مولفات سماحة مرجع الديني الشيخ الفيّــاض

تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۸
جلد
8
عنوان الكتاب : تعاليق مبسوطة علی العروة الوثقی
نام ناشر : محلاتي
الجزء : 8
عدد الصفحات: 396
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
كتاب الحج الذي هو أحد أركان الدين و من أوكد فرائض المسلمين،قال اللّه تعالى: وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 1،غير خفي على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون التأكيد و ضروب الحثّ و التشديد،و لا سيما ما عرض به تاركه من لزوم كفره و إعراضه عنه بقوله عزّ شأنه: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ 2،و عن الصادق عليه السّلام في قوله عزّ من قائل: وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً 3«ذاك الذي يسوّف الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت» و عنه عليه السّلام:من مات و هو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال اللّه تعالى:
وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ أَعْمىٰ
4
،و عنه عليه السّلام:«من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو
سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا»و في آخر:«من سوّف الحج حتى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا»و في آخر:«ما تخلف رجل عن الحج إلا بذنب،و ما يعفو اللّه أكثر»،و عنهم عليهم السّلام مستفيضا:«بني الإسلام على خمس:الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية»،و الحج فرضه و نفله عظيم فضله،خطير أجره،جزيل ثوابه،جليل جزاؤه،و كفاه ما تضمنه من وفود العبد على سيده و نزوله في بيته و محل ضيافته و أمنه،و على الكريم إكرام ضيفه و إجارة الملتجئ إلى بيته،فعن الصادق عليه السّلام:«الحاج و المعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم و إن دعوه أجابهم و إن شفعوا شفعهم و إن سكتوا بدأهم و يعوضون بالدرهم ألف ألف درهم»،و عنه عليه السّلام:«الحج و العمرة سوقان من أسواق الآخرة،اللازم لهما في ضمان اللّه إن أبقاه أداه إلى عياله و إن أماته أدخله الجنة»و في آخر:«إن أدرك ما يأمل غفر اللّه له،و إن قصر به أجله وقع أجره على اللّه عز و جل»و في آخر:«فإن مات متوجها غفر اللّه له ذنوبه،و إن مات محرما بعثه ملبّيا،و إن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين، و إن مات منصرفا غفر اللّه له جميع ذنوبه»و في الحديث:«إن من الذنوب ما لا يكفره إلا الوقوف بعرفة»و عنه صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الذي توفي فيه في آخر ساعة من عمره الشريف:«يا أبا ذر اجلس بين يدي اعقد بيدك،من ختم له بشهادة أن لا إله إلا اللّه دخل الجنة-إلى أن قال-و من ختم له بحجة دخل الجنة،و من ختم له بعمرة دخل الجنة»الخبر،و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«وفد اللّه ثلاثة:
الحاج و المعتمر و الغازي،دعاهم اللّه فأجابوه و سألوه فأعطاهم»و سأل الصادق عليه السّلام رجل في المسجد الحرام:من أعظم الناس وزرا؟فقال:«من يقف بهذين الموقفين عرفة و المزدلفة و سعى بين هذين الجبلين ثم طاف بهذا البيت و صلى خلف مقام إبراهيم ثم قال في نفسه و ظن أن اللّه لم يغفر
له فهو من أعظم الناس وزرا»،و عنهم عليه السّلام:«الحاج مغفور له و موجوب له الجنة و مستأنف به العمل و محفوظ في أهله و ماله،و أن الحج المبرور لا يعدله شيء و لا جزاء له إلا الجنة،و أن الحاج يكون كيوم ولدته أمّه،و أنه يمكث أربعة أشهر تكتب له الحسنات و لا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبه،فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالناس،و أن الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف:صنف يعتق من النار،و صنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه،و صنف يحفظ في أهله و ماله فذلك أدنى ما يرجع به الحاج، و أن الحاج إذا دخل مكة وكّل اللّه به ملكين يحفظان عليه طوافه و صلاته و سعيه فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ثم قالا:أما ما مضى فقد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل»و في آخر:«و إذا قضوا مناسكهم قيل لهم بنيتهم بنيانا فلا تنقضوه،كفيتم فيما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون»و في آخر:«إذا صلى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن يساره فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول:يا هذا أما ما قد مضى فقد غفر لك و أما ما يستقبل فجدّ»و في آخر:«إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى مناد:لو تعلمون بفناء من حللتم لأيقنتم بالمغفرة بعد الخلف»و في آخر:«إن أردتم أن أرضى فقد رضيت»،و عن الثمالي قال:قال رجل لعلي بن الحسين عليه السّلام:
تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحج و لينه؛فكان متكئا فجلس و قال:
«و يحك أما بلغك ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع،إنه لما وقف بعرفة و همت الشمس أن تغيب قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا بلال قل للناس فلينصتوا فلما أنصتوا قال:إن ربكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم و شفع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورا لكم»و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لرجل مميل فاته الحج و التمس منه ما به ينال أجره:«لو أن أبا قبيس لك ذهبة حمرا
فأنفقته في سبيل اللّه تعالى ما بلغت ما يبلغ الحاج،و قال:إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه إلا كتب اللّه له عشر حسنات و محا عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات،و إذا ركب بعيره لم يرفع خفا و لم يضعه إلا كتب اللّه له مثل ذلك،فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه،فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه،فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه،فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه،فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه،قال فعدّ رسول اللّه كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه،ثم قال:أنى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج».و قال الصادق عليه السّلام:«إن الحج أفضل من عتق رقبة بل سبعين رقبة»بل ورد أنه«إذا طاف بالبيت و صلى ركعتيه كتب اللّه له سبعين ألف حسنة،و حطّ عنه سبعين ألف سيئة،و رفع له سبعين ألف درجة،و شفّعه في سبعين ألف حاجة،و حسب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم،و أن الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من سبيل اللّه تعالى،و أنّه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط بل من كل شيء ما عدا الصلاة»بل في خبر آخر«أنه أفضل من الصلاة»أيضا و لعله لاشتماله على فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتى الصلاة التي هي أجمع العبادات،أو لأن الحج فيه صلاة و الصلاة ليس فيها حج،أو لكونه أشق من غيره و أفضل الأعمال أحمزها و الأجر على قدر المشقة.
و يستحب تكرار الحج و العمرة و إدمانهما بقدر القدرة،فعن الصادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب ما ينفي الكير خبث الحديد»و قال عليه السّلام:«حج تترى و عمرة تسعى يدفعان عيلة الفقر و ميتة السوء»و قال علي بن الحسين عليه السّلام:«حجوا
و اعتمروا تصح أبدانكم و تتسع أرزاقكم و تكفون مئونة عيالكم».
و كما يستحب الحج بنفسه كذا يستحب الإحجاج بماله،فعن الصادق عليه السّلام:«إنه كان إذا لم يحج أحج بعض أهله أو بعض مواليه و يقول لنا:يا بني إن استطعتم فلا يقف الناس بعرفات إلا و فيها من يدعو لكم فإن الحاج ليشفع في ولده و أهله و جيرانه»و قال علي بن الحسين لإسحاق بن عمار لما أخبره أنه موطن على لزوم الحج كل عام بنفسه أو برجل من أهله بماله:«فأيقن بكثرة المال و البنين أو أبشر بكثرة المال»و في كل ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام،و يظهر من جملة منها أن تكرارها ثلاثا أو سنة و سنة لا إدمان،و يكره تركه للموسر في كل خمس سنين،و في عدة من الأخبار«إن من أوسع اللّه عليه و هو موسر و لم يحج في كل خمس-و في رواية أربع سنين-إنه لمحروم»و عن الصادق عليه السّلام:«من حج أربع حجج لم يصبه ضغطة القبر».
مقدمة في آداب السفر و مستحباته لحج أو غيره و هي أمور:
أولها و من أوكدها:الاستخارة،بمعنى طلب الخير من ربه و مسألة تقديره له عند التردد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقا،و الأمر بها للسفر و كل أمر خطير أو مورد خطر مستفيض،و لا سيما عند الحيرة و الاختلاف في المشورة،و هي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره، و هذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها،بل أنكر بعض العلماء ما عداها مما يشتمل على التفؤل و المشاورة بالرقاع و الحصى و السبحة و البندقة و غيرها لضعف غالب أخبارها،و إن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضا،بخلاف هذا النوع لورود أخبار كثيرة بها في كتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله الأمر بها و الحث عليها،و عن الباقر و الصادق عليهما السّلام:«كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن» و عن الباقر عليه السّلام:«أن علي بن الحسين عليه السّلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حج أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق»بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة و أنه«من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر»و في كثير منها:«ما استخار اللّه عبد مؤمن إلا خار له و إن وقع ما يكره»و في بعضها:
«إلا رماه اللّه بخير الأمرين».
و في بعضها:«استخر اللّه مائة مرة و مرة ثم انظر أجزم الأمرين لك فافعله فإن الخيرة فيه إن شاء اللّه تعالى»و في بعضها:«ثم انظر اي شيء يقع في قلبك فاعمل به»و ليكن ذلك بعنوان المشورة من ربه و طلب الخير من عنده و بناء منه أن خيره فيما يختاره اللّه له من أمره،و يستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته ليكون بدأ مشورته منه سبحانه و أن يقرنه بطلب العافية،فعن الصادق عليه السّلام:«و ليكن استخارتك في عافية فإنه ربما خير للرجل في قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله».
و أخصر صورة فيها أن يقول:«أستخير اللّه برحمته أو أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية»ثلاثا أو سبعا أو عشرا أو خمسين أو سبعين أو مائة مرة و مرة،و الكل مروي،و في بعضها في الأمور العظام مائة و في الأمور اليسيرة بما دونه،و المأثور من أدعيته كثيرة جدا،و الأحسن تقديم تحميد و تمجيد و ثناء و صلوات و توسل و ما يحسن من الدعاء عليها،و أفضلها بعد ركعتي الاستخارة أو بعد صلوات فريضة أو في ركعات الزوال أو في آخر سجدة من صلاة الفجر أو في آخر سجدة من صلاة الليل أو في سجدة بعد المكتوبة أو عند رأس الحسين عليه السّلام أو في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و الكل مروي، و مثلها كل مكان شريف قريب من الإجابة كالمشاهد المشرفة أو حال أو زمان كذلك،و من أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه كمفاتيح الغيب للمجلسي قدّس سرّه و الوسائل و مستدركه.
و بما ذكر من حقيقة هذا النوع من الاستخارة و أنها محض الدعاء و التوسل و طلب الخير و انقلاب أمره إليه و بما عرفت من عمل السجاد في الحج و العمرة و نحوهما يعلم أنها راجحة للعبادات أيضا خصوصا عند إرادة الحج و لا يتعين فيما يقبل التردد و الحيرة،و لكن في رواية أخرى
«ليس في ترك الحج خيرة»و لعل المراد بها الخيرة لأصل الحج أو للواجب منه.
ثانيها:اختيار الأزمنة المختارة له من الأسبوع و الشهر،فمن الأسبوع يختار السبت و بعده الثلاثاء و الخميس و الكل مروي،و عن الصادق عليه السّلام:
«من كان مسافرا فليسافر يوم السبت،فلو أن حجرا زال عن جبل يوم السبت لرده اللّه إلى مكانه»و عنهم عليه السّلام:«السبت لنا و الأحد لبني أمية»و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها و خميسها».
و يتجنب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها،و الأحد،فقد روي أن له حدّا كحد السيف،و الاثنين فهو لبني أمية،و الأربعاء فإنه لبني العباس، خصوصا آخر أربعاء من الشهر فإنه يوم نحس مستمر،و في رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع قراءة سورة هل أتى في أول ركعة من غداته فإنه يقيه اللّه به من شر يوم الاثنين،و ورد أيضا اختيار يوم الاثنين و حملت على التقية.
و ليتجنب السفر من الشهر و القمر في المحاق أو في برج العقرب أو صورته فعن الصادق عليه السّلام:«من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى»و قد عدّ أيام من كل شهر و أيام من الشهر منحوسة يتوقى من السفر فيها و من ابتداء كل عمل بها،و حيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمنا التعرض لها و إن كان التجنب منها و من كل ما يتطير بها أولى،و لم يعلم أيضا أن المراد بها شهور الفرس أو العربية و قد يوجه كل بوجه غير وجيه،و على كل حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكل و المضي خلافا على أهل الطيرة،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«كفارة الطيرة التوكل»و عن أبي الحسن الثاني:
«من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة
و عوفي من كل عاهة و قضى اللّه حاجته»و له أن يعالج نحوسة ما نحس من الأيام بالصدقة،فعن الصادق عليه السّلام:«تصدق و اخرج أي يوم شئت»و كذا يفعل أيضا لو عارضه في طريقه ما يتطير به الناس و وجد في نفسه من ذلك شيئا،و ليقل حينئذ:«اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني»و ليتوكل على اللّه و ليمض خلافا لأهل الطيرة.
