عنه،فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.
[3117]مسألة 10:إذا نذر الحج معلقا على أمر كشفاء مريضه أو مجيء مسافره فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه أم لا؟(2)
فيه ان عدم وجوب القضاء ليس من جهة ان الأداء غير واجب عليه، بل من جهه بطلان النذر و عدم الموضوع لوجوب القضاء،على أساس أن صحة النذر مشروطة بالقدرة على العمل المنذور فيه في وقته،فاذا لم يقدر كشف عن بطلانه من الأول.
الظاهر أنه لا اشكال في عدم وجوب القضاء عنه،فان موته لما كان قبل تحقق شرط وجوب الوفاء به فهو كاشف عن بطلانه،اذ قبل الموت لم يتحقق شرطه،و بعده فلا قدرة عليه.
و دعوى:ان وجوب الوفاء فعلي،و الواجب متأخر،كالواجب المعلق، فاذن يكون الموت في زمن الوجوب لا قبله.
مدفوعة،اما أولا:فلأن كونه من الواجب المعلق الذي ذكرنا في علم الأصول أنه قسم من الشرط المتأخر،و ليس في مقابله،و إن كان ممكنا،لما
المسألة مبنية على أن التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلق(1)،فعلى الأول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط و إن كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط،و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الأول،إلا أن يكون نذره منصرفا إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.
[3118]مسألة 11:إذا نذر الحج و هو متمكن منه فاستقر عليه ثم صار معضوبا لمرض أو نحوه أو مصدودا بعدوّ أو نحوه فالظاهر وجوب استنابته
مر أنه لا وجوب للوفاء بالنذر في الواقع و إن قلنا أنه من باب الوجوب المعلق،باعتبار أن موت الناذر يكشف عن عدم قدرته عليه في ظرف العمل،و هو يكشف عن بطلانه من الأول.
حال حياته(1)لما مر من الأخبار سابقا في وجوبها،و دعوى اختصاصها بحجة الإسلام ممنوعة كما مر سابقا(2)،و إذا مات وجب القضاء عنه(3)، و إذا صار معضوبا أو مصدودا قبل تمكنه و استقرار الحج عليه أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكنه من حيث المال ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى حجة الإسلام(4)إلا أن يكون قصده من قوله:«للّه علي أن أحجّ»الاستنابة.
في الظهور اشكال بل منع،و الأقوى عدم وجوب الاستنابة عليه،لعدم الدليل،فان الروايات التي تنص على وجوبها لا تعم الحج النذري،بل الظاهر منها اختصاصها بحجة الإسلام،و قد تقدم منه قدّس سرّه في الفصل السابق في المسألة (72)عدم وجوب الاستنابة في الحج النذري و الإفسادي،و أن القدر المتيقن منها هو حجة الإسلام.
قد سبق منه قدّس سرّه خلافه في المسألة(72)من الفصل السابق.
مر في المسألة(8)أنه لا دليل على وجوب القضاء عنه الاّ في نذر الاحجاج.
الظاهر وجوب الاستنابة على من عنده الامكانية المالية لحجة الإسلام اذا منعه عن ممارستها مباشرة مرض أو حصر أو غيرهما مما يعذره اللّه تعالى فيه،لإطلاق النص و هو صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:اذا قدر الرجل على ما يحج به،ثم دفع ذلك،و ليس له شغل يعذره به،فقد ترك شريعة من شرايع الإسلام،و إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له…» 1
[3119]مسألة 12:لو نذر أن يحج رجلا في سنة معينة فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء(1)و الكفارة،و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل
في وجوب القضاء اشكال بل منع،لعدم الدليل عليه،فان الدليل على وجوب قضاء نذر الاحجاج مختص بالصحيحتين المتقدمتين،هما صحيحة ضريس 1و صحيحة ابن أبي يعفور 2،و بما أن موردهما نذر الإحجاج بدون التقييد بسنة معينة و وقت خاص،فلا يمكن التعدي عنه الى نذر الاحجاج المقيد بسنة معينة،فانه بحاجة الى قرينة،باعتبار أن الحكم و هو وجوب القضاء يكون على خلاف القاعدة،و الفرض أنه لا قرينة عليه لا في الداخل و لا من الخارج.
