مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
[3016]مسألة 19:إذا كان عليه خمس أو زكاة و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لو لا هما فحالهما حال الدين مع المطالبة،لأن المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا(1)،و ان كان الحج مستقرا عليه سابقا تجيء الوجوه المذكورة من التخيير أو تقديم حق الناس أو تقديم الأسبق(2)،
بل هو مستطيع،فان وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة -كما مر-و انما هو مانع عن وجوب الحج لأهميته أو احتمالها.
تقدم أنه لا يتم شيء من هذه الوجوه،
أما الوجه الأول:و هو التخيير،فلما عرفت من أن وجوب الدين يتقدم على وجوب الحج في مورد المزاحمة و إن كان مستقرا.
و اما الوجه الثاني:فقد مر أنه لا دليل على تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى بشكل عام،بل هو يختلف باختلاف الموارد.
و اما الوجه الثالث:فقد سبق الإشارة إلى عدم مرجحية الأسبق زمانا،هذا كله فيما إذا كان الخمس و الزكاة في الذمة،و اما إذا كانا في العين فلا بد من اخراجهما منها أولا و حينئذ فان اتسع الباقي للحج فهو مستطيع و يجب انفاقه
هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته،و أما إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج سواء كان مستقرا عليه أولا،كما أنهما يقدمان على ديون الناس أيضا،و لو حصلت الاستطاعة و الدين و الخمس و الزكاة معا(1) فكما لو سبق الدين.
[3017]مسألة 20:إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا كما بعد خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة(2)،و كذا إذا كان الديّان مسامحا في أصله كما في مهور نساء أهل الهند فإنهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية أو خمسين ألف لإظهار الجلالة و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ،فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج،و كالدين ممن بناؤه على الإبراء إذا لم يتمكن المديون من الأداء أو واعده بالإبراء بعد ذلك.
لا يخفى ان التعبير بحصولهما مع الخمس و الزكاة المتعلقين بالعين معا و في آن واحد مبني على التسامح اذ لا يمكن تصوير حصولهما معهما كذلك في زمن واحد،فان تعلقهما بالعين كان رافعا لموضوع الاستطاعة،نعم لا مانع من تحقق الاستطاعة مع الدين،و يقع التزاحم بينهما.
مر أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن صدق الاستطاعة و لا يكون رافعا لها و إن كان حالا و مطالبا به فعلا فضلا عن كونه مؤجلا بأمد بعيد،نعم انه يمنع عن وجوب الحج تطبيقا للترجيح بالأهمية و لو احتمالا،و على هذا فاذا كان الدين مؤجلا بأجل قريب أو بعيد،فان كان المدين واثقا بالتمكن من أدائه في وقته و لدى حلول الأجل إذا انفق ما لديه من المال في سفر
[3018]مسألة 21:إذا شك في مقدار ماله و أنه وصل إلى حد الاستطاعة أولا هل يجب عليه الفحص أو لا؟وجهان أحوطهما ذلك(1)،و كذا إذا علم مقداره و شك في مقدار مصرف الحج و أنه يكفيه أولا.
في الاحتياط اشكال بل منع،و الأظهر عدم وجوب الفحص،لأن الشبهة موضوعية و لا مانع من الرجوع الى الأصول المؤمنة فيها من العقلية و الشرعية.أو فقل:ان موضوع أدلة الأصول هو الجاهل،فان كان جاهلا بالحكم وجب الفحص،و حينئذ فان ظل باقيا على الجهل بعده أيضا يرجع الى مقتضى تلك الأصول،و إن كان جاهلا بالموضوع لم يجب الفحص لعدم الدليل عليه و إن كان الفحص لا يتوقف على مؤنة زائدة،هذا و لكن تحقّق ذلك في المقام لا يخلو عن مجرد افتراض،لأن فرضه انه لم يرجع الى دفتر حساباته في تمام اشهر الحج و طول هذه الفترة أمر نادر لا يتفق الاّ في حالات نادرة،كما إذا كان
[3019]مسألة 22:لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده استصحابا لبقاء الغائب،فهو كما لو شك في أن أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أو لا،فلا يعد من الأصل المثبت(1).
[3020]مسألة 23:إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له قبل أن يتمكن من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة(2)،و أما بعد التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة،و لو تصرف بما يخرجه
فيه:ان هذا الأصل و إن لم يكن مثبتا بالنسبة إلى اثبات بقاء ماله الغائب و ترتيب أثره عليه،الاّ انه لا يثبت ما هو المطلوب في المقام الاّ على القول بالأصل المثبت،و هو تمكن المكلف بعد الرجوع من سفر الحج و الانفاق عليه من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج بسبب الانفاق عليه،و من المعلوم ان استصحاب بقاء ماله الغائب في ملكه لا يثبت تمكنه من ذلك بعد الانفاق على الحج الا على نحو المثبت.
و إن شئت قلت:ان وجوب الحج مرتبط بالاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا و ايابا،و تمكنه من استعادة وضعه المعاشي المناسب لمكانته بدون الوقوع في حرج زائدا على صحة البدن و الأمن في الطريق و حين الأعمال،و من الواضح أن تمكنه من استعادة وضعه المعاشي كذلك لا يترتب على الاستصحاب المذكور باعتبار أنه ليس بأثر شرعي.
في إطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر عدم جواز تفويتها بعد حصولها
عنها بقيت ذمته مشغولة به،و الظاهر صحة التصرف مثل الهبة و العتق و إن كان فعل حراما،لأن النهي متعلق بأمر خارج،نعم لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحة(1)،و الظاهر أن المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة،فلو لم يتمكن فيها و لكن
فيه اشكال بل منع،لما ذكرناه في علم الأصول من أن النهي عن المعاملات لا يستلزم فسادها و لا تنافي بين حرمتها تكليفا و صحتها وضعا.
يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف(1)،فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة،فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.
[3021]مسألة 24:إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة وحده أو منضما إلى ماله الحاضر و تمكن من التصرف في ذلك المال الغائب يكون مستطيعا و يجب عليه الحج،و إن لم يكن متمكنا من التصرف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك فلا يكون مستطيعا إلا بعد التمكن منه أو الوصول في يده، و على هذا فلو تلف في الصورة الأولى بقي وجوب الحج مستقرا عليه(2) إن كان التمكن في حال تحقق سائر الشرائط،و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر،و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر و تمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن فإنه على الأول يكون مستطيعا بخلافه على الثاني.
[3022]مسألة 25:إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه(3)إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده،
فيه انه لا وجه لتقييد جواز التصرف بعدم التمكن من الحج في السنة الأولى،بل هو غير بعيد مطلقا و إن كان متمكنا منه في السنة الأولى شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بالتمكن من الاتيان به في السنين القادمة لما مر من أنه لا يوجد دليل لفظي على وجوب الحج فورا غير حكم العقل به و هو لا يكون الاّ إذا لم يكن الانسان واثقا و متأكدا بالتمكن منه في السنة الآتية،و الاّ فلا يحكم به و إن كان الأحوط و الأجدر به عدم الجواز.
هذا شريطة أن يكون التلف بتقصير و تسامح منه،و الاّ فلا شيء عليه.
هذا شريطة أن تكون غفلته أو جهله بالموضوع مستندة إلى تقصيره
و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة(1)غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه،و حينئذ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستئجار عنه إن كانت له تركة بمقداره،و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثم علم بعد ذلك أنه بقدر الاستطاعة،فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله من عدم الوجوب لأنه لجهله لم يصر موردا و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقر عليه،لأن عدم التمكن من جهة الجهل و الغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي،و القدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي و هي موجودة،و العلم شرط في التنجز(2)لا في أصل التكليف.
فيه أنهما و إن كانا لا يمنعان عنها بصفة أنها موجودة في الواقع،الاّ أنهما يمنعان عنها بصفة أنها موضوعة للوجوب فعلا و من شروطه على أساس أن جعل وجوب الحج على الغافل عن استطاعته أو الجاهل المركب بها لغو صرف و لا مبرّر له أصلا،ضرورة أن الغرض من جعل التكليف و اعتباره انما هو امكان داعويته للمكلف و محركيته له نحو الطاعة و الامتثال،و من المعلوم أن جعل وجوب الحج على المستطيع الغافل أو من بحكمه عن استطاعته لا يمكن أن يكون داعيا و محركا له في مقام التطبيق لاستحالة فعليته.
هذا صحيح و لكن ليس معنى ذلك ان الغافل و الجاهل المركب
[3023]مسألة 26:إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا فإن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا و تخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة الإسلام(1) لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق،و إن قصد الأمر الندبي على وجه التقييد(2)
هذا شريطة ان لا يكون اعتقاده بعدم الاستطاعة اعتقادا جزميا على نحو لا يحتمل الخلاف نهائيا،و الا لكان جهله بها جهلا مركبا،و قد مر أن حكمه حكم الغافل،فلا يكون قابلا للتكليف في الواقع،فاذن لا موضوع للإجزاء.
فيه ان التقييد في المقام غير معقول لأن التقييد انما يتصور في المعنى الكلي فانه إذا قيد بقيد صار مقيدا و مضيقا،فلا ينطبق الاّ على ما يكون واجدا لهذا القيد دون الفاقد له،و اما الجزئي الحقيقي فانه غير قابل للتقييد بلا فرق بين أن يكون قاصدا له بعنوانه و اسمه المميز له شرعا،أو قاصدا له بعنوان آخر اشتباها و خطأ،و هذا ليس تضييقا و تقييدا له بل هو خطأ في التطبيق،أي تطبيق ذلك العنوان عليه،و المقام من هذا القبيل حيث ان الأمر فيه بما أنه أمر واحد شخصي في الواقع و هو الأمر الوجوبي دون الأعم منه و من الاستحبابي فهو غير قابل للتقييد،و حيث ان المكلف جاهل به و معتقد بأن الأمر المتعلق بالحج ندبي يكون قاصدا لامتثاله بهذا العنوان الذي لا واقع له،فاذن بطبيعة الحال يكون الخطأ و الاشتباه في تطبيق ذلك العنوان على الأمر الموجود في الواقع لا في امتثاله خارجا لفرض انه قد أتى بالحج بداعي أمره الإلهي و مضافا إليه تعالى،و مجرد تخيله أنه ندب و كان هو الداعي الى الاتيان به لا يضر،لأن اتيانه كان بنية أمره الواقعي و مطابقا للواقع،و الخطأ انما هو في العنوان الداعي اليه.
لم يجزئ عنها(1)و إن كان حجه صحيحا،و كذا الحال إذا علم باستطاعته ثم غفل عن ذلك،و أما لو علم بذلك و تخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزئ لأنه يرجع إلى التقييد(2).
[3024]مسألة 27:هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و الراحلة و غيرهما كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدة معينة أو باعه محاباة كذلك؟و جهان أقواهما العدم(3)
ظهر أنه يجزئ و كان من باب الخطأ في التطبيق لا من باب التقييد، هذا شريطة أن لا يكون غافلا عن الاستطاعة أو جاهلا بها جهلا مركبا،فانه حينئذ لا يعقل جعل وجوب حجة الإسلام عليه في الواقع،و لا يكون مأمورا بها نهائيا،فاذن لا موضوع للاجزاء و هو انطباق المأمور به على الفرد المأتي به، و الفرض انه لا يكون مأمورا بحجة الإسلام في الواقع لكي تنطبق على الفرد المأتي به في الخارج و هو الحج المندوب،و على هذا فلا بد من تخصيص المسألة بغير الغافل بالاستطاعة أو الجاهل المركب بها،و هو الذي يكون مكلفا بحجة الإسلام في الواقع و إن كان واثقا و متأكدا بالخلاف.
مر أنه لا معنى للتقييد بمعنى التضييق في أمثال المقام،بل هو من الخطأ في التطبيق بتخيل ان الأمر المتعلق بالحج في السنة الأولى ندبي باعتقاد عدم وجوبه فورا،مع أنه في الواقع فوري،و عليه فاذا أتى به المكلف بداعي أمره ندبا ثم بان أنه وجوبي فقد اخطأ في الداعي و اشتبه في التطبيق و هذا لا يضر بالاتيان بالمأمور به بكل واجباته منها قصد اسمه الخاص اجمالا.
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر الكفاية،و ذلك لما تقدم من أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات المفسرة لها هو أن الاستطاعة تتكون من الأمور التالية:
1-الامكانية المالية.
لأنها في معرض الزوال إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ،و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحما فإنه ما دامت العين موجودة له الرجوع،و يمكن أن يقال بالوجوب هنا(1)حيث إن له التصرف في الموهوب فتلزم الهبة.
[3025]مسألة 28:يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد و الراحلة بقاء المال إلى تمام الأعمال،فلو تلف بعد ذلك و لو في أثناء الطريق كشف
هذا هو الأظهر باعتبار أنه إذا صار مستطيعا بقبوله الهبة وجب عليه الحفاظ على استطاعته و امكانيته المالية بالتصرف في المال الموهوب حتى يؤدي الى ازالة سلطنة الواهب عنه و خروجه عن التزلزل،هذا من ناحية و من ناحية أخرى انه لا يمكن القول بوجوب التصرف في المال الموهوب على ضوء ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن الاستطاعة لا تتحقق بقبول الهبة باعتبار أن ملكية المال الموهوب متزلزلة بسبب تمكن الواهب من ارجاعه الى ملكه ثانيا،فانه حينئذ لا وجوب للحج لكي تجب مقدمته و هي التصرف في المال الموهوب حفاظا على استطاعته.