و يستحب اختيار آخر الليل للسير و يكره أوله،ففي الخبر:«الأرض تطوى من آخر الليل»و في آخر:«و إيّاك و السير في أول الليل و سر في آخره».
ثالثها و هو أهمها:التصدق بشيء عند افتتاح سفره،و يستحب كونها عند وضع الرجل في الركاب،خصوصا إذا صادف المنحوسة أو المتطير بها من الأيام و الأحوال ففي المستفيضة رفع نحوستها بها،و ليشري السلامة من اللّه بما يتيسر له،و يستحب أن يقول عند التصدق:«اللهم إني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة سفري،اللهم احفظني و احفظ ما معي، و سلّمني و سلّم ما معي،و بلغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل».
رابعها:الوصية عند الخروج لا سيما بالحقوق الواجبة.
خامسها:توديع العيال بأن يجعلهم وديعة عند ربه و يجعله خليفة عليهم،و ذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج،و يقول:
«اللهم إني أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذريتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي»فعن الصادق عليه السّلام:«ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل منها،و لم يدع بذلك الدعاء إلا أعطاه اللّه عز و جل ما سأل».
سادسها:إعلام اخوانه بسفره،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«حق على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه،و حق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه».
سابعها:العمل بالمأثورات من قراءة السور و الآيات و الأدعية عند باب داره،و ذكر اللّه و التسمية و التحميد و شكره عند الركوب و الاستواء على الظهر و الإشراف و النزول و كل انتقال و تبدل حال،فعن الصادق عليه السّلام:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفره إذا هبط سبّح،و إذا صعد كبّر»و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من ركب و سمّى ردفه ملك يحفظه،و من ركب و لم يسمّ ردفه شيطان يمنيه حتى ينزل»و منها قراءة القدر للسلامة حين يسافر أو يخرج من منزله أو يركب دابته،و آية الكرسي و السخرة و المعوذتين و التوحيد و الفاتحة و التسمية و ذكر اللّه في كل حال من الأحوال،و منها ما عن أبي الحسن عليه السّلام أنه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجه له و يقرأ الحمد و المعوذتين و التوحيد و آية الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله و يقول:«اللهم احفظني و احفظ ما معي و بلغني و بلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» يحفظ و يبلغ و يسلم هو و ما معه.و منها ما عن الرضا عليه السّلام:«إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل:بسم اللّه باللّه و توكلت على اللّه ما شاء اللّه لا حول و لا قوة إلاّ باللّه،تضرب به الملائكة وجوه الشياطين و تقول ما سبيلكم عليه و قد سمى اللّه و آمن به و توكل عليه»و منها ما كان الصادق عليه السّلام يقول إذا وضع رجله في الركاب يقول: سُبْحٰانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنٰا هٰذٰا وَ مٰا كُنّٰا لَهُ مُقْرِنِينَ 1«و يسبح اللّه سبعا و يحمده سبعا و يهلله سبعا»و عن زين العابدين عليه السّلام:«أنه لو حج رجل ماشيا و قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي»و قال:«ما قرأه أحد حين يركب دابته إلا نزل منها سالما مغفورا له،و لقارئها أثقل على الدواب من الحديد»و عن أبي جعفر عليه السّلام:«لو كان
شيء يسبق القدر لقلت قارئ إنا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع»و المتكفل لبقية المأثورات منها على كثرتها الكتب المعدة لها،و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله:«يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها:اللهم إني أسألك خيرها و أعوذ بك من شرها،اللهم حببنا إلى أهلها و حبب صالحي أهلها إلينا»و عنه صلّى اللّه عليه و آله:«يا علي إذا نزلت منزلا فقل:
اللهم أنزلني منزلا مباركا و أنت خير المنزلين؛ترزق خيره و يدفع عنك شره»و ينبغي له زيادة الاعتماد و الانقطاع إلى اللّه سبحانه و قراءة ما يتعلق بالحفظ من الآيات و الدعوات و قراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى: كَلاّٰ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ 1و قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصٰاحِبِهِ لاٰ تَحْزَنْ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنٰا 2،و دعاء التوجه و كلمات الفرج و نحو ذلك،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:
«يسبح تسبيح الزهراء و يقرأ آية الكرسي عند ما يأخذ مضجعه في السفر يكون محفوظا من كل شيء حتى يصبح».
ثامنها:التحنك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه،ففي المستفيضة عن الصادق و الكاظم عليهما السّلام:«الضمان لمن خرج من بيته معتما تحت حنكه أن يرجع إليه سالما و أن لا يصيبه السرق و لا الغرق و لا الحرق».
تاسعها:استصحاب عصا من اللوز المرّ فعنه عليه السّلام:«إن أراد أن تطوى له الأرض فليتخذ النقد من العصا،و النقد عصا لوز مر»و فيه نفي للفقر و أمان من الوحشة و الضواري و ذوات الحمة،و ليصحب شيئا من طين الحسين عليه السّلام ليكون له شفاء من كل داء و أمانا من كل خوف،و يستصحب خاتما من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه:«ما شاء اللّه لا قوة إلاّ باللّه
استغفر اللّه»و على الجانب الآخر«محمد و علي»و خاتما من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه:«اللّه الملك»و على الجانب الأخر:«الملك للّه الواحد القهار».
عاشرها:اتخاذ الرفقة في السفر،ففي المستفيضة الأمر بها و النهي الأكيد عن الوحدة،ففي وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام:«لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد،و لعن ثلاثة:الآكل زاده وحده و النائم في بيت وحده و الراكب في الفلاة وحده»و قال:«شر الناس من سافر وحده و منع رفده و ضرب عبده»،«و أحب الصحابة إلى اللّه أربعة،و ما زاد[قوم]على سبعة إلاّ كثر لغطهم»أي تشاجرهم،و من اضطر إلى السفر وحده فليقل:«ما شاء اللّه و لا قوة إلاّ باللّه اللهم آمن وحشتي و أعني على وحدتي و أدّ غيبتي»،و ينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق و يكره مصاحبته دونه أو فوقه في ذلك،و أن يصحب من يتزين به و لا يصحب من يكون زينته له،و يستحب معاونة أصحابه و خدمتهم و عدم الاختلاف معهم و ترك التقدم على رفيقه في الطريق.
الحادي عشر:استصحاب السفرة و التنوّق فيها و تطيب الزاد و التوسعة فيه لا سيما في سفر الحج،و عن الصادق عليه السّلام:«إن من المروّة في السفر كثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معك»أنعم يكره التنوّق في سفر زيارة الحسين عليه السّلام بل يقتصر فيه على الخبز و اللبن لمن قرب من مشهده كأهل العراق لا مطلقا في الأظهر،فعن الصادق عليه السّلام:«بلغني ان قوما إذا زاروا الحسين عليه السّلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء و الأخبصة و أشباهه و لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا»،و في آخر:«تاللّه إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا و تأتونه أنتم بالسفر كلاّ حتى تأتونه شعثا غبرا».
الثاني عشر:حسن التخلق مع صحبه و رفقته،فعن الباقر عليه السّلام:«ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال:خلق يخالق به من صحبه أو حلم يملك به غضبه أو ورع يحجزه عن معاصي اللّه»،و في المستفيضة:
«المروّة في السفر ببذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير المعاصي» و في بعضها:«قلة الخلاف على من صحبك و ترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم»و عن الصادق عليه السّلام:«ليس من المروة أن يحدّث الرجل بما يتفق في السفر من خير أو شر»و عنه عليه السّلام:«وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك و كفّ لسانك و أكظم غيظك و أقل لغوك و تفرش عفوك و تسخى نفسك».
الثالث عشر:استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح و الآلات و الأدوية كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه،و ليعمل بجميع ما في تلك الوصية.
الرابع عشر:إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثا،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«إذا كنت في سفر و مرض أحدكم فأقيموا عليه ثلاثة أيام»و عن الصادق عليه السّلام:
«حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض ثلاثا».
الخامس عشر:رعاية حقوق دابته،فعن الصادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:للدابة على صاحبها خصال:يبدأ بعلفها إذا نزل و يعرض عليها الماء إذا مرّ به و لا يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها و لا يقف على ظهرها إلا في سبيل اللّه و لا يحملها فوق طاقتها و لا يكلفها من المشي إلا ما تطيق»،و في آخر:«و لا تتوركوا على الدواب و لا تتخذوا ظهورها مجالس»و في آخر:«و لا يضربها على النفار و يضربها على العثار فإنها ترى ما لا ترون».
و يكره التعرس على ظهر الطريق و النزول في بطون الأودية و الإسراع في السير و جعل المنزلين منزلا إلا في أرض جدبة،و أن يطرق أهله ليلا حتى يعلمهم،و يستحب إسراع عوده إليهم،و أن يستصحب هدية لهم إذا رجع إليهم،و عن الصادق عليه السّلام:«إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت اهله بما تيسر و لو بحجر»الخبر.
و يكره ركوب البحر في هيجانه،و عن أبي جعفر عليه السّلام:«إذا اضطرب بك البحر فاتّك على جانبك الأيمن و قل:بسم اللّه اسكن بسكينة اللّه و قرّ بقرار اللّه و اهدأ بإذن اللّه و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه».
و ليناد إذا ضلّ في طريق البر«يا صالح يا أبا صالح ارشدونا رحمكم اللّه»و في طريق البحر«يا حمزة»و إذا بات في أرض قفر فليقل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اسْتَوىٰ -إلى قوله تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ 1.
و ينبغي للماشي أن ينسل في مشيه أي يسرع فعن الصادق عليه السّلام:
«سيروا و انسلوا فإنه أخف عنكم»«و جاءت المشاة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فشكوا إليه الإعياء فقال:عليكم بالنسلان.ففعلوا فذهب عنهم الإعياء»و أن يقرأ سورة القدر لئلا يجد ألم المشي كما مر عن السجاد عليه السّلام،و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء»،و في نسخة:«جفاء»و في أخرى«حنان»و ليختر وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لونا و ألينها تربة و أكثرها عشبا.هذه جملة ما على المسافر.
و أما أهله و رفقته فيستحب لهم تشييع المسافر و توديعه و إعانته
و الدعاء له بالسهولة و السلامة و قضاء المآرب عند وداعه،«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من أعان مؤمنا مسافرا فرج اللّه عنه ثلاثا و سبعين كربة و أجاره في الدنيا و الآخرة من الغم و الهم و نفس كربه العظيم يوم يعض الناس بأنفاسهم»،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا ودع المؤمنين قال:«زودكم اللّه التقوى و وجهكم إلى كل خير و قضى لكم كل حاجة و سلم لكم دينكم و دنياكم وردكم سالمين إلى سالمين»و في آخر:«كان إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال:أحسن لك الصحابة و أكمل لك المعونة و سهل لك الحزونة و قرب لك البعيد و كفاك المهم و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم عملك و وجهك لكل خير،عليك بتقوى اللّه،أستودع اللّه نفسك،سر على بركة اللّه عز و جل»و ينبغي أن يقرأ في أذنه إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ 1إن شاء اللّه ثم يؤذن خلفه و ليقم كما هو المشهور عملا،و ينبغي رعاية حقه في اهله و عياله و حسن الخلافة فيهم لا سيما مسافر الحج،فعن الباقر عليه السّلام:«من خلف حاجا بخير كان له كأجره كأنه يستلم الأحجار»و أن يوقّر القادم من الحج،فعن الباقر عليه السّلام:«و قروا الحاج و المعتمر فإن ذلك واجب عليكم»و كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول:«يا معشر من لم يحج استبشروا بالحاج و صافحوهم و عظّموهم فإن ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر»،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول للقادم من مكة:«قبل اللّه منك و أخلف عليك نفقتك و غفر ذنبك».