و دعوى:أن صحيحة ضريس باطلاقها تعم نذر الاحجاج المقيد بسنة خاصة.
مدفوعة:فان قوله عليه السّلام:«و من قبل أن يفي بنذره…» 3يدل على أنه مطلق،على أساس أن الظاهر منه أنه مأمور بالوفاء بالنذر الى حين الموت،و هذا لا يمكن الاّ أن يكون النذر مطلقا،اذ لو كان مقيدا بسنة خاصة،فان مات قبل تلك السنة أو فيها كان كاشفا عن بطلان النذر لمكان عدم القدرة،و إن مات بعدها فقد سقط عنه الأمر بالوفاء به بسقوط موضوعه و هو الوقت،غاية الأمر إن كان تاركا الوفاء به عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي كان آثما،و عليه الكفارة،
التركة(1)لأنهما واجبان ماليان بلا إشكال،و الصحيحتان المشار إليهما سابقا الدالتان على الخروج من الثلث معرض عنهما(2)كما قيل أو محمولتان على بعض المحامل،و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة مطلقا أو معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات فإنه يقضى عنه من أصل التركة(3)،و أما لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكن منه حتى مات ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان،أوجههما
بل من الثلث على تقدير تسليم وجوب القضاء في هذا الفرض،لما مر من أنه لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل كالكفارة و نحوها، فان الثابت بالنص انما هو الدين المالي الأعم من العرفي و الشرعي،كالخمس و الزكاة و نحوهما اذا كانت في الذمة،و حجة الإسلام،و لا دليل على ما عدا ذلك، هذا اضافة الى نص الصحيحتين المذكورتين على أن قضاء نذر الاحجاج يخرج من الثلث.
هذا لا من جهة الاعراض عنهما،بل من جهة ما مر من أن الصحيحتين في نفسهما لا تشملان نذر الاحجاج الموقت،و الاّ فقد مر أنه لا أثر للإعراض،و لا توجب سقوطهما عن الاعتبار.
بل يقضى من الثلث،لما تقدم من أنه مضافا إلى عدم الدليل على أنه يقضى من الأصل،قد نصت الصحيحتان المذكورتان على أنه يقضى من الثلث.
ذلك(1)لأنه واجب مالي أوجبه على نفسه فصار دينا،غاية الأمر أنه ما لم يتمكن معذور،و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة بخلاف الإحجاج فإنه كنذر بذل المال كما إذا
بل الأظهر التفصيل بين النذر المعلق و النذر المطلق،فعلى الأول وجوب القضاء،و على الثاني عدم وجوبه.
اما وجه الوجوب على الأول،فهو ليس من جهة ما ذكره الماتن قدّس سرّه،من أنه دين،فانه لو تم لكان مقتضاه عدم الفرق بين النذر المعلق و المطلق،فكما ان الأول دين فكذلك الثاني،و قد تقدم أنه لا دليل على أن كل دين يجب قضاؤه، فان جميع الواجبات الإلهية دين على الناس،مع أنه لا يجب قضاؤها،الا ما قام الدليل على وجوب قضائه،بل من جهة صحيحة مسمع،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كانت لي جارية حبلى،فنذرت للّه عز و جلّ ان ولدت غلاما أن احجّه،أو أحج عنه،فقال:ان رجلا نذر للّه عز و جل في ابن له إن هو ادرك أن يحج عنه أو يحجّه،فمات الأب و أدرك الغلام بعد،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الغلام فسأله عن ذلك،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه» 1فانها تدل بالمطابقة على وجوب قضاء النذر المعلق و ان مات الناذر قبل حصول المعلق عليه خارجا،و بالالتزام على صحة هذا النذر،و بما أن موردها النذر المعلق فلا يمكن التعدي عنه الى النذر المطلق اذا مات الناذر قبل التمكن منه،فانه بحاجة الى قرينة،و لا قرينة عليه،فمن أجل ذلك فالأظهر هو التفصيل بينهما.