عن عدم الاستطاعة،و كذا لو حصل عليه دين قهرا عليه(1)كما إذا أتلف مال غيره خطأ،و أما لو أتلفه عمدا فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمدا(2)في عدم زوال استقرار الحج.
[3026]مسألة 29:إذا تلف بعد تمام الأعمال مئونة عوده إلى وطنه أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟و جهان،لا يبعد الإجزاء(3)
مر أن ثبوت الدين لا يكشف عن عدم الاستطاعة،و لا يكون رافعا لها،غاية الأمر تقع المزاحمة بين وجوب الوفاء به و وجوب الحج،و لا بد من تقديم الأول على الثاني لمكان أهميته،أو لا أقل من احتمالها على تفصيل تقدم في المسألة(17).
في الظهور اشكال بل منع،لما مر من أن الدين سواء أ كان بسبب عمدي أو خطئي لا يمنع من الاستطاعة و الامكانية المالية،و عليه فلا يكون اتلاف مال الغير عمدا كإتلاف الزاد و الراحلة،فان اتلافه في الفرض الأول يوجب اشتغال ذمة المتلف ببدله من المثل أو القيمة بدون أن يؤدي الى ازالة الاستطاعة موضوعا،غاية الأمر يتقدم وجوب الوفاء بالدين على وجوب الحج تطبيقا لما تقدم،و هذا بخلاف اتلافه في الفرض الثاني،فانه يوجب إزالة الاستطاعة مباشرة موضوعا،نعم انهما يشتركان في نقطة واحدة و هي استقرار وجوب الحج عليه في كلا الفرضين اما في الفرض الأول،فباعتبار أن تفويته في نهاية المطاف كان مستندا إلى سوء اختياره،و كذلك الحال في الفرض الثاني، فانه قام باختياره و عالما بالحكم بتفويت الاستطاعة و الامكانية المالية الموجودة لديه،فلذلك استقر وجوب الحج عليه في كلا الفرضين.
بل هو بعيد،اما في فرض تلف مؤنة العود فلأنه يكشف عن عدم الاستطاعة و الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا و ايابا،مع أنها معتبرة في
و يقربه ما ورد(1)من أن من مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن
في التقريب اشكال بل منع،لأن قياس المقام بمورد الروايات قياس مع الفارق لأن الحكم في موردها يكون على خلاف القاعدة،حيث أن اجزاء الاحرام مع الدخول في الحرم عن الحج بكامل اجزائه بحاجة الى دليل،و قد دل الدليل عليه إذا مات الحاج بعد الإحرام و دخول الحرم،و لا يمكن التعدي منه الى سائر الموارد لأنه بحاجة الى قرينة،و لا قرينة عليه،فاذن لا يمكن أن تكون تلك الروايات مقربة للحكم بالاجزاء و الصحة في المقام و هو ما إذا أتى المكلف بكل أعمال الحج ثم انكشف انه ليس عنده ما به الكفاية،أو كان و لكنه تلف قبل الرجوع،فانه لا يتمكن حينئذ من استئناف وضعه المعاشي الطبيعي
حجة الإسلام،بل يمكن أن يقال بذلك(1)إذا تلف في أثناء الحج أيضا.
[3027]مسألة 30:الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد و الراحلة،فلو حصلا بالإباحة اللازمة(2)كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة،و يؤيده الأخبار الواردة في البذل،فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكا له.
ظهر حاله مما مر من أن تلفه لما كان كاشفا عن عدم تحقق الاستطاعة في الواقع فلا يكون حجه مجزيا عن حجة الإسلام و مصداقا لها.
فيه انه لا وجه للتقييد بها لما تقدم من أن المراد من الاستطاعة حسب المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و متطلباته،و من المعلوم انه لا فرق بين أن يكون منشؤها الملك أو الاباحة اللازمة أو الجائزة،غاية الأمر إذا كانت الامكانية المالية جائزة كان شاكا في بقائها في المستقبل،فلا مانع من استصحاب بقائها فيه.
و دعوى ان ظاهر الروايات المفسرة للاستطاعة بالزاد و الراحلة هو الملك،و لازم ذلك عدم تحقق الاستطاعة بالاباحة و إن كانت لازمة فضلا عن الجائزة،مدفوعة بما ذكرناه من أن المتفاهم العرفي من هذه الروايات أنها في مقام بيان ما تتكون به الاستطاعة و الامكانية المالية،و من المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون اضافة الزاد و الراحلة اليه اضافة ملك أو اباحة،فانه لا نظر لها من هذه الناحية،و عليه فكما يصدق قوله عليه السّلام:«له زاد و راحلة» 1إذا كان على
[3028]مسألة 31:لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له(1)و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنه ليس له الرد حينئذ.
[3029]مسألة 32:إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين عليه السّلام في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج(2)،بل و كذا لو نذر إن جاء مسافره أن يعطي الفقير كذا مقدارا فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد حصول المعلق عليه،بل و كذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك،فإن هذا كله مانع عن تعلق وجوب الحج به،و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل حصول الاستطاعة و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج ثم حصلت الاستطاعة
هذا إذا كانت الوصية التمليكية من الايقاعات،فانه حينئذ تحصل الاستطاعة بمجرد الوصية،و ليس له الرد حينئذ،لأنه تفويت لها و هو غير جائز، و أما إذا كانت من العقود فلا يحصل الاّ بالقبول،و هو غير واجب،لأنه تحصيل للاستطاعة.
فيه ان النذر بكل أقسامه لا يصلح أن يزاحم وجوب الحج،و يمكن تبرير ذلك بأحد الوجهين التاليين:
الأول:ان وجوب الحج أهم من وجوب الوفاء بالنذر و إن قلنا ان وجوب
……….
و إن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج،لأن العذر الشرعي كالعقلي(1) في المنع من الوجوب،و أما لو حصلت الاستطاعة أولا ثم حصل واجب
هذا بناء على أن يكون وجوب الحج مشروطا بالقدرة الشرعية بمعنى عدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي،و قد مر أن الأمر ليس كذلك و أنه مشروط بالقدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و عليه فتقع المزاحمة بينهما شريطة أن يكون الواجب الآخر أيضا مشروطا بنفس تلك
فوري آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج يكون من باب المزاحمة(1) فيقدم الأهم منهما،فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج،و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه،و إلا فلا إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا فإنه يجب عليه و لو متسكعا.
[3030]مسألة 33:النذر المعلق على أمر قسمان:تارة يكون التعليق على وجه الشرطية كما إذا قال:«إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين عليه السّلام في عرفة»،و تارة يكون على نحو الواجب المعلق كأن يقول:«للّه عليّ أن أزور الحسين عليه السّلام في عرفة عند مجيء مسافري»،فعلى الأول يجب الحج
فيه ان وجوب الحج إذا كان مشروطا بعدم الأمر بالخلاف كما بنى عليه قدّس سرّه بدعوى ان الاستطاعة عبارة عن ذلك،فلا يعقل التزاحم بينه و بين وجوب الواجب المشروط بالقدرة العقلية لفرض ان وجوبه مانع و رافع لوجوبه بارتفاع موضوعه،و لا فرق في ذلك بين أن يكون تحقق وجوب الواجب الآخر قبل حصول الاستطاعة أو بعده،فكما أنه وارد عليه و رافع له إذا كان تحققه قبل حصول الاستطاعة فكذلك إذا كان بعد حصولها فانه يكشف عن عدم تحققها بداهة انه لا يمكن القول بأن حدوث وجوب الحج مشروط بعدم الأمر بالخلاف،و أما بقاؤه فلا فانه لو كان مشروطا به لكان مشروطا حدوثا و بقاء،فما في المتن من الفرق بين الصورتين لا يرجع الى معنى محصل.
إذا حصلت الاستطاعة قبل مجيء مسافره،و على الثاني لا يجب(1)فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج سواء حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها،و كذا لو حصلا معا لا يجب الحج من دون فرق بين الصورتين،و السر في ذلك أن وجوب الحج مشروط و النذر مطلق(2)فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة.
[3031]مسألة 34:إذا لم يكن له زاد و راحلة و لكن قيل له:«حجّ و عليّ نفقتك و نفقة عيالك»وجب عليه،و كذا لو قال:«حجّ بهذا المال»و كان كافيا له ذهابا و إيابا و لعياله،فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها إياه،و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها،و لا بين أن يكون البذل واجبا عليه بنذر أو يمين أو نحوهما أو لا، و لا بين كون الباذل موثوقا به أو لا على الأقوى،و القول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف،كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين،من التمليك أو الوجوب،و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به،كل ذلك لصدق الاستطاعة و إطلاق المستفيضة من الأخبار(3)،
ظهر حاله مما تقدم من أنه لا اشكال في تقديم وجوب الحج على وجوب النذر و إن كان منجزا فضلا عن كونه معلقا.
مر أن الأمر بالعكس يعني ان وجوب الحج مطلق و وجوب النذر مشروط بعدم ثبوته بنفسه في الشرع.
منها صحيحة العلاء،قال:«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:
وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال:يكون له ما يحج به، قلت:فمن عرض عليه فاستحى،قال:هو ممن يستطيع…» 1فانها تنص على
و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا،و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب(1)،و كذا لو لم يبذل نفقة عياله(2) إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا.
هذا شريطة أن لا يكون عازما على عدم العود الى بلدته،و الاّ كفى في استطاعته و وجوب الحج عليه نفقة الذهاب فحسب،و لا فرق من هذه الناحية بين الاستطاعة البذلية و غيرها،فان المعيار انما هو بوجود ما يحج به عنده و إن كان بالبذل،كما نصت عليه صحيحة العلاء المتقدمة و غيرها من النصوص، فاعتبار نفقة العود في الاستطاعة انما هو بملاك الحاجة اليها،و أما من كان عازما على عدم العود و البقاء في مكة فلا يحتاج اليها،و لا تكون معتبرة في استطاعته.
في اطلاقه اشكال بل منع،و ذلك لما تقدم من أن المتفاهم العرفي من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها،أن الاستطاعة تتكون من العناصر التالية:الامكانية المالية لسدّ نفقات سفر الحج،و الأمن و السلامة في الطريق،و ما به الكفاية و هذه الأدلة انما هي في مقام بيان ان وجوب الحج على كل أحد في الخارج مرتبط بوجود تلك العناصر فيه شريطة أن تتوفر فيه سائر شروطه العامة من العقل و البلوغ و الحرية،و لا نظر لها الى اعتبار أمر آخر في وجوبه كعدم وجوب مزاحم أهم له أو نحو ذلك،و على هذا الأساس فان كان لاستجابته بذل الباذل أثر بشأن نفقة عياله باعتبار أنه يشتغل كعامل مضارب و ينفق على عائلته في كل يوم من اجرة ذلك اليوم،و إذا ذهب الى الحج لم يتمكن من الانفاق
……….
[3032]مسألة 35:لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية(1)، نعم لو كان حالا و كان الديان مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج و لو تدريجا ففي كونه مانعا أو لا وجهان(2).
[3033]مسألة 36:لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية(3).
فيه انه لا وجه لهذا التقييد لما مر من أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة المالية،غاية الأمر تقع المزاحمة بينهما فيقدم وجوب الوفاء به على وجوب الحج،و اما إذا كانت الاستطاعة بذلية فلا موضوع لهذه المزاحمة حيث لا يجوز له أن يفى دينه مما بذل له للحج،غاية الأمر إنه إذا كان متمكنا من الأداء و لو تدريجا إذا لم يذهب الى الحج وجب عليه ذلك تطبيقا لما تقدم،و أما إذا لم يكن لاستحبابه البذل أثر بشان الوفاء بالدين فتجب.
الأظهر كونه مانعا كما مر.
هذا شريطة أن لا يكون سفر الحج مؤثرا في وضعه المعاشي،فانه في مثل هذه الحالة اذا بذل اليه ما يحج به وجب عليه استجابته باعتبار أنها لا تؤثر في شأن وضعه المعاشي،و لا يجوز له صرفه فيه.و اما إذا وصل اليه مال هدية أو من عملية كسبه أو مهنته ما يكفي لنفقات سفر الحج فقط لم يجب،لمكان عدم استطاعته،فانه لو صرف المال في نفقات سفر الحج ثم رجع لم يتمكن من اعادة وضعه المعاشى العادي اللائق بمكانته بدون الوقوع في حرج بسبب ما انفقه على الحج،و هذا التمكن معتبر في الاستطاعة بمقتضى حديث لا حرج باعتبار أن من عناصر الاستطاعة التمكن من استئناف وضعه المادي المناسب لشأنه بدون الوقوع في حرج بسبب الحج و ما أنفقه عليه،فاذا توفر هذا العنصر في فرض توفر سائر عناصرها تمت الاستطاعة و الاّ فلا،و أما إذا كان سفره الى الحج و انفاق ما لديه من المال في متطلباته مؤثرا في وضعه المعاشي،فاذا رجع الى بلدته و لم يتمكن من اعادته بدون الوقوع في حرج لم يكن مستطيعا،و عليه
[3034]مسألة 37:إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى،بل و كذا لو وهبه و خيّره بين أن يحج به أو لا(1)،و أما لو وهبه و لم يذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور.
[3035]مسألة 38:لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه،لصدق الاستطاعة بل إطلاق الأخبار(2)،و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج فإنه يجب عليه بعد موت الموصي.