و لنتبرك بختم المقام بخير خبر تكفّل مكارم أخلاق السفر بل و الحضر:فعن الصادق عليه السّلام قال:«قال لقمان لابنه:يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم،و أكثر التبسم في وجوههم،وكن
كريما على زادك،و إذا دعوك فاجبهم،و إذا استعانوا بك فأعنهم،و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد، و إذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم،و أجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تتثبّت و تنظر و لا تجب في مشورة حتى تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تضع و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه اللّه رأيه و نزع منه الأمانة،و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم فإذا تصدقوا أو أعطوا قرضا فأعط معهم،و اسمع لمن هو أكبر منك سنا،و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئا فقل نعم و لا تقل لا فإنها عيّ و لؤم،و إذا تحيرتم في الطريق فانزلوا و إذا شككتم في القصد فقفوا أو تؤامروا،و إذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم،و احذروا الشخصين أيضا إلا أن ترون ما لا أرى فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب،يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلّها و استرح منها فإنها دين،و صلّ في جماعة و لو على رأس زج،و لا تنامنّ على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها و ليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل،و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك و ابدأ بعلفها فإنها نفسك،و إذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا و ألينها تربة و أكثرها عشبا،و إذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس،و إذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض،و إذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثم ودّع الأرض التي حللت بها و سلم عليها و على أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة،فإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ و تصدق
منه فافعل،و عليك بقراءة كتاب اللّه ما دمت راكبا،و عليك بالتسبيح ما دمت عاملا،و عليك بالدعاء ما دمت خاليا،و إياك و السير في أول الليل و سر في آخره،و إياك و رفع الصوت،يا بني سافر بسيفك و خفّك و عمامتك و حبالك و سقائك و خيوطك و مخرزك و تزود معك من الأدوية فانتفع به أنت و من معك،و كن لأصحابك موافقا إلا في معصية اللّه عز و جل».
هذا ما يتعلق بكلي السفر.
و يختص سفر الحج بأمور اخر:
منها:اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح بل الحفاء على الانتعال،إلا أن يضعفه عن العبادة أو كان لمجرد تقليل النفقة،و عليهما يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب،و روي«ما تقرب العبد إلى اللّه -عز و جل-بشيء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين،و أن الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة،و ما عبد اللّه بشيء مثل الصمت و المشي إلى بيته».
و منها:أن تكون نفقة الحج و العمرة حلالا طيبا،فعنهم عليه السّلام:«إنا أهل بيت حج صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا»و عنهم عليه السّلام:
«من حج بمال حرام نودي عند التلبية لا لبيك عبدي و لا سعديك»و عن الباقر عليه السّلام:«من أصاب مالا من أربع:لم يقبل منه في أربع من أصاب مالا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة و لا صدقة و لا حج و لا عمرة».
و منها:استحباب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة و كراهة نية عدم العود،فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله:«من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره و من خرج من مكة و لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه»و عن الصادق عليه السّلام مثله مستفيضا و قال لعيسى بن أبي منصور:«يا
عيسى إني أحب أن يراك اللّه فيما بين الحج إلى الحج و أنت تتهيأ للحج».
و منها:أن لا يخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلا بعد أداء الفرضين بهما.
و منها:البدأة بزيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن حج على طريق العراق.
و منها:أن لا يحج و لا يعتمر على الإبل الجلالة،و لكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها و لا يسري إلى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق.
و من أهم ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النية و إخلاص السريرة و أداء حقيقة القربة و التجنب عن الرياء و التجرد عن حب المدح و الثناء،و أن لا يجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي عصرنا من جعله وسيلة للرفعة و الافتخار بل وصلة إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و تصفح الأمصار،و أن يراعي أسراره الخفية و دقائقه الجلية كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام:«إن اللّه تعالى سنّ الحج و وضعه على عباده إظهارا لجلاله و كبريائه و علوّ شأنه و عظم سلطانه،و إعلانا لرق الناس و عبوديتهم و ذلهم و استكانتهم،و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم و الملاك لمماليكهم يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب و اللبث في حجاب بعد حجاب،و إن اللّه تعالى قد شرف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه و اصطفاه لقدسه و جعله قياما للعباد و مقصدا يؤمّ من جميع البلاد و جعل ما حوله حرما و جعل الحرم آمنا و جعل فيه ميدانا و مجالا و جعل له في الحل شبيها و مثالا فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين ثم أذّن في الناس بالحج ليأتوه رجالا و ركبانا من كل فجّ و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتلبية و إجابة
الدعوة حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرعون إليه حتى إذا طال تضرعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تفثهم ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم و بينه و ليزوروا البيت على طهارة منهم ثم يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق و كنه العبودية فجعلهم تارة يطوفون فيه و يتعلقون بأستاره و يلوذون بأركانه و أخرى يسعون بين يديه مشيا وعدوا ليتبين لهم عزّ الربوبية و ذلّ العبودية و ليعرفوا أنفسهم و يضع الكبر من رءوسهم و يجعل نير الخضوع في أعناقهم و يستشعروا شعار المذلة و ينزعوا ملابس الفخر و العزة،و هذا من أعظم فوائد الحج،مضافا إلى ما فيه من التذكر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة،إذ الحج هو الحشر الأصغر و إحرام الناس و تلبيتهم و حشرهم إلى الموقف و وقوفهم بها والهين متضرعين راجعين إلى الفلاح أو الخيبة و الشقاء أشبه شيء بخروج الناس من أجداثهم و توشّحهم بأكفانهم و استغاثتهم من ذنوبهم و حشرهم إلى صعيد واحد إلى نعيم أو عذاب أليم،بل حركات الحاج في طوافهم و سعيهم و رجوعهم و عودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب ملجأ و مفزعا نحو أهل المحشر في أحوالهم و أطوارهم، فبحلول هذه المشاعر و الجبال و الشعب و الطلال و لدى وقوفه بمواقفه العظام يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم الحشر و شدائد النشر،عصمنا اللّه و جميع المؤمنين و رزقنا فوزه يوم الدين آمين ربّ العالمين.
فصل في وجوب الحج من أركان الدين الحج،و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثى بالكتاب و السنة و الإجماع من جميع المسلمين بل بالضرورة،و منكره في سلك الكافرين(1)،
في اطلاقه اشكال بل منع،و ذلك لما حققناه في محله من أن الإسلام متمثل في عنصرين:
أحدهما:الايمان بالتوحيد،و مقابله الكفر سواء أ كان متمثلا في الانكار اليقيني أم الظني أم الاحتمالي.
و الآخر:الايمان برسالة النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله،و مقابله الكفر و إن كان متمثلا في إنكارها الظني أو الاحتمالي على أساس ان المعتبر في الإسلام هو الايمان و الالتزام بالرسالة اجمالا،و نقصد بالايمان الإجمالي بها هو الايمان بأن كل ما يحتمل أو يظن أو يقع باشتمال الرسالة عليه فهو حق إذا كانت الرسالة مشتملة عليه واقعا،فاذا احتمل ان هذا الحكم مما جاء به الرسول الاكرم صلّى اللّه عليه و آله فانكاره و جحده معناه عدم الايمان برسالته و احتمال بطلانها و هو كفر.
و اما المعاد فهو ليس عنصرا ثالثا معتبرا في الإسلام في مقابل العنصر الثاني،لأن المعاد من أظهر ما اشتملت عليه الرسالة،فالايمان بها لا ينفك عن الايمان به،فاذن لا يكون عنصرا مستقلا في مقابلها،و قد ذكرنا في بحث الفقه مفصلا و أشرنا اليه اجمالا في أول بحث الصوم،ان الآيات التي تنص على
……….
……….
……….
و تاركه عمدا مستخفا به بمنزلتهم(1)،و تركه من غير استخفاف من الكبائر، و لا يجب في أصل الشرع إلا مرة واحدة في تمام العمر(2)،و هو المسمى بحجة الإسلام أي الحج الذي بني عليه الإسلام مثل الصلاة و الصوم و الخمس و الزكاة،و ما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه على أهل الجدة كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع و الأخبار،و لا بد من حمله على بعض المحامل كالأخبار الواردة بهذا المضمون من إرادة الاستحباب المؤكد أو الوجوب على البدل بمعنى أنه يجب عليه في عامه و إذا تركه ففي العام الثاني و هكذا،و يمكن حملها على الوجوب الكفائي فإنه لا يبعد وجوب الحج كفاية على كل أحد في كل عام إذا كان متمكنا بحيث لا تبقى مكة خالية من الحجاج،لجملة من الأخبار الدالة على أنه لا يجوز تعطيل الكعبة عن الحج،و الأخبار الدالة على أن على الإمام كما في بعضها و على الوالي كما في آخر أن يجبر الناس على الحج و المقام في
فيه اشكال بل منع،لعدم الدليل على أن الاستخفاف بالحكم الشرعي كفر و خروج عن الإسلام،نعم لا شبهة في أنه مذموم و مبغوض في الشريعة المقدسة إذا كان عن عمد و التفات.
للتسالم القولي و العملي بين المسلمين قاطبة،و من المعلوم أن هذا التسالم بينهم على أساس اهتمام الشارع بالحج في الكتاب و السنة يكشف عن
……….
مكة و زيارة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و المقام عنده و أنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال.
[2980]مسألة 1:لا خلاف في أن وجوب الحج بعد تحقق الشرائط فوري(1)،بمعنى أنه يجب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة فلا يجوز تأخيره عنه،و إن تركه فيه ففي العام الثاني و هكذا،و يدل عليه جملة من الأخبار،و لو خالف و أخّر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصيا،بل لا يبعد كونه كبيرة كما صرح به جماعة و يمكن استفادته من جملة من الأخبار.
هذا شريطة أن لا يكون المستطيع واثقا و مطمئنا من نفسه بالتمكن من الاتيان به في السنين القادمة،و الاّ فوجوبه عليه فورا في السنة الأولى لا يخلو عن اشكال،لعدم الدليل على الفورية مطلقا حتى في هذه الحالة،أما حكم العقل بعدم جواز التأخير و وجوب الاتيان به في سنة الاستطاعة مختص بغير هذه الحالة،لأن موضوع حكم العقل باستحقاق العقوبة إنما هو احتمال الفوت على تقدير التأخير،و الفرض انه واثق و مطمئن بعدم الفوت،بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك باستصحاب بقاء الاستطاعة باعتبار انه دليل شرعي رافع لموضوع حكم العقل و هو احتمال العقاب.
و أما الروايات:فلا يظهر منها وجوب الحج فورا في عام الاستطاعة و عدم جواز تأخيره مطلقا حتى مع الاطمينان و الوثوق بالتمكن من الاتيان به في العام
[2981]مسألة 2:لو توقف إدراك الحج بعد حصول الاستطاعة على مقدمات من السفر و تهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها(1)على وجه يدرك الحج في تلك السنة،و لو تعددت الرفقة و تمكن من المسير مع كل منهم اختار أوثقهم سلامة و إدراكا(2)،
هذا إذا لم يكن واثقا و متأكدا بانه لا يفوت منه في السنة القادمة،و الاّ فوجوب المبادرة مبني على الاحتياط كما مر.
لا يجب إذا كان الاختلاف بينهم في الأوثقية مع الاشتراك في الوثوق،
و لو وجدت واحدة و لم يعلم حصول أخرى أو لم يعلم التمكن من المسير و الإدراك للحج بالتأخير فهل يجب الخروج مع الأولى أو يجوز التأخير إلى الاخرى بمجرد احتمال الإدراك أو لا يجوز إلاّ مع الوثوق؟أقوال أقواها الأخير،و على أي تقدير إذا لم يخرج مع الأولى و اتفق عدم التمكن من المسير أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج(1)،و إن لم يكن آثما بالتأخير لأنه كان متمكنا من الخروج مع الأولى،إلا إذا تبين عدم إدراكه لو سار معهم أيضا.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان استقرار الحج على المستطيع انما هو فيما إذا كان تركه مستندا الى تقصيره و كونه اثما،و الاّ فلا موجب لاستقراره عليه، و على هذا فان كان التأخير جائزا شرعا كما إذا كان واثقا و متأكدا بسلامة الوصول مع الثانية أيضا،فاذا أخر و خرج معهم و لكن بسبب اتفاق وقوع حادث أرضي أو سماوي أو غيره في الطريق لم يكن وقوعه في الحسبان و لا كان متوقعا لم تصل القافلة في موسم الحج و وقته وفات عنه فلا موجب لاستقراره عليه،لأن تركه حينئذ لا يكون مستندا إلى إهماله و تسامحه فيه،و من هنا إذا خرج مع القافلة الأولى و لكن بنفس ذلك السبب الاتفاقي لم يتمكن من ادراك الحج وفات عنه لم يلتزم أحد باستقراره عليه حتى الماتن قدّس سرّه مع انه لا فرق بين
فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام و هي أمور:
أحدها:الكمال بالبلوغ و العقل،فلا يجب على الصبي و إن كان مراهقا(1)،و لا على المجنون(2)و إن كان أدواريا إذا لم يف دور إفاقته
لإطلاق حديث عدم جري القلم عليه،و للروايات الخاصة في المقام.