ثم إن مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في الصحيحة:«مما ترك أبوه»جواز
قال:«للّه علي أن أعطي الفقراء مائة درهم»(1)و مات قبل تمكنه،و دعوى كشف عدم التمكن عن عدم الانعقاد ممنوعة،ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل مباشري و إن استلزم صرف المال فإنه لا يعد دينا عليه بخلاف الأول.
[3120]مسألة 13:لو نذر الاحجاج معلقا على شرط كمجيء المسافر أو شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكنه منه قبله فالظاهر وجوب القضاء عنه(2)إلا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيا حينه،و يدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاما أن يحجه أو يحج عنه،حيث قال الصادق عليه السّلام-بعد ما سئل عن هذا-:«إن رجلا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن ذلك فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحج عنه مما ترك أبوه»و قد عمل به جماعة،و على ما ذكرنا لا يكون مخالفا للقاعدة(3)
تقدم أن مفاده لا يرجع الى اشتغال ذمة الناذر للفقراء،و كونه مديونا لهم،بل مفاده الالتزام بالاعطاء و البذل عليهم للّه تعالى،و عليه فبما أن الناذر مات قبل التمكن منه،فلا ينعقد نذره،و قد مر أنه لا يمكن التعدي عن مورد صحيحة مسمع الى مثل هذا المورد.
لصحيحة مسمع،و لكنه يخرج من الثلث لا من الأصل-كما مر.
بل هو مخالف لها،اذ مقتضاها بطلان النذر اذا مات الناذر قبل حصول المعلق عليه في الخارج،باعتبار أن موته كاشف عن أنه لم يكن متمكنا
كما تخيله سيد الرياض و قرره عليه صاحب الجواهر و قال:إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة.
[3121]مسألة 14:إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى و كفاه حج واحد،و إذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه(1) و الكفارة من تركته(2)،و إذا قيده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة، و إذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضا و وجب عليه تحصيل الاستطاعة مقدمة إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة.
[3122]مسألة 15:لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية(3)بل يجب مع القدرة العقلية،خلافا للدروس،و لا وجه له إذ حاله حال سائر
مر في المسألة(10)أنه لا دليل على وجوب القضاء عنه و الاتيان بالبديل بعنوان الحج المنذور فيه و انما يجب عليه القضاء عنه و الاتيان بالبديل بنية حجة الإسلام و باسمها.
بل من الثلث كما مر.
الظاهر اعتبارها فيه،لما مر من ان المستفاد من مثل قوله عليه السّلام:«شرط اللّه قبل شرطكم» 1هو أن الالتزامات و الشروط من قبل الناس انما تلحظ في مرتبة متأخرة عن شروط اللّه تعالى،و هذا يعني أن وجوب الوفاء بها مشروط بأن لا يكون مسبوقا بشرط اللّه في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه،و الاّ فلا وجوب له،و من هنا قلنا إن وجوب الوفاء بالنذر لا يصلح أن يزاحم أي وجوب شرعي مجعول من اللّه تعالى في الشرع،لأنه بصرف وجوده فيه رافع له حقيقة، و وارد عليه،و هذا معنى أنه مشروط بالقدرة الشرعية،بمعنى عدم المانع الأعم
الواجبات التي تكفيها القدرة عقلا.
[3123]مسألة 16:إذا نذر حجا غير حجة الإسلام في عامه و هو مستطيع لم ينعقد(1)،إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت،و يحتمل الصحة مع الإطلاق أيضا إذا زالت حملا لنذره على الصحة(2).