في وجوب القبول اشكال بل منع،لأن الظاهر من روايات البذل وجوب القبول في فرض عرض الحج عليه،أو ما يحج به،مثل أن يقول:خذ هذا المال و حج به،و في المقام انما عرض عليه الجامع لا خصوص الحج،فلا يكون مشمولا لتلك الروايات.
هذا لعله لدفع توهم عدم شمول الأخبار للمسألة و اختصاصها بما إذا كان الباذل مالكا،و لكن لا وجه لهذا التوهم،لا لإطلاق الأخبار،فانها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،و انما هي ناظرة الى بيان وجوب الحج على من عرض عليه بلا نظر لها الى أن العرض من المالك أو من غيره،بل من جهة أن موضوع الوجوب هو العرض،فاذا تحقق ترتب عليه حكمه،و من المعلوم انه لا فرق في تحققه بين أن يكون العرض من قبل المالك مباشرة،أو من غيره.
[3036]مسألة 39:لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة(1)و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا أو كانت
في الظهور اشكال بل منع،و الأظهر انه لا يجب عليه العمل بهذا الشرط،فانه يرتبط بمدى ولاية المالك على الخمس و الزكاة،و قد تقدم في ضمن بحوثهما انه لا ولاية له الاّ على عزلهما و تعيينهما في مال معين و اعطاؤه للمستحق دون أكثر من ذلك،فلا يحق للدافع أن يشترط على المستحق في تصرفه فيها شروطا و قيودا،لأن كل ذلك خارج عن نطاق ولايته،هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى،انه مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن للمالك ولاية على هذا فلا شبهة في نفوذ هذا الشرط إذا كانت فيه مصلحة،و من هنا إذا كان ذلك الشرط من قبل الحاكم الشرعي حسب ما يراه كان نافذا لمكان ولايته، و عليه فلا وجه للقول بأن هذا الشرط لا يرجع الى معنى محصل،اذ كما لا يمكن أن يكون مرده إلى تعليق الاعطاء عليه بداهة ان الاعطاء فعل خارجي غير قابل للتعليق،كذلك لا يمكن أن يكون مردّه الى تعليق الالتزام بالاعطاء عليه،فان مرجعه الى ثبوت الخيار لدى التخلف و امكان الاسترداد،و الفرض انه لا موضوع له في المقام،فاذن لا محالة يكون مرده الى التزام مقارن للإعطاء،و هو التزام ابتدائي و ليس شرطا،و لا دليل على وجوب الوفاء به،و ذلك لما عرفت من أن نفوذه على المستحق و وجوبه عليه انما هو من باب ولاية المالك عليه لا من باب أن شرطه نافذ كشرط أحد المتعاملين على الآخر،و من هنا يكون وجوب العمل به تكليف محض،و لا يترتب على مخالفته أي أثر وضعي غير المعصية و استحقاق الإدانة و العقوبة.
فالنتيجة:ان مرد هذا الشرط الى تعيين المصرف لهما،و حينئذ فان كانت للدافع ولاية عليه وجب على المستحق العمل به كالحاكم الشرعي،فإن له الولاية على هذا،فاذا عيّن وجب العمل على طبقه،و إذا خالف فقد عصى
الزكاة من سهم سبيل اللّه(1).
[3037]مسألة 40:الحج البذلي مجزئ عن حجة الإسلام،فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى(2).
الأمر كما أفاده قدّس سرّه لما تقدم من انه لا يعتبر في صدقه أن تكون فيه مصلحة عامة على أساس انه يصدق على كل عمل قربي.
هذا هو الصحيح و هو المشهور بين الأصحاب،و تدل على ذلك روايات البذل،بتقريب أنها تنص على وجوب الحج على من عرض عليه ما يحج به بملاك أنه أصبح مستطيعا به،و من المعلوم أن الواجب على المستطيع بمقتضى الآية الشريفة و الروايات هو حجة الإسلام،و بما أنها واجبة في تمام مدة عمر الإنسان مرة واحدة،فهو على يقين من عدم وجوبها عليه مرة ثانية و إن استطاع مالا و على هذا فلا بد من حمل صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به اناس من أصحابه أقضى حجّة الإسلام؟قال:نعم،فان أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج،قلت:هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله،قال:نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة و ليست بناقصة و إن أيسر فليحج-الحديث» 1على الاستحباب،هذا اضافة الى وجود قرينة داخلية و خارجية على ذلك،أما الأولى:
فلأن قوله عليه السّلام في نفس تلك الصحيحة،«نعم قضى عنه حجة الإسلام و تكون
[3038]مسألة 41:يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام،و في جواز رجوعه عنه بعده و جهان(1)،و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده إذا كانت لذي رحم أو بعد تصرف الموهوب له.
الأظهر هو الجواز شريطة أمرين:
أحدهما:أن يكون بذل المال المبذول الى المبذول له على نحو الاباحة، و هذا يعني أنه باق في ملك الباذل.
الثاني:ان يكون المال المبذول قائما بعينه بدون وقوع التغيير أو التبديل عليه إذا كان على نحو الهبة،و الاّ لم يجز له الرجوع اليه،ثم انه إذا توفر شروط الرجوع و رجع اليه يكشف عن عدم استطاعته باعتبار أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة حدوثا و بقاء و مرتبطا بها ارتباط الحكم بالموضوع،هذا نظير ما إذا فقد ماله في الطريق بسبب من الأسباب،فانه يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول على أساس عدم توفر شروطه فيه.
و دعوى:أن الإحرام بما أنه كان باذن الباذل فلا يسوغ له الرجوع الى ما
[3039]مسألة 42:إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان(1).
[3040]مسألة 43:إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية(2)،فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل لصدق
لا يبعد وجوبها عليه باعتبار أن السفر لما كان مستندا إلى أمره و إذنه فعليه أن يخسر كل ما يتطلبه من النفقة للذهاب و الاياب،فاذا رجع في أثناء الطريق كانت نفقة العود عليه.
فيه اشكال،و لا يبعد عدم الوجوب،و ذلك لأن روايات البذل ظاهرة في عرض الحج على شخص معين في الخارج،و لا تعم ما إذا عرض على الجامع لا على التعيين،و ما نحن فيه من هذا القبيل فان الباذل انما عرض ما يحج به على واحد منهما بدون تعيين على أساس أن العرض واحد فلا محالة يكون المأذون في الحج به واحد منهما لا بعينه،و لا أحدهما المعين،لأنه خلف الفرض،و الروايات لا تشمل العرض على الجامع.
و دعوى:ان العرض على كل واحد منهما بعينه مشروط بعدم أخذ الآخر باعتبار أن العرض أمر تكويني خارجي،فلا يمكن تعلقه بالجامع،بل لا بد أن يكون متعلقا بالشخص مشروطا،مدفوعة:بأن المقصود من عرض ما يحج به عليه ليس عرضه في الخارج،و الاّ فكما لا يمكن تعلقه بالجامع لا يمكن تعلقه
الاستطاعة بالنسبة إلى الكل،نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم(1)
فيه ان تنظير المقام بهذه المسألة يكون في غير محله لما عرفت من أن وجوب الحج على من عرض عليه المال ليحج به مرتبط بمدى دلالة الروايات و اطلاقها،و بما أنها لا تشمل ما إذا عرض ذلك على واحد من فردين أو أفراد لا بعينه فلا تجب الاستجابة على أي منهما بحده الشخصي باعتبار أن إباحة المال انما هي مجعولة للجامع بينهما و هي لا تسري الى أفراده،فلذلك لا تجب على كل فرد الاستجابة،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر به أن يحج أحدهما به إذا ترك الآخر،و هذا بخلاف تلك المسألة فان موضوع وجوب
فإن تيمم الجميع يبطل(1).
[3041]مسألة 44:الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل،و أما الكفارات فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه،و إن اتى بها اضطرارا أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان(2).
هذا في فرض عدم التسابق إليه كما مر،و اما مع التسابق فقد عرفت ان الباطل هو تيمم من سبقه الآخر،و الا لم يبطل تيمم أي واحد منهم لعدم تمكن الكل من الاستعمال.
الظاهر هو الأول،اذ لا موجب لكون الكفارات على الباذل سواء أ كانت عمدية أم خطئية على أساس أنها خارجة عن واجبات الحج من الأجزاء و الشروط،و الباذل انما تعهد بما يتطلب الحج من النفقات و الكفارات انما هي تتبع موجباتها،و الفرض انها تصدر من المبذول له لا من الباذل،و لا يقاس تلك الكفارات بثمن الهدي فانه من واجبات الحج و اجزائه،و ظاهر روايات البذل و العرض هو عرض ما يكفي للحج بكل واجباته،و لا نظر لها الى ما يجب على المبذول له من الكفارات لممارسة محرمات الإحرام،فانها انما تجب على كل من مارس شيئا من هذه المحرمات مباشرة.
[3042]مسألة 45:إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه،و كذا لو بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه،و لو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا،و لو بذل لمن استقر عليه حجة الإسلام و صار معسرا وجب عليه(1)،و لو كان عليه حجة النذر أو نحوه و لم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه و إن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج،لشمول الأخبار(2)من حيث التعليل فيها بانه بالبذل صار مستطيعا،و لصدق الاستطاعة عرفا.
[3043]مسألة 46:إذا قال له:«بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين عليه السّلام»وجب عليه الحج(3).
هذا لا من جهة نصوص البذل لأنها لا تشمل المقام لاختصاصها بما إذا وجب الحج على المبذول له بالاستطاعة البذلية،و اما في المقام فالحج واجب عليه بالاستطاعة المالية في زمن سابق،و لكن بما أنه كان عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي تسامح و تساهل فيه،و أخر الاتيان به سنة بعد سنة الى أن فاتت الاستطاعة و الامكانية المالية منه،فيظل الحج باقيا و مستقرا في ذمته، فيجب عليه الخروج حينئذ عن عهدته بأية وسيلة أمكن و لو متسكعا،و حيث انه كان معسرا فيجب عليه تحصيل القدرة على الاتيان به مهما أمكن،فاذا بذل باذل و عرض عليه ما يحج به وجب عليه القبول تطبيقا لما تقدم و هو وجوب تحصيل القدرة عليه،و بذلك يظهر حال ما بعده.
الظاهر أن هذا من سهو القلم في المسألة لأنها لا ترتبط بتلك الأخبار أصلا،بل الأخبار مرتبطة بالمسألة الآتية.
مر الاشكال فيه،بل المنع في المسألة(37).
[3044]مسألة 47:لو بذل له مالا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب.
[3045]مسألة 48:لو رجع عن بذله في الأثناء و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الأعمال(1)من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته وجب عليه الإتمام و أجزأه عن حجة الإسلام.
[3046]مسألة 49:لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا،فلو قالا له:حجّ و علينا نفقتك وجب عليه.
[3047]مسألة 50:لو عين له مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها وجب عليه الإتمام(2)في الصورة التي لا يجوز له الرجوع،إلا إذا كان
فيه ان ظاهر اطلاق كلامه جواز رجوع الباذل حتى بعد الإحرام،و هو لا ينسجم مع ما ذكره في المسألة(41)من التردد في جواز الرجوع بعده،و أما بناء على ما ذكرناه من الجواز حتى بعده شريطة توفر أمرين فيه،فلا اشكال في أن حجه حجة الإسلام في مفروض المسألة،لأنه مستطيع حتى في فرض كونه واجدا للمال الوافي بمواصلة الحج إلى أن يكمل مقارنا لرجوع الباذل،إذ الاستطاعة التدريجية كافية لوجوب حجة الإسلام،حيث انه كان مستطيعا بالبذل و بعد الرجوع بما أنه حدث عنده مال جديد بمقدار يفي لمؤنة سائر أعمال الحج فتستمر استطاعته الى أن يتم كل اعمال الحج و واجباته،و على هذا فلا وجه لدعوى أن رجوع الباذل يكشف عن عدم استطاعة المبذول لأنه انما يكشف عن ذلك بذلا لا مطلقا،غاية الأمر أنها مركبة من جزءين:أحدهما بذلي، و الآخر مالي.
في الوجوب اشكال بل منع،لأنه مبني على عدم جواز رجوع الباذل عن بذله بعد الاحرام و في الأثناء،و لكن قد مر أن الأظهر جوازه مطلقا حتى في
ذلك مقيدا بتقدير كفايته(1).
[3048]مسألة 51:إذا قال:«اقترض و حجّ و عليّ دينك»ففي وجوب ذلك عليه نظر،لعدم صدق الاستطاعة عرفا،نعم لو قال:«اقترض لي و حج به»وجب(2)مع وجود المقرض كذلك.
بأن بذل مقدارا معينا من المال مقيدا بتقدير كفايته بدون أن يلتزم بالإتمام لو لم يكف.
و بكلمة:إن الباذل مرة:يكون بانيا على بذل ما يكفي للحج،و لكن عين مقدارا من المال باعتقاد أنه يكفي،ثم بان عدم كفايته،فانه من الخطأ في التطبيق، فعلى مسلك الماتن قدّس سرّه يجب اتمامه،و أخرى:انه عين مقدارا من المال و بذله لشخص على تقدير كفايته للحج و بنى على عدم اتمامه لو لم يكف،ففي مثل ذلك إذا انكشف عدم كفايته لم يجب عليه الاتمام،و لكن قد مر عدم وجوبه في كلتا الصورتين بلا فرق بينهما.