هذا لا بملاك حديث رفع القلم عنه،فانه ضعيف سندا،و لا بملاك الاجماع على اعتبار العقل فانه على تقدير تسليم احرازه بين الفقهاء المتقدمين الا أنه ليس باجماع تعبدي،فان معظمهم لو لا كلهم قد اعتمدوا على اعتبار العقل بحديث رفع القلم،بل بملاك أن المجنون في نفسه غير قابل لتوجيه الخطاب التكليفي اليه كالخطاب بالصلاة و الصيام و الحج بمالها من الشروط لأنه لغو صرف،فلا يمكن صدوره من المولى الحكيم.
و دعوى:ان الجنون انما هو مانع عن جعل الحكم في عالم الاعتبار على أساس أنه لغو محض و جزاف و لا يمنع عن ثبوت ملاكه في مرحلة المبادي، و نتيجة ذلك وجوب القضاء عليه بعد الافاقة.
مدفوعة:أولا:انه لا طريق لنا الى احراز الملاك و ثبوته في مرحلة المبادئ،و عدم الفرق فيه بين المجنون و غيره لأن الكاشف عنه بالالتزام انما هو ثبوت التكليف،و مع عدم امكان ثبوته فلا كاشف له.
و ثانيا:ان هذا لو تم فانما يتم في مثل الصلاة و الصيام دون الحج،فان
بإتيان تمام الأعمال،و لو حج الصبي لم يجزئ عن حجة الإسلام(1)و إن قلنا بصحة عباداته و شرعيتها كما هو الأقوى و كان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ،ففي خبر مسمع عن الصادق عليه السّلام:«لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كان عليه فريضة الإسلام»،و في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحج قال عليه السّلام:«عليه حجة الإسلام إذا احتلم،و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت».
[2982]مسألة 1:يستحب للصبي المميز أن يحج و إن لم يكن مجزئا عن حجة الإسلام،و لكن هل يتوقف ذلك على إذن الولي أو لا؟المشهور بل قيل:لا خلاف فيه أنه مشروط بإذنه لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي و الكفارة،و لأنه عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل فيجب الاقتصار فيه على المتيقن،و فيه أنه ليس تصرفا ماليا و إن كان ربما يستتبع المال(2)،
هذا من جهة أن حجة الإسلام اسم للحج الاول الواجب في الشريعة المقدسة للمستطيع و عنوان مقوم له فلا تنطبق على الحج المستحب.
فيه ان صحة حجه لا تتوقف على قدرته على المال كالهدي فضلا عن الكفارات،و حينئذ فإن بذل وليه الهدي من قبله فهو،و الاّ فالصبي بما انه
و أن العمومات كافية في صحته و شرعيته مطلقا،فالأقوى عدم الاشتراط في صحته و إن وجب الاستئذان في بعض الصور،و أما البالغ فلا يعتبر في حجه المندوب إذن الأبوين إن لم يكن مستلزما للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما،و أما في حجه الواجب فلا إشكال.
[2983]مسألة 2:يستحب للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف لجملة من الأخبار،بل و كذا الصبية و إن استشكل فيها صاحب المستند(1)،
الظاهر ان الاشكال في غير محله،فان مورد الروايات و إن كان الصبي، الاّ أن العرف لا يفهم منها خصوصية له و لا سيما انه ورد في أكثر هذه الروايات في السؤال.فالنتيجة ان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان استحباب احرام الصبي على المولى ليس بما هو صبي في مقابل الصبية بل بما هو صغير،على أساس أن فيه نوعا من التعظيم لشعائر اللّه و حرمه سبحانه.و مع الاغماض عن ذلك فالاستدلال على عموم الحكم بمعتبرة يونس ابن يعقوب عن أبيه قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ان معى صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد،فمن أين يحرمون؟قال:ايت بهم العرج فليخرجوا منها…الخ» 1.
بدعوى أن الصبية و إن كانت جمعا للصبي فإن جمع الصبية صبايا،الاّ أن المتفاهم من هذه الروايات الاولاد الصغار الأعم من الأبناء و البنات،في غير محله فان الروايات المذكورة إن كانت ظاهرة عرفا في اختصاص الحكم
و كذا المجنون و إن كان لا يخلو عن إشكال(1)لعدم نص فيه بالخصوص فيستحق الثواب عليه،و المراد بالإحرام به جعله محرما لا أن يحرم عنه، فيلبسه ثوبي الإحرام و يقول:اللهم إني أحرمت هذا الصبي(2)(الخ) و يأمره بالتلبية بمعنى أن يلقنه إياها،و إن لم يكن قابلا يلبي عنه،و يجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه،و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه،و ينوب عنه في كل ما لا يتمكن،و يطوف به و يسعى به بين الصفا و المروة،و يقف به في عرفات و منى(3)،
بل منع لأن التعدي عن مورد النصوص الى المجنون بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه لا في نفس تلك النصوص و لا من الخارج،و مجرد مناسبة الحكم لا يكفي للتعدي مع الفرق بينه و بين الصبي،نعم لا بأس به رجاء.
فيه أنه لا دليل على استحباب هذا القول،و نصوص الباب خالية عنه، و ما دل على استحباب التلفظ بالنية لا يشمل ذلك لاختصاصه باعمال الحاج نفسه،نعم لا بأس به بقصد الدعاء و التضرع الى اللّه تعالى لا بقصد التلفظ بالنية، أو فقل ان المستفاد من نصوص الباب هو أن الولي يأمر الصبى بالاحرام و التلبية و نحوهما من اعمال الحج إذا كان قابلا لأن يباشر تلك الأعمال بنفسه،و الا فعلى الولي أن يقوم باحرامه بأن يغسله و يلبّى عنه و يطوف به و يصلي عنه و هكذا، و لم يرد فيها أنه حين قيامه بذلك يقول:اللهم اني احرمت هذا الصبي…
الظاهر أنه من سهو القلم،و الصحيح المشعر بدل منى باعتبار أنه لا وقوف في منى.
و يأمره بالرمي و إن لم يقدر يرمي عنه،و هكذا يأمره بصلاة الطواف و إن لم يقدر يصلي عنه،و لا بد من أن يكون طاهرا و متوضئا و لو بصورة الوضوء(1)و إن لم يمكن فيتوضأ هو عنه(2)،و يحلق رأسه و هكذا جميع الأعمال.
[2984]مسألة 3:لا يلزم كون الولي محرما في الإحرام بالصبي(3)،بل يجوز له ذلك و إن كان محلا.
[2985]مسألة 4:المشهور على أن المراد بالولي في الإحرام بالصبي
فيه:أنه لا دليل على قيامها مقام الوضوء،لأن أدلة الوضوء منصرفة عنها،و لا يوجد دليل آخر على اعتبارها في المقام و كفايتها عن الوضوء الحقيقي.
فيه اشكال بل منع،لأن روايات الباب لا تدل على أنه ينوب عنه في الوضوء،حيث ان مورد هذه الروايات أفعال الحج كالتلبية و الطواف و الصلاة و السعي و الرمي و الذبح و الوقوف و نحوها،و لا نظر لها إلى ما هو معتبر في تلك الافعال من الشروط و القيود منها اعتبار الطهارة في الطواف،فانها تدل على أن الصبي إذا لم يتمكن من الاتيان بتلك الافعال مباشرة قام وليه مقامه فيها،فيلبى عنه و يطوف به و يصلي عنه و هكذا،و لا تدل على أن الصبي إذا لم يقدر على الوضوء مباشرة قام وليه مقامه فيتوضأ عنه.نعم كل عمل قام وليه بالاتيان به من قبله إذا كان مشروطا بالطهارة فلا بد له من تحصيلها و لكن لا بعنوان النيابة عنه.
الأمر كما افاده قدّس سرّه و ذلك لسببين:
أحدهما:ان قيام كل شخص بالاتيان باعمال الحج نيابة عن آخر لا يتوقف على كونه محرما.
و الآخر:اطلاق الروايات الآمرة بذلك.
الغير المميز الولي الشرعي من الأب و الجد و الوصي لأحدهما و الحاكم و أمينه أو وكيل أحد المذكورين،لا مثل العم و الخال و نحوهما و الأجنبي، نعم ألحقوا بالمذكورين الأم و إن لم تكن وليا شرعيا للنص الخاص فيها،قالوا:لأن الحكم على خلاف القاعدة فاللازم الاقتصار على المذكورين فلا يترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي غيره، و لكن لا يبعد كون المراد الأعم منهم و ممن يتولى أمر الصبي(1) و يتكفله و إن لم يكن وليا شرعيا لقوله عليه السّلام:«قدموا من كان معكم من
بل هو بعيد،على أساس ان احجاج الصبي يستلزم التصرف فيه،بأن يجرده من ثيابه و يلبسه ثوبي الاحرام و يطوف به و يقف و يسعى و هكذا.و من المعلوم أن كل ذلك تصرف فيه و هو غير جائز من غير وليه الشرعي،و لا فرق فيه بين التصرف في ماله و التصرف في بدنه،فكما ان الأول غير جائز فكذلك الثاني،فان جوازه بحاجة إلى دليل لا حرمته،فانها على القاعدة كحرمة التصرف في ماله.
و قد يستدل على الأعم بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه الى الجحفة أو إلى بطن مرو يصنع بهم ما يصنع بالمحرم-الحديث» 1بدعوى ان اطلاقها يعم ما إذا كان الصبيان مع أوليائهم أو لا.
و الجواب:أولا:انه لا اطلاق لها من هذه الناحية،فانها ناظرة الى بيان انه لا مانع من احجاج الصبي بما هو صبي،و لا نظر لها الى عدم المانع من جهة أخرى كأن يكون المتصدي لا حجاجه وليه أو مأذونا من قبله.
أو فقل:إنها ناظرة إلى نفي مانعية الصبي عن احجاجه،و لا نظر لها إلى أنه
الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مر»(الخ)،فإنه يشمل غير الولي الشرعي أيضا،و أما في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن(1).
الظاهر بل لا شبهة في عدم اعتبار اذنه في صحة احرامه كعدم اعتباره
[2986]مسألة 5:النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي لا من مال الصبي(1)إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به أو يكون السفر مصلحة له.
[2987]مسألة 6:الهدي على الولي(2)،
الأمر كما افاده قدّس سرّه حتى بالنسبة إلى وليه الشرعي كالأب و الجد من قبل الأب،فان ولايته عليه و إن كانت لا يختص بما فيه مصلحة له بل هي ثابتة حتى فيما لا مصلحة فيه شريطة أن لا تكون فيه مفسدة و بذلك تفترق عن ولاية الحاكم الشرعي أو الوصي عليه فانها ترتبط في كل مورد بوجود مصلحة فيه، و لكن مع ذلك لا يسوغ له أن يأخذ النفقة الزائدة من أمواله في حال عدم كون السفر له ضروريا أو ذات مصلحة باعتبار أن فيه مفسدة و معها لا ولاية له.
في اطلاقه اشكال بل منع فانه انما يكون على الولي إذا كان من مال الصبي مفسدة عليه،و أما اذا رأى الولي ان في احجاجه مصلحة لسبب أو آخر، ففي مثل ذلك لا مانع من أن يأخذ ثمن الهدي من ماله.
و اما روايات الباب،فقد يستدل بجملة منها على أن الهدي على الولي دون الصبي.
منها:صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام:«قال:إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يأمره أن يلبّى و يفرض الحج،فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه،قلت:ليس لهم ما يذبحون،قال:يذبح عن الصغار و يصوم الكبار…الخ» 1،بدعوى أنها تدل على أن الهدي على الولي،فاذا لم يكن عنده ما يذبح عن نفسه و عن الصبي معا يذبح عن الصبي و يصوم عن نفسه،و مقتضى
……….
و كذا كفارة الصيد إذا صاد الصبي(1)،و أما الكفارات الاخر المختصة بالعمد فهل هي أيضا على الولي أو في مال الصبي أو لا يجب الكفارة في غير الصيد لأن عمد الصبي خطأ و المفروض أن تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟وجوه،لا يبعد قوة الأخير إما لذلك و إما لانصراف أدلتها عن الصبي،لكن الأحوط تكفل الولي بل لا يترك هذا الاحتياط،بل هو الأقوى(2)لأن قوله عليه السّلام:«عمد الصبي خطأ»مختص بالديات،و الانصراف
الأمر كما أفاده قدّس سرّه لنص قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:«و إن قتل صيدا فعلى أبيه» 2.
