قائمة

تخطى إلى المحتوى

مولفات سماحة مرج​ع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸

جلد

8

قائمة

قائمة

الصفحة الرئيسية مكتبة تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ صفحة 2

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 101)


[مسألة 19:إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لو لا هما فحالهما حال الدين مع المطالبة]

[3016]مسألة 19:إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لو لا هما فحالهما حال الدين مع المطالبة،لأن المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا(1)،و ان كان الحج مستقرا عليه سابقا تجيء الوجوه المذكورة من التخيير أو تقديم حق الناس أو تقديم الأسبق(2)،

الرافع لها انما هو عملية الوفاء به خارجا لا صرف وجوبه،غاية الأمر يقع التزاحم بينه و بين وجوب الحج،و بما أن الأول أهم منه أو محتمل الأهمية يقدم على الثاني كما مر،و اما إذا تلف ماله عنده فقد ارتفع وجوب الحج بارتفاع موضوعها و هو الاستطاعة،غاية الأمر إن كان تلفه غير مرتبط بتقصيره و تفريطه يكشف عن عدم استقرار وجوب الحج عليه،و إن كان مرتبطا بتقصيره فيه كان كاشفا عن استقراره عليه بدون فرق في ذلك بين السنة الأولى و الثانية، فالمعيار انما هو بالتقصير و عدمه،فان قصر في احداهما استقر و الاّ فلا شيء عليه.

بل هو مستطيع،فان وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة -كما مر-و انما هو مانع عن وجوب الحج لأهميته أو احتمالها.

تقدم أنه لا يتم شيء من هذه الوجوه،

أما الوجه الأول:و هو التخيير،فلما عرفت من أن وجوب الدين يتقدم على وجوب الحج في مورد المزاحمة و إن كان مستقرا.

و اما الوجه الثاني:فقد مر أنه لا دليل على تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى بشكل عام،بل هو يختلف باختلاف الموارد.

و اما الوجه الثالث:فقد سبق الإشارة إلى عدم مرجحية الأسبق زمانا،هذا كله فيما إذا كان الخمس و الزكاة في الذمة،و اما إذا كانا في العين فلا بد من اخراجهما منها أولا و حينئذ فان اتسع الباقي للحج فهو مستطيع و يجب انفاقه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 102)


هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته،و أما إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج سواء كان مستقرا عليه أولا،كما أنهما يقدمان على ديون الناس أيضا،و لو حصلت الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معا(1) فكما لو سبق الدين.

[مسألة 20:إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا]

[3017]مسألة 20:إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة(2)،و كذا إذا كان الديّان مسامحا في أصله كما في مهور نساء أهل الهند فإنهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية أو خمسين ألف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ،فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج،و كالدين ممن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكن المديون من الأداء أو واعده بالإبراء بعد ذلك.

عليه و الاّ سقط وجوب الحج بسقوط موضوعه و هو الاستطاعة المالية كما هو المفروض في المسألة.

لا يخفى ان التعبير بحصولهما مع الخمس و الزكاة المتعلقين بالعين معا و في آن واحد مبني على التسامح اذ لا يمكن تصوير حصولهما معهما كذلك في زمن واحد،فان تعلقهما بالعين كان رافعا لموضوع الاستطاعة،نعم لا مانع من تحقق الاستطاعة مع الدين،و يقع التزاحم بينهما.

مر أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن صدق الاستطاعة و لا يكون رافعا لها و إن كان حالا و مطالبا به فعلا فضلا عن كونه مؤجلا بأمد بعيد،نعم انه يمنع عن وجوب الحج تطبيقا للترجيح بالأهمية و لو احتمالا،و على هذا فاذا كان الدين مؤجلا بأجل قريب أو بعيد،فان كان المدين واثقا بالتمكن من أدائه في وقته و لدى حلول الأجل إذا انفق ما لديه من المال في سفر

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 103)


[مسألة 21:إذا شك في مقدار ماله و أنه وصل إلى حد الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أو لا؟]

[3018]مسألة 21:إذا شك في مقدار ماله و أنه وصل إلى حد الاستطاعة أولا هل يجب عليه الفحص أو لا؟وجهان أحوطهما ذلك(1)،و كذا إذا علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و أنه يكفيه أولا.

الحج وجب،و الاّ وجب الحفاظ عليه للدين،سواء أ كان واثقا بالعدم أم لا،و لا فرق في ذلك بين أن يكون أمد الدين قريبا أو بعيدا،فان المعيار انما هو بذلك لا بكون أمده قريبا أو بعيدا كالأمثلة التي ذكرها الماتن قدّس سرّه،و ان كان احتمال عدم التمكن من الأداء غالبا في طول هذه المدة ضعيفا جدا على نحو لا يعتنى به، و لكن لو فرضنا في مورد أنه اطمأن بعدم التمكن منه لو حج تقع المزاحمة بينهما فيقدم الدين على الحج بنفس ما مر من الملاك،و قد تقدم عدم ثبوت الترجيح بالأسبق زمانا.

فالنتيجة:ان المعيار انما هو باطمئنان المدين بالتمكن من الأداء في المستقبل عند حلول الأجل إذا حج و عدم اطمئنانه بذلك لا بكون الأجل قريبا أو بعيدا،أو الزوجة تطالب بمهرها أو لا،فان ذلك إن أدى الى الاطمئنان و الوثوق بعدم المطالبة أو الابراء نهائيا أو بالتمكن من الأداء في المستقبل فهو و الاّ فلا قيمة لمجرد الاحتمال.

في الاحتياط اشكال بل منع،و الأظهر عدم وجوب الفحص،لأن الشبهة موضوعية و لا مانع من الرجوع الى الأصول المؤمنة فيها من العقلية و الشرعية.أو فقل:ان موضوع أدلة الأصول هو الجاهل،فان كان جاهلا بالحكم وجب الفحص،و حينئذ فان ظل باقيا على الجهل بعده أيضا يرجع الى مقتضى تلك الأصول،و إن كان جاهلا بالموضوع لم يجب الفحص لعدم الدليل عليه و إن كان الفحص لا يتوقف على مؤنة زائدة،هذا و لكن تحقّق ذلك في المقام لا يخلو عن مجرد افتراض،لأن فرضه انه لم يرجع الى دفتر حساباته في تمام اشهر الحج و طول هذه الفترة أمر نادر لا يتفق الاّ في حالات نادرة،كما إذا كان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 104)


[مسألة 22:لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه]

[3019]مسألة 22:لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده استصحابا لبقاء الغائب،فهو كما لو شك في أن أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا،فلا يعد من الأصل المثبت(1).

[مسألة 23:إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة]

[3020]مسألة 23:إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة(2)،و أما بعد التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة،و لو تصرف بما يخرجه
في السفر أو كان مريضا أو ما شاكل ذلك،و لكن مع هذا إذا اتفق ذلك لا مانع من الرجوع الى الأصل المؤمن.

فيه:ان هذا الأصل و إن لم يكن مثبتا بالنسبة إلى اثبات بقاء ماله الغائب و ترتيب أثره عليه،الاّ انه لا يثبت ما هو المطلوب في المقام الاّ على القول بالأصل المثبت،و هو تمكن المكلف بعد الرجوع من سفر الحج و الانفاق عليه من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج بسبب الانفاق عليه،و من المعلوم ان استصحاب بقاء ماله الغائب في ملكه لا يثبت تمكنه من ذلك بعد الانفاق على الحج الا على نحو المثبت.

و إن شئت قلت:ان وجوب الحج مرتبط بالاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا و ايابا،و تمكنه من استعادة وضعه المعاشي المناسب لمكانته بدون الوقوع في حرج زائدا على صحة البدن و الأمن في الطريق و حين الأعمال،و من الواضح أن تمكنه من استعادة وضعه المعاشي كذلك لا يترتب على الاستصحاب المذكور باعتبار أنه ليس بأثر شرعي.

في إطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر عدم جواز تفويتها بعد حصولها

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 105)


عنها بقيت ذمته مشغولة به،و الظاهر صحة التصرف مثل الهبة و العتق و إن كان فعل حراما،لأن النهي متعلق بأمر خارج،نعم لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحة(1)،و الظاهر أن المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة،فلو لم يتمكن فيها و لكن
سواء أ كان في أشهر الحج أو قبلها شريطة أنه لا يكون واثقا و متأكدا بتمكنه من الحج في السنة القادمة،و الاّ فلا يبعد جوازه،و إن كان الأولى و الأجدر به تركه، و أما وجه عدم جوازه إذا لم يكن واثقا و مطمئنا بالتمكن منه في المستقبل فلأن الظاهر من الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها أن وجوب الحج يتحقق بتحقق الاستطاعة في الخارج مشروطا بشرط متأخر زمنا و هو وصول يوم عرفة،فانه و إن كان من شروط الواجب و قيوده الاّ أنا ذكرنا في علم الأصول أن قيد الواجب إذا كان غير اختياري فلا بد من أخذه قيدا للوجوب أيضا،اذ لو كان الوجوب مطلقا لزم كونه محركا للمكلف نحو الاتيان بالواجب المقيد بقيد غير اختياري و هو لا يمكن.

و بكلمة:ان المبرر لأخذ شيء قيدا للوجوب أحد أمرين:

الأول:ان يكون ذلك الشيء دخيلا في الملاك في مرحلة المبادئ و من شروط اتصاف الفعل به في تلك المرحلة،و حينئذ لا بد من أخذه قيدا للوجوب في مرحلة الجعل و الاعتبار.

الثاني:أن يكون قيدا للواجب و من شروط ترتب الملاك على وجوده في الخارج،و لكن مع ذلك يكون غير اختياري،فانه لا بد من أخذه قيدا للوجوب أيضا،و الاّ لزم التكليف بغير المقدور.و نتيجة ذلك ان يوم عرفة لا بد أن يكون شرطا لوجوب الحج أيضا بنحو الشرط المتأخر.

فيه اشكال بل منع،لما ذكرناه في علم الأصول من أن النهي عن المعاملات لا يستلزم فسادها و لا تنافي بين حرمتها تكليفا و صحتها وضعا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 106)


يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف(1)،فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة،فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.

[مسألة 24:إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضما إلى ماله الحاضر و تمكن من التصرف في ذلك المال الغائب]

[3021]مسألة 24:إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضما إلى ماله الحاضر و تمكن من التصرف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعا و يجب عليه الحج،و إن لم يكن متمكنا من التصرف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك فلا يكون مستطيعا إلا بعد التمكن منه أو الوصول في يده، و على هذا فلو تلف في الصورة الأولى بقي وجوب الحج مستقرا عليه(2) إن كان التمكن في حال تحقق سائر الشرائط،و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر،و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر و تمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن فإنه على الأول يكون مستطيعا بخلافه على الثاني.

[مسألة 25:إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن تلف ذلك المال]

[3022]مسألة 25:إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه(3)إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده،
فيه انه لا وجه لتقييد جواز التصرف بعدم التمكن من الحج في السنة الأولى،بل هو غير بعيد مطلقا و إن كان متمكنا منه في السنة الأولى شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بالتمكن من الاتيان به في السنين القادمة لما مر من أنه لا يوجد دليل لفظي على وجوب الحج فورا غير حكم العقل به و هو لا يكون الاّ إذا لم يكن الانسان واثقا و متأكدا بالتمكن منه في السنة الآتية،و الاّ فلا يحكم به و إن كان الأحوط و الأجدر به عدم الجواز.

هذا شريطة أن يكون التلف بتقصير و تسامح منه،و الاّ فلا شيء عليه.

هذا شريطة أن تكون غفلته أو جهله بالموضوع مستندة إلى تقصيره

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 107)


و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة(1)غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه،و حينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره،و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثم علم بعد ذلك أنه بقدر الاستطاعة،فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب لأنه لجهله لم يصر موردا و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه،لأن عدم التمكن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي،و القدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي و هي موجودة،و العلم شرط في التنجز(2)لا في أصل التكليف.

و التسامح منه في التعلم،حيث ان ملاك وجوب الحج حينئذ يكون تاما و منجزا عليه و كان فوته مستندا إلى تقصيره فيه،فلذلك قد استقر ملاك وجوب الحج عليه الذي هو حقيقة الوجوب و روحه،و أما نفس جعل الوجوب و اعتباره للغافل أو الجاهل المركب فلا يعقل لأنه لغو محض،فلا يمكن اعتباره من المولى الحكيم،و لكن بما أن تمام القيمة للملاك فمن أجل ذلك قد استقر الحج عليه ملاكا،و أما إذا لم تكن غفلته أو جهله مستندة الى تقصيره فلا مقتضى لاستقرار الحج عليه ملاكا أيضا،باعتبار أنه لا يكون مكلفا به أصلا.

فيه أنهما و إن كانا لا يمنعان عنها بصفة أنها موجودة في الواقع،الاّ أنهما يمنعان عنها بصفة أنها موضوعة للوجوب فعلا و من شروطه على أساس أن جعل وجوب الحج على الغافل عن استطاعته أو الجاهل المركب بها لغو صرف و لا مبرّر له أصلا،ضرورة أن الغرض من جعل التكليف و اعتباره انما هو امكان داعويته للمكلف و محركيته له نحو الطاعة و الامتثال،و من المعلوم أن جعل وجوب الحج على المستطيع الغافل أو من بحكمه عن استطاعته لا يمكن أن يكون داعيا و محركا له في مقام التطبيق لاستحالة فعليته.

هذا صحيح و لكن ليس معنى ذلك ان الغافل و الجاهل المركب

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 108)


[مسألة 26:إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا]

[3023]مسألة 26:إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا فإن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام(1) لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق،و إن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد(2)

بالموضوع قابل للتكليف،بل معناه ان المكلف إذا كان ملتفتا إلى موضوع حكم فانه ما لم يعلم بثبوته له لم يتنجز.

هذا شريطة ان لا يكون اعتقاده بعدم الاستطاعة اعتقادا جزميا على نحو لا يحتمل الخلاف نهائيا،و الا لكان جهله بها جهلا مركبا،و قد مر أن حكمه حكم الغافل،فلا يكون قابلا للتكليف في الواقع،فاذن لا موضوع للإجزاء.

فيه ان التقييد في المقام غير معقول لأن التقييد انما يتصور في المعنى الكلي فانه إذا قيد بقيد صار مقيدا و مضيقا،فلا ينطبق الاّ على ما يكون واجدا لهذا القيد دون الفاقد له،و اما الجزئي الحقيقي فانه غير قابل للتقييد بلا فرق بين أن يكون قاصدا له بعنوانه و اسمه المميز له شرعا،أو قاصدا له بعنوان آخر اشتباها و خطأ،و هذا ليس تضييقا و تقييدا له بل هو خطأ في التطبيق،أي تطبيق ذلك العنوان عليه،و المقام من هذا القبيل حيث ان الأمر فيه بما أنه أمر واحد شخصي في الواقع و هو الأمر الوجوبي دون الأعم منه و من الاستحبابي فهو غير قابل للتقييد،و حيث ان المكلف جاهل به و معتقد بأن الأمر المتعلق بالحج ندبي يكون قاصدا لامتثاله بهذا العنوان الذي لا واقع له،فاذن بطبيعة الحال يكون الخطأ و الاشتباه في تطبيق ذلك العنوان على الأمر الموجود في الواقع لا في امتثاله خارجا لفرض انه قد أتى بالحج بداعي أمره الإلهي و مضافا إليه تعالى،و مجرد تخيله أنه ندب و كان هو الداعي الى الاتيان به لا يضر،لأن اتيانه كان بنية أمره الواقعي و مطابقا للواقع،و الخطأ انما هو في العنوان الداعي اليه.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 109)


……….

و بكلمة:ان صحة العبادة متقومة بعنصرين:أحدهما محبوبيتها في نفسها، و الآخر اتيانها مضافة الى المولى سبحانه و تعالى.و الفرض أن الحج واجد للعنصر الأول،فاذا أتى المكلف به مضافا إليه تعالى بأمل أن يقبل اللّه سبحانه منه كان واجدا لكلا العنصرين،فلذلك يحكم بصحته،سواء أ كان الداعي لذلك قصد أمره الوجوبي أو الندبي،فانه خارج عن العبادة و واجباتها،فاذا اعتقد المكلف أن الأمر المتعلق به ندبي و قد دعاه الى الاتيان به مضافا إليه تعالى فاذا أتى به كذلك صح و إن انكشف بعد ذلك ان الأمر المتعلق به في الواقع وجوبي لا ندبي،فاذن لا شبهة في صحة حجه بعنوان حجة الإسلام لانطباقها عليه على أساس أنها عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع،و الفرض انطباق هذا العنوان على هذه الحجة و إن لم يكن ملتفتا إليه حيث أنه عنوان عام لكل انواع الحج الواجب بالاستطاعة من التمتع و الإفراد و القران،و لا يجب على المتمتع قصد هذا العنوان.

هذا كله شريطة أن يقصد اسمه الخاص و هو حجة الإسلام و لو اجمالا، أي بعنوان انه وظيفته الاسلامية و إن ظن ان الأمر المتعلق به استحبابي،مع أنه في الواقع وجوبي جهلا منه بالحال.و أما إذا قصد بعنوان أنه مستحب لا بعنوان أنه وظيفته الاسلامية،فلا يصح لا بعنوان الحج المندوب لانتفاء الموضوع، باعتبار أنه مستطيع في الواقع،و لا يكون الحج المندوب مشروعا في حقه و لا بعنوان حجة الإسلام لانتفاء القصد،و لا يقاس المقام بالصلاة،فان من أتى بصلاتي الظهرين-مثلا-ندبا باعتقاد أنه غير بالغ،ثم بان أنه كان بالغا حين الاتيان بهما صحّتا فريضة،و ذلك لأن الظهر أو العصر أو نحوه اسم للصلاة الواجبة و المستحبة،و هذا بخلاف حجة الإسلام،فانها اسم للحجة الأولى للمستطيع فقط دون الأعم منها و من الحجة المندوبة،و من هنا لا بد من الاتيان بها باسمها الخاص المميز لها شرعا،و الاّ لم تقع حجة الإسلام،و به يظهر حال ما بعده.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 110)


لم يجزئ عنها(1)و إن كان حجه صحيحا،و كذا الحال إذا علم باستطاعته ثم غفل عن ذلك،و أما لو علم بذلك و تخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزئ لأنه يرجع إلى التقييد(2).

[مسألة 27:هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما]

[3024]مسألة 27:هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة أو باعه محاباة كذلك؟و جهان أقواهما العدم(3)
ظهر أنه يجزئ و كان من باب الخطأ في التطبيق لا من باب التقييد، هذا شريطة أن لا يكون غافلا عن الاستطاعة أو جاهلا بها جهلا مركبا،فانه حينئذ لا يعقل جعل وجوب حجة الإسلام عليه في الواقع،و لا يكون مأمورا بها نهائيا،فاذن لا موضوع للاجزاء و هو انطباق المأمور به على الفرد المأتي به، و الفرض انه لا يكون مأمورا بحجة الإسلام في الواقع لكي تنطبق على الفرد المأتي به في الخارج و هو الحج المندوب،و على هذا فلا بد من تخصيص المسألة بغير الغافل بالاستطاعة أو الجاهل المركب بها،و هو الذي يكون مكلفا بحجة الإسلام في الواقع و إن كان واثقا و متأكدا بالخلاف.

مر أنه لا معنى للتقييد بمعنى التضييق في أمثال المقام،بل هو من الخطأ في التطبيق بتخيل ان الأمر المتعلق بالحج في السنة الأولى ندبي باعتقاد عدم وجوبه فورا،مع أنه في الواقع فوري،و عليه فاذا أتى به المكلف بداعي أمره ندبا ثم بان أنه وجوبي فقد اخطأ في الداعي و اشتبه في التطبيق و هذا لا يضر بالاتيان بالمأمور به بكل واجباته منها قصد اسمه الخاص اجمالا.

في القوة اشكال بل منع،و الأظهر الكفاية،و ذلك لما تقدم من أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات المفسرة لها هو أن الاستطاعة تتكون من الأمور التالية:

1-الامكانية المالية.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 111)


لأنها في معرض الزوال إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ،و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحما فإنه ما دامت العين موجودة له الرجوع،و يمكن أن يقال بالوجوب هنا(1)حيث إن له التصرف في الموهوب فتلزم الهبة.

[مسألة 28:يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال]

[3025]مسألة 28:يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال،فلو تلف بعد ذلك و لو في أثناء الطريق كشف
2-الأمن و السلامة في الطريق ذهابا و إيابا و حين ممارسة الأعمال.

3-وجود ما به الكفاية.

و وجوب الحج يتوقف على توفر هذه الأمور الثلاثة حدوثا و بقاء، فلذلك لا بد من احراز بقائها الى الانتهاء من أعمال الحج و واجباته،و مع عدم الاحراز لم يحرز وجوب الحج،و لا فرق في احراز بقائها بين أن يكون المكلف عالما بذلك أو واثقا و متأكدا به أو محرزا له بالاستصحاب،كما إذا وصل اليه مال من شخص بعقد المصالحة بمقدار يكفي لعملية الحج مع جعل المصالح الخيار له في فترة معينة،فانه و إن كان منشأ للشك في بقاء امكانيته المالية لنفقات سفر الحج باعتبار أنه إذا قام بأعمال الخيار ذهبت استطاعته المالية،و الاّ فهي باقية، و في مثل ذلك لا مانع من استصحاب بقائها و يترتب عليه وجوب الحج.

هذا هو الأظهر باعتبار أنه إذا صار مستطيعا بقبوله الهبة وجب عليه الحفاظ على استطاعته و امكانيته المالية بالتصرف في المال الموهوب حتى يؤدي الى ازالة سلطنة الواهب عنه و خروجه عن التزلزل،هذا من ناحية و من ناحية أخرى انه لا يمكن القول بوجوب التصرف في المال الموهوب على ضوء ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن الاستطاعة لا تتحقق بقبول الهبة باعتبار أن ملكية المال الموهوب متزلزلة بسبب تمكن الواهب من ارجاعه الى ملكه ثانيا،فانه حينئذ لا وجوب للحج لكي تجب مقدمته و هي التصرف في المال الموهوب حفاظا على استطاعته.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 112)


عن عدم الاستطاعة،و كذا لو حصل عليه دين قهرا عليه(1)كما إذا أتلف مال غيره خطأ،و أما لو أتلفه عمدا فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمدا(2)في عدم زوال استقرار الحج.

[مسألة 29:إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه]

[3026]مسألة 29:إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟و جهان،لا يبعد الإجزاء(3)
مر أن ثبوت الدين لا يكشف عن عدم الاستطاعة،و لا يكون رافعا لها،غاية الأمر تقع المزاحمة بين وجوب الوفاء به و وجوب الحج،و لا بد من تقديم الأول على الثاني لمكان أهميته،أو لا أقل من احتمالها على تفصيل تقدم في المسألة(17).

في الظهور اشكال بل منع،لما مر من أن الدين سواء أ كان بسبب عمدي أو خطئي لا يمنع من الاستطاعة و الامكانية المالية،و عليه فلا يكون اتلاف مال الغير عمدا كإتلاف الزاد و الراحلة،فان اتلافه في الفرض الأول يوجب اشتغال ذمة المتلف ببدله من المثل أو القيمة بدون أن يؤدي الى ازالة الاستطاعة موضوعا،غاية الأمر يتقدم وجوب الوفاء بالدين على وجوب الحج تطبيقا لما تقدم،و هذا بخلاف اتلافه في الفرض الثاني،فانه يوجب إزالة الاستطاعة مباشرة موضوعا،نعم انهما يشتركان في نقطة واحدة و هي استقرار وجوب الحج عليه في كلا الفرضين اما في الفرض الأول،فباعتبار أن تفويته في نهاية المطاف كان مستندا إلى سوء اختياره،و كذلك الحال في الفرض الثاني، فانه قام باختياره و عالما بالحكم بتفويت الاستطاعة و الامكانية المالية الموجودة لديه،فلذلك استقر وجوب الحج عليه في كلا الفرضين.

بل هو بعيد،اما في فرض تلف مؤنة العود فلأنه يكشف عن عدم الاستطاعة و الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا و ايابا،مع أنها معتبرة في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 113)


……….