في الوجوب اشكال بل منع،و الأظهر عدمه بدون فرق بين الفرضين في المسألة،و ذلك لما مر من أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها أن الاستطاعة عبارة عن الامكانية المالية لنفقات سفر الحج و متطلباته،و الفرض عدم تحققها في كلا الفرضين،اما الاستطاعة المالية فهي مفروضة العدم،و اما الاستطاعة البذلية فهي متمثلة ببذل المال و عرض ما يحج به على شخص،و هو لا يتحقق بالأمر بالاقتراض و إن كان على ذمة الآمر،إذ لا يصدق انه عرض عليه ما يحج به ليكون مشمولا لروايات البذل على أساس ان دلالتها على وجوب الحج على من عرض عليه ما يحج به ليست على خلاف القاعدة،بل من جهة أنه بنفس ذلك
[3049]مسألة 52:لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوبا ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان أقواهما العدم(1)،
في اطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر هو التفصيل في المسألة بين ما إذا كان المبذول له غافلا عن كون المال المبذول مغصوبا،أو جاهلا به جهلا مركبا، و بين ما إذا لم يكن كذلك.
فعلى الأول،لا يبعد الاجزاء على أساس ان المعيار في وجوب الحج عليه انما هو استطاعته بالعرض و البذل،و قد مر ان الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية كما تحصل بالعرض على نحو الملك،كذلك تحصل به على نحو الاباحة،ضرورة ان العبرة انما هي بالامكانية المالية عنده،سواء أ كانت مستندة الى الملك،أم إلى الاباحة و جواز التصرف فيه واقعا،و عليه فاذا كان المال المعروض مغصوبا في الواقع،و كان المبذول له غافلا عنه أو بحكمه،جاز تصرفه فيه واقعا،فاذا جاز كذلك كان مستطيعا فيجب عليه الحج و لا ضمان عليه لأنه مستقر على الباذل.
و على الثاني:لا يجزئ عن حجة الإسلام،لعدم استطاعته ببذل مال غيره الذي لا يجوز له التصرف فيه واقعا و إن كان جائزا ظاهرا،لأنه غير مشمول لنصوص العرض و البذل،فان الظاهر منها هو عرض ما يجوز تصرف المبذول له فيه واقعا،بأن لا يكون محرما عليه كذلك،كما في الفرض الأول،و أما إذا كان حراما في الواقع فهو غير مشمول لها.
أما لو قال:«حج و عليّ نفقتك»ثم بذل له مالا فبان كونه مغصوبا فالظاهر صحة الحج و إجزاؤه عن حجة الإسلام(1)لأنه استطاع بالبذل،و قرار الضمان على الباذل في الصورتين عالما كان بكونه مال الغير أو جاهلا.
[3050]مسألة 53:لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج،و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير لأن الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج و قطع الطريق مقدمة توصلية بأي وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام أو لا بنية الحج،و لذا لو كان مستطيعا قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق،بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا و لا يضر بحجه،نعم لو آجر نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي(2)كإجارته لزيارة بلدية أيضا،أما لو آجر للخدمة في
فيه أنه لا فرق بين هذا الفرض و الفرض المتقدم حيث ان عرض ما يحج به عليه لا يصدق على قول الباذل:حج و علي نفقتك،ما دام لم يعرض عليه ما يحج به خارجا،فاذا عرض عليه و كان المال المعروض مغصوبا،فان كان المبذول له غافلا عن ذلك أو جاهلا به جهلا مركبا لم يبعد الاجزاء و الاّ فلا.
نعم لو تحقق العرض بقوله(حج و علي نفقتك)و استطاع المبذول له بذلك، فالأمر كما افاده قدّس سرّه من صحة حجه و أن تصرفه في المال المغصوب واقعا لا يضر بها،باعتبار أن الحرام لا يكون متحدا مع الواجب،نعم إذا اشترى الهدي بالمال المغصوب شخصا كان تاركا للهدي،و أما الضمان فالمبذول له و إن كان ضامنا،الاّ أن ضمانه غير مستقر،باعتبار أن المالك إذا رجع اليه و أخذ بدل المال المغصوب منه فهو يرجع الى الباذل.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،لأن المشي إذا كان مملوكا للمستأجر الأول فلا
الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأول،فالممنوع وقوع الاجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة.
[3051]مسألة 54:إذا استؤجر-أي طلب منه إجارة نفسه-للخدمة بما يصير به مستطيعا لا يجب عليه القبول و لا يستقر الحج عليه،فالوجوب عليه مقيد بالقبول و وقوع الإجارة،و قد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه لصدق الاستطاعة و لأنه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته و كانت كافية في استطاعته،و هو كما ترى إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك،لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار(1).
فيه أنه لا فرق بين هذه الصورة و غيرها،فانه على كلا التقديرين لا تتحقق الاستطاعة الاّ باجارة نفسه للخدمة أو نحوها في الطريق حتى يصير مستطيعا،و هي غير واجبة لأنها من تحصيل شروط الوجوب.
و بكلمة:ان المراد من الاستطاعة ليس هو القدرة الفعلية على الحج و التمكن منه و لو بواسطة تمكنه من اجارة نفسه،بل المراد منها الامكانية المالية عنده فعلا،و هي تتوقف على قبوله لها،فمن أجل ذلك لا يجب عليه القبول، على أساس أنه تحصيل للاستطاعة،و هو غير واجب،و من المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون اجارة نفسه للأسفار كعادة له أو لا،اذ على كلا الفرضين لا تجب عليه الاجارة لتحصيل الاستطاعة.
[3052]مسألة 55:يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير، و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي(1)،فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه،و إلا فلا.
هذا إذا كان مقيدا بعام الاجارة،و اما إذا كان مطلقا و غير مقيد به فيجب تقديم الحج عن نفسه عليه شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بالتمكن من الاتيان بالحج النيابي في السنين القادمة،فانه حينئذ لا تزاحم بينهما باعتبار أن أحدهما مضيق و الآخر موسع،و اما إذا لم يكن واثقا بذلك وجب تقديم الحج النيابي، فان احتمال انه لو صرف مال الاجارة في حجة الإسلام عجز عن الحج النيابي كفى في التقديم،فان وجوب حجة الإسلام فورا يعني في السنة الأولى من الاستطاعة في هذه الحالة غير معلوم لكي يصلح أن يزاحم وجوب الحج النيابي،و قد تقدم الاشكال في فورية وجوبها الاّ في حالة خاصة،و في المقام بما انه لم يكن مستطيعا من الأول و انما جاءت استطاعته من قبل مال الاجارة،فاذا احتمل انه لو صرفه في نفقات سفر حجة الإسلام عن نفسه عجز عن نفقات الحج النيابي وجب صرفه فيه أو حفظه له،اذ لا دليل على فورية وجوبه في هذه الحالة.
[3053]مسألة 56:إذا حج لنفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك(1)،و ما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء ما دام فقيرا كما صرح به في بعضها الآخر،فالمستفاد منها أن حجة الإسلام
هذا إذا حج لنفسه متسكعا،فانه لا يجزئ عن حجة الإسلام، و إذا استطاع بعد ذلك وجب على أساس ما دل على وجوب الحج على من استطاع من الآية الشريفة و الروايات،فان مقتضى اطلاقه وجوبه عليه و ان حج قبل استطاعته،و أما إذا حج عن غيره تبرعا أو بالاجارة ففي وجوب الحج عليه إذا استطاع اشكال،و إن كان الوجوب هو الأحوط و الأجدر، و ذلك لدلالة مجموعة من الروايات على الاجزاء و عدم وجوب الحج عليه إذا استطاع.
منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:حج الصرورة يجزى عنه و عمّن حج عنه» 1.
و منها:صحيحة الأخرى قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟قال:نعم-الحديث» 2.
و منها:صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجّه غيره ثم أصاب مالا،هل عليه الحج؟فقال:يجزى عنهما جميعا» 3.
فان هذه الروايات ناصة في الإجزاء عن حجة الإسلام و عدم وجوب الاتيان بها إذا استطاع مالا و بدنا و سربا،و لا معارض لها ما عدا روايتي آدم بن علي و أبي بصير،و لكنهما ضعيفتان من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليهما،
مستحبة على الغير المستطيع(1)و واجبة على المستطيع،و يتحقق الأول بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرعا أو بالإجارة،و لا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب.
[3054]مسألة 57:يشترط في الاستطاعة مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب وجود ما يمون به عياله حتى يرجع،فمع عدمه لا يكون مستطيعا(2)،و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و إن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الأقوى،فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر على التكسب و هو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعد عيالا له،فالمدار على العيال العرفي.
فيه ان حجة الإسلام واجبة على المستطيع،فانها عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع المميزة لها شرعا،و لا تنطبق على الحج المستحب للفقير و لا لغيره،و الاّ فمقتضى القاعدة الاجزاء باعتبار أنهما حقيقة واحدة،و لا فرق بينهما الاّ في الوجوب و الاستحباب،لفرض عدم اعتبار قصدهما في الصحة،و حينئذ هذا مثل حج الغني بعد اتيانه بحجة الإسلام الواجبة عليه فانه مستحب و لا تصدق عليه حجة الإسلام.
بل يكون مستطيعا حتى فيما إذا كانت نفقة العائلة دينا عليه كنفقة الزوجة،لما مر من أن الاستطاعة المالية التي هي معتبرة في وجوب الحج عبارة عن الامكانية المالية عنده فعلا لنفقات سفر الحج،فاذا حصلت تلك الامكانية له بالهبة أو بالاكتساب فهو مستطيع سواء أ كانت عنده نفقة عياله في فترة الحج أم لم تكن،غاية الأمر إذا لم تكن وقع التزاحم بين وجوب الحج و وجوب النفقة
[3055]مسألة 58:الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية(1) من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان أو نحو ذلك بحيث لا يحتاج إلى التكفف و لا يقع في الشدة و الحرج،و يكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره و وجاهته و إن لم يكن له رأس مال يتجر به،
هذا هو الصحيح شريطة أن يسبب عدم الكفاية بعد الانفاق على الحج وقوعه في حرج من جهة ما انفقه عليه،فان تمكنه من اعادة وضعه المعاشي الطبيعي اللائق بحاله و متطلبات مكانته بعد الانفاق على سفر الحج بدون الوقوع في حرج بسببه معتبر في الاستطاعة التي هي الموضوع لوجوب الحج و إن كان منشأ اعتباره فيها الوقوع في الحرج باعتبار أنها متكونة من أمور منها التمكن من استئناف وضعه المعاشي اللائق بحاله بعد الانفاق على الحج
نعم قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية(1)،و لا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضي أمره(2)بالوجوه اللائقة به كطلبة العلم من السادة و غيرهم فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم،بل و كذا الفقير الذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله،و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب من دون حرج عليه.
مر الاشكال في اطلاقه،بل المنع في المسألة(36).
بل لا موضوع له فيه،لأنه متمكن من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بعد الرجوع من الحج و الانفاق عليه بدون الوقوع في حرج،و هذا يعني أن الحج لا يؤثر في حاله،و لا فرق فيها بين ما قبل الاتيان به و ما بعده و ذهابه اليه و عدم ذهابه،و كذلك حال ما بعده.
[3056]مسألة 59:لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به،كما لا يجب على الوالد أن يبذل له،و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به.
و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج،و القول بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف،و إن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار «قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟قال:نعم يحج منه حجة الإسلام،قال:و ينفق منه؟قال:نعم،ثم قال:إن مال الولد لوالده،إن رجلا اختصم هو و والده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقضى أن المال و الولد للوالد»و ذلك لإعراض الأصحاب عنه(1)مع إمكان حمله
لا للاعراض لما مر في المسألة(56)من أنه لا أثر للاعراض،بل من جهة ان الروايات في المسألة متعارضة فان طائفة منها تنص على جواز تصرف الوالد في مال ولده في الحج و غيره،و طائفة أخرى منها تنص على عدم الجواز.
اما الطائفة الأولى:
فمنها:صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه،قال:يأكل منه ما شاء من غير سرف،و قال:في كتاب علي عليه السّلام:ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الاّ باذنه،و الوالد يأخذ من ماله ابنه ما شاء،و له أن يقع على جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لرجل:أنت و مالك لأبيك» 1فانها ناصة في جواز تصرف الوالد في مال ولده ما شاء،و مطلقة من ناحية تصرفه فيه في الحج أو في غيره.
……….
على الاقتراض(1)من ماله مع استطاعته من مال نفسه أو على ما إذا كان فقيرا و كانت نفقته على ولده و لم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر(2)إذ الظاهر الوجوب حينئذ.
فيه انه لا يمكن هذا الحمل،و لا شاهد عليه في الروايات أصلا،بل الشاهد موجود على الخلاف،و هو ما في بعض تلك الروايات من أن الأم لا تأخذ من مال ولدها الاّ قرضا دون الوالد،و مع هذا التفصيل كيف يمكن حمل أخذ الوالد من مال الولد على الاقتراض.
فيه أن هذا الحمل بعيد جدا و لا قرينة عليه لا من القريب و لا من البعيد.
[3057]مسألة 60:إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله،فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه،و كذا لو حج متسكعا،بل لو حج من مال الغير غصبا صح و أجزأه،نعم إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه من المغصوب لم يصح(1)،و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا(2).
بل يصح في كل هذه الصور،أما في حال الاحرام فلأن ثوبيه اذا كانا مغصوبين لا يضران بصحته على أن صحة الاحرام لا تكون مشروطة بلبس ثوبيه،فانه صحيح و إن لم يكن لابسا لهما،لأن حقيقة الإحرام انما هي التلبية،فاذا لبى ناويا القربة و الخلوص تحقق الاحرام سواء أ كان لابسا ثوبيه أم لا،فان لبسهما واجب تعبدي مستقل،فاذا كانا من المغصوب كان تاركا واجبا مستقلا لا من واجبات الحج أو العمرة،فلا يكون تركه مؤديا الى بطلان الحج أو العمرة.