هذا هو الصحيح،لا من جهة أن وجوب حجة الإسلام أهم من وجوب الوفاء بالنذر،و الاّ لأمكن الحكم بصحة الحج المنذور فيه على تقدير عدم الاشتغال بحجة الإسلام على القول بالترتب،بل من جهة ما ذكرناه من أن وجوب الوفاء بالنذر لا يصلح أن يزاحم وجوب الحج،فانه بصرف وجوده و ثبوته في الشرع رافع له حقيقة بارتفاع موضوعه،باعتبار أنه مشروط بعدم وجوده لا بعدم الاشتغال بمتعلقه.
فيه انه لا مجال للتمسك بأصالة الصحة في المقام.
اما اولا:فلأن الشبهة في المقام بما أنها حكمية،باعتبار أن مرد الشك فيه الى الشك في أن صحة نذر الحج في عام الاستطاعة هل هي مشروطة بأن لا يكون في عامها أو لا؟فلا يمكن التمسك فيها بأصالة الصحة،لأنها مختصة بالشبهات الموضوعية،و مفادها تطبيق الحكم الكلي على مصاديقه،لا اثباته و جعله،و الاّ لكانت من القواعد الأصولية دون الفقهية،مع أن الأمر ليس كذلك.
و ثانيا:إنا ذكرنا في علم الأصول أن أصالة الصحة من الأصول العقلائية في باب العقود و الايقاعات و قد بنى عليها العقلاء،و حيث أن بنائهم على العمل بشيء لا يمكن أن يكون جزافا،فلا محالة يكون مبنيا على نكتة مبررة له،و تلك النكتة هي كاشفية تلك الأصالة و أماريتها النوعية الناشئة من ظهور حال الانسان في بابي العقود و الايقاعات،و على هذا فأصالة الصحة لا تقتضي حمل نذر الحج في عام الاستطاعة على المقيد بزوالها حتى يكون صحيحا،و ذلك لأمور:
[3124]مسألة 17:إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثم حصلت له فإن كان موسعا أو مقيدا بسنة متأخرة قدم حجة الإسلام(1) لفوريتها،و إن كان مضيقا بأن قيده بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة أو قيده بالفورية قدمه(2)،و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت و إلا فلا لأن المانع الشرعي كالعقلي،و يحتمل وجوب تقديم
هذا اذا كان الحج المنذور مقيدا بسنة متأخرة عن سنة حصول الاستطاعة،و أما اذا كان موسعا فينطبق على ما أتى به في عام الاستطاعة من الحج،كما ينطبق عليه حجة الإسلام،باعتبار أنها عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع شريطة أن يكون قاصدا لكلا العنوانين و الاسمين المميزين لهما شرعا.
التقديم ممنوع،و لا أصل له،و ذلك لأن الناذر إن قصد حجة أخرى غير حجة الإسلام في تلك السنة المعينة التي حصلت الاستطاعة فيها،كشف حصولها عن بطلان النذر و عدم انعقاده،لما مر من أنه لا يصلح أن يزاحم
النذر(1)و لو مع كونه موسعا لأنه دين عليه بناء على أن الدين و لو كان موسعا يمنع عن تحقق الاستطاعة خصوصا مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجة الإسلام.
[3125]مسألة 18:إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريا ثم استطاع(2)و أهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام القابل مقدما على حجة الإسلام و إن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه عليه فورا
فيه أن هذا الاحتمال ضعيف جدا،لما مر من أن وجوب الوفاء بالنذر لا يصلح أن يزاحم وجوب الحج،فضلا عن احتمال تقديمه عليه،و مجرد كونه دينا بمعنى ثبوته في ذمة الناذر لا يصلح لذلك،فان ما يتقدم على وجوب الحج في مقام المزاحمة انما هو وجوب الوفاء بالدين المالي لا مطلق الدين.