وجوب الحج،فاذن يكون عدم الاجزاء على القاعدة،و اما في فرض تلف ما به الكفاية فلأنه يكشف عن أنه لا يتمكن من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج إذا انفق ما لديه في نفقات سفر الحج،فاذن يكون وجوب الحج حرجيا عليه في الواقع،و هو مرفوع تطبيقا للقاعدة،و جهل المكلف بالضرر أو الحرج و اعتقاده بالعدم لا يغير الواقع و لا يجعل الأمر الحرجي غير حرجي،و عليه فالحج المذكور حرجي،فاذا قام بالاتيان به و انفق ما لديه من المال فيه وقع في حرج على أساس أنه بعد الانفاق لا يتمكن من اعادة وضعه المالي المعاشي بما يناسب مكانته بدون الوقوع فيه،و هو معتبر في الاستطاعة،و عليه فلا يكون حجه حينئذ مصداقا لحجة الإسلام بلحاظ أنها هي الحجة الأولى للمستطيع.

و دعوى أن قاعدة نفي الحرج لا تجري في المقام لأن جريانها في كل مورد مرتبط بوجود الامتنان فيه،و بما أنه لا امتنان في المقام فلا تجري،بل هو على خلاف الامتنان حيث ان الحكم بفساد الحج بعد الاتيان به يكون على خلافه،و من هنا إذا أتى بالوضوء أو الغسل الحرجي جاهلا بكونه حرجيا ثم علم بالحال حكم بصحته دون فساده،فان الحكم بالفساد يكون على خلاف الامتنان.

مدفوعة:بأن مفاد القاعدة نفى جعل الحكم الناشي من قبله الحرج،و بما أن وجوب الحج حرجي في المقام فهو منتفي بالقاعدة،و اعتقاد المكلف بعدم كونه حرجيا لا يمنع عن شمول القاعدة له،باعتبار أن موضوعها الحرج الواقعي دون العلمي،غاية الأمر ان المكلف لما كان جاهلا بالحال قام بعملية الحج و يواصل فيها الى أن يكملها ثم بان أن العملية كانت حرجية و لا تكون واجبة عليه في الواقع،فلذلك لا تكون مصداقا لحجة الإسلام لانتفاء الاستطاعة.

و إن شئت قلت:ان موضوع القاعدة هو الحرج الواقعي دون العلمي،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 114)


و يقربه ما ورد(1)من أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن
و هي تدور مداره سواء أ كان المكلف عالما به أم جاهلا،و بما أن وجوب الحج في مفروض المسألة حرجي في الواقع باعتبار انتفاء ما به الكفاية،فيكون مشمولا للقاعدة،لأن فيه امتنانا للأمة،غاية الأمر يكون المكلف جاهلا به،و من الواضع أن جهله بالحال لا يكون مانعا عن شمولها و لا يوجب اختصاصها بالعلم بالحرج،و حينئذ فاذا أقدم المكلف عليه و أتى به وقع فاسدا لعدم انطباق الحج الواجب عليه،و لا يكون فساده مستندا إلى القاعدة،لأن مفادها النفي دون الاثبات،بل هو مستند الى عدم استطاعته،كما إذا أصر المكلف و أقدم عليه عامدا عالما بالحال و أتى به،فانه لا شبهة في فساده لعدم الأمر،و كذلك الحال في صورة الجهل،فلا فرق بين الحالتين من هذه الناحية،و من هنا يظهر أن قياس المقام بالوضوء أو الغسل الحرجي في غير محله،على أساس أن الحج الاستحبابي لا يكون مصداقا لحجة الإسلام،باعتبار أنها متمثلة في الحجة الأولى للمستطيع،فاذا لم يكن المكلف مستطيعا لم يكن حجه حجة الإسلام، و هذا بخلاف الوضوء أو الغسل الاستحبابي فانه عين الوجوبي باعتبار أن الوجوب الغيري تعلق بنفس الوضوء أو الغسل المستحب الذي هو عبادة.

في التقريب اشكال بل منع،لأن قياس المقام بمورد الروايات قياس مع الفارق لأن الحكم في موردها يكون على خلاف القاعدة،حيث أن اجزاء الاحرام مع الدخول في الحرم عن الحج بكامل اجزائه بحاجة الى دليل،و قد دل الدليل عليه إذا مات الحاج بعد الإحرام و دخول الحرم،و لا يمكن التعدي منه الى سائر الموارد لأنه بحاجة الى قرينة،و لا قرينة عليه،فاذن لا يمكن أن تكون تلك الروايات مقربة للحكم بالاجزاء و الصحة في المقام و هو ما إذا أتى المكلف بكل أعمال الحج ثم انكشف انه ليس عنده ما به الكفاية،أو كان و لكنه تلف قبل الرجوع،فانه لا يتمكن حينئذ من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 115)


حجة الإسلام،بل يمكن أن يقال بذلك(1)إذا تلف في أثناء الحج أيضا.

[مسألة 30:الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة]

[3027]مسألة 30:الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة،فلو حصلا بالإباحة اللازمة(2)كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة،و يؤيده الأخبار الواردة في البذل،فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكا له.

اللائق بحاله بدون الوقوع في حرج،و نتيجة ذلك أنه لا يكون مستطيعا في الواقع،و من المعلوم أن حجه حينئذ لا يكون حجة الإسلام باعتبار أنه حج غير مستطيع.

ظهر حاله مما مر من أن تلفه لما كان كاشفا عن عدم تحقق الاستطاعة في الواقع فلا يكون حجه مجزيا عن حجة الإسلام و مصداقا لها.

فيه انه لا وجه للتقييد بها لما تقدم من أن المراد من الاستطاعة حسب المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و متطلباته،و من المعلوم انه لا فرق بين أن يكون منشؤها الملك أو الاباحة اللازمة أو الجائزة،غاية الأمر إذا كانت الامكانية المالية جائزة كان شاكا في بقائها في المستقبل،فلا مانع من استصحاب بقائها فيه.

و دعوى ان ظاهر الروايات المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة هو الملك،و لازم ذلك عدم تحقق الاستطاعة بالاباحة و إن كانت لازمة فضلا عن الجائزة،مدفوعة بما ذكرناه من أن المتفاهم العرفي من هذه الروايات أنها في مقام بيان ما تتكون به الاستطاعة و الامكانية المالية،و من المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون اضافة الزاد و الراحلة اليه اضافة ملك أو اباحة،فانه لا نظر لها من هذه الناحية،و عليه فكما يصدق قوله عليه السّلام:«له زاد و راحلة» 1إذا كان على


 

1) <page number=”115″ />الوسائل باب:8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:10.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 116)


[مسألة 31:لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي]

[3028]مسألة 31:لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له(1)و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنه ليس له الرد حينئذ.

[مسألة 32:إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السّلام في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج]

[3029]مسألة 32:إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السّلام في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج(2)،بل و كذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقدارا فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه،بل و كذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك،فإن هذا كله مانع عن تعلق وجوب الحج به،و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج ثم حصلت الاستطاعة
نحو الملك،فكذلك يصدق إذا كان على نحو الاباحة،باعتبار أنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة لكي يكون ظاهرا في الأول،بل هي في مقام بيان ما تتكون به الامكانية المالية عنده لنفقات سفر الحج،و من الواضح أنها كما تتكون بهما إذا كان على نحو الملك،كذلك إذا كان على نحو الاباحة.

هذا إذا كانت الوصية التمليكية من الايقاعات،فانه حينئذ تحصل الاستطاعة بمجرد الوصية،و ليس له الرد حينئذ،لأنه تفويت لها و هو غير جائز، و أما إذا كانت من العقود فلا يحصل الاّ بالقبول،و هو غير واجب،لأنه تحصيل للاستطاعة.

فيه ان النذر بكل أقسامه لا يصلح أن يزاحم وجوب الحج،و يمكن تبرير ذلك بأحد الوجهين التاليين:

الأول:ان وجوب الحج أهم من وجوب الوفاء بالنذر و إن قلنا ان وجوب

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 117)


……….

الوفاء به مشروط بالقدرة العقلية و يظل ملاكه ثابتا حتى في فرض الاشتغال بالحج و وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية،فمع ذلك لا بد من تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء به في مقام المزاحمة،و ذلك لأن الاستطاعة المأخوذة في لسان الآية الشريفة المفسرة في الروايات عبارة عن المعنى المساوق للتمكن التكويني في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و ليست عبارة عن المعنى المساوق لعدم الاشتغال بواجب آخر،و لا المعنى المساوق لعدم المانع و إن كان مولويا،و على هذا الأساس فما دام المكلف متمكنا من الحج تكوينا يعني مالا و بدنا و طريقا فهو واجب عليه،و ملاكه ثابت و إن كان في حال الاشتغال بالوفاء بالنذر أو نحوه،باعتبار أن اطلاق وجوبه و إن قيد بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه في الأهمية بملاك التقييد اللبي العام،الاّ أنه لا دليل على تقييد اطلاقه بعدم الاشتغال بضد واجب اما أن يكون مساويا له أو أقل منه في الأهمية،و بما أن ملاك وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه اما أن يكون أقل أهمية من ملاك وجوب الحج،أو مساويا له،و على كلا التقديرين يكون ملاك وجوب الحج مطلقا و ثابتا لحال الاشتغال بالوفاء بالنذر أو نحوه،و لا يكون مقيدا بعدم الاشتغال به،فاذن لا بد من تقديمه عليه في حال وقوع التزاحم بينهما.

و إن شئت قلت:انه لا شبهة في أن ملاك وجوب الحج أهم من ملاك وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه و يكشف عن ذلك تشديد اهتمام الشارع بالحج في ضمن الخطابات و النصوص التشريعية بمختلف التعبيرات المؤكدة،فمرة بلسان الحكم بكفر تاركه،و أخرى بلسان أنه إما أن يموت يهوديا أو نصرانيا، و ثالثة بلسان انه ترك شريعة من شرائع الإسلام و هكذا،فان كل ذلك كاشف عن اهتمام الشارع به لما فيه من المصالح العامة و الخاصة،أو لا أقل من احتمال اهميته و اما العكس و هو احتمال أهمية ملاك وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه من ملاك وجوب الحج فهو غير محتمل،فالنتيجة انه لا بد من تقديم وجوب الحج

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 118)


……….

على وجوب الوفاء بالنذر و إن كان موضوع وجوب الوفاء بالنذر أسبق من موضوع وجوب الحج،اذ لا قيمة لذلك.

الثاني:ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه مشروط بالقدرة الشرعية،بمعنى عدم الأمر بالخلاف على أساس ان الظاهر من أدلة وجوب الوفاء بالشرط أو نحوه التي جاء بهذا اللسان:«ان شرط اللّه قبل شرطكم» 1أو قريب منه،و هو أن وجوده مقيد بعدم وجود شرط اللّه و حكمه في المرتبة السابقة،و الاّ فلا وجود له،و معنى هذا ان صرف وجود شرطه تعالى قبله رافع له بارتفاع موضوعه و وارد عليه،و نتيجة ذلك أن وجوب الوفاء بالنذر أو العهد أو نحوه انما هو مجعول في مورد لا يكون فيه شرط من شروطه تعالى،و الاّ فلا يكون مجعولا، و على هذا فصرف وجوب الحج رافع لوجوب الوفاء بالنذر أو نحوه و وارد عليه،فلا يعقل التزاحم بينهما،أو فقل:ان المتفاهم العرفي من صيغ تلك الأدلة، ان الأمر بالوفاء بالنذر أو الشرط مقيد بعدم الأمر الإلهي بالخلاف في نفسه،اي بقطع النظر عنه،و على هذا فالأمر بالحج و إن قلنا بأنه مقيد بعدم الأمر بالخلاف الاّ أنه مقيد بعدم الأمر به بالفعل،فمن أجل ذلك يتقدم عليه و يكون رافعا له حتى في هذا الفرض.

و بكلمة انه لا يتصور التزاحم بين وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه و وجوب الحج،لأن وجوب الوفاء به يرتفع بارتفاع موضوعه وجدانا بصرف تحقق وجوب الحج في الشرع،فلا يعقل تحقق كليهما معا حتى تقع المزاحمة بينهما، بل و إن قلنا ان وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الأمر بالخلاف،فمع ذلك يتقدم على وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه على أساس أن المتفاهم العرفي من النص المتقدم ان كل التكاليف و الشروط المجعولة من قبل اللّه تعالى لا بد من أن تلحظ قبل شروطكم و في المرتبة السابقة،فاذا كانت ثابتة


 

1) <page number=”118″ />الوسائل باب:38 من أبواب المهور الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 119)


و إن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج،لأن العذر الشرعي كالعقلي(1) في المنع من الوجوب،و أما لو حصلت الاستطاعة أولا ثم حصل واجب
في الشريعة المقدسة بنفسها فلا مجال لشروطكم و نتيجة ذلك ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الأمر بالخلاف بنفسه و بقطع النظر عنه بمقتضى دليله دون وجوب الحج،فانه مشروط بعدم الأمر بالخلاف فعلا،فلذلك لا مناص من تقديمه عليه.

قد يقال-كما قيل-إن تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه انما هو على أساس أن وجوب الوفاء بما أنه وجوب ثانوي فلا يمكن امضاؤه شرعا إذا استلزم ترك واجب كالحج أو نحوه،كما إذا نذر زيارة الحسين عليه السّلام في يوم عرفة،فان الوفاء به بما أنه يستلزم ترك حج واجب عليه فهذا غير راجح قطعا،فمن أجل ذلك لا يمكن الحكم بصحته.

و الجواب:ان المعتبر في صحة النذر كون متعلقه راجحا في نفسه، و الفرض أن زيارة الحسين عليه السّلام راجحة في نفسها،و استلزامها لترك الحج الواجب لا يوجب كونها مرجوحة الاّ بالعرض،و أما في نفسها فهي راجحة،فلا مانع من الحكم بصحته،غاية الأمر إذا فرض أن وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الأمر بالخلاف كان وجوب الوفاء واردا عليه و رافعا لوجوبه بارتفاع موضوعه.

فالنتيجة:ان الصحيح هو ما ذكرناه في وجه تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر.

هذا بناء على أن يكون وجوب الحج مشروطا بالقدرة الشرعية بمعنى عدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي،و قد مر أن الأمر ليس كذلك و أنه مشروط بالقدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و عليه فتقع المزاحمة بينهما شريطة أن يكون الواجب الآخر أيضا مشروطا بنفس تلك

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 120)


فوري آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج يكون من باب المزاحمة(1) فيقدم الأهم منهما،فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج،و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه،و إلا فلا إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا فإنه يجب عليه و لو متسكعا.

[مسألة 33:النذر المعلق على أمر قسمان:تارة يكون التعليق على وجه الشرطية]

[3030]مسألة 33:النذر المعلق على أمر قسمان:تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال:«إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين عليه السّلام في عرفة»،و تارة يكون على نحو الواجب المعلق كأن يقول:«للّه عليّ أن أزور الحسين عليه السّلام في عرفة عند مجيء مسافري»،فعلى الأول يجب الحج
القدرة اما عقلا أو شرعا،و عندئذ فإن كان أحدهما أهم من الآخر أو محتمل الأهمية قدم عليه،و الاّ فالحكم هو التخيير بينهما هذا إذا كان وجوب الحج مستقرا عليه،و اما إذا كان في السنة الأولى فان قلنا بوجوب الفورية فالأمر فيه كذلك،و إن قلنا بعدم وجوبها و أنه مبني على الاحتياط إذا كان المكلف واثقا بعدم تفويته إذا أخر فقدم الواجب الآخر عليه.

فيه ان وجوب الحج إذا كان مشروطا بعدم الأمر بالخلاف كما بنى عليه قدّس سرّه بدعوى ان الاستطاعة عبارة عن ذلك،فلا يعقل التزاحم بينه و بين وجوب الواجب المشروط بالقدرة العقلية لفرض ان وجوبه مانع و رافع لوجوبه بارتفاع موضوعه،و لا فرق في ذلك بين أن يكون تحقق وجوب الواجب الآخر قبل حصول الاستطاعة أو بعده،فكما أنه وارد عليه و رافع له إذا كان تحققه قبل حصول الاستطاعة فكذلك إذا كان بعد حصولها فانه يكشف عن عدم تحققها بداهة انه لا يمكن القول بأن حدوث وجوب الحج مشروط بعدم الأمر بالخلاف،و أما بقاؤه فلا فانه لو كان مشروطا به لكان مشروطا حدوثا و بقاء،فما في المتن من الفرق بين الصورتين لا يرجع الى معنى محصل.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 121)


إذا حصلت الاستطاعة قبل مجيء مسافره،و على الثاني لا يجب(1)فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها،و كذا لو حصلا معا لا يجب الحج من دون فرق بين الصورتين،و السر في ذلك أن وجوب الحج مشروط و النذر مطلق(2)فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة.

[مسألة 34:إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له:«حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك»]

[3031]مسألة 34:إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له:«حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك»وجب عليه،و كذا لو قال:«حجّ بهذا المال»و كان كافيا له ذهابا و إيابا و لعياله،فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها إياه،و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها،و لا بين أن يكون البذل واجبا عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا، و لا بين كون الباذل موثوقا به أو لا على الأقوى،و القول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف،كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين،من التمليك أو الوجوب،و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به،كل ذلك لصدق الاستطاعة و إطلاق المستفيضة من الأخبار(3)،

ظهر حاله مما تقدم من أنه لا اشكال في تقديم وجوب الحج على وجوب النذر و إن كان منجزا فضلا عن كونه معلقا.

مر أن الأمر بالعكس يعني ان وجوب الحج مطلق و وجوب النذر مشروط بعدم ثبوته بنفسه في الشرع.

منها صحيحة العلاء،قال:«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال:يكون له ما يحج به، قلت:فمن عرض عليه فاستحى،قال:هو ممن يستطيع…» 1فانها تنص على


 

1) <page number=”121″ />الوسائل باب:8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 122)


و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا،و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب(1)،و كذا لو لم يبذل نفقة عياله(2) إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا.

انه إذا عرض عليه ما يحج به فهو مستطيع،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ما عرض بنحو التمليك أو الاباحة،و كون الباذل ثقة أو غير ثقة،و المال المبذول عينا أو قيمة،و كون البذل واجبا أو غير واجب،و مثلها غيرها من الروايات الواردة في المسألة.

هذا شريطة أن لا يكون عازما على عدم العود الى بلدته،و الاّ كفى في استطاعته و وجوب الحج عليه نفقة الذهاب فحسب،و لا فرق من هذه الناحية بين الاستطاعة البذلية و غيرها،فان المعيار انما هو بوجود ما يحج به عنده و إن كان بالبذل،كما نصت عليه صحيحة العلاء المتقدمة و غيرها من النصوص، فاعتبار نفقة العود في الاستطاعة انما هو بملاك الحاجة اليها،و أما من كان عازما على عدم العود و البقاء في مكة فلا يحتاج اليها،و لا تكون معتبرة في استطاعته.

في اطلاقه اشكال بل منع،و ذلك لما تقدم من أن المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها،أن الاستطاعة تتكون من العناصر التالية:الامكانية المالية لسدّ نفقات سفر الحج،و الأمن و السلامة في الطريق،و ما به الكفاية و هذه الأدلة انما هي في مقام بيان ان وجوب الحج على كل أحد في الخارج مرتبط بوجود تلك العناصر فيه شريطة أن تتوفر فيه سائر شروطه العامة من العقل و البلوغ و الحرية،و لا نظر لها الى اعتبار أمر آخر في وجوبه كعدم وجوب مزاحم أهم له أو نحو ذلك،و على هذا الأساس فان كان لاستجابته بذل الباذل أثر بشأن نفقة عياله باعتبار أنه يشتغل كعامل مضارب و ينفق على عائلته في كل يوم من اجرة ذلك اليوم،و إذا ذهب الى الحج لم يتمكن من الانفاق

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 123)


……….

عليهم،ففي مثل ذلك لا تجب عليه الاستجابة،لا لعدم تحقق الاستطاعة بذلا، بل من جهة أن وجوب الحج مزاحم بواجب أهم و هو وجوب الانفاق على عياله،و إن لم يكن لها أثر بشأن نفقتهم وجبت،و لا فرق في ذلك بين الاستطاعة البذلية و غيرها،فانهما بمعنى واحد و هو المتكون من الأمور التالية:الامكانية المالية،و الأمن و سلامة البدن،و التمكن من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج،فلو عرض عليه ما يحج به،فان قبل و حج به ثم رجع، فان لم يتمكن من استعادة وضعه المعاشي المناسب لمكانته بدون الوقوع في حرج انكشف عن عدم استطاعته به،و أن حجه هذا ليس بحجة الإسلام الواجبة،باعتبار استلزامه وقوعه في حرج،و لا فرق في ذلك بين الاستطاعة البذلية و غيرها،و أما نفقة العيال فهي ليست جزءا من الاستطاعة لا البذلية و لا غيرها،غاية الأمر إن كانت نفقة الزوجة فهي دين،و إن كانت نفقة غيرها فهي تكليف،و على كلا التقديرين فهي لا تمنع عن الاستطاعة،بل حينئذ يقع التزاحم بين وجوب الانفاق و بين وجوب الحج،و بما أن الأول أهم أو محتمل الأهمية فيقدم عليه.

نعم قد يستدل على أنها جزء من الاستطاعة غير البذلية برواية ابي الربيع الشامي،قال:«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فقال:ما يقول الناس؟قال:فقلت له:الزاد و الراحلة…الى أن قال:فما السبيل؟قال:فقال:السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله-الحديث» 1.بتقريب أن هذه الرواية قد فسرت السبيل بالسعة في المال الكافي لنفقة الحج و عياله معا،فتدل على أن نفقة العيال جزء من الاستطاعة.

و الجواب:إن الرواية و إن كانت ظاهرة في ذلك الاّ أنها ضعيفة سندا،فان في سندها خالد بن جرير،و هو لم يثبت توثيقه.


 

1) <page number=”123″ />الوسائل باب:9 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 124)


……….

و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تامة سندا و لكنها تدل على اعتبارها في مطلق الاستطاعة،بدون فرق بين البذلية و غيرها،بقرينة أنها وردت في تفسير السبيل في الآية الشريفة بالسعة في المال،و من المعلوم أنها مشتركة بين الاستطاعة البذلية و غيرها،لوضوح أنه ليس للاستطاعة البذلية معنى آخر غير الامكانية المالية،مع أن هذه الكلمة قد وردت في روايات البذل أيضا،هذا اضافة الى أن صيغ التعبير في الروايات الواردة في اعتبار الاستطاعة في وجوب الحج و روايات البذل تدل على أن الاستطاعة في كلا الموردين بمعنى واحد، و لا يظهر منهما الاختلاف فيها اصلا،نعم قد تختلف في بعض اللوازم.

و بكلمة:ان روايات البذل ناظرة إلى أن من بذل له ما يحج به فقد وجب عليه الحج شريطة أن تتوفر فيه الاستطاعة البدنية و الامنية على نفسه أو عرضه أو ماله في الطريق و عند الأعمال.

فالنتيجة:ان روايات البذل تدل على تحقق الاستطاعة المالية به بدون فرق بين أن تكون على نحو الملك أو الاباحة،فان المعيار في وجوب الحج انما هو بوجود ما يحج به و إن كان على نحو الاباحة،غاية الأمر إن كانت عنده نفقة تكفي لعياله في فترة سفره الى الحج وجب عليه استجابة البذل و الاّ لم تجب.

نعم إذا كان وجوده و عدمه على حد سواء بالنسبة إلى نفقتهم و لا أثر له بشأنها فتجب عليه استجابته.

لحد الآن قد ظهرت ان الانفاق على العيال كالوفاء بالدين خارج عن الاستطاعة موضوعا و انما يكون وجوب الانفاق كوجوب الوفاء بالدين مزاحم لوجوب الحج،و بما أن الأول أهم يتقدم على الثاني،و من أجل ذلك ان من كان لديه مالا لا يكفي للإنفاق على الحج و العيال معا قد يطلق عليه انه غير مستطيع، و لكن من المعلوم ان اطلاق عدم المستطيع عليه حكمي لا موضوعي باعتبار أن كلا منهما واجب مستقل في الشرع و لموضوع كذلك،و قد يقع التزاحم بينهما إذا لم تتسع قدرة المكلف على الجمع بينهما في مرحلة الامتثال.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 125)


[مسألة 35:لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية]

[3032]مسألة 35:لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية(1)، نعم لو كان حالا و كان الديان مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجا ففي كونه مانعا أو لا وجهان(2).

[مسألة 36:لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية]

[3033]مسألة 36:لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية(3).