و اما الطواف،فلأن صحته و إن كانت مشروطة بالستر كالصلاة،الا انا ذكرنا في محله ان الستر بما أنه قيد للطواف فهو خارج عنه،و تقيّده به داخل فيه، و التقيد بما أنه جزء معنوي تحليلي فلا واقع له في الخارج،فان ماله واقع فيه ذات المقيد و القيد،و على هذا فاذا كان الستر حراما لم يكن الحرام متحدا مع الواجب لفرض أنه ليس من أجزائه و واجباته،و مع عدم الاتحاد لا مانع من انطباق الواجب على الفرد المأتي به في الخارج،غاية الأمر انه ملازم لوجود الحرام فيه،فلذلك يستحق العقوبة و الادانة على ايجاد الحرام في ضمن ايجاد الواجب،و من هنا فالأقوى صحة الطواف مع كون الساتر مغصوبا،كما كان الأمر كذلك في الصلاة.
و أما السعي،فهو لا يكون مشروطا بالستر أصلا،و لذا يصح عريانا فضلا عن أن يكون مغصوبا.فالنتيجة:ان الحج صحيح في كل هذه الصور.
هذا شريطة أن يكون الشراء بعين المال المغصوب خارجا،و حينئذ
[3058]مسألة 61:يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية،فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه و لو على المحمل أو الكنيسة لم يجب(1)،و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته؛و كذا لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته.
[3059]مسألة 62:و يشترط أيضا الاستطاعة الزمانية،فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب،و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب،و إلا فلا(2).
هذا شريطة أن يكون الشخص واثقا و مطمئنا باستمرار عذره ما دام في قيد الحياة،فانه حينئذ يجب عليه ارسال شخص ليحج نيابة عنه.نعم اذا كان عدم وجوب الحج عليه من جهة أنه لا يقدر على أجرة الركوب في الطائرة و إن كانت عنده اجرة الركوب في السيارة،الاّ أنه لا يقدر على الركوب فيها،أو حرجي،أو بحاجة الى وجود خادم في سفر الحج و لكن ليس لديه الامكانية المالية لاستخدامه،و بدونه يقع في المشقة و الحرج،ففي أمثال هذه الحالات لا يكون مستطيعا لكي يجب عليه ارسال شخص ليحج عنه.
فيه ان الظاهر جوب الحفاظ على الاستطاعة الى العام القادم،و عدم جواز تفويتها لاستلزامه تفويت الملاك الملزم في ظرفه،و ذلك لأن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات الكثيرة التي تنص على وجوب الحج مرة بلسان:«من كان عنده ما يحج به»،و أخرى بلسان:«من كان عنده زاد و راحلة»،و ثالثة بلسان:
«من كان عنده زاد و راحلة و صحة البدن و تخلية السرب»،ان وجوب الحج يتحقق بتحقق الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية،و الأمن في
[3060]مسألة 63:و يشترط أيضا الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال و إلا لم يجب،و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنه أو عرضه أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك،و لو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنه غير مأمون وجب الذهاب من الأبعد المأمون، و لو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد مثل ما إذا كان من أهل العراق و لا يمكنه إلا أن يمشي إلى كرمان و منه
إلى خراسان و منه إلى بخارا و منه إلى الهند و منه إلى بوشهر و منه إلى جدة مثلا و منه إلى المدينة و منها إلى مكة فهل يجب أو لا؟و جهان أقواهما عدم الوجوب(1)لأنه يصدق عليه أنه لا يكون مخلى السرب(2).
[3061]مسألة 64:إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد به لم يجب(3)،و كذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب فوري سابق على حصول الاستطاعة(4)أو لاحق مع كونه أهم من الحج
بل الأقوى الوجوب،لإطلاق الأدلة،فان مقتضاه وجوب الحج على كل من كانت له الامكانية المالية و الأمن و السلامة في الطريق و عدم الوقوع في حرج بدون خصوصية للطريق،نعم اذا كان ذهابه الى الحج بهذه الطريقة و الدوران في البلاد حرجيا لم يجب.
في عدم الصدق اشكال بل منع،نعم ان الذهاب الى الحج بهذا الطريق بما أنه غالبا يؤدي الى الوقوع في المشقة و الحرج في القرون القديمة بسبب أو آخر،فمن أجل ذلك يقال انه غير مخلى السرب،لأن الطريق الاعتيادي محفوف بالمخاطر و غيره حرجي غالبا،و الاّ فلا مانع منه،و أما في العصر الحاضر و بالوسائل الحديثة فلا فرق.
هذا اذا أدى الى كون انفاقه على الحج حرجيا،و الاّ وجب،اذ مجرد كونه ضرريا أي موجبا لتلف مال له لا يمنع من الانفاق عليه اذا لم يصل الى حد الحرج،باعتبار أن الحج مبني على الضرر المالي بدون تحديده بحد خاص الاّ اذا وصل الى حد الاجحاف و الحرج.
في كونه مانعا عن وجوب الحج اشكال بل منع،و الأظهر وقوع التزاحم بينهما و الرجوع الى مرجحاته،و السبب فيه أن مانعيته عن وجوبه مبنية على تمامية أحد أمرين:
كإنقاذ غريق أو حريق،و كذا إذا توقف على ارتكاب محرم(1)كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة.
[3062]مسألة 65:قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج مضافا إلى البلوغ و العقل و الحرية،الاستطاعة المالية و البدنية و الزمانية و السربية و عدم استلزامه الضرر أو ترك واجب أو فعل حرام(2)،و مع فقد أحد هذه لا يجب،
فبقي الكلام في أمرين:
فيه أن هذا المثال كالسابق يكون من موارد التزاحم،فلا بد من لحاظ أن أيا منهما أهم من الآخر،أو محتمل الاهمية حتى يتقدم على الآخر.
هذا اذا كان الواجب او الحرام أهم من الحج،أو لا أقل من احتمال كونه أهم،فعندئذ يكون وجوب الحج مشروط بذلك لبا دون العكس،و اما اذا كان مساويا له فكل منهما مشروط بترك الاشتغال بالآخر،فالنتيجة هي التخيير بينهما،كما هو الحال في كل مورد يكون التزاحم فيه بين واجبين متساويين،
أحدهما:إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد بعضها و كان متحققا فنقول:إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا مع تحقق سائر الشرائط فحج ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا فالظاهر بل المقطوع عدم إجزائه عن حجة الإسلام(1)،و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا مع تحقق سائر الشرائط و أتى به أجزأه عن حجة الإسلام كما مر سابقا(2)،و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة(3)
الأمر كما افاده قدّس سرّه على أساس ما مر من أن حجة الإسلام حجة خاصة،و لا تنطبق إلا على الحجة الأولى للمستطيع البالغ العاقل الحر،و على هذا فاذا لم يكن الشخص بالغا أو حرا و إن كانت سائر الشروط متوفرة فيه لم يكن حجه حجة الإسلام،و لا تنطبق عليه و إن أتى به بهذا الاسم جاهلا أو غافلا،لأنه لا يغير الواقع،باعتبار ان نية ما ليس بحجة الإسلام لا تجعله حجة الإسلام ما لم تتوفر شروطها.
قد مر تفصيل ذلك في المسألة(9)من فصل(شرائط حجة الإسلام) فلا نعيد.
فيه أنه لا وجه لهذا التحديد أصلا،و لعله من سهو القلم،فان بقاء شروط وجوب الحج الى ذلك الحد لا أثر له للمكلف الملتفت الى وجوبه،
فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه(1)فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك
فيه اشكال بل منع،و الظاهر بل المقطوع به عدم الاستقرار في المقام لأمرين:
أحدهما:ان بقاء الشروط عنده الى ذي الحجة مع علمه و التفاته اليها لا يوجب استقرار الحج عليه،فضلا عن صورة اعتقاده بالخلاف.
و الآخر:أن ما يوجب استقراره انما هو ترك الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي للتساهل و التسامح فيه طول فترة وقته مع تمكنه من الاتيان به في ذلك الوقت بدون أي عائق في البين،و اما اذا كان عن عذر فلا يوجب ذلك، و السبب في هذا أن وجوب استقراره انما يستفاد من الروايات التي تنص على عدم جواز التسويف و الاهمال فيه،و أن من سوّف الحج و تركه عامدا و ملتفتا، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام و يموت اما يهوديا او نصرانيا،فانه يستفاد من هذه الروايات ان الحج يظل ثابتا في ذمته و إن زالت استطاعته هذا اضافة الى أنه لما كان معتقدا بعدم بلوغه و حريته فهو كالغافل،و معه لا يكون قابلا لتوجيه التكليف اليه في الواقع على أساس أن الغرض من جعله هو امكان داعويته للمكلف و محركيته له،و مع الغفلة لا يمكن أن يكون داعيا و محركا،فاذن لا وجوب عليه في الواقع حتى يستقر.
كما إذا تلف ماله وجب عليه الحج و لو متسكعا،و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أن ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه و جهان(1)من فقد الشرط واقعا و من أن القدر المسلم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة(2)،و إن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال و كان في الواقع كافيا و ترك الحج فالظاهر الاستقرار عليه(3)،و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج
الظاهر عدم الاجزاء لما مر من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع و لا تنطبق على حج غيره،و لا يوجد دليل على أنه يجزى عنها.
هذا اذا كان الدليل على عدم الاجزاء دليلا لبيا حتى يكون المتيقن منه غير هذه الصورة،بل الدليل عليه اطلاق الآية الشريفة و الروايات التي تنص على وجوب الحج على المستطيع،و مقتضى اطلاقها وجوبه عليه مطلقا و ان حج قبل حصول الاستطاعة.
نعم قد مر في المسألة(56)انه اذا حج عن غيره تبرعا أو إجارة لا يبعد إجزاؤه عن حجة الإسلام عن نفسه أيضا نظريا،و إن كان الأحوط و الأجدر به وجوبا الاتيان بها اذا استطاع.
في الظهور اشكال بل منع،لما مر من أن استقرار وجوب الحج على المكلف مرتبط بأن يكون تركه في وقته مستندا إلى التساهل و التسامح منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي حتى يكون مشمولا لنصوص التسويف و الإهمال، و من المعلوم ان تركه اذا كان من جهة اعتقاده بعدم الاستطاعة و الامكانية المالية له لا يكون مشمولا لتلك النصوص،لعدم صدق التسويف و الإهمال فيه هذا اضافة الى أنه في حال الاعتقاد الجزمي بعدم الاستطاعة لا يمكن أن يكون مكلفا بالحج،لأن توجيه الخطاب به اليه في هذه الحالة لغو و جزاف،
فبان الخلاف فالظاهر كفايته(1)،و إن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أو لا؟وجهان، و الأقوى عدمه(2)لأن المناط في الضرر الخوف(3)و هو حاصل إلا إذا
في الكفاية اشكال بل منع،لما مر في المسألة(29)من ان التمكن مما به الكفاية بمعنى استعادة وضعه المعاشي بعد الحج،و عدم الوقوع في حرج بسببه معتبر في الاستطاعة فانه نتيجة تطبيق القاعدة على من لم يكن لديه ما به الكفاية،و على أساس ذلك لا تنطبق حجة الإسلام على ما أتى به من الحج، فلذلك حكم بالفساد،و لا يكون الفساد مستندا إلى تطبيق القاعدة مباشرة،فان مفادها النفي لا الاثبات،بل هو مستند الى عدم انطباق المأمور به عليه و إن كان ذلك مستندا إلى تطبيقها في نهاية المطاف.
فالنتيجة:ان حجة الإسلام لا تنطبق على هذه الحجة لتكون كافية،لأنه ليس بمستطيع في الواقع.
بل هو المتعين،لما مر من ان استقرار وجوب الحج مرتبط بالتسويف و الاهمال فيه الى أن فات بفوات وقته.
فيه اشكال بل منع،لأن العبرة انما هي بوجود الضرر في الواقع لا بالخوف،فان وجوده في النفس طريق اليه،و لا موضوعية له حتى يكون مانعا عن وجوب الحج و إن لم يكن ضرر في الواقع،و ذلك لأن المنع من العدو مرة يكون من السير في الطريق،و أخرى يكون بايقاع الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه فيه،و على كلا التقديرين فهو معتقد بعدم توفر الاستطاعة عنده بكل عناصرها،حيث ان منها تخلية السرب،و منها الأمن في الطريق،و الخوف في
كان اعتقاده على خلاف روية العقلاء و بدون الفحص و التفتيش(1)،و إن اعتقد عدم مانع شرعي(2)فحج فالظاهر الإجزاء(3)إذا بان الخلاف،و ان
فيه ان اعتقاده بالضرر أو الحرج إن كان جزميا فهو حجة ذاتا،سواء أ كان حاصلا من سبب بدون فحص و تأكد،أم كان حاصلا منه منع الفحص و التأكد على أساس أن حجية القطع ذاتية،فالقاطع معذور،و إن كان قطعه حاصلا من سبب لا يصلح لدى العقلاء أن يكون سببا له الاّ أنه غير ملتفت الى ذلك،فمن أجله يكون معذورا،و معه لا يمكن استقرار وجوب الحج عليه،لأن استقراره انما هو اذا كان تركه مستندا إلى التسويف و التأخير تسامحا و تساهلا عامدا و عالما بالحكم،و إن كان اطمئنانيا فهو أيضا حجة ذاتا و إن كان منشؤه سببا غير عقلائي غير أنه لما لم يلتفت الى خصوصيته حصل له الاطمئنان بذلك،فاذا حصل له الاطمئنان بأنه حرجي من أي سبب كان فهو معذور في تركه،و معه لا موجب لاستقراره عليه.