في القوة اشكال بل منع،لأنه بحاجة الى دليل و لا دليل عليه في المسألة و التزامه باحجاجه لا يستلزم تحمله كل كفاراته،اذ مضافا إلى أن ترك ارتكاب ما يوجب الكفارة ليس من أجزاء الحج و واجباته ان كون كفارته عليه فهو بلا مبرّر،و ما دل على أن كفارة صيده على أبيه لا يدل على العموم،فلا بد من الاقتصار على مورده،كما أنها ليست على الصبي لا من جهة ما دل من أن
ممنوع و إلا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا(1).
[2988]مسألة 7:قد عرفت أنه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزئه عن حجة الإسلام،بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة،لكن استثنى المشهور من ذلك ما لو بلغ و أدرك المشعر فإنه حينئذ يجزئ عن حجة الإسلام،بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه،و كذا إذا حج المجنون ندبا ثم كمل قبل المشعر،و استدلوا على ذلك بوجوه:
أحدها:النصوص الواردة في العبد على ما سيأتي بدعوى عدم خصوصية للعبد في ذلك،بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ثم حصوله قبل المشعر،و فيه أنه قياس(2)مع أن لازمه
فيه ان الالتزام بأن كفارة الصيد على الولي ليس من جهة اطلاق أدلتها و عدم انصرافه بل من جهة النص الخاص كما مر،و عليه فلا فرق بين القول بالانصراف و عدمه.
الأمر كما أفاده لأن مورد الروايات العبد،و هي التي تنص على أنه إذا اعتق قبل الوقوف بالمشعر أجزأ عنه حجة الإسلام منها
……….
الالتزام به فيمن حج متسكعا ثم حصل له الاستطاعة قبل المشعر،و لا يقولون به.
الثاني:ما رود من الأخبار من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه،فإنه يستفاد منها أن الوقت صالح لإنشاء الإحرام فيلزم أن يكون صالحا للانقلاب أو القلب بالأولى،و فيه ما لا يخفى(1).
الثالث:الأخبار الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، و فيه أن موردها من لم يحرم(2)فلا يشمل من أحرم سابقا لغير حجة الإسلام،فالقول بالإجزاء مشكل،و الأحوط الإعادة بعد ذلك إن كان مستطيعا بل لا يخلو عن قوة،و على القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد من أنه هل يجب تجديد النية لحجة الإسلام أو لا؟و أنه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا؟ و أنه هل يجري في حج التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟إلى غير ذلك.
بل هو غريب لأن محل الكلام في الصبي الذي أحرم للحج ثم بلغ قبل الوقوف بالمشعر.و مورد النص و هو صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟قال:يقول:اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله فقد تم احرامه -الحديث-» 1هو البالغ المأمور بالحج،و لكن نسي الاحرام من مكة،فذكر و هو بعرفات،فالنص يدل على أنه يحرم من مكانه،فاذن كيف يمكن قياس المقام به.
الظاهر أن موردها أعم من ذلك على أساس ان الروايات غير ناظرة
[2989]مسألة 8:إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان مستطيعا لا إشكال في أن حجه حجة الإسلام(1).
هذا ظاهر،و انما الكلام فيما إذا بلغ بعد أن يحرم من الميقات و حينئذ،فهل عليه أن يتم ندبا أو ينقلب الى حجة الإسلام،أو يكشف عن
[2990]مسألة 9:إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنه كان بالغا فهل يجزئ عن حجة الإسلام أو لا؟و جهان،أوجههما الأول(1)، و كذا إذا حج الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب ثم ظهر كونه مستطيعا حين الحج.
بل الثاني،فانه لما كان معتقدا بعدم بلوغه،فاذا أراد أن يحج فبطبيعة الحال يحج بقصد انه مستحب له استحبابا عاما لا بقصد حجة الإسلام، و عندئذ فلا يقع شيء منهما،أما الأول فلانتفاء قصد الاسم الخاص المقوم و المميز له شرعا و هو حجة الإسلام،و أما الثاني فلانتفاء الموضوع باعتبار انه مستحب على الصبي دون البالغ،و المفروض انه بالغ و مستطيع في الواقع و وظيفته حجة الإسلام،و بما انه جاهل بالحال فلا دليل على استحباب الحج
الثاني من الشروط:الحرية،فلا يجب على المملوك و إن أذن له مولاه و كان مستطيعا من حيث المال بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة،نعم لو حج بإذن مولاه صح بلا إشكال و لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام(1)فلو اعتق بعد ذلك أعاد،للنصوص منها خبر
الأمر كما افاده قدّس سرّه و ذلك للنصوص الكثيرة التي تتمثل في مجموعتين:
……….
مسمع:«لو أن عبدا حج عشر حجج ثم اعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا»و منها:«المملوك إذا حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق،فإن اعتق أعاد الحج»و ما في خبر حكم بن حكيم:
«أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام»محمول على إدراك ثواب الحج أو على أنه يجزئه عنها ما دام مملوكا لخبر أبان:«العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق»فلا إشكال في المسألة،نعم لو حج بإذن مولاه ثم انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجة الإسلام بالإجماع و النصوص.
و يبقى الكلام في أمور:
أحدها:هل يشترط في الإجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق فهو من باب القلب،أو لا بل هو انقلاب شرعي؟قولان، مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى(1)،فلو فرض أنه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ أو علم و لم يعلم الإجزاء حتى يجدد النية كفاه و أجزأه.
الأمر كذلك بمقتضى اطلاق صحيحة شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«في رجل اعتق عشية عرفة عبدا له،قال:يجزي عن العبد حجة الإسلام» 1فان مقتضى اطلاقها عدم وجوب تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام بعد العتق و انقلاب حجه اليها قهرا و بحكم الشرع.نعم هنا مسألة أخرى و هي ما إذا فرض ان المولى أخذ عبده معه في عرفات بدون احرامه للحج ثم اعتقه قبل الوقوف بالمشعر،فانه إذا احرم من مكانه و وقف بالمشعر الحرام مع الناس و يواصل في اعماله الى أن اكمل حجه،فهل يجزئ ذلك أو لا؟مقتضى القاعدة عدم الاجزاء، لأن قيام الناقص مقام الكامل بحاجة الى دليل،أما روايات«من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» 2فهي لا تشمل ذلك لأن موردها من لم يدرك الاّ الوقوف بالمشعر لمانع من الموانع كمرض أو حبس أو نحو ذلك،و التعدي منه الى المقام بحاجة الى قرينة و لا قرينة عليه،هذا و لكن صحيحة معاوية بن عمار قال:
الثاني:هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الاحرام أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق أو لا يشترط ذلك أصلا؟ أقوال أقواها الأخير(1)،لإطلاق النصوص و انصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام.
بل الأوسط هو الأقوى،لأن روايات الباب لا نظر لها الى بقية الشروط العامة للحج،كالاستطاعة و البلوغ و العقل لا نفيا و لا اثباتا،و انما هي ناظرة الى أنه إذا صار حرا قبل المشعر و أدرك الوقوف فيه صح حجه،و لا مانع من صحته من هذه الناحية،و أما بالنسبة إلى سائر الشروط،فالمرجع فيها اطلاقات أدلتها.
و إن شئت قلت:ان الغاء شرطية الاستطاعة في المقام بحاجة الى دليل، و الفرض أن هذه الروايات لا تدل على الغائها في المسألة لأنها غير ناظرة اليها و ليست في مقام البيان من هذه الناحية،فاذن يكون المرجع في اعتبارها في المقام انما هو إطلاق أدلتها،فلا نحتاج إلى دليل آخر.
فالنتيجة:ان تلك الروايات انما هي في مقام بيان أن العبد إذا اعتق و أدرك الوقوف بالمشعر الحرام حرا كفى و لا يلزم أن يكون حرا في كل اعمال الحج من البداية الى النهاية.
الثالث:هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضا أو لا،أو يكفي إدراك أحد الموقفين فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقا كفى؟قولان،الأحوط الأول(1)،كما أن الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر(2)،
و لكن الأظهر هو الثاني في المقام و ذلك لنص قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:«إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» 1و لا دليل على تقييد ادراك أحد الموقفين بادراك خصوص المشعر،و بكلمة ان ادراك أحد الموقفين في العبد المعتق يكفي لصحة حجه بمقتضى نص هذه الصحيحة،و أما من لم يدرك الا الوقوف بعرفة فقط دون الوقوف بالمشعر بسبب مرض أو حبس أو نحو ذلك فهل يكفي في صحة حجه أو لا؟فيه بحث يأتي في محله بعونه تعالى.
فالنتيجة:انه لا ملازمة بين كفاية ادراك الوقوف بعرفة فقط من العبد المعتق و كفاية ذلك من غيره.
بل هو الأظهر في المقام لأن مورد روايات المسألة هو عتق العبد عشية عرفة أو يومها و على كلا التقديرين فهو ادرك بعد العتق اختياري أحدهما و لا بد من الاقتصار على ذلك و لا يمكن التعدي الى كفاية ادراك الاضطراري من المشعر أو عرفة،لأن الحكم بما أنه يكون على خلاف القاعدة،فالتعدي بحاجة الى دليل،و من هنا يظهر الفرق بين هذه المسألة و المسألة الآتية و هي ان من لم يدرك الموقفين معا لضيق الوقت بسبب مانع من الموانع فانه و إن قلنا هناك بعدم كفاية ادراكه الوقوف بعرفة فحسب حتى الاختياري منه و كفاية ادراكه الوقوف بالمشعر فقط حتى الاضطراري فلا نقول بذلك في هذه المسألة على
فلا يكفي إدراك الاضطراري منه،بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين و إن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر لكن إذا كان مسبوقا بإدراك عرفات أيضا و لو مملوكا(1).
الرابع:هل الحكم مختص بحج الإفراد و القران أو يجري في حج التمتع أيضا و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟الظاهر الثاني لإطلاق النصوص،خلافا لبعضهم فقال بالأول لأن إدراك المشعر معتقا إنما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية،و فيه ما مر من الإطلاق،و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنهما عمل واحد،هذا إذا لم ينعتق إلا في الحج و أما إذا انعتق في عمرة التمتع و أدرك بعضها معتقا فلا يرد الإشكال(2).
[2991]مسألة 1:إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس
مرّ آنفا في الأمر الأول ان عدم اعتبار هذا الشرط في صحة حجّه و كفاية ادراك المشعر فقط بعد العتق غير بعيد بمقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.
الظاهر انه لا دليل على صحة العمرة من العبد المعتق في أثنائها،فاذا أحرم العبد للعمرة ثم اعتق فلا دليل على صحة احرامه و انقلابه احراما لعمرة التمتع،و حينئذ فان كان مستطيعا وجب عليه أن يرجع إلى الميقات و يحرم منها، و الاّ يحرم من مكانه و يواصل في عمرته،و إذا اعتق بعد طواف العمرة فالظاهر بطلانه و بطلان احرامه،اذ لا دليل على اجزائهما عنه بعد العتق و الروايات
له أن يرجع في إذنه(1)لوجوب الإتمام على المملوك و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،نعم لو أذن له ثم رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه،و إذا لم يعلم برجوعه فتلبس به هل يصح إحرامه و يجب إتمامه أو يصح و يكون للمولى حله أو يبطل؟وجوه أوجهها الأخير لأن الصحة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع،و دعوى أنه دخل دخولا مشروعا فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل،مدفوعة بأنه لا تكفي المشروعية الظاهرية،و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل و لا يجوز القياس عليه.
الظاهر جواز رجوعه عن اذنه على أساس انه يوجب تبدل الموضوع و انقلابه باعتبار أن حج العبد مشروط باذن مولاه و اجازته حدوثا و بقاء كسائر شروطه من الاستطاعة و العقل و البلوغ و الحرية،فاذا احرم باذنه وجب عليه اتمامه شريطة بقاء اذنه كما هو الحال بالنسبة إلى بقية الشروط،فاذا رجع عن اذنه بقاء انتفى وجوب الإتمام بانتفاء شرطه و موضوعه،كما انه إذا انتفت الاستطاعة عنه في أثناء العمل انتفى وجوب الإتمام بانتفاء شرطه،و من هنا يظهر انه لا وجه للاستدلال على عدم جواز الرجوع عن إذنه بما ورد من انه:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» 1فانه مبني على ان يكون اذن المولى شرطا في الشروع في الحج فقط لا فيه و في الابقاء عليه و اتمامه،فاذا شرع فيه باذنه وجب عليه اتمامه بقاء و إن رجع المولى عن اذنه اذ«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
و إن شئت قلت:ان عناصر هذه الكبرى هي ما إذا نهى المولى عبده أو الأب ابنه عن اتيان واجب الهي كصلاة أو نحوها،أو أمره بممارسة حرام فانه لا
[2992]مسألة 2:يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه و ليس للمشتري حل إحرامه(1).نعم مع جهله بأنه محرم يجوز له الفسخ مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.