فيه انه لا وجه لهذا التقييد لما مر من أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة المالية،غاية الأمر تقع المزاحمة بينهما فيقدم وجوب الوفاء به على وجوب الحج،و اما إذا كانت الاستطاعة بذلية فلا موضوع لهذه المزاحمة حيث لا يجوز له أن يفى دينه مما بذل له للحج،غاية الأمر إنه إذا كان متمكنا من الأداء و لو تدريجا إذا لم يذهب الى الحج وجب عليه ذلك تطبيقا لما تقدم،و أما إذا لم يكن لاستحبابه البذل أثر بشان الوفاء بالدين فتجب.

الأظهر كونه مانعا كما مر.

هذا شريطة أن لا يكون سفر الحج مؤثرا في وضعه المعاشي،فانه في مثل هذه الحالة اذا بذل اليه ما يحج به وجب عليه استجابته باعتبار أنها لا تؤثر في شأن وضعه المعاشي،و لا يجوز له صرفه فيه.و اما إذا وصل اليه مال هدية أو من عملية كسبه أو مهنته ما يكفي لنفقات سفر الحج فقط لم يجب،لمكان عدم استطاعته،فانه لو صرف المال في نفقات سفر الحج ثم رجع لم يتمكن من اعادة وضعه المعاشى العادي اللائق بمكانته بدون الوقوع في حرج بسبب ما انفقه على الحج،و هذا التمكن معتبر في الاستطاعة بمقتضى حديث لا حرج باعتبار أن من عناصر الاستطاعة التمكن من استئناف وضعه المادي المناسب لشأنه بدون الوقوع في حرج بسبب الحج و ما أنفقه عليه،فاذا توفر هذا العنصر في فرض توفر سائر عناصرها تمت الاستطاعة و الاّ فلا،و أما إذا كان سفره الى الحج و انفاق ما لديه من المال في متطلباته مؤثرا في وضعه المعاشي،فاذا رجع الى بلدته و لم يتمكن من اعادته بدون الوقوع في حرج لم يكن مستطيعا،و عليه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 126)


[مسألة 37:إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى]

[3034]مسألة 37:إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى،بل و كذا لو وهبه و خيّره بين أن يحج به أو لا(1)،و أما لو وهبه و لم يذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور.

[مسألة 38:لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه]

[3035]مسألة 38:لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه،لصدق الاستطاعة بل إطلاق الأخبار(2)،و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج فإنه يجب عليه بعد موت الموصي.

فلا يجب عليه الحج بدون فرق بين أن تكون استطاعته حينئذ مالية أو بذلية.

فالنتيجة:ان ما في المتن من عدم اعتبار الرجوع الى ما به الكفاية في الاستطاعة البذلية لا يتم باطلاقه.

في وجوب القبول اشكال بل منع،لأن الظاهر من روايات البذل وجوب القبول في فرض عرض الحج عليه،أو ما يحج به،مثل أن يقول:خذ هذا المال و حج به،و في المقام انما عرض عليه الجامع لا خصوص الحج،فلا يكون مشمولا لتلك الروايات.

هذا لعله لدفع توهم عدم شمول الأخبار للمسألة و اختصاصها بما إذا كان الباذل مالكا،و لكن لا وجه لهذا التوهم،لا لإطلاق الأخبار،فانها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،و انما هي ناظرة الى بيان وجوب الحج على من عرض عليه بلا نظر لها الى أن العرض من المالك أو من غيره،بل من جهة أن موضوع الوجوب هو العرض،فاذا تحقق ترتب عليه حكمه،و من المعلوم انه لا فرق في تحققه بين أن يكون العرض من قبل المالك مباشرة،أو من غيره.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 127)


[مسألة 39:لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة]

[3036]مسألة 39:لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة(1)و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا أو كانت
في الظهور اشكال بل منع،و الأظهر انه لا يجب عليه العمل بهذا الشرط،فانه يرتبط بمدى ولاية المالك على الخمس و الزكاة،و قد تقدم في ضمن بحوثهما انه لا ولاية له الاّ على عزلهما و تعيينهما في مال معين و اعطاؤه للمستحق دون أكثر من ذلك،فلا يحق للدافع أن يشترط على المستحق في تصرفه فيها شروطا و قيودا،لأن كل ذلك خارج عن نطاق ولايته،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى،انه مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن للمالك ولاية على هذا فلا شبهة في نفوذ هذا الشرط إذا كانت فيه مصلحة،و من هنا إذا كان ذلك الشرط من قبل الحاكم الشرعي حسب ما يراه كان نافذا لمكان ولايته، و عليه فلا وجه للقول بأن هذا الشرط لا يرجع الى معنى محصل،اذ كما لا يمكن أن يكون مرده إلى تعليق الاعطاء عليه بداهة ان الاعطاء فعل خارجي غير قابل للتعليق،كذلك لا يمكن أن يكون مردّه الى تعليق الالتزام بالاعطاء عليه،فان مرجعه الى ثبوت الخيار لدى التخلف و امكان الاسترداد،و الفرض انه لا موضوع له في المقام،فاذن لا محالة يكون مرده الى التزام مقارن للإعطاء،و هو التزام ابتدائي و ليس شرطا،و لا دليل على وجوب الوفاء به،و ذلك لما عرفت من أن نفوذه على المستحق و وجوبه عليه انما هو من باب ولاية المالك عليه لا من باب أن شرطه نافذ كشرط أحد المتعاملين على الآخر،و من هنا يكون وجوب العمل به تكليف محض،و لا يترتب على مخالفته أي أثر وضعي غير المعصية و استحقاق الإدانة و العقوبة.

فالنتيجة:ان مرد هذا الشرط الى تعيين المصرف لهما،و حينئذ فان كانت للدافع ولاية عليه وجب على المستحق العمل به كالحاكم الشرعي،فإن له الولاية على هذا،فاذا عيّن وجب العمل على طبقه،و إذا خالف فقد عصى

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 128)


الزكاة من سهم سبيل اللّه(1).

[مسألة 40:الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام]

[3037]مسألة 40:الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام،فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى(2).

و استحق العقوبة و الادانة،و لا يترتب على مخالفته شيء آخر كالخيار و امكان الاسترداد،نعم إذا استطاع المستحق بالقبض منهما بقدر مؤنة سنته حسب مكانته و شئونه بمعنى انه كان كافيا لنفقات سفر الحج له وجب عليه ذلك و إن لم يشترط،شريطة أن لا يقع في حرج بعد العود.

الأمر كما أفاده قدّس سرّه لما تقدم من انه لا يعتبر في صدقه أن تكون فيه مصلحة عامة على أساس انه يصدق على كل عمل قربي.

هذا هو الصحيح و هو المشهور بين الأصحاب،و تدل على ذلك روايات البذل،بتقريب أنها تنص على وجوب الحج على من عرض عليه ما يحج به بملاك أنه أصبح مستطيعا به،و من المعلوم أن الواجب على المستطيع بمقتضى الآية الشريفة و الروايات هو حجة الإسلام،و بما أنها واجبة في تمام مدة عمر الإنسان مرة واحدة،فهو على يقين من عدم وجوبها عليه مرة ثانية و إن استطاع مالا و على هذا فلا بد من حمل صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به اناس من أصحابه أقضى حجّة الإسلام؟قال:نعم،فان أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج،قلت:هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله،قال:نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة و إن أيسر فليحج-الحديث» 1على الاستحباب،هذا اضافة الى وجود قرينة داخلية و خارجية على ذلك،أما الأولى:

فلأن قوله عليه السّلام في نفس تلك الصحيحة،«نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون


 

1) <page number=”128″ />الوسائل باب:10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 129)


[مسألة 41:يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام]

[3038]مسألة 41:يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام،و في جواز رجوعه عنه بعده و جهان(1)،و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرف الموهوب له.

تامة و ليست بناقصة»ناص في أداء حجة الإسلام و أنها تامة،فاذن يصلح أن يكون قرينة على حمل الأمر بالحج عند الاستطاعة المالية على الاستحباب.و أما الثانية:فهي صحيحة معاوية قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل لم يكن له مال فحج به رجل من اخوانه أ يجزيه ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟قال:

بل هي حجة تامة» 1فان قوله عليه السّلام:«بل هي حجة تامة»ناص في الإجزاء و الكفاية،و عليه فيصلح أن يكون قرينة عرفا على حمل الأمر بالحج على الاستحباب.

الأظهر هو الجواز شريطة أمرين:

أحدهما:أن يكون بذل المال المبذول الى المبذول له على نحو الاباحة، و هذا يعني أنه باق في ملك الباذل.

الثاني:ان يكون المال المبذول قائما بعينه بدون وقوع التغيير أو التبديل عليه إذا كان على نحو الهبة،و الاّ لم يجز له الرجوع اليه،ثم انه إذا توفر شروط الرجوع و رجع اليه يكشف عن عدم استطاعته باعتبار أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة حدوثا و بقاء و مرتبطا بها ارتباط الحكم بالموضوع،هذا نظير ما إذا فقد ماله في الطريق بسبب من الأسباب،فانه يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول على أساس عدم توفر شروطه فيه.

و دعوى:أن الإحرام بما أنه كان باذن الباذل فلا يسوغ له الرجوع الى ما


 

1) <page number=”129″ />الوسائل باب:10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 130)


[مسألة 42:إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان]

[3039]مسألة 42:إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان(1).

[مسألة 43:إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية]

[3040]مسألة 43:إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية(2)،فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل لصدق
بذله و المنع عن الإتمام الواجب عليه،مدفوعة:بأن وجوبه عليه لا يمنع من رجوع الباذل الى ماله إذا كانت شروطه متوفرة،حيث ان الاتمام انما هو واجب عليه شريطة أن يظل متمكنا منه،فاذا رجع الباذل لم يبق متمكنا و كان معذورا عنه حينئذ،و عليه فهل على المبذول له تدارك ما صرفه من المال لحد الآن و ضمانه للباذل؟فالظاهر العدم باعتبار ان الصرف كان باذنه و أمره.

لا يبعد وجوبها عليه باعتبار أن السفر لما كان مستندا إلى أمره و إذنه فعليه أن يخسر كل ما يتطلبه من النفقة للذهاب و الاياب،فاذا رجع في أثناء الطريق كانت نفقة العود عليه.

فيه اشكال،و لا يبعد عدم الوجوب،و ذلك لأن روايات البذل ظاهرة في عرض الحج على شخص معين في الخارج،و لا تعم ما إذا عرض على الجامع لا على التعيين،و ما نحن فيه من هذا القبيل فان الباذل انما عرض ما يحج به على واحد منهما بدون تعيين على أساس أن العرض واحد فلا محالة يكون المأذون في الحج به واحد منهما لا بعينه،و لا أحدهما المعين،لأنه خلف الفرض،و الروايات لا تشمل العرض على الجامع.

و دعوى:ان العرض على كل واحد منهما بعينه مشروط بعدم أخذ الآخر باعتبار أن العرض أمر تكويني خارجي،فلا يمكن تعلقه بالجامع،بل لا بد أن يكون متعلقا بالشخص مشروطا،مدفوعة:بأن المقصود من عرض ما يحج به عليه ليس عرضه في الخارج،و الاّ فكما لا يمكن تعلقه بالجامع لا يمكن تعلقه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 131)


الاستطاعة بالنسبة إلى الكل،نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم(1)

بكل واحد منهما بعينه مشروطا بعدم أخذ الآخر،لأن العرض الخارجي غير قابل للتقييد،بل المقصود منه ان الباذل أباح ما يحج به لأحدهما،و من المعلوم أنه لا مانع من تعلق الاباحة بالجامع.

و إن شئت قلت:انه ليس هنا إباحات متعددة مشروطة بعدد الاشخاص، بل اباحة واحدة متعلقة بواحد منهم لا على التعيين بدون خصوصية،نظير ما ذكرناه في الواجب التخييري من أن هناك وجوب واحد متعلق بالجامع لا وجوبات متعددة مشروطة بعدد افراد الجامع،فان الباذل مرة يبيح ما يحج به لفرد معين،و أخرى يبيح لأحد فردين أو أفراد،فيكون متعلق الاباحة على الثاني الجامع دون الفرد بحده الفردي،و على هذا فروايات الباب لا تشمل الثاني على أساس أن موردها عرض ما يحج به على الفرد بحده الفردي،لا على الجامع بل لا معنى له الاّ بمعنى جعل الاباحة عليه،و لكن على ذلك لا تجب الاستجابة على كل واحد منهما لأن الاباحة مجعولة على الجامع لا على كل منهما بحده الشخصي مشروطة لفرض أن الاباحة المجعولة اباحة واحدة لا اباحات متعددة مشروطة.

فيه ان تنظير المقام بهذه المسألة يكون في غير محله لما عرفت من أن وجوب الحج على من عرض عليه المال ليحج به مرتبط بمدى دلالة الروايات و اطلاقها،و بما أنها لا تشمل ما إذا عرض ذلك على واحد من فردين أو أفراد لا بعينه فلا تجب الاستجابة على أي منهما بحده الشخصي باعتبار أن إباحة المال انما هي مجعولة للجامع بينهما و هي لا تسري الى أفراده،فلذلك لا تجب على كل فرد الاستجابة،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به أن يحج أحدهما به إذا ترك الآخر،و هذا بخلاف تلك المسألة فان موضوع وجوب

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 132)


فإن تيمم الجميع يبطل(1).

[مسألة 44:الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل،و أما الكفارات فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه]

[3041]مسألة 44:الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل،و أما الكفارات فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه،و إن اتى بها اضطرارا أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان(2).

التيمم فاقد الماء و عدم تيسره،و موضوع وجوب الوضوء و الغسل واجد الماء و التيسر منه،و عليه فاذا وجد شخصان متيممان ماء يكفى لأحدهما فقط دون الآخر بطل تيممهما معا شريطة عدم التسابق بينهما فيه باعتبار ان كل واحد منهما متمكن حينئذ من استعمال الماء بدون مزاحم فلا محالة يبطل تيممه،و أما مع التسابق فيه فالباطل هو تيمم من سبقه الآخر في استعماله لأنه متمكن منه دونه.

هذا في فرض عدم التسابق إليه كما مر،و اما مع التسابق فقد عرفت ان الباطل هو تيمم من سبقه الآخر،و الا لم يبطل تيمم أي واحد منهم لعدم تمكن الكل من الاستعمال.

الظاهر هو الأول،اذ لا موجب لكون الكفارات على الباذل سواء أ كانت عمدية أم خطئية على أساس أنها خارجة عن واجبات الحج من الأجزاء و الشروط،و الباذل انما تعهد بما يتطلب الحج من النفقات و الكفارات انما هي تتبع موجباتها،و الفرض انها تصدر من المبذول له لا من الباذل،و لا يقاس تلك الكفارات بثمن الهدي فانه من واجبات الحج و اجزائه،و ظاهر روايات البذل و العرض هو عرض ما يكفي للحج بكل واجباته،و لا نظر لها الى ما يجب على المبذول له من الكفارات لممارسة محرمات الإحرام،فانها انما تجب على كل من مارس شيئا من هذه المحرمات مباشرة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 133)


[مسألة 45:إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة]

[3042]مسألة 45:إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه،و كذا لو بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه،و لو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا،و لو بذل لمن استقر عليه حجة الإسلام و صار معسرا وجب عليه(1)،و لو كان عليه حجة النذر أو نحوه و لم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج،لشمول الأخبار(2)من حيث التعليل فيها بانه بالبذل صار مستطيعا،و لصدق الاستطاعة عرفا.

[مسألة 46:إذا قال له:«بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين عليه السّلام»]

[3043]مسألة 46:إذا قال له:«بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين عليه السّلام»وجب عليه الحج(3).

هذا لا من جهة نصوص البذل لأنها لا تشمل المقام لاختصاصها بما إذا وجب الحج على المبذول له بالاستطاعة البذلية،و اما في المقام فالحج واجب عليه بالاستطاعة المالية في زمن سابق،و لكن بما أنه كان عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي تسامح و تساهل فيه،و أخر الاتيان به سنة بعد سنة الى أن فاتت الاستطاعة و الامكانية المالية منه،فيظل الحج باقيا و مستقرا في ذمته، فيجب عليه الخروج حينئذ عن عهدته بأية وسيلة أمكن و لو متسكعا،و حيث انه كان معسرا فيجب عليه تحصيل القدرة على الاتيان به مهما أمكن،فاذا بذل باذل و عرض عليه ما يحج به وجب عليه القبول تطبيقا لما تقدم و هو وجوب تحصيل القدرة عليه،و بذلك يظهر حال ما بعده.

الظاهر أن هذا من سهو القلم في المسألة لأنها لا ترتبط بتلك الأخبار أصلا،بل الأخبار مرتبطة بالمسألة الآتية.

مر الاشكال فيه،بل المنع في المسألة(37).

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 134)


[مسألة 47:لو بذل له مالا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب]

[3044]مسألة 47:لو بذل له مالا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب.

[مسألة 48:لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الأعمال]

[3045]مسألة 48:لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الأعمال(1)من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه الإتمام و أجزأه عن حجة الإسلام.

[مسألة 49:لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا]

[3046]مسألة 49:لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا،فلو قالا له:حجّ و علينا نفقتك وجب عليه.

[مسألة 50:لو عين له مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها]

[3047]مسألة 50:لو عين له مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه الإتمام(2)في الصورة التي لا يجوز له الرجوع،إلا إذا كان
فيه ان ظاهر اطلاق كلامه جواز رجوع الباذل حتى بعد الإحرام،و هو لا ينسجم مع ما ذكره في المسألة(41)من التردد في جواز الرجوع بعده،و أما بناء على ما ذكرناه من الجواز حتى بعده شريطة توفر أمرين فيه،فلا اشكال في أن حجه حجة الإسلام في مفروض المسألة،لأنه مستطيع حتى في فرض كونه واجدا للمال الوافي بمواصلة الحج إلى أن يكمل مقارنا لرجوع الباذل،إذ الاستطاعة التدريجية كافية لوجوب حجة الإسلام،حيث انه كان مستطيعا بالبذل و بعد الرجوع بما أنه حدث عنده مال جديد بمقدار يفي لمؤنة سائر أعمال الحج فتستمر استطاعته الى أن يتم كل اعمال الحج و واجباته،و على هذا فلا وجه لدعوى أن رجوع الباذل يكشف عن عدم استطاعة المبذول لأنه انما يكشف عن ذلك بذلا لا مطلقا،غاية الأمر أنها مركبة من جزءين:أحدهما بذلي، و الآخر مالي.

في الوجوب اشكال بل منع،لأنه مبني على عدم جواز رجوع الباذل عن بذله بعد الاحرام و في الأثناء،و لكن قد مر أن الأظهر جوازه مطلقا حتى في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 135)


ذلك مقيدا بتقدير كفايته(1).

[مسألة 51:إذا قال:«اقترض و حجّ و عليّ دينك»]

[3048]مسألة 51:إذا قال:«اقترض و حجّ و عليّ دينك»ففي وجوب ذلك عليه نظر،لعدم صدق الاستطاعة عرفا،نعم لو قال:«اقترض لي و حج به»وجب(2)مع وجود المقرض كذلك.

الأثناء و بعد الاحرام على ما تقدم في المسألة(37)و على هذا فاذا رجع كشف ذلك عن عدم كونه مستطيعا من الأول.

بأن بذل مقدارا معينا من المال مقيدا بتقدير كفايته بدون أن يلتزم بالإتمام لو لم يكف.

و بكلمة:إن الباذل مرة:يكون بانيا على بذل ما يكفي للحج،و لكن عين مقدارا من المال باعتقاد أنه يكفي،ثم بان عدم كفايته،فانه من الخطأ في التطبيق، فعلى مسلك الماتن قدّس سرّه يجب اتمامه،و أخرى:انه عين مقدارا من المال و بذله لشخص على تقدير كفايته للحج و بنى على عدم اتمامه لو لم يكف،ففي مثل ذلك إذا انكشف عدم كفايته لم يجب عليه الاتمام،و لكن قد مر عدم وجوبه في كلتا الصورتين بلا فرق بينهما.

في الوجوب اشكال بل منع،و الأظهر عدمه بدون فرق بين الفرضين في المسألة،و ذلك لما مر من أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها أن الاستطاعة عبارة عن الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و متطلباته،و الفرض عدم تحققها في كلا الفرضين،اما الاستطاعة المالية فهي مفروضة العدم،و اما الاستطاعة البذلية فهي متمثلة ببذل المال و عرض ما يحج به على شخص،و هو لا يتحقق بالأمر بالاقتراض و إن كان على ذمة الآمر،إذ لا يصدق انه عرض عليه ما يحج به ليكون مشمولا لروايات البذل على أساس ان دلالتها على وجوب الحج على من عرض عليه ما يحج به ليست على خلاف القاعدة،بل من جهة أنه بنفس ذلك

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 136)


[مسألة 52:لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان]

[3049]مسألة 52:لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان أقواهما العدم(1)،

العرض صار مستطيعا فيكون وجوب الحج عليه حينئذ على القاعدة،و أما في المقام فلا يكون الأمر بالاقتراض موجبا لكونه مستطيعا،و انما يصير مستطيعا بعملية الاقتراض في الخارج،و من المعلوم أن تحصيل الاستطاعة بالقيام بهذه العملية غير واجب.

في اطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر هو التفصيل في المسألة بين ما إذا كان المبذول له غافلا عن كون المال المبذول مغصوبا،أو جاهلا به جهلا مركبا، و بين ما إذا لم يكن كذلك.

فعلى الأول،لا يبعد الاجزاء على أساس ان المعيار في وجوب الحج عليه انما هو استطاعته بالعرض و البذل،و قد مر ان الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية كما تحصل بالعرض على نحو الملك،كذلك تحصل به على نحو الاباحة،ضرورة ان العبرة انما هي بالامكانية المالية عنده،سواء أ كانت مستندة الى الملك،أم إلى الاباحة و جواز التصرف فيه واقعا،و عليه فاذا كان المال المعروض مغصوبا في الواقع،و كان المبذول له غافلا عنه أو بحكمه،جاز تصرفه فيه واقعا،فاذا جاز كذلك كان مستطيعا فيجب عليه الحج و لا ضمان عليه لأنه مستقر على الباذل.

و على الثاني:لا يجزئ عن حجة الإسلام،لعدم استطاعته ببذل مال غيره الذي لا يجوز له التصرف فيه واقعا و إن كان جائزا ظاهرا،لأنه غير مشمول لنصوص العرض و البذل،فان الظاهر منها هو عرض ما يجوز تصرف المبذول له فيه واقعا،بأن لا يكون محرما عليه كذلك،كما في الفرض الأول،و أما إذا كان حراما في الواقع فهو غير مشمول لها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 137)


أما لو قال:«حج و عليّ نفقتك»ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا فالظاهر صحة الحج و إجزاؤه عن حجة الإسلام(1)لأنه استطاع بالبذل،و قرار الضمان على الباذل في الصورتين عالما كان بكونه مال الغير أو جاهلا.

[مسألة 53:لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج]

[3050]مسألة 53:لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج،و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير لأن الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج و قطع الطريق مقدمة توصلية بأي وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام أو لا بنية الحج،و لذا لو كان مستطيعا قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق،بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا و لا يضر بحجه،نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي(2)كإجارته لزيارة بلدية أيضا،أما لو آجر للخدمة في
فيه أنه لا فرق بين هذا الفرض و الفرض المتقدم حيث ان عرض ما يحج به عليه لا يصدق على قول الباذل:حج و علي نفقتك،ما دام لم يعرض عليه ما يحج به خارجا،فاذا عرض عليه و كان المال المعروض مغصوبا،فان كان المبذول له غافلا عن ذلك أو جاهلا به جهلا مركبا لم يبعد الاجزاء و الاّ فلا.

نعم لو تحقق العرض بقوله(حج و علي نفقتك)و استطاع المبذول له بذلك، فالأمر كما افاده قدّس سرّه من صحة حجه و أن تصرفه في المال المغصوب واقعا لا يضر بها،باعتبار أن الحرام لا يكون متحدا مع الواجب،نعم إذا اشترى الهدي بالمال المغصوب شخصا كان تاركا للهدي،و أما الضمان فالمبذول له و إن كان ضامنا،الاّ أن ضمانه غير مستقر،باعتبار أن المالك إذا رجع اليه و أخذ بدل المال المغصوب منه فهو يرجع الى الباذل.