فالنتيجة:ان هذا الاستثناء لا يرجع الى معنى محصل.
مر أن وجوب واجب مضاد للحج لا يكون مانعا عن وجوبه،غاية الأمر يقع التزاحم بينهما و يرجع الى مرجحاته.
بل مطلقا حتى اذا علم المكلف بوجود واجب آخر مضاد للحج،فانه اذا قام بالاتيان به عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي صح،بناء على القول
اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار(1).
مر أن الاستقرار مرتبط بترك المستطيع الحج في وقته عن عمد و التفات و بدون أي مبرر،و المقام بما أنه ليس كذلك باعتبار ان تركه كان عن عذر فلا مقتضى للاستقرار.
ثانيهما:إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا أو حج مع فقد بعضها كذلك،أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها إلى ذي الحجة(1)،و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين على إشكال في البلوغ قد مر(2)،و إن حج مع عدم الاستطاعة المالية فالظاهر مسلمية عدم الإجزاء و لا دليل عليه إلا الإجماع(3)،و إلا فالظاهر أن حجة الإسلام
في اطلاقه اشكال بل منع،فان بقاء سائر الشروط غير الاستطاعة المالية الى ذي الحجة لا يكفي في استقراره،نعم اذا استمر بقاؤها فيه الى نهاية اعماله استقر عليه،و اما اذا ظلت هذه الشروط ثابتة فيه و لكن انتفت استطاعته المالية بسرقة او تلف بسبب حادثة أرضية أو سماوية،ففي هذه الحالة اذا كان انتفاؤها مستندا إلى امتناعه عن الحج عامدا و عالما استقر الحج عليه شريطة أنه لو حج و انفق ماله في سبيله لم يقع في ورطة التلف،و لكن بما أنه تسامح فيه و أخره عامدا و ملتفتا إلى أن وقع في ورطة التلف،فعندئذ لا يبعد استقراره عليه،و لا سيما إذا لم يكن واثقا بتمكنه من الحج إذا أخر في السنين القادمة،و اما اذا لم يكن التلف مستندا الى تورطه فيه و تقصيره فلا موجب للاستقرار.
مرّ تفصيلا عدم الاجزاء فيه في المسألة(7)من فصل(شرائط وجوب حجة الإسلام).
فيه مضافا إلى أنه لا أثر للإجماع،ان الدليل على ذلك انما هو اطلاقات الأدلة من الآية الشريفة و الروايات،و مقتضى تلك الاطلاقات وجوب الحج على المستطيع و إن حج قبل الاستطاعة هذا،اضافة الى ما تقدم من أن حجة الإسلام عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع،فلا يكون حجه قبل الاستطاعة مصداقا لها.
هو الحج الأول و إذا أتى به كفى(1)و لو كان ندبا،كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبا بناء على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت فإن الأقوى عدم وجوب إعادتها(2)،و دعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة بعد اتحاد ماهية الواجب و المستحب،نعم لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع(3)تم ما ذكر،لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب بل لتعدد الماهية،و إن حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحة البدن مع كونه حرجا عليه أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن الواجب(4)،
في الكفاية اشكال بل منع،لما مر من أن حجة الإسلام لا تنطبق على الحج الندبي.
فيه ان الأمر و إن كان كذلك في باب الصلاة على أساس أن الصلاة باسمها الخاص المميز لها شرعا مستحبة للصبي،فتكون الصلاة المستحبة متحدة مع الصلاة الواجبة،فلا فرق بينهما الاّ في الوجوب و الاستحباب،و هذا الفرق لا يمنع من الصحة و انطباق الواجب على المستحب،الاّ أن الأمر في باب الحج ليس كذلك،فان حجة الإسلام لا ينطبق على الحج الندبي،لأنها مع اسمها الخاص المميز لها شرعا مباينة له و متمثلة في الحج الأول للمستطيع الواجب عليه.
هذا هو الصحيح لما مر من ان حجة الإسلام لا تنطبق على الحج الندبي المتسكع.
هذا هو الصحيح،اما مع عدم صحة البدن و سلامته أو أمن الطريق فالحكم واضح،لما تقدم من أن سلامة البدن أو أمن الطريق من أحد عناصر الاستطاعة و أركانها،و مع عدمه لا يكون الشخص مستطيعا لكي يكون حجه
و عن الدروس الإجزاء إلا إذا كان إلى حد الإضرار بالنفس(1)
فيه أنه مبني على أن مطلق الإضرار بالنفس حرام،و لكن لا دليل عليه
و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء،ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء(1)،و علّل الإجزاء بأن ذلك من باب تحصيل الشرط فإنه لا يجب لكن إذا حصله وجب،و فيه أن مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أن غاية الأمر حصول المقدمة التي هو المشي إلى مكة و منى و عرفات و من المعلوم أن مجرد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر أو عدم الحرج(2)،نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تم ما ذكر و لا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة،هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس،لا لما ذكره بل لأن الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حد الحرمة إنما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب(3)فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.
ظهر مما مر أنه لا فرق بينهما في أكثر الصور و الفروض.
هذا اذا كان الضرر أو الحرج في نفس عملية الحج و مناسكه،و أما إذا كان في مقدمتها كقطع المسافة شريطة أن لا يكون من جهة عدم الأمن و السلامة في الطريق،بل من جهة أخرى لا ترتبط بعناصر الاستطاعة كما هو المفروض، فحينئذ اذا قطعها متحملا الضرر أو الحرج،ثم بدأ باعمال الحج صح،و يكون حجه حجة الإسلام،باعتبار أنه لا حرج في عملية الحج،و يصدق عليه أنه الحجة الأولى للمستطيع.
فيه ان الوجوب بما أنه أمر اعتباري بسيط محض،و لا يكون مركبا من طلب الفعل مع المنع من الترك،لأن المنع من الترك لازم للوجوب و عبارة
[3063]مسألة 66:إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرم لم يجزئه عن حجة الإسلام(1)و إن اجتمع سائر الشرائط،لا لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده لمنعه أولا و منع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا لأن النهي متعلق بأمر خارج(2)،بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع و وجوب ذلك الواجب مانع(3)و كذلك النهي المتعلق بذلك المحرم مانع و معه لا أمر بالحج،
فيه اشكال بل منع،و الأظهر الاجزاء مطلقا حتى اذا كان ذلك الواجب أو الحرام أهم من الحج،بناء على ما هو الصحيح من القول بالترتب شريطة توفر سائر شروطه.
فيه أنه متعلق بنفس الضد العبادي و هو الحج على تقدير ثبوته لا بأمر خارج عنه،و لكن مع ذلك لا يقتضي الفساد،لما ذكرناه في علم الأصول من أن صحة الضد الواجب تتوقف على ثبوت أحد أمرين:
الأول:امكان القول بالترتب.
الثاني:احراز الملاك فيه.
اما الأول:فقد ذكرنا هناك أن هذا القول هو الصحيح،و يحكم على ضوئه بصحته و إن كان الواجب الآخر أهم منه،و لا فرق فيه بين القول باقتضاء الأمر بشيء النهي عن ضده،و القول بعدم الاقتضاء.
و اما الثاني:فلا طريق لنا الى احراز الملاك فيه بدون فرق بين القولين في المسألة،فاذن تصحيح الضد العبادي المهم مرتبط بالقول بامكان الترتب فحسب،و الاّ فهو محكوم بالفساد،بلا فرق بين القول بكونه متعلقا للنهي الغيري أو لا.
مر أن وجوبه لا يصلح أن يكون مانعا عن وجوب الحج،لأنه
نعم لو كان الحج مستقرا عليه و توقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة و أمكن أن يقال بالاجزاء(1)،لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده و منع كون النهي المتعلق بأمر خارج(2) موجبا للبطلان.
بل الاجزاء هو المتعين،لا لما ذكره الماتن قدّس سرّه،بل لما مر من صحة القول بالترتب،و قد عرفت أنه لا أثر للنهي الغيري،لأنه على تقدير ثبوته لا يقتضي الفساد و إن تعلق بنفس العبادة،فان الصحة تدور مدار امكان القول بالترتب،أو احراز اشتمالها على الملاك في تلك الحالة،كما أن الفساد يدور مدار عدم امكان هذا القول من ناحية،و عدم امكان احراز الملاك فيها من ناحية أخرى،سواء فيه القول بثبوت النهي الغيري أم بعدم ثبوته،و من هنا يظهر أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون الحج مستقرا أو لا.
مر أن النهي في المقام على تقدير ثبوته تعلق بنفس الضد الخاص و هو الحج في المثال لا بأمر خارج.
[3064]مسألة 67:إذا كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟أقوال ثالثها الفرق بين المضر بحاله و عدمه(1) فيجب في الثاني دون الأول.
[3065]مسألة 68:لو توقف الحج على قتال العدو لم يجب حتى مع ظن الغلبة عليه و السلامة،و قد يقال بالوجوب في هذه الصورة(2).
[3066]مسألة 69:لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا(3)
تقدم في المسألة(7)أن المعيار في عدم وجوب الحج انما هو بلزوم الحرج،فان بذل المال و الانفاق عليه اذا بلغ من الكثرة حدا يكون حرجيا عليه لم يجب تطبيقا للقاعدة،و الاّ وجب و إن كان الانفاق كثيرا،و لا مجال للتمسك بقاعدة لا ضرر في المقام،باعتبار أن عملية الحج بطبعها عملية ضررية،فلا تكون مشمولة لها،و بما أنها مرتبطة بالاستطاعة و الامكانية المالية بدون التحديد بحد خاص و معين فهي واجبة عليه ما دامت عنده الامكانية المالية و لم يبلغ حد الحرج،فاذا اتفق ارتفاع الاسعار و الأجور صدفة بسبب أو آخر مع أنه واثق و متأكد بأنه موقت،أو كان في الطريق من لا يندفع الا بالمال،فانه ما دامت لديه الامكانية المالية لنفقات الحج و إن كانت باسعار عالية،أو لرفع المانع عن الطريق وجب ما لم يصل الى حد الحرج.
القول بالوجوب ضعيف جدا،فان المعتبر في وجوب الحج هو الأمن و السلامة على نفسه أو ماله أو عرضه في الطريق و عند ممارسة اعماله،و من المعلوم أنه لا يحصل ذلك الاّ أن يكون الانسان على يقين من دفع العدو،أو على ثقة و اطمئنان بذلك.
فيه انه لا وجه للتقييد بذلك،فان الضابط العام فيه أن يكون تحمله حرجيا،سواء أ كان عقلائيا أم لا،فاذا خاف الغرق من الركوب او المرض و كان
أو استلزامه الإخلال بصلاته(1)أو إيجابه لأكل النجس أو شربه(2)،و لو حج مع هذا صح حجه لأن ذلك في المقدمة و هي المشي إلى الميقات كما إذا ركب دابة غصبية إلى الميقات.
[3067]مسألة 70:إذا استقر عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها،و لو تركها عصى و اما حجه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته لا في عين ماله،و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما،أو كان مما تعلق به
فيه ان الاخلال بواجبات الصلاة غير الركنية كالصلاة في ثوب أو بدن متنجس،أو بدون طمأنينة و استقرار،أو جلوسا أو نحو ذلك لا يمنع من وجوب الحج،فاذا علم أنه اذا ركب السفينة للذهاب إلى الحج اضطر الى أن يصلي كذلك،فانه لا يمنع من الركوب فيها و الذهاب إلى الحج لمكان أهميته.
فيه ان اضطراره الى أكل النجس أو شربه لا يمنع من وجوب الحج لوضوح أن وجوبه أهم من حرمته،فلا تصلح أن تزاحمه.
فالنتيجة:انه لا شبهة في وجوب الحج في هذه الموارد،و ان الاخلال بواجبات الصلاة دون أصلها،او الاضطرار الى أكل النجس أو شربه لا يمنع من وجوبه،و على تقدير المنع اذا فعل صح حجه،لأن حرمة المقدمة لا تمنع عن صحته.
الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه(1)و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق(2)،بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناء على ما هو الأقوى من كونها في العين على نحو الكلي في المعين لا على وجه الإشاعة(3).
[3068]مسألة 71:يجب على المستطيع الحج مباشرة،فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا أو بالإجارة إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه.
[3069]مسألة 72:إذا استقر الحج عليه و لم يتمكن من المباشرة لمرض لم يرج زواله(4)أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر أو كان حرجا عليه
تقدم في المسألة(60)أن غصبية ثوبي الإحرام و الستر في الطواف و السعي لا تمنع عن صحة هذه الواجبات،أما في الأول،فلأن صحة الإحرام لا تكون مشروطة بلبس ثوبيه،بل هو واجب مستقل في حال الاحرام،و اما في الثاني،فلأن صحة الطواف و إن كانت مشروطة بوجود الساتر،الاّ أن غصبيته لا تمنع عن صحته على الأظهر-كما مر-و أما في الثالث فلأن صحته غير مشروطة بالستر،بل يصح عريانا.
مر في المسألة(60)أنه اذا اشترى الهدي بعين الثمن المغصوب خارجا بطل الهدي و الاّ فلا.