و إن شئت قلت:إن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة التي هي مركبة من العناصر التالية،الامكانية المالية لدى الشخص،و الأمن و السلامة في الطريق و عند ممارسة أعمال الحج على نفسه و عرضه و ماله،و ما به الكفاية.فاذا توفرت هذه العناصر فيه وجب عليه الحج،و حينئذ فاذا كان عليه دين مالي شرعا أو عرفا وقع التزاحم بين وجوب أدائه،و وجوب الحج،و بما أن وجوب أدائه أهم أو محتمل الأهمية فيتقدم عليه.
فيه ان الاستطاعة تكشف عن بطلان النذر و عدم انعقاده،لما مر من أن وجوب الوفاء به مشروط حدوثا و بقاء بأن لا يكون مخالفا لشرط اللّه في المرتبة السابقة،و الاّ فلا موضوع له،و بما أنه في المقام مخالف لوجوب الحج بعد الاستطاعة فبطبيعة الحال يرتفع بارتفاع موضوعه،هذا اذا كان الحج
ففورا(1)فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ عنه،لكن عن
مر أن وجوبه يرتفع وجدانا بوجوب الحج بالاستطاعة بارتفاع موضوعه،و عليه فلا وجوب للوفاء به حتى يتقدم على وجوب الحج و يكون محركا للمكلف نحو الوفاء به فورا ففورا،و قد تقدم أن ما ذكره الماتن قدّس سرّه من تقديم وجوب الوفاء بالنذر على وجوب الحج مبني على أن يكون وجوب الحج مشروطا بالقدرة الشرعية،بمعنى عدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي،و وجوب النذر مشروطا بالقدرة العقلية أو الشرعية،بمعنى عدم الاشتغال بضد واجب،و حينئذ يكون مانعا تشريعيا عن وجوب الحج.
و لكن قد ذكرنا هناك أن الأمر بالعكس تماما،لأن المستفاد من دليل وجوب الوفاء بالنذر أنه مشروط بعدم ثبوت حكم شرعي في مورده في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه،و من هنا قلنا إنه لا يصلح أن يزاحم أي حكم شرعي ثابت في الشرع،فانه بصرف ثبوته فيه رافع له بارتفاع موضوعه وجدانا،و اما المستفاد من دليل وجوب الحج كالآية الشريفة و الروايات المفسرة لها،أنه مشروط بالقدرة التكوينية العقلية،في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و أمّا تسميتها بالقدرة الشرعية فمن أجل أنها دخيلة في ملاك الحكم في مرحلة المبادئ أيضا،و هذا يعني أنها كما تكون من شروط الحكم في مرحلة الاعتبار
الدروس أنه قال بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية:«فلو نذر ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر(1)فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضا»(2)و لا وجه له(3)،
بل صرف في الحج،لما مر من أن الاستطاعة تكشف عن بطلان النذر من الأول،اذ لا يمكن ثبوت وجوب الوفاء به مع وجوب الحج بالاستطاعة.
بل ظهر مما مر أن وجوبها هو المتعين،لأنه بصرف وجوده رافع لوجوب الوفاء بالنذر بارتفاع موضوعه.
تبيّن مما مر أنه كما لا وجه لما ذكره الشهيد قدّس سرّه لا وجه لما ذكره الماتن قدّس سرّه أيضا،هذا اضافة الى أنّا لو قلنا فرضا بتقديم النذر على الحج بملاك أن وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية دون وجوب الوفاء بالنذر،فلا فرق بين السنة الأولى و الثانية،لأن وجوب الوفاء بالنذر في كلتا السنتين رافع لوجوب الحج بارتفاع موضوعه،الاّ أن يكون مراد الشهيد قدّس سرّه من ذلك أن النذر إنما يتقدم على الحج اذا سبقه زمنا لا مطلقا،و بما أن ذلك في السنة الأولى فيتقدم عليه تطبيقا للترجيح بالسبق الزمني،و أما إذا تماهل و تسامح فيه و لم يأت في السنة الأولى و قد ظلت الاستطاعة باقية الى السنة اللاحقة فلا فرق بينهما في هذه السنة،لأن وجوب النذر فورا في السنة الأولى قد يسقط بسقوط موضوعه،و أما وجوبه فورا في السنة اللاحقة فلا يكون متقدما عليه زمنا،فاذن لا موجب للتقديم،هذا،و لكن قد ذكرنا في علم الأصول أن السبق الزمني لا يكون مرجحا مستقلا في باب التزاحم،و بذلك يظهر حال ما بعده.