الأمر كما أفاده قدّس سرّه،لأن المشي إذا كان مملوكا للمستأجر الأول فلا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 138)


الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأول،فالممنوع وقوع الاجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة.

[مسألة 54:إذا استؤجر-أي طلب منه إجارة نفسه-للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول و لا يستقر الحج عليه]

[3051]مسألة 54:إذا استؤجر-أي طلب منه إجارة نفسه-للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول و لا يستقر الحج عليه،فالوجوب عليه مقيد بالقبول و وقوع الإجارة،و قد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه لصدق الاستطاعة و لأنه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته و كانت كافية في استطاعته،و هو كما ترى إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك،لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار(1).

يصح تمليكه للثاني لأنه تمليك مال غيره له بدون اذنه،نعم،يجوز له ان آجر نفسه للخصوصيات المقارنة للمشي كالمشي راجلا أو من طريق خاص أو نحو ذلك،فاذن يكون المملوك للمستأجر الثاني غير المملوك للمستأجر الأول.

فيه أنه لا فرق بين هذه الصورة و غيرها،فانه على كلا التقديرين لا تتحقق الاستطاعة الاّ باجارة نفسه للخدمة أو نحوها في الطريق حتى يصير مستطيعا،و هي غير واجبة لأنها من تحصيل شروط الوجوب.

و بكلمة:ان المراد من الاستطاعة ليس هو القدرة الفعلية على الحج و التمكن منه و لو بواسطة تمكنه من اجارة نفسه،بل المراد منها الامكانية المالية عنده فعلا،و هي تتوقف على قبوله لها،فمن أجل ذلك لا يجب عليه القبول، على أساس أنه تحصيل للاستطاعة،و هو غير واجب،و من المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون اجارة نفسه للأسفار كعادة له أو لا،اذ على كلا الفرضين لا تجب عليه الاجارة لتحصيل الاستطاعة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 139)


[مسألة 55:يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير]

[3052]مسألة 55:يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير، و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي(1)،فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه،و إلا فلا.

و دعوى:ان الشخص لما كان يملك منافعه كان بامكانه تمليكها من شخص آخر لقاء أجرة معينة تكفي لنفقات سفر الحج له ذهابا و ايابا،لما مر من أنه لا فرق في الاستطاعة المالية بين أن تكون نقدا أو عينا أو منفعة،كما إذا كانت عنده ضيعة فله أن يقوم ببيعها و صرف ثمنها في نفقات الحج،و له أن يقوم باجارتها في فترة طويلة تكفي أجرتها في نفقاته،مدفوعة:بأن قياس منافعه بمنافع ضيعته قياس مع الفارق،فانه لا يملك ذاته لكي يملك منافعه بملكية اعتبارية كمنافع أمواله،فلذلك لا تترتب آثار الملك على منافع الحرّ الاّ إذا كانت مملوكة لغيره باجارة أو نحوها.

هذا إذا كان مقيدا بعام الاجارة،و اما إذا كان مطلقا و غير مقيد به فيجب تقديم الحج عن نفسه عليه شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بالتمكن من الاتيان بالحج النيابي في السنين القادمة،فانه حينئذ لا تزاحم بينهما باعتبار أن أحدهما مضيق و الآخر موسع،و اما إذا لم يكن واثقا بذلك وجب تقديم الحج النيابي، فان احتمال انه لو صرف مال الاجارة في حجة الإسلام عجز عن الحج النيابي كفى في التقديم،فان وجوب حجة الإسلام فورا يعني في السنة الأولى من الاستطاعة في هذه الحالة غير معلوم لكي يصلح أن يزاحم وجوب الحج النيابي،و قد تقدم الاشكال في فورية وجوبها الاّ في حالة خاصة،و في المقام بما انه لم يكن مستطيعا من الأول و انما جاءت استطاعته من قبل مال الاجارة،فاذا احتمل انه لو صرفه في نفقات سفر حجة الإسلام عن نفسه عجز عن نفقات الحج النيابي وجب صرفه فيه أو حفظه له،اذ لا دليل على فورية وجوبه في هذه الحالة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 140)


[مسألة 56:إذا حج لنفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام]

[3053]مسألة 56:إذا حج لنفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك(1)،و ما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيرا كما صرح به في بعضها الآخر،فالمستفاد منها أن حجة الإسلام
هذا إذا حج لنفسه متسكعا،فانه لا يجزئ عن حجة الإسلام، و إذا استطاع بعد ذلك وجب على أساس ما دل على وجوب الحج على من استطاع من الآية الشريفة و الروايات،فان مقتضى اطلاقه وجوبه عليه و ان حج قبل استطاعته،و أما إذا حج عن غيره تبرعا أو بالاجارة ففي وجوب الحج عليه إذا استطاع اشكال،و إن كان الوجوب هو الأحوط و الأجدر، و ذلك لدلالة مجموعة من الروايات على الاجزاء و عدم وجوب الحج عليه إذا استطاع.

منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:حج الصرورة يجزى عنه و عمّن حج عنه» 1.

و منها:صحيحة الأخرى قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟قال:نعم-الحديث» 2.

و منها:صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجّه غيره ثم أصاب مالا،هل عليه الحج؟فقال:يجزى عنهما جميعا» 3.

فان هذه الروايات ناصة في الإجزاء عن حجة الإسلام و عدم وجوب الاتيان بها إذا استطاع مالا و بدنا و سربا،و لا معارض لها ما عدا روايتي آدم بن علي و أبي بصير،و لكنهما ضعيفتان من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليهما،


 

1) <page number=”140″ />الوسائل باب:21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
2) الوسائل باب:21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:4.
3) الوسائل باب:21 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:6.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 141)


……….

هذا اضافة الى أن مقتضى الجمع العرفي الدلالي بين الطائفتين هو حمل الثانية على الاستحباب.

و دعوى:ان الاصحاب بما أنهم قد اعرضوا عن الطائفة الأولى فهو يوجب سقوطها عن الحجية و الاعتبار،بل في بعض الكلمات ان الحكم بالاجزاء و سقوط حجة الإسلام معلوم البطلان و لم يذهب اليه أحد من علماء الامامية،بل تسالموا على عدم الاجزاء و عدم العمل بالصحيحتين،مدفوعة:بما ذكرناه في محله من أن إعراض الأصحاب عن رواية و عدم عملهم بها رغم أنها بأيديهم انما يكشف عن سقوطها شريطة توفر أمرين فيها.

أحدهما:أن يكون هذا الإعراض من قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام.

و الآخر:ان لا يكون في المسألة ما يحتمل أن يكون مدركا لعدم عملهم بها،فاذا توفر هذان الأمران فيها كشف عن سقوطها و عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام من الأول و انه وصل إلينا يدا بيد و طبقة بعد طبقة.و لكن كلا الأمرين غير متوفر.

أما الأمر الأول:فلا طريق لنا إلى إحراز ذلك بين القدماء جميعا،و مجرد اعراض المتأخرين و عدم عملهم بها لا يكشف عنه بين القدماء،اذ من المحتمل أن يكون اعراضهم عنها مستندا إلى أمر آخر.

و أما الثاني:فلأن من المحتمل ترجيح الطائفة الثانية على الأولى بسبب أو آخر.و من هنا ذكر صاحب المدارك لها محامل،و لم يقل بسقوطها عن الاعتبار باعراض الاصحاب عنها.

فالنتيجة:ان الحكم بسقوطها عن الحجية و الاعتبار باعراض الاصحاب عنها في غاية الاشكال بل المنع،فمن أجل ذلك لا يمكن طرح هذه الروايات و عدم العمل بها.و من هنا يظهر انه لا يبعد الالتزام نظريا بمدلول هذه الروايات و هو ان من حج عن غيره يجزي عن حجة الإسلام عنه أيضا،باعتبار أنه مصداق

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 142)


مستحبة على الغير المستطيع(1)و واجبة على المستطيع،و يتحقق الأول بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرعا أو بالإجارة،و لا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب.

[مسألة 57:يشترط في الاستطاعة مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتى يرجع]

[3054]مسألة 57:يشترط في الاستطاعة مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتى يرجع،فمع عدمه لا يكون مستطيعا(2)،و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و إن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الأقوى،فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسب و هو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعد عيالا له،فالمدار على العيال العرفي.

للحجة الأولى للمستطيع،و لكن مع ذلك فالمسألة لا تخلو عن اشكال، و الاحتياط بالاتيان بحجة الإسلام إذا استطاع بعد ذلك لا يترك.

فيه ان حجة الإسلام واجبة على المستطيع،فانها عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع المميزة لها شرعا،و لا تنطبق على الحج المستحب للفقير و لا لغيره،و الاّ فمقتضى القاعدة الاجزاء باعتبار أنهما حقيقة واحدة،و لا فرق بينهما الاّ في الوجوب و الاستحباب،لفرض عدم اعتبار قصدهما في الصحة،و حينئذ هذا مثل حج الغني بعد اتيانه بحجة الإسلام الواجبة عليه فانه مستحب و لا تصدق عليه حجة الإسلام.

بل يكون مستطيعا حتى فيما إذا كانت نفقة العائلة دينا عليه كنفقة الزوجة،لما مر من أن الاستطاعة المالية التي هي معتبرة في وجوب الحج عبارة عن الامكانية المالية عنده فعلا لنفقات سفر الحج،فاذا حصلت تلك الامكانية له بالهبة أو بالاكتساب فهو مستطيع سواء أ كانت عنده نفقة عياله في فترة الحج أم لم تكن،غاية الأمر إذا لم تكن وقع التزاحم بين وجوب الحج و وجوب النفقة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 143)


[مسألة 58:الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية]

[3055]مسألة 58:الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية(1) من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان أو نحو ذلك بحيث لا يحتاج إلى التكفف و لا يقع في الشدة و الحرج،و يكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره و وجاهته و إن لم يكن له رأس مال يتجر به،
كما هو الحال في سائر الديون،فلا يكون وجوب اداء الدين رافعا للاستطاعة كما تقدم،فاذن لا بد من تقديم وجوب النفقة على وجوب الحج بملاك الأهمية، أو لا أقل من احتمالها،هذا اضافة الى أن فورية وجوب الحج مطلقا محل اشكال كما سبق.

و من هنا يظهر الحال فيما إذا دار الأمر بين وجوب الانفاق على الأولاد أو الأبوين و وجوب الحج،فانه يتقدم الأول لمكان احتمال اهميته،هذا اضافة إلى الاشكال في فورية وجوبه.

و اما من لا تجب نفقته عليه شرعا كالأخ أو الأخت أو اليتيم الذي في حجره ممن لا يقدر على نفقته و لكنه ملتزم بالانفاق عليه بحيث يعد عرفا من عائلته،فان كان الذهاب الى الحج و صرف المال فيه و ترك الانفاق عليه حرجيا لم يجب،و كذلك إذا أدى ترك الانفاق عليه وقوعه في مهانة أو خطر،و الاّ وجب.

هذا هو الصحيح شريطة أن يسبب عدم الكفاية بعد الانفاق على الحج وقوعه في حرج من جهة ما انفقه عليه،فان تمكنه من اعادة وضعه المعاشي الطبيعي اللائق بحاله و متطلبات مكانته بعد الانفاق على سفر الحج بدون الوقوع في حرج بسببه معتبر في الاستطاعة التي هي الموضوع لوجوب الحج و إن كان منشأ اعتباره فيها الوقوع في الحرج باعتبار أنها متكونة من أمور منها التمكن من استئناف وضعه المعاشي اللائق بحاله بعد الانفاق على الحج

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 144)


نعم قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية(1)،و لا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضي أمره(2)بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة و غيرهم فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم،بل و كذا الفقير الذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله،و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب من دون حرج عليه.

و الرجوع الى بلدته بدون الوقوع في الحرج بسبب ذلك،و اما إذا لم يتمكن من اعادة وضعه المعاشي بعد الرجوع و العودة الى بلدته و يقع في حرج فهو لا يكون مستطيعا.

و إن شئت قلت:ان المستفاد من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها هو أن الاستطاعة و إن كانت عبارة عن الامكانية مالا و بدنا و سربا و لا يستفاد منهما اعتبار التمكن من اعادة وضعه المعاشي الطبيعي اللائق بحاله بعد الانفاق على الحج و العودة الى بلدته بدون الوقوع في حرج بسبب ذلك الانفاق، و لكن يستفاد اعتباره من دليل لا حرج،لأنه لازم تطبيقه في المقام و نفي وجوبه في صورة عدم التمكن منها بدون الوقوع فيه،و لا يقاس ذلك بوجوب الوفاء بالدين،أو بوجوب النفقة فانه وجوب آخر في مقابل وجوب الحج،فلذا تقع المزاحمة بينهما كما مر،فلا يكون التمكن من الوفاء بالدين أو على النفقة جزء الاستطاعة التي هي شرط لوجوب الحج،بل هو شرط لوجوب آخر.

مر الاشكال في اطلاقه،بل المنع في المسألة(36).

بل لا موضوع له فيه،لأنه متمكن من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بعد الرجوع من الحج و الانفاق عليه بدون الوقوع في حرج،و هذا يعني أن الحج لا يؤثر في حاله،و لا فرق فيها بين ما قبل الاتيان به و ما بعده و ذهابه اليه و عدم ذهابه،و كذلك حال ما بعده.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 145)


[مسألة 59:لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به]

[3056]مسألة 59:لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به،كما لا يجب على الوالد أن يبذل له،و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به.

و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج،و القول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف،و إن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار «قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟قال:نعم يحج منه حجة الإسلام،قال:و ينفق منه؟قال:نعم،ثم قال:إن مال الولد لوالده،إن رجلا اختصم هو و والده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقضى أن المال و الولد للوالد»و ذلك لإعراض الأصحاب عنه(1)مع إمكان حمله
لا للاعراض لما مر في المسألة(56)من أنه لا أثر للاعراض،بل من جهة ان الروايات في المسألة متعارضة فان طائفة منها تنص على جواز تصرف الوالد في مال ولده في الحج و غيره،و طائفة أخرى منها تنص على عدم الجواز.

اما الطائفة الأولى:

فمنها:صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه،قال:يأكل منه ما شاء من غير سرف،و قال:في كتاب علي عليه السّلام:ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الاّ باذنه،و الوالد يأخذ من ماله ابنه ما شاء،و له أن يقع على جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:أنت و مالك لأبيك» 1فانها ناصة في جواز تصرف الوالد في مال ولده ما شاء،و مطلقة من ناحية تصرفه فيه في الحج أو في غيره.


 

1) <page number=”145″ />الوسائل باب:78 من أبواب ما يكتسب به الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 146)


……….

و منها:صحيحة سعيد بن يسار قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أ يحج الرجل من مال ابنه و هو صغير؟قال:نعم،قلت:يحج حجّة الإسلام و ينفق منه؟قال:

نعم بالمعروف،ثم قال:نعم يحج منه و ينفق منه،ان مال الولد للوالد و ليس للولد أن يأخذ من مال والده الاّ باذنه» 1فانها ناصة في أن للوالد أن يحج من مال ولده.

و منها:صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يكون لولده الجارية أ يطأها؟قال:إن أحب،و إن كان لولده مال و أحب أن يأخذ منه فليأخذ،و إن كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا الاّ قرضا» 2.

و اما الطائفة الثانية:

فمنها:صحيحة عبد اللّه بن سنان،قال:«سألته-يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام-ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟قال:أما إذا انفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا،و إن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها الاّ أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه» 3فانها ناصة في عدم الجواز في فرض عدم الحاجة و انفاق الولد على الوالد بأحسن النفقة.

و منها:صحيحة الحسين بن أبي العلاء،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما يحل للرجل من مال ولده؟قال:قوته(قوت)بغير سرف اذا اضطر اليه،قال:

فقلت له:فقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له انت و مالك لأبيك:فقال:انما جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمي،فأخبره الأب انه قد انفقه عليه و على نفسه،و قال:انت و مالك لأبيك،و لم يكن عند الرجل شيء،أو كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن؟» 4فانها ناصة في عدم جواز أخذ الوالد من مال ولده أكثر من مقدار قوته.


 

1) <page number=”146″ />الوسائل باب:78 من أبواب ما يكتسب به الحديث:4.
2) الوسائل باب:78 من أبواب ما يكتسب به الحديث:10.
3) الوسائل باب:78 من أبواب ما يكتسب به الحديث:3.
4) الوسائل باب:78 من أبواب ما يكتسب به الحديث:8.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 147)


على الاقتراض(1)من ماله مع استطاعته من مال نفسه أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر(2)إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

و على هذا فتقع المعارضة بين الطائفتين،و حينئذ ينظر الى امكان ترجيح احداهما على الأخرى،و بما أن الطائفة الثانية موافقة لإطلاق الكتاب و السنة دون الأولى فتتقدم عليها.

فالنتيجة:عدم جواز تصرف الوالد في مال الولد في غير مقدار تدعو الضرورة و الحاجة إلى التصرف فيه،أو في مقدار قوته.

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن موافقة اطلاق الكتاب لا تصلح للمرجحية،بدعوى انه ليس مدلول الكتاب و انما الحاكم به العقل،فلا تصدق على موافقته موافقة الكتاب،كما ذهب اليه السيد الاستاذ قدّس سرّه،فتسقطان معا، و يرجع عندئذ إلى العام الفوقي،و هو اطلاق الكتاب و السنة،فاذن النتيجة هي نفس تلك النتيجة.

بقى هنا شيء:و هو ان المستفاد من الطائفة الثانية أنه يحق للوالد أن يأخذ من مال ولده بمقدار نفقته و قوته،و هذا يكشف عن أن نفقة الوالد حق على الولد لا مجرد تكليف،و الاّ فلا يحق له أن يأخذ من مال ولده نفقته اذا لم يعط الولد و عصى.

فيه انه لا يمكن هذا الحمل،و لا شاهد عليه في الروايات أصلا،بل الشاهد موجود على الخلاف،و هو ما في بعض تلك الروايات من أن الأم لا تأخذ من مال ولدها الاّ قرضا دون الوالد،و مع هذا التفصيل كيف يمكن حمل أخذ الوالد من مال الولد على الاقتراض.

فيه أن هذا الحمل بعيد جدا و لا قرينة عليه لا من القريب و لا من البعيد.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 148)


[مسألة 60:إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله]

[3057]مسألة 60:إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله،فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه،و كذا لو حج متسكعا،بل لو حج من مال الغير غصبا صح و أجزأه،نعم إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه من المغصوب لم يصح(1)،و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا(2).

بل يصح في كل هذه الصور،أما في حال الاحرام فلأن ثوبيه اذا كانا مغصوبين لا يضران بصحته على أن صحة الاحرام لا تكون مشروطة بلبس ثوبيه،فانه صحيح و إن لم يكن لابسا لهما،لأن حقيقة الإحرام انما هي التلبية،فاذا لبى ناويا القربة و الخلوص تحقق الاحرام سواء أ كان لابسا ثوبيه أم لا،فان لبسهما واجب تعبدي مستقل،فاذا كانا من المغصوب كان تاركا واجبا مستقلا لا من واجبات الحج أو العمرة،فلا يكون تركه مؤديا الى بطلان الحج أو العمرة.

و اما الطواف،فلأن صحته و إن كانت مشروطة بالستر كالصلاة،الا انا ذكرنا في محله ان الستر بما أنه قيد للطواف فهو خارج عنه،و تقيّده به داخل فيه، و التقيد بما أنه جزء معنوي تحليلي فلا واقع له في الخارج،فان ماله واقع فيه ذات المقيد و القيد،و على هذا فاذا كان الستر حراما لم يكن الحرام متحدا مع الواجب لفرض أنه ليس من أجزائه و واجباته،و مع عدم الاتحاد لا مانع من انطباق الواجب على الفرد المأتي به في الخارج،غاية الأمر انه ملازم لوجود الحرام فيه،فلذلك يستحق العقوبة و الادانة على ايجاد الحرام في ضمن ايجاد الواجب،و من هنا فالأقوى صحة الطواف مع كون الساتر مغصوبا،كما كان الأمر كذلك في الصلاة.

و أما السعي،فهو لا يكون مشروطا بالستر أصلا،و لذا يصح عريانا فضلا عن أن يكون مغصوبا.فالنتيجة:ان الحج صحيح في كل هذه الصور.

هذا شريطة أن يكون الشراء بعين المال المغصوب خارجا،و حينئذ

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 149)


[مسألة 61:يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية]

[3058]مسألة 61:يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية،فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه و لو على المحمل أو الكنيسة لم يجب(1)،و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته؛و كذا لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته.

[مسألة 62:و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية]

[3059]مسألة 62:و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية،فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب،و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب،و إلا فلا(2).

فالبيع بما أنه باطل فيظل الهدي باقيا في ملك مالكه،فيكون تاركا للهدي،و تركه اذا كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي كان مبطلا للحج،كما سوف نذكره في ضمن المسائل الآتية.

هذا شريطة أن يكون الشخص واثقا و مطمئنا باستمرار عذره ما دام في قيد الحياة،فانه حينئذ يجب عليه ارسال شخص ليحج نيابة عنه.نعم اذا كان عدم وجوب الحج عليه من جهة أنه لا يقدر على أجرة الركوب في الطائرة و إن كانت عنده اجرة الركوب في السيارة،الاّ أنه لا يقدر على الركوب فيها،أو حرجي،أو بحاجة الى وجود خادم في سفر الحج و لكن ليس لديه الامكانية المالية لاستخدامه،و بدونه يقع في المشقة و الحرج،ففي أمثال هذه الحالات لا يكون مستطيعا لكي يجب عليه ارسال شخص ليحج عنه.

فيه ان الظاهر جوب الحفاظ على الاستطاعة الى العام القادم،و عدم جواز تفويتها لاستلزامه تفويت الملاك الملزم في ظرفه،و ذلك لأن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات الكثيرة التي تنص على وجوب الحج مرة بلسان:«من كان عنده ما يحج به»،و أخرى بلسان:«من كان عنده زاد و راحلة»،و ثالثة بلسان:

«من كان عنده زاد و راحلة و صحة البدن و تخلية السرب»،ان وجوب الحج يتحقق بتحقق الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية،و الأمن في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 150)


[مسألة 63:و يشترط أيضا الاستطاعة السربية]

[3060]مسألة 63:و يشترط أيضا الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال و إلا لم يجب،و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك،و لو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون، و لو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد مثل ما إذا كان من أهل العراق و لا يمكنه إلا أن يمشي إلى كرمان و منه
الطريق،و السلامة في البدن،و عدم الوقوع في العسر و الحرج بعد الرجوع و الإنفاق على الحج،فاذا توفرت الاستطاعة بكل عناصرها اتصف الحج بالملاك في مرحلة المبادئ،و بالوجوب في مرحلة الاعتبار،و لكن ترتب الملاك عليه في الخارج مشروط بشرط متأخر و هو مجيء وقته كيوم عرفة،فانه قيد للواجب،و قد ذكرنا في علم الأصول أن قيد الواجب اذا كان غير اختياري فلا بد من أخذه قيدا للوجوب أيضا اذا لا يمكن أن يكون الواجب مشروطا بشرط غير مقدور،و الوجوب مطلقا و فعليا،و الاّ لزم أن يكون محركا نحو الاتيان بالواجب المقيد بقيد غير مقدور و هو تكليف بالمحال هذا،اضافة إلى أن ملاكه بما أنه لا يترتب عليه الاّ بالاتيان به في ذلك اليوم فلا معنى لأن يكون وجوبه مطلقا،فلا محالة يكون مشروطا به على نحو الشرط المتأخر،و لا مانع من الالتزام به في مرحلة الاعتبار و الجعل،و على هذا الأساس يكون وجوب الحفاظ على الاستطاعة بعد حصولها و عدم جواز تفويتها على القاعدة،باعتبار أن تفويتها يستلزم تفويت الملاك عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي.

فالنتيجة:ان الاستطاعة في أي وقت تحققت و حصلت يجب الحفاظ عليها،و لا يجوز التساهل و التسامح في التحفظ بها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 151)


إلى خراسان و منه إلى بخارا و منه إلى الهند و منه إلى بوشهر و منه إلى جدة مثلا و منه إلى المدينة و منها إلى مكة فهل يجب أو لا؟و جهان أقواهما عدم الوجوب(1)لأنه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السرب(2).