مر في مسألة الخمس انه بتمام اصنافه متعلق بالعين على نحو الاشاعة لا على نحو الكلي في المعين،و اما الزكاة فهي مختلفة باختلاف اصنافها،اما زكاة الغلات الأربع فهي متعلقة بالعين على نحو الاشاعة فيها،لا على نحو الكلي في المعين.و اما زكاة الغنم فهي متعلقة بالعين على نحو الكلي في المعين لا على نحو الاشاعة،و اما زكاة الإبل و البقر فهي متعلقة بالعين على نحو الشركة في المالية بكيفية خاصة على تفصيل تقدم في مبحث الزكاة.
فيه ان هذا القيد و إن لم يرد في لسان شيء من روايات الباب،الاّ انه
……….
……….
……….
……….
……….
……….
فالمشهور وجوب الاستنابة عليه،بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه و هو الأقوى و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب،و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب،و أما إن كان موسرا من حيث المال و لم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوة،لإطلاق الأخبار المشار إليها،و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال و عدمه(1)لكن المنساق من بعضها ذلك،مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال،و الظاهر فورية الوجوب(2)كما في صورة المباشرة،و مع بقاء العذر إلى أن مات يجزئه حج النائب فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقرا عليه،و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة و إن كان بعد إتيان النائب،
تقدم أن ما يتوهم اطلاقه من هذه الناحية صحيحتي الحلبي و محمد ابن مسلم،و لكن قد مر الاشكال بل المنع في اطلاقهما،و أن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية وجوب الاستنابة عليه اذا كان واثقا و متأكدا ببقاء عذره ما دام في قيد الحياة و انقطاع أمله في التمكن من القيام بالحج مباشرة،لا مطلقا.
في الظهور اشكال اذا كان المعذور واثقا و مطمئنا بأنه اذا أخر الاستنابة في هذه السنة لم تفت منه في السنة القادمة،و ذلك لأن روايات الباب الآمرة بتجهيز الرجل و توفير مقدمات الحج لإرساله اليه اذا انقطع أمله في التمكن منه مباشرة غير ناظرة الى وجوب ذلك فورا،فانها تدل على أن وظيفته استنابة رجل بديلا عنه اذا انقطع أمله فيه،اما انها واجبة عليه فورا و بصرف انقطاع الأمل و اليأس عن استئناف قوته ثانيا،فهي لا تدل عليه،لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية،و انما هي في مقام بيان وظيفته في هذه الحالة،و قد ذكرنا في أول
بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه،لكن الأقوى عدم الوجوب(1)لأن ظاهر الأخبار أن حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه(2)فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا دليل على وجوبه مرة أخرى،بل لو قلنا باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه،و معه لا وجه لدعوى أن المستحب لا يجزئ عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجبا و المفروض في المقام أنه هو،بل يمكن أن يقال إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب إنه يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه(3)،بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في
بل الأقوى الوجوب،لما مر من أن موضوع الاستنابة العذر الواقعي المستمر ما دام حيا،و لا موضوعية لليأس و انقطاع الأمل،فانه طريق اليه،فاذا ارتفع العذر واقعا و تمكن من القيام بالحج مباشرة وجب عليه القيام به،لأنه يكشف عن بطلان الاستنابة على تفصيل تقدم.
هذا بناء على مسلكه قدّس سرّه من صحة النيابة في هذا الفرض،و اما بناء على ما هو الصحيح من بطلانها فيه-كما مر-فلا يكون حج النائب هو الحج الواجب على المنوب عنه حتى يكون مجزيا عنه،بل عليه الاتيان به مباشرة،لأن ارتفاع العذر عنه كاشف عن تمكنه من القيام المباشر بالحج،و معه لا موضوع للنيابة.
مر أنه لا يكفي حتى اذا ارتفع العذر بعد العمل فضلا عما اذا ارتفع
الإحرام،و دعوى أن جواز النيابة مادامي(1)كما ترى بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك(2)،و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب
في الدعوى اشكال بل منع،لا من جهة ما ذكره الماتن قدّس سرّه من كون الاستنابة بأمر الشارع،و كون الإجارة لازمة…الخ…فانه مبني على أن يكون اليأس بارتفاع العذر و انقطاع الأمل حدوثا علة لوجوب الاستنابة حدوثا و بقاء،و هذا خلاف الضرورة الفقهية،بل من جهة ان موضوع جواز النيابة و مشروعيتها هو العذر المستمر في الواقع و ما دام العمر،و اذا لم يستمر كشف ذلك عن بطلانها و عدم مشروعيتها من الأول،و لا يعقل أن تكون النيابة صحيحة ما دام العذر موجودا،و اذا ارتفع ارتفعت بارتفاع موضوعها،لأن لازم ذلك صحة الاستنابة مع العلم بارتفاع العذر في المستقبل،و هو كما ترى.
فيه انه لا وجه لهذا التخصيص،اذ لا يحتمل أن يكون ابلاغ النائب
الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض و غيره و بين من كان معذورا خلقة(1)،و القول بعدم الوجوب في الثاني و إن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف(2)،و هل يختص الحكم بحجة الإسلام أو يجري في الحج النذري و الإفسادي أيضا؟قولان،و القدر المتيقن هو الأول(3)بعد كون الحكم على خلاف القاعدة،و إن لم يتمكن المعذور من الاستنابة و لو لعدم وجود النائب أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل و لم يتمكن من الزيادة أو كانت مجحفة(4)سقط الوجوب،و حينئذ فيجب القضاء عنه بعد
على الأحوط وجوبا كما مر في الحالة السادسة.
في الضعف اشكال،و لا يبعد عدمه نظريا،لما مر من ان المتفاهم العرفي من الروايات هو العذر الطارئ،لا الأعم منه و من الذاتي،و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط على تفصيل تقدم في الحالة السادسة.
فيه اشكال من جهتين:
الأولى:انه ينافي ما ذكره قدّس سرّه في الفصل الآتي في المسألة(11)من الجزم بعموم الحكم.
الثانية:ان ذلك ليس من باب القدر المتيقن،فان دليل المسألة ليس دليلا لبيا،بل هو لفظي،و لا اجمال فيه،بل من باب ان مورد أكثر روايات المسألة حجة الإسلام،و لا اطلاق لها.و اما صحيحة محمد بن مسلم التي قد يتوهم أنها مطلقة،فقد ذكرنا في الحالة التاسعة أن المنصرف منها حجة الإسلام الأصلية دون الأعم.
هذا شريطة أن تكون الزيادة حرجية عليه،و اما اذا لم تصل الى حد الحرج فلا تكون مانعة عن وجوب الاستنابة و إن كانت مجحفة و ضررية.
موته إن كان مستقرا عليه،و لا يجب مع عدم الاستقرار،و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أو لا؟وجهان أقواهما نعم لأنه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة،و لو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجزئ عن حجة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر،و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية،و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزئ عن الواجب،و هو كما ترى،و الظاهر كفاية حج المتبرع عنه(1)في
في الكفاية اشكال بل منع،و الأظهر عدمها،لأن سقوط الواجب عن ذمة فرد بفعل آخر بحاجة الى دليل،و مقتضى القاعدة عدم السقوط،و الدليل في المقام انما هو روايات المسألة،و تلك الروايات تنص على أن من جهّز رجلا ليحج عنه،فاذا حج سقط عن ذمته،باعتبار أن فعله فعل له بالتسبيب،و لا تدل على سقوطه عن ذمته بفعل المتبرع،و لا يوجد دليل آخر على ذلك،فاذن مقتضى القاعدة عدم السقوط.
و دعوى:ان هذه الخصوصية غير دخيلة في ذلك،فان المسقط انما هو فعل النائب بما هو فعله،لا بما أنه فعل للمنوب عنه بالتسبيب،فاذن لا فرق بين فعل المتبرع و فعل النائب،غاية الأمر أن المتبرع يأتي به نيابة عنه تبرعا،و النائب يأتي به نيابة عنه بأمره،و من هنا لا فرق بينهما في النيابة عن الميت،فانها مسقطة و إن كانت تبرعية.
مدفوعة:بأن احتمال دخل هذه الخصوصية في سقوط الواجب عن ذمة المنوب عنه موجود،و لا دافع له في المقام،باعتبار ان الحكم يكون على خلاف القاعدة،فالتعميم و رفع اليد عن هذه الخصوصية في مورد الروايات بحاجة الى
صورة وجوب الاستنابة،و هل يكفي الاستنابة من الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟وجهان،لا يبعد الجواز(1)حتى إذا أمكن ذلك في مكة مع كون الواجب عليه هو التمتع،و لكن الأحوط خلافه لأن القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه،كما أن الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضا.
[3070]مسألة 73:إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام فلا يجب القضاء عنه،و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى(2)،خلافا لما عن الشيخ و ابن إدريس فقالا بالاجزاء حينئذ أيضا،
بل هو الظاهر،حيث ان مورد النيابة الحج،و هو يبدأ بالإحرام من الميقات،و أما مقدماته الموصلة فهي خارجة عن موردها،و قد تقدم في الحالة الثامنة انه لا يوجد في الروايات ما يدل على خلاف ذلك،و به يظهر حال ما بعده.
هذا هو الصحيح،فانه مقتضى الجمع بين روايات الباب.
……….
و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم:«و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام»فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم،لكنه معارض بمفهوم صدرها و بصحيح ضريس و صحيح زرارة و مرسل المقنعة،مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله:«قبل أن يحرم»قبل أن يدخل في الحرم كما يقال:«أنجد» أي دخل في نجد و«أيمن»أي دخل اليمن،فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام،كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثم مات،لأن المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام،و لا يعتبر دخول مكة و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك،لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم(1)،و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال كما إذا مات بين الإحرامين،و قد يقال بعدم الفرق أيضا بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام و دخول الحرم،و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم(2)،و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتع و القران و الإفراد،
بل نصها في الكفاية،لإطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان، فمن أجل هذا تتقدم على ما يكون ظاهره اعتبار دخول مكة تطبيقا لقاعدة الجمع الدلالي العرفي،و هي حمل الظاهر على الأظهر.
فيه ان الأخبار و إن كانت ظاهرة فيه،بل ناصة،الا ان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،ان هذا التقييد،اي تقييد الموت في الحرم،انما هو في مقابل ما اذا مات بعد الإحرام و قبل الدخول فيه،و اما اذا دخل فيه ثم خرج عنه لسبب من الاسباب،و مات في الخارج فلا يبعد الإجزاء لصدق
كما أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا،بل لا يبعد الإجزاء إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد عن عمرتهما و بالعكس،لكنه مشكل(1)لأن الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع فإن العمرة فيه داخلة في الحج فهما عمل واحد،ثم الظاهر اختصاص حكم الإجزاء بحجة الإسلام(2)فلا يجري الحكم في
الظاهر أنه لا اشكال في عدم الإجزاء،و لا يقاس ذلك بحج التمتع، فان العمرة فيه مرتبطة بالحج،فيكون المجموع عملا واحدا،و هذا بخلاف العمرة في حج القران او الإفراد،فانها واجبة مستقلة في مقابل الحج،و عليه فاذا مات في أثناء حج الافراد او القران لم يجزئ عن عمرته،لأن روايات الباب لا تشمل ذلك،و لا يوجد دليل آخر عليه.
بل لا شبهة في ذلك،لأن مورد الروايات المعتبرة جميعا حجة
حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء،بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا و إن احتمله بعضهم.
و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزئه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الاحرام و دخول الحرم و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟وجهان(1)بل قولان من إطلاق الأخبار في
لا يبعد الوجه الاول،و ذلك لأن مقتضى القاعدة و إن كان الوجه الثاني،باعتبار ان موته في الطريق،بل في أثناء العمل اذا كان في السنة الأولى من الاستطاعة كاشف عن عدم استطاعته البدنية من الأول،و حينئذ فلا موضوع للإجزاء،إلا أن رفع اليد عن اطلاق الروايات الدالة على أنه اذا مات في الحرم أجزأ عنه حجة الإسلام،و إذا مات دونه فعلى وليه القضاء،يتوقف على الوثوق و الاطمئنان بعدم خصوصية للموت في المسألة،و أن حاله حال فقدان سائر الشروط كالاستطاعة المالية و نحوها في الطريق أو الأثناء،و أما إذا احتمل الخصوصية فيه فلا يمكن رفع اليد عن اطلاقها،و حملها على من استقر عليه الحج.
و بكلمة:ان احتمال خصوصية في الموت،و عدم ارتباط وجوب الحج به،و ارتباطه بالاستطاعة المالية عنده فحسب،فما دامت تلك الاستطاعة موجودة فهو ثابت في ذمته،فاذن الجزم بعدم الفرق بين الموت و انتفاء سائر الشروط مشكل جدا،إذ لا دافع لاحتماله،باعتبار أن الاستطاعة المالية في السنة الأولى إذا انتفت لم يتمكن من حجة الإسلام،لا بنفسه و مباشرة،و لا بالاستنابة، و أما إذا انتفت الاستطاعة البدنية عنه بالموت أو نحوه،دون المالية،فيمكن أن يحج عنه بالاستنابة.و مع هذا الاحتمال لا يمكن رفع اليد عن اطلاق تلك
التفصيل المذكور و من أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية،و لذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا،و من هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقر عليه،و ربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب، و كلاهما مناف لإطلاقها،مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل مع أنه مسلّم بينهم،و الأظهر الحكم بالإطلاق إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد و إما بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج،و هذا هو الأظهر(1)فالأقوى جريان الحكم
فيه ان حمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه كما مر.
المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك(1).