[2993]مسألة 3:إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه،و إن لم يتمكن فعليه أن يصوم،و إن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص و الإجماعات(2).
بل له ذلك بمعنى عدم اذنه في اتمامه،لما مر من أن اذنه معتبر في صحة حجه حدوثا و بقاء،فاذا لم يأذن فيه،أو أذن المولى الأول و بعد انتقاله الى الثاني فالثاني لم يأذن فليس له الإتمام.
لا قيمة لها في المسألة،فانها على تقدير ثبوتها يكون مدركها النصوص الواردة فيها،و حينئذ فلا بد من الرجوع اليها و النظر في مداليلها سعة و ضيقا،و إليكم نص بعضها كقوله عليه السّلام في صحيحة جميل:«فمره فليصم،و إن شئت فاذبح عنه» 1و قوله عليه السّلام في صحيحة سعد بن أبي خلف:«إن شئت فاذبح عنه،و إن شئت فمره فليصم» 2و اما قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:
[2994]مسألة 4:إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة فهل هي على مولاه،أو عليه و يتبع بها بعد العتق،أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز،أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ وجوه أظهرها كونها على مولاه(1)،لصحيحة حريز خصوصا إذا كان
بل الأظهر هو التفصيل فيها بين كفارة الصيد فانها على العبد و كفارة غيره فانها على المولى،و ذلك لأنه مقتضى الجمع بين مجموع اصناف الروايات في المسألة،حيث أن مقتضى اطلاقات أدلة كفارات الاحرام أنها على المباشر سواء أ كان حرا أم مملوكا،و مقتضى صحيحة حريز:«كلما أصاب العبد و هو محرم في احرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الاحرام» 2أنها على المولى، و مقتضى صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن عبد أصاب صيدا و هو محرم هل على مولاه شيء من الفداء؟فقال:لا شيء على مولاه» 3ان كفارة صيده ليست على مولاه،و بما أن الصحيحة الثانية أخص من الصحيحة الأولى موردا فتوجب تقييد اطلاقها بغير موردها.
الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه.نعم لو لم يكن مأذونا في الإحرام بالخصوص بل كان مأذونا مطلقا إحراما كان أو غيره لم يبعد كونها عليه، حملا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه على هذه الصورة(1).
[2995]مسألة 5:إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام و القضاء،و أما البدنة ففي كونها عليه أو على مولاه فالظاهر أن حالها حال سائر الكفارات على ما مر و قد مر أن الأقوى
لا وجه لهذا الحمل،فانه مبني على الجمع بين الروايتين بحمل صحيحة حريز على الاذن الخاص و هو الإذن في الإحرام للحج خاصة،و حمل صحيحة عبد الرحمن على الإذن العام و هو الإذن في الأعم من الإحرام و غيره، فعلى الأول تكون الكفارة على العبد بلا فرق بين كفارة الصيد و غيره،و على الثاني على المولى كذلك،و لكن من المعلوم انه لا قيمة لهذا الجمع فانه جمع تبرعي و لا شاهد عليه من العرف،فاذن لا فرق بين أن يكون العبد مأذونا في الحج باذن خاص أو عام ضرورة انه على كلا التقديرين مأذون فيه،و ليس للإذن الخاص أثر زائد،و قوله عليه السّلام في صحيحة حريز:«إذا أذن له في الإحرام» 1اشارة الى أن صحة احرامه للحج مشروطة بالإذن،و لا يصح بدونه و ان ما على العبد من الكفارة انما هي على سيده شريطة أن يكون احرامه صحيحا،و الاّ فلا موضوع له،و ليس ناظرا الى أن اذنه الخاص دخيل في ذلك.
كونها على المولى الآذن له في الإحرام(1)،و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء لأن الإذن في الشيء إذن في لوازمه(2)،أو لا لأنه من سوء اختياره؟قولان أقواهما الأول(3)سواء قلنا إن القضاء هو حجه أو أنّه عقوبة و أنّ حجه هو الأول،
تقدم ان كفارة العبد في غير الصيد على المولى سواء أ كان مأذونا في الإحرام خاصة أم في الأعم منه و من غيره،لعدم الفرق بين الأمرين في النتيجة، و هي الحكم بصحة الاحرام التي هي الموضوع للكفارات بممارسة موجباتها.
هذا التعليل غريب جدا،لأن وجوب الاتيان بالحج في العام القادم انما هو من لوازم الجماع قبل المشعر،و المفروض ان المولى لم يأذن فيه،و انما أذن في الحج و هو ليس من لوازمه.
هذا هو الصحيح،اما على القول بأن الحجة الثانية عقوبة لما فعله في الحجة الأولى مع كونها محكومة بالصحة فالأمر واضح،و ذلك لأنها حينئذ بمثابة الكفارة لما أحدث في الأولى،فحالها حال سائر الكفارات من هذه الناحية،و عليه فكما أنه إذا صاد و هو محرم فعليه الكفارة و لا بد له من الخروج عن عهدتها و لا يحق لمولاه أن يمنعه عن أدائها و لو نهى عنه لم تجب عليه طاعته على أساس أنه لا طاعة لمخلوق في معصيته الخالق،فكذلك إذا جامع أهله قبل المشعر الحرام،فان عليه الاتيان بالحجة في السنة القادمة عقوبة،و حينئذ لا بد له من الخروج عن عهدتها و إن نهى مولاه عنه،إذ لا قيمة له على أثر انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فيكون المقام من عناصر هذه الكبرى.
و ان شئت قلت:كما أن ثبوت سائر الكفارات في النصوص معلق على ممارسته محرمات الاحرام فاذا مارسها وجبت الكفارة عليه سواء أ كان حرا أم كان عبدا غاية الأمر إن كان الممارس عبدا و كان ذلك الشيء غير الصيد فكفارته
……….
هذا إذا أفسد حجه و لم ينعتق،و أما إن أفسده بما ذكر ثم انعتق فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحر في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة(1) و كونه مجزئا عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين من كون الإتمام عقوبة و أن حجه هو القضاء أو كون القضاء عقوبة،بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضا أتى بحجة الإسلام و إن كان عاصيا في ترك القضاء، و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر إلا أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع،و إن كان مستطيعا فعلا ففي وجوب تقديم حجة الإسلام أو القضاء و جهان مبنيان على أن القضاء فوري أو لا،فعلى الأول يقدم لسبق سببه(2)،و على الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.
الظاهر أنها على المولى دون العبد المنعتق،لأن المستفاد من الروايات التي تنص على ان كفارة العبد في غير الصيد على مولاه أن المعيار انما هو بارتكاب موجبها في حال انه عبد و إن انعتق بعد ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة حريز:«كلما أصاب العبد و هو محرم في احرامه فهو على السيّد» 1فانه يشمل ما إذا انعتق بعد ذلك.
فيه ان سبق السبب بعنوانه ليس من أحد مرجحات باب التزاحم،كما ذكرناه في علم الأصول،و حينئذ فان كان هناك مرجح لأحدهما كالأهمية أو
[2996]مسألة 6:لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك و عدم صحته إلا بإذن مولاه و عدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر بين القنّ و المدبر و المكاتب و أم الولد و المبعض إلا إذا هاياه مولاه و كانت نوبته كافية مع عدم كون السفر خطريا فإنه يصح منه بلا إذن،لكن لا يجب و لا يجزئه حينئذ عن حجة الإسلام و إن كان مستطيعا لأنه لم يخرج عن كونه مملوكا،و إن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة(1)،
هذه الدعوى هي الصحيحة،و الوجه في ذلك،أن هنا طائفتين من الأدلة:
الأولى:الأدلة العامة من الآية الشريفة و الروايات التي تدل على وجوب الحج على المستطيع و مقتضى عمومها و اطلاقها عدم الفرق بين كون المستطيع حرا أو مملوكا.
الثانية:الروايات الخاصة التي تدل على عدم وجوبه على المملوك،و هذه الروايات تقيد اطلاق الطائفة الأولى بالمستطيع الذي لا يكون مملوكا،و بما أن عنوان المملوك لا يصدق على المبعّض فهو يظل باقيا تحت اطلاق الطائفة الأولى،و مقتضاه وجوب الحج عليه.
و دعوى:أن عدم وجوب الحج على المملوك بما أنه قد قيد بعدم العتق
فمن الغريب ما في الجواهر من قوله:«و من الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في المبعض»انتهى،إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف،مع أن في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرية(1).
فيه أن عنوان الحر لا يصدق على المبعض لكي تترب عليه آثاره.
[2997]مسألة 7:إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته و إن لم يكن مجزئا عن حجة الإسلام،كما إذا آجره للنيابة عن غيره،فإنه لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة و بين إجارته للحج أو الصلاة أو الصوم.
الثالث:الاستطاعة من حيث المال و صحة البدن و قوته و تخلية السرب و سلامته وسعة الوقت و كفايته،بالإجماع و الكتاب و السنة(1).
[2998]مسألة 1:لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية(2)،
فيه انه لا وجه للاستدلال بالإجماع في المسألة في مقابل الكتاب و السنة،إذ مع وجودهما لا يمكن الوثوق و الاطمئنان بأن الاجماع المدعى فيها اجماعا تعبديا كاشفا عن ثبوت حكم المسألة في زمن المعصومين عليهم السّلام و وصوله إلينا يدا بيد و طبقة بعد طبقة،بل لا محالة يكون مدرك المجمعين فيها الكتاب و السنة،و معه لا قيمة له.
فيه أن هذا التفسير لا ينسجم مع ما يظهر منه قدّس سرّه في ضمن المسائل القادمه من أن المراد منها عدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي على أساس ان المانع الشرعي كالمانع العقلي رافع لوجوب الحج بارتفاع موضوعه و وارد عليه،و نتيجة تفسيرها في المقام هي أنها عبارة عن القدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و على هذا فلا يكون وجوب شيء آخر مضاد للحج مانعا عن وجوبه،و إن كان قبل حصول الاستطاعة.
بيان ذلك:ان الاستطاعة المأخوذة في لسان الآية الشريفة ظاهرة في نفسها بقطع النظر عن تفسيرها في الروايات في الاستطاعة التكوينية في مقابل العجز التكويني الاضطراري،و أما حملها على الاستطاعة التكوينية في مقابل العجز التكويني الأعم من الاضطراري و الاختياري فهو بحاجة إلى قرينة،و الا فالمتبادر منها هو المعنى الأول،و كذلك حملها على الاستطاعة المساوقة لعدم
……….
و هي كما في جملة من الأخبار الزاد و الراحلة،فمع عدمهما لا يجب و إن كان قادرا عليه عقلا بالاكتساب و نحوه،و هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليه؟مقتضى إطلاق الأخبار و الإجماعات المنقولة الثاني،و ذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول لجملة من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضا أو كلا، بدعوى أن مقتضى الجمع بينها و بين الأخبار الاول حملها على صورة الحاجة مع أنها منزلة على الغالب بل انصرافها إليها،و الأقوى هو القول الثاني(1)لإعراض المشهور(2)عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم و مسمع،فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل كالحمل على الحج المندوب و إن كان بعيدا عن سياقها،مع أنها مفسرة للاستطاعة في الآية الشريفة و حمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بعيد،أو
بل الأول،لما مر من ان المتفاهم العرفي من الروايات المشتملة على الراحلة عدم الموضوعية لها و أخذها في الروايات في مقابل الزاد انما هو للحاجة اليها اما لحمل ما يحتاج اليه في السفر أو للركوب عليها و الاّ فلا موضوعية لها و لا تكون دخيلة في مفهوم الاستطاعة.
فيه انه لا أثر لاعراضهم و لا قيمة له الا لدى توفر أمرين فيه:
أحدهما:أن يكون الاعراض من قدماء الاصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام.
الثاني:أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مستندا له في مقابل هذه الأخبار.
و كلا الأمرين غير متوفر في المقام.
حملها على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا و هو أيضا بعيد،أو نحو ذلك،و كيف كان فالأقوى ما ذكرنا،و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة خصوصا بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي و الركوب أو يكون المشي أسهل،لانصراف الأخبار الاول عن هذه الصورة،بل لو لا الإجماعات المنقولة و الشهرة(1)لكان هذا القول في غاية القوة.
تقدم انه لا أثر للإجماعات المنقولة المدعاة في المسألة،و لا للشهرة الفتوائية،فالعبرة انما هي بالروايات و النصوص فيها،و قد مر مدى سعة دلالة تلك الروايات و المستفاد منها.