نعم لو قيد نذره بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة فلم يف به و بقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الإسلام أيضا لأن حجه النذري صار قضاء موسعا(1)،ففرق بين الإهمال مع الفورية و الإهمال مع التوقيت بناء على تقديم حجة الإسلام مع كون النذر موسعا (2).
[3126]مسألة 19:إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره و كان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حج واحد عنهما أو يجب التعدد أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟(3)أقوال،أقواها الثاني(4)لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب،
تقدم في المسألة(8)عدم الدليل على وجوب القضاء الاّ في نذر الاحجاج.
مر منه قدّس سرّه في المسألة(17)احتمال تقديم النذر على الحج و إن كان موسعا،معللا بكونه دينا،و لكن قد تقدم أنه لا موضوع للنذر مع الحج،فضلا عن كونه مزاحما له أو مقدما عليه.
يظهر وجهه مما مر من انه لا يكفي الاصل و لا العكس.
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر هو الأول،لما مر من أن النذر اذا كان متعلقا بطبيعي الحج الجامع فهو ينطبق على حجة الإسلام أيضا انطباق الطبيعي على فرده،و لا يرتبط ذلك بمسألة أن مقتضى الأصل فيما إذا تعدد السبب و اتحد المسبب هل هو التداخل فيه أو لا؟مثل(اذا أفطرت فكفّر)و(اذا ظاهرت فكفّر)،فان تلك المسألة أجنبية عن المقام حيث أن محل الكلام فيه هو ما اذا تعلق النذر بالطبيعي الجامع،و وجوب الحج بحصة خاصة منه و هي حجة الإسلام المتمثلة في الحجة الأولى للمستطيع،و على هذا فاذا حج المستطيع
و القول بان الأصل هو التداخل ضعيف،و استدل الثالث بصحيحتي رفاعة و محمد بن مسلم:«عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فمشى هل يجزئه عن حجة الإسلام؟قال عليه السّلام:نعم»،و فيه أن ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة(1)و هو غير معمول به،و يمكن
فيه اشكال بل منع،اذ لا ظهور للروايتين في كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة،بل الحكم باجزائه عنها فيهما قرينة على أن ذلك كان مع الاستطاعة،اذ كيف يمكن أن يكون الحج النذري مجزيا عنها مع عدم الاستطاعة رغم أن الاستطاعة شرط لوجوبها؟!بل في صحيحة رفاعة قرينة على الاستطاعة،و إليك نصّها:«قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نذر أن يمشي الى بيت اللّه الحرام،هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟قال:نعم.قال:
و إن حج عن غيره و لم يكن له مال و قد نذر أن يحج ماشيا،أ يجزي عنه ذلك من مشيه؟قال:نعم» 1فان تقييد الحج عن غيره بعدم المال له يدل على وجوبه عن نفسه اذا كان له مال،و هذا معنى اشتراطه بالاستطاعة،و الاّ لكان هذا التقييد
حملهما على أنه نذر المشي(1)لا الحج ثم أراد أن يحج فسئل عليه السّلام عن أنه هل يجزئه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟فأجاب عليه السّلام بالكفاية،نعم لو نذر أن يحج مطلقا(2)-أيّ حج كان-كفاه عن نذره حجة الإسلام بل الحج النيابي و غيره أيضا لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأيّ وجه كان.