[3071]مسألة 74:الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع لأنه مكلف بالفروع لشمول الخطابات له أيضا،و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات و إن كان معتقدا لوجوبه و آتيا به على وجهه مع قصد القربة لأن الإسلام شرط في الصحة(2)،و لو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء(3)،و لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه،و كذا لو استطاع بعد إسلامه،و لو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه على الأقوى لأن
مر انه لا وجه لهذا التفصيل،فان الموت في الطريق في السنة الأولى من الاستطاعة إن كان كاشفا عن عدم ثبوت الحج في ذمته من الأول فكما لا يكون موضوعا لوجوب القضاء لا يكون موضوعا للاجزاء أيضا،و إن لم يكن كاشفا فالموضوع لكليهما ثابت فلا وجه للتفصيل.
على الأحوط،لما تقدم من الاشكال في شرطية الإسلام في صحة العبادة،و ذكرنا في ضمن بعض البحوث السالفة أنه بناء على ما هو الصحيح من أن الكفار مكلفون بالفروع،لا يبعد صحة صدور العبادة منهم،و لا يكون هناك شيء يمنعهم من نية التقرب بها،لأن كفر الكافر لا يكون مانعا من هذه النية، و انما هو مانع من التقرب الفعلي للكافر بها اليه سبحانه و تعالى،و هو غير معتبر في صحة العبادة،لأن المعتبر فيها نية القربة و قصدها،و الكفر بما أن قبحه فاعلي لا فعلي،فلا يمنع من نية القربة،لأن المانع منها انما هو القبح الفعلي لا القبح الفاعلي.
فيه ان الأهلية لذلك ليست تمام الملاك لوجوب القضاء عنه،بل هو تابع للدليل فان كان هناك دليل فلا بد من الأخذ به،و الاّ فلا شيء عليه سواء أ كان أهلا للإكرام أم لا.
الإسلام يجبّ ما قبله(1)،كقضاء الصلاة و الصيام حيث إنه واجب عليه حال كفره كالأداء و إذا أسلم سقط عنه،و دعوى أنه لا يعقل الوجوب عليه إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر(2)و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة بأنه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكميا(3)ليعاقب لا حقيقيا،لكنه
هذا لا لحديث الجب،فانه لا أصل له،بل للسيرة القطعية من النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله الجارية في فترة زمنية ممتدة،و هي من أول بعثته صلّى اللّه عليه و آله الى آخر حياته الكريمة على عدم أمر الكفار الذين يدخلون في الإسلام فوجا فوجا في تلك الفترة الممتدة بقضاء العبادات،و لم ينقل منه صلّى اللّه عليه و آله و لا في مورد واحد أمره بذلك.
فيه انه بناء على ما مر من انه لا يبعد صحة الاتيان بالعبادات من الكافر،لا موضوع لهذا الاشكال،و هو عدم تعقل الوجوب عليه.
فيه انه بناء على ما مر منا من أن صحة العبادة من الكافر غير بعيدة،لا مبرّر لحمل الأمر بالقضاء المتوجه الى الكافر على الأمر التهكمي.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الإسلام شرط في صحة العبادة،فأيضا لا مبرر لهذا الحمل و التوجيه،فان دليل وجوب القضاء دليل واحد يعم المسلم و الكافر، فلا يمكن حمل الأمر فيه بالنسبة إلى المسلم على الأمر الحقيقي،و بالنسبة إلى الكافر على الأمر الصوري،هذا،اضافة إلى أن مخالفة الأمر الصوري لا توجب استحقاق الإدانة و العقوبة،لما ذكرناه في محله من أن حقيقة الأمر و روحه ملاكه،فاذا كان الفعل متصفا به في مرحلة المبادي،كان الأمر المجعول له في مرحلة الاعتبار أمرا حقيقيا،و موجبا لاستحقاق العقوبة على مخالفته،و من هنا قلنا ان استحقاقها في الحقيقة انما هو على تفويت الملاك الملزم المنجز،لا على مخالفة الأمر بما هو.و أما الأمر الصوري،فبما أنه لا ينشأ من الملاك في مرحلة المبادي فلا قيمة له،و لا توجب مخالفته استحقاق العقوبة،و على هذا فلو كان
مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به لا كافرا و لا مسلما،و الأظهر أن يقال:إنه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و إن تركه فمتسكعا(1)،و هو ممكن في حقه لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال و مأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها،و كذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت فيقال:إنه في الوقت مكلف بالأداء و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء و مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء إليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق،فحاصل الإشكال أنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء و يعاقب على تركه!؟و حاصل الجواب أنه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب
في وجوبه متسكعا على الكافر مطلقا اشكال بل منع،لما مر من أن وجوب الحج كذلك انما يستفاد من روايات التسويف،و شمول تلك الروايات للكافر محل منع،لأن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي اختصاصها بموردها و هو المكلف الملتفت الى وجوب حجة الإسلام عليه،و لكنه مع ذلك
المعلق(1)و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء فيستحق العقاب عليه،و بعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء،و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء،و إذا أسلم يغفر له و إن خالف أيضا و استحق العقاب.
فيه إنا و إن بنينا في علم الأصول على امكان الوجوب المعلق،و قلنا هناك أنه قسم من الوجوب المشروط بالشرط المتأخر،و ليس في مقابله،و لا مانع من الالتزام به في مرحلة الاعتبار،الاّ ان وقوعه خارجا بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه في المقام،لأن مقتضى دليل وجوب القضاء انه مجعول على المكلف الفائت منه الأداء،و نتيجة ذلك أنه يتحقق بتحقق الفوت خارجا تطبيقا لقاعدة فعلية الحكم بفعلية موضوعه،و اما كونه فعليا مشروط بتحقق الفوت في المستقبل بنحو الشرط المتأخر فهو بحاجة الى دليل،و على هذا فوجوب القضاء هنا مجعول على الكافر الفائت منه الأداء،فانه اذا اسلم وفات منه الواجب بعده صار وجوب قضائه فعليا عليه اعتبارا و ملاكا،و إن لم يسلم و قد
[3072]مسألة 75:لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات(1)،و لو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلما لأن إحرامه باطل(2).
[3073]مسألة 76:المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده،و لا يصح منه(3)،فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه و لا يقضى عنه على الأقوى(4)لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمته كالكافر الأصلي،و إن تاب وجب عليه و صح منه و إن كان
هذا بناء على المشهور من أن الإسلام شرط في صحة العبادة،و عليه فبما أنه أتى بالاحرام في حال الكفر فيكون باطلا،و أما بناء على ما ذكرناه من الاشكال في ذلك،فلا يبعد صحة الإحرام و إن كان الأحوط و الأجدر به الاعادة من الميقات إن أمكن الرجوع اليه،و الا فمن أدنى الحل على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى في بحث المواقيت.
مر أنه لا يبعد صحة احرامه،و عليه فكفاية ادراكه أحد الموقفين كافرا غير بعيدة،فضلا عن كونه مسلما،و إن كان الأحوط و الأجدر به أن يعيد الحج في العام القادم.نعم على المشهور من كون الإسلام شرطا في صحة الحج لا يكفي،لأن احرامه بما أنه وقع في حال الكفر يكون باطلا،و على هذا فلا يمكن الحكم بصحة سائر أجزائه.
لا تبعد الصحة كما تقدم.
هذا مبني على أن الإسلام شرط في النيابة،و سيأتي تفصيل ذلك في مبحث النيابة.
فطريا على الأقوى من قبول توبته(1)سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل
هذا هو الصحيح،دون ما نسب الى المشهور من عدم قبول توبته، و قد تعرضنا لذلك في ضمن البحوث الفقهية موسعا.
و ملخصه:ان المرتد اذا تاب حقيقة فمعناه انه رجع الى الايمان به تعالى وحده،و برسالة رسوله صلّى اللّه عليه و آله.و من المعلوم أن كل من آمن بهذين العنصرين الأساسيين فهو مؤمن واقعا و حقيقة،و اذا أقر بالشهادتين و أظهرهما فهو مسلم كذلك،و على هذا فاذا صنع المرتد الفطري ذلك فقد تلبس بالايمان الغيبي و الإسلام الحسي واقعا و تكوينا،بداهة ان التقابل بينهما اما من تقابل العدم و الملكة كما هو الصحيح،أو من تقابل التضاد،فان كان الكفر عبارة عن عدم الإسلام،يعني العدم الخاص و هو العدم النعتي الوصفي،و كان الكافر هو المتصف بهذا النعت و الوصف،فالتقابل بينهما من تقابل العدم و الملكة،و إن كان عبارة عن الأمر الوجودي،و هو الجحد و الانكار كما يظهر من بعض الروايات،فالتقابل بينهما من تقابل التضاد،و على كلا التقديرين لا يصدق الكافر عليه،لأنه إن كان عنوانا للمتصف بعدم الايمان باللّه و رسوله، فهو لا يصدق عليه،لأنه متصف بالايمان بهما على الفرض،و إن كان عنوانا للجاحد و المنكر لهما أو لأحدهما،فالمفروض أنه مقر لهما معا ظاهرا و باطنا.
و على هذا فلا يمكن ترتيب أحكام الكافر عليه،كعدم جواز تزويج امرأة مسلمة منه،و عدم ارثه من المسلم و نحوهما،و أما الأحكام الثلاثة الثابتة للمرتد الفطري بسبب ارتداده لا بعنوان أنه كافر،فهي تظل باقية و لا ترتفع،و إن كان مليّا ارتفعت أحكامه بارتفاع ارتداده بالتوبة.
و اما الروايات النافية لتوبة المرتد الفطري،كقوله عليه السّلام في صحيحة محمد ابن مسلم:«فلا توبة له و قد وجب قتله،و بانت امرأته،و يقسم ما ترك على
توبته،فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر(1)،و لو أحرم في حال ردته ثم تاب وجب عليه الإعادة(2)
فيه ان ذلك ليس من جهة التبادر،لأنه مبني على أن يكون مدركها حديث الجب،و قد مر أنه ضعيف سندا،فلا يمكن الاعتماد عليه،بل من جهة ان القدر المتيقن من السيرة النبوية الجارية على ذلك هو الكافر الأصلي.
مر أنه لا يبعد الصحة و عدم الاعادة،و ان كانت الاعادة أحوط.
كالكافر الأصلي،و لو حج في حال إسلامه ثم ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى،ففي خبر زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السّلام:«من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شيء»،و آية الحبط مختصة بمن مات على كفره بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ [البقرة 2:217]،و هذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري(2)،فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.
[3074]مسألة 77:لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح،كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثم تاب،و كذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثم تاب قبل فوات المولاة،بل و كذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثم تاب قبل أن يأتي بشيء أو يفوت الموالاة على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا فيها،نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل(3)و إن تاب بلا فصل.
[3075]مسألة 78:إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة
بل صحيح زرارة.
فيه ان الآية مطلقة و تعم باطلاقها المرتد بكلا نوعيه،و حينئذ لو تمت دلالة الروايات المتقدمة على عدم قبول توبة المرتد الفطري لكانت مقيدة لإطلاق الآية الشريفة بغير الفطري،هذا.
اضافة الى أن دلالتها على قبول التوبة مبنية على مفهوم الوصف،و قد ذكرنا في علم الأصول ان الوصف لا يدل على المفهوم المصطلح لدى الأصوليين،و هو انتفاء طبيعي الحكم بانتفائه بنحو السالبة الكلية،نعم لا بأس بدلالته بنحو السالبة الجزئية،و هي لا تجدي.
لا تبعد الصحة كما مر،و ان كانت الاعادة أحوط و أجدر.
بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه(1)و إن لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق لإطلاق الأخبار،و ما دل على الإعادة من الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله عليه السّلام:
«يقضي أحب إليّ»و قوله عليه السّلام:«و الحج أحبّ إليّ».
[3076]مسألة 79:لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة و لا يجوز له منعها منه،و كذا في الحج الواجب بالنذر(2)و نحوه
بل الأمر كذلك اذا كان صحيحا في مذهب الحق و ان لم يكن صحيحا في مذهبه على تفصيل ذكرناه في المسألة(5)من(فصل في صلاة القضاء).
فيه اشكال بل منع،و الأظهر عدم انعقاده بدون إذن الزوج،و ذلك لأن مورد الروايات التي تنص على عدم اعتبار اذن الزوج للزوجة في الحج انما هو حجة الإسلام،و التعدي منه الى سائر أقسام الحج الواجب بحاجة الى قرينة،و لا قرينة على ذلك لا في نفس الروايات،و لا من الخارج.
و اما مقتضى القاعدة فلما ذكرناه غير مرة،من ان وجوب الوفاء بالنذر أو العهد او اليمين لا يصلح أن يزاحم أي حكم الزامي ثابت في الشرع من قبل اللّه تعالى،كما هو مقتضى ما ورد في لسان أدلة وجوب الوفاء بالشرط من«ان شرط اللّه قبل شرطكم» 1حيث أن مفاده عرفا ان وجوب الوفاء بالنذر أو نحوه مشروط بالقدرة الشرعية،بمعنى عدم أمر شرعي بالخلاف في نفسه،و بقطع النظر عنه على أساس ان المتفاهم العرفي من القبلية في قوله عليه السّلام:«شرط اللّه قبل شرطكم» 2انه لا بد ان يلحظ شرطه تعالى الذي هو عبارة عن التكاليف و الالتزامات الشرعية المفروضة من قبله سبحانه عز و جل في المرتبة السابقة على شرطكم،و بقطع النظر عنه،فاذا كانت ثابتة في الشرع في نفسها فلا تصل