[2999]مسألة 2:لا فرق في اشتراط وجود الراحلة(1)بين القريب و البعيد حتى بالنسبة إلى أهل مكة لإطلاق الأدلة،فما عن جماعة من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له.
[3000]مسألة 3:لا يشترط وجودهما عينا عنده،بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال من غير فرق بين النقود و الأملاك من البساتين و الدكاكين و الخانات و نحوها،و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة،و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره،و مع عدمه يسقط الوجوب.
[3001]مسألة 4:المراد بالزاد هنا المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه و جميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله قوة و ضعفا و زمانه حرا و بردا و شأنه شرفا و ضعة،و المراد بالراحلة مطلق ما يركب و لو مثل سفينة في طريق البحر،و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة و الضعف،بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة و الشرف كما و كيفا،فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعد ما دونهما نقصا عليه يشترط في الوجوب القدرة عليه و لا يكفي ما دونه و إن كانت الآية و الأخبار مطلقة،و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات،نعم إذا لم يكن بحد
مرّ أنه لا موضوعية لوجودها لا في البعيد و لا في القريب الاّ لدى الحاجة و الضرورة،اما من جهة انه لا يتمكن من المشي راجلا،أو من جهة حمل الزاد و نحوه مما يتطلبه سفر الحج كما هو الغالب.
الحرج وجب معه الحج،و عليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب.
[3002]مسألة 5:إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه هل يجب عليه أو لا؟الأقوى عدمه و إن كان أحوط.
[3003]مسألة 6:إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده،فالعراقي إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه و إن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق،بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعا أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها و كان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه،بل لو أحرم متسكعا فاستطاع و كان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال بالوجوب عليه،و إن كان لا يخلو عن إشكال(1).
الظاهر انه لا اشكال في الوجوب،أما إذا كان أمامه ميقات آخر فالأمر واضح على أساس انه إذا استطاع في الميقات الأمامي كشف عن وجوب حجة الإسلام عليه لفرض تمكنه منها مالا و بدنا و سربا بكل واجباتها،و معه لا تكون لها حالة منتظرة،و اما إذا لم يكن أمامه ميقات اخر فايضا الأمر كذلك،لأنه إذا استطاع بعد التجاوز عن الميقات،فان تمكن من الرجوع اليه و الاحرام منه وجب لأنه مستطيع فتكون وظيفته حجة الإسلام على أساس أن استطاعته تلك تكشف عن بطلان احرامه،و ان الحج الندبي لم يكن مشروعا في حقه و إن لم يتمكن من الرجوع اليه،اما لضيق الوقت،أو لسبب آخر فالأمر أيضا كذلك،لأنه متمكن مالا و بدنا من الاتيان بكل واجبات حجة الإسلام من البداية الى النهاية، غاية الأمر انه يكون معذورا من أن يحرم من الميقات فوظيفته أن يحرم من مكانه،نظير من كان غافلا عن استطاعته في الواقع و بعد تجاوزه عن الميقات
[3004]مسألة 7:إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب،و لو وجد و لم يوجد شريك للشق الآخر فإن لم يتمكن من أجرة الشقين سقط أيضا،و إن تمكن فالظاهر الوجوب(1)لصدق الاستطاعة،فلا وجه لما عن العلاّمة من التوقف فيه لأن بذل المال له خسران لا مقابل له،نعم لو كان بذله مجحفا و مضرا بحاله لم يجب كما هو الحال في شراء ماء الوضوء.
هذا هو الصحيح،و السبب فيه أن عملية الحج الواجبة على المستطيع بطبعها تتطلب بذل المال و انفاقه في سبيلها،فمن هذه الجهة يكون وجوب الحج وجوبا بطبعه يتطلب الضرر المالي فلا يكون مشمولا لحديث لا ضرر
[3005]مسألة 8:غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط،و لا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة،بل و كذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل و القيمة المتعارفة(1)،بل و كذا لو توقف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة،فما عن الشيخ من سقوط الوجوب ضعيف.نعم لو كان الضرر مجحفا بماله مضرا بحاله لم يجب،و إلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة و شمول الأدلة،فالمناط هو الإجحاف و الوصول إلى حد الحرج الرافع للتكليف.
[3006]مسألة 9:لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده و إن لم يكن له فيه أهل و لا مسكن مملوك و لو بالإجارة،للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له.نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن لم يعتبر وجود نفقة العود،لإطلاق الآية و الأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب، و إذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه(2)،و إلا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه.
ظهر حكمه و حكم ما بعده مما مر في المسألة السابقة.
بل و ان كان أبعد شريطة أن لا يتمكن من الرجوع الى وطنه،فان وجود نفقة العود الى ذلك البلد حينئذ معتبر في وجوب الحج،و اما إذا كان رجوعه الى بلد آخر حسب ارادته و رغبته،فعندئذ يعتبر في وجوب الحج مقدار نفقة العود الى وطنه سواء أ كان البلد الآخر قريبا أم كان بعيدا فان المعيار في الاستطاعة حينئذ انما هو بوجود نفقة الذهاب و الاياب الى بلده و إن لم تكف للرجوع الى بلد آخر.نعم إذا كانت نفقة الرجوع الى بلد آخر أقل من نفقة
[3007]مسألة 10:قد عرفت أنه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة و لا وجود أثمانها من النقود،بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها،لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه،فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله،و لا خادمه المحتاج إليه،و لا ثياب تجمله اللائقة بحاله فضلا عن ثياب مهنته،و لا أثاث بيته من الفراش و الأواني و غيرهما مما هو محل حاجته،بل و لا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها و مكانها،و لا كتب العلم لأهله التي لا بد له منها فيما يجب تحصيله لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية،و لا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه،و لا فرس ركوبه مع الحاجة إليه،و لا سلاحه و لا سائر ما يحتاج إليه،لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر و الحرج،و لا يعتبر فيها الحاجة الفعلية،فلا وجه لما عن كشف اللثام:من أن فرسه إن كان صالحا لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة و إلا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره و لا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ،كما لا وجه لما عن الدروس من التوقف في استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع، فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه مما يكون إيجاب بيعه مستلزما للعسر و الحرج(1).
هذا هو الضابط العام للاستثناء،و على هذا فكل من كانت لديه
نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج،و كذا لو استغنى عنها بعد الحاجة كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه و نحوه.
[3008]مسألة 11:لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه و كان عنده دار مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج أو متممة لها،و كذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته فيجب بيع المملوكة منها،و كذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة،لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن ذلك منافيا لشأنه و لم يكن عليه حرج في ذلك،نعم لو لم تكن موجودة
و أمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك(1)فلا يجب بيع ما عنده و في ملكه، و الفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف الصورة الاولى إلا إذا حصلت بلا سعى منه أو حصّلها مع عدم وجوبه فإنه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.
[3009]مسألة 12:لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة و أمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة مع كونه لائقا بحاله أيضا،فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟قولان،من صدق الاستطاعة و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة و الأصل عدم وجوب التبديل،و الأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه(2)و كانت الزيادة معتدا بها كما إذا كانت له دار تسوى مائة و أمكن تبديلها بما يسوى خمسين مع كونه لائقا بحاله من غير عسر فإنه يصدق الاستطاعة.نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا بحيث لا يعتنى بها أمكن
بل الظاهر الوجوب،فان من كانت عنده الدار للسكنى فاذا باعها كفى ثمنها لنفقات سفر الحج فانه في هذه الحالة يجب عليه بيعها و صرف ثمنها فيها إذا لم يقع في مهانة و حرج من جهة المسكن،بدون فرق بين أن يكون عنده مسكن فعلا وقفا أو اجارة أو لا،و لكنه متمكن من تحصيله بدون الوقوع في حرج أو مهانة،و ليس هذا من تحصيل الاستطاعة لكي لا يكون واجبا،بل هو مستطيع باعتبار أن ما لديه من الامكانية المالية لنفقات سفر الحج المتمثلة في داره كافية لها بدون الوقوع في عسر و حرج،فما في المتن من عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة لا وجه له أصلا.
شريطة أن يكون ذلك حرجيا عليه و الاّ فلا دليل على استثنائه،و معه فلا وجه لجعله في مقابل الحرج.
دعوى عدم الوجوب و إن كان الأحوط التبديل أيضا(1).
[3010]مسألة 13:إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال،بل الأقوى عدم جوازه إلا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه، فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه،و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة(2)،و إن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلا مع لزوم الحرج في تركه،و لو كانت موجودة و باعها بقصد التبديل بآخر
بل هو الأظهر شريطة توفر أمرين فيه:
أحدهما:أن لا يكون في التبديل مشقة و حرج.
و الآخر:أن تكون الزيادة القليلة كافية بنفسها لنفقات سفر الحج،كما إذا باع داره بخمسة و عشرين ألف دينار-مثلا-و اشترى دارا أخرى بأربعة و عشرين الف دينار،فالزيادة و هي الألف بالنسبة إلى قيمة الدار و إن كانت قليلة الاّ أنها تكفي لنفقات سفر الحج،و في هذه الحالة يكون مستطيعا و يجب عليه التبديل،و من هذا القبيل ما إذا كان عنده مال لا يكفي لكل نفقاته و لكن إذا باع داره و اشترى دارا أخرى بقى من ثمنها بمقدار إذا ضمه الى المال الموجود لديه كفى.
بل مع الحاجة أيضا شريطة أن لا يكون في تركها حرج،كما إذا كانت عنده دار لا تزيد عن مقدار حاجته،و لكن إذا باعها و سكن في دار وقفية أو اجارة مناسبة لحاله لم يقع في عسر و حرج و في مثل هذه الحالة فهو مستطيع يجب عليه الحج بلا فرق بين أن يكون المال الموجود عنده من الأعيان كالدار أو نحوها أو من النقود لأن المعيار في كلا الفرضين واحد و هو الامكانية المالية لديه لنفقات سفر الحج بدون أن يلزم من صرفها فيها حرج.فاذن لا فرق بين الفرضين،فما هو ظاهر المتن من الفرق بينهما لا أساس له.
لم يجب صرف ثمنها في الحج فحكم ثمنها حكمها،و لو باعها لا بقصد التبديل وجب بعد البيع صرف ثمنها في الحج(1)إلا مع الضرورة إليها على حد الحرج في عدمها.
فيه اشكال بل منع،و الأظهر انه لا أثر لقصد التبديل أو عدمه،فان المعيار انما هو بلزوم الحرج من ترك التبديل واقعا و عدمه،فعلى الأول لا يجب الحج تطبيقا لقاعدة نفي الحرج سواء أ كان قاصدا التبديل أم لا،و على الثاني يجب و إن كان قاصدا التبديل من جهة تمكنه مالا من الانفاق على الحج و عدم الوقوع في حرج بسبب ذلك،بل لا يبعد وجوب بيعها في هذه الحالة و صرف ثمنها في الحج.
مثال ذلك:إذا باع زيد داره لا بقصد شراء دار أخرى،و في هذه الحالة مرة لا يكون في ترك شراء دار أخرى حرج عليه،و أخرى يكون حرج فعلى الأول يجب الحج بل يجب بيع الدار و صرف ثمنها فيه باعتبار أن من لديه الامكانية المالية لنفقات سفر الحج من دون أن يستلزم صرفها فيها عسرا و حرجا وجب، و على الثاني لا يجب عليه الحج و إن كان قاصدا ادخار ثمنها و عدم صرفه في شراء دار أو أي شيء آخر من حاجاته،فان ذلك لا يمنع عن جواز شرائها به في كل آن،و من المعلوم ان ذلك لا يجتمع مع وجوب الحج عليه و صرفه في نفقاته و لا أثر لقصده ادخار الثمن و ابقائه عنده،فانه لا يغير الحكم في الواقع و لا يرفع جواز الشراء.
و دعوى انه أقدم على الحرج باختياره و معه لا مجال لتطبيق قاعدة نفي الحرج،مدفوعة بأن القاعدة تنفي الوجوب الناشئ من قبله الحرج،و بما أن الزام المكلف بصرف المال في المقام في نفقات الحج يستلزم وقوعه في الحرج فهو مرفوع بالقاعدة،و حينئذ فالمكلف بالخيار بين ابقاء المال و هو ثمن الدار عنده أو صرفه في شراء شيء من حاجاته منها الدار و بين صرفه في نفقات سفر الحج
[3011]مسألة 14:إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج و نازعته نفسه إلى النكاح صرّح جماعة بوجوب الحج و تقديمه على التزويج،بل قال بعضهم:و إن شقّ عليه ترك التزويج؛و الأقوى وفاقا لجماعة أخرى عدم وجوبه مع كون ترك التزويج حرجا عليه أو موجبا لحدوث مرض(1)أو للوقوع في الزنا و نحوه(2)،نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها و يصرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج لعدم صدق الاستطاعة عرفا.