و هذا الحمل غير بعيد من صحيحة رفاعة.
فيه أنه لا فرق بين التصريح بالاطلاق و عدمه،فاذا كان متعلق النذر مطلقا كفى عن حجة الإسلام شريطة أن يؤتى به باسمها الخاص و بعنوان الوفاء بالنذر-كما مر-لان المعيار انما هو باطلاق المتعلق و كونه قابلا للانطباق على حجة الإسلام،و لا خصوصية للتصريح به،نعم بناء على ما ذكره الماتن قدّس سرّه من
[3127]مسألة 20:إذا نذر الحج حال عدم استطاعته معلقا على شفاء ولده مثلا فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الإسلام(1)، و يحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريا،بل هو المتعين(2)إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق.
[3128]مسألة 21:إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يمكنه الإتيان بهما إما لظن الموت أو لعدم التمكن إلا من أحدهما ففي وجوب تقديم الأسبق سببا أو التخيير أو تقديم حجة الإسلام لأهميتها وجوه،
بل هو المتعين حتى فيما اذا حصل المعلق عليه في الخارج،فانه اذا استطاع كشف ذلك عن بطلان النذر،لما مر من أن وجوب الوفاء به بمقتضى ما دل من«ان شرط اللّه قبل شرطكم» 1لا بد أن يلحظ شرط اللّه في مورده في المرتبة السابقة و بقطع النظر عنه،فان كان ثابتا فلا تصل النوبة الى دوره،و عليه فيكون وجوب الحج بصرف ثبوته رافعا له بارتفاع موضوعه.
مر أن المتعين هو حجة الإسلام حتى اذا وجد المعلق عليه خارجا، فما ظنك بما قبل وجوده.
نعم على مسلكه قدّس سرّه من أن وجوب الوفاء بالنذر مانع عن وجوب الحج، فما ذكره من الفرق بين أن يكون نذره على نحو الواجب المعلق أو الواجب المشروط صحيح،حيث أن وجوبه على الأول فعلي دون الثاني.
أوجهها الوسط و أحوطها الأخير(1)،و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف تركته إلا لأحدهما،و أما إن وفت التركة فاللازم استئجارهما(2)و لو في عام واحد.
[3129]مسألة 22:من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله(3).
بل هو المتعين كما مر،و لا يصل الدور الى التزاحم بينهما حتى يرجع الى مرجحاته.
و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن الدور يصل اليه،الاّ أن ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن الأوجه هو التخيير بينهما،و الأحوط تقديم حجة الإسلام،لا يمكن المساعدة عليه،لأن الجمع بين التخيير و الاحتياط بالتقديم لا يمكن،فان الأول مبني على أن يكونا متساويين،فاذا كانا كذلك تعين التخيير،و الثاني مبني على أن تكون حجة الإسلام محتملة الأهمية،فاذا كانت كذلك تعين الاحتياط، فلا يمكن الجمع بينه و بين التخيير.
فيه ما مر من أنه لا دليل على وجوب قضاء الحج المنذور،و على تقدير وجوبه لا دليل على خروجه من الأصل.
هذا لا كلام فيه،لعدم الدليل على المنع عن الاتيان به قبله،و انما الكلام فيما اذا كانت عليه حجة الإسلام،فهل يجوز له الاتيان بالحج المندوب قبلها؟فيه وجهان:
و التحقيق انه لا موضوع لهذا البحث في المقام،و ذلك لخصوصية في حجة الإسلام لا تكون متوفرة في الصلاة و الصوم و نحوهما،و هي ان حجة الإسلام متمثلة في الحجة الأولى للمستطيع،و على هذا فان كان المستطيع ملتفتا الى هذه الخصوصية فلا يتمكن من الاتيان بالحج الندبي الاّ تشريعا،على أساس أنه يرى أن الحجة الأولى الواجبة عليه بعد الاستطاعة هي حجة الإسلام،و لا