[مسألة 64:إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب]

[3061]مسألة 64:إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب(3)،و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة(4)أو لاحق مع كونه أهم من الحج
بل الأقوى الوجوب،لإطلاق الأدلة،فان مقتضاه وجوب الحج على كل من كانت له الامكانية المالية و الأمن و السلامة في الطريق و عدم الوقوع في حرج بدون خصوصية للطريق،نعم اذا كان ذهابه الى الحج بهذه الطريقة و الدوران في البلاد حرجيا لم يجب.

في عدم الصدق اشكال بل منع،نعم ان الذهاب الى الحج بهذا الطريق بما أنه غالبا يؤدي الى الوقوع في المشقة و الحرج في القرون القديمة بسبب أو آخر،فمن أجل ذلك يقال انه غير مخلى السرب،لأن الطريق الاعتيادي محفوف بالمخاطر و غيره حرجي غالبا،و الاّ فلا مانع منه،و أما في العصر الحاضر و بالوسائل الحديثة فلا فرق.

هذا اذا أدى الى كون انفاقه على الحج حرجيا،و الاّ وجب،اذ مجرد كونه ضرريا أي موجبا لتلف مال له لا يمنع من الانفاق عليه اذا لم يصل الى حد الحرج،باعتبار أن الحج مبني على الضرر المالي بدون تحديده بحد خاص الاّ اذا وصل الى حد الاجحاف و الحرج.

في كونه مانعا عن وجوب الحج اشكال بل منع،و الأظهر وقوع التزاحم بينهما و الرجوع الى مرجحاته،و السبب فيه أن مانعيته عن وجوبه مبنية على تمامية أحد أمرين:

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 152)


كإنقاذ غريق أو حريق،و كذا إذا توقف على ارتكاب محرم(1)كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة.

[مسألة 65:قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج مضافا إلى البلوغ و العقل و الحرية،الاستطاعة المالية و البدنية و الزمانية و السربية]

[3062]مسألة 65:قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج مضافا إلى البلوغ و العقل و الحرية،الاستطاعة المالية و البدنية و الزمانية و السربية و عدم استلزامه الضرر أو ترك واجب أو فعل حرام(2)،و مع فقد أحد هذه لا يجب،

[فبقي الكلام في أمرين]

فبقي الكلام في أمرين:

الأول:أن يكون المراد من الاستطاعة المعنى المساوق لعدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي المولوي،فاذن يكون وجوب واجب آخر واردا على وجوب الحج و رافعا له بارتفاع موضوعه.

الثاني:أن يكون الأسبق زمانا أحد مرجحات باب التزاحم.

و لكن كلا الأمرين غير تام.

أما الأمر الأول:فقد تقدم أن الاستطاعة بحسب المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات عبارة عن القدرة التكوينية المتكونة من العناصر الثلاثة المتقدمة،فاذن لا محالة يقع التزاحم بينهما و يرجع فيه الى مرجحاته.

و اما الثاني:فقد ذكرنا في علم الأصول أن السبق الزماني بعنوانه لا يكون من أحد مرجحات باب التزاحم ما لم يرجع الى مرجح آخر،و تمام الكلام هناك.

فيه أن هذا المثال كالسابق يكون من موارد التزاحم،فلا بد من لحاظ أن أيا منهما أهم من الآخر،أو محتمل الاهمية حتى يتقدم على الآخر.

هذا اذا كان الواجب او الحرام أهم من الحج،أو لا أقل من احتمال كونه أهم،فعندئذ يكون وجوب الحج مشروط بذلك لبا دون العكس،و اما اذا كان مساويا له فكل منهما مشروط بترك الاشتغال بالآخر،فالنتيجة هي التخيير بينهما،كما هو الحال في كل مورد يكون التزاحم فيه بين واجبين متساويين،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 153)


[أحدهما:إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد
فقد بعضها و كان متحققا]

أحدهما:إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد بعضها و كان متحققا فنقول:إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا مع تحقق سائر الشرائط فحج ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجة الإسلام(1)،و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا مع تحقق سائر الشرائط و أتى به أجزأه عن حجة الإسلام كما مر سابقا(2)،و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة(3)

الاّ أن يقال ان المراد من الاستطاعة القدرة الشرعية التي ترتفع بالاشتغال بكل واجب أو ترك كل حرام دون العكس.

و لكن قد مر أنه لا أساس لهذا القول،و أن المراد من الاستطاعة هو القدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و حينئذ فيصلح أن يزاحم اي واجب آخر،غاية الأمر إن كان أهم أو محتمل الأهمية قدم عليه،و يكون وجوبه حينئذ مشروطا لبا بعدم الاشتغال به بمقتضى التقييد اللبى العام،و مع الاشتغال به يرتفع بارتفاع موضوعه.

الأمر كما افاده قدّس سرّه على أساس ما مر من أن حجة الإسلام حجة خاصة،و لا تنطبق إلا على الحجة الأولى للمستطيع البالغ العاقل الحر،و على هذا فاذا لم يكن الشخص بالغا أو حرا و إن كانت سائر الشروط متوفرة فيه لم يكن حجه حجة الإسلام،و لا تنطبق عليه و إن أتى به بهذا الاسم جاهلا أو غافلا،لأنه لا يغير الواقع،باعتبار ان نية ما ليس بحجة الإسلام لا تجعله حجة الإسلام ما لم تتوفر شروطها.

قد مر تفصيل ذلك في المسألة(9)من فصل(شرائط حجة الإسلام) فلا نعيد.

فيه أنه لا وجه لهذا التحديد أصلا،و لعله من سهو القلم،فان بقاء شروط وجوب الحج الى ذلك الحد لا أثر له للمكلف الملتفت الى وجوبه،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 154)


فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه(1)فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك
فضلا عمن لا يكون ملتفتا اليه،لأن المستطيع الملتفت الى توفر كل شروطه فيه اذا دخل عليه شهر ذي الحجة ثم زالت عنه الاستطاعة بسبب أو آخر بدون تقصير و تفريط منه كشف عن عدمها من الأول،لا عن استقرار وجوب الحج عليه،بل لو تلف ماله في أثناء اعمال الحج و لم يتمكن من اتمامه يكشف عن عدم استطاعته من الأول لا عن استقراره،و من هنا كان على الماتن قدّس سرّه أن يحدّد بقاء مثل هذه الشروط الى نهاية اعمال الحج في استقراره عليه شريطة أن يكون ذلك عن عمد و التفات لا مطلقا.

فيه اشكال بل منع،و الظاهر بل المقطوع به عدم الاستقرار في المقام لأمرين:

أحدهما:ان بقاء الشروط عنده الى ذي الحجة مع علمه و التفاته اليها لا يوجب استقرار الحج عليه،فضلا عن صورة اعتقاده بالخلاف.

و الآخر:أن ما يوجب استقراره انما هو ترك الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي للتساهل و التسامح فيه طول فترة وقته مع تمكنه من الاتيان به في ذلك الوقت بدون أي عائق في البين،و اما اذا كان عن عذر فلا يوجب ذلك، و السبب في هذا أن وجوب استقراره انما يستفاد من الروايات التي تنص على عدم جواز التسويف و الاهمال فيه،و أن من سوّف الحج و تركه عامدا و ملتفتا، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام و يموت اما يهوديا او نصرانيا،فانه يستفاد من هذه الروايات ان الحج يظل ثابتا في ذمته و إن زالت استطاعته هذا اضافة الى أنه لما كان معتقدا بعدم بلوغه و حريته فهو كالغافل،و معه لا يكون قابلا لتوجيه التكليف اليه في الواقع على أساس أن الغرض من جعله هو امكان داعويته للمكلف و محركيته له،و مع الغفلة لا يمكن أن يكون داعيا و محركا،فاذن لا وجوب عليه في الواقع حتى يستقر.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 155)


كما إذا تلف ماله وجب عليه الحج و لو متسكعا،و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه و جهان(1)من فقد الشرط واقعا و من أن القدر المسلم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة(2)،و إن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال و كان في الواقع كافيا و ترك الحج فالظاهر الاستقرار عليه(3)،و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج
الظاهر عدم الاجزاء لما مر من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع و لا تنطبق على حج غيره،و لا يوجد دليل على أنه يجزى عنها.

هذا اذا كان الدليل على عدم الاجزاء دليلا لبيا حتى يكون المتيقن منه غير هذه الصورة،بل الدليل عليه اطلاق الآية الشريفة و الروايات التي تنص على وجوب الحج على المستطيع،و مقتضى اطلاقها وجوبه عليه مطلقا و ان حج قبل حصول الاستطاعة.

نعم قد مر في المسألة(56)انه اذا حج عن غيره تبرعا أو إجارة لا يبعد إجزاؤه عن حجة الإسلام عن نفسه أيضا نظريا،و إن كان الأحوط و الأجدر به وجوبا الاتيان بها اذا استطاع.

في الظهور اشكال بل منع،لما مر من أن استقرار وجوب الحج على المكلف مرتبط بأن يكون تركه في وقته مستندا إلى التساهل و التسامح منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي حتى يكون مشمولا لنصوص التسويف و الإهمال، و من المعلوم ان تركه اذا كان من جهة اعتقاده بعدم الاستطاعة و الامكانية المالية له لا يكون مشمولا لتلك النصوص،لعدم صدق التسويف و الإهمال فيه هذا اضافة الى أنه في حال الاعتقاد الجزمي بعدم الاستطاعة لا يمكن أن يكون مكلفا بالحج،لأن توجيه الخطاب به اليه في هذه الحالة لغو و جزاف،

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 156)


فبان الخلاف فالظاهر كفايته(1)،و إن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أو لا؟وجهان، و الأقوى عدمه(2)لأن المناط في الضرر الخوف(3)و هو حاصل إلا إذا
نعم إن ظلت استطاعته الى ما بعد تفطنه بالحال وجب الحفاظ بها الى العام القادم شريطة أن لا يكون واثقا بتمكنه من الحج في المستقبل إن لم يحافظ عليها.

في الكفاية اشكال بل منع،لما مر في المسألة(29)من ان التمكن مما به الكفاية بمعنى استعادة وضعه المعاشي بعد الحج،و عدم الوقوع في حرج بسببه معتبر في الاستطاعة فانه نتيجة تطبيق القاعدة على من لم يكن لديه ما به الكفاية،و على أساس ذلك لا تنطبق حجة الإسلام على ما أتى به من الحج، فلذلك حكم بالفساد،و لا يكون الفساد مستندا إلى تطبيق القاعدة مباشرة،فان مفادها النفي لا الاثبات،بل هو مستند الى عدم انطباق المأمور به عليه و إن كان ذلك مستندا إلى تطبيقها في نهاية المطاف.

فالنتيجة:ان حجة الإسلام لا تنطبق على هذه الحجة لتكون كافية،لأنه ليس بمستطيع في الواقع.

بل هو المتعين،لما مر من ان استقرار وجوب الحج مرتبط بالتسويف و الاهمال فيه الى أن فات بفوات وقته.

فيه اشكال بل منع،لأن العبرة انما هي بوجود الضرر في الواقع لا بالخوف،فان وجوده في النفس طريق اليه،و لا موضوعية له حتى يكون مانعا عن وجوب الحج و إن لم يكن ضرر في الواقع،و ذلك لأن المنع من العدو مرة يكون من السير في الطريق،و أخرى يكون بايقاع الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه فيه،و على كلا التقديرين فهو معتقد بعدم توفر الاستطاعة عنده بكل عناصرها،حيث ان منها تخلية السرب،و منها الأمن في الطريق،و الخوف في

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 157)


كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء و بدون الفحص و التفتيش(1)،و إن اعتقد عدم مانع شرعي(2)فحج فالظاهر الإجزاء(3)إذا بان الخلاف،و ان
كلا الفرضين طريق،و لا موضوعية له،و عليه فهو مستطيع في الواقع،و لكن بما ان تركه الحج في وقته كان مستندا الى غفلته و جهله بالحال فيكون معذورا فيه، و لا يوجب استقراره كما مر،فاذن حال هذا الفرض حال ما تقدم،فلا فرق بينهما،فالفرق مبني على أن يكون الخوف ملحوظا على نحو الموضوعية كما هو ظاهر المتن،و لكن الأمر ليس كذلك.

فيه ان اعتقاده بالضرر أو الحرج إن كان جزميا فهو حجة ذاتا،سواء أ كان حاصلا من سبب بدون فحص و تأكد،أم كان حاصلا منه منع الفحص و التأكد على أساس أن حجية القطع ذاتية،فالقاطع معذور،و إن كان قطعه حاصلا من سبب لا يصلح لدى العقلاء أن يكون سببا له الاّ أنه غير ملتفت الى ذلك،فمن أجله يكون معذورا،و معه لا يمكن استقرار وجوب الحج عليه،لأن استقراره انما هو اذا كان تركه مستندا إلى التسويف و التأخير تسامحا و تساهلا عامدا و عالما بالحكم،و إن كان اطمئنانيا فهو أيضا حجة ذاتا و إن كان منشؤه سببا غير عقلائي غير أنه لما لم يلتفت الى خصوصيته حصل له الاطمئنان بذلك،فاذا حصل له الاطمئنان بأنه حرجي من أي سبب كان فهو معذور في تركه،و معه لا موجب لاستقراره عليه.

فالنتيجة:ان هذا الاستثناء لا يرجع الى معنى محصل.

مر أن وجوب واجب مضاد للحج لا يكون مانعا عن وجوبه،غاية الأمر يقع التزاحم بينهما و يرجع الى مرجحاته.

بل مطلقا حتى اذا علم المكلف بوجود واجب آخر مضاد للحج،فانه اذا قام بالاتيان به عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي صح،بناء على القول

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 158)


اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار(1).

بالترتب-كما هو الصحيح-و إن كان الواجب الآخر أهم منه،و اما في صورة الجهل به فلا شبهة في صحة الحج حتى على القول باستحالة الترتب،لما ذكرناه في علم الأصول من أنه لا تزاحم بين الواجبين المتضادين اذا كان أحدهما مجهولا،فاذا فرضنا ان الواجب الأهم مجهول و غير واصل الى المكلف، و الواجب المهم معلوم و واصل اليه،فلا مانع من فعلية وجوب الواجب المهم مطلقا حتى في صورة الاشتغال بالواجب الأهم جهلا،على أساس أنه لا مبرر للتقييد اللبي،و هو تقييد وجوبه بعدم الاشتغال بالأهم،فان المبرر لهذا التقييد هو ما اذا كان وجوب الأهم و اصلا و منجزا لكي يحرك المكلف و يبعث نحو ايجاد متعلقه و الاشتغال به،فعندئذ لا بد من تقييد وجوب المهم بعدم الاشتغال به حتى يخرج باب التزاحم عن باب التعارض،و الاّ وقع التعارض بين اطلاقي الخطابين،و اما اذا كان وجوب الأهم غير واصل و لا منجز فلا موجب لتقييد اطلاق وجوب المهم بعدم الاشتغال به على أساس أنه لا تنافي و لا تعارض بينهما في مرحلة المبادئ،لعدم اجتماع المصلحة و المفسدة في شيء واحد، و لا الحب و البغض،و لا الإرادة و الكراهة،و اما التنافي بينهما في مرحلة الفعلية و التحريك نحو الامتثال فهو مرتبط بفعلية كلا التكليفين معا و تنجزهما كذلك، و اما اذا كان التكليف بأحدهما مجهولا و غير منجز،و بالآخر معلوما و منجزا،فلا مانع من اطلاق التكليف المعلوم و عدم تقييده بعدم الاشتغال بالمجهول و إن كان أهم،حيث لا يلزم من ذلك التكليف بغير المقدور باعتبار أن التكليف المجهول لا يكون محركا و باعثا للمكلف نحو الاتيان بمتعلقه و امتثاله لكن يلزم التكليف بالمحال،و تمام الكلام هناك.

مر أن الاستقرار مرتبط بترك المستطيع الحج في وقته عن عمد و التفات و بدون أي مبرر،و المقام بما أنه ليس كذلك باعتبار ان تركه كان عن عذر فلا مقتضى للاستقرار.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 159)


[ثانيهما:إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا أو حج مع فقد بعضها كذلك]

ثانيهما:إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا أو حج مع فقد بعضها كذلك،أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة(1)،و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مر(2)،و إن حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الإجزاء و لا دليل عليه إلا الإجماع(3)،و إلا فالظاهر أن حجة الإسلام
في اطلاقه اشكال بل منع،فان بقاء سائر الشروط غير الاستطاعة المالية الى ذي الحجة لا يكفي في استقراره،نعم اذا استمر بقاؤها فيه الى نهاية اعماله استقر عليه،و اما اذا ظلت هذه الشروط ثابتة فيه و لكن انتفت استطاعته المالية بسرقة او تلف بسبب حادثة أرضية أو سماوية،ففي هذه الحالة اذا كان انتفاؤها مستندا إلى امتناعه عن الحج عامدا و عالما استقر الحج عليه شريطة أنه لو حج و انفق ماله في سبيله لم يقع في ورطة التلف،و لكن بما أنه تسامح فيه و أخره عامدا و ملتفتا إلى أن وقع في ورطة التلف،فعندئذ لا يبعد استقراره عليه،و لا سيما إذا لم يكن واثقا بتمكنه من الحج إذا أخر في السنين القادمة،و اما اذا لم يكن التلف مستندا الى تورطه فيه و تقصيره فلا موجب للاستقرار.

مرّ تفصيلا عدم الاجزاء فيه في المسألة(7)من فصل(شرائط وجوب حجة الإسلام).

فيه مضافا إلى أنه لا أثر للإجماع،ان الدليل على ذلك انما هو اطلاقات الأدلة من الآية الشريفة و الروايات،و مقتضى تلك الاطلاقات وجوب الحج على المستطيع و إن حج قبل الاستطاعة هذا،اضافة الى ما تقدم من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع،فلا يكون حجه قبل الاستطاعة مصداقا لها.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 160)


هو الحج الأول و إذا أتى به كفى(1)و لو كان ندبا،كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبا بناء على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوى عدم وجوب إعادتها(2)،و دعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب و المستحب،نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع(3)تم ما ذكر،لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب بل لتعدد الماهية،و إن حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحة البدن مع كونه حرجا عليه أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب(4)،

في الكفاية اشكال بل منع،لما مر من أن حجة الإسلام لا تنطبق على الحج الندبي.

فيه ان الأمر و إن كان كذلك في باب الصلاة على أساس أن الصلاة باسمها الخاص المميز لها شرعا مستحبة للصبي،فتكون الصلاة المستحبة متحدة مع الصلاة الواجبة،فلا فرق بينهما الاّ في الوجوب و الاستحباب،و هذا الفرق لا يمنع من الصحة و انطباق الواجب على المستحب،الاّ أن الأمر في باب الحج ليس كذلك،فان حجة الإسلام لا ينطبق على الحج الندبي،لأنها مع اسمها الخاص المميز لها شرعا مباينة له و متمثلة في الحج الأول للمستطيع الواجب عليه.

هذا هو الصحيح لما مر من ان حجة الإسلام لا تنطبق على الحج الندبي المتسكع.

هذا هو الصحيح،اما مع عدم صحة البدن و سلامته أو أمن الطريق فالحكم واضح،لما تقدم من أن سلامة البدن أو أمن الطريق من أحد عناصر الاستطاعة و أركانها،و مع عدمه لا يكون الشخص مستطيعا لكي يكون حجه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 161)


……….

حجة الإسلام،و قد مر أنها متمثلة في الحج الأول للمستطيع،و لا تنطبق على غيره،و اما مع توفر هذه الشروط و لكن كان الحج حرجيا بسبب أو آخر فلا يجب تطبيقا لقاعدة لا حرج،و مع عدم الوجوب لا تنطبق عليه حجة الإسلام، لما مر من اختصاصها بالحج الواجب على المستطيع في أول مرة،و لا تعم الحج المستحب.

و دعوى:ان الواجب عليه هو حجة الإسلام،و لكن وجوبها قد ارتفع بالقاعدة،فيبقى استحبابه،و عليه فما أتى به هو حجة الإسلام و إن ارتفع وجوبه بحديث لا حرج…

مدفوعة:أولا:بأنا لو سلمنا ذلك و قبلنا بأن المرفوع بها انما هو وجوبه دون استحبابه فانه يظل ثابتا،و لكن قد تقدم أن حجة الإسلام بما أنها متمثلة في الحج الأول للمستطيع فلا تنطبق عليه اذا كان وجوبه مرفوعا فعلا بالقاعدة، و يظل استحبابه ثابتا باعتبار انه غير مستطيع.

و ثانيا:ان الوجوب أمر بسيط،فاذا كان مرفوعا بها كان استحبابه بحاجة الى دليل آخر،لأن الدليل الدال على الوجوب قد سقط بالقاعدة،نعم بما أنه قد ثبت استحباب الحج استحبابا عاما حتى لمن يكون الحج حرجيا عليه فلا تنطبق حجة الإسلام عليه.

و ان شئت قلت:ان الحرج في باب الحج لا يخلو إما أن يكون من ناحية المال،أو البدن،او الطريق،او العمل،فان كان الأول،كما اذا لم يكن عنده ما به الكفاية لدى الرجوع،أو كان و لكن الامكانية المالية عنده لا تكفي لنفقات سفر الحج و متطلباته اللائقة بمكانته،و الاكتفاء بما دونها حرجي عليه،فان كان كذلك فهو غير مستطيع مالا،و حينئذ فان حج حج متسكعا،و لا تنطبق عليه حجة الإسلام،و إن كان الثاني،فانه اما من جهة اصابته بشيخوخة أو مرض فهو غير مستطيع بدنا،و يكون حجه حينئذ حج المتسكع،و إن كان الثالث،فان كانت حرجيته من ناحية عدم الأمن في الطريق على نفسه و عند اعمال الحج،فهو غير

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 162)


و عن الدروس الإجزاء إلا إذا كان إلى حد الإضرار بالنفس(1)
مستطيع،و لا يكون حجه حجة الإسلام،لأنه غير مخلى السرب،و إن كانت من جهة أخرى ككون الطريق طويلا،أو عدم توفر الوسائل الأولية للحياة فيه،أو نحو ذلك،فهو مستطيع بكل عناصر الاستطاعة،و لكن بما أن طيّ المسافة يكون حرجيا عليه فلا يجب باعتبار أن منشأه لما كان وجوب الحج في نهاية الشوط فهو مرفوع تطبيقا للقاعدة،و نتيجة ذلك أن وجوب الحج على المستطيع مشروط بعدم كونه حرجيا،نعم حيث ان الحرج في المقام لما كان في المقدمة فحسب،و هي قطع المسافة بسبب آخر لا بسبب عدم الأمن،فاذا أقدم المكلف على قطعها متحملا الحرج و وصل الى الميقات و أحرم منها و يواصل اعمال الحج صح،و يكون حجه حجة الإسلام باعتبار أن الحج لا يكون حرجيا، و الحرج انما هو في مقدمته،و هي قطع المسافة،فاذا قطعها رغم كونه حرجيا و وصل الى الميقات وجب البدء بالحج لاستطاعته و إن لم يكن واجبا قبل القطع.و إن كان الرابع،و هو ان يكون الحج باعماله حرجيا،فان قام بالاتيان به متحملا حرجه لم يجزئ عن حجة الإسلام،لعدم انطباقها عليه.

فالنتيجة:ان الحرج إن كان ناتجا من قلة امكانيته مالا،أو تدهور صحته بدنا،أو عدم وجود طريق آمن،فمعناه انه غير مستطيع،و حينئذ فان حج كان متسكعا،و لا يجزي عن حجة الإسلام،و إن كان ناتجا من سبب آخر مع توفر الاستطاعة فيه بكل أركانها،كما اذا كان ركوب السيارة أو الطائرة حرجيا عليه اذا كان الطريق بعيدا،فحينئذ و إن كان الحج غير واجب عليه،الاّ أنه اذا ركب و تحمل هذا الحرج و وصل الى الميقات وجب باعتبار أنه استطاع عليه بدون الوقوع في حرج،فاذا حج عندئذ كان حجه حجة الإسلام.

فيه أنه مبني على أن مطلق الإضرار بالنفس حرام،و لكن لا دليل عليه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 163)


و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء،ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء(1)،و علّل الإجزاء بأن ذلك من باب تحصيل الشرط فإنه لا يجب لكن إذا حصله وجب،و فيه أن مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أن غاية الأمر حصول المقدمة التي هو المشي إلى مكة و منى و عرفات و من المعلوم أن مجرد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج(2)،نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تم ما ذكر و لا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة،هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس،لا لما ذكره بل لأن الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب(3)فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.