[3012]مسألة 15:إذا لم يكن عنده ما يحج به و لكن كان له دين على شخص بمقدار مئونته أو بما تتم به مئونته فاللازم اقتضاؤه و صرفه في الحج إذا كان الدين حالا و كان المديون باذلا،لصدق الاستطاعة حينئذ،
هذا شريطة أن يكون تحمله حرجيا و الاّ فلا دليل على استثنائه،و لا وجه حينئذ لجعله في مقابل الحرج.
فيه ان العلم بالوقوع في الزنا اختيارا لا يكون مبررا لترك صرف المال في نفقات سفر الحج،و لا دليل على أن وجوب الحج مشروط بعدم العلم بذلك.
و كذا إذا كان مماطلا و أمكن إجباره بإعانة متسلط أو كان منكرا و أمكن إثباته عند الحاكم الشرعي و أخذه بلا كلفة و حرج،بل و كذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور بناء على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء الحق عليه،لأنه حينئذ يكون واجبا بعد صدق الاستطاعة(1)لكونه مقدمة للواجب المطلق،و كذا لو كان الدين مؤجلا و كان المديون باذلا قبل الأجل لو طالبه،و منع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة محل منع،و أما لو كان
هذا هو الظاهر،لأن معنى كون المكلف مستطيعا أن لديه الامكانية المالية لنفقات سفر الحج بكل متطلباته اللائقة بحاله،غاية الأمر أن تلك الامكانية متمثلة مرة في النقود المتوفرة عنده،و أخرى في الأعيان الخارجية كالأرض أو البستان أو الدار أو الفرس أو الكتب أو نحوها،و ثالثة في الأعيان الثابتة في الذمة كالديون،فان نقدها و إن كان يتوقف على مؤنة و مقدمة خارجية كالرجوع الى الحاكم الشرعي أو غيره ممن يقدر على أخذها من المدين أو إلى حاكم الجور إذا توقف انقاذ الحق بالرجوع اليه،و بما أن الدائن متمكن من نقد الدين و أخذه من المدين و لو بالواسطة فهو مستطيع باعتبار أن لديه الامكانية المالية و لا يكون تحصيل الدين بالواسطة من تحصيل الاستطاعة،بل هو من تحصيل مقدمة الواجب المطلق بعد الاستطاعة كتهيئة الزاد و الراحلة و جواز السفر و تأشيرة الدخول و نحو ذلك،أو فقل انه كبيع الاعيان الخارجية لديه لتهيئة المقدمات التي يتوقف سفر الحج عليها فعلا،أو إذا كان له مال في بلد آخر عند شخص يكفي للحج فانه يجب عليه جلب ذلك المال من تلك البلدة مباشرة أو بالواسطة للإنفاق على الحج،و لا يكون ذلك تحصيلا للاستطاعة.
فالنتيجة:ان الاستطاعة عبارة عن الامكانية المالية فعلا المتمثلة في وجود مال لدى المستطيع قد يتوقف انفاقه في سبيل نفقات الحج على بيعه و تبديله أو
المديون معسرا أو مماطلا لا يمكن إجباره أو منكرا للدين و لم يمكن إثباته أو كان الترافع مستلزما للحرج أو كان الدين مؤجلا مع عدم كون المديون باذلا فلا يجب(1)،بل الظاهر عدم الوجوب(2)لو لم يكن واثقا ببذله مع المطالبة.
هذا شريطة ان لا يتمكن من بيع الدين في هذه الحالة بما يفي لنفقات الحج و لو بتتميم ما عنده من المال،و اما إذا تمكن منه و كان الثمن وافيا بها مستقلا أو تتميما فيجب عليه ذلك حيث انه عندئذ مستطيع و لديه الامكانية المالية.
الأمر كما افاده قدّس سرّه فانه مع الشك في بذل المديون مع المطالبة يشك في الاستطاعة و هذا مساوق للشك في الوجوب،و مقتضى الأصل البراءة،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الشك في القدرة الشرعية أو العقلية،و نقصد بالأولى القدرة التي هي شرط للحكم و الملاك معا،و هي القدرة المأخوذة في لسان الدليل في مرحلة الجعل،فانها كما تكون من شروط الحكم في تلك المرحلة كذلك تكون من شروط الاتصاف في مرحلة المبادئ،و عليه فالشك فيها يكون مساوقا للشك في الحكم و الملاك معا،فمن أجل ذلك يكون موردا لأصالة البراءة،و نقصد بالثانية القدرة التي يكون الحاكم باعتبارها في التكليف هو العقل على أساس استحالة تكليف العاجز،و لا يحكم باعتبارها في الملاك على أساس انه لا طريق له اليه،فيمكن أن يكون الملاك في هذه الصورة مطلقا و ثابتا حتى في حال العجز و عدم ثبوت التكليف،و على هذا الأساس فاذا شك في
[3013]مسألة 16:لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة،لأنه تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب.نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل و أمكنه الاستقراض و الصرف في الحج ثم وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا(1)،إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض،لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة.
في اطلاقه اشكال بل منع،لما مر من أن الاستطاعة عرفا عبارة عن الامكانية المالية فعلا،و عليه فان أمكن بيع ماله الغائب أو الدين المؤجل أو ماله
[3014]مسألة 17:إذا كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين ففي كونه مانعا عن وجوب الحج مطلقا سواء كان حالا مطالبا به أو لا أو كونه مؤجلا، أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة،أو كونه مانعا إلا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة،أو كونه مانعا إلا مع التأجيل وسعة الأجل للحج و العود أقوال،و الأقوى كونه مانعا إلا مع التأجيل و الوثوق بالتمكن من أداء الدين إذا صرف ما عنده في الحج،و ذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة(1)و هي المناط في الوجوب لا مجرد كونه مالكا للمال، و جواز التصرف فيه بأي وجه أراد و عدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة،نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقا بالتمكن من الأداء مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن،و الأخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه دين لا تنفع في الوجوب و في كونه حجة الإسلام،و أما صحيح معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟قال:«نعم إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين»،و خبر عبد الرحمن عنه عليه السّلام أنه قال:«الحج واجب على الرجل
الظاهر صدق الاستطاعة في كل تلك الصور حتى في صورة ما إذا كان الدين حالا و مطالبا به فعلا،و ذلك لأن وجوب أداء الدين بصرف تحققه و تنجزه لا يكون رافعا لموضوع وجوب الحج و واردا عليه،ضرورة أن وجوبه لا يكون مشروطا بعدم المانع المولوي على خلافه الأعم من التكويني
و إن كان عليه دين»فمحمولان على الصورة التي ذكرنا(1)أو على من استقر عليه الحج سابقا و إن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر،فالأولى الحمل الأول.
و أما ما يظهر من صاحب المستند من أن كلا من أداء الدين و الحج واجب فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما(2)في صورة الحلول مع المطالبة أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود،و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود
بل هو بعيد،فان الظاهر أنها في مقام بيان ان الدين بنفسه لا يكون مانعا عن وجوب الحج و لا ينافي تحقق الاستطاعة،غاية الأمر قد يقع التزاحم بين وجوبه و وجوب وفاء الدين كما مر،و به يظهر حال ما بعده.
مر أن الأقوى تقديم الدين على الحج و لا وجه للتخيير.
و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم(1).
ففيه أنه لا وجه للتخير في الصورتين الاوليين و لا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييرا أو تعيينا مشروطا بالاستطاعة الغير الصادقة في المقام خصوصا مع المطالبة و عدم الرضا بالتأخير(2)،مع أن التخيير فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد،و المفروض أن وجوب أداء الدين مطلق بخلاف وجوب الحج فإنه مشروط بالاستطاعة الشرعية(3).نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقا فالظاهر التخيير لأنهما
مر أن المدين إذا لم يثق بالتمكن من الوفاء بالدين إذا حج لم يجز له انفاق ما لديه من المال في الحج على أساس ان ملاك وجوب الوفاء بالدين في ظرفه تام و منجز،فلا يجوز تفويته،و إذا انفق ماله لسفر الحج احتمل تفويته، و معه احتمل العقاب عليه،فيستقل العقل بعدم جواز الانفاق على الحج.
تقدم صدق الاستطاعة في تمام صور المسألة،و لا تنتفي الاّ بصرف المال في وفاء الدين خارجا،فما يظهر منه قدّس سرّه أن مجرد وجوب الوفاء بالدين رافع للاستطاعة غريب جدا.
الظاهر انه قدّس سرّه أراد بها المعنى المساوق لعدم المانع الأعم من التكويني و التشريعي،و عليه فثبوت كل حكم شرعي و تنجزه يكون رافعا لموضوع وجوب الحج و وارد عليه على أساس انه مانع شرعي،و لكن من المعلوم أنه لا شاهد على ارادة هذا المعنى من الاستطاعة في الآية الشريفة و لا في غيرها،بل الشاهد متوفر على الخلاف،و هو أن الظاهر منها عرفا بلحاظ نفسها في الآية القدرة التكوينية،و بلحاظ تفسيرها في الروايات عبارة عن العناصر المتقدمة آنفا،فما أفاده قدّس سرّه من التفسير للاستطاعة غريب جدا،و لا يتطلب هذا التفسير
حينئذ في عرض واحد،و إن كان يحتمل تقديم الدين(1)إذا كان حالا مع المطالبة أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس من حق اللّه(2)، لكنه ممنوع و لذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزّع المال عليهما(3) و لا يقدم دين الناس،و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب،لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى.
هذا هو الأظهر كما مر.
في اطلاقه اشكال بل منع،إذ ليس لذلك ضابط عام،بل هو يختلف باختلاف الموارد،فقد يكون حق الناس أهم من حق اللّه،و قد يكون العكس، و قد يكونا متساويين،و ليس لذلك ضبط عام في الشرع،و في المقام حيث أن التزاحم بين وجوب وفاء الدين و وجوب الحج فلا بد من تقديم الأول على الثاني لأهميته،أو لا أقل من احتمالها،و تكشف عن ذلك الروايات التي تنص على أن مال المسلم كدمه و عرضه،بتقريب أن جعل ماله في عرض دمه و عرضه كاشف عن اهتمام الشارع به.
فيه ان التوزيع انما هو في فرض كفاية المال لهما معا،و الاّ فمقتضى القاعدة تقديم الدين على الحج كما مر،و لكن قد ورد نص خاص في المقام بتقديم الحج على الدين و هو صحيحة بريد العجلي قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج حاجا و معه جمل و نفقة و زاد،فمات في الطريق،قال:إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام،و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام فان فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين-الحديث» 1فانها ناصة
[3015]مسألة 18:لا فرق في كون الدين مانعا من وجوب الحج(1)بين أن يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلا على وجه الضمان من دون تعمد(2)قبل خروج الرفقة أو بعده قبل أن يخرج هو أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال،فحاله حال تلف المال من دون دين(3)فإنه يكشف عن عدم كونه مستطيعا.
مر أن وجوب الوفاء بالدين لا يكون رافعا لوجوب الحج و واردا عليه،بل هو مزاحم له،و لكن بما أنه أهم منه،أو محتمل الأهمية فيقدم عليه بدون فرق بين أن يكون سابقا أو مقارنا أو لاحقا،فان وجوب الحج في الحقيقة مشروط بعدم الوفاء به على أساس الاشتراط اللبي العام،و من هنا إذا عصى المكلف و ترك الوفاء بالدين و حج صح على القول بالترتب كما هو الحق.
فيه أنه لا وجه لهذا التقييد،إذ لا فرق في سببية الاتلاف للضمان بين أن يكون عمديا أو خطئيا،و لعل نظره قدّس سرّه في هذا التقييد إلى أن وجوب الحج قد استقر إذا كان الاتلاف عمديا،و لم يستقر إذا كان خطئيا،و لكن لا ثمرة لهذا الفرق في المسألة أيضا،فان وجوب الوفاء بالدين يتقدم على وجوب الحج في مقام المزاحمة،سواء أ كان وجوبه مستقرا أم لا،و لا وجه لما ذكره قدّس سرّه من الفرق بينهما و الحكم بعدم تقدمه عليه إذا كان مستقرا.
فيه ان قياس مع الفارق،فانه إذا أتلف مال غيره فقد اشتغلت ذمته ببدله مثلا أو قيمة و أنه مديون له،و قد مر أن وجوب الوفاء بالدين لا يمنع عن الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية عنده و لا يكون رافعا لها،فان