كذلك،فان ما هو ثابت هو حرمة حصة خاصة منه،و هي القاء النفس في التهلكة أو مما يتلو تلوها.

ظهر مما مر أنه لا فرق بينهما في أكثر الصور و الفروض.

هذا اذا كان الضرر أو الحرج في نفس عملية الحج و مناسكه،و أما إذا كان في مقدمتها كقطع المسافة شريطة أن لا يكون من جهة عدم الأمن و السلامة في الطريق،بل من جهة أخرى لا ترتبط بعناصر الاستطاعة كما هو المفروض، فحينئذ اذا قطعها متحملا الضرر أو الحرج،ثم بدأ باعمال الحج صح،و يكون حجه حجة الإسلام،باعتبار أنه لا حرج في عملية الحج،و يصدق عليه أنه الحجة الأولى للمستطيع.

فيه ان الوجوب بما أنه أمر اعتباري بسيط محض،و لا يكون مركبا من طلب الفعل مع المنع من الترك،لأن المنع من الترك لازم للوجوب و عبارة

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 164)


[مسألة 66:إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجة الإسلام]

[3063]مسألة 66:إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجة الإسلام(1)و إن اجتمع سائر الشرائط،لا لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده لمنعه أولا و منع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا لأن النهي متعلق بأمر خارج(2)،بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع(3)و كذلك النهي المتعلق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج،
أخرى عن النهي عن ضده العام،فاذا كان مرفوعا فلا دليل على بقاء أصل الطلب.

فيه اشكال بل منع،و الأظهر الاجزاء مطلقا حتى اذا كان ذلك الواجب أو الحرام أهم من الحج،بناء على ما هو الصحيح من القول بالترتب شريطة توفر سائر شروطه.

فيه أنه متعلق بنفس الضد العبادي و هو الحج على تقدير ثبوته لا بأمر خارج عنه،و لكن مع ذلك لا يقتضي الفساد،لما ذكرناه في علم الأصول من أن صحة الضد الواجب تتوقف على ثبوت أحد أمرين:

الأول:امكان القول بالترتب.

الثاني:احراز الملاك فيه.

اما الأول:فقد ذكرنا هناك أن هذا القول هو الصحيح،و يحكم على ضوئه بصحته و إن كان الواجب الآخر أهم منه،و لا فرق فيه بين القول باقتضاء الأمر بشيء النهي عن ضده،و القول بعدم الاقتضاء.

و اما الثاني:فلا طريق لنا الى احراز الملاك فيه بدون فرق بين القولين في المسألة،فاذن تصحيح الضد العبادي المهم مرتبط بالقول بامكان الترتب فحسب،و الاّ فهو محكوم بالفساد،بلا فرق بين القول بكونه متعلقا للنهي الغيري أو لا.

مر أن وجوبه لا يصلح أن يكون مانعا عن وجوب الحج،لأنه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 165)


نعم لو كان الحج مستقرا عليه و توقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة و أمكن أن يقال بالاجزاء(1)،لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده و منع كون النهي المتعلق بأمر خارج(2) موجبا للبطلان.

مشروط بالاستطاعة التي هي عبارة عن القدرة التكوينية المتمثلة في الأمور التالية:الامكانية المالية،و الأمن و السلامة في الطريق و حين ممارسة الأعمال، و التمكن من اعادة وضعه المعاشي بعد الرجوع بدون الوقوع في حرج-كما تقدم-و ليس معنى الاستطاعة عدم المانع أعم من التكويني و التشريعي،و على هذا فيقع التزاحم بينهما،فان كان وجوب الحج أهم منه أو محتمل الأهمية قدم عليه،و إن كان غيره أهم منه جزما أو احتمالا فالأمر بالعكس،و إن كان متساويين فالتخيير،و به يظهر حال ما بعده.

فالنتيجة:ان الحج صحيح،فانه ان كان أهم فالأمر به فعلي مطلقا،و إن كان غيره أهم فالأمر به فعلي على القول بالترتب،فما في المتن من أنه لا أمر به مبني على القول باستحالة الترتب.

بل الاجزاء هو المتعين،لا لما ذكره الماتن قدّس سرّه،بل لما مر من صحة القول بالترتب،و قد عرفت أنه لا أثر للنهي الغيري،لأنه على تقدير ثبوته لا يقتضي الفساد و إن تعلق بنفس العبادة،فان الصحة تدور مدار امكان القول بالترتب،أو احراز اشتمالها على الملاك في تلك الحالة،كما أن الفساد يدور مدار عدم امكان هذا القول من ناحية،و عدم امكان احراز الملاك فيها من ناحية أخرى،سواء فيه القول بثبوت النهي الغيري أم بعدم ثبوته،و من هنا يظهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الحج مستقرا أو لا.

مر أن النهي في المقام على تقدير ثبوته تعلق بنفس الضد الخاص و هو الحج في المثال لا بأمر خارج.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 166)


[مسألة 67:إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟]

[3064]مسألة 67:إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟أقوال ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه(1) فيجب في الثاني دون الأول.

[مسألة 68:لو توقف الحج على قتال العدو لم يجب حتى مع ظن الغلبة عليه و السلامة]

[3065]مسألة 68:لو توقف الحج على قتال العدو لم يجب حتى مع ظن الغلبة عليه و السلامة،و قد يقال بالوجوب في هذه الصورة(2).

[مسألة 69:لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا]

[3066]مسألة 69:لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا(3)
تقدم في المسألة(7)أن المعيار في عدم وجوب الحج انما هو بلزوم الحرج،فان بذل المال و الانفاق عليه اذا بلغ من الكثرة حدا يكون حرجيا عليه لم يجب تطبيقا للقاعدة،و الاّ وجب و إن كان الانفاق كثيرا،و لا مجال للتمسك بقاعدة لا ضرر في المقام،باعتبار أن عملية الحج بطبعها عملية ضررية،فلا تكون مشمولة لها،و بما أنها مرتبطة بالاستطاعة و الامكانية المالية بدون التحديد بحد خاص و معين فهي واجبة عليه ما دامت عنده الامكانية المالية و لم يبلغ حد الحرج،فاذا اتفق ارتفاع الاسعار و الأجور صدفة بسبب أو آخر مع أنه واثق و متأكد بأنه موقت،أو كان في الطريق من لا يندفع الا بالمال،فانه ما دامت لديه الامكانية المالية لنفقات الحج و إن كانت باسعار عالية،أو لرفع المانع عن الطريق وجب ما لم يصل الى حد الحرج.

القول بالوجوب ضعيف جدا،فان المعتبر في وجوب الحج هو الأمن و السلامة على نفسه أو ماله أو عرضه في الطريق و عند ممارسة اعماله،و من المعلوم أنه لا يحصل ذلك الاّ أن يكون الانسان على يقين من دفع العدو،أو على ثقة و اطمئنان بذلك.

فيه انه لا وجه للتقييد بذلك،فان الضابط العام فيه أن يكون تحمله حرجيا،سواء أ كان عقلائيا أم لا،فاذا خاف الغرق من الركوب او المرض و كان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 167)


أو استلزامه الإخلال بصلاته(1)أو إيجابه لأكل النجس أو شربه(2)،و لو حج مع هذا صح حجه لأن ذلك في المقدمة و هي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابة غصبية إلى الميقات.

[مسألة 70:إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها]

[3067]مسألة 70:إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها،و لو تركها عصى و اما حجه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله،و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما،أو كان مما تعلق به
تحمله حرجيا لم يجب و إن كان الخوف غير عقلائي،فان المعيار في عدم وجوب الركوب للسفر الى الحج انما هو بكونه حرجيا عليه و إن كان مصدر الخوف منه غير عقلائي،كما انه لو كان عقلائيا و لكن لا يوجب خوفه بدرجة يكون حرجيا عليه وجب.

فيه ان الاخلال بواجبات الصلاة غير الركنية كالصلاة في ثوب أو بدن متنجس،أو بدون طمأنينة و استقرار،أو جلوسا أو نحو ذلك لا يمنع من وجوب الحج،فاذا علم أنه اذا ركب السفينة للذهاب إلى الحج اضطر الى أن يصلي كذلك،فانه لا يمنع من الركوب فيها و الذهاب إلى الحج لمكان أهميته.

فيه ان اضطراره الى أكل النجس أو شربه لا يمنع من وجوب الحج لوضوح أن وجوبه أهم من حرمته،فلا تصلح أن تزاحمه.

فالنتيجة:انه لا شبهة في وجوب الحج في هذه الموارد،و ان الاخلال بواجبات الصلاة دون أصلها،او الاضطرار الى أكل النجس أو شربه لا يمنع من وجوبه،و على تقدير المنع اذا فعل صح حجه،لأن حرمة المقدمة لا تمنع عن صحته.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 168)


الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه(1)و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق(2)،بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناء على ما هو الأقوى من كونها في العين على نحو الكلي في المعين لا على وجه الإشاعة(3).

[مسألة 71:يجب على المستطيع الحج مباشرة،فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة]

[3068]مسألة 71:يجب على المستطيع الحج مباشرة،فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه.

[مسألة 72:إذا استقر الحج عليه و لم يتمكن من المباشرة لمرض لم يرج زواله]

[3069]مسألة 72:إذا استقر الحج عليه و لم يتمكن من المباشرة لمرض لم يرج زواله(4)أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجا عليه
تقدم في المسألة(60)أن غصبية ثوبي الإحرام و الستر في الطواف و السعي لا تمنع عن صحة هذه الواجبات،أما في الأول،فلأن صحة الإحرام لا تكون مشروطة بلبس ثوبيه،بل هو واجب مستقل في حال الاحرام،و اما في الثاني،فلأن صحة الطواف و إن كانت مشروطة بوجود الساتر،الاّ أن غصبيته لا تمنع عن صحته على الأظهر-كما مر-و أما في الثالث فلأن صحته غير مشروطة بالستر،بل يصح عريانا.

مر في المسألة(60)أنه اذا اشترى الهدي بعين الثمن المغصوب خارجا بطل الهدي و الاّ فلا.

مر في مسألة الخمس انه بتمام اصنافه متعلق بالعين على نحو الاشاعة لا على نحو الكلي في المعين،و اما الزكاة فهي مختلفة باختلاف اصنافها،اما زكاة الغلات الأربع فهي متعلقة بالعين على نحو الاشاعة فيها،لا على نحو الكلي في المعين.و اما زكاة الغنم فهي متعلقة بالعين على نحو الكلي في المعين لا على نحو الاشاعة،و اما زكاة الإبل و البقر فهي متعلقة بالعين على نحو الشركة في المالية بكيفية خاصة على تفصيل تقدم في مبحث الزكاة.

فيه ان هذا القيد و إن لم يرد في لسان شيء من روايات الباب،الاّ انه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 169)


……….

مستفاد من تلك الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع،و نذكر عمدتها فيما يلي:

1-صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«ان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره أن يجهّز رجلا يحج عنه» 1و لكن موردها الشيخ الكبير دون المريض،و تنص على أن وجوب الاستنابة عليه مرتبط بأن لا يطيق الحج لإصابته بمرض الشيخوخة و الكبر،و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن عليا رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره،فأمره أن يجهّز رجلا فيحج عنه» 2.

2-صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:«و إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه،فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» 3و موردها مطلق العائق كالمرض أو نحوه، و تدل على أن من كان موسرا و لديه الامكانية المالية لنفقات سفر الحج اذا منعه عن القيام به مباشرة مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه فعليه أن يجهز صرورة لا مال له ليحج عنه بدون تقييد ذلك باليأس عن زوال العذر و انقطاع أمله في التمكن من القيام المباشر به طول فترة عمره.

3-صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان علي عليه السّلام يقول:لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهّز رجلا من ماله،ثم ليبعثه مكانه» 4فانها تنص على أن المانع عن القيام بالحج مباشرة انما هو عروض المرض عليه بدون تقييد ذلك بصورة اليأس عن زواله و عدم رجاء برئه و استعادة صحته في النهاية،هذه هي عمدة روايات الباب،نعم هنا روايات أخرى و لكنها غير تامة من ناحيه السند.

ثم ان مقتضى الروايتين الأوليين وجوب الاستنابة على الشيخ الكبير الذي لا يطيق الحج مباشرة و لا يقدر عليه لإصابته بالشيخوخة المأيوس من زوالها و استعادة قوته مرة أخرى،فلو كنا نحن و هاتين الروايتين فلا بد من الاقتصار على موردهما،و عدم التعدي الى اعذار أخرى كالمرض أو نحوه،


 

1) <page number=”169″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:6.
2) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.
3) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث: 2.
4) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 170)


……….

حتى فيما اذا كان مأيوسا من زوالها و واثقا و متأكدا باستمرارها طول فترة عمره، و ذلك لأن الحكم في موردهما حيث يكون على خلاف القاعدة فلا يمكن التعدي منه الى سائر الموارد بدون قرينة.

و أما مقتضى الروايتين الأخيرتين فهو تعميم الحكم لكل ذي عذر سواء أ كان مرضا أو حصرا أو أمرا آخر يعذره اللّه تعالى فيه،فان المعيار انما هو بعدم استطاعته للحج بدون خصوصية لسبب أو آخر،فان قوله عليه السّلام في الرواية الأولى:

«أو أمر يعذره اللّه فيه»و قوله عليه السّلام في الرواية الثانية«فلم يستطع الخروج»يدلان على هذا التعميم.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 171)


……….

تطبيقات و تكميلات

إيضاحا و تطبيقا لموارد الروايات نستعرض فيما يلي تسع حالات:

الحالة الأولى:

ان مشروعية النيابة و وجوبها على الشيخ الكبير مرتبط بأن لا يطيق ممارسة أعمال الحج مباشرة و إن كان ذلك من جهة الحرج عليه،و اما وجوبها على من لديه الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و لكن لا يطيق ممارسة اعماله مباشرة بسبب مرض أو حصر أو غير ذلك،فهل هو مرتبط ببقاء العذر الى النهاية و انقطاع أمله من التمكن من القيام المباشر بها؟أو لا،فيه و جهان:قد يقال بالثاني،بدعوى أنه مقتضى اطلاق الروايتين الأخيرتين.و لكن الصحيح هو الأول.فلنا دعويان:الأولى:بطلان الوجه الثاني.الثانية:صحة الوجه الأول.

اما الدعوى الأولى؛فيرد عليها:

أولا:انه على تقدير اطلاقهما،فلا يمكن الأخذ به،اذ لازم ذلك وجوب الاستنابة على المعذور و إن علم بزوال عذره و استعادة قوته في السنة القادمة، و هذا مقطوع البطلان،لوضوح ان الأمر لو كان كذلك لشاع بين الأصحاب و وصل إلينا يدا بيد،و طبقة بعد طبقة من زمن الأئمة عليهم السّلام و ذلك لأمرين:

أحدهما:كثرة الابتلاء بالمسألة في هذا الفرض.

و الآخر:اهتمام الناس بالحج من أي واجب آخر،مع أن الشائع بين الاصحاب عكس ذلك.

و ثانيا:انه لا اطلاق لهما،و السبب فيه ان وجوبه عليه بالاستنابة بما أنه بدل اضطراري لوجوبه عليه بالأصالة،فالمتفاهم العرفي من دليله المتمثل في الروايتين المذكورتين بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو وجوبها عند تعذر المبدل،و حيث انه واجب في طول فترة العمر مرة واحدة فالمعيار انما هو بتعذره في طول تلك الفترة تماما،و اما اذا تعذر بين فترة و أخرى فلا يكون متعذرا،لفرض انه متمكن منه،و معه لا ينتقل الأمر الى بدله.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 172)


……….

و ثالثا:ان مقتضى اطلاقهما عكس هذه الدعوى،لأن قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي:«حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه» 1مطلق و غير مقيد بفترة خاصة كالسنة الأولى من استطاعته مثلا،و كذلك قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:«فلم يستطع الخروج» 2فانه مطلق و غير مقيد بزمن خاص،فاذن مقتضى اطلاق صحيحة الحلبي انه حال بينه و بين الحج في طول فترة عمره،اذ لو حال بينهما في فترة دون أخرى لم يصدق انه حال بينهما الاّ في تلك الفترة خاصة لا مطلقا،فان الحج واجب على الإنسان المستطيع في طول زمن مدة عمره مرة واحدة،و على هذا فمقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي:«حال بينه و بين الحج مرض…الخ»انه حال بينهما في تمام هذه المدة،و الاّ لم تصدق الحيلولة اذا كان متمكنا منه في فترة من تلك المدة،و كذلك الحال في قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:«فلم يستطع الخروج»فانه اذا استطاع الخروج الى الحج في طول تلك المدة لم يصدق انه غير مستطيع،فان المعيار في وجوب الحج عليه مباشرة انما هو باستطاعته و تمكنه منه في فترة من فترات طول عمره،لا في تمام فتراته،و من هنا اذا تمكن المكلف من الصلاة-مثلا-في فترة من فترات وقتها كفى في وجوبها عليه، لصدق انه متمكن من الاتيان بها في وقتها.

و مع الاغماض عن ذلك و تسليم انه لا اطلاق لهما،الاّ أنه لا شبهة في أنه لا اطلاق لهما أيضا في جواز الاستنابة مطلقا،بل تصبح الروايتان حينئذ مجملتين،فالقدر المتيقن منهما عدم جواز الاستنابة الاّ في فرض اليأس و انقطاع الأمل في التمكن من القيام المباشر بالحج،و من هنا يظهر حال الدعوى الثانية،و انه لا مناص من الالتزام بها.

و إن شئت قلت:ان قوله عليه السّلام:«حال بينه و بين الحج مرض…» 3مطلق و غير مقيد بفترة خاصة كالسنة الأولى من الاستطاعة-مثلا-و الفرض ان الحج واجب عليه طول عمره مرة واحدة لا في كل سنة،لأن الواجب في كل سنة انما


 

1) <page number=”172″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
2) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.
3) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 173)


……….

هو فوريته على المشهور،لا أصل الحج،و المفروض ان المرض قد حال بينه و بين أصل وجوب الحج لا فوريته،و على هذا فالمراد من حيلولة المرض أو نحوه حيلولته عن ممارسة أعمال الحج مباشرة في تمام عمره،و الاّ فلا يكون حائلا بينه و بين أصل الحج.

فالنتيجة:ان الانسان اذا كانت عنده الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و لم يتح له أن يحج مباشرة لمرض أو اي عائق آخر،أو اتيح له ذلك و لكنه تساهل في التأخير سنة بعد أخرى الى أن ضعف عن الحج و عجز عنه لسبب من الأسباب و انقطع أمله في التمكن من القيام المباشر به،فعليه أن يستنيب شخصا يحج عنه.

الحالة الثانية:

اذا عرض على الموسر في السنة الأولى من استطاعته مرض أو عائق آخر يمنعه عن القيام بالحج مباشرة،فان كان على يقين من بقاء هذا العذر و استمراره الى تمام فترات عمره،وجب عليه أن يرسل شخصا يحج عنه في نفس تلك السنة،شريطة أن لا يكون واثقا و مطمئنا بعدم الفوت اذا أخر، و الا فلا يبعد جواز التأخير،على أساس ما ذكرناه من انه اذا استطاع و تمكن من الحج بنفسه و مباشرة وجب عليه أن يحج فورا اذا لم يكن مطمئنا بعدم الفوت اذا أخر.

فالنتيجة:ان وجوب الفور في كلا الموردين مبني على ما مر من عدم الوثوق و الاطمئنان بعدم الفوت.

الحالة الثالثة:

ان الانسان المستطيع ماليا اذا لم تتح الفرصة له أن يحج بنفسه لمرض أو أي عذر آخر،و انقطع أمله جزما في التمكن من القيام به مباشرة،فعليه أن يجهز رجلا ليحج عنه،و كذلك الحال اذا كان واثقا و متأكدا باستمرار عذره و بقائه و عدم اتاحة الفرصة له للقيام بالحج بنفسه،بل الأمر كذلك اذا كان هذا مقتضى الاستصحاب.و اما اذا فرض انه استعاد قوته و نشاطه الصحي البدني،فإن كان قبل قيام النائب بالحج فلا شبهة في وجوبه عليه بنفسه، لكشف ذلك عن بطلان الاستنابة،و إن كان بعد قيام النائب به فهل يجب عليه كذلك،أو لا؟الظاهر الوجوب،لما مر من ان المستفاد من الروايات ان موضوع

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 174)


……….

وجوب الاستنابة العذر المستمر فيه الى آخر عمره،و اما اذا انكشف الخلاف و عدم استمراره فيه كشف ذلك عن عدم تحقق موضوع وجوب الاستنابة،و معه تكون النيابة باطلة،فمن أجل ذلك يجب عليه بعد ان استعاد قوته و نشاطه الصحي أن يحج بنفسه،و حينئذ فلا وجه للقول بإجزاء حج النائب عنه،و عدم وجوبه عليه،فانه مبني على أن يكون اليأس و انقطاع الأمل نهائيا تمام الموضوع لوجوب الاستنابة،و لكن قد مر أنه غير مأخوذ في لسان شيء من الروايات، و على تقدير أخذه فيه فالظاهر منه عرفا أنه مأخوذ على نحو الطريقية دون الموضوعية.

الحالة الرابعة:

هل يعتبر أن يكون النائب صرورة؟

المعروف و المشهور عدم اعتباره،بدعوى ان الروايات مطلقة،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون النائب صرورة أو لا.

و اما صحيحة الحلبي التي تدل على كون النائب صرورة،فلا بد من حملها على الاستحباب،على أساس أن المشهور بين الأصحاب عدم اعتبار استنابة الصرورة.

فيه:ان الصحيحة على تقدير ظهورها في ذلك فرفع اليد عنه بحاجة الى قرينة،و لا قرينة عليه لا في الداخل و لا من الخارج،و اما إعراض المشهور عن ظهورها و حملها على خلاف الظاهر،فلا يصلح ان يكون قرينة،فانه لو قلنا بأن اعراضهم عن رواية معتبرة يوجب سقوطها عن الاعتبار،و لكن اعراضهم عن دلالتها لا يوجب سقوطها عن الحجية،و مع هذا،فالصحيح ما ذهب اليه المشهور من عدم اعتبار الصرورة في النائب.و الوجه فيه:انه لا ظهور للصحيحة في اعتبارها.

بيان ذلك:ان الوصف تارة يذكر مع موصوفه،فيقال-مثلا-:اكرم الرجل العالم.و أخرى يذكر مستقلا فيقال:اكرم العالم،اما على الأول فقد ذكرنا في علم الأصول أنه لا بأس بدلالة الوصف على المفهوم في الجملة،و هذا لا بملاك قاعدة احترازية القيد،فان هذه القاعدة تقتضي ان الحكم الثابت في القضية انما هو ثابت لحصة خاصة من الموضوع لا للطبيعي الجامع،و من المعلوم أن انتفائه

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 175)


……….

بانتفاء الحصة انما هو من باب انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه،و هذا ليس من المفهوم في شيء،لأنه عبارة عن انتفاء طبيعي الحكم،بل بملاك أنه لو كان يجب اكرام الرجل العالم و الرجل الجاهل معا و إن كان ذلك بفردين من الوجوب،و بجعلين مستقلين لكان تقييد الرجل بالعالم لغوا و بلا فائدة،فاذن بطبيعة الحال يدل انتفاؤه على انتفاء طبيعي الحكم في الجملة،يعني عن بعض حالات أخرى للموضوع،و تمام الكلام هناك.

و أما على الثاني:فبما أن الوصف تمام الموضوع للحكم المجعول في القضية-كاللقب-فهو لا يدل الاّ على انتفاء شخص الحكم بانتفائه من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.ضرورة أن حديث اللغوية لا يأتي حينئذ،لأن ذكر الوصف لا يكون لغوا على أي حال ما دام الموصوف غير مذكور في الكلام.

و ما نحن فيه من هذا القبيل،فان الوصف في الصحيحة قد جعل موضوعا للحكم مستقلا،و هو(الصرورة)بدون أن يذكر موصوفه فيها،باعتبار أنها جاءت بهذا النص«يحج عنه من ماله صرورة لا مال له» 1لا رجلا صرورة، و على هذا فالحكم المجعول في الصحيحة مرتبط بشخص الوصف المذكور فيها من باب ارتباط الحكم بموضوعه،و من المعلوم ان انتفاءه لا يدل الاّ على انتفاء شخص هذا الحكم المجعول فيها من دون الدلالة على انتفاء الطبيعي،و لا يكون ذكره لغوا اذا فرض ثبوت فرد آخر من الحكم المماثل له للموضوع في حالة أخرى عند انتفائه في هذه الحالة.

و بكلمة ثانية:اذا قيل:اكرم الفقيه-مثلا-فانه يدل على أن الفقيه بعنوانه موضوع لوجوب الاكرام المجعول في هذه القضية التي سيقت لإبرازه،و ينتفى بانتفائه قهرا،و لا يدل على نفي وجوب الإكرام عن طبيعي العالم الجامع بينه و بين غيره،لأن ملاك هذه الدلالة غير متوفر في الوصف غير المعتمد على موصوفه في القضية،على أساس ان ملاكها انه لو كان ثابتا للطبيعي الجامع دون حصة خاصة منه لكان ذكره لغوا،و من المعلوم أن هذا الملاك غير متوفر فيه،


 

1) <page number=”175″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:7.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 176)


……….

باعتبار أنه يدل على أن شخص هذا الحكم ثابت لشخص هذا الوصف بلحاظ أنه بحده الفردي موضوع له،و بانتفائه ينتفي نفس هذا الحكم،و لا يدل على انتفاء فرد آخر من الحكم عن حصة أخرى،و لا عن الطبيعي الجامع،نعم إن هذا الملاك إنما يكون متوفرا في الوصف الذي يذكر مع موصوفه،كما اذا قيل(اكرم العالم الفقيه)فانه يدل على أن الحكم المجعول في القضية غير ثابت لطبيعي العالم الجامع،و الاّ لكان تقييده به لغوا،كما أنه يدل على نفي فرد آخر من الحكم المماثل للفرد المجعول في القضية بجعل آخر في حال انتفاء الوصف في الجملة،و الاّ لكان التقييد به بدون فائدة.

فالنتيجة:ان الوصف اذا كان يذكر مع موصوفه كالمثال المتقدم يدل على نفي ثبوته عن بعض حالات انتفاء الوصف،و من هنا قلنا في علم الأصول ان الوصف يدل على المفهوم بنحو السالبة الجزئية،و اذا كان يذكر مستقلا فلا يدل الا على ثبوت الحكم في مورده فيكون حاله حال اللقب،كقولنا«اكرم زيدا» و بما ان وصف الصرورة في صحيحة الحلبي كان يذكر مستقلا لا مع موصوفه فلا يدل على نفي الحكم و هو وجوب الاستنابة في حالة أخرى عند انتفائه،و مع عدم الدلالة فلا تكون الصحيحة معارضة للروايات المطلقة،فاذن يكون اطلاقها هو المرجع و الحاكم،و مقتضاه عدم الفرق بين الصرورة و غيرها،و إن كان الأولى و الأجدر به أن يختار الصرورة.

الحالة الخامسة:

هل يجوز له أن يستنيب امرأة و يجهّزها لكي تحج عنه، أو لا بد أن يكون النائب رجلا؟فيه و جهان:

الظاهر هو الأول،فان ذكر الرجل في الروايات انما هو بلحاظ ان الغالب في الخارج و المتعارف فيه هو استنابة الرجل لا من جهة خصوصية فيه،اذ لا يحتمل عرفا أن تكون للرجل خصوصية فيها،و من هنا لا يحتمل اختصاص هذا الحكم بكون المنوب عنه رجلا،مع أن مورد روايته الرجل.

فالنتيجة:ان هذه الروايات انما هي في مقام بيان مشروعية النيابة عن الحي العاجز و شروطها،و ذكر الرجل فيها انما هو من باب المثال و بملاك أنه أحد افراد المكلف،لا بملاك أنه في مقابل المرأة،فلا فرق بين الرجل و المرأة لا

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 177)


……….

في النائب و لا في المنوب عنه.

الحالة السادسة:

لا اشكال في وجوب الاستنابة في العذر الطارئ كالشيخوخة أو السقم أو عائق آخر شريطة أن يكون مأيوسا و منقطعا أمله في التمكن من القيام المباشر بالحج،و أما إذا كان العذر فيه خلقيا و عائقا عن القيام بالحج مباشرة،فهل يجب عليه أن يستنيب شخصا ليحج عنه أو لا؟لا يبعد عدم الوجوب لأن مورد أكثر روايات الباب العذر الطارئ كمرض الهرم او السقام أو الحصر أو نحو ذلك،و انما الكلام في صحيحة الحلبي،فانه قد يقال:ان قوله عليه السّلام فيها:«و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه» 1مطلق،و باطلاقه يعم الحيلولة بالعائق خلقة و ذاتا،و لكنه بعيد جدا،فان المتفاهم العرفي منه العذر الطارئ لا مطلق العذر و لو كان خلقة و ذاتا.

فالنتيجة:ان المنسبق من الحائل في الصحيحة عرفا هو العذر الطارئ دون الأعم منه و من العذر الذاتي الخلقي،و لكن مع ذلك اذا كان موسرا فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يستنيب شخصا ليحج عنه،و اذا مات بعد ذلك و كانت عنده تركة وجب اخراج الحج عنه من أصل التركة بمقتضى استصحاب بقاء اشتغال ذمته به و إن كان الأحوط و الأجدر الاستئذان من الورثة أيضا.

الحالة السابعة:

اذا لم يتمكن من الاستنابة لسبب من الاسباب،و لو من جهة ان النائب يطلب مالا كثيرا يكون حرجيا عليه،و مات في هذه الحالة،فهل يجب أن يستنيب شخصا من قبله لأن يحج عنه؟الظاهر انه لا اشكال في الوجوب اذا كان الحج مستقرا عليه،و يخرج نفقاته من أصل تركته،الاّ اذا أوصى باخراجها من الثلث،و اما اذا لم يكن مستقرا عليه،كما اذا كان في أول سنة الاستطاعة،فلا تجب الاستنابة عنه،لأن التكليف في زمن حياته لم يتنجز عليه لا مباشرة لعدم التمكن منه لهرم أو مرض أو أي عائق آخر،و لا استنابة،فاذن لم يفت منه شيء لكي يجب قضاؤه عليه.

فالنتيجة:ان مقتضى القاعدة في هذا الفرض عدم وجوب القضاء.


 

1) <page number=”177″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 178)


……….

الحالة الثامنة:

هل يجب عليه أن يستنيب شخصا من بلده،أو يكفي من الميقات؟

الظاهر هو الكفاية من الميقات،باعتبار أن الواجب عليه الحج،و هو يبدأ بالإحرام من الميقات،و بما انه لا يتمكن من القيام به مباشرة فتجب عليه الاستنابة منه،و من المعلوم ان البدل لا يزيد على المبدل،أو فقل:ان الاستنابة انما تجب لتفريغ ذمته،و الفرض أن ذمته مشغولة بالحج لا بما له من المقدمات الخارجية،و الفرض ان مبدأ الحج انما هو بالاحرام من الميقات.

و اما روايات الباب فهي أيضا لا تدل على وجوب الاستنابة عليه من بلدته،و لا نظر لها إلى امكان الإرسال،بل هي ناظرة الى أن وظيفته أن يجهز رجلا و يرسله ليحج عنه،و اما كون الارسال من بلدته أو بلدة أخرى،أو من الميقات،فلا نظر لها إلى شيء من هذه الجهات.

و اما قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:«ثم ليبعثه مكانه» 1فلا يكون ظاهرا في وجوب البعث و الارسال من مكان المنوب عنه،بل هو ظاهر في أن وظيفته أن يجهز رجلا للحج عنه،ثم ارساله مكانه،أي نائبا عنه،من دون دلالته على تعيين مكان الارسال.

فالنتيجة:انه لا شبهة في كفاية الاستنابة عن الميقات.

الحالة التاسعة:

لا شبهة في ان مورد اكثر روايات الباب هو حجة الإسلام الأصلية التي هي الحجة الأولى للمستطيع،كالروايات التي يكون موردها الشيخ الكبير،و صحيحة الحلبي باعتبار تعليق وجوب الحج فيها على اليسار و الامكانية المالية،و هو قرينة على أن المراد منه حجة الإسلام الأصلية.

و اما صحيحة محمد بن مسلم،فقد يقال:إنها مطلقة و باطلاقها تشمل حجة الإسلام و غيرها كالحج العقوبتي،باعتبار انه ليس فيها ما يدل على أن المراد من الحج فيها حجة الإسلام الأصلية.

و قد يجاب عن ذلك:ان مورد الصحيحة الحج التطوعي الإرادي،و لا يعم


 

1) <page number=”178″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 179)


……….

الحج الواجب في أصل الشرع.

فيه:ان هذا الجواب مبني على أن يكون المراد من قوله عليه السّلام في الصحيحة:«لو أن رجلا أراد الحج» 1ان أمره بيده،و لا يكون ملزما بارادة الاتيان به،و لكن هذا المعنى خلاف الظاهر من الرواية،فان الظاهر منها عرفا هو أنه ملزم بارادته،نظير قوله تعالى: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاٰةِ ،و يؤكد ذلك قوله عليه السّلام في ذيلها:«فليجهّز رجلا من ماله ليبعثه مكانه» 2فانه ظاهر في وجوب ذلك،فيكون قرينة على ان المراد من الحج هو الحج الواجب،و عندئذ فهل تشمل الصحيحة الحج العقوبتي؟الظاهر عدم الشمول،فان المنساق منها عرفا هو الحج الأصلي الواجب في الشريعة المقدسة دون الأعم منه و اما الحج اذا كان منذورا فبما أن طروّ الحائل بينه و بين الحج كاشف عن بطلانه،فلا يكون مشمولا لها.


 

1) <page number=”179″ />الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.
2) الوسائل باب:24 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:5.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 180)


فالمشهور وجوب الاستنابة عليه،بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب،و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب،و أما إن كان موسرا من حيث المال و لم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوة،لإطلاق الأخبار المشار إليها،و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال و عدمه(1)لكن المنساق من بعضها ذلك،مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال،و الظاهر فورية الوجوب(2)كما في صورة المباشرة،و مع بقاء العذر إلى أن مات يجزئه حج النائب فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقرا عليه،و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة و إن كان بعد إتيان النائب،
تقدم أن ما يتوهم اطلاقه من هذه الناحية صحيحتي الحلبي و محمد ابن مسلم،و لكن قد مر الاشكال بل المنع في اطلاقهما،و أن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية وجوب الاستنابة عليه اذا كان واثقا و متأكدا ببقاء عذره ما دام في قيد الحياة و انقطاع أمله في التمكن من القيام بالحج مباشرة،لا مطلقا.

في الظهور اشكال اذا كان المعذور واثقا و مطمئنا بأنه اذا أخر الاستنابة في هذه السنة لم تفت منه في السنة القادمة،و ذلك لأن روايات الباب الآمرة بتجهيز الرجل و توفير مقدمات الحج لإرساله اليه اذا انقطع أمله في التمكن منه مباشرة غير ناظرة الى وجوب ذلك فورا،فانها تدل على أن وظيفته استنابة رجل بديلا عنه اذا انقطع أمله فيه،اما انها واجبة عليه فورا و بصرف انقطاع الأمل و اليأس عن استئناف قوته ثانيا،فهي لا تدل عليه،لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،و انما هي في مقام بيان وظيفته في هذه الحالة،و قد ذكرنا في أول

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 181)


بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه،لكن الأقوى عدم الوجوب(1)لأن ظاهر الأخبار أن حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه(2)فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى،بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه،و معه لا وجه لدعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجبا و المفروض في المقام أنه هو،بل يمكن أن يقال إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب إنه يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه(3)،بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في
بحث الحج انه لا دليل على وجوبه فورا فيما اذا كان الانسان مطمئنا بعدم فوته منه إذا أخر،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به وجوبا عدم التأخير في كلا الموردين.

بل الأقوى الوجوب،لما مر من أن موضوع الاستنابة العذر الواقعي المستمر ما دام حيا،و لا موضوعية لليأس و انقطاع الأمل،فانه طريق اليه،فاذا ارتفع العذر واقعا و تمكن من القيام بالحج مباشرة وجب عليه القيام به،لأنه يكشف عن بطلان الاستنابة على تفصيل تقدم.

هذا بناء على مسلكه قدّس سرّه من صحة النيابة في هذا الفرض،و اما بناء على ما هو الصحيح من بطلانها فيه-كما مر-فلا يكون حج النائب هو الحج الواجب على المنوب عنه حتى يكون مجزيا عنه،بل عليه الاتيان به مباشرة،لأن ارتفاع العذر عنه كاشف عن تمكنه من القيام المباشر بالحج،و معه لا موضوع للنيابة.

مر أنه لا يكفي حتى اذا ارتفع العذر بعد العمل فضلا عما اذا ارتفع

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 182)


الإحرام،و دعوى أن جواز النيابة مادامي(1)كما ترى بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك(2)،و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب
في أثنائه،بل و لو قلنا بالكفاية في الفرض الأول لم نقل بها في الفرض الثاني، لأن القول بالكفاية في الأول مبني على أن يكون موضوع وجوب الاستنابة اليأس و انقطاع الأمل دون العذر الواقعي،و على هذا فاذا تبدل اليأس و انقطاع الأمل بالرجاء و الوثوق باستعادة قوته مرة ثانية على الحج مباشرة،فان كان ذلك التبدل بعد عمل النائب و اتيانه بالحج،فلا يكشف عن بطلان عمله و عدم صحة النيابة،باعتبار انه من تبدل الموضوع بموضوع آخر،لا من باب كشف الخلاف في الواقع،و ان كان في أثناء عمله فلا يمكن الحكم بالصحة و وجوب اتمامه عليه،لأن الموضوع اذا تبدل فاصبح النائب اجنبيا عن المنوب عنه و لا يكون مكلفا بالاتمام من قبله،فاذن لا محالة يكون المنوب عنه هو المكلف بتفريغ ذمته،على أساس أنها لا تزال مشغولة بالحج،و ما أتى به النائب من بعض أعمال الحج كالإحرام و نحوه فهو ملغى و لا قيمة له،و به يظهر حال ما بعده.

في الدعوى اشكال بل منع،لا من جهة ما ذكره الماتن قدّس سرّه من كون الاستنابة بأمر الشارع،و كون الإجارة لازمة…الخ…فانه مبني على أن يكون اليأس بارتفاع العذر و انقطاع الأمل حدوثا علة لوجوب الاستنابة حدوثا و بقاء،و هذا خلاف الضرورة الفقهية،بل من جهة ان موضوع جواز النيابة و مشروعيتها هو العذر المستمر في الواقع و ما دام العمر،و اذا لم يستمر كشف ذلك عن بطلانها و عدم مشروعيتها من الأول،و لا يعقل أن تكون النيابة صحيحة ما دام العذر موجودا،و اذا ارتفع ارتفعت بارتفاع موضوعها،لأن لازم ذلك صحة الاستنابة مع العلم بارتفاع العذر في المستقبل،و هو كما ترى.

فيه انه لا وجه لهذا التخصيص،اذ لا يحتمل أن يكون ابلاغ النائب

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 183)


الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض و غيره و بين من كان معذورا خلقة(1)،و القول بعدم الوجوب في الثاني و إن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف(2)،و هل يختص الحكم بحجة الإسلام أو يجري في الحج النذري و الإفسادي أيضا؟قولان،و القدر المتيقن هو الأول(3)بعد كون الحكم على خلاف القاعدة،و إن لم يتمكن المعذور من الاستنابة و لو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل و لم يتمكن من الزيادة أو كانت مجحفة(4)سقط الوجوب،و حينئذ فيجب القضاء عنه بعد
بارتفاع العذر دخيلا في انفساخ الاجارة فانه على القول بأن ارتفاعه و استعادة المنوب عنه قوته دخيل في انفساخها،لا كاشف عن بطلانها من الأول،فهو دخيل فيه واقعا و إن لم يبلغ النائب به.

على الأحوط وجوبا كما مر في الحالة السادسة.

في الضعف اشكال،و لا يبعد عدمه نظريا،لما مر من ان المتفاهم العرفي من الروايات هو العذر الطارئ،لا الأعم منه و من الذاتي،و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط على تفصيل تقدم في الحالة السادسة.

فيه اشكال من جهتين:

الأولى:انه ينافي ما ذكره قدّس سرّه في الفصل الآتي في المسألة(11)من الجزم بعموم الحكم.

الثانية:ان ذلك ليس من باب القدر المتيقن،فان دليل المسألة ليس دليلا لبيا،بل هو لفظي،و لا اجمال فيه،بل من باب ان مورد أكثر روايات المسألة حجة الإسلام،و لا اطلاق لها.و اما صحيحة محمد بن مسلم التي قد يتوهم أنها مطلقة،فقد ذكرنا في الحالة التاسعة أن المنصرف منها حجة الإسلام الأصلية دون الأعم.

هذا شريطة أن تكون الزيادة حرجية عليه،و اما اذا لم تصل الى حد الحرج فلا تكون مانعة عن وجوب الاستنابة و إن كانت مجحفة و ضررية.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 184)


موته إن كان مستقرا عليه،و لا يجب مع عدم الاستقرار،و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أو لا؟وجهان أقواهما نعم لأنه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة،و لو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجزئ عن حجة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر،و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية،و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزئ عن الواجب،و هو كما ترى،و الظاهر كفاية حج المتبرع عنه(1)في
في الكفاية اشكال بل منع،و الأظهر عدمها،لأن سقوط الواجب عن ذمة فرد بفعل آخر بحاجة الى دليل،و مقتضى القاعدة عدم السقوط،و الدليل في المقام انما هو روايات المسألة،و تلك الروايات تنص على أن من جهّز رجلا ليحج عنه،فاذا حج سقط عن ذمته،باعتبار أن فعله فعل له بالتسبيب،و لا تدل على سقوطه عن ذمته بفعل المتبرع،و لا يوجد دليل آخر على ذلك،فاذن مقتضى القاعدة عدم السقوط.

و دعوى:ان هذه الخصوصية غير دخيلة في ذلك،فان المسقط انما هو فعل النائب بما هو فعله،لا بما أنه فعل للمنوب عنه بالتسبيب،فاذن لا فرق بين فعل المتبرع و فعل النائب،غاية الأمر أن المتبرع يأتي به نيابة عنه تبرعا،و النائب يأتي به نيابة عنه بأمره،و من هنا لا فرق بينهما في النيابة عن الميت،فانها مسقطة و إن كانت تبرعية.

مدفوعة:بأن احتمال دخل هذه الخصوصية في سقوط الواجب عن ذمة المنوب عنه موجود،و لا دافع له في المقام،باعتبار ان الحكم يكون على خلاف القاعدة،فالتعميم و رفع اليد عن هذه الخصوصية في مورد الروايات بحاجة الى

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 185)


صورة وجوب الاستنابة،و هل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟وجهان،لا يبعد الجواز(1)حتى إذا أمكن ذلك في مكة مع كون الواجب عليه هو التمتع،و لكن الأحوط خلافه لأن القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه،كما أن الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضا.

[مسألة 73:إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق]

[3070]مسألة 73:إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام فلا يجب القضاء عنه،و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى(2)،خلافا لما عن الشيخ و ابن إدريس فقالا بالاجزاء حينئذ أيضا،
دليل،و لا دليل عليه،فمع هذا الاحتمال لا يمكن الحكم بالسقوط عن ذمته بفعل المتبرع اذا أتى به نيابة عنه تبرعا،و حينئذ فمقتضى الأصل عدم السقوط و بقائه في ذمته،و لا يقاس المقام بالنيابة عن الميت تبرعا،فان النيابة عنه كذلك ثبت استحبابها شرعا،فمن أجل ذلك يكون التبرع عنه مسقطا لذمته،و هذا بخلاف المقام،فانه لا دليل على استحباب النيابة التبرعية عن الحي العاجز،فان الدليل منحصر بالروايات المتقدمة،و هي لا تدل على كفاية التبرع،باعتبار أنه خارج عن موردها،و التعدي بحاجة الى دليل،لأن الحكم يكون على خلاف القاعدة.

و إن شئت قلت:ان الواجب الثابت في ذمة شخص لا يسقط الاّ بفعله مباشرة،و اما سقوطه عن ذمته بفعل غيره فهو بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه.

بل هو الظاهر،حيث ان مورد النيابة الحج،و هو يبدأ بالإحرام من الميقات،و أما مقدماته الموصلة فهي خارجة عن موردها،و قد تقدم في الحالة الثامنة انه لا يوجد في الروايات ما يدل على خلاف ذلك،و به يظهر حال ما بعده.

هذا هو الصحيح،فانه مقتضى الجمع بين روايات الباب.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 186)


……….

بيان ذلك:ان تلك الروايات تصنف الى ثلاثة أصناف:

الأول:صحيحة ضريس عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق،فقال:إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام،و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجة الإسلام» 1،فانها تنص على أمرين:

أحدهما:إن الحاج اذا مات في الطريق فان كان بعد دخول الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام،و سقطت عن ذمته،و لا شيء عليه.

و الآخر:إن كان دون الحرم فعلى وليه أن يقضي عنه حجة الإسلام،و هذا باطلاقه يعم ما اذا مات قبل الإحرام.

الثاني:صحيحة بريد العجلي قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام:عن رجل خرج حاجّا و معه جمل له و نفقة و زاد،فمات في الطريق؟قال:إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام،و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام،فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين-الحديث» 2فانها تنص على أنه اذا مات في الحرم أجزأ عنه حجة الإسلام،و اذا مات قبل أن يحرم لم يجزأ.

الثالث:صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«اذا احصر الرجل بعث بهديه…الى أن قال:قلت:فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي الى مكة؟ قال:يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر انما هو شيء عليه» 3فانها تنص على أنه اذا مات بعد الإحرام قبل أن ينتهي الى مكة لم يجزى عنه حجة الإسلام.

ثم ان قوله عليه السّلام في الصحيحة الثانية:«و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله زاده و نفقته…الخ»يدل بمقتضى مفهومه انه اذا مات و هو صرورة بعد الإحرام كفى عنه حجة الإسلام،و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن


 

1) <page number=”186″ />الوسائل باب:26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.
2) الوسائل باب:26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:2.
3) الوسائل باب:26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 187)


……….

يكون موته قبل دخول الحرم أو بعده،و حينئذ يكون منافيا لقوله عليه السّلام في الصحيحة الأولى:«و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجة الإسلام»فانه مطلق من جهة أن موته كان بعد الإحرام أو قبله،فاذن تكون النسبة بينهما عموما من وجه و مورد الالتقاء بينهما هو ما اذا كان موته بعد الإحرام و قبل الحرم،فان مقتضى اطلاق الأول الإجزاء عن حجة الإسلام،و مقتضى اطلاق الثاني عدم الاجزاء عنها،فيسقط الاطلاقان معا من جهة المعارضة،فاذن لا دليل على الاجزاء اذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم.و اما صحيحة زرارة فهي مطلقة من جهة أن موته كان قبل الحرم أو فيه و لكن قبل دخوله مكة،و تدل باطلاقها على عدم الإجزاء في كلا الفرضين،و لكن لا بد من رفع اليد عن هذا الإطلاق و تقييده بما قبل أن ينتهي الى الحرم بمقتضى نص قوله عليه السّلام في الصحيحة الأولى:«إن مات في الحرم فقد اجزأت عنه حجة الإسلام»و قوله عليه السّلام في الصحيحة الثانية:«ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام».

و دعوى:انه مطلق من جهة انه مات في الحرم محرما أو غير محرم.

مدفوعة:بانه لا اطلاق له من هذه الناحية،اذ لا شبهة في ظهوره عرفا في انه مات في الحرم محرما،لأنه مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و الا فلا معنى للاجزاء بدون الإحرام.

فالنتيجة:ان من ذهب الى الحج و أحرم من احد المواقيت،ثم مات في الحرم،أجزأ عنه حجة الإسلام و إن لم يدخل مكة المكرمة،فإذن لا محالة يكون المراد من قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:«قبل أن ينتهي الى مكة»هو قبل أن ينتهي الى حرمها،باعتبار أنه من شئونها،فاذا دخل فيه صدق انه انتهى الى مكة.

أو فقل:انه قد ورد في الروايات ان مكة حرم اللّه،و على هذا فاذا دخل في الحرم فقد دخل في حرم اللّه و هو مكة،فالنتيجة:ان المعيار في الاجزاء انما هو بموته في الحرم بعد الإحرام.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 188)


و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم:«و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام»فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم،لكنه معارض بمفهوم صدرها و بصحيح ضريس و صحيح زرارة و مرسل المقنعة،مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله:«قبل أن يحرم»قبل أن يدخل في الحرم كما يقال:«أنجد» أي دخل في نجد و«أيمن»أي دخل اليمن،فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام،كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثم مات،لأن المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام،و لا يعتبر دخول مكة و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك،لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم(1)،و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال كما إذا مات بين الإحرامين،و قد يقال بعدم الفرق أيضا بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام و دخول الحرم،و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم(2)،و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتع و القران و الإفراد،
بل نصها في الكفاية،لإطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان، فمن أجل هذا تتقدم على ما يكون ظاهره اعتبار دخول مكة تطبيقا لقاعدة الجمع الدلالي العرفي،و هي حمل الظاهر على الأظهر.

فيه ان الأخبار و إن كانت ظاهرة فيه،بل ناصة،الا ان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،ان هذا التقييد،اي تقييد الموت في الحرم،انما هو في مقابل ما اذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول فيه،و اما اذا دخل فيه ثم خرج عنه لسبب من الاسباب،و مات في الخارج فلا يبعد الإجزاء لصدق

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 189)


كما أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا،بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد عن عمرتهما و بالعكس،لكنه مشكل(1)لأن الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع فإن العمرة فيه داخلة في الحج فهما عمل واحد،ثم الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام(2)فلا يجري الحكم في
انه مات بعد الدخول في الحرم،فيكون قوله عليه السّلام في الروايات:«مات في الحرم» 1في مقابل من مات دونه،بقرينة انه مات في الطريق،و من المعلوم ان موته فيه لا محالة اما أن يكون قبل الوصول الى الحرم،أو بعد الوصول اليه.

و بكلمة:إن الظاهر من هذا التقييد في الروايات هو أنه في مقابل ما اذا مات قبل دخوله الحرم،حيث فرض موته في الطريق الى مكة المكرمة،و هو لا محالة اما أن يكون قبل الدخول فيه،أو بعده،فعلى الأول لم تسقط حجة الإسلام عنه،و على الثاني سقطت،و لا شيء عليه،و اما اذا فرض انه خرج عن الحرم بعد الدخول فيه لسبب من الاسباب،و مات اتفاقا في الخارج،فلا يبعد سقوط الحج عنه لصدق انه مات بعد الدخول فيه.

فالنتيجة:ان الإجزاء و سقوط الحج عن ذمة من مات في خارج الحرم بعد دخوله فيه غير بعيد،و إن كان الاحتياط بالقضاء عنه في محله بل لا يترك.

الظاهر أنه لا اشكال في عدم الإجزاء،و لا يقاس ذلك بحج التمتع، فان العمرة فيه مرتبطة بالحج،فيكون المجموع عملا واحدا،و هذا بخلاف العمرة في حج القران او الإفراد،فانها واجبة مستقلة في مقابل الحج،و عليه فاذا مات في أثناء حج الافراد او القران لم يجزئ عن عمرته،لأن روايات الباب لا تشمل ذلك،و لا يوجد دليل آخر عليه.

بل لا شبهة في ذلك،لأن مورد الروايات المعتبرة جميعا حجة


 

1) <page number=”189″ />الوسائل باب:26 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 190)


حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء،بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا و إن احتمله بعضهم.

و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزئه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الاحرام و دخول الحرم و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟وجهان(1)بل قولان من إطلاق الأخبار في
الإسلام،و التعدي عنه الى سائر الموارد بحاجة الى دليل،باعتبار أن الحكم يكون على خلاف القاعدة و لا يوجد دليل عليه.

لا يبعد الوجه الاول،و ذلك لأن مقتضى القاعدة و إن كان الوجه الثاني،باعتبار ان موته في الطريق،بل في أثناء العمل اذا كان في السنة الأولى من الاستطاعة كاشف عن عدم استطاعته البدنية من الأول،و حينئذ فلا موضوع للإجزاء،إلا أن رفع اليد عن اطلاق الروايات الدالة على أنه اذا مات في الحرم أجزأ عنه حجة الإسلام،و إذا مات دونه فعلى وليه القضاء،يتوقف على الوثوق و الاطمئنان بعدم خصوصية للموت في المسألة،و أن حاله حال فقدان سائر الشروط كالاستطاعة المالية و نحوها في الطريق أو الأثناء،و أما إذا احتمل الخصوصية فيه فلا يمكن رفع اليد عن اطلاقها،و حملها على من استقر عليه الحج.

و بكلمة:ان احتمال خصوصية في الموت،و عدم ارتباط وجوب الحج به،و ارتباطه بالاستطاعة المالية عنده فحسب،فما دامت تلك الاستطاعة موجودة فهو ثابت في ذمته،فاذن الجزم بعدم الفرق بين الموت و انتفاء سائر الشروط مشكل جدا،إذ لا دافع لاحتماله،باعتبار أن الاستطاعة المالية في السنة الأولى إذا انتفت لم يتمكن من حجة الإسلام،لا بنفسه و مباشرة،و لا بالاستنابة، و أما إذا انتفت الاستطاعة البدنية عنه بالموت أو نحوه،دون المالية،فيمكن أن يحج عنه بالاستنابة.و مع هذا الاحتمال لا يمكن رفع اليد عن اطلاق تلك

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 191)


التفصيل المذكور و من أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية،و لذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا،و من هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقر عليه،و ربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب، و كلاهما مناف لإطلاقها،مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل مع أنه مسلّم بينهم،و الأظهر الحكم بالإطلاق إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد و إما بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج،و هذا هو الأظهر(1)فالأقوى جريان الحكم
الروايات،لأن دليل المقيد لا يكون لفظيا،بل لبي و هو العلم او الاطمئنان بعدم خصوصية للموت،و الفرض عدم حصول العلم او الاطمئنان بذلك،فاذن يكون اطلاقها محكم،و مقتضاه عدم الفرق بين من استقر عليه الحج و من لم يستقر.

و من هنا يظهر انه لا وجه لحمل الأمر بالقضاء على الاستحباب،أو على الجامع بينه و بين الوجوب،فان ذلك بحاجة الى قرينة تدل عليه،و لا قرينة لا في نفس هذه الروايات،و لا من الخارج،و مجرد استبعاد وجوب القضاء عمن لم يستقر عليه الحج اذا مات في الطريق قبل دخول الحرم لا يصلح قرينة على حمل الأمر بالقضاء فيها على الاستحباب،و رفع اليد عن ظهوره في الوجوب.

فالنتيجة:ان وجوب الحج عمن مات في السنة الأولى من الاستطاعة في الطريق الى مكة غير بعيد،و لا أقل انه الأحوط.

فيه ان حمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه كما مر.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 192)


المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك(1).

[مسألة 74:الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع]

[3071]مسألة 74:الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع لأنه مكلف بالفروع لشمول الخطابات له أيضا،و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات و إن كان معتقدا لوجوبه و آتيا به على وجهه مع قصد القربة لأن الإسلام شرط في الصحة(2)،و لو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء(3)،و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه،و كذا لو استطاع بعد إسلامه،و لو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه على الأقوى لأن
مر انه لا وجه لهذا التفصيل،فان الموت في الطريق في السنة الأولى من الاستطاعة إن كان كاشفا عن عدم ثبوت الحج في ذمته من الأول فكما لا يكون موضوعا لوجوب القضاء لا يكون موضوعا للاجزاء أيضا،و إن لم يكن كاشفا فالموضوع لكليهما ثابت فلا وجه للتفصيل.

على الأحوط،لما تقدم من الاشكال في شرطية الإسلام في صحة العبادة،و ذكرنا في ضمن بعض البحوث السالفة أنه بناء على ما هو الصحيح من أن الكفار مكلفون بالفروع،لا يبعد صحة صدور العبادة منهم،و لا يكون هناك شيء يمنعهم من نية التقرب بها،لأن كفر الكافر لا يكون مانعا من هذه النية، و انما هو مانع من التقرب الفعلي للكافر بها اليه سبحانه و تعالى،و هو غير معتبر في صحة العبادة،لأن المعتبر فيها نية القربة و قصدها،و الكفر بما أن قبحه فاعلي لا فعلي،فلا يمنع من نية القربة،لأن المانع منها انما هو القبح الفعلي لا القبح الفاعلي.

فيه ان الأهلية لذلك ليست تمام الملاك لوجوب القضاء عنه،بل هو تابع للدليل فان كان هناك دليل فلا بد من الأخذ به،و الاّ فلا شيء عليه سواء أ كان أهلا للإكرام أم لا.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 193)


الإسلام يجبّ ما قبله(1)،كقضاء الصلاة و الصيام حيث إنه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه،و دعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر(2)و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة بأنه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكميا(3)ليعاقب لا حقيقيا،لكنه
هذا لا لحديث الجب،فانه لا أصل له،بل للسيرة القطعية من النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله الجارية في فترة زمنية ممتدة،و هي من أول بعثته صلّى اللّه عليه و آله الى آخر حياته الكريمة على عدم أمر الكفار الذين يدخلون في الإسلام فوجا فوجا في تلك الفترة الممتدة بقضاء العبادات،و لم ينقل منه صلّى اللّه عليه و آله و لا في مورد واحد أمره بذلك.

فيه انه بناء على ما مر من انه لا يبعد صحة الاتيان بالعبادات من الكافر،لا موضوع لهذا الاشكال،و هو عدم تعقل الوجوب عليه.

فيه انه بناء على ما مر منا من أن صحة العبادة من الكافر غير بعيدة،لا مبرّر لحمل الأمر بالقضاء المتوجه الى الكافر على الأمر التهكمي.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الإسلام شرط في صحة العبادة،فأيضا لا مبرر لهذا الحمل و التوجيه،فان دليل وجوب القضاء دليل واحد يعم المسلم و الكافر، فلا يمكن حمل الأمر فيه بالنسبة إلى المسلم على الأمر الحقيقي،و بالنسبة إلى الكافر على الأمر الصوري،هذا،اضافة إلى أن مخالفة الأمر الصوري لا توجب استحقاق الإدانة و العقوبة،لما ذكرناه في محله من أن حقيقة الأمر و روحه ملاكه،فاذا كان الفعل متصفا به في مرحلة المبادي،كان الأمر المجعول له في مرحلة الاعتبار أمرا حقيقيا،و موجبا لاستحقاق العقوبة على مخالفته،و من هنا قلنا ان استحقاقها في الحقيقة انما هو على تفويت الملاك الملزم المنجز،لا على مخالفة الأمر بما هو.و أما الأمر الصوري،فبما أنه لا ينشأ من الملاك في مرحلة المبادي فلا قيمة له،و لا توجب مخالفته استحقاق العقوبة،و على هذا فلو كان

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 194)


مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافرا و لا مسلما،و الأظهر أن يقال:إنه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و إن تركه فمتسكعا(1)،و هو ممكن في حقه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها،و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال:إنه في الوقت مكلف بالأداء و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء و مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء إليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق،فحاصل الإشكال أنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء و يعاقب على تركه!؟و حاصل الجواب أنه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب
الأمر بالقضاء المتوجه الى الكافر أمرا صوريا لم يصلح أن يوجب استحقاق العقوبة على مخالفته،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى،انه لا مانع من أن يكون الأمر بالقضاء أمرا حقيقيا على أساس انه متمكن من الأداء من جهة تمكنه من الإسلام،فاذا تمكن منه تمكن من القضاء أيضا،لأنه إذا أسلم في الوقت و أدّى الواجب فيه صح،و الاّ فعليه قضاؤه خارج الوقت،غاية الأمر انه اذا لم يسلم-و إن لم يقدر عليه-الاّ ان عدم قدرته مستند الى اختياره،و هو لا يمنع من استحقاقه العقوبة تطبيقا لقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

في وجوبه متسكعا على الكافر مطلقا اشكال بل منع،لما مر من أن وجوب الحج كذلك انما يستفاد من روايات التسويف،و شمول تلك الروايات للكافر محل منع،لأن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي اختصاصها بموردها و هو المكلف الملتفت الى وجوب حجة الإسلام عليه،و لكنه مع ذلك

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 195)


المعلق(1)و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه،و بعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء،و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء،و إذا أسلم يغفر له و إن خالف أيضا و استحق العقاب.

تساهل و تسامح في أمرها و أخر سنة بعد أخرى تماهلا منه و بدون عذر مسوغ الى أن زالت استطاعته،و من المعلوم أنها لا تنطبق على الكافر،الاّ من كان منه ملتفتا إلى أنه مكلف بالاسلام و أحكامه الإلهية،و لكنه لا يظهر الشهادتين عنادا.

فالنتيجة:إن مورد هذه الروايات المكلف المقصر في تأخير الحج و المتهاون فيه،و أما من لم يكن مقصرا فيه و متهاونا و متسوفا فلا يكون مشمولا لها،على أساس أن مقتضى القاعدة انتفاء وجوب الحج بانتفاء موضوعه،و هو الاستطاعة و ان كان انتفاؤه مستندا إلى تقصير المكلف و تسويفه،غاية الأمر عدم سقوطه عنه بسقوط موضوعه في صورة التسويف على أساس تلك الروايات، و أما عدم سقوطه عنه بسقوط موضوعه في صورة عدم التسويف و الإهمال فهو بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه،فاذن وجوب الحج متسكعا منوط بأن يكون انتفاء الاستطاعة مستندا إلى التقصير و الإهمال لا مطلقا.

فيه إنا و إن بنينا في علم الأصول على امكان الوجوب المعلق،و قلنا هناك أنه قسم من الوجوب المشروط بالشرط المتأخر،و ليس في مقابله،و لا مانع من الالتزام به في مرحلة الاعتبار،الاّ ان وقوعه خارجا بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه في المقام،لأن مقتضى دليل وجوب القضاء انه مجعول على المكلف الفائت منه الأداء،و نتيجة ذلك أنه يتحقق بتحقق الفوت خارجا تطبيقا لقاعدة فعلية الحكم بفعلية موضوعه،و اما كونه فعليا مشروط بتحقق الفوت في المستقبل بنحو الشرط المتأخر فهو بحاجة الى دليل،و على هذا فوجوب القضاء هنا مجعول على الكافر الفائت منه الأداء،فانه اذا اسلم وفات منه الواجب بعده صار وجوب قضائه فعليا عليه اعتبارا و ملاكا،و إن لم يسلم و قد

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 196)


[مسألة 75:لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات]

[3072]مسألة 75:لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات(1)،و لو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلما لأن إحرامه باطل(2).

[مسألة 76:المرتد يجب عليه الحج]

[3073]مسألة 76:المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده،و لا يصح منه(3)،فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه و لا يقضى عنه على الأقوى(4)لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمته كالكافر الأصلي،و إن تاب وجب عليه و صح منه و إن كان
فات عنه صار ملاكه فعليا في حقه دون حكمه فانه لغو،لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ملاكا و عقوبة لا خطابا،لأن توجيهه إلى العاجز غير المتمكن لغو و إن كان عجزه مستندا إلى اختياره.

هذا بناء على المشهور من أن الإسلام شرط في صحة العبادة،و عليه فبما أنه أتى بالاحرام في حال الكفر فيكون باطلا،و أما بناء على ما ذكرناه من الاشكال في ذلك،فلا يبعد صحة الإحرام و إن كان الأحوط و الأجدر به الاعادة من الميقات إن أمكن الرجوع اليه،و الا فمن أدنى الحل على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى في بحث المواقيت.

مر أنه لا يبعد صحة احرامه،و عليه فكفاية ادراكه أحد الموقفين كافرا غير بعيدة،فضلا عن كونه مسلما،و إن كان الأحوط و الأجدر به أن يعيد الحج في العام القادم.نعم على المشهور من كون الإسلام شرطا في صحة الحج لا يكفي،لأن احرامه بما أنه وقع في حال الكفر يكون باطلا،و على هذا فلا يمكن الحكم بصحة سائر أجزائه.

لا تبعد الصحة كما تقدم.

هذا مبني على أن الإسلام شرط في النيابة،و سيأتي تفصيل ذلك في مبحث النيابة.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 197)


فطريا على الأقوى من قبول توبته(1)سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل
هذا هو الصحيح،دون ما نسب الى المشهور من عدم قبول توبته، و قد تعرضنا لذلك في ضمن البحوث الفقهية موسعا.

و ملخصه:ان المرتد اذا تاب حقيقة فمعناه انه رجع الى الايمان به تعالى وحده،و برسالة رسوله صلّى اللّه عليه و آله.و من المعلوم أن كل من آمن بهذين العنصرين الأساسيين فهو مؤمن واقعا و حقيقة،و اذا أقر بالشهادتين و أظهرهما فهو مسلم كذلك،و على هذا فاذا صنع المرتد الفطري ذلك فقد تلبس بالايمان الغيبي و الإسلام الحسي واقعا و تكوينا،بداهة ان التقابل بينهما اما من تقابل العدم و الملكة كما هو الصحيح،أو من تقابل التضاد،فان كان الكفر عبارة عن عدم الإسلام،يعني العدم الخاص و هو العدم النعتي الوصفي،و كان الكافر هو المتصف بهذا النعت و الوصف،فالتقابل بينهما من تقابل العدم و الملكة،و إن كان عبارة عن الأمر الوجودي،و هو الجحد و الانكار كما يظهر من بعض الروايات،فالتقابل بينهما من تقابل التضاد،و على كلا التقديرين لا يصدق الكافر عليه،لأنه إن كان عنوانا للمتصف بعدم الايمان باللّه و رسوله، فهو لا يصدق عليه،لأنه متصف بالايمان بهما على الفرض،و إن كان عنوانا للجاحد و المنكر لهما أو لأحدهما،فالمفروض أنه مقر لهما معا ظاهرا و باطنا.

و على هذا فلا يمكن ترتيب أحكام الكافر عليه،كعدم جواز تزويج امرأة مسلمة منه،و عدم ارثه من المسلم و نحوهما،و أما الأحكام الثلاثة الثابتة للمرتد الفطري بسبب ارتداده لا بعنوان أنه كافر،فهي تظل باقية و لا ترتفع،و إن كان مليّا ارتفعت أحكامه بارتفاع ارتداده بالتوبة.

و اما الروايات النافية لتوبة المرتد الفطري،كقوله عليه السّلام في صحيحة محمد ابن مسلم:«فلا توبة له و قد وجب قتله،و بانت امرأته،و يقسم ما ترك على

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 198)


توبته،فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر(1)،و لو أحرم في حال ردته ثم تاب وجب عليه الإعادة(2)
ولده» 1و قوله عليه السّلام في موثقة عمار الساباطي:«و لا يستتيبه» 2و نحوهما،فلا محالة يكون المراد منها نفي الأحكام التي تترتب عليه بسبب ارتداده،بداهة أن نفي التوبة بوجودها الواقعي الخارجي غير معقول،لأن النفي التشريعي لا يتعلق بالأمر التكويني،و التوبة معناها رجوع التائب الى الايمان باللّه و برسوله صلّى اللّه عليه و آله و الإقرار بالشهادتين،و كلاهما أمر تكويني،فلا يمكن ارتفاعه تشريعا.

و عليه،فان اريد من نفي التوبة عنه الاخبار عن عدم تحققها خارجا فهو كذب و إن أريد منه ان ايمانه كلا ايمان بالنسبة إلى الأحكام الثلاثة المترتبة عليه، و هي قتله،و تقسيم أمواله بين ورثته،و بينونة زوجته منه،فهو صحيح،لأنه بالتوبة و إن أصبح مسلما،الاّ أن تلك الأحكام لا ترتفع عنه على الرغم من كونه مسلما فعلا،و يترتب عليه سائر أحكام الإسلام.

فالنتيجة:ان الروايات لو لم تكن ظاهرة في نفسها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية في أن المراد من نفي التوبة فيها نفيها بالنسبة إلى أحكامها الثلاثة،فلا بد من حملها على ذلك بقرينة أنه لا يمكن أن يكون المراد منه نفيها حقيقة و موضوعا،و على هذا فلا مانع من التمسك باطلاق الروايات التي تنص على أن من أقر بالشهادتين حقنت به دماؤه و اعراضه و أمواله، و جرت به المواريث،فانها تعم باطلاقها المرتد الفطري أيضا اذا تاب و أقربهما.

فيه ان ذلك ليس من جهة التبادر،لأنه مبني على أن يكون مدركها حديث الجب،و قد مر أنه ضعيف سندا،فلا يمكن الاعتماد عليه،بل من جهة ان القدر المتيقن من السيرة النبوية الجارية على ذلك هو الكافر الأصلي.

مر أنه لا يبعد الصحة و عدم الاعادة،و ان كانت الاعادة أحوط.


 

1) <page number=”198″ />الوسائل باب:30 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه الحديث:1.
2) الوسائل باب:1 من أبواب حد المرتد الحديث:3.

 

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 199)


كالكافر الأصلي،و لو حج في حال إسلامه ثم ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى،ففي خبر زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السّلام:«من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شيء»،و آية الحبط مختصة بمن مات على كفره بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ [البقرة 2:217]،و هذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري(2)،فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.

[مسألة 77:لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح]

[3074]مسألة 77:لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح،كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثم تاب،و كذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثم تاب قبل فوات المولاة،بل و كذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثم تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا فيها،نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل(3)و إن تاب بلا فصل.

[مسألة 78:إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة]

[3075]مسألة 78:إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة
بل صحيح زرارة.

فيه ان الآية مطلقة و تعم باطلاقها المرتد بكلا نوعيه،و حينئذ لو تمت دلالة الروايات المتقدمة على عدم قبول توبة المرتد الفطري لكانت مقيدة لإطلاق الآية الشريفة بغير الفطري،هذا.

اضافة الى أن دلالتها على قبول التوبة مبنية على مفهوم الوصف،و قد ذكرنا في علم الأصول ان الوصف لا يدل على المفهوم المصطلح لدى الأصوليين،و هو انتفاء طبيعي الحكم بانتفائه بنحو السالبة الكلية،نعم لا بأس بدلالته بنحو السالبة الجزئية،و هي لا تجدي.

لا تبعد الصحة كما مر،و ان كانت الاعادة أحوط و أجدر.

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸ 200)


بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه(1)و إن لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق لإطلاق الأخبار،و ما دل على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله عليه السّلام:

«يقضي أحب إليّ»و قوله عليه السّلام:«و الحج أحبّ إليّ».

[مسألة 79:لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه]

[3076]مسألة 79:لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه،و كذا في الحج الواجب بالنذر(2)و نحوه
بل الأمر كذلك اذا كان صحيحا في مذهب الحق و ان لم يكن صحيحا في مذهبه على تفصيل ذكرناه في المسألة(5)من(فصل في صلاة القضاء).

فيه اشكال بل منع،و الأظهر عدم انعقاده بدون إذن الزوج،و ذلك لأن مورد الروايات التي تنص على عدم اعتبار اذن الزوج للزوجة في الحج انما هو حجة الإسلام،و التعدي منه الى سائر أقسام الحج الواجب بحاجة الى قرينة،و لا قرينة على ذلك لا في نفس الروايات،و لا من الخارج.

و اما مقتضى القاعدة فلما ذكرناه غير مرة،من ان وجوب الوفاء بالنذر أو العهد او اليمين لا يصلح أن يزاحم أي حكم الزامي ثابت في الشرع من قبل اللّه تعالى،كما هو مقتضى ما ورد في لسان أدلة وجوب الوفاء بالشرط من«ان شرط اللّه قبل شرطكم» 1حيث أن مفاده عرفا ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه مشروط بالقدرة الشرعية،بمعنى عدم أمر شرعي بالخلاف في نفسه،و بقطع النظر عنه على أساس ان المتفاهم العرفي من القبلية في قوله عليه السّلام:«شرط اللّه قبل شرطكم» 2انه لا بد ان يلحظ شرطه تعالى الذي هو عبارة عن التكاليف و الالتزامات الشرعية المفروضة من قبله سبحانه عز و جل في المرتبة السابقة على شرطكم،و بقطع النظر عنه،فاذا كانت ثابتة في الشرع في نفسها فلا تصل


 

1) <page number=”200″ />الوسائل باب:20 من أبواب المهور الحديث:6.
2) الوسائل باب:20 من أبواب المهور الحديث:6.

 

الصفحات: 1 2 3 4
Pages ( 2 of 4 ): «1 2